الأحد، 13 أبريل 2008

الخميس,شباط 21, 2008


العلم الفلسطيني .. والألوان الأربعة
د. كمال علاونه
دكتوراه علوم سياسية
في 28 أيار عام 1964 م ، عند إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية بمدينة القدس الشريف لتحرير فلسطين المحتلة من الاحتلال الصهيوني ، قرر الميثاق القومي الفلسطيني ، أن يكون لمنظمة التحرير الفلسطينية راية عامة تجمع الجميع تحت ظلها من فلسطين وخارجها ، أو علم خاص بموجب نظام خاص يحترمه ويقره الجميع فلسطينيين وعربا ومسلمين . وتقرر أن تكون ألوان وتركيبة العلم الفلسطيني هي نفس ألوان وتركيبة علم الثورة العربية الكبرى ذو الألوان الأربعة على شكل مستطيل . ويتألف علم فلسطين من أربعة ألوان هي من الأعلى للأسفل :اللون الأسود ثم اللون الأبيض ثم اللون الأخضر ثم اللون الأحمر على جانب المستطيل الأيسر . وهذا العلم مأخوذ من علم الثورة العربية الكبرى التي أعلنها الشريف حسين بن علي ، شريف الحجاز عام 1916 ضد الأتراك إبان الحرب العالمية الأولى . وألوان العلم الفلسطيني هذه ، مأخوذة أصلا عن ألوان الرايات الجهادية الإسلامية التي كانت زمن الرسول المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم . فكانت الراية السوداء يحملها المثنى بن حارثة ، والراية البيضاء يحملها أسامة بن زيد ، والراية الخضراء يحملها خالد بن الوليد ، والراية الحمراء يحملها سعد بن أبي وقاص على سبيل المثال . واستمر الخلفاء الراشدون في حمل هذه الرايات للجيوش والعساكر المسلمة بألوانها الأربعة ( بدأت وأستمرت الخلافة الراشدة ما بين الأعوام 632 – 661 م ) وهي الألوان الزاهية التي كانت سائدة زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم . ثم جاءت الخلافة الأموية فاتخذت من الراية البيضاء شعارا وعلما لها وهي ترمز للظفر والتوفيق والصفاء والنقاء وهي لباس المسلمين المفضل بالحياة الدنيا وفي الركن الإسلامي المتمثل بالصيام جاءت آية قرانية ، تذكر وتبين تلازم اللونين الأبيض والأسود ، يقول الله تبارك وتعالى : { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ }( القرآن المجيد ، البقرة ، 187 ) . وجاء بسنن أبي داود - (ج 10 / ص 378) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْبَسُوا مِنْ ثِيَابِكُمْ الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا مِنْ خَيْرِ ثِيَابِكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ " . وفي حديث آخر ، جاء بسنن الترمذي - (ج 10 / ص 4)قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْبَسُوا الْبَيَاضَ فَإِنَّهَا أَطْهَرُ وَأَطْيَبُ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ" . وورد بحديث نبوي آخر ، في سنن ابن ماجه - (ج 10 / ص 415) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ أَحْسَنَ مَا زُرْتُمْ اللَّهَ بِهِ فِي قُبُورِكُمْ وَمَسَاجِدِكُمْ الْبَيَاضُ" . ثم تبع الخلافة الإسلامية الأموية الخلافة الإسلامية العباسية فاتخذت الراية السوداء علما لها وهي ترمز للحداد على قتل الأمويين شهداء آل البيت وقيل ترمز إلى السيادة والسؤدد والتمكن والتمكين . وأما الخلافة الإسلامية الفاطمية فاتخذت من الراية الخضراء علما لها وترمز للخضرة والإخضرار والنماء والعطاء ، وهي ترمز كذلك إلى لباس أهل الجنة الأخضر ، وقد وردت كلمة خضر عدة مرات بالقرآن الكريم ، منها سنبلات خضر ، كما وردت بسورة يوسف عليه السلام ، وقال الله جل جلاله في آية مجيدة أخرى يصف حال أهل الجنة : { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا (20) عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُنْدُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا (21) إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا (22)( القرآن المجيد ، الإنسان ) . ويقول الله تبارك وتعالى بآية أخرى : { مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ (76)( القرآن المجيد ، الرحمن ) . والراية الخضراء ترمز كذلك ، للعباءة الخضراء التي كان يتغطى بها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة . وأما اللون الأحمر وهو يرمز إلى الدم الأحمر القاني ، وإلى اشتعال لهيب المعارك ، فهو يرمز للسيف والجهاد في سبيل الله ، وقد اتخذته الخلافة العثمانية علما لها . وعندما قامت الثورة العربية الكبرى اتخذت جميع الألوان الأربعة علما لها من 1916 – 1924 . ثم جاءت حكومة عموم فلسطين عام 1948 ، بعد نكبة فلسطين الكبرى ، في عام الإقتلاع البشري لأهل فلسطين الأصليين ، من المستعمرين المحتلين الصهاينة ، فاتخذت هذه الألوان علما لها . ثم جاءت الاستمرارية في اختيار علم فلسطين لمنظمة التحرير والثورة الفلسطينية المعاصرة ، في إشارة واضحة وصريحة إلى مواصلة مسيرة الحرية والاستقلال والتحرير الفلسطيني والجهاد المقدس . وبعد إنشاء الحركات والمنظمات الفلسطينية الوطنية والإسلامية ، اتخذ كل منها رايته الخاصة ، بينما احتفظت منظمة التحرير الفلسطينية بالعلم الفلسطيني ذي الألوان الأربعة . فمثلا اتخذت حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) وجناحها العسكري وغيرها من الأسماء الراية الصفراء ، وهي الراية التي كانت للأنصار في المدينة المنورة ، واتخذ القائد الإسلامي صلاح الدين الأيوبي الراية الصفراء والنسر ايضا ليرمز للدولة الأيوبية والجيش الذي هزم الصليبيين . واتخذت حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) من اللون الأخضر شعارا تتوسطة عبارة الشهادتين :( لا إله إلا الله - محمد رسول الله )، وأتخذ حزب التحرير الإسلامي الراية السوداء وسطها عبارة : ( لا إله إلا الله - محمد رسول الله ) ، كما واتخذت حركة الجهاد الإسلامي راية العقاب وهي الراية السوداء في وسطها عبارة: ( لا إله إلا الله - محمد رسول الله ) .وعلى الجانب الآخر على بعد 180 درجة في المستقيم الهندسي ، اتخذت الجبهات الماركسية - اليسارية الفلسطينية الراية الحمراء كرمز لها . وبهذا فإن الرايات الحركية والفصائلية تعددت وتباينت ألوانها ودلالاتها الرمزية ، ويمكن القول ، إن العلم الفلسطيني الرسمي ، لمنظمة التحرير الفلسطينية ، والسلطة الوطنية الفلسطينية ، ودولة فلسطين العتيدة المعنلة في الجزائر عام 1988 هو العلم الفلسطيني المربع الألوان علم الثورة العربية الكبرى الذي اتخذته الثورة العربية الكبرى في الحرب العالمية الأولى للتدليل على هويتها العربية الإسلامية الأصيلة . وإسلاميا ، جاء بالأحاديث النبوية عدة تنويهات للرايات الإسلامية المتعددة الألوان ، في حديث نبوي ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ فَجَاءَ مِنْهُمْ الْأَحْمَرُ وَالْأَبْيَضُ وَالْأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ " ( سنن الترمذي ، ج 10 ، ص 213 ) . وقد اشار وابلغ وبشر النبي العربي المصطفى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلى راية النصر والفتح المبين في نهاية الزمان عند قيام دولة الخلافة الإسلامية ومركزها في المسجد الأقصى المبارك ببيت المقدس ، حيث جاء بسنن ابن ماجه - (ج 12 / ص 102) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَقْتَتِلُ عِنْدَ كَنْزِكُمْ ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ ابْنُ خَلِيفَةٍ ثُمَّ لَا يَصِيرُ إِلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَطْلُعُ الرَّايَاتُ السُّودُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَيَقْتُلُونَكُمْ قَتْلًا لَمْ يُقْتَلْهُ قَوْمٌ ثُمَّ ذَكَرَ شَيْئًا لَا أَحْفَظُهُ فَقَالَ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَبَايِعُوهُ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ فَإِنَّهُ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ " . وفي حديث نبوي آخر ، كما جاء بمسند أحمد - (ج 45 / ص 368) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا رَأَيْتُمْ الرَّايَاتِ السُّودَ قَدْ جَاءَتْ مِنْ خُرَاسَانَ فَأْتُوهَا فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ " . وكلمة لا بد منها ، أيها الفلسطينيون وأيها العرب وأيها المسلمون ، في كل مكان ، جمعوا ووحدوا صفوفكم ورايتكم لتكون راية واحدة خفاقة ، في السماء الدنيا ، تنتصرون على أعدائكم وفق سياسة ( جمع تنتصر ) كمضاد حيوي ضد سياسة ( فرق تسد ) الاستعمارية . ونقول كما يقول الله جل جلاله :{ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)} ( القرآن المجيد ، آل عمران ( .
وأخير ا نقول ، هناك بيت شعر يجمع أطياف ألوان العلم الفلسطيني الرسمي وهو :
بيض صنائعنا ، سود وقائعنا خضر مرابعنا ، حمر مواضينا
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: