الأحد، 13 أبريل 2008

التعليم العالي في فلسطين بين الإصلاح الأكاديمي والتصليح السياسي ( 2 - 2 )

التعليم العالي في فلسطين
بين الإصلاح الأكاديمي والتصليح السياسي
( 2 - 2 )
======================
د. كمال علاونه
نائب رئيس جامعة فلسطين التقنية / طولكرم
==================
يقول الله جل جلاله : { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } ( القرآن المجيد : يوسف ، 76 ) . وقال الله تبارك وتعالى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } ( القرآن المجيد : الزمر ، 9 ) . في هذه الكلمات المقدسة من الآيات القرآنية المجيدة تذكير من خالق الخلق أجمعين بأهمية العلم والعلماء في المجتمع ، فهم نواة التغيير والتجديد ، ونواة التقدم العلمي والحضاري للوصول إلى مستويات راقية لتسهيل الحياة على الناس . وقال النبي العربي المصطفى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ " ، كما جاء بسنن أبي داود - (ج 10 / ص 49( . وحض الإسلام على طلب العلم وجعله تقربا إلى الله عز وجل يثاب فاعله ، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ " ، سنن الترمذي - (ج 9 / ص 244 ) .
على أي حال ، تنتشر أربع عشرة جامعة محلية في أرض الوطن الفلسطيني ، وتضم نحو مائة وستين ألف طالب جامعي في شتى المجالات والتخصصات العلمية والإنسانية والاقتصادية والاجتماعية وسواها للدرجات الجامعية : الدبلوم الجامعي المتوسط والبكالوريوس والماجستير . وقد استطاعت هذه المؤسسات التعليمية العليا بالتعاون مع المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المساهمة في تنمية وتطور الوعي الثقافي والحضاري لدى الجماهير الجامعية خاصة والشعب الفلسطيني عامة ، وعملت على رفع مستواها الأكاديمي فصارت تتمتع بسمعة طيبة بين الجامعات العربية والدولية حيث خرجت عشرات الآلاف الذين التحقوا بقطاعات العمل المختلفة في فلسطين والوطن العربي والعالم . ورغم الظروف غير الطبيعية التي عاشها شعبنا الفلسطيني فقد واصلت الجامعات مسيرتها الأكاديمية متحدية الصعاب والمعوقات فساهمت في ترسيخ الأسس الحضارية العامة في البلاد .
وتكتسب الجامعات والمعاهد العليا في فلسطين أهمية كبرى كونها مراكز إشعاع حضارية وسط المجتمع المحلي في عدة مدن فلسطينية رئيسة . فرسالة مؤسسات التعليم العالي في فلسطين هي رسالة إسلامية ووطنية وإنسانية وحضارية شاملة جاءت في ظروف استثنائية في البلاد لتسد مسد الجامعات العربية التي حيل بين الطلبة الفلسطينيين وبينها بعيد الاحتلال الإسرائيلي . وقد نشأت الجامعات الفلسطينية نتيجة حاجات الشعب الفلسطيني المتعددة للتعليم العالي من نقص التدريب وإزدياد الأعباء الاقتصادية للطلبة الذين يدرسون في الجامعات العربية والحاجة لتثبيت المواطن الفلسطيني فوق ثرى الوطن ، وتمتين العلاقة بين التنمية والمعرفة والتعليم النظري والتطبيق العملي لممارسة مهمة الإصلاح في المجتمع المحلي بعيد تخريج الأفواج الجامعية المتعلمة والمدربة بشكل مناسب اللازمة لنهضة وتطور المجتمع . وبالتالي تلخصت أهداف وغايات التعليم العالي في فلسطين بتخريج جامعيين متخصصين في فروع علمية وإنسانية واقتصادية واجتماعية وفلسفية مختلفة يأخذون على عاتقهم النهوض الوطني بالمجتمع وتدريب الكفاءات المتخصصة في شتى الميادين والمجالات من العاملين في قطاعات الاقتصاد كالزراعة والصناعة والتجارة والخدمات ورفع مستوى الكفاية الاقتصادية بين فئات القوى العاملة ومتابعة التقدم العلمي في المجالات الفكرية ورفع المستوى العلمي والثقافي والسياسي لأبناء الشعب الفلسطيني وزيادة التفاعل الايجابي بين الجامعة والمجتمع وإرساء دعائم الدولة الفلسطينية المنشودة . وفي هذه المقالة نحاول تسليط الأضواء على الجامعات الفلسطينية : من عدد الطلبة وقواعد الاعتماد والجودة للبرامج الأكاديمية الجامعية ، ومجلس التعليم العالي ووزارة التعليم العالي ، ومزايا ومنافع الجامعات الفلسطينية ، ومقومات التعليم العالي ، ومتطلبات التنمية الجامعية . وقد خبرت أوضاع التعليم العالي الفلسطيني كوني خريج جامعتين فلسطينيتين : البكالوريوس من جامعة النجاح الوطنية بنابلس والماجستير من جامعة بير زيت ، إضافة إلى عملي السابق كمعد ومقدم لبرنامج في رحاب الجامعة في إذاعة ( صوت فلسطين ) الحكومية لمدة سبع سنوات ما بين الأعوام 1994 – 2000 ، وعملت مديرا للعلاقات العامة بوزارة التعليم العالي ما بين الأعوام 2000 – 2003 ، وأستاذا وإداريا بجامعة فلسطين التقنية بطولكرم منذ 2003 حتى الآن .
5) مقومات التعليم العالي
هناك بعض الأسئلة والتساؤلات التعليمية العليا ، التي تطرح نفسها بنفسها ، سرا وعلنا ، يوميا وفصليا وسنويا ، عبر اللقاءات الشخصية والمؤتمرات والمهرجانات والندوات والمحاضرات ، وعبر مختلف وسائل الإعلام الالكترونية المسموعة والمرئية والمطبوعة ، التي يمكن أن تكون مؤشرات أساسية قومية وإسلامية شاملة نحو الانطلاق الجامعي الرحب ، وقد وجد بعضا منها جوابا جزئيا وبعضها ما زال بحاجة لمتابعة حثيثة . ومن أهم هذه التساؤلات الجامعية العامة ( الأحدى والعشرين ) ما يلي : فلسفة التعليم العالي ، ومجانيته ، وإعادة تشكيل وزارة التعليم العالي ومجلس التعليم العالي ، والتخصص العلمي ، وبرامج الدراسات العليا خاصة الدكتوراه ، والدراسات والأبحاث ، والتعليم الالكتروني ، والمدن الجامعية ، وتعريب التعليم العالي بالكليات العلمية ، والجامعة الحكومية ، ونظام القبول والتسجيل ، ومعدلات القبول الجامعي ، وتوفير المراجع والكتب العلمية ، وبناء المستشفيات الجامعية ، وتعزيز الإرشاد الأكاديمي ، وتوفير التعليم الجامعي المسائي والليلي ، وتوسيع التعليم المفتوح ، والتبادل الثقافي بين الجامعات المحلية والخارجية ، وإيجاد الجامعة المتخصصة ، وتطبيق مبدأ الخدمة الجامعية الإجبارية . وفيما يلي رؤية لهذه النقاط الأحدى والعشرين التي ستعمل على تطبيق تعليم عالي مميز ومتميز حاضرا ومستقبلا :
15) تعزيز الإرشاد الأكاديمي :
يلاحظ أن هناك ضعفا في الإرشاد الأكاديمي للطلبة خاصة في ظل تغير البرامج وتطويرها ، فهناك حاجة ماسة لوضع نظام أكاديمي إرشادي كامل ومتكامل للحيلولة دون ضياع الطلبة بين الخطط والبرامج الدراسية المتغيرة بين الحين والآخر . وغني عن القول ، إن مئات الطلبة المستجدين في الجامعات المحلية بدلوا كلياتهم وبدلوا تخصصاتهم بسبب عدم معرفتهم الكافية بطبيعة هذه الكليات وتخصصاتها مما أضطرهم للانتقال لكلية أخرى مع ما يسببه ذلك لهم من ضياع نفسي وزمني وخسارة مالية . وكان بالامكان تقليل حدة هذه الظاهرة بتكثيف برامج الإرشاد الأكاديمي من وزارة التعليم العالي ومجلس التعليم العالي والجامعات الفلسطينية أثناء فترة الدراسة الثانوية وبعد نتائج التوجيهي وعدم الاكتفاء بالكتيب الصغير الذي تطبعه وزارة التعليم العالي سنويا وتوزعه على طلبة التوجيهي أثناء تقديم الامتحانات . ومن الممكن أن يشتمل برنامج الإرشاد المكثف : محاضرات في صفوف التوجيهي ، وندوات متلفزة للطلبة والأهالي ، في محطات التلفزة المحلية والحكومية ، إضافة إلى ندوات بالتعاون مع عمادات شؤون الطلبة في الجامعات المحلية .وكل هذه الأمور تحتاج طاقما متفرغا ومتخصصا لتنظيم البرنامج الإرشادي السنوي المكثف .
16) التعليم الجامعي المسائي والليلي :
تعتمد مؤسسات التعليم العالي في فلسطين نظام الساعات المعتمدة والفصول الدراسية النهارية فقط الا أن هذه المؤسسات تفتقر إلى التعليم العالي المسائي والليلي ، مع ما يوفره التعليم المسائي والليلي من فرص جديدة للطلبة تمكن من بحاجة للعمل أن يعمل ويتابع مسيرته التعليمية العليا جنبا إلى جنب دون معيقات مادية . هذا بالإضافة إلى استثمار المباني الجامعية بصورة أفصل لتحتضن آلاف الطلبة ممن ضاقت بهم السبل ولم يتمكنوا من الالتحاق بالجامعة القريبة من مكان إقامتهم ويرفد خزينة الجامعة بأموال وفيرة إلى حد ما يساعدها في اجتياز المحن المالية التي تعصف بها بين الحين والآخر . كما أن التعليم المسائي والليلي يساهم في استيعاب كفاءات إدارية وأكاديمية جديدة تساهم في الحد من البطالة بين صفوف هذه الفئة المتعلمة التي أنفقت أموالا طائلة حتى حصلت على الشهادة الجامعية الثانية أو الثالثة . ويمكن أن تبدأ الجامعات بهذا النظام الليلي حتى الساعة العاشرة ليلا على سبيل المثال لا الحصر لمن يناسبهم من الطلبة والأكاديميين خاصة في أيام الاستقرار العام في البلاد أو القريبين من سكن الجامعة ويرغبون في ذلك . والتعليم العالي المسائي والليلي يجعل الجامعة منبرا متواصلا للجميع : طلبة وأكاديميين ومجتمع ، ويقدم استخداما أمثل للمرافق الجامعية . فهذا النوع من التعليم يشكل مثلثا ايجابيا للشعب والطلبة وإدارات الجامعات يفترض أن يتم ايلاؤه التخطيط الملائم للنهوض بالمسيرة الأكاديمية اسوة ببقية دول العالم المتحضر .
17) توسيع التعليم المفتوح :
رغم تواصل تطوير نظام التعليم المفتوح والتعلم عن بعد ، إلا أن هذا النظام ما زال يفتقر إلى آليات جديدة ، من ناحية التوزيع الجغرافي لمراكز التعليم المفتوح حيث يجب أن يتم توزيع المراكز الدراسية لتشمل الريف والمخيمات الفلسطينية وعدم اقتصارها على المراكز الحضرية في المدن وذلك للتسهيل على الجميع .وكذلك هناك غياب لمشاركة وسائل الإعلام الجماهيري أو افتتاح محطات إذاعة وتلفزة خاصة بالجامعة المفتوحة تنقل المحاضرات واللقاءات للطلبة في مختلف أماكن تواجدهم . فالحاجة ماسة لاستخدام وسائل الاتصال الجماهيري في التعليم المفتوح للتسهيل على الطلبة . ولا بد من القول ، إن توسيع نظام التعليم العالي في جامعة القدس المفتوحة يجب أن يكون أفقيا وعموديا ، بمعنى تطوير وزيادة عدد البرامج الأكاديمية المعتمدة لتضم تخصصات أخرى وعدم اقتصارها على التخصصات الحالية وبالتالي زيادة عدد الطلبة الملتحقين بهذه البرامج ، وهناك حاجة ماسة لتخصصات مجتمعية كثيرة توفر منافسة علمية وتخصصية في الجامعات المحلية الأخرى .
18) البعثات الأكاديمية :
تقوم وزارة التعليم العالي الفلسطينية والجامعات المحلية الفلسطينية بتنظيم بعثات أكاديمية خارجية لبعض المتخصصين للحصول على درجات علمية أعلى كالماجستير والدكتوراه . وهذا الأمر يندرج ضمن خطط التعليم العالي للتطوير المتواصل ، الا أن عدد من يحصلون على هذه البعثات الأكاديمية قليل جدا . وعملية تنظيم البعثات الأكاديمية الخارجية للفلسطينيين بحاجة إلى إعادة برمجة وتحديث للمساهمة في تحسين نوعية التعليم العالي وتطويرة وفق خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الآجال .
19) التبادل الثقافي بين الجامعات المحلية والخارجية :
ما زالت عملية التبادل الثقافي بين الجامعات المحلية في فلسطين والجامعات العربية والأجنبية بمستويات صفرية أو لا تتجاوز نسبة 5 % مما يقلل مساهمة الجامعات الفلسطينية في التأثير في المجتمعات الأخرى . فعملية التبادل الثقافي مع الجامعات في العالم وطرح مساقات جامعية مشتركة اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها يساهم في مناصرة الرأي العام العربي والعالمي في إبقاء قضية فلسطين في صدارة الاهتمامات العربية والدولية عبر تنظيم الندوات والمؤتمرات العلمية والأكاديمية والسياسية المشتركة مع الجامعات الأجنبية . كما ان استقبال بعثات أكاديمية عربية ودولية يساعد في زيادة الترابط الجامعي بين الخارج وفلسطين مع ما يؤثر ذلك من نواح ايجابية على الوضع الفلسطيني الداخلي ويبقى في ترابط مستمر ومنتظم مع مؤسسات التعليم العالي في الوطن العربي والعالم وما يجلب ذلك من منافع جمة لصالح الشعب الفلسطيني .
20) الجامعة المتخصصة :
نحن في هذه البلاد ( الأرض المباركة ) في فلسطين ، حري بنا أن نعمل على تطوير الجامعات المتخصصة في معارف وعلوم محددة : كالجامعة التطبيقية ، والجامعة الاقتصادية ، والجامعة المهنية ، والجامعة العلمية ، والجامعة الصحية ، والجامعة القرآنية ، والجامعة النسائية ، والجامعة الزراعية ، وجامعة المتفوقين لمن هم دون سن الثامنة عشرة من المبدعين في مجالات علمية معينة وسواها من التخصصات العلمية والأدبية . فهذا التخصص الجامعي يساهم في تطوير المجتمع بشكل افضل ويتيح المجال أمام الطلبة النابغين العباقرة للالتحاق بالتخصص الملائم في الوقت المناسب لكل فئة من الفئات المذكورة .
21) الخدمة الجامعية الإجبارية :
تتمثل بإيجاد مساقات عسكرية عامة للطلبة الفلسطينيين من الحرب النفسية والإعلامية والتدريب العسكري : النظري التعبوي والعملي العام كمتطلبات اجبارية عامة لا يتخرج الطالب الا بعد اجتيازها . وفي ظل الظروف السياسية الحالية فإن الأمر قد يتم تأجيله لفترة من الوقت الا أنه من صلب التدريس والخدمات الجامعية . وفي هذا المجال يمكن تحديد ست ساعات أو أكثر كمتطلب اجباري يعوض النقص في عدم تطبيق مبدأ ( خدمة العلم ) أو التجنيد الاجباري في الجيش الفلسطيني في مرحلة أولى .
هذه الأسئلة وسواها بحاجة إلى دراسة وتمحيص على كافة المستويات الجامعية العامة والرسمية والخاصة ، وإعادة التخطيط الجامعي على أسس استراتيجية على المدى البعيد . وتتحمل وزارة التعليم العالي والجامعات المحلية الفلسطينية من الإدارات والهيئات التدريسية ومجالس الطلبة والكتل النقابية الطلابية المسؤولية الإسلامية والوطنية والأكاديمية الكبرى في هذا المجال . فعملية التغيير والإصلاح الأكاديمي والتصليح السياسي الجادة لا بد وأن تاخذ بعين الاعتبار المتطلبات السابقة للنهوض بالتعليم العالي كما ونوعا والحيلولة دون تراجع العملية التعليمية العليا بل العمل الدائب للتقدم إلى الأمام ، وللأمام فقط .
6) متطلبات التنمية الجامعية
إن القضايا الجامعية السابقة ، هي قضايا حيوية ملحة تقع ضمن الخطة الاقتصادية والاجتماعية الشاملة للتنمية لتحوي التنمية الجامعية فهي تهم كل مواطن فلسطيني غيور في هذه البلاد يسعى للارتقاء والنهوض بالمسيرة الأكاديمية الجامعية في فلسطين ، والالتحاق بالركب الجامعي العلمي المتخصص القائم على التخطيط الناجح لتحقيق أهداف معينة بوسائل ونماذج علمية متقدمة عبر سياسات شمولية قائمة على التعاون البناء وليس النقد والتجريح لهذه المؤسسة أو تلك . فسياسات التخطيط يجب ان تشتمل على خصائص عامة ومراحل أساسية متتابعة ومستويات ترفد بعضها البعض وهذه الأمور تحتاج لوجود هيئة مركزية عليا للإشراف على تنفيذها ووزارة التعليم العالي هي المؤهلة في هذا المجال بعد إعادة تشكيلها من جديد وفق أسس وقواعد علمية وأكاديمية بعيدة عن العشوائية والمحسوبية والفئوية والحزبية الضيقة ، فالوطن للجميع وليس لفئة دون الأخرى .
وإن التخطيط الناجح يحتاج لتجميع جميع القوى العلمية الأكاديمية المهتمة ، والحد من تنافرها لتصب في المصلحة التعليمية الفلسطينية العليا . وعملية التجديد والتطوير في المجالات الجامعية السالفة الذكر يمكن أن تلقى تجاوبا فلسطينيا كبيرا كونها تعمل على إحداث تغييرات وإصلاح منتظر لواقع التعليم العالي التقليدي الذي تقادم عليه الزمن وأصبح بحاجة ماسة إلى عملية تطوير وتدوير ليتلائم مع متطلبات العصر الراهن على كافة الصعد والمجالات العامة والخاصة .
على أي حال ، إن التنمية الجامعية الاستراتيجية الحقة تحتاج إلى سياسة مرحلية لتطبيقها وتنفيذها على أرض الواقع يقوم بها من ذوي الخبرة والاختصاص بعيدة عن العفوية والسطحية لإحداث تحولات جذرية في أساسيات التعليم العالي تؤتى أكلها خلال فترة متوسطة ليست بالطويلة ولا بالقصيرة التي يمكن أن تسبب إرباكا غير متوقع صعب التنفيذ نظرا لقلة ما في اليد من احتياجات مالية . كما أن الأولويات قد تختلف حسب رؤية هذه المؤسسة أو تلك أو هذا الخبير أو ذاك الا أنه يمكن التوافق على تحديد الأولويات بشكل تدريجي يحصل على رأي السواد الأعظم وليس بالضرورة على الاجماع الجامعي .
بالطبع ، هناك حاجة فلسطينية عامة للتنمية الشاملة بما تشمله من تنمية اجتماعية وسياسية واقتصادية وثقافية شاملة ، ومن بينها التنمية الجامعية الفلسطينية . فالتنمية الجامعية وكتحصيل حاصل تساهم في رفد التنمية الشاملة عبر احداثياتها الفرعية المتعددة من النقل والطباعة والسكن والملابس والمطاعم والمستلزمات والاحتياجات العامة الأخرى . كما إن التنمية الجامعية تساهم في التنمية الشاملة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا . على أن نجاح التنمية الجامعية يتوقف على عدة أساسيات محددة من أهمها :
1. الحاجة الحيوية :
تتمثل في حاجة الوطن والشعب المتزايدة للتنمية والتطوير الجامعي في البنية الأساسية لمؤسسات التعليم العالي . وهناك حاجة ماسة سنويا جراء تزايد عدد المستفيدين من خدمات الجامعات المحلية في البلاد لتحقيق الالتحام والتكامل بين أطراف العملية التعليمية العليا . فعملية الإشباع الجامعي يتوق لها كل طالب وكل اسرة فلسطينية بعد ظهور نتائج الثانوية العامة بشكل فوري وتتنامى نوعيا وكميا . وتشمل مجالات التنمية الجامعية كافة المواضيع العلمية والأدبية بالتوسع الأفقي والعمودي .
2. وجود قيادات جامعية فعالة
تتألف القيادات الجامعية الفعالة من ذوي الخبرات والكفاءات العلمية المتقدمة والمنتجة . ويمكن أن تقوم هذه القيادات عبر مبدأ التشغيل الذاتي الا أن عملية التنسيق والتعاون لا بد أن تكون مغلبة عبر الإدارات الجامعية ومؤتمر رؤساء الجامعات ومجلس التعليم العالي والإدارات العامة في وزارة التعليم العالي ومجالس الطلبة ونقابات العاملين بالجامعات وغيرها .
3. مشاركة الجماهير الجامعية
إن الجماهير الجامعية ، هي الفئة المستهدفة لعملية التغيير والإصلاح الأكاديمي والإداري والسياسي . ونقصد بذلك الهيئات الأكاديمية والإدارية ونقابات العاملين ومجالس الطلبة والكتل الطلابية على السواء عبر الأطر الجامعية المختصة لأن العمل المنظم أكثر جدوى من العمل القائم على العفوية والفردية المتقلبة .
4. التمويل المالي المطلوب
ويكون التمويل المالي من القطاعين العام والخاص على السواء لأن إنجاح التنمية في مؤسسات التعليم العالي يتطلب جهدا واعيا واستثمارا ماليا مناسبا .
5. التدخل الحكومي
من الضروري وجود التدخل الحكومي العام في التعليم العالي للحفاظ على مستوياته العلمية العالية والتعاون في وضع وضبط السياسيات التعليمية العليا ولا يعني ذلك التدخل بخصوصيات كل جامعة . وهذا التدخل الحكومي يكون عبر وزارة التعليم العالي كجهة اختصاص في المسيرة التعليمية العليا لإيجاد نوع من التوازن بين أطراف التعليم العالي المختلفة كمنفذ ومراقب ومقيم في الوقت ذاته. ولضمان عدم تعارض خطط التنمية الجامعية مع الخطة الفلسطينية العامة .
6. مراحل التنمية
عبر وضع خطط وبرامج تنموية متلاحقة تسير بشكل تعاوني مبرمج لإحداث تراكم نوعي وكمي على نطاق واسع . ويمكن تحديد فترات خطط التنمية الجامعية بخطة قصيرة الأجل تتراوح ما بين 1 – 3 سنوات ، وخطة متوسطة الأجل ما بين 3 – 5 سنوات ، وخطة طويلة الأجل تتراوح ما بين 10 – 15 سنة لتحقيق غايات النمو الجامعي الحديث .
ويمكن تلخيص أهداف التنمية الجامعية العامة بتقديم خدمات تعليمية عليا أكثر ملائمة ونضوجا وحيوية للشعب والفئة المتعلمة والمعلمة في الوقت ذاته ، وبالتالي رفع المستويات التعليمية العليا بتعبئة الموارد البشرية والمادية والمعنوية . وعادة ما تشمل غايات التنمية الجامعية عدة عناصر من أبرزها : سياسات التعليم العالي ، التعليم العالي وتنمية الموارد البشرية ، الأسس والوسائل الضرورية للتنمية الجامعية ، والاختيار بين تنمية الموارد البشرية وتلازم الخطط التنموية ومعايير التنمية الجامعية والعوامل والاجراءات الضرورية إلى عملية التخطيط لتنمية الموارد الجامعية وتمويل التعليم العالي .
وأخيرا يمكننا القول ، إن التعليم العالي يجب أن يشمل الزوجين أو الصنفين البشريين : الذكر والأنثى ، وفق ضوابط ومعايير أخلاقية حميدة بعيدة عن الاختلاط السلبي والتبرج غير المحمود ، فطلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة . وقد وضع الإسلام أهداف العلم للتقدم والصلاح والفلاح ، وحرم مماراة السفهاء ومباهاة العلماء وشد انتباه الناس إليه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ ، أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ ، أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ ، فَهُوَ فِي النَّارِ " . سنن ابن ماجه - (ج 1 / ص 295 ) . وفي المقابل تواصل الحث الإسلامي على التزود بالعلوم المختلفة ، جاء بمسند أحمد - (ج 37 / ص 52( عن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ خَارِجٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْتٍ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ ، إِلَّا وَضَعَتْ لَهُ الْمَلَائِكَةُ أَجْنِحَتَهَا ، رِضًا بِمَا يَصْنَعُ " . وكذلك نبه الإسلام إلى الاهتمام بالعلوم الدينية ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَإِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ " ، صحيح البخاري - (ج 1 / ص 119 ) . وفي حديث نبوي آخر ، كما جاء بصحيح البخاري - (ج 10 / ص 358 ) ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَاللَّهُ الْمُعْطِي ، وَأَنَا الْقَاسِمُ ، وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ " .
انتهى .

ليست هناك تعليقات: