الأحد، 13 أبريل 2008

مائة دقيقة بمكتب المخابرات الفلسطينية بطولكرم


مائة دقيقة
بمكتب المخابرات الفلسطينية بطولكرم
===========
د. كمال علاونه
نائب رئيس جامعة فلسطين التقنية / طولكرم
يقول الله جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } ( القرآن المجيد ، الحجرات ، 6 ) . أكتب هذا المقال كبيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ، وتوضيح للجميع ، حول ما جرى معي خلال يومي السبت والأحد الماضيين : 9 و10 شباط 2008 .
استدعتني أو طلبتني المخابرات الفلسطينية بطولكرم ولا أعرف ما السبب أو الأسباب الحقيقية الداعية لهذا الاستدعاء !! هل هو استدعاء سياسي ، أم أكاديمي أم مهني أم شخصي أم ماذا ؟ وهل الأسباب المفترضة بالجملة أم بالمفرق ؟ ألكوني رئيسا لنقابة العاملين بجامعة فلسطين التقنية بطولكرم ( خضوري ) ومنسقا للجنة العليا لنقابات العاملين بالجامعات والكليات الحكومية بفلسطين ، أو نائبا إداريا لرئيس جامعة فلسطين التقنية بطولكرم أو أستاذا للعلوم السياسية بالجامعة ، أم حاضا وداعيا للإسلام ؟ أم كاتبا وصحفيا ومفكرا فلسطينيا يقول الحقيقة بمقالاته السياسية ؟ أم مواطنا فلسطينيا مقهورا من الاحتلال الصهيوني البغيض الجاثم فوق فلسطين الكبرى ؟ استدعاني شخص انتحل اسما يدعى أبو جميل تبين لاحقا أنه لا وجود لهذا الاسم مطلقا بجهاز المخابرات بطولكرم طلب مني المثول بمقر مكتب المخابرات بطولكرم الذي لا أعرف مكانه بتاتا يوم الأحد الماضي 10 شباط 2008 الساعة العاشرة صباحا دون إبداء الأسباب .
وقلت في نفسي ، في سري وعلانيتي ، بصوت منخفض همسا همسا وعاليا عاليا ، { ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْرَارًا } وأعلنت به إعلانا ، فأعلن هذا الخبر عبر المواقع الالكترونية ونشر ببعض الصحف وأذيع ببعض الفضائيات التي تلقفت الخبر بسرعة البرق ، أو كانتشار النار البطيء في الهشيم كحد أدنى للسرعة ، قلت لنفسي وبنفسي كاتصال ذاتي داخلي ، إن هذا الاستدعاء غريب جدا خاصة وأنني لا أعرف أسبابه ومنطلقاته وتداعياته ، فلم أعلم أنني أخطأت بحق أحد ، ويحبني من يحبني ويحترمني من يبغضني ، إلا أنني أحب فلسطين ، أرضها المباركة وشعبها العظيم . وكون داعيني لشرب القهوة عنوة في مكتبه من محافظة فلسطينية لأخرى ، الدعوة الآتية عبر أثير الفضاء بواسطة الجوال من طولكرم ، والمطلوب منه شرب القهوة جبريا من محافظة نابلس ، الداعي المزور الوهمي يحمل اسم أبو جميل وهو بالمناسبة لقب والدي الحقيقي ( أبو جميل ) الذي أنا مشغول به كإخوتي من مرض يعاني منه منذ أسبوع ، وعطلني عن رعايته وإحضار الدواء له إلا بعد ساعات متأخرة من مساء ذلك اليوم الأحدي ، يوم المقابلة المتحفزة من الطرف الآخر ، فقلت إنني دائما أتوكل على الله فهو حسبي ونعم الوكيل ، وأحمل المسؤولية كاملة للوشاة المتزلفين كيديا بصورة شخصية هنا وهناك ، سواء من داخل الجامعة أو خارجها ، ممن تعودوا على طلب الأجهزة الأمنية للدخول للحرم الجامعي ، المحرم دخوله قطعيا في الأعراف والقوانين الدولية ، إلا كضيوف كرماء على الجامعة ، وكذلك أحمل المسؤولية لنفسي لأنني لا أعرف ما السبب الحقيقي حتى الآن ؟ وأنني نقابي منتخب من الهيئة العامة للعاملين بجامعة فلسطين التقنية بطولكرم ( خضوري ) وحصلت على أعلى الأصوات ، منذ 26 أيار 2007 ، علما بأنني فلسطيني من قرية صغيرة ترابط شرق نابلس ببضعة كيلومترات ، ومنذ انتخابي نقيبا للعاملين بالجامعة وأنا أطالب بتحقيق حقوق العاملين في الجامعات والكليات الحكومية بفلسطين : الحقوق والمطالب الإدارية والأكاديمية والمالية دون كلل أو ملل من الحكومة الفلسطينية بشكل سلمي تقره جميع القوانين والأعراف الفلسطينية والدولية ، وملتزما بالشرعية الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية نواة دولة فلسطين العتيدة .
وأقول وأشير وأؤكد الإشارة لمن يفهم بالكلام المسموع لمن كان حيا في العقل والقلب والجسم والضمير ، أو يتنبأ بما في النفوس ، ويذيعه على الجموع ، أو يفهم بلغة الإشارة ، إلى أنه للمرة الأولى يتم استدعائي للمخابرات الفلسطينية عبر الهاتف ، علما بأنني كنت أسيرا ومعتقلا إداريا سابقا لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي ثلاث مرات في الأعوام 1985 و1988 و1989 لمدة تقارب سنة ونصف السنة بتهمة أنني قيادي بارز في حركة فتح عموما وحركة الشبيبة خصوصا ، واعتقلت احترازيا وللتحقيق مرتين أخريين سابقتين عندما كنت طالبا جامعيا بقسم العلوم السياسية والصحافة بجامعة النجاح الوطنية في المرة الأولى في حزيران 1983 ، حيث أعتقلت لأربعة أيام من الاحتلال الإسرائيلي وحلق شعر رأسي على الصفر كبقية زملائي المعتقلين الأسرى بسجن الفارعة ، من الطلبة الجامعيين والمواطنين الآخرين ، عقابا جماعيا لنا ، كوننا فدائيين ( إرهابيين ومشاغبين حسب المصطلح الصهيوني ) حيث كنت أقود حركة الشبيبة بقريتي عزموط ومحافظة نابلس . والمرة الثانية أعتقلت للتحقيق لمدة عشرين يوما أواخر حزيران 1983 في زنازين المخابرات الإسرائيلية في رام الله ، وسجن المسكوبية بالقدس . وكان يحضر ما بين 30 – 40 جندي إسرائيلي لاعتقالي في كل مرة ، وقد أسرت وأعتقلت طيلة الفترة المذكورة في ثماني سجون وزنازين صهيونية ، من الفارعة ونابلس ورام الله والمسكوبية وعتليت والجنيد ، وبئر السبع ، والنقب ( أنصار 3 ) ، ولم أتعود على الاستدعاء أو الاعتقال للمخابرات الفلسطينية .
وتفاصيل الاستدعاء أو طلب شرب فنجان القهوة بمقر المخابرات ، في صباح يوم السبت الموافق 9 شباط 2008 ، بعد الساعة التاسعة صباحا ، رن جوالي صادحا بسورة قرآنية هي سورة العصر للتنبيه بقدوم مكالمة ، سمعت قراءة السورة كما يتلوها الشيخ عبد الرحمن السديس ورددتها في نفسي ، أحضرت لي ابنتي الصغرى أمل ذات الأربع سنوات ، التي أناديها أمل الزهراء الحبيبة ، لأني أحبها حبا جما ، أحضرت الهاتف الجوال الذهبي الصغير الحجم ، كونها تعتبر نفسها شريكة لي بهذا الجهاز لأن لونه يعجبها وصورتها الزاهية بتمشيطها الرائعة تتصدر عملية فتحه للإتصال والتواصل مع الآخرين . أطلقت عبارة السلام عليكم لاستقبال المكالمة الهاتفية التي يحمل رقمها عنوان أربع كعكات مدورة في آخره ، بدرني السائل بسؤال هل أنت كمال قلت : نعم . قال هل أنت كمال إبراهيم محمد علاونه ؟ قلت مجيبا : أقول لك نعم أنا هو ، بصوت عال ، أنا دكتور كمال ، ماذا تريد مني يا أخي ! فقال بنبرة متعالية متعجرفة ، عالية الموجة وكأنه يبث على موجة إذاعية هادرة متوسطة ، تذكرني بالإذاعة الإسرائيلية الممجوجة السمع والاستماع ، عليك الحضور لمكتب المخابرات الفلسطينية بطولكرم اليوم السبت ، لشرب فنجان قهوة فقلت له : أنا لا أحب شرب القهوة بتاتا ولا أشرب الشاي ولا أدخن السجائر أيضا . ثم لماذا أحضر أولا ، ما السبب ؟ قلي ما سبب الاستدعاء ، أنا من قرية عزموط بنابلس ولست من طولكرم ، ثم إن اليوم السبت وهو يوم عطلة أسبوعية لموظفي القطاع العام . وقلت للداعي الجبري المتسلق على أحبال الهواء من شبكة جوال فلسطين ، هذا ليس بأسلوب تتعاملون به مع مواطن فلسطيني أو رئيس نقابة منتخب أو نائب رئيس جامعة أو أستاذ جامعي . فقال لا أعرف ما أقول لك ؟ قالها وهو متحير بما يجيبني ، وحيران كيف يجيبني ؟ ينبغي عليك المجئ لمقر المخابرات الفلسطينية بطولكرم ، وإن شئت أحضر أو لا تحضر ؟ تصور نفسه كالآمر الناهي ، وهو ليس كذلك ، فهو يصف باستهتار وبإذلال وإهانة كما نحن ، على طوابير الحواجز العسكرية الصهيونية المنصوبة على مداخل المحافظات الفلسطينية المتباعدة عن بعضها البعض . قلت له لا داعي لهذا التهديد والوعيد ، فأنا لا أخاف ولن أخاف منك ومن غيرك فلن أخاف من الحضور حتى للصين أو السند والهند ، ولكن أريد الاستيضاح ما الأمر ؟ رفض وأدعى أنه لا يعرف السبب ، ولكن عرفت أنه إذا عرف السبب بطل العجب ! أنهيت المكلمة بكلمة شكرا كعادتي للجميع . وهاتفت بعض أعضاء نقابة العاملين : هل جاءكم طلب استدعاء للمخابرات الفلسطينية بطولكرم ، فكانت الإجابة بالاستغراب والتعجب والاستهجان : لا . اتصلت مع صديقين واستفسرت عن الموضوع ، فقالوا هذا تصرف مرفوض ، ولا ولن نقبل به ! وسرعان ما أذيع الخبر بوكالات الأنباء والمواقع الالكترونية الفلسطينية ، وبدأ جوالي الاثنين يرنان صادحين أحدهما بسورة الإخلاص : { بسم الله الرحمن الرحيم : قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (4) } . والثاني بسورة العصر :{ بسم الله الرحمن الرحيم : وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) } ، ينبهان بوجود اتصالات مرسلة لي من الأصدقاء والأحباب . انزعج الأهل داخل البيت لكثرة الاتصالات الملفتة للنظر الآتية عبر الآفاق ، وهم لا يعرفون ما المشكلة ؟ وتلاحقني ابنتي الصغرى أمل الزهراء ، لعلها تستقبل وتنال مكالمة من المكالمات الآتية من الخارج كعادتها ، لأنها تحب جلب الهاتف لي ومشاركتي بالحديث مع الآخرين ، ضحكت وخرجت على سطح المنزل ، لتجنب إزعاج العائلة زوجتي وأبنائي الطلبة الثلاثة بجامعة النجاح الوطنية ، الذين يستعدون للامتحانات الجامعية في كليات الآداب والاقتصاد والهندسة ، والإبنة الصغرى أمل الزهراء التي تلعب بألعابها الطفولية البريئة ، مستقبلا ومرسلا للاتصالات الهاتفية عبر الجوال ، فتبعني ابني الكبير هلال طالب الصحافة بجامعة النجاح الوطنية ، ليعرف ماذا يجري وما هو السر الذي أخبئه عليهم في الأسرة ؟ رغم هدوئي التام وعدم مبالاتي واهتمامي بما جرى بعد استقبال المكالمة الجوالية الخلوية عن بعد ، جلس بجانبي على كرسي أحضره على بعد أمتار قليلة حاملا معه كتابا يطالع به ، فعرف ما الأمر ولم يتحدث بشيء ولكن بدت عليه علامات الغضب والامتعاض من ما جرى عبر المكالمة الهادرة التي جرت قبل دقائق معدودة .
بدأت الاتصالات تنهال علي كهطول المطر من السماء مستفسرة وشاجبة ومستنكرة ، وتتصل بالطرف الآخر في طولكرم وغير طولكرم . فتدخل مسئولون كبار من معارفي ، وممن لا أعرفهم ، فحركة فتح وأعضاء نقابة العاملين وأعضاء المكتب الحركي لفتح وغيرهم الكثير ، اشمئزاز ورفض وغضب شديد لهذه المسألة . وكما علمت
لاحقا ظهرت بعض ملامح الشماتة ، من الوشاة سواء من داخل جامعة فلسطين التقنية بطولكرم المرابطة بالقرب من جدار الفصل والعزل العنصري الصهيوني ضد الفلسطينيين وممن أعرفهم من المنافقين ، فصدق الله العظيم حين يقول : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا } ( القرآن المجيد ، النساء ، 145 ) .
وإيماني العميق الدائم الأبدي ، كما يقول الله العزيز الحكيم : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ } ( القرآن المجيد ، آل عمران ، 18 – 19 ) . و { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ } ( القرآن المجيد ، آل عمران ، 85 ) .
دخلت على الخط قيادات وفعاليات أكاديمية وحركية وسياسية واجتماعية وأمنية ، لتهدئة الموقف ، والخروج بماء الوجه ، وتحول الطلب والاستدعاء لجلسة تعارف ومصارحة ومجاملة ، وذلك عند ساعات المساء من ذات اليوم وما حمله من طارئ ، وكل ذلك بفعل الحدث المستفز الجديد ، وتواصلت الاتصالات حتى ساعات متأخرة من يوم السبت ، وتم الاتفاق على الجلوس جلسه حسن النوايا والتعارف العام صباح اليوم التالي وسط تطمينات بأن المقابلة لصالحي ، وصالح الجامعة مع شكي العميق بذلك ! وهذا ما كان ففي صباح يوم الأحد عن التاسعة صباحا عقدت الهيئة الإدارية المستنفرة لنقابة العاملين بجامعة فلسطين التقنية بطولكرم ، جلسه طارئة لها وتم التدارس بالأمر . وقلت لهم هل تريدون أن تبقى مسالة شخصية أم عامة للنقابة فأجمع الجميع على الذهاب لمقر المخابرات الفلسطينية العامة بطولكرم بصورة جماعية ، فذهبنا لمقر المخابرات ذي الطوابق الثلاثة ، ووجدنا الحرس الكثيف على الباب وكان في استقبالنا بعض عناصر الجهاز الذين لا أعرفهم وطلبوا مني بطاقتي الشخصية ذات الألوان الأربعة ، فقدمتها لهم ثم أعادوها لي ، وصحبنا بعض العاملين بجهاز المخابرات لمقر مدير الدائرة ، كان استقبالا عاديا ، استقبال لجميع أعضاء نقابة العاملين الموجودين من مدير الجهاز وعناصره ، بكل مودة وترحاب ظاهرية ولكن ما تخفي الصدور الله أعلم بها . ويقيني أنها مستفزة داخليا وليست على ما يرام ، وتظهر ما لا تبطنه ، كالإخوة الأعداء .
بدأت جلسة تعارف عام ، من الجميع سالت الجالس على مقعد المدير عن اسمه ، وملامحه الشخصية غير غريبة علي فقال لي اسمه ، ثم الشخص الآخر الذي كان بجانبه فتم التعارف بين الجميع على الجميع . وأنهالت علينا قوة الترحاب والشاي ثم القهوة ، وبما أنني لا أحتسي القهوة لم اشرب أي فنجان قدم لي ، وهو الذي دعيت لشربه عبر مدير الجهاز وعناصره الذين تحدثوا معي مسبقا قبل مجيئي لمقر المخابرات الفلسطينية . بدأت بالحديث من تلقاء نفسي كعادتي في المبادرة بالحديث ، معرفا عن نفسي وأصلي وفصلي ، ومؤلفاتي ، وعملي السابق والحالي ، مشيرا إلى أنني من المسلمين المتدينين ومن الجناح أو التيار الإسلامي بحركة فتح ، وأنني حاصل على رتبة تنظيمية من حركة فتح ( أولى أ ) عام 1996 تساوي رتبة عقيد عسكري وعادلتها لتصبح مدير ( أ ) لأعمل بالقطاع الحكومي المدني ووقعت لي من الشهيد الرئيس الراحل ياسر عرفات رحمه الله . وتحدثت عن عملي السابق كمعد ومقدم برامج سياسية وجامعية وعمالية وبلدية ومؤسسية وإخبارية عامة ، في هيئة الإذاعة والتلفزيون ، وأنه كان معنا هامش حرية كبير جدا ، منذ أن عملت بهيئة الإذاعة والتلفزيون الحكومية ما بين الأعوام 1994 – 2000 . وأنه كان لنا صلاحيات السلطة الرابعة وهي سلطة الإعلام على الحكومة الفلسطينية ، وقلت لهم أنني كنت أتابع قضايا المواطنين الفلسطينيين وأن استدعى ذلك محاسبة وزراء أو مسؤولين إعلاميا إذا ارتكبوا أخطاء بحق أي مواطن فلسطيني . وقلت لهم في الجلسة العامة ، كما أنا ، بحضور أعضاء نقابة العاملين وبالجلسة الثنائية مع مدير الجهاز ، أنني التزم بالشرعية الفلسطينية بقيادة الرئيس أبو مازن ولن أكون عضوا في الطريق الثالث الذي يتزعمه د. سلام فياض رئيس الوزراء ، أنا مع الحكومة طالما تعمل بالشكل الصحيح ، والا فلن أدافع عن الخطأ ، كمواطن ونقابي وأستاذ جامعي ، وهناك مطالب شرعية قانونية ومحقة لنقابات العاملين في القطاع الحكومي العام ينبغي تنفيذها لإنصاف الموظفين الغلابى . وأشرت إلى أنني أطالب بحقوق العاملين بالجامعة في طولكرم وبحقوق العاملين بالجامعات والكليات الحكومية بفلسطين ، وأنني لن القي بالا أو لا أخاف الترهيب من أحد ، ولا أخاف إلا الله جل جلاله ، طالما أنا مؤمن بالحق والحقيقة .
وفي الجلسة الخاصة الثنائية ، التي أعقبت الجلسة الجماعية بيني وبين مدير جهاز المخابرات العامة ، كانت جلسة هادئة وبناءة ، تطرقنا فيها لأوضاع جامعة فلسطين التقنية بطولكرم ( خضوري ) ، وسبب تقديم استقالتي كنائب إداري لرئيس الجامعة في 28 كانون الثاني 2008 ، فقلت له انظر إلى الأسباب عبر المواقع الالكترونية ، فقال إنها لدينا . وطلب مني تقديم اقتراحات حول سبل الحفاظ على الجامعة وتطويرها ، جامعة فلسطينية بشكل حقيقي ، فقلت له على الحكومة الفلسطينية وخاصة وزارة التربية والتعليم العالي صاحبة الاختصاص ، الاستعجال بتنظيم وتصويب شؤون الجامعة الأكاديمية والإدارية والمالية ، قبل فوات الأوان لتكون جامعة فلسطين بكل ما في الكلمة من معنى . ثم بدأ هاتفي يرن مستقبلا مكالمات عديدة من الخارج للاطمئنان علي ، وماذا جرى ، من الأخوة الزملاء في المكاتب الأخرى الذين ينتظرون نتائج الاجتماع الثناني بيني وبين مدير جهاز المخابرات العامة ومن الأقارب والأصدقاء والزملاء . لاحظ المدير ذلك ، واتفقنا على نهاية الجلسة ، وحضر زملائي أعضاء الهيئة الإدارية المصاحبين لي في القدوم للجهاز ، ثم قدمت لنا قهوة المغادرة ، ولم اشرب فنجان الدعوة الموجهة لي ، لأسباب صحية ونفسية عامة . ثم خرجنا وتم وداعنا بشكل لائق دون منغصات . وانتهت المائة دقيقة الزمنية التي قضيتها في مقر المخابرات العامة بطولكرم ، مدينة الكرميين الكرماء ، والهامة الشماء فوق خارطة فلسطين الأبية . ثم عدنا أدراجنا لمقر جامعة فلسطين التقنية على بعد بضعة كيلومترات من مقر جهاز المخابرات العامة ، وتهافتت الاتصالات والمراجعات من هنا وهناك ، من العاملين والطلبة وعبر الهاتف الجوال وليس طبعا من بينهم الوشاة المتزلفون للسلطة ، الذي لا ضمير ولا أخلاق لهم ، سوى الفساد والإفساد والسفاهة وتعقب المنافسين الآخرين دون وجه حق .
ولا بد من القول ، إنني كنت ممتعضا وغاضبا من الطريقة التي طلب مني فيها القدوم لجهاز المخابرات العامة ، ولا اسر سرا أن أقول أنني دخلت مقر المخابرات ضاحكا مستبشرا وخرجت منه كذلك ، دون خوف أو وجل ، لأنني أؤمن بقضاء الله وقدره ، فنحن نهرب من قدر الله إلى قدر الله ، كما يقول البارئ سبحانه وتعالى : { قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ . قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ } ( القرآن المجيد ، التوبة ، 51 ) . وأنا هنا أجهر القول لأنني ظلمت ولكنني لست نادما على جميع مواقفي المنادية بالوحدة الوطنية الفلسطينية الجامعة التي تلم شعث الفلسطينيين جميعا ، وتحرير فلسطين من نهرها لبحرها ، عندما يحين الحين ، بالإسلام العظيم يقول الله تبارك وتعالى : { لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا . إِنْ تُبْدُوا خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا } ( القرآن المجيد ، النساء ، 148 ) .
على أي حال ، كنت أتمنى أن تكون الطلبات باستدعاء جواسيس وعملاء للاحتلال وليس للوطنيين والأكاديميين والنقابيين . وهذا يوم لن أنساه في حياتي ما دمت حيا . فهذه السلطة بنيناها بسواعدنا وعقولنا وقلوبنا ، وتشرفت بأن كنت من الفوج الأول في بنائها ، كل في مجال تخصصه ، وإمكانياته ، ودفعنا في سبيل أنشاء دولة فلسطين لكل الفلسطينيين ، كل الغالي والنفيس ، ضريبة النفس والغربة والكربة وضريبة الدم وضريبة المال وضريبة السجن والاعتقال ، وخدمنا جنودا أوفياء لفلسطين ، كنا وما زلنا وسنبقى كذلك حتي يأتينا اليقين . ولن نقبل بهكذا معاملة لنا ولأولادنا وجيراننا وأهلنا وأبناء شعبنا الفلسطيني المرابط فوق ثرى فلسطين الحبيبة المباركة التي باركها الله من فوق سبع سماوات طباقا . نعم للوحدة الفلسطينية الجامعة ، ولا للاعتقال السياسي ولا للاستدعاء السياسي لأهل فلسطين الأصليين ، أينما كانوا وحيثما حلوا ، ونعم للاعتصام بحبل الله المتين ، شاء من شاء وأبى من أبي ،
وكما قال الشهيد الرئيس الراحل أبو عمار ، ومن لا يعجبه فليشرب من بحر يافا ، عروس البحر الأبيض المتوسط ، مسقط رأس والدتي المرحومة أم جميل .
وأخيرا إنني أطالب بجملة من المطالب العامة والخاصة :
أولا : محاسبة الوشاة الكيديين الذين يستهدفون الكوادر الوطنية والأكاديمية في فلسطين دون وجه حق أو مبرر حقيقي . فالمذنب والسفيه والمرتزق يجب أن يعاقب عقابا صارما .
ثانيا : إنزال الناس منازلهم . ندعو الأجهزة الأمنية وخاصة المخابرات وغيرها إلى أن ينزلوا الناس منازلهم ، عبر التعرف على آراء الناس بطريقة دبلوماسية لصيانة الأمن العام والحفاظ على الاستقرار والطمأنينة والأمن والأمان الاجتماعي والسياسي والاقتصادي ، ولكن ليس عبر الاستدعاء بمقرات التحقيق مهما كان اسمها ولونها والقائمين عليها . فهذه الاستدعاءات تعمل على تهجير وتفريغ الكفاءات الفلسطينية من الجامعات الفلسطينية لخارج الوطن . جاء بصحيح مسلم - (ج 1 / ص 4) وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ ، مَعَ مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } . وكما جاء بسنن أبي داود - (ج 12 / ص 472) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ " .
ثالثا : حرية الرأي والتعبير ، والنقد البناء حق لكل الفلسطينيين ، ينبغي كفالتها فعليا كما يكفلها القانون الفلسطيني المختص . فلا داعي لإرهاب الفلسطينيين وتخويفهم ، فالشعب الخائف لا يتحرر ولن يستطيع التحرير أبدا .
رابعا : إنهاء خدمات القائم بأعمال رئيس جامعة فلسطين التقنية بطولكرم وعدم التجديد له لفترة ثانية لأسباب إدارية وأكاديمية بحتة .
ولا نملك إلا أن نقول : ( سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ ) ، ( فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ ) ، { إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ } ويا رب لك الحمد حتى ترضى ، ولك الحمد إذا رضيت ، ولك الحمد بعد الرضى ملء السماوات وملء الأرض وملء ما بينهما ، وملء ما شئت من شيء بعد إلى يوم الدين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: