السبت، 30 مارس 2013

الإبكار الإسلامي .. والتوقيت الصيفي د. كمال إبراهيم علاونه


الإبكار الإسلامي .. والتوقيت الصيفي
د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
رئيس مجلس إدارة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (17) وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ (18) يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ (19) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ (20) وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21) وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ (22) وَمِنْ آَيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ (23)} ( القرآن المجيد - الروم ) .

استهلال

في الحياة البكر والبكور والإبكار وما أدراك ما الإبكار ؟ إنه الاستيقاظ قبل الناس قبل بزوغ الشمس وحلول النهار ، لعبادة الله الواحد الأحد القهار ، بذكر جليل كريم وقراءة قرآن مجيد وصلاة تهجد ثم صلاة فجر واستغفار ، ثم المسارعة للعمل لتحصيل قوات الأهل والأبناء من الذكور والإناث ، الصغار والكبار ، والسعي في مناكب الأرض ومجالاتها لنيل رضا الله الغافر الغفار ، فهو الذي يقبل توبة المسيء بالليل والنهار ، وهذا ما يدركه أولو الألباب والأبصار . فكونوا ممن يتعظ ويعتبر من غيره ولا تبدوأ حياتكم بالصفر من الأصفار ، بل كونوا ممن يسعى في الأرض حثيثا في الحل والترحال والأسفار ، واسعوا إلى ذكر الله العزيز الحكيم الجبار .

الأصل في التوقيت الزمني في كل بقعة من بقاع العالم أن يكون طبيعيا حسب شروق وغروب الشمس في مشارق الأرض ومغاربها ، ليعيش الإنسان حياته الطبيعية المعتادة دون انتقاص من حق البدن والعقل والعاطفة في الراحة النفسية والجسمية الإنسانية الكاملة المتكاملة . ويتوزع التوقيت الزمني بصورة متباينة في أيام وشهور وفصول السنة في جميع أرجاء الكرة الأرضية ، والقطبين الشمالي والجنوبي خاصة والاختلاف بينها واضح وبين .
وغني عن القول ، إن جسم الإنسان وطبيعته يتعود على نمط معين من الوقت اليومي بكرة وأصيلا ، فيمارس الأعمال اليومية المعتادة بانتظام ، فيتعود الإنسان على وقت النوم مساء والاستيقاظ في صباح اليوم التالي وفق ساعة بيولوجية موجودة في جسم الإنسان منذ خلقه ، فيكيف المرء نفسه مع هذه الساعة الإنسانية البيولوجية ويسير على هداها بانتظام ورتابة يومية وأسبوعية وفصلية على مدارس السنة ليعيش آمنا مستقر مطمئنا بعيدا عن القلق والإرهاق والتعب .
وهناك من ينام مبكرا ، ويستيقظ مبكرا ، لعبادة الله جل جلاله ، ثم الانتقال لحياته العملية في المزرعة أو المؤسسة أو الوزارة أو المصنع حسب ما يحدد مواعيده الآنية المعتادة ، والمواعيد الطارئة التي تحدث وقعا جسديا وعقليا وعاطفيا يتخلل فيها بنيانه الوقتي الطبيعي المعتاد . وقد وجد الأطباء الذين أجروا دراسات عملية صحية على مواعيد الإنسان اليومية أن الإنسان بطبعه يحتاج لساعات محددة من النوم والراحة بالليل والنهار على السواء ، وكذلك فإن الإنسان بحاجة لأوقات عمل يومية يمرن به جسده ويشد بها عضلاته ويجري بها دورته الدموية بانتظام ، ويحصل فيها على قوته وقوت عياله اليومي أو الأسبوعي أو الشهر أو الفصلي أو السنوي ، ويبذل في ذلك الجهد تلو الجهد لتحقيق ذلك .
وفي الآن ذاته ، فإن الإنسان يحتاج إلى تنظيم وقته على مدار اليوم والليلة ( أل 24 ساعة ) بين العمل والراحة والنوم وممارسة الحياة الطبيعية العادية ، ولكن عملية توزيع ساعات اليوم والليلة على حياة الإنسان تختلف من شخص لآخر ، ومن ذكر لأنثى .
ويمكن القول ، إن ساعات نوم الأطفال ، ذكورا وإناثا ، تختلف اختلافا بينا عن ساعات الكبار ، فالصغار يحتاجون لساعات نوم أطول من الكبار ، وتتراوح ساعات نوم الصغار ما بين 6 – 12 سنة حوالي 10 ساعات يوميا ، بينما يحتاج الكبار من سن 21 عاما فأعلى إلى 7 – 9 ساعات نوم يوميا . ونوم القيلولة من الأمور التي تساعد على منح الجسم الطاقة والحيوية أكثر من ساعات النوم العادية ، وكذلك فإن الاستيقاظ المبكر والعمل المبكر يعطيان الجسم الحيوية والقوة وخاصة لفئات الشباب والكهول ، والنشاط الليلي الساكن هو الأكثر صفاء ونقاء للإنسان . وبهذا نلاحظ أن من يستيقظ مبكرا لصلاة الفجر ويؤديها حاضرا ، في البيت أو المسجد ، في المجتمع المسلم ، يكون أكثر نضوجا عقليا بدنيا واستيعابا عقليا ، يمتلأ صحة وقوة وإعتزازا بالنفس ، ويجاهد نفسه ضد الكسل والخمول ويحصل على المال مبكرا ، إن عاجلا أو آجلا ، بينما الذي لا يؤدي صلاة الفجر حاضرا ويتأخر في النوم ينتابه الكسل والخمول وقلة الحيلة ونقصان في المال . وشتان ما بين النشاط والكسل فهما نقيضان لا يتلقيان أبدا ، ويلاحظ الفرق الكبير بين النشيط والكسول ، فالنشيط يكون ممتلئا بالأمل والحيوية بينما يرزح الكسول تحت داء الخمول المقيت وهو بلاء يجب التخلص منه .

التوقيت الشتوي .. والانتقال للتوقيت الصيفي

على أي حال ، إن مسالة تقديم التوقيت بساعة واحدة بتقديم موعد الساعة ب 60 دقيقة لفترة محددة كأن تكون 170 – 180 يوما ، أو أكثر أو اقل ، في هذه الدولة أو تلك يخضع لدراسات اجتماعية واقتصادية ويقررها القرار أو المزاج السياسي ويصدق ذلك قرار الحكومة المعنية أو يكذبه . وتستفيد قطاعات واسعة من المجتمع من التوقيت الصيفي من الفئات النشيطة وعلى العكس من ذلك تتأذى فئات واسعة أخرى من هذا التوقيت وخاصة إذا كان مبكرا ، ويمثل الفئة المتضررة جيل الأطفال الذين يجب أن يستيقظوا باكرا للإلتحاق برياض الأطفال والمدارس الأساسية والثانوية ، عند الساعة الثامنة صباحا ، وكذلك تتأوه فئة ليست بالقليلة من الموظفين بسبب تطبيق التوقيت الصيفي مبكرا في نهاية شهر آذار – مارس أو مطالع شهر نيسان سنويا ، ويتمنون لو تتأخر عملية استبدال التوقيت الشتوي بالتوقيت الصيفي لكي يناموا ساعة صباحية معتادة . ويمكن القول ، إن التوقيت الصيفي يتماشى مع سنن الكون الطبيعية ، في شروق الشمس وغروبها ، ليصحو الإنسان باكرا لتأدية صلاة الفجر المفروضة في وقتها الطبيعي .

أهم مبررات التوقيت الصيفي

إن التعويد على التوقيت المبكر ، بالساعة البيولوجية الإنسانية الطبيعية ، هي من الأمور المحبذة ، في تسيير شؤون الحياة اليومية . وهناك بعض الدول الصناعية التي تحاول كسب التوقيت الصيفي لعدة مسائل حيوية ، من أهمها :
أولا : التكيف الزمني المؤقت مع شروق الشمس وغروبها .
ثانيا : زيادة إنتاجية الفرد العامل أو الموظف .
ثالثا : التوفير في نفقات الضوء الصناعي كإنارة الشوارع والمصانع والمنشآت الاقتصادية والوزارات وسواها والاعتماد على ضوء الشمس الطبيعي .
رابعا : استغلال الأوقات بصورة أكبر وأشمل ، فالتبكير في التوقيت بساعة واحدة يكسب المجتمع ساعة عمل جديدة واحدة مبكرة وبالتالي يساهم ذلك في زيادة الإنتاج وتوزيع الوريدات أو النوبات في العمل بصورة مريحة أكثر من التوقيت الشتوي .

معوقات الاستيقاظ الباكر

يحتاج الإنسان لساعات معدودة معينة من النوم يوميا ، تختلف باختلاف طبيعة الجسد الإنساني ، وباختلاف طبيعة المناخ والجو السائد في كل بقعة جغرافية من بقاع العالم ، ونمط تفكير وحياة الإنسان الروحية والمادية . ويؤثر ويؤخر عملية الاستيقاظ المبكر الإنساني عدة عوامل ، لعل من أهمها الآتي :
أولا : طبيعة المناخ السائدة : خاصة في حالة إرتفاع أو انخفاض درجات الحرارة . ووجود المرتفعات الجوية والمنخفضات الجوية وسرعة سير الرياح البطيئة والسريعة .
ثانيا : البرمجة الذاتية للإنسان : وهي مهمة في عملة تنظيم أوقات الاستيقاظ المبكر أو التأخير في النوم .
ثالثا : النوم المبكر والسهر الطويل : فالنوم المبكر يعطي الإنسان حاجته من الراحة الجسدية والعقلية ، بينما يرهق السهر المتأخر طبيعة الإنسان البيولوجية ويجعل الإنسان يستيقظ كسولا متثاوبا نعسان يترنح بسبب جوعه للنوم وبالتالي ينعكس ذلك على إنتاجيته اليومية .
رابعا : طبيعة العمل الإنساني : فاستيقاظ المزارعين والفلاحين أو العمال والمهنيين يختلف عن طبيعة عمل الموظفين وطلبة المدارس والجامعات . فالدوام الوظيفي للمدارس والوزارات يكون عند الساعة الثامنة صباحا بينما يبدأ عمل المزارعين والعمال في ساعات أبكر قليلا .
خامسا : المسافرون : وقد يكون السفر البعيد أو القريب أو المتوسط للدراسة عبر المحافظات في الدولة أو العبادة الدينية ، أو العمل الوظيفي حاجة من الحاجات اليومية المعتادة . فهذه الفئة من الناس لها نظاما خاصا في الاستيقاظ المبكر أو المتأخر ، وعند عملية تحديد مواعيد السفر يبقى الإنسان متأهبا ومستعدا للسفر قبل أوان الانتقال البري أو البحري أو الجوي .
سادسا : المرضى في البيوت والمشافي والعيادات : فهؤلاء الناس لهم أوقات زمنية في النوم والاستراحة تختلف عن بقية الفئات الآخرى ، فهم قد لا يتحكمون في أوقاتهم للنوم والاستيقاظ بسبب القلق والسهر والتداوي والعلاج .

الأمة الإسلامية والإبكار في الاستيقاظ والعمل

يهتم الإسلام العظيم بالوقت الزمني الاهتمام الأمثل ضمن الاهتمام البشري العالمي ، فتمتاز الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم ، بأنها أمة نشيطة ، خير أمة أخرجت للناس ، تحب عبادة الخالق سبحانه وتعالى والإمتثال لأوامره واجتناب نواهيه ، فالأمة المسلمة تحب العمل المبكر ، وتحب الاستيقاظ المبكر في جميع أوقات السنة القمرية والشمسية على السواء . وأهم حالات الإبكار في الحياة الإسلامية العامة والخاصة :
أولا : تأدية صلاة التهجد : وهي صلاة يؤديها المسلم بساعات الليل ، وخاصة في آخر الليل وهو نوع من الإبكار في الاستيقاظ من النوم . جاء في سنن الترمذي - (ج 7 / ص 257) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ فِي الْجَنَّةِ غُرَفًا تُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ لِمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ لِمَنْ أَطَابَ الْكَلَامَ وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ وَأَدَامَ الصِّيَامَ وَصَلَّى لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " . وجاء في مسند أحمد - (ج 48 / ص 302) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ : لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ انْجَفَلَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَكُنْتُ فِيمَنْ انْجَفَلَ فَلَمَّا تَبَيَّنْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّ وَجْهَهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : " أَفْشُوا السَّلَامَ وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ وَصِلُوا الْأَرْحَامَ وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ " .
ثانيا : تأدية صلاة الفجر : فالصلوات الإسلامية الخمس ( الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء ) تتوزع على مدار اليوم والليلة ، وتأتي صلاة الفجر أو الصبح المبكرة لتدب الحياة والنشاط في شرايين وعروق المجتمع الإسلامي الأصيل ، فترى المسلمين من ذوي الهمة والنشاط العالي ، يستيقظون لأداء الصلاة ثم الانتشار في الأرض للبحث عن أرزاقهم ، وهي حالة نشاط يومية تتطلب من الإنسان المسلم والمسلمة الاستيقاظ باكرا .
ثالثا : ذكر الله عز وجل : وقد ذكر الله سبحانه وتعالى عملية التبكير والإبكار في الحياة في عدة آيات قرآنية مجيدة ، نذكر منها :
- { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)}( القرآن المجيد ، الأحزاب ) .
- { وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) }( القرآن المجيد ، الفتح ) .
- { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآَنَ تَنْزِيلًا (23) فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تُطِعْ مِنْهُمْ آَثِمًا أَوْ كَفُورًا (24) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (25) }( القرآن المجيد ، الإنسان ) .
- { فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (55)}( القرآن المجيد ، غافر ) .
رابعا : قراءة القرآن العظيم عند الفجر : يقول الله عز وجل : { أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا (78) وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا (79)}( القرآن المبين ، الإسراء ) .
خامسا : الإستغفار في الأسحار : يقول الله سبحانه وتعالى : { الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}( القرآن المجيد – آل عمران ) . وهو تشجيع رباني للتبكير في الاستيقاظ والاستغفار في وقت الأسحار وهي الأوقات التي تسبق صلاة الفجر .
سادسا : تناول السحور لصيام شهر رمضان المبارك : ولا ننسى شهر رمضان المبارك الذي يستوجب من المرء المسلم الاستيقاظ مبكرا أكثر قليلا من الإبكار في الأيام العادية ، وذلك لتناول الطعام المبارك وهو طعام السحور ، لأن في السحور بركة . يقول الله تبارك وتعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)}( القرآن الحكيم – البقرة ) . وجاء في صحيح البخاري - (ج 7 / ص 3) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً " .
سابعا : الإبكار في العمل : الإبكار في العمل يولد النشاط وجلب الرزق السريع .
جاء في مسند أحمد - (ج 30 / ص 482) عَنْ عُمَارَةَ بْنِ حَدِيدٍ عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا " . قَالَ فَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ . قَالَ فَكَانَ صَخْرٌ رَجُلًا تَاجِرًا وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ قَالَ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ " .

كلمة أخيرة
وختاما ، وبناء على ما سبق ، فإننا نقول إن الإنسان يجب أن يعود نفسه الاستيقاظ باكرا وفق الساعة الزمنية الفلكية العالمية المرتبطة بالليل والنهار ، والشمس والقمر والنجوم ، وإقامة صلاة الفجر مبكرا في وقتها دون تأخير ، أو انتظار لبزوغ أشعة الشمس ، وكذلك عليه الذهاب للعمل باكرا ، والسعي في مناكب الأرض . وأما بالنسبة للفئات العاملة في ساعات يومية محددة كالموظفين وطلبة المدارس والجامعات ، فإنه ينبغي عليها الاستفادة من التوقيت الصيفي والاستيقاظ باكرا ، وعدم ممارسة الكسل والخمول وعدم سب وشتم ولعن المجهول أو المعلوم ، وعملية تقديم الوقت بساعة واحدة للإنطلاق وتطبيق التوقيت الصيفي المبكر بستين دقيقة زمنية فإنه لم ولا ولن يضر شيئا ، وكل ما في الأمر هو الانتظام بالزمن بالتبكير ساعة واحدة ، يستفيد منها الجميع أو لنقل على وجه الدقة السواد الأعظم من الناس . ويجب علينا جميعا ، أن نبادر للصلاة الإسلامية ( صلاة الفجر ) وهي الصلاة الأولى في اليوم والليلة في وقتها لنحافظ على كينونة النشاط ونبتعد عن ظاهرة السهر الطويل والاستيقاظ المتأخر من النوم ثم لنبكر في أعمالنا كافة لتسريع الإنجاز ثم نعود ساعة قبل الأوان الطبيعي ونمارس حياتنا الطبيعية .
وصلاة فجر وعبادة وطاعة متقبلة من الله خالق الخلق أجمعين ، وعملا مبكرا طيبا مباركا فيه لجميع . وتوقيتا صيفيا موفقا وناجحا لأبناء المجتمع العربي والمسلم حيث يحين حين التوقيت الشتوي القادم . ولنتعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم ومن الكسل والتثاؤب ، وكما جاء بصحيح البخاري - (ج 19 / ص 461) كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ " .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

فلسطين .. وذكرى يوم الأرض أل 37 ... 30 / 3 / 1976 – 2013 ( 1 - 2 ) د. كمال إبراهيم علاونه


الأرض   The Land
فلسطين .. وذكرى يوم الأرض أل 37 ... 30 / 3 / 1976 – 2013 ( 1 - 2 )
د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
رئيس مجلس إدارة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة
د. كمال إبراهيم علاونه - رئيس مجلس إدارة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ : {  أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) }( القرآن المجيد - النازعات ) .

استهلال

يستعد الشعب الفلسطيني في هذه الأيام من فصل الربيع من عام 2013 ، لإحياء الذكرى الاليمة أل 37 ( 30 / آذار 1976 - 2013 م ) الخالدة في الذاكرة الفلسطينية العامة ، وتبجح قطعان المستوطنين اليهود الدخلاء الغرباء الطارئين ( القادمون الجدد ) من خارج فلسطين المحتلة ، في مصادر الاراضي الفلسطينية والهيمنة عليها بشتى الطرق الخبيثة الملتوية .
ولم تسلم أي بقعة ارض فلسطينية في ( فلسطين التاريخية الكبرى ) من الأذى اليهودي - الصهيوني المعاصر سواء أكان ذلك في الجليل أو المثلث أو النقب أو الساحل أو الضفة الغربية ، ومن جميع الجهات شمالا وجنوبا وشرقا وغربا ، فالسرطان الصهيوني يمتد يوميا بوتيرة متسارعة لقضم وابتلاع أرض فلسطين ، وفقا لسياسة استراتيجية مبرمجة تقوم على مبدأ ( التفريغ والملء ) ، أو الاحتلال والاستبدال ، بمعنى تفريغ الارض الفلسطينية من أهلها وأصحابها الاصليين ، بالطرد والتهجير الدائم أو المؤقت بقوة السلام والهمجية الوحشية ، واستقدامسكان يهود غرباء دخلاء جدد لاستيطانها ونهب خيراتها وثرواتها ومواردها الطبيعية .

وقد عانى العرب الفلسطينيون من التمييز المدني من قبل السلطة أو المؤسسة اليهودية – الصهيونية - الإسرائيلية الحاكمة في البلاد منذ الإعلان عن قيام الدولة العبرية عام 1948 ولغاية الآن ، وشمل هذا التمييز المدني والعسكري كافة الشؤون الحياتية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالإضافة إلى التمييز في الشؤون السياسية . وتعترف السلطة الصهيونية على لسان وزراء في حكوماتها المتعاقبة ومسئولين كبار مدنيين وعسكريين على السواء بوجود ظاهرة التمييز الرسمية ضد العرب منذ أمد بعيد .
وقد وقع هذا التمييز أو الإجحاف المدني اليهودي والانعزال الإجباري أو الاختياري الشامل ، بحق المواطنين الفلسطينيين في بلادهم ، كسكان أصليين وليسوا كقادمين جدد من خارج البلاد ، وامتد ليشمل كافة الطوائف ، كأقليات صغيرة متفرقة ، دون استثناء . هذا بالإضافة إلى وجود التمييز العنصري بين البنية الاقتصادية الغربية والشرقية الأصل بين كافة فئات المجتمع العربي - اليهودي في البلاد . وفي أعقاب انتفاضة الأقصى في فلسطين في أواخر أيلول عام 2000 ، ومقتل 13 عربيا فلسطينيا في البلاد على أيدي قوات الشرطة والجيش الإسرائيلي ، اعترف موشيه آرنس وزير الجيش الإسرائيلي السابق عن حزب اللي*** اليميني المتطرف ، بهذا الغبن والظلم المدني الواقع على العرب الفلسطينيين على اختلاف انتماءاتهم الدينية ، وقيامهم بتنظيم " الاضطرابات " و " أحداث الشغب " واصفا العرب الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب والساحل - كغيره من الحكام العسكريين والمدنيين اليهود - بالسكان غير اليهود . ويؤكد آرنس أن هذا الظلم والغبن المدني امتد عشرات السنين ، الأمر الذي أدى بالعرب الفلسطينيين إلى رفع الأعلام الفلسطينية وتأييد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات .
من جهة أخرى ، أوصت وثيقة استراتيجية أعدتها قيادات وشخصيات يهودية ، عسكرية وسياسية وأمنية وأكاديمية ، في ختام مؤتمر نظمه " المركز متعدد المجالات " في مستوطنة هرتسيليا اليهودية ( المقامة على أراضي قرية الحرم – سيدنا علي – التي دمرت عام 1948 ) " بعنوان " توازن المناعة والأمن الوطني الإسرائيلي " في كانون الأول عام 2000 ، ( ونشرت نتائجه وتوصيانه ، في الثلث الأخير من شهر آذار عام 2001 ) ، وشارك فيه نحو 300 شخصية كل سنة منذ ذلك الحين حتى عام 2013 الحالي . أوصت هذه الوثيقة اليهودية بشكل علني بضرورة ترحيل العرب في البلاد ، وهو ما أطلق عليه ، مغزى امني خطير وتهديد ديموغرافي للدولة العبرية جراء خطر التكاثر الطبيعي للعرب في البلاد حيث وصفته الوثيقة الاستراتيجية ب : " التهديد الديموغرافي الذي يواجه إسرائيل اليهودية من جانب السكان الفلسطينيين ومن قبل العرب فيها ، مشيرة إلى أن معدل الولادة في أوساط الفلسطينيات في " إسرائيل " يصل إلى 6 ر4 نسمة للمرأة الواحدة وهو ضعف نسبة الولادة لدى اليهوديات 6 ر2 ، كما إن واحدا من بين كل خمسة مواطنين في إسرائيل هو مسلم وخلال عشرين عاما ستكون النسبة 1 : 3 " ( 1 ) . وقد أكدت الوثيقة المذكورة على المغزى الاقتصادي والعسكري والسياسي الذي يزعمون فيه أن العرب يشكلون عبئا ثقيلا على السكان اليهود في البلاد .
خريطة  فلسطين Map of Palestine
مصادرة الأراضي العربية الفلسطينية
حسب العقيدة الصهيونية تشكل فلسطين ما يطلق علية زورا وبهتانا ( ارض الميعاد ) و ( وطن قومي يهودي )، وقد اتبعت المنظمات الصهيونية وكافة الأحزاب الحاكمة التي تسلمت زمام الحكومة أو السلطة التنفيذية الصهيونية كافة السبل والطرق للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية لإنشاء المستوطنات اليهودية عليها قبل وأثناء وبعد إنشاء الكيان الصهيوني . فالهجرة اليهودية ومصادرة الأراضي العربية الفلسطينية تسيران في خطين متوازيين ( جلب اليهود أو القادمين الجدد وإيجاد مساكن لإيوائهم ومنشآت اقتصادية لاستيعابهم ) . وحسب التوراة اليهودية المحرفة فانه ينبغي على اليهود أن يستولوا على ارض فلسطين ( الأرض التي وعد الله بها النبي إبراهيم عليه السلام ) والإقتداء في هذا المجال بيهوشع بإتباع سياسة القتل والابادة الجماعية و" التطهير العرقي " ضد العرب لانتزاع ( ارض اليهود – بني إسرائيل ) من السكان الموجودين فيها ، ويعتبرون أن هذه الأرض مخصصة ( للشعب اليهودي – شعب إسرائيل ) و( يتحتم ) على اليهود أن يطردوا كل القاطنين فيها بحرب مقدسة ( يهودية ) نصت عليها التوراة ، وترحيل العرب وتهجيرهم عنوة إلى الدول العربية المجاورة : الأردن وسوريا والعراق ( 2 ) .
العلم الفلسطيني  Palestine Flag
على أي حال ، إن إجمالي مساحة ارض فلسطين ، بلغت نحو 27 ألف كم2 ، من اليابسة والمياه ( البحر الميت ، بحيرة طبرية ، الحولة ) ، منها 000ر323 ر26 دونم يابسة ، خصص منها قرار التقسيم الدولي الظالم رقم 181 ، الصادر عن الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني 1947 ، نحو 000ر500 ر14 دونم للدولة اليهودية ، والباقي للدولة العربية . وقد توزعت ملكية الأراضي التي حددتها الأمم المتحدة لإنشاء الكيان الصهيوني عليها ، على النحو التالي : " 85 % أراضي يملكها العرب ( منها 55 % في النقب ، اعتبرت أنها ارض متروكة بدعوى " أنها بور غير مزروعة ولا يسكنها احد ) ، 3 % أملاك حكومية ( الانتداب البريطاني ) ، 12 % أملاك يهودية ومن ضمنها مناطق مملوكة لليهود بامتيازات بريطانية " ، ( 3 ) . وحسب هذا التقسيم غير المنصف الذي أورده ( غرانوت ) رئيس مجلس إدارة الصندوق القومي اليهودي ، عام 1947 ، فان مساحة النقب من ارض فلسطين ، التي تشكل نحو 55 % من مساحة فلسطين الإجمالية ، اعتبرها اليهود أراض بور غير مزروعة ولا يسكنها عرب وملكيتها غير محددة ( 4 ) ، وهي مقولة عنصرية يهودية غير صحيحة إذ إن هذه البقعة الفلسطينية ، هي منطقة يتنقل بها العرب البدو ، على مدار العام ، طلبا للكلأ والماء ، إضافة إلى وجود العديد من القرى العربية ، وهذه المقولة استند عليها قادة اليهودية والصهيونية من : " إن فلسطين ارض بلا شعب لشعب بلا ارض " ، وهي ذرائع غير واقعية ومجافية للحقيقة بل اعتبرت مدخلا لتثبيت المهاجرين اليهود فيها ، وطرد المواطنين العرب ، أهل البلاد الأصليين .

وفي خطوة أولى ، بعد انسحاب الاحتلال البريطاني من فلسطين التاريخية ، أعلنت المنظمات الصهيونية ، على لسان دافيد بن غوريون ( أول رئيس وزراء صهيوني ) ، في مساء يوم الجمعة ، الرابع عشر من أيار عام 1948 ، في ساحة تل أبيب ، عن تغيير اسم فلسطين ، فيما عرف بوثيقة ( الاستقلال ) اليهودية من فلسطين إلى " إسرائيل " في سابقة هي الأولى من نوعها في نهاية العقد الرابع من القرن العشرين ، لتكريس عملية التهويد المبرمجة رسميا وأهليا من قبل اليهود والسعي الحثيث للاستيلاء على ارض فلسطين بشتى الطرق والسبل السياسية والعسكرية والاقتصادية ، بدعوى أنها " ارض توراتية " دعيت بأنها " ارض الميعاد " كما أشرنا آنفا رغم أن التوراة الحقيقة نزلت على النبي موسى عليه السلام في طور سيناء المصرية .
خريطة  فلسطين Map of Palestine
وحسب المعتقدات اليهودية فان كلمة ( إسرائيل ) تعني حرفيا " المجاهد مع الله " أو بطل الله ، وهو اسم أطلق على النبي يعقوب عليه السلام ، وأطلق هذا الاسم حسب المعتقدات العبرية على المملكة اليهودية الشمالية التي بناها اليهود بعد وفاة النبي سليمان علية السلام ، الواقعة بالقرب من بحيرة طبرية . وتفرعت هذه التسمية لتشمل " الشعب اليهودي " كأبناء لإسرائيل ، وفي عام 1948 أعيد إطلاق هذا الاسم على فلسطين التي احتلت عسكريا من قبل القوات الصهيونية – اليهودية للتفريق بين يهود العالم ويهود فلسطين . وسعت المنظمة الصهيونية وربيبتها إسرائيل على إنشاء الدولة اليهودية : " من اليم إلى اليم " ، أي من البحر الميت ونهار الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط . وقد استطاعـت المنظمـات العسكرية الصهيونية في أعقاب انتصارها على القوات العربية ذات العدد والعتاد القليل ، في فلسطين جراء التدخلات الأجنبية السياسية والدعم العسكري المتواصل ، أن تسيطر بعد معارك 1948 - 1949 على أكثر من ثلاثة أرباع مساحة فلسطين ، وقسمت بعد اتفاقيات الهدنة من الدول العربية المجاورة إلى ثلاثة أقسام : الجزء الأول منها والذي تبلغ مساحته 770 ر20 كم2 – أي ما يعادل 4 ر77 % من مساحة فلسطين أقيمت عليه دولة الصهاينة ( إسرائيل ) ، والجزء الثاني : والبالغة مساحته 878 ر5 كم2 – أي ما يعادل 3ر20 % من مساحة فلسطين – والذي يطلق عليه ( الضفة الغربية ) ألحق بإمارة شرق الأردن وشكل معها المملكة الأردنية الهاشمية . والجزء الثالث ، والبالغة مساحته 363 كم2 – أي ما يعادل 3 ر2 % من مساحة فلسطين - والذي يطلق عله ( قطاع غزة ) وضع تحت الإدارة المصرية .
بالإضافة إلى هذا وذاك ، لم تكتف حكومة الاحتلال الصهيوني بالسيطرة على مئات الآلاف من الدونمات التي تعود لأهل البلاد الأصليين من العرب الفلسطينيين بل إن سلطات الحكم العسكري الإسرائيلي ، عملت على تجريد المواطنين الفلسطينيين من عقاراتهم وأراضيهم عبر تجميد ملكية الأراضي ومصادرة عشرات الآلاف من الدونمات . وكان عدد القرى العربية عام 1948 قبل الحرب العربية – اليهودية 458 قرية دمر منها 362 وبقيت 96 قرية . وقد بلغ عدد المهاجرين اليهود المقيمين في فلسطين في ذلك العام حوالي ستمائة ألف يهودي ، سكن 200 ألف منهم بعيد الحرب في ممتلكات فلسطينية احتلت وصودرت بالقوة بشكل غير قانوني ( 5 ) .
والسياسة اليهودية - الصهيونية - الإسرائيلية التي عملت وتعمل على مصادرة الأراضي العربية ، لا تفرق بين أراضي عربية تابعة للعرب سواء أكانوا : مسلمين ودروز ونصارى ، ومن أبناء الطوائف الصغيرة من غير اليهود . وقد بلغت نسبة الأراضي العربية الدرزية التي صادرتها سلطات الاحتلال الصهيوني ، على سبيل المثال نحو 50 % من مجمل مساحات الأراضي الدرزية في الجليل ، عام 1972 ، وأقيمت عليها المستوطنات اليهودية ونقلت إليها بعض المصانع العسكرية اليهودية كما وأقيمت مشاريع صناعية أخرى ، وتمت عملية المصادرة بذرائع أمنية وعدم وجود مستندات ملكية أراضي للدروز أو ما يسمى " طابو " في قرى الجليل والكرمل في شمالي البلاد ( 6 ) .
طرق السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية
لا بد من الإشارة إلى أن عملية مصادرة الأراضي الفلسطينية وترحيل وتشريد المواطنين الفلسطينيين إلى خارج وطنهم استفزت الفلسطينيين وجعلت من حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية صعبة مما فاقم المشكلة ، وجعل المواطنين يلجأون إلى الثورة والتمرد على الأحكام العرفية الصهيونية اليهودية وقوانين الطوارىء الانتدابية التي نفذت . وهناك عدة طرق وأساليب لجأت إليها السلطات الإسرائيلية للاستيلاء على الأراضي العربية الفلسطينية بعد سيطرة قواتها على نسبة كبيرة من مساحة فلسطين التاريخية بعد عام 1948 ، إذ استندت الحكومة الإسرائيلية إلى 34 قانونا ونظاما وأمرا لنهب وحيازة الأرض العربية ( 7 ) . واهم هذه الطرق الترغيبية والترهيبية اليهودية ، على السواء ، للاستيلاء على الأراضي العربية ، ما يلي :
أ‌) قوانين الطوارئ البريطانية
تعددت قوانين الانتداب البريطانية التي سنتها سلطات الانتداب لتسيير الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية العامة في البلاد لمختلف الشرائح السكانية من ذوي الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية وجعلهم يخضعون لسلطاتها كيفما شاءت ومتى أرادت والحيلولة دون مناهضتهم لها بأي صورة من الصور السلمية أو العسكرية أو الاقتصادية . فقد بادرت السياسة البريطانية في البلاد إلى إصدار قوانين متعددة تلاءم احتياجاتها لإيجاد المواد والبنود القانونية التي تخدم أهدافها التوسعية . وقد دفع السكان وخاصة المواطنون العرب تضحيات جسيمة في سبيل مقاومتهم لهذه القوانين الظالمة والتي انتزعت منهم الكثير من حقوقهم في الحياة والتنقل وامتلاك العقارات والتعليم وغير ذلك . واستفادت الدولة العبرية من قوانين الطوارئ البريطانية في نهب وسلب الأراضي العربية من أصحابها واستملاكها كأراضي دولة حكومية عامة وهي نسبة معينة من الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها سلطات الانتداب البريطانية لإقامة المنشآت العسكرية والاقتصادية والمدنية عليها على مدى 26 عاما امتدت منذ عام 1922 – 1948 هي عمر الانتداب البريطاني الرسمي على ارض فلسطين .
ب‌) إصدار القوانين اليهودية
لجأت المنظمات الصهيونية ومن بعدها الحكومة الإسرائيلية الأولى ، والحكومات المتعاقبة إلى شن حرب على المواطنين العرب للاستيلاء على أرضهم وطردهم منها ، حملة ( الإبادة الجغرافية ) من خلال سن العديد من القوانين الطارئة الجديدة أو استخدام القوانين البريطانية الانتدابية لهذه الغاية . وأكد تقرير صدر عن الهيئة الدولية لحقوق الأقليات عام 2000 ، إن السلطات الإسرائيلية مارست عدة أشكال من التمييز العنصري ضد الفلسطينيين منذ الصراع العربي الصهيوني في فلسطين عامة وفي منطقة الجليل والمثلث والنقب خاصة مثل تشريد المواطنين من منازلهم ومصادرة أراضيهم وسن قوانين تمنع المساواة .
وفيما يلي أهم القوانين التي استخدمتها أو سنتها دولة المستوطنين الصهيونيين ( إسرائيل ) للاستيلاء أو الاستحواذ على الأراضي العربية الفلسطينية :
أولا : قانون أملاك الغائبين :
بعد الاحتلال الصهيوني لمساحة كبيرة من فلسطين ، ولاستكمال الاستيلاء على الأملاك والعقارات الفلسطينية فقد عملت الحكومة الإسرائيلية على إصدار أوامر وأحكام طوارئ ، عام 1949 ، سنتها وزارة المالية في 12 كانون الأول 1948 ومدد العمل بها ثم صدر " قانون أملاك الغائبين " وسرى مفعوله في 20 آذار عام 1950 ، واعتبر هذا القانون العنصري الغائب هو : " كل مواطن فلسطيني غادر محل إقامته العادي في أي وقت في الفترة الواقعة بين 29 تشرين الثاني 1948 وبين اليوم الذي يعلن فيه أن حالة الطوارئ التي أعلنها ( مجلس الدولة المؤقت ) قد ألغيت ، أو غادر الفرد العربي لخارج ارض فلسطين " إسرائيل " قبل 1 أيلول 1948 أو إلى مكان داخل إسرائيل " .
وقد طبقت هذه المواد والتفصيلات بشكل فج ضد الممتلكات والأموال العربية الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية التي احتلتها القوات اليهودية فنهبت مساحات شاسعة من ارض فلسطين ووضعت تحت سيطرة الإسرائيليين المحتلين الجدد . أما بالنسبة لإختصاصات الحارس لأملاك الغائبين حسب وجهة النظر الإسرائيلية ، فان مسؤولية الحارس ومن يعمل تحت إمرته هي مسؤوليات واسعة . وطبقت أحكام " قانون أملاك الغائبين " على أملاك الوقف الإسلامي والأراضي والعقارات المدنية والدكاكين والمشاغل أيضا . وحسب المصادر الرسمية الإسلامية فان مساحة الوقف الإسلامي بلغت سدس ( 1/6 ) مساحة فلسطين التاريخية ، ووضعت تحت وصاية أملاك الغائبين ، وقد قدرت الأمم المتحدة أملاك الغائبين عام 1950 بمليار جنيه فلسطيني أو ما يعادل حوالي 250 مليار دولار الآن عام 2008 . أما مساحة الأرض العربية التي صادرتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بمقتضى هذا القانون العنصري فقد وصلت إلى ملايين الدونمات .
على أي حال ، يعتبر قانون أملاك الغائبين ، الصادر عن البرلمان ( الكنيست ) الإسرائيلي عام 1950 ، هو القانون الفعلي الذي نقلت بموجبه المساحات الكبرى من ارض فلسطين إلى ملكية الدولة العبرية الصهيونية ، عبر ما يسمى " سلطة الإنشاء والتعمير " التي تولت الاستيلاء على الأراضي في العام ذاته ، بشكل كبير جدا ، وفق سياسة استملاك الأرض ، في أنحاء فلسطين ، وخاصة في النقب .

ثانيا : قانون نقل الأموال إلى سلطة التعمير :

صدر هذا القانون في 31 تموز 1950 ، واستخدم بدلا من قوانين ولوائح الطوارئ المختصة بالأراضي العربية . وبموجب هذا القانون صنفت الأراضي العربية التي جرى الاستيلاء عليها منذ 14 أيار 1948 ( إعلان ما يسمى بالاستقلال اليهودي الإسرائيلي ) بغية تعميرها والإقامة فيها لغايات أمنية ملكا للدولة الإسرائيلية العبرية ، ولم يتح للمالك العربي المطرود قسريا أن يستعيد امتلاك هذه الأراضي ، وسجلت باسم " سلطة التعمير والإنشاء " .
ثالثا : قانون الأراضي الزراعية المهجورة :
وهو قانون أصدرته سلطات الاحتلال في 30 حزيران 1948 ، يقضي بالاستيلاء على أراضي المواطنين العرب الخربة ( المهجورة ) ، واعتبرت الأراضي مهجورة بعدة حالات هي :
1) إذا كانت استسلمت لقوات الاحتلال اليهودي منذ 16 أيار 1948 .
2) احتلت عنوة من قبل القوات اليهودية ، واعتبارها غنائم حرب .
3) هجرت من قبل المواطنين العرب .
وكان يتم الاستيلاء على الأراضي العربية من قبل وزير الزراعة الإسرائيلي بعد إنذار صاحب الأرض باستغلالها خلال فترة وجيزة مدتها أربعة أيام ، ثم توزع على القادمين الجدد وهم المهاجرين اليهود الذين يستغلون الأراضي ويسيطرون على العقارات القريبة منها وعلى الحيوانات والمواشي العائدة للمواطنين العرب ( 8 ) . على أي حال ، إن المادة 125 من قوانين " الدفاع " لعام 1945 صنفت معظم الأراضي العربية إلى مناطق مغلقة وبالتالي لا يجوز الخروج منها أو الدخول إليها إلا بإذن أو تصريح من الحاكم العسكري الإسرائيلي ، وبالتالي منع المواطنون العرب من استغلال أراضيهم وتمت مصادرة عشرات آلاف الدونمات بهذه الطريقة وقدمت للمستوطنين دونما ثمن يذكر أو تعب ومشقة . ووضعت الأيدي الصهيونية على الممتلكات العربية المنقولة وغير المنقولة بدعاوى أنها مهجورة .
رابعا: قانون استملاك الأراضي 1953 :
صادق الكنيست الصهيوني على قانون استملاك الأراضي بصورة نهائية في 10 آذار 1953 ، الذي اتاح المجال أمام وزير المالية الإسرائيلي مصادرة الأراضي العربية التي تلزم للمشاريع العسكرية وإقامة المستوطنات والمستعمرات ، وذلك بهدف إقامة المنشآت العسكرية ومراكز التدريب العسكرية ، أو إقامة التجمعات الاستيطانية الاستعمارية عليها ، أو شق الطرق الالتفافية ، وتوسيع الشوارع والطرقات ، بدعوى " إن الاستملاك مطلوب وضروري لغرض عام " . كما إن قانون الاستيلاء على الأملاك غير المنقولة ( الثابتة ) ، اقر أعمال التعويضات .
وفي عام 1976 تصاعدت وتيرة المصادرة الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية في الجليل والمثلث فتداعى المواطنون واللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية لتنظيم الاحتجاجات والاضرابات في 30 آذار 1976 وعرف فيما بعد ب " يوم الأرض " فما كان من الشرطة الإسرائيلية إلا أن أطلقت النار على المتظاهرين والمضربين مما أدى إلى استشهاد ستة مواطنين عرب . وقد اعتبر هذا اليوم يوما خالدا للتضامن والتعاضد الفلسطيني للاحتجاج على مصادرة الأراضي الفلسطينية وتضاعفت الاحتجاجات إبان فترة الانتفاضة الوطنية الفلسطينية من عام 1987 – 1994 . وفي عام 1996 سربت أنباء في وسائل الأعلام الإسرائيلية حول نية الحكومة الإسرائيلية مقايضة مناطق أو أراض فلسطينية من مناطق 1948 تسيطر عليها ( إسرائيل) بمناطق فلسطينية احتلت عام 1967 وأقيمت عليها مستوطنات يهودية مثل مقايضة أم الفحم بمستعمرة ارئيل قرب سلفيت ، وهذا ما رفضه الفلسطينيون في مناطق 1948 ، ومناطق 1967 . وخلال العام 1997 بلغت نسبة الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل من مناطق 1948 حوالي 90% وما زالت عملية المصادرة مستمرة حسب الظروف والاحتياجات الإسرائيلية المتزايدة . على أي حال ، إن القوانين العسكرية الإسرائيلية وتلك التي ورثتها الدولة الصهيونية عن الانتداب البريطاني هي قوانين ظالمة للحق العربي في جميع الاتجاهات .

ج ) الإرهاب والتطهير العرقي :
أولا : المجازر والقمع السياسي والاجتماعي
اتبعت القوات اليهودية أسلوب التطهير العرقي بالإرهاب والعنف ونفذت العديد من المجازر بحق الفلسطينيين لتشريدهم وتهجيرهم والسيطرة على أراضيهم ، ومن ابرز هذه المجازر : مجزرة دير ياسين في 9 نيسان 1948 حيث قتلت منظمة الارغون اليهودية بقيادة مناحيم بيغن 300 رجلا وامرأة وطفلا من الفلسطينيين في ارض قريتهم ودفنتهم في بئر القرية . واعتبرت الحكومة الإسرائيلية كل فلسطيني غائبا غادر أو هجر منزله قبل مطلع شهر آب 1948 ، وبهذا التصنيف تم مصادرة ثلثي الأراضي للفلسطينيين والتي قدرت ب 70 ألف هكتار من اصل 110 آلاف هكتار ، وعندما صدر قانون حيازة العقارات زادت الأملاك العربية المصادرة ( 9 ) . ومجزرة الطنطورة في 23 أيار 1948 ، التي راح ضحيتها أكثر من مائتي عربي ، ومجزرة كفر قاسم في 29 تشرين الأول 1956 ، وراح ضحيتها 49 عربي فلسطيني . وفي النقب لجأت الدوريات الخضراء ( المنظمات الخضراء ) الإسرائيلية إلى التنكيل بالبدو العرب لترحيلهم إلى المناطق التي تحاول الحكومة حشرهم فيها وهي عدة تجمعات سكانية ، مستخدمة عملية جرف البيوت وحرق الخيام والاعتداء على المواطنين بالضرب المبرح وإطلاق القنابل الدخانية وتدمير السدود ، واقتلاع الأشجار ومصادرة المواشي .
ثانيا : الأحكام العسكرية والعرفية :
أما نظام الحكم العسكري اليهودي الذي فرض على الفلسطينيين في مناطق 1948 ، فقد قيد حرية التنقل وساهم في حرمان المزارعين من زراعة أراضيهم وبالتالي مكن اليهود من السيطرة على الأملاك المنقولة والثابتة ، وحتى إن نصف المواطنين الفلسطينيين في الكيان الإسرائيلي الجديد عام 1950 صنفوا بمثابة غائبين وفق قانون أملاك الغائبين الإسرائيلي جراء القيود الشاملة من والى القرى والمدن الأخرى أو الخروج إلى الخارج ( 10 ) .
وفي المقابل سعت الحكومات اليهودية المتعاقبة للعمل حثيثا على تهويد الجليل والمثلث والنقب والساحل ، وهي المناطق الفلسطينية التي بقيت مكتظة بالسكان بعد حرب 1948 . وتواصلت عملية الاستيلاء اليهودية على الأراضي العربية الفلسطينية بالزحف البطئ أحيانا والسريع أحيانا أخرى حتى عام 1967 ، إذ سارعت قوات الاحتلال الإسرائيلي إلى احتلال مساحات جديدة ( حوالي 70 ألف كيلومتر مربع ) من الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ، والأراضي العربية من الجولان وسيناء .
وفي 10 آب 1967 صرح موشيه ديان وزير الحرب الإسرائيلي لجريدة الجروسليم بوست مبررا احتلال الأراضي العربية الجديدة قائلا : " إذا كنا نملك التوراة ، واذا كنا نعتبر أنفسنا شعب التوراة فمن الواجب علينا أن نمتلك جميع الأراضي التوراتية " . وفي 15 حزيران 1969 صرحت غولدا مائير رئيسة الوزراء الصهيونية لصحيفة الصاندي تايمز اللندنية بأنها لا تعترف بوجود شعب في فلسطين حيث قالت : " لا يوجد شعب فلسطيني … وكأننا نحن الذين جئنا لإخراجه والاستيلاء على بلده ، فهم (الفلسطينيون ) لا وجود لهم " . ناهيك عن ترديد القول غير الموضوعي وغير المنطقي " فلسطين ارض بلا شعب لشعب بلا ارض " .
ثالثا : الترحيل والطرد الجماعي للمواطنين العرب بالقوة :
تم اقتلاع المواطنين العرب جذريا ، وتهجيرهم إلى مناطق أخرى والاستيلاء على أراضيهم عنوة بدعاوى مختلفة ، لفترات مؤقتة ما زالت سارية المفعول ، وبصورة دائمة . والأمثلة كثيرة في هذا المجال ، إذ ترفض الحكومة الإسرائيلية عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم وقراهم المهجرة او المدمرة . وتسعى الصهيونية المتمثلة في الكيان الإسرائيلي الجديد في فلسطين إلى طرد أهل البلاد الأصليين وتفريغ البلاد من أهلها ليتسنى لليهود القادمين من شتى أنحاء العالم بمختلف قاراته ودوله الإقامة فيها . وقد أدى الصراع العربي - الصهيوني عبر العقود الزمنية السابقة ، والذي شنت فيها القوات الإسرائيلية عدة مرات الهجوم على أراض عربية لبنانية ومصرية وأردنية وسورية واحتلت مساحات شاسعة منها إلى شعورها بضرورة تشديد القبضة الحديدية على المواطنين العرب في البلاد واعتبارهم ( طابورا خامسا ) يعملون كجواسيس عرب لسوريا والعراق والأردن ومصر ، والحيلولة دون احتكاكهم بالعرب في الدول المجاورة مما أدى إلى مضاعفة التنكيل بالفلسطينيين في الأرض المحتلة بعد عام 1948 ، وسن قوانين عسكرية بدعاوى الحفاظ على أمن اليهود .
وقد شنت قوات المستوطنين اليهود حروبا وهجمات متعددة على الدول العربية المجاورة مثل الحرب عام 1948 وما نجم عنها من اقتلاع للسواد الأعظم من أبناء الشعب الفلسطيني ، وحرب عام 1956 على مصر بالتعاون مع بريطانيا وفرنسا ( العدوان الثلاثي ) ، وحرب عام 1967 على الأردن ومصر وسوريا ، وحرب 1978 ، وحرب عام 1982 على الفلسطينيين في والقوى الوطنية اللبنانية حيث ألحقت هذه الحروب القتل والدمار بالعرب في خارج فلسطين وداخلها . وقد كلفت الحروب والمواجهات والأعمال الحربية او العسكرية العربية – اليهودية المتعددة ، اليهود خسائر بشرية جسيمة من عام 1948 وحتى عام 1992 : " كان ثمن البقاء الإسرائيلي جد باهظ : إنه أجساد وأرواح جُلها من الشباب ، وقد أشارت إحصائية رسمية صدرت عن وزارة الدفاع ( الجيش الإسرائيلي ) في أيار عام 1992 ، إن اسرائيل خسرت 500 ر17 إسرائيلي وما يزيد على 56 ألف جريح خلال حروب البلاد السبعة وبقية المواجهات العسكرية " ، ( 11 ) . وحسب الكاتب العربي محمد حسنين هيكل فان العرب خسروا أكثر من مائة ألف شهيد خلال حروبهم مع قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ قيامها وحتى مطلع عام 2001 .
وفي مقابل سياسة التهجير والترحيل للعرب ، فانه على العكس من ذلك ، طبقت سياسة الاجتذاب وسياسة الباب المفتوح لاستقطاب اليهود إلى البلاد والسيطرة على اكبر مساحة ممكنة من الأراضي العربية . وابتدع اليهود كلمتين او مصطلحين لتشجيع الهجرة إلى فلسطين معتبرينها " ارض الميعاد "
د) تدمير القرى العربية واستبدالها بالمستوطنات

رفضت سلطات المستوطنين اليهود عودة القرويين الفلسطينيين إلى قراهم بحجج أمنية ، وعملت على تدمير القرى والبلدات والمدن الفلسطينية بشكل متواصل ، وخاصة في سنوات الاحتلال الأولى .

هـ ) فرض الضرائب الباهظة على الأراضي العربية :
كانت السلطات اليهودية تفرض نسبة ضرائب تزيد عن 5ر2 % سنويا ، من ثمن الأرض على المواطنين العرب ، والحكومة الإسرائيلية ولجانها هي التي تحدد نوعية الأرض ، وذلك بهدف إجبار العرب على التخلي عن أراضيهم وخاصة إن قيمة الدونم الواحد كان يقدر عند رغبة الحكومة في جبي ( ضريبة الأرض ) من المواطن العرب بعشرات بل بمئات أضعاف ما تكون قيمته الأصلية ، وذلك عند ضم هذه الأراضي إلى " مناطق تطوير المدن " الإسرائيلية ، وترقية بعض القرى العربية إلى مدن وفق اعتبارات صحية وتخطيط هندسي يهودي .
وأما إذا أرادت الحكومة الإسرائيلية مصادرة مساحات من الأراضي فإنها كانت تعرض دفع تعويضات مالية رمزية لمالكي الأراضي من المواطنين العرب تقل بمئات المرات عن قيمتها الحقيقية وهو ما عرف بمبدأ " التعويض والمبادلة العنصري " تجاه العرب ( 12 ) .
و ) سياسة التحايل لشراء الأراضي
تتم عملية شراء مئات الدونمات من الأراضي العربية من خلال إغراءات مالية عالية لسعر الدونم الواحد ، والتلاعب باسم المشتري الحقيقي ، والإيحاء أن المشتري للأرض هو مستثمر أجنبي اميركي في حين انه يكون يهوديا ثريا يحمل الجنسية الاميركية
ز) دعاوى السلام والانسحاب من الأراضي العربية
( المصرية والسورية واللبنانية ) المحتلة
كثيرا ما تتذرع السلطات الإسرائيلية بأنها تريد صنع السلام مع الدول العربية المجاورة ، مثل مصر وسوريا ولبنان ، وتقوم بعملية مصادرة واسعة للأراضي العربية في الجليل والمثلث والنقب ، تارة بتوسيع المستوطنات القائمة او لإقامة المطارات والمنشآت العسكرية وما إليها ، تمثل ذلك بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد بين الكيان الصهيوني ومصر في أمريكا عام 1979 ، للتعويض عن ارض سيناء المحتلة فأنشأت المطارات والمستعمرات اليهودية الجديدة
ملاحظة هامة : يتبع … ( فلسطين .. وذكرى يوم الأرض ) ( 2 - 2 ) .

فلسطين .. وذكرى يوم الأرض أل 37
30 / 3 / 1976 – 2013

( 2 - 2 )

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
رئيس مجلس إدارة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة


سياسة شاملة لتهويد أرض فلسطين

ملاحظة هامة : يرجى قراءة الجزء الأول أولا … ( 1 - 2 )

وعلى صعيد آخر ، فان ملكية ارض فلسطين ، قسمتها الحكومة الإسرائيلية ، وفق تصور الصندوق القومي اليهودي ، إلى عدة فئات كما يلي : " ملكية الأرض – تقسم ملكية الأرض في اسرائيل إلى أربع فئات : أملاك الدولة ، وأملاك سلطة التطوير ، وأملاك الصندوق القومي اليهودي ، والأملاك الخاصة . وتقسم الأملاك الخاصة ، بدورها إلى : أملاك يهودية ، وأملاك الأقليات ( غير اليهودية ) :
أملاك الدولة وسلطة التطوير 000ر205 ر15 دونم
أملاك الصندوق القومي اليهودي 000ر570 ر3 دونم
الأملاك الخاصة 000 ر480 ر1 دونم
المجموع 000ر255 ر20 دونم
ومعنى ذلك ، إن الأراضي الفلسطينية ( أراضي اسرائيل ) المركزة تحت سلطة إدارة أراضي اسرائيل تمثل 6ر92 % من مجموع مساحة الدولة " ، ( 13 ) .
وبهذا نرى ، إن التعامل اليهودي مع ارض فلسطين ، يتم على أساس اعتبارها ( ارض اسرائيل ) وهي سياسة تزوير للحقائق التاريخية ، وتمييز عنصري يأخذ عدة اتجاهات ومسارات من أبرزها :
أولا : اعتبار نسبة كبيرة من ارض فلسطين هي ارض يهودية ( إسرائيلية ) حكومية " أملاك الدولة وسلطة التطوير وأملاك الصندوق القومي اليهودي " تبلغ نسبتها 6ر92 % ، وهذا يدلل على مدى استفحال إتباع الطرق المتعددة للاستيلاء على ارض فلسطين العربية ، ونهبها وحرمان أهلها منها ، مع العلم إن مساحات كبيرة من هذه الأراضي هي ارض وقف إسلامي صرف ، إذ تبلغ نسبة الأراضي الوقفية الإسلامية 1 / 6 من مساحة فلسطين .
ثانيا : سيطرة الصندوق القومي اليهودي على مساحات شاسعة من ارض فلسطين ، بشتى الطرق ، حيث بلغت مساحة هذه الأراضي التي يسيطر عليها هذا الصندوق العنصري اليهودي لاستملاك الأراضي الفلسطينية ، نحو ثلاثة ملايين وخمسمائة وسبعين ألف دونم ، في حين إن مساحة الأملاك الخاصة للعرب وغير العرب ( اليهود ) بلغت مليون دونم وأربعمائة وثمانين ألف دونم ، وهذا يقود إلى سياسة عنصرية مبرمجة للاستيلاء على الأراضي العربية .
ثالثا : إن مساحة الأراضي ذات الملكية الخاصة للعرب وغير العرب ، هي ذات مساحة صغيرة ، تبلغ نسبتها 4ر7 % فقط ، ويمكن القول إن نسبة الأراضي التي يملكها العرب في الجليل والمثلث والنقب والساحل الفلسطيني بشكل حقيقي ما يقارب 5ر2 % من المساحة الإجمالية المذكورة ، وهي معطيات خطيرة تبين مدى درجة الاقتلاع السياسية والاقتصادية التي نفذتها الدولة اليهودية في ارض فلسطين ، وتشريد أهل البلاد الأصليين ، وإبقاءهم في معازل صغيرة المساحة ، والتضييق عليهم بشتى الطرق والأساليب المتاحة ، وذلك رغم أن عددهم بلغ في مطلع القرن الحادي والعشرين نحو مليون وربع مليون فلسطيني .
وتواصلت الدعوات اليهودية الرسمية وغير الرسمية المكملة لبعضها البعض في الاستيلاء على ارض الشعب الفلسطيني ، إذ استخدمت وسائل الإعلام اليهودية المختلفة ، المسموعة والمرئية والمطبوعة ، لبث الدعوات العنصرية للسيطرة على المزيد من الأراضي الفلسطينية .
وتتواصل سياسة الاستيلاء اليهودية على الأراضي العربية الفلسطينية بشتى الطرق والأساليب " القانونية " والسياسية والاجتماعية ، تارة بدعوى التطوير وتارة بدعوى شق طرق عامة او إقامة مناطق عسكرية ضرورية للأمن الإسرائيلي وغيرها من الحجج التي تكررت عبر العقود الزمنية الستة السالفة . ومهما يكن من أمر ، فان السياسة العنصرية التي استخدمت قديما وحديثا للسيطرة على الأرضي الفلسطينية ، تمثلت في عدة طرق يهودية لترهيب المواطنين العرب وتفريغ الأرض العربية الفلسطينية منها : منع الطعام والمياه عن المواطنين وحجزهم ساعات طويلة في بيوتهم ، منع التجول ، وقطع المياه عن المنازل ، وإغلاق المدارس والطرق على أبواب البيوت ليلا بالبنادق وإطلاق العيارات النارية في الهواء لتخويف المواطنين العرب والتعجيل في ترحيلهم إلى مناطق خارج نفوذ القوات الصهيونية ، والأمثلة كثيرة في هذا المجال
الاستعمال الصهيوني لأرض فلسطين

تستخدم السلطات اليهودية الأراضي العربية الفلسطينية التي سيطرت او تسيطر عليها لتحقيق عدة أغراض استعمارية مدنية وعسكرية ، باختلاق عوامل ومبررات متباينة : سياسية واقتصادية واجتماعية ودينية ، بالتضليل والخداع تارة ، والسياسة المباشرة تارة أخرى ، ومن هذه الاستعمالات :
1) إقامة المستوطنات او المستعمرات المدنية اليهودية عليها . وتشمل المستوطنات على اختلاف أشكالها وأنواعها الزراعية والصناعية والدينية او الإسكانية العامة ، وإقامة المواقع والمراكز او المستوطنات العسكرية اليهودية .
2) شق الشوارع العامة التي تخدم التجمعات السكانية اليهودية .
3) إقامة المباني الحكومية اليهودية – الصهيونية - الإسرائيلية الرسمية ( الوزارات والدوائر العامة ) .
أهداف الاستيطان اليهودي بفلسطين
هدفت سياسة الاستيطان الإسرائيلية المستندة إلى التمييز في مصادرة الأراضي العربية ، إلى تحقيق عدة غايات وأهداف يهودية مرحلية تصب في نهاية المطاف في مصب تجريد المواطنين العرب من اكبر مساحة ممكنة من الأراضي ، واهم هذه الغايات والأهداف ما يلي :
أولا : تهويد الأراضي العربية ، وترسيخ أقدام اليهود في البلاد .
ثانيا : أن تلعب المستوطنات المقامة دورا أمنيا واستراتيجيا ، وذلك بالسيطرة اليهودية على المرتفعات وقمم الجبال ، كما هو الحال في الجليل ( 14 ) .
ثالثا : إحداث سيطرة ديموغرافية بين العرب واليهود ، وذلك في أعقاب فشل سياسة التهجير الجماعية الجديدة للمواطنين العرب واجتثاثهم من فوق أرضهم كلية ، كما حدث عام 1948 ، عام النكبة الفلسطينية . وقد وضعت الخطط والبرامج المرحلية لتهويد الأراضي العربية ، مثلما هدفت وثيقة يسرائيل كنج عام 1976 إلى تحقيق سيطرة أكثرية يهودية في البلاد بدعوى " تطوير الجليل " .
وقد لاحظنا أن اليهود الغرباء عن الديار الفلسطينية ، وبصورة مستغربة متصاعدة ، ينظرون إلى المواطنين العرب في ارض فلسطين العربية ، أرضهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم ، وكأنهم سرطان في الدولة العبرية يسعون إلى اجتثاثه لكي لا يؤثر على نمو الدولة اليهودية في فلسطين . فالعجيب هنا أن اليهود الغرباء ينعتون أهل البلاد الأصليين بالغرباء ، وهي مفارقة عنصرية عن سبق الإصرار والترصد .
رابعا : عزل القرى والمدن العربية عن بعضها البعض بإقامة تجمعات استيطانية يهودية بينها ، للحيلولة دون تواصلها الجغرافي والعمراني .
خامسا : تقليل مساحات الأراضي السهلية الخصبة والجبلية على السواء في أيدي العرب ، وذلك لتحجيم الزراعة العربية ، والحد من امتداد الأبنية العربية على مساحات واسعة من الأراضي وتقييد التوسع المكاني للقرى العربية الفلسطينية .
سادسا : إلحاق الأراضي العربية بالمجالس الإقليمية اليهودية .
سابعا : السيطرة على موارد المياه العربية .
ثامنا : السعي الحثيث لاجتذاب يهود العالم ، وغرسهم في ارض فلسطين .
وكنتيجة لأعمال المصادرة اليهودية للأراضي العربية الفلسطينية المتعددة الأغراض والأهداف فان العرب لم يتبق لهم إلا جزءا بسيطا من ارض وطنهم فلسطين . وبهذا فان السياسة العنصرية اليهودية تجاه العرب الفلسطينيين نفذت بشكل متقن لطرد العرب من أرضهم واستيلاء اليهود عليها ، ويبقى الخطر الصهيوني محدقا بالشعب الفلسطيني في وطنه ، فهو يتعرض لشتى صنوف العذاب والقمع الصهيوني لتجريده من أرضه . والعقلية الصهيونية ما زالت تخطط لجلب اليهود من مختلف قارات العالم ، وإسكانهم في فلسطين ، ولسان حال القادة الصهاينة يؤكد ذلك بصورة مستمرة لاستيطانها لتكون لليهود المشتتين في العالم . وفي عام 2000 ، ظهرت على السطح سياسة صهيونية - إسرائيلية جديدة ، هدفت إلى نزع ملكية آلاف الدونمات من الأراضي العربية من أصحابها الأصليين الشرعيين ، من خلال المبادرة إلى شق شارع طويل يخترق البلاد طوليا من الشمال إلى الجنوب فيما يعرف بشارع " عابر اسرائيل " او عابر " السامرة " ، توخت الحكومة الإسرائيلية من ورائه سلب المزيد من الأراضي العربية الفلسطينية ، واقترحت على المواطنين العرب المالكين لهذه الأراضي التعويض المالي الرمزي ، إلا إن هؤلاء المواطنين أفرادا وجماعات بوساطة السلطات المحلية العربية رفضوا هذه الفكرة التعويضية الرمزية على الأرض ، ورفضت فكرة شق هذا الشارع الطويل الواسع لأنه يدمر الأراضي العربية ، ويخترق المدن والقرى العربية في حين يلتف حول التجمعات الإسكانية اليهودية . ثم تراجعت الحكومة الإسرائيلية عن فكرة التعويض الرمزي ، واستجابت جزئيا لمطالب المالكين العرب بالتعويض على أساس " الأرض مقابل الأرض " ، ولكن بنسبة 70 % من مساحة الأرض ، شرط أن تقتصر عملية التعويض او الأرض البديلة على من يمتلك ثلاثة دونمات فأكثر وأما من يمتلك اقل من ثلاث دونمات فسيعوض ماليا وبدفعات مالية بخسة وعلى أقساط شهرية ( 15 ) .
الاستملاك والتأجير الأبدي لليهود فقط
على أي حال ، إن الأراضي الفلسطينية التي استولت عليها الدولة اليهودية للاعتبارات : السياسية والعسكرية والمدنية والاقتصادية ، بالمصادرة او بالشراء ( وهي نسبة قليلة جدا ) على السواء ، اعتبرت حكرا على اليهود فقط ، فقد سنت القوانين اليهودية التي تمنع العرب من استعادة أملاكهم بالشراء ، او المبادلة العينية وغيرها ، واعتبرت بمثابة ملكية قومية يهودية لا يمكن التنازل عنها للمواطن العربي مهما كانت ديانته ، وهو مظهر عنصري حتى النخاع ، يمارس يوميا ، يرهق المواطنين العرب أبناء الأقلية القومية الدينية في البلاد ، وهذا ما درج على إتباعه الصندوق القومي اليهودي ، والحكومة الإسرائيلية التي ورثت هذا القانون العنصري والذي ما زال ساري المفعول لغاية الآن . وفي مجال استئجار الأراضي المستولى عليها يهوديا ، فرضت مبادئ التأجير العنصرية على انه يجب أن يكون المستأجر يهوديا ، سواء أكان فردا او رابطة اجتماعية او شركة . وفي المادة الثالثة من قانون الصندوق القومي اليهودي ، طلب من المستأجر أن يعمل على تنفيذ جميع الأعمال المتعلقة بالأرض المؤجره له : " بالاعتماد ، والاعتماد فقط على العمال اليهود " ، ( 16 ) .
وقد حددت مدة معينة لتأجير الأرض لليهود سقفها 49 سنة ، قابلة للتجديد مرة واحدة نظريا ، وقابلة للتجديد أكثر من ذلك عمليا ، كما أجازت القوانين اليهودية للسكان اليهود توريث الأرض او الوصاية عليها لليهود الآخرين فقط ، مع اشترط أن الأرض هي غير قابلة للتقسيم ومقيدة بالغاية المعينة في عقد الآجار والاستئجار لأغراض : الزراعة او الصناعة والتجارة او الإسكان . وهناك بعض الأراضي التي استثنيت من تحديد مدة تأجيرها بتسعة وأربعين عاما ، مثال ذلك عقد الإيجار المتعلق بجبل ( سكوبس ) في القدس الذي حددت مدته ب 99 عاما ، المقام عليه مباني الجامعة العبرية ، ( 17 ) .
وما زالت " دائرة أراضي اسرائيل " حتى أيامنا هذه تستخدم نماذج عقود وشروط الإيجار التي وضعتها إدارات الصندوق القومي اليهودي منذ فترة طويلة ، في المجالات الزراعية والصناعية والتجارية والإسكانية ، وذلك اثر توقيع اتفاقية صهيونية : بين الحكومة الإسرائيلية وإدارة الصندوق القومي اليهودي عام 1960 . وقد أدت سياسة التمييز العنصرية الصهيونية – اليهودية - الإسرائيلية ضد العرب الفلسطينيين إلى تزايد العداء بين العرب واليهود بشكل مستفحل .
خريطة  فلسطين Map of Palestine
المقاومة الفلسطينية لسياسة مصادرة الأرض
تعددت الطرق والأساليب العربية الفلسطينية التي تصدت إلى سياسة مصادرة الأرض العربية في الجليل والمثلث والساحل والنقب وفلسطين الكبرى بصورة عامة ، من قبل الحكم العسكري الإسرائيلي ، والحكومة الإسرائيلية على مدار العقود الأخيرة ، فشملت الاجراءات " القانونية " باللجوء إلى المحاكم اليهودية الصهيونية وخاصة المحكمة العليا ، إلى جانب الانتفاضات والهبات الجماهيرية الجماعية والتصدي العسكري الفردي او الجماعي عبر الخلايا العسكرية المناهضة للسياسة العنصرية اليهودية . وتفرعت هذه الطرق إلى تنظيم الانتفاضات والمظاهرات الجماعية وترديد الشعارات الوطنية المنددة بالسياسة الإسرائيلية ضد المواطنين العرب ، أهل البلاد الأصليين ، وضد الأرض الفلسطينية ، فوضع الشبان الفلسطينيون المتاريس على الشوارع والطرقات وأشعلوا النار في إطارات السيارات ، وأقيمت الصلوات الجماعية في المناطق المهددة بالمصادرة ، وأضرمت النار في بعض الأحراش القريبة ، ورجموا الدوريات العسكرية الإسرائيلية بالحجارة والقنابل الحارقة ، ورفعوا الأعلام الفلسطينية فوق الأرض المهددة بالمصادرة ، وزرعوا مساحات واسعة من الأرض المصادرة او المهددة بذلك بالاشتال المثمرة كاشتال الزيتون والسرو وغيرها ، كما لجأ المواطنون العرب إلى تنظيم أيام الاضرابات العامة والشاملة لكافة مرافق الحياة الاجتماعية والتعليمية والخدمات المقدمة من السلطات المحلية العربية ، واقتحمت المعسكرات اليهودية الصهيونية الإسرائيلية وأزيلت الأسلاك الشائكة والجدران من حول الأراضي العربية ، ونصبت خيم الاعتصام قبالة مقر الحكومة والكنيست ، وعقدت ندوات ومهرجانات شعبية من أقصى الجليل شمالا إلى أقصى النقب جنوبا .
وكان الرد الإسرائيلي من الدوريات العسكرية والشرطة الإسرائيلية يسير تبعا لمبدأ : " سياسة القبضة الحديدية " ، ودمر واقتل العرب بإطلاق العيارات النارية الحية والمطاطية على المواطنين العرب الفلسطينيين وقتل العديد من المواطنين وجرح العشرات عبر مسيرة الدفاع عن الأرض الفلسطينية ، واستخدمت قنابل الغاز المسيلة للدموع .
والأمثلة كثيرة في هذه المجال ، ابتداء من يوم الاحتلال الأول ، ومرورا بيوم الأرض الأول في 30 آذار عام 1976 ، ومرورا بيوم الأرض الرابع والعشرين ( 30 آذار 2000 ) وما تلاها من تحرشات واستفزازات إسرائيلية ضد المواطنين العرب في البلاد وانتهاء بذكرى يوم الأرض الخامس والعشرين . وانشد احد الشعراء الفلسطينيين يؤكد على حق العربي في أرضه ، في حيفا ويافا ، وعكا وغيرها من المدن العربية الفلسطينية صادحا :
لي فيك يا حيفا ويا يافا بيوت وذكريات من زمان لا يموت
لي فيك يا عكا ويا أم القرى أهل أبوا أن يركعوا للعنكبوت
وفي ذكرى يوم الأرض ، ومهرجان الدعوة لتحرير المقدسات الإسلامية ، ومقاومة سياسة التهويد التي تنتهجها الحكومة اليهودية الصهيونية في الجليل والمثلث والنقب والساحل ، الذي نظم في عكا ، في الأول من نيسان عام 2000 ، انشد الشيخ كمال الخطيب ، نائب رئيس الحركة الإسلامية / الجناح الشمالي قائلا :
فاخلع أخي ثياب اليأس مرتديا ثوب العطاء نشيطا غير كسلان
معاذ ربي أن تنحل عروتنا او نتوه وفينا نور قرآن
إن حييت ليوم لا مرد للفوز للحق لاسترداد أوطاني
لنستعيد بلادا مثلما غصبت بالحق لا بدموع تحنان
لترجع القبلة الأولى مطهرة من كل قرد ومن وغد وخوان
لنلتقي في ثغور الأمس ضاحكة حيفا وعكا ويافا وبيسان
لكي تعود تدوي في مآذنها الله اكبر من آن إلى آن
وقد ألف الشاعر إبراهيم قراعين ، المحرر المسئول لمجلة العودة المقدسية قصيدة عن مصادرة الأراضي العربية الفلسطينية وصف فيها المستعمرات اليهودية المقامة على الأرض العربية بالسرطان حيث وصف واقع الاستيطان الاستعماري الصهيوني العدواني ، وحال الشعب الفلسطيني في المقاومة والصمود في قصيدة له بعنوان " السرطان " ( 18 ) :
بؤر للاستيطان غُرزت بكل مكان
مثل القروح تناثرت في الوجه والأجفان
وقذى بأعين أرضنا فالأرض في غثيان
وبها أناسُ لا ترى شيئاً بهم إنساني
مستوطنون حياتُهم قامت على العدوان
وعلى الأذى .. طباعهم نُسخت عن الشيطان
********
يا شعبنا يا حامي الحمى يا فارس الميدان ِ
يا من بأرضك صامدٌ وتثورُ كالبركان ِ
وبصدرك العاري تواجهُ آلة الطغيان ِ
فتزيل شرا بيننا زرعوه كالسرطان ِ
ما أنت مجهول الإقامة ضائع العنوان ِ
بل في فلسطين الأبية دُرة ِ الأوطان ِ
لك دولة تُبنى فأبشر يومُ نصرك دان ِ
يوم الأرض الأول
30 آذار – مارس 1976
يوم الأرض هو مفصل تاريخي من مفاصل المقاومة الجماهيرية العربية للسياسة العنصرية اليهودية الهادفة إلى الاستيلاء على اكبر مساحة ممكنة من الأراضي العربية ، قررته " اللجنة القطرية للسلطات المحلية العربية " للدفاع عن الأرض العربية وحمايتها من المصادرة اليهودية . فقد اعتبر يوم 30 آذار – مارس من كل عام بمثابة " يوم الأرض " الفلسطينية ، منذ عام 1976 ، اثر سقوط ستة شهداء عرب فلسطينيين في المناطق العربية ، مثلث يوم الأرض ( سخنين – دير حنا – عرابة ) وجرح 49 فلسطينيا واعتقال نحو ثلاثمائة شخص دفاعا عن الأرض . والشهداء الفلسطينيين الستة الذي سقطوا في يوم الأرض الأول ، هم : خير ياسين ( في عرابة البطوف ) ، خديجة شواهنة ، خضر خلايله ، ورجا اغبارية ( في سخنين ) ، ومحسن طه ( من كفر كنا ) ، ورأفت زهيري ( من مخيم نور شمس قرب طولكرم ) سقط في الطيبة ، بالإضافة إلى جرح عشرات المواطنين العرب .
وقد أصدرت " اللجنة القطرية للدفاع عن الأراضي العربية " كتابا اسودا بينت فيه جرائم الاحتلال الإسرائيلي الهادف إلى الاستيلاء على مساحات شاسعة من الأراضي العربية . جاء في هذا الكتاب :
" لقد كان يوم الأرض ، 30 آذار 1976 ، يوم شرف وبطولة وتضحية بالنسبة للجماهير العربية الفلسطينية في ( اسرائيل ) ، بقدر ما كان يوم عار وجبن وعدوان بالنسبة لحكام اسرائيل . يوم الأرض ، هو يوم قاس طويل .. هو يوم من تسعة وعشرين عاما خاضت خلالها الجماهير العربية في بلادنا معارك شرسة وتعرضت لاعتداءات دامية ، وقدمت تضحيات غالية ، من اجل مجرد البقاء الكريم على ارض الآباء والأجداد " ، ( 19 ) .
وفي 30 آذار عام 2000 ، في الذكرى أل 24 لتخليد وإحياء يوم الأرض ، وفي السنوات التي تلتها حتى 2008 نفذت اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية ، ولجنة المتابعة العربية العليا للمواطنين العرب في الجليل والمثلث والساحل والنقب سلسلة فعاليات ، فانطلقت المظاهرات ونظمت المهرجانات العربية وسارت المسيرات المنددة بسياسة التمييز الإسرائيلية ضد الأراضي العربية وضد المواطنين العرب ، حيث نظمت المظاهرات الفرعية في معظم أنحاء البلاد ذات الأغلبية السكانية العربية .
ففي عام 2000 في مدينة سخنين ، تخلل المظاهرة الجماهيرية عمليات " كر وفر " بين المتظاهرين المنتفضين البالغ عددهم نحو ثلاثة آلاف فلسطيني وبين مئات من أفراد الجيش الإسرائيلي وقوات الشرطة الإسرائيلية ، المدججين بالسلاح ، استشهدت فيها المواطنة شيخة أبو صالح من سخنين اثر إصابتها باختناق جراء استنشاق الغاز من القنابل المسيلة للدموع التي ألقتها القوات الإسرائيلية ، وجرح فيها نحو 70 فلسطينيا . وقد لف جثمان الشهيدة شيخة أبو صالح بالعلم الفلسطيني أثناء تشييع جثمانها في مدينة سخنين .
وقال بعض الشبان المشاركين في انتفاضة يوم الأرض في 30 آذار 2000 : " لقد سئمنا الكلام والخطابات والبيانات ، لا نريد أن نسمع احد ، نريد المواجهة ، ولا يهمنا الموت او الجرح او الاعتقال " . وأكد المتحدثون في مهرجانات يوم الأرض العزيز عن تمسك الجماهير العربية بأرض الآباء والأجداد على مر التاريخ وأنهم سيواصلون الاحتفاظ بأراضيهم رغم كل العقبات والعراقيل والسياسات الإسرائيلية الهادفة إلى تفريغ الأرض العربية من أصحابها .
واثر تنادي العرب المتواصل للحفاظ على الأرض العربية الفلسطينية وحمايتها بكل الطرق المتاحة ، فقد برزت أصوات يهودية رسمية وشعبية تدعو إلى إلغاء إحياء ذكرى " يوم الأرض " السنوية ، من بينها دعوات أصدرها مسئولون كبار في ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية ، وهي دعوات رفضتها اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية ولجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب في مناطق فلسطين المحتلة عام 1948 وهي الجليل والمثلث والساحل والنقب الفلسطيني ، مؤكدة أن إحياء ذكرى يوم الأرض الفلسطينية هي تقليد سنوي ومناسبة وطنية تاريخية مشروعة .
وأصدرت لجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب في البلاد بيانا حول المطالبة الرسمية اليهودية بإلغاء يوم الأرض ، جاء فيه :
" إن يوم الأرض جاء نتيجة طبيعية للسياسة العنصرية المعادية للعرب التي انتهجتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ولم تتغير حتى اللحظة .. إن يوم الأرض هو الرمز والتعبير عن تمسكنا بكل شبر ارض سلب من أرضنا ظلما وعدوانا ، وهو التعبير عن حاجتنا الإنسانية والحضارية لأرضنا التي أصبح يطلق عليها أراضي دولة ، ونحن أصحابها الشرعيون موجودون ونحرم منها وكأننا غير مواطنين في هذه الدولة ، رغم إننا أصحاب الأراضي المقامة عليها .. إن يوم الأرض جاء ليثبت أقدام الإنسان العربي الذي يسكن فوق الأرض ويثبت حقوق المواطنة الأساسية التي يستحقها … إن تصاعد الهجمة على ما تبقى من الأراضي العربية ومصادرتها تحت حجج ومسميات مختلفة أبرزها مشروع شارع عابر اسرائيل ومحاولة تحويل أراضي الروحة إلى منطقة تدريب للجيش الإسرائيلي ، وانتهاك المقدسات والأوقاف الإسلامية ومنع المسلمين من أداء الصلاة والشعائر الدينية في مساجدهم ، إلى جانب مجمل السياسة الحكومية الإسرائيلية في ما يتعلق بقضايا الجماهير العربية والذي يسبق الانفجار .. إن الاعتداء الذي تعرض له المشاركون في مسيرة سخنين لمناسبة يوم الأرض على أيدي قوات الشرطة الإسرائيلية وحرس الحدود ، وتكرار الاعتداءات على المواطنين العرب وممثليهم المنتخبين ، وخنق القرى والمدن العربية بالمعسكرات والمستوطنات ، تشكل بمجملها نقاطا ساخنة تنذر بانفجار وشيك ، تتحمل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عن نتائجه " ، ( 20 ) .
وفي الأول من نيسان عام 2000 ، نظمت الحركة الإسلامية مظاهرة إسلامية بمشاركة الآلاف من المواطنين العرب ، انطلقت من مسجد الجزار في مدينة عكا العربية إلى مسجد الميناء ، تحت شعارات : " يوم الأوقاف والمقدسات – أرضنا مباركة وأوقافنا مقدسة ، نعم لتحرير الأوقاف والمقدسات ، نعم لعودة المهجرين إلى ديارهم ، نعم لعودة أهالي أقرت وكفر برعم ، لا لمصادرة أراضي أهلنا في النقب ، نعم للاعتراف بالقرى غير المعترف بها " .
على أي حال ، إن تزايد حملات السيطرة الإسرائيلية على الأراضي العربية الفلسطينية ، في الجليل والمثلث والساحل والنقب ، لم يبق للمواطنين العرب سوى نسبة بسيطة من مساحة البلاد تصل إلى نسبة 2 % فقط في حين إن نسبة عدد المواطنين العرب في الدولة يشكل أكثر من 20 % ، وهذا يدلل على مدى تصاعد حدة التمييز العنصري اليهودي ضد العرب واستمرار الحملات الرسمية والأهلية للاستيلاء على مساحات جديدة من الأراضي العربية وحرمان المواطنين العرب من أرضهم بشتى الطرق والأساليب الترغيبية والترهيبية على مدى عشرات السنوات الماضية .
والظلم الجماعي الواقع على المواطنين العرب جراء سياسة التمييز الإسرائيلية المتعلق بمصادرة الأراضي ، اضطر المواطنين العرب لإعلان الانتفاضات المتكررة للدفاع عن الأرض العربية المتبقية لديهم ، والحد من عملية مصادرتها للأغراض اليهودية ، بمناسبة ذكرى يوم الأرض السنوية في الثلاثين من آذار ، وغيرها من المناسبات والأيام على مدار العام .
ومهما يكن من أمر ، إن سياسة الاستيلاء اليهودية المتعددة والمتباينة الغايات والأهداف تصب كلها في مصب الاستيطان اليهودي ، وتحرم المواطنين العرب من أرضهم بل وتصر هذه السياسة الإسرائيلية على اقتلاع ما تبقى من عرب فلسطينيين في هذه البلاد ، وهم أهل البلاد الأصليين ، وتعمل السياسية الصهيونية على استقدام يهود من مختلف أنحاء العالم حتى جاوز عدد الجنسيات التي حملها اليهود في دولة المستوطنين اليهود 102 جنسية أجنبية وهي الجنسيات الغربية والشرقية الغريبة عن هذه البلاد ، جاؤا لأول مرة إلى هذه البلاد واستوطنوها بالقوة رغما عن أصحابها الفلسطينيين على مدار هجرات جماعية يهودية متتالية بدعم يهودي جماعي عالمي وحكومي إسرائيلي استعماري . وفي الحين الذي يستولى فيه اليهود على الأراضي العربية من أهلها عبر كافة الطرق والأساليب الترهيبية أحيانا والترغيبية والخداع أحيانا أخرى ، فان ذلك يبين إن سياسة التمييز ستؤول إلى الزوال عاجلا او آجلا ، لأنها تحمل في ثناياها التباين الحضاري والثقافي والقيمي والانسلاخ عن مجتمعات كثيرة مختلفة في كل شيء .
انتهى .
————————
هوامش ذكرى يوم الأرض الفلسطيني أل 37
1976 – 2013

(1) من تكاثر الفلسطينيين وتوصي ب " الترانسفير " ، القدس ، العدد 11347 ، 27 / 3 / 2001 ، ص 4 . - 1
(2) روجيه جارودي ، محاكمة الصهيونية الإسرائيلية ، ترجمة : حسين قبيسي ( بيروت : الفهرست ، 1998 ) ، ص 24 . 2
(3) انظر : تقسيم غرانوت ، رئيس مجلس إدارة الصندوق القومي اليهودي عام 1947 ، في كتاب : وولتر لين ، اوري ديفز ، الصندوق القومي اليهودي ، ترجمة : محمود زايد ورضوان مولوي ( بيروت : جامعة الكويت ومؤسسة الدراسات الفلسطينية ، 1990 ) ، ص 134 . 3
(4) وولتر لين ، اوري ديفز ، الصندوق القومي اليهودي ، ترجمة : محمود زايد ورضوان مولوي ( بيروت : جامعة الكويت ومؤسسة الدراسات الفلسطينية ، 1990 ) ، ص 134 . 4
(5) إيليا زريق ، المرجع السابق ، ص 326 . 5
(6) وفيق غريزي ، معاناة الموحدين الدروز في الأراضي المحتلة ( بيروت : دار الكاتب ، 1984 )، ص 37 – 38 . 6
(7) غازي فلاح ، الجليل ومخططات التهويد ، ص 100 ، نقلا عن بكر أبو كشك ، " الأراضي العربية والسياسة الإسرائيلية " ، المواكب – الناصرة ، المجلد الأول ، العددان 1 و2 ، 1984 ، ص 30 – 41 . 7
(8) ضاري السامرائي ، مرجع سابق ، ص 462 . 8
(9) روجيه جارودي ، محاكمة الصهيونية الإسرائيلية ، ترجمة : حسين قبيسي ( بيروت : الفهرست ، 1998 ) ، ص 158 – 159 . 9
(10) ايان لوستيك ، مرجع سابق ، ص 53 . 10
(11) يوسي ميلمان ، الإسرائيليون الجدد – مشهد تفصيلي ، ترجمة : مالك فاضل البديري ( عمان : الأهلية للنشر والتوزيع ، 1993 ) ، ص 161 . 11
(12) كميل منصور ، وآخرون ، تحرير ، الكتاب السنوي للقضية الفلسطينية لعام 1975 ( بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، 1978 ) ، ص 80 – 84 . 12
(13) وولتر لين ، اوري ديفز ، الصندوق القومي اليهودي ، ص 120 . نقلا عن مقدمة تقرير إدارة أراضي اسرائيل لعام 1961 – 1962 . 13
(14) غازي فلاح ، الجليل ومخططات التهويد ( بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، 1993 ) ص 29 . 14
(15) غازي بني عوده ، " عضو الكنيست – جبارة خلال ندوة في نابلس – المرأة الفلسطينية في الداخل تواجه تمييزا واضحا في سوق العمل ولا تمثيل في المؤسسات الرسمية الإسرائيلية " ، الأيام ، العدد 1537 ، 2 / 4 / 2000 ، ص 5 . 15
(16) وولتر لين ، اوري ديفز ، الصندوق القومي اليهودي ، ص 70 . 16
(17) المرجع السابق ، ص 71 . 17
(18) إبراهيم قراعين ، " سرطان " مجلة العودة ، القدس ، العدد 238 ، 1 / 6 / 1999 ، ص 1 . 18
(19) سميح القاسم ، " يوم الأرض " ، كل العرب ، العدد 642 ، 31 / 3 / 2000 ، ص 2 ، نقلا عن الكتاب الأسود الصادر عن اللجنة القطرية للدفاع عن الأراضي العربية في اسرائيل ، أيلول 1976 . 19
(20) محمد بلاص ، " اللجنة القطرية تعتزم نصب خيمة اعتصام على أراضي كفر برا – لجنة المتابعة في الداخل ترفض دعوة إسرائيلية لإلغاء يوم الأرض " ، الأيام ، العدد 1541 ، 6 / 4 / 2000 ، ص 10 . 20
خريطة  فلسطين Map of Palestine

ظاهرة إهمال الأراضي في فلسطين .. إلى أين ؟؟؟ د. كمال إبراهيم علاونه

ظاهرة إهمال الأراضي في فلسطين .. إلى أين ؟؟؟

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
رئيس مجلس إدارة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة 

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ : {  أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (27) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (28) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (29) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (32) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34) يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) }( القرآن المجيد - النازعات ) .
وجاء بمسند أحمد - (ج 26 / ص 59) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" إِنْ قَامَتْ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ " .

استهلال

يتشكل الاقتصاد الفلسطيني من أربع قطاعات هامة وأساسية هي : الزراعة والصناعة والتجارة والخدمات . وتشكل الزراعة العمود الفقري والقلب النابض لهذا الاقتصاد ، إذ أن المواطن الفلسطيني نشيط جدا ويهتم بزراعة أراضيه منذ القدم وغابر الأزمان . فنجد الزيتون الروماني المعمر والأشجار الباسقة والتي تدل على إهتمام الفلسطيني بأرضه حيث يحرثها ويزرعها .
والمجتمع الفلسطيني هو مجتمع زراعي بالدرجة الأولى ثم تأتي الصناعة بالدرجة الثانية ثم التجارة فالخدمات . وتعتمد الزراعة في الغالب على مياه الأمطار الهاطلة في فصل الشتاء حيث يزرع الحبوب كالقمح والشعير والعدس والفول كمحاصيل شتوية ، ويزرع المحاصيل الصيفية كالذرة والبامية والسمسم بالإضافة إلى زراعة الأشتال والأشجار كشجرة الزيتون والحمضيات واللوز والتين والعنب وزراعة الخضروات والفواكه .
وتشكل نسبة الأراضي المزروعة والتي تعتمد على مياه الري نسبة صغيرة إذ أن الغالبية العظمى من الدونمات المزروعة كما أسلفنا تعتمد على مياه الشتاء ، ويعود سبب اعتماد الزراعة في فلسطين على مياه الشتاء وعدم اعتمادها على مياه الري إلى كون السلطات العسكرية الصهيونية تسيطر على الينابيع ومصادر المياه الطبيعية كالأنهار والبحار ( نهر الأردن والبحر المتوسط ) وعدم إتاحة المجال أمام المواطنين العرب الفلسطينيين من استخدام مصادر المياه هذه بالإضافة على عدم السماح بحفر الآبار الارتوازية الكبيرة التي تمكن المواطنين من استخدام المياه للري ، إذ أن آبار جمع المياه البيتية التي يعتمد عليها المواطنون للشرب لا تكفي حيث تعاني معظم مدن وقرى ومخيمات الأرض الفلسطينية المحتلة من نقص في مياه الشرب بينما يوجد هناك فائض في المياه تستخدمه السلطات الصهيونية في الزراعة والري أو ما يعرف بالتنقيط . وفي أيامنا هذه زاد عدد المواطنين الفلسطينيين المهملين والتاركين أراضيهم بورا وعدم اهتمامهم بزراعتها وحراثتها واتجهوا إلى قطاعات الصناعة والتجارة والخدمات حيث أضحى عدد العاملين في قطاع البناء مثلا أكبر من عدد العاملين في الزراعة إذ بدأ الإنسان الفلسطيني يميل أكثر وأكثر إلى الأعمال التي تعود بدخل شهري ، أما في الزراعة الموسمية فإن عليه انتظار موسم جني الثمار .
وبعد العام 1967 اتبعت قوات الاحتلال الصهيوني سياسة تفريغ الأراضي من السكان وتشجيع المواطنين على إهمال أراضيهم وعدم الاهتمام بزراعتها وتركها من خلال توفير العمل لأكبر قطاع ممكن في المصانع والورش اليهودية ، وفيما بعد ذلك أخذت في طردهم من العمل ، وكأن الهدف من ذلك هو جلبهم إلى المصانع وتركهم أرضهم واستخدامهم كأيدي عاملة رخيصة ، وتقديم الإغراءات المادية إذ أصبح كما يبدو للبعض العمل في المصانع والورش أوفر وأحسن من الناحية المادية الاقتصادية للمواطن إذ يتقاضى معاشا شهريا ثابتا بينما عملت السلطات الصهيونية على ضرب الزراعة عن طريق إغراق الأسواق الفلسطينية بالمنتجات الزراعية الصهيونية وبأسعار تقل عن الأسعار في الأسواق الفلسطينية وبذلك وجهت هذه السياسية ضربة قاصمة وقوية للمزارع الفلسطيني . هذا بالإضافة على نقطة هامة ومهمة في نفس الوقت ألا وهي مصادرة الأراضي الفلسطينية وإغلاقها لبناء المستوطنات اليهودية عليها ، إذ بلغت نسبة الأراضي المصادرة في الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1986 حوالي 47 % من مجموع مساحة الضفة والقطاع البالغة حوالي 6 آلاف كم2 ، وهي نسبة كبيرة جدا إذ أن معظم الأراضي المصادرة هي أراض صالحة للزراعة وبذلك عمل الاحتلال الصهيوني على تحجيم وإنقاص المساحات القابلة والصالحة للزراعة وبالتالي تقليص العاملين بهذا القطاع الحيوي . ومن ضمن الأراضي التي صادرتها السلطات العسكرية الصهيونية لإغراض عسكرية ولبناء المستوطنات اليهودية صادرت المناطق المرتفعة والجبلية منها والهضاب والتي يستخدمها المزارع الفلسطيني لرعي أغنامه وبذلك حجمت أيضا تربية المواشي ، فالمراعي ضرورية وهامة من أجل تزويد الماشية بالعشب وخاصة في فصل الربيع والصيف لرعي الأغنام والأبقار . وبذلك وضعت الزراعة الفلسطينية وتربية المواشي بين فكي كماشة معدة للإنقضاض على فريستها ، وذلك بإتباع الأساليب المختلفة والمتنوعة . وتتبع الحكومة الإسرائيلية ، سواء أكانت معراخية ( العمل ) أو ليكودية ، هذه السياسة منذ العام 1967 للعمل على تهجير وتفريغ الأرض من أصحابها الشرعيين الأصليين ، ولبذر بذور اليأس والقنوط والتيئيس في نفوس أبناء شعبنا الفلسطيني للضغط عليهم لبيع هذه الأراضي وخاصة الجبلية منها بدعوى أن الأرض الجبلية لا تصلح للزراعة والقسم القابل للزراعة لا يغطي تكاليف الإنتاج وانه من ( الأفضل ) لهم أن يبيعوها للسماسرة وهؤلاء بدورهم يبيعونها للشركات اليهودية المتخصصة بشراء الأراضي وتستخدم عدة طرق من أجل الضغط على بعض المواطنين لبيع أراضيهم . وقد نتج عن ذلك ضجة كبرى في الأوساط الفلسطينية واليهودية كل يريد الإثبات أن الأرض له ؟؟ فالمواطنين الفلسطينيين هم أصحار الأرض الحقيقيون والشرعيون .
وإزاء هذا الوضع ، ظاهرة إهمال الأراضي الفلسطينية ، فإن المسئولية تقع على عاتق الفلاح الفلسطيني أولا وأخيرا ، إذ يجب عليه إعطاء الأرض الاهتمام الكافي واللازم لزراعتها أو استصلاحها ولنفي صفة التصحر عنها إن كانت بورا مليئة بالأشواك والأعشاب . وينبغي العمل على إزدهار وتنشيط الزراعة الفلسطينية باستعمال كافة الأساليب والطرق الحديثة والتقليدية في الزراعة والحراثة وجني المحصول وذلك حسب طبيعة الأرض هل هي سهلية أم جبلية ؟
إن الأرض هي الأم الرؤوم والتي لا تبخل عن العطاء إذا لقيت الاهتمام والخدمة المناسبة رغم إيهام المواطنين أن زراعة الأرض لا تكفي لإعالتهم أو لا تعطي إنتاجا جيدا وأنه الأفضل أن يتجهوا إلى المصانع للعمل فيها لأنها توفر دخلا شهريا ثابتا . وهؤلاء لا يدركون أنهم يعملون في خدمة الاقتصاد اليهودي على حساب اقتصادهم الفلسطيني . والمفروض أن تتبع عدة طرق وأساليب للنهوض الزراعي ، ومن الملاحظ بل والمفلت للنظر أن هناك مساحة شاسعة تقدر بمئات آلاف الدونمات من الأرض السهلية أو الجبلية القابلة للزراعة من قد تركت واتجه أصحابها للعمل في المصانع والورش .. فلماذا هذا الإهمال لأرضنا ؟؟
وتتحمل المؤسسات والجمعيات الجماهيرية الوطنية الفاعلة داخل الأرض الفلسطينية المحتلة جزءا من المسئولية عن ظاهرة إهمال الأراضي ، إذ يجب تقديم المساعدة والمعونة للفلاحين والمزارعين وتشجيعهم على العودة للأرض المعطاءة وزراعتها بمختلف المحاصيل الشتوية والصيفية ، وينبغي أن يساهم ويشارك كل فلسطيني شريف في عملية الزراعة والتشجير واستصلاح الأراضي ومقاومة التصحر ، فمثلا بإمكان المؤسسات الوطنية تقديم أشتال الزيتون واللوز والسرو لتشجير الجبال والمناطق المهجورة .

أسباب إهمال الأراضي الفلسطينية

هناك عدة أسباب تحدو بالمزارع الفلسطيني على إهمال أرضه وعدم العناية بها ، وأهم هذه الأسباب الآتي :
أولا : أسباب سياسية : وهي معروفة للجميع ، إذ تقوم سلطات الاحتلال الصهيوني بمصادرة وإغلاق الأراضي ومنع المواطنين من زراعتها أو الاقتراب منها ، وتشجيع المواطنين الفلسطينيين وتقديم الإغراءات الهزيلة من أجل العمل في المصانع والورش اليهودية ، وكذلك ضرب الإنتاج الزراعي الفلسطيني عن طريق إنزال المنتجات الزراعية اليهودية وبأسعار ارخص من تلك التي يبيعها المزارعون الفلسطينيون ، فالسلطة اليهودية المحتلة هي أب وأم التصحر الفلسطيني .
ثانيا : أسباب طبيعية : ونعني بها تناقص كميات الأمطار ، إذ أن الزراعة في مجتمعنا الفلسطيني تعتمد على مياه الشتاء وبذلك فالزراعة تتبع ذبذبات المطر السنوية .
ثالثا : أسباب بشرية : إهمال بعض المزارعين لأرضهم أو سفر وهجرة أصحاب الأرض للوطن الفلسطيني من أجل العمل في دول الخليج العربية وخاصة السعودية .

أهمية زراعة الأراضي وعدم إهمالها

إن زراعة الأرض الفلسطينية المعطاءة تعود بالفائدة العميمة على المجتمع والشعب الفلسطيني من أهم هذه الفوائد ما يلي :
أولا : شرف العمل الزراعي : إن زراعة الأرض هي عمل شريف وواجب إسلامي ووطني أولا وقبل كل شيء وخاصة في ظل الأوضاع الحالية التي نعيشها .
ثانيا : الفائدة الاقتصادية : إذ تشكل الزراعة مورد رزق أساسي من موارد الرزق في وطننا خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية المرتدية والسائرة من سيء على أسوأ ، فالعمل الزراعي بإمكانه إعالة مئات آلاف العائلات التي تعاني من البطالة .
ثالثا : الاحتفاظ بخصوبة التربة : إن تشجير الجبال والهضاب والسهول يحافظ على خصوبة التربة وعدم إنجرافها .
رابعا : الجمال وتلطيف المناخ : إن زراعة الأرض يحافظ على جمالها فتصبح طبيعتها خلابة ، بعيدا عن البور والأشواك والإهمال ، فيعطيها أهمية سياحية ، فالأشجار المثمرة تعمل على تلطيف المناخ السائد في فلسطين .
لذا ينبغي أن نضع نصب أعيننا نحن الفلسطينيين أننا يجب أن نعمل على الاكتفاء الذاتي من العمل في الزراعة ، والتوسع فيها أفقيا وعموديا أي أن نعمل على زيادة مساحة الأرض المزروعة ونستخدم أحدث الطرق والأساليب الزراعية ، ومن الممكن جدا أن يعمل المواطن الفلسطيني على زراعة أرضه وعدم إهمالها وتركها بورا لا تنتج بالإضافة إلى اعتماده على مصدر دخل ثابت كوظيفة أو غيرها .
راجين لكم أرضا فلسطينية خضراء يانعة ، للاكتفاء الغذائي الذاتي ، وتنمية الاقتصاد الوطني الفلسطيني ، ومنافسه الآخرين ، فالأرض لنا ، كانت ولا زالت وستبقى إن شاء الله تبارك وتعالى .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ملاحظة هامة : نشرت هذه المادة الإعلامية في صحيفة الجر المقدسية ، العدد 4193 ، 17 / 9 / 1986 ، ص 4 . بقلم : كمال شحادة .

الخميس، 21 مارس 2013

21 آذار يومُ الْأُمِّ الغربي .. وسَنَةُ الْأُمِّ الرؤوم في الإسلام .. 1 محرم – 30 ذي الحجة قمريا ( د. كمال إبراهيم علاونه )


أمي العزيزة أحبك
21 آذار يومُ الْأُمِّ الغربي .. وسَنَةُ الْأُمِّ الرؤوم في الإسلام .. 1 محرم – 30 ذي الحجة قمريا
د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
رئيس مجلس إدارة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) }( القرآن المجيد ، الإسراء ) .

ملاحظة : هذا المقال إهداء إلى روح أمي الحبيبة - بنت فلسطين العربية المسلمة ، وإبنة يافا مولدا 1932 م ، وإبنه عزموط بنابلس مماتا 1999 م ، والله أسال أن يجعل مثواها الفردوس الأعلى في جنات الخلود . اللهم آمين .

مكانة الأم في الإسلام الحنيف

تعتبر الأم في الإسلام العظيم ، الركيزة الأساسية في البيت الإسلامي والأسرة الإسلامية والعائلة الإسلامية والقبيلة الإسلامية والشعب الإسلامي والأمة الإسلامية ، إلى جانب الأب ، فهي التي حملت وولدت وأرضعت وربت الأبناء ذكورا وإناثا ، حتى كبروا وتعلموا بإلتحاقهم في رياض الأطفال والمدارس والجامعات ، ويمكن أن تكون قد إختارات أو ساهمت في إختيار شريكة حياة إبنها ، أو شريك حياة ابنتها في بعض الأحيان لتستكمل الدور الاقتصادي الاجتماعي والصحي والثقافي والنفسي للأبناء .
وكما يقال عادة ( وراء كل رجل عظيم إمرأة ) وهذه المرأة ولا شلك بالدرجة الأولى هي أمه الذي أنجبته وربته ورعته حتى كبر وصار يعتمد على نفسه ، فقد حملته تسعة شهور ، وأرضعته حوالي سنتين ، واهتمت به حتى صار شابا ، في مقتبل سن الزواج .
ويقال للإنسان الذي يتقن لغة معينة ، هذه لغة الأم ، بمعنى أن اللغة التي تستعملها الأم هي اللغة التي يتقنها الأبناء صغارا وكبارا ، كاللغة العربية ، لغة القرآن المجيد ، في اللوح المحفوظ ، وهي اللغة الأساسية في التعامل مع المجتمع المحلي القريب أو المجتمع القومي أو الإقليمي أو ربما الدولي .
وبهذا فإن الأم في الإسلام تتمتع بدور عظيم ، في حياة الأبناء والبنات ، طيلة حياتها ، وتؤثر أبنائها على نفسها ولو كانت بها خصاصة ، في الطعام والشراب ، واللباس ، والتنزه والسفر ، والتعليم ولا تحب الأم أن يكون أحسن منها إلا فلذات كبدها ، ذكورا أو إناثا ، فهذه هي الفطرة الإنسانية ، التي جبل بها الإنسان ، وهي الإسلام الحنيف .
وإزاء تقديم الأم واجباتها تجاه الأبناء ، فإن من حقها بالمفرد أو حقوقها بالجملة ، أن تكون معززة مكرمة في حياتها من الأبناء ، وحض الإسلام على طاعتها وأن تنزل منزلا مباركا ، والابتعاد عن عقوق الوالدين ، الأم والأب ، أحدهما أو كليهما ، في جميع الحالات والظروف ، والطاعة واجبة للأم ما لم تكن في معصية الله العزيز الحكيم جل جلاله .

القرآن المجيد والوالدين .. وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا

لقد حض الله رب العزة والجبروت الأبناء ، من البنين والبنات ، على إطاعة الوالدين وحذر تحذيرا شديدا من معصيتهما وتركهما بلا معيل عندما يكبرون ويغزو الهرم حياتهما ويشتعل الرأس شيبا ، وتنكيسهما في الخلق ، فوردت العديد من الآيات المجيدة التي تحض على رعاية الوالدين الرعاية الصحيحة الحقيقية في جميع المجالات والميادين ، ومن أبرز هذه الآيات الكريمة . يقول الله ذو الجلال والإكرام في محكم الكتاب العزيز :
1. { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)} ( القرآن المجيد ، الإسراء ) .
2. { وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ (83) }( القرآن المجيد ، البقرة ) .
3. { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا (36) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا (37)}( القرآن الحكيم ، النساء ) .
4. { قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) }( القرآن المجيد ، الأنعام ) .

وصايا الإسلام بالأم

وقد أوصى الإسلام الأبناء والمجتمع الإسلامي بالأم خيرا كثيرا ، وجعل من طاعتها سببا لرضى الله عز وجل ، ودخولهم الجنة ، وقرن الله الحميد المجيد ، عبادته بطاعة الوالدين ، والإنسان المسلم يسعى لرضى الله ورسوله أولا ثم رضى الوالدين . يقول الله الغني الحميد :
1. { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)}( القرآن العظيم ، لقمان ) .
2. { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16) وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آَمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (17) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ (18) وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (19) وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ (20) }( القرآن المبين ) .

الأحاديث النبوية والأم .. أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ

وفي السياق ذاته ، جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الاهتمام بالوالدين من أولى الأولويات الدينية والدنيوية . عن ذلك يقول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم كما ورد بصحيح البخاري - (ج 18 / ص 363) جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ قَالَ : " أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أُمُّكَ قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ ثُمَّ أَبُوكَ " . وكما جاء في صحيح مسلم - (ج 12 / ص 389) قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ الصُّحْبَةِ ؟ قَالَ : " أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أُمُّكَ ثُمَّ أَبُوكَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ " .

واجبات الأبناء تجاه الوالدين عامة والأمهات خاصة

وبهذا فإن من واجبات الأبناء تجاه الأمهات خاصة ، والوالدين عامة ، كالآتي :
أولا : البر والإحسان العام والمعاملة بالحسنى والابتعاد عن التأفف ، وأن يقول لهما قولا طيبا كريما مباركا ، وعدم نهرهما . يقول الله السميع العليم عز وجل : { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24)}( القرآن المجيد ، الإسراء ) . كما ورد بسنن أبي داود - (ج 7 / ص 59)
أَنَّ رَجُلًا هَاجَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ : " هَلْ لَكَ أَحَدٌ بِالْيَمَنِ قَالَ أَبَوَايَ قَالَ أَذِنَا لَكَ قَالَ لَا قَالَ ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَاسْتَأْذِنْهُمَا فَإِنْ أَذِنَا لَكَ فَجَاهِدْ وَإِلَّا فَبِرَّهُمَا " .
ثانيا : الطاعة بالمعروف ، والابتعاد عن عقوق الوالدين لأن عقوقهما من الكبائر ، فطاعتهما واجبة وجوبا مطلقا ما لم تحتمل أو تحوي معصية ، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق . يقول الله السميع البصير سبحانه وتعالى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15)}( القرآن العظيم ، لقمان ) .
جاء في صحيح البخاري - (ج 8 / ص 251) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنَعَ وَهَاتِ وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ " . وجاء بصحيح البخاري - (ج 20 / ص 367) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ " . وفي رواية أخرى في صحيح البخاري - (ج 21 / ص 160) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ وَشَهَادَةُ الزُّورِ " . وفي حديث نبوي شريف آخر ، كما جاء في صحيح البخاري - (ج 18 / ص 367) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ " .
ثالثا : الإنفاق عليهما وإكرامهما عند كبرهما أو حاجتهما للأموال سواء أكان ذلك للمأكل والملبس والمأوى والعلاج فهي حق وفرض عين عليهم دون لف أو دوران أو مواربة . فمن الواجب على الإبن أن يطعمهما مما يأكل ويلبسهما مما يلبس وينفق عليهما من ماله للعلاج أو مساعدتهم في تأدية العبادات كالصلاة والصيام والزكاة والحج ما استطاع إلى ذلك سبيلا . وكذلك لا بد للأبناء في أن يسددا ديون والديهما إن كانت عليهما ديون مالية للغير أو يتصدقا عن روحيهما بصورة مستمرة ووضع صدقة جارية عنهما .
ورد بصحيح البخاري - (ج 10 / ص 188) جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ : " أَحَيٌّ وَالِدَاكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ " .
رابعا : الحج عنهما إذا لم يتمكنا من تأدية ركن الحج الإسلامي العظيم سواء لمعرض طارئ أو عجز دائم ، أو وفاتهما قبل أدائهما فريضة الحج الإسلامي .
خامسا : الدعاء والإستغفار لهما أحياء وأمواتا . فمن بر الوالدين ، وخاصة الأم ، أن جعل أنبياء الله الصالحين ، جزءا من دعائهم لوالديهم ، كما جاء بالعديد من الآيات القرآنية المجيدة ، في العديد من الحالات ،
1. دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام : { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) }( القرآن العظيم ، إبراهيم ) .
2. دعاء نبي الله نوح عليه السلام : { وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)}( القرآن الكريم ) .
3. دعاء نبي الله سليمان عليه السلام : { وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19)}0 القرآن الحكيم ، النمل ) .
4. دعاء الأبن الصالح : { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)ؤ0 القرآن العظيم ، الأحقاف ) .
5. دعاء المسيح عيسى بن مريم عليه السلام : { قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آَتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ ‎وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ (34) مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (35) وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (36)}( القرآن المبين ، مريم ) .
سادسا : مصادقة أصدقائهما وأحبابهما في حياتهما ومماتهما على السواء سواء بسواء . جاء في سنن أبي داود - (ج 13 / ص 353) عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ السَّاعِدِيِّ قَالَ : بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا ؟ قَالَ : نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا " .
سابعا : الصلاة على الأبوين ( الأم والأب ) بعد موتهما ، بصلاة الجنازة وحملهما للمقبرة ودفنهما ، بقراءة القرآن على روحيهما ، بالمفرد أو المثنى ، لكل لأحدهما أو كليهما مثل قراءة الفاتحة ، وسورة يس ، وسورة تبارك الملك وغيرها والاستغفار لهما . جاء بمسند أحمد - (ج 32 / ص 269) قَالَ أَبُو أُسَيْدٍ بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَبَرُّهُمَا بِهِ ؟ قَالَ : نَعَمْ خِصَالٌ أَرْبَعَةٌ : الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا رَحِمَ لَكَ إِلَّا مِنْ قِبَلِهِمَا فَهُوَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْ بِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا " .
ثامنا : صلة الرحم ، الاتي من قبل الوالدين وخاصة الأم . جاء في سنن ابن ماجه - (ج 11 / ص 56) نْ أَبِي أُسَيْدٍ مَالِكِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبَقِيَ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ أَبَرُّهُمَا بِهِ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا ؟ قَالَ : نَعَمْ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِيفَاءٌ بِعُهُودِهِمَا مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا تُوصَلُ إِلَّا بِهِمَا " .
تاسعا : الميراث : توريث الأم من الأبناء في حالة وفاة الأبناء في حياتهما . يقول الله عز وجل : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آَبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (11)}( القرآن المجيد ، النساء ) .
عاشرا : تكريم الأمهات الماجدات بالقرآن العظيم ، كما حدث في تكريم أم موسى عليه السلام ، كما يقول الله العزيز الحميد : { إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى (38) أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي (39) إِذْ تَمْشِي أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ فَرَجَعْنَاكَ إِلَى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَقَتَلْتَ نَفْسًا فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ الْغَمِّ وَفَتَنَّاكَ فُتُونًا فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَهْلِ مَدْيَنَ ثُمَّ جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى (40) وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي (41) اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآَيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي (42)}( القرآن العظيم ، طه ) . وورد في سورة أخرى : { وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7) فَالْتَقَطَهُ آَلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) وَقَالَتِ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (9) وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلَا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10) وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (11) وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12) فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (13)}( القرآن المجيد ، القصص ) .
وكما جاء في معجزة مريم وابنها المسيح مريم عليهما السلام .. يقول الله المحيي المميت جل شأنه : { مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)}( القرآن المجيد ، المائدة ) .
على أي حال ، إن الإسلام أوصى بالأم طيلة فترة حياتها وبعد مماتها ، وحذر من وضعها في ملاجئ العجزة والمسنين ، فالأبناء ذكورا وإناثا ، أولى بوالديهم ، الأم والأب ، ولهما حق الرعاية الاجتماعية والاقتصادية والصحية ، العينية والنقدية ، وبهذا فإن الإسلام مميز في معاملة الأمهات والآباء ، يختلف عن غيره من الأنظمة الاجتماعية الأخرى كالرأسمالية والشيوعية والاشتراكية والبوذية والشنتوية والهندوسية وما بينهما . وقد ابتدع الغرب يوما للأم أطلقوا عليه اسم ( يوم الأم ) للاهتمام بالأم وتفقدها ، وإهداء ورود لها ، وأما في بقية أيام السنة ، فأصبحت نسيا منسيا عند هؤلاء الغرب ومن يعمل على شاكلتهم في هذا القرن والقرون الخالية ، فأودع الأبناء العاقون أمهاتهم في دور وملاجئ العجزة والمسنين ، وتركوهم هائمين في الحياة الدنيا بعدما بلغوا من الكبر عتيا ونكسوا في الخلق ، كسنة الله في خلقه ، فهل يا ترى يكفي يوم واحد سنويا لتكريم الأم ، أو الأبوين ؟؟ لا وألف لا !!! فالدنيا دواليك ، لقد ربت الأم الأبناء ، ذكورا وإناثا ، وفضلتهم على نفسها ، وعلى زوجها ، فهل من اللائق تركها بعد كبرها ، وأصبحت تتوكأ على عصا أو مقعدة ؟ أو مرضت وأصابها الوهن فلا تستطيع الحركة أو الانتقال من مكان لآخر ؟؟؟ .

يوم الام السعيد Happy Mother's Day

21 آذار يوم يوم الأم الغربي .. وسنة الأم الإسلامية

إن تخصيص يوم واحد في السنة لتكريم الأمهات غربيا ، ( يوم الأم أو عيد الأم ) في ربيع السنة ، وتقديم باقة ورد لكل أم لا يكفي بتاتا بأي حال من الأحوال ، بل يجب أن تكون سنة الأم ( على مدار السنة 365 يوم وربع اليوم ) بفصولها الأربعة : الشتاء والربيع والصيف والخريف بدائرة مترابطة على مدارس السنة الشمسية والقمرية ( 354 يوما قمريا ) ، وليس يوم الأم الوحيد الذي لا ثاني له . هذه هي التعاليم الإلهية الكريمة التي تحكم بالعدل بين الجميع وفق مبادئ الحق والإنصاف الديني والدنيوي والأخروي بعيدا عن القسمة الضيزى الظالمة ، ، فلا وألف لا ليوم الأم اليتيم الوحيد بل ينبغي ان تكون أيام أم متوالية ، بصورة هندسية وليس حسابية أو فردية ماحقة للحنان ؟؟

وعلى أي حال ، إن يوم الأم الذي يصادف 21 آذار سنويا ، يتوافق مع الاعتدال الربيعي ، حيث يتساوى الليل والنهار ( 12 ساعة نهار و12 ساعة ليل من 24 ساعة يوميا ) في معظم أنحاء الكرة الأرضية ، لا يسد الحاجة لتكريم الأم ولكنه أفضل من عدمه كحد أدنى ، وهذا اليوم أصبح يوما عالميا تكرم فيه الأم بورود وبعض اللباس أو الهدايا الزائلة ، والأم بحاجة لرعاية وحب ومحبة وود وحنان واهتمام دائم ومتواصل وفق مبادئ البر الإسلامية المتواصلة ، الموصولة الليل بالنهار .
وغني عن القول ، إن بر الوالدين يقود الإنسان المسلم إلى الجنة ، جنات الفردوس الأعلى لأن الجنة تحت أقدام الأمهات . أطيعوا أمهاتكم ، وأرضوهن بالمعاملة الحسنة وإنزالهن المنزلة المباركة الهنيئة ، ولا تفضلوا عليهن زوجاتكم ، لتنالوا جنات ربكم في دنياكم وآخرتكم . وكلمة لا بد منها ، وهي أن من تغضب عليه أمه فلن يفلح ابدا ، طيلة حياته ، لا في حياته الفانية الزائلة ولا في مماته ، ولا في آخرته الحياة الباقية عند مليك مقتدر ، فأتقوا غضب الرب ثم غضب الوالدين ولا تسببوا لأنفسكم غضب أمهاتكم . ولا تنسوا أن الآخرة خير وأبقى . فلا تشتروا الحياة الدنيا بالآخرة . يقول الله جل شانه : { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)}( القرآن المجيد ، الأعلى ) .
أم فلسطينية تقاوم جيش الاحتلال الصهيوني
ومليار تحية وسلام لكل الأمهات العربيات المسلمات ، وفي مقدمتهن أمي ، اللواتي جاهدن وقاومن الاحتلال اليهودي الصهيوني في فلسطين ، أرض الآباء والأمهات ، والأجداد والجدات ، وبليون سلام وتحية خاصة لأمهات الشهداء ، شهداء فلسطين والعرب والمسلمين البررة ، وبليون تحية وسلام للأمهات الأسيرات وخاصة اللائي ولدن في زنازين وسجون الاحتلال العنصري الصهيوني في فلسطين ، وسجون الاحتلال الأمريكي الغربي في العراق وأفغانستان وفي كل مكان ، وبليون تحية لأمهات الأسرى الفلسطينيين والعرب والمسلمين في جميع أنحاء الكرة الأرضية . والتحية كل التحية للأمهات المسلمات القابضات على الجمر من أجل السلام الإسلامي العام الشامل في جميع أنحاء العالم .

أم فلسطينية تلاحقها كلاب الاحتلال الصهيوني
أمهات فلسطينيات مجاهدات ضد جنود الاحتلال الصهيوني

وأخيرا نقول ، رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ، رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ، رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا ، ويا رضى الله ثم يا رضى الوالدين .
إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ..

الدعاء للوالدة الحنونة

يقول الله المحيي المميت الذي لا إله إلا هو الغني الحميد : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}( القرآن المبين ، البقرة ) .

وفي الذكرى الرابعة عشر لوفاة والدتي الغالية سهيلة النادي ( أم جميل ) 22 نيسان – ابريل 1999 – 2013 ، فإنني أسال الله العلي العظيم أن يتغمدها بواسع رحمته وأن يسكنها فسيح جناته في الفردوس الأعلى في جنات النعيم المقيم ، مع الأنبياء والصديقين والشهداء والأولياء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، فلها الفضل الأكبر علي وعلى إخوتي وأخواتي في التربية والتعليم والحياة الكريمة والإيثار ، فقد كانت نعم الأم الحنون الرؤوم ، ونعم حجر الأسرة في أركان عائلتنا ، ونسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يكرم مثواها ونزلها .
ونقول كما جاء في مسند أحمد - (ج 17 / ص 495) كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى عَلَى الْجِنَازَةِ قَالَ : " اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَ ذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ " .
- { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) } ( القرآن المجيد ، إبراهيم ) .
- { رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) }( القرآن الحكيم ، نوح ) .
ونصيحة أخيرة للجميع ، كما يقول البارئ عز وجل عالم الغيب والشهادة : { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23)}( القرآن الكريم ، الحديد ) .
إِنَّا لِلهَِّ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ
سبحان الله والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
اللهم يا ودود ، اللهم يا ودود ، اللهم يا ودود .. يا ذا العرش المجيد ، يا مبدئ يا معيد ، يا فعال لما يريد . أسالك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك ، وبقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك ، وبرحمتك التي وسعت كل شيء ، لا إله إلا أنت يا غياث المستغيثين أغثنا ،،،
اللهم ارحم والدتي المتوفاة منذ 6 محرم 1420 هـ / 22 نيسان 1999 ، رحمة واسعة وتغمدها برحمتك وحرمها على النار يا رب العالمين
اللهم قها عذابك يوم تبعث عبادك ، وأنزل عليها نورا من نورك ،
اللهم نور له قبرها ووسع مدخلها وآنس وحشتها ، وارحم غربتها وارحم شيبتها ،
اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِها نُورًا وَفِي بَصَرِها نُورًا وَفِي سَمْعِها نُورًا وَعَنْ يَمِينِها نُورًا وَعَنْ يَسَارها نُورًا وَفَوْقِها نُورًا وَتَحْتِها نُورًا وَأَمَامِها نُورًا وَخَلْفِها نُورًا وَاجْعَلْ لها نُورًا ، واجعل قبرها روضة من رياض الجنة . لا حفرة من حفر النار
اللهم أغفر لها وارحمها واعف عنها وأكرم نزلها
اللهم أبدلها دارا خيرا من دارها . وأهلا خيرا من أهلها . وذرية خيرا من ذريتها وادخلها الجنة بغير حساب . برحمتك يا ارحم الراحمين
اللهم انقلها من ضيق اللحود ومن مراتع الدود إلى جناتك جنات الخلود لا اله إلا أنت يا حنان يا منان يا بديع السموات والأرض تغمدها برحمتك يا ارحم الراحمين
اللهم إن كانت غير أهلا لوصول رحمتك فرحمتك أهلا لان تسعها
اللهم أطعمها من الجنة واسقها من الجنة وارها مكانها من الجنة وقل لها أدخلي من أي باب شئت
اللهم إنها في ذمتك وحبل جوارك فقها فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحق فاغفر لها وارحمها انك أنت الغفور الرحيم
اللهم إنها أمتك وابنة عبدك ابنة أمتك تحتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابها فارحمها فإنك أنت الغني الحميد
اللهم وارزقها لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقاءك ، فأنت العزيز الحكيم
اللهم ارجع نفسها إليك راضية مرضيه وادخلها في جنتك مع عبادك الصالحين
أللهم أنت الغني ونحن الفقراء وأنت غني عن عذابها فارحمها برحمتك الواسعة
اللهم إن كانت من المحسنات فزد في إحسانها وان كان من المسيئات فتجاوز عن سيئاتها إنك أنت الغفور الرحيم
اللهم اجعل ذريتها سترا بينها وبين نار جهنم
اللهم إجعلها شهيدة سعيدة في دار الخلود
اللهم اجعل ذريتها ذرية صالحة تدعوا لها بالخير إلى يوم الدين
اللهم ادخلها جنتك بكرمك جنات النعيم
اللهم إني أسالك الفردوس الأعلى نزلا لها
اللهم وابني لها بيتا عندك في الجنة واجعل ملتقاها بأبنائها وبناتها وزوجها هناك
اللهم واسقها من حوض نبيك محمد صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة مريئه لا تظمأ بعدها أبدا
اللهم وأظلها تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ولا باقي إلا وجهك فأنت الحي القيوم
اللهم بيض وجهها يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأنت ذو الجلال والإكرام
اللهم يمن كتابها ، اللهم وثبت قدمها يوم تزل فيه الأقدام .
اللهم اكتبها عندك من الصالحين والصديقين والشهداء والأخيار والأبرار اللهم اكتبها عندك من الصابرات وجازها جزاء الصابرات.
اللهم إني أسالك في هذه الساعة إن كانت في سرور فزد في سرورها ومن نعيمك عليها. وان كانت في عذاب فنجها من عذابك وأنت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين
اللهم تقبل منها القليل وتجاوز عنها التقصير ، وابدل سيئاتها حسنات فأنت العزيز الحكيم السميع العليم
اللهم اجعل مرضها كفارة لجميع ذنوبها. واجعل آخر عذابها عذاب الدنيا اللهم إني أسالك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وباسمك الطاهر الأعظم أن تتقبل منا دعاءنا لها بقبول حسن
وان تجعله خالصا لوجهك الكريم
اللهم ثبتها بالقول الثابت وارفع درجتها واغفر خطيئتها وثقل موازينها
اللهم أغفر لها كل شيء ويسر لها كل شيء ولا تحاسبها بشيء يا حنان يا منان يا سريع الحساب
اللهم إنها في كفالتك وفي ضيافتك فهل جزاء الضيف إلا الإكرام والإحسان وأنت أهل الجود والكرم
اللهم إنها في حاجة إلى رحمتك وأنت الغني في غنى من عذابه فارحمها
اللهم حرم لحمها ودمها وبشرتها عن النار
اللهم استقبلها عندك خالية من الذنوب والخطايا واستقبلها بمحض إرادتك وعفوك وأنت راض عنها غير غضبان عليها
اللهم افتح لها أبواب جنتك وأبواب رحمتك أجمعين
اللهم إني أسالك يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم ، يا حنان يا منان يا بديع السموات والأرض أن تجعلها من الذين أحسنوا واستبشروا
اللهم إني أسالك يا ارحم الراحمين أن تكون ممن بشرت عند الموت بروح وريحان وجنة نعيم
اللهم يا باسط اليدين بالعطايا يا قريب يا مجيب دعوة الداعي إذا دعاه يا حنان يا منان يا رب يا ارحم الراحمين يا بديع السموات والأرض يا احد يا صمد أعطها من خير ما أعطيت به نبيك محمد صلى الله عليه وسلم عطاء ماله من نفاد من مالك خزائن السموات والأرض . عطاء عظيم من رب عظيم. عطاء ماله من نفاد عطاء أنت له أهل عطاء يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك
اللهم يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ارحمنا بعدها وارحم أمة محمد رحمة كافية تغنينا عن رحمة من سواك
اللهم اغفر لحيينا وميتنا وشاهدنا وغائبنا وكبيرنا وصغيرنا
اللهم من أحييته منا بعدها فأحييه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفاه على الإيمان .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم .
وأخيرا أقول : الحمد الله الذي هدانا للإسلام وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله { وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا } . والسلام على والدتي يوم ولدت ويوم ماتت ويوم تبعث مع الأحياء .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .