الأحد، 13 أبريل 2008

ماذا يعني قطع يهود فلسطين صلتهم مع فلسطينيي قطاع غزة ؟

الأحد,شباط 17, 2008
ماذا يعني قطع يهود فلسطين صلتهم
مع فلسطينيي قطاع غزة ؟
==================
د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية – فلسطين

تسارعت الأحداث السياسية في قطاع غزة خلال الأيام القليلة الماضية ، إذ اشتدت وطأة الاحتلال الإسرائيلي الذي قصف غزة هاشم برا وجوا وبحرا ، واغتال عشرات الفلسطينيين فقضوا نحبهم شهداء ، وجرح العشرات الآخرين ، وزاد ضغط الحصار الشامل العسكري والسياسي والاقتصادي الجامع على محافظات فلسطين الجنوبية في قطاع غزة ، فأصبحت غزة تعيش في ظلام دامس وتعاني من نقص شديد في الماء والغذاء والدواء والغطاء في فصل الشتاء القارص ، فتصاعدت حدة الغليان الفلسطيني فقصفت مستعمرات أسديروت وعسقلان ومستعمرات أخرى في النقب بالصواريخ الفلسطينية المحلية الصنع . وكما تقول القاعدة العلمية كثرة الضغط تولد الانفجار ، تولد الانفجار وتحدى الفلسطينيون آلة البطش والظلم والظلام الإسرائيلية ، فخرجت الجموع الفلسطينية منذ 22 كانون الثاني 2008 ، لعدة أيام متواصلة ، تبحث عن رزقها في مصر ، فكان العبور البري الفلسطيني العظيم إلى سيناء المصرية ، ولكن هذه المرة بحالة غير مسبوقة بأعداد هائلة وصل عديدها لأكثر من 700 ألف فلسطيني دون مراقبة أو تأشيرات دخول . وسرعان ما استنفرت قوات الاحتلال الإسرائيلي وأعلنت نيتها التخلي عن مسؤولياتها عن سجن قطاع غزة الكبير ، وعزمها قطع صلتها بقطاع غزة ، وهذا الأمر يعني ما يلي :
أولا : تملص إسرائيلي جديد من مسيرة السلام الجارية بعد مؤتمر أنابوليس وما يسمى خريطة الطريق وإقامة دولة فلسطينية تضم الضفة الغربية وقطاع غزة وفق رؤية الرئيس الأمريكي جورج بوش .
ثانيا : تهيئة الفلسطينيين والإسرائيليين لمرحلة جديدة من الفترات الانتقالية وفق السياسة الإسرائيلية المبرمجة القاضية بجعل الفلسطينيين يدورون في حلقة مفرغة لا نهاية لها . ويمكن أن يكون تم الاتفاق على هذا السيناريو عند زيارة جورج بوش لتل أبيب ورام الله بشهر كانون الثاني الجاري . وتشجيعه للاحتلال بعملة فك الارتباط بغزة التي تسبب له المتاعب المتلاحقة .
ثالثا : عملية خروج مئات آلاف الفلسطينيين باتجاه مصر وهذا ما كانت تخطط له القيادة الإسرائيلية لتهجير الفلسطينيين في هجرة ثالثة كما اقترحته أحزاب الليكود وإسرائيل بيتنا وغيرها ، وهذا تمهيد لعودة قطاع غزة للإدارة المصرية كما كانت قبل حزيران 1967 ، والتخلص من التبعات والمسئوليات الإقتصادية والأخلاقية أمام العالم ، وبالتالي العمل على دمج الفلسطينيين في القطاع من جديد بالمصريين في سيناء لفحص إمكانية توطين مئآت آلاف الفلسطينيين من الخارج في سيناء كما كانت الخطط الإسرائيلية السابقة تنادي بذلك .
رابعا : السعي الإسرائيلي الحثيث لانهيار السلطة الوطنية الفلسطينية ، نواة دولة فلسطين ، وتشتيت الجهد الفلسطيني ، بإلحاق قطاع غزة بمصر والضفة الغربية بالأردن لاحقا فيما يعرف بالخيار الأردني .وعملية التهديد والوعيد الإسرائيلية للفلسطينيين لم تتوقف ، فالأموال الآتية من المقاصة والضرائب الناتجة عن البيع والشراء بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن تذهب للفلسطينيين وبالتالي توليد ضغط مالي جديد على خزينة المالية الفلسطينية الخاوية .
خامسا : إن عملية قطع الكيان الإسرائيلي صلته من طرف واحد بكيان غزة الهش يولد مأساة فلسطينية جدية ، لأن عملية الاستيراد والتصدير للمواد الخام والمواد الغذائية والاحتياجات الأخرى ، والوقود وغيرها ستتوقف ، وبالتالي هذا يشكل ضغطا جديدا على الفلسطينيين وإلهائهم في متاهات جديدة وخلط الأوراق مجددا على الساحة الفلسطينية . ويتمثل ذلك بخلق واقع مأساوي جديد ، يعيد الفلسطينيين إلى المربع رقم واحد .
سادسا : التمهيد لتطبيق ما يسمى بالدولة اليهودية بقومية واحدة ، وفك الإرتباط الاقتصادي الإسرائيلي بقطاع غزة يعني في هذه المرحلة تدمير الاقتصاد الفلسطيني الناشئ ، الذي أخذ يغرق في مستنقعات ودهاليز الاقتصاد والسياسة الإسرائيلية .
سابعا : منع العمال الفلسطينيين العاملين في المصانع والورش والشركات الإسرائيلية في فلسطين المحتلة عام 1948 من التوجه للعمل ، وبالتالي حرمان الفلسطينيين من مصدر دخل مالي ثابت .
ثامنا : تحجيم العمليات العسكرية التفجيرية الفلسطينية داخل المناطق الإسرائيلية ، وبالتالي استباق التصدي للانتفاضة الفلسطينية الثالثة التي تدق ناقوس الخطر بعد تزايد المجازر ضد الفلسطينيين في قطاع غزة .، وشن هجوم واسع على قطاع غزة بري وبحري وجوي بعد تشديد الحصار وضغطه بصورة أشمل وأكبر .
وعلى الجانب الآخر ، فإن عملية قطع الصلة الإسرائيلية بقطاع غزة يولد لها مشاكل عويصة أيضا ، من أبرزها :
أولا : غياب الأيدي العاملة الفلسطينية الرخيصة ذات الإنتاجية العالية في أجنحة الاقتصاد الإسرائيلي الصناعية والزراعية والتجارية والسياحية والخدمية العامة .
ثانيا : في حالة منع العمال الفلسطينيين من العمل في شرائح الاقتصاد الإسرائيلي فإن العمال الأجانب سيقومون بالمهمة ، وهؤلاء العمال الأجانب اقل إنتاجية من الفلسطينيين ، ويخرجون ريع العمل بالعملة الصعبة وهي الدولار لتدور خارج رحى عجلة الاقتصاد الإسرائيلي ، وهي خسارة مضاعفة للاقتصاد الإسرائيلي .
ثالثا : حرمان الإسرائيليين من التواصل الأمني في قطاع غزة . وتوسيع بؤرة المقاومة عبر النقب جنوبي البلاد ، فتصبح الصواريخ تسقط على تجمعات سكانية جديدة غير تلك التي تصلها الصواريخ المحلية الفلسطينية لمدى قصير .
رابعا : فقدان سوق استهلاكي لا بأس به للمنتجات الإسرائيلية ، وهذا ليس في صالح الاقتصاد الإسرائيلي .
خامسا : غياب الحماية المصرية للحدود الجنوبية لفلسطين مع الإسرائيليين ، كما كانت خلال السنوات السابقة ، وبالتالي خلق متاعب جديدة لليهود في النقب .
وأخيرا برأيي ، من الأفضل للشعب الفلسطيني انفصال الاقتصاد الفلسطيني عن الاقتصاد الإسرائيلي ، وليتحمل المواطن تبعات ذلك تدريجيا شرط توفير بدائل عربية جاهزة تكون مصر في واجهتها الأمامية . والاستقلال الاقتصادي هو تمهيد فعلي للاستقلال السياسي . من جهة أخرى ، رب ضارة نافعة ، فقطع صلة الإسرائيليين بقطاع غزة يفيد الفلسطينيين على المدى البعيد ، في حالة توفر البديل العربي والإسلامي لتزويد المواطنين الفلسطينيين بقطاع غزة بالإمدادات الإنسانية اللازمة للحياة الطبيعية من غذاء ودواء وغطاء واحتياجات أخرى . وكذلك توفير عمق استراتيجي كبير لقطاع غزة عبر سيناء ، واستبدل المنافذ والموانئ الإسرائيلية بمصرية وتمكين المقاومة الفلسطينية من التقاط أنفاسها وشن هجمات موجعة للإسرائيليين .

ليست هناك تعليقات: