الأحد، 13 أبريل 2008

فلسطين الكبرى .. والرؤية البريطانية ( 2 - 2 )

الإثنين,شباط 18, 2008
فلسطين الكبرى .. والرؤية البريطانية ( 2 - 2 )
فلسطين الكبرى .. والرؤية البريطانية
( 2 - 2 )
==============
د. كمال علاونه
دكتوراه علوم سياسية - فلسطين
------------------------
يقول الله جل جلاله : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ . الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } ( القرآن المجيد : البقرة 120 – 121 ) .
يتردد طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق ، المخلوع من حزبه الحاكم ، الذي عين بدعم أمريكي – أوروبي منسقا عاما للجنة الرباعية التي تتابع حل قضية فلسطين ، في زيارات متتالية لفلسطين ، وقد طالبت اللجنة الرباعية عبر خطة خريطة الطريق بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وفق ثلاث مراحل متصلة غير منفصلة ، إلا أنها ما زالت تراوح مكانها ( مكانك سر ) . وطوني بلير يتساوق ويتماثل في أفكاره مع السياسة اليهودية – الصهيونية بفلسطين .
=================
ملاحظة : يرجى مطالعة الجزء الأول من ( فلسطين الكبرى .. والرؤية البريطانية ) ( 1- 2 ) قبل قراءة هذا الجزء من هذه الدراسة .
=================
2. صك الانتداب البريطاني على فلسطين
عقد مؤتمر السلم في باريس عام 1919 ، فأقر ميثاق عصبة الأمم ، وضمن هذا الميثاق ( معاهدة فرساي ) في 28 حزيران 1919 . وتمت الموافقة على نظام الانتداب في ميثاق عصبة الأمم بإشراف العصبة كنمط جديد من أنماط السيطرة الاستعمارية على البلاد العربية للالتفاف على مبدأ حق تقرير المصير للشعوب التي خضعت للحكم العثماني . وقد فرض الانتداب البريطاني على فلسطين في مرحلته الأولى ، بموجب معاهدة ( سيفر ) بين بريطانيا وفرنسا ، التي عدلت بنود اتفاقية سايكس- بيكو ، والتفاهم الاستعماري البريطاني – الفرنسي الجديد حيث تنازلت فرنسا عن منطقة الموصل العراقية ووافقت على تصريح بلفور والانتداب البريطاني على فلسطين مقابل موافقة بريطانيا على الانتداب الفرنسي على جميع أنحاء سوريا ومنحها 25 % من نفط الموصل ، وأقر هذا الاتفاقية مؤتمر سان ريمو في 25 نيسان 1920 الذي وافق بدوره على انتداب بريطانيا على فلسطين .
ضم صك الانتداب البريطاني المفروض غربيا ، على فلسطين مقدمة عامة و28 مادة . فكان صك الانتداب دستورا استعماريا بشكل كلي وبمظهر جديد ، أو وثيقة سياسية خطيرة حكمت بها فلسطين حكما بريطانيا بالتعاون مع المنظمة الصهيونية العالمية بذريعة تقديم المشورة الإدارية والمعونة لتصبح قادرة على حكم نفسها بنفسها والنهوض بأوضاعها . وبعد موافقة عصبة الأمم على هذا الصك تحولت سياسة وعد بلفور من وعد بريطاني لليهود إلى موافقة دولية مخططة لإنشاء ما يسمى بوطن قومي لليهود في فلسطين . كما تضمن صك الانتداب تخويل بريطانيا تنفيذ الوثيقة السياسية بالتأكيد على ( الصلة التاريخية لليهود في فلسطين ) . وفيما يلي أهم مواد صك الانتداب على فلسطين :
حرمان السكان الأصليين من الحقوق السياسية : تطرقت بعض مواد صك الانتداب للمصالح البريطانية حيث حرمت العرب الذين يشكلون السواد الأعظم من سكان البلاد من الحقوق السياسية ومنحت بريطانيا سلطة كاملة في التشريع والإدارة والسيطرة على الحكم المحلي ، وتسيير الشؤون الخارجية للبلاد والإشراف على قوات الأمن ( للمحافظة على السلام والدفاع عن البلاد ) .
إنشاء الوطن القومي اليهودي في فلسطين :تطرقت بعض مواد لإقامة الوطن القومي اليهودي ووضعت خطة شاملة لتنفيذ ذلك سياسيا وإداريا واقتصاديا وثقافيا . فتطرقت المادة ( 2 ) لمسألة منح بريطانيا كدولة منتدبة سلطة كاملة في التشريع والإدارة العامة بينما تطرقت المادة ( 4 ) لإنشاء ( وكالة يهودية رسمية ) معترف بها للتشاور مع إدارة فلسطين والتعاون معها اقتصاديا واجتماعيا . ومنحت المادة ( 6 ) من الصك ( إدارة فلسطين ) تسهيل هجرة اليهود للبلاد وخاصة الأراضي الأميرية والموات ، مع عدم الإضرار بحقوق الفئات السكانية الأخرى . وسهلت المادة ( 7 ) حصول اليهود على الجنسية الفلسطينية . ونظمت المادة ( 11 ) العلاقة بين الإدارة البريطانية والوكالة اليهودية لتعمل الوكالة اليهودية على تدبير الأشغال والمصالح والمنافع العامة وتطوير المرافق الطبيعية للبلاد . وحددت المادة ( 22 ) من الصك لغات البلاد الرسمية لتكون ثلاث لغات هي : الإنجليزية والعربية والعبرية .
المسؤوليات الملقاة على الدولة المنتدبة : تناولت مواد صك الانتداب : 13 و 14 و15 و16 مسؤوليات الدولة المنتدبة تتمثل بالحقوق الدينية لجميع السكان والمحافظة على الأماكن المقدسة .
استثناء شرق الأردن من الوطن القومي اليهودي : من جهة أخرى ، منح صك الانتداب بريطانيا وبموافقة عصبة الأمم استثناء تطبيق أية مادة من مواد صك الانتداب إذا رأت أنه غير قابل للتنفيذ . فقد وافقت عصبة الأمم على استثناء منطقة شرق الأردن من إنشاء الوطن القومي اليهودي مع وضع شرق الأردن تحت الانتداب البريطاني .
تفنيد صك الانتداب البريطاني
لقد تضمن صك الانتداب البريطاني على فلسطين تناقضات أساسية هي ذاتها تناقضات وعد بلفور ، إذ مكن بريطانيا من تنفيذ سياسة تمييز عنصري بين العرب ( المسلمين والنصارى ) من جهة واليهود الطارئين المهاجرين من شتى دول العالم لصالح الطرف الأخير . وفيما يلي أهم تناقضات صك الانتداب البريطاني على فلسطين :
التجاهل الصريح والكامل لوضع فلسطين التاريخي والقومي ، إذ أكد صك الانتداب زورا وبهتانا صلة تاريخية لليهود بفلسطين لجعلها وطنا قوميا لهم .
تجاهل السكان الأصليين للبلاد ، فاعتبر السواد الأعظم من السكان ، وهم العرب من مسلمين ومسيحيين ، الفرع رغم أن نسبتهم بلغت آنذاك أكثر من 95 % من إجمالي عدد السكان ، ولا يصل عدد المهاجرين ( السكان ) اليهود إلى نسبة 4 % يسيطرون على نحو 5 ر1 % من مساحة البلاد الكلية .
التنكر لاتفاقية الشريف حسين – مكماهون ، التي وافقت فيها بريطانيا على استقلال المشرق العربي ( فلسطين وسوريا ولبنان والعراق والجزيرة العربية ) بعد الحرب العالمية الأولى .
مخالفة نص صك الانتداب لميثاق عصبة الأمم ، إذ منحت المادة 22 من ميثاق العصبة سكان البلاد الأصليين الدرجة الأولى بانتقاء الدولة المنتدبة ، فلم ينتقي عرب البلاد ، وهم سكان فلسطين الأصليين بريطانيا للانتداب على البلاد بل إن الصهيونية هي التي اختارت بريطانيا كدولة منتدبة على فلسطين لإلتقاء المصالح الاستعمارية بينهما .
من نافلة القول ، إن المنظمة الصهيونية العالمية اعتبرت أن صك الانتداب البريطاني جاء تنفيذا لسياستها الممهدة للإستيلاء على أرض فلسطين وشعب فلسطين ، بالعمل على تنفيذ وعد بلفور وإقامة الوطن القومي اليهودي المزعوم في فلسطين تحت مظلة التاج البريطاني ، فتحول وعد بلفور من عطف على الأماني والتطلعات اليهودية إلى صك سياسي كبير باعتباره وثيقة صادرة عن أعلى منظمة عالمية ( عصبة الأمم ) تتيح لبريطانيا تنفيذ ما تراه مناسبا لخدمة الأهداف الصهيونية في فلسطين .
3. الكتاب الأبيض 1930
بعد ثورة البراق ، صدرت توصيات سمبسون ، وتوصيات لجنة شو ، فأصدرت الحكومة البريطانية ممثلة بوزير المستعمرات ( لورد باسفيلد ) الكتاب الأبيض الثاني عام 1930 ، لتبيان سياستها في فلسطين ، معربة عن التزامها بصك الانتداب البريطاني على فلسطين ، الذي تطرق لإعداد فلسطين سياسيا وإداريا واقتصاديا لضمان قيام الوطن القومي اليهودي فيما يتعلق باليهود ، وعدم الإضرار بالحقوق المدنية والدينية لكافة سكان فلسطين . وقد تضمن الكتاب الأبيض الثاني ما يلي :
الأمن العام في البلاد : تقرر زيادة عدد قوات الشرطة ووضع خطة لحماية المستعمرات اليهودية ، وتشديد العقوبة على المحرضين للفوضى ( الثورة ) .
الحكم الذاتي : تناول مسألة التطور الدستوري للشروع بمنح فلسطين الحكم الذاتي بما يتناسب وصك الانتداب ، ويكون ذلك بتشكيل مجلس تشريعي بناء على المشروع المقترح سابقا للمجلس التشريعي ( بنود الكتاب الأبيض عام 1922 ) ، مع إضافة بند يسمح بتعيين الحكومة بديل من غير الموظفين ليحل محل أي عضو لم تسمح الظروف بانتخابه جراء عدم التعاون من أي فئة سكانية أو لأي سبب آخر .
الأراضي : إدخال تحسينات في الأساليب الزراعية والري ، وضمان عدم إخراج المستأجرين من الأرض ، وتشكيل جمعيات تعاونية فلاحية .
الهجرة : العمل على تحديد عدد المهاجرين اليهود المسموح لهم بالهجرة إلى البلاد حسب مقدرة البلاد الاستيعابية اقتصاديا .
لقد رفض اليهود الكتاب الأبيض البريطاني الصادر عام 1930 ، شعبيا وإعلاميا فشنت الصحافة البريطانية والأمريكية هجوما عنيفا عليه ، ونظمت مظاهرات يهودية في معظم أنحاء العالم احتجاجا عليه . فجاء الاعتراض اليهودي على الكتاب الأبيض بدعوى أن تقرير سمبسون مخالف لصك الانتداب بشأن الاستيعاب الاقتصادي لليهود في البلاد حيث جاء على نحو يناقض الرغبات الصهيونية . وقد تراجعت بريطانيا عن الكتاب الأبيض عام 1930 وتشاورت مع أعضاء الوكالة اليهودية حيث بعث رئيس الوزراء البريطاني ماكدونالد إلى د. حاييم وايزمن في 14 شباط 1931 رسالة تراجع عن الكتاب الأبيض فسمي هذا التراجع البريطاني عند العرب ب ( الكتاب الأسود ) . والتزمت بريطانيا بموجب التراجع الجديد بتسهيل هجرة اليهود لأرض فلسطين وعدم وقف هذه الهجرة كالتزام ايجابي من أولويات الحكومة البريطانية والانتداب وتسهيل امتلاك اليهود لأراض جديدة ، مع الاعتراف بسياسة العمل اليهودي للمنظمات اليهودية . وقد لجأت بريطانيا في سياستها القديمة الجديدة في ذلك الأوان ، لفتح باب الهجرة اليهودية للبلاد وانتقال الأرضي الفلسطينية لليهود ، وحرمان المواطنين الفلسطينيين من التمثيل البرلماني ، والسماح بتسليح اليهود وتدريبهم في المستعمرات اليهودية . فانطلق العرب في البلاد ، فنظموا مؤتمر عاما في آب 1931 ، لشجب واستنكار عملية تسليح اليهود وتنادوا للإضراب العام ونظموا مظاهرة إلى مقر الحكومة واصطدموا في 23 آب مع قوات الشرطة البريطانية في نابلس فجرح العديد من العرب وأودع عشرات المواطنين الفلسطينيين في السجون البريطانية .
4. الكتاب الأبيض 1939
بعد انتهاء ثورة فلسطين الكبرى عام 1936 وتجدد فعاليات الثورة الفلسطينية حتى عام 1939 ، لرفض قرار تقسيم فلسطين ، لجأ البريطانيون لتحويل قضية فلسطين إلى قضية عربية عامة ودعوة ممثلين عرب من العراق ومصر والسعودية واليمن وشرق الأردن لمؤتمر لندن ، واستشارة فرنسا كدولة منتدبة على سوريا ولبنان بدعوى المناداة بإقامة سلام وتقدم في فلسطين . فنظمت بريطانيا ( مؤتمر لندن ) في 7 شباط 1939 ، في قصر سان جيمس ، لعدة أسابيع . وكان برنامج المؤتمر عقد حوارات بريطانية مع الوفود العربية في ساعات الصباح ، ولقاءات بريطانية مع اليهود بعد الظهر لتجنب جلوس الفريقين العربي واليهودي معا . وخلال مداولات المؤتمر برزت إشاعة بالتوجه لإعلان استقلال فلسطين فنظم اليهود حملة إرهابية كبيرة على العرب أدت لاستشهاد نحو 40 فلسطينيا وجرح عدد مماثل ، فنظم العرب ثورة مضادة في آذار 1939 حيث عمت معارك عنيفة بين مناطق عكا وصفد وبين القدس ونابلس قتل فيها ضباط بريطانيون وأسقطت طائرات بريطانية واستشهد عشرات المواطنين العرب وانتهى مؤتمر لندن في 27 آذار 1939 دون نتيجة تذكر . فلجأت بريطانيا لطريقة جديدة لحل قضية فلسطين تتمثل بإصدار بلاغ رسمي في 17 أيار وهو الكتاب الأبيض ( الثالث ) عام 1939 الذي تضمن البنود التالية :
1. الحكم الذاتي : تقيم الحكومة البريطانية خلال عشر سنوات دولة فلسطينية مستقلة عندما يستتب ويتوطد الأمن . على أن يتم اتخاذ تدابير تمكن الفلسطينيين من تولي الدوائر الحكومية بمعاونة مستشارين بريطانيين . وبعد مضى خمس سنوات على الأمن والنظام تبحث هيئة فلسطينية – بريطانية مسالة وضع دستور لدولة فلسطينية مستقلة . وعلى الجانب الآخر ، إذا اقتنعت بريطانيا بعد مضي عشر سنين أن الظروف غير مؤاتية لإنشاء الدولة الفلسطينية فإن الحكومة البريطانية تشاور الممثلين الفلسطينيين ومجلس عصبة الأمم وقادة الدول العربية لتأجيل إقامة الدولة الفلسطينية ووضع خطة مستقبلية بديلا عنها .
2. الهجرة اليهودية : يسمح بإدخال 75 ألف يهودي لفلسطين وفق مقدرة البلاد الاستيعابية اقتصاديا ، خلال السنوات الخمس المقبلة اعتبارا من مطلع نيسان 1940 ، ليصل عدد سكان فلسطين من اليهود لنحو ثلث سكان البلاد ، وبعد مضي السنوات الخمس لا يسمح بهجرة يهودية جديدة إلا بموافقة عرب فلسطين .
3. الأراضي : توجد مناطق في فلسطين لا مجال لانتقال الأراضي من العرب لليهود ، وعلى الجانب الآخر توضع قيود على انتقال الأراضي من العرب لليهود في مناطق أخرى لتمكين المزارعين العرب من الاحتفاظ بمستوى المعيشة الراهن ، تحاشيا لحرمان جماعات عربية من أراضيهم .
وفي هذا السياق ، اعتبر هذا البيان السياسي ( الكتاب الأبيض البريطاني الثالث ) انتصارا للثورة الفلسطينية تمثل باعتراف نظري رسمي بريطاني بحق فلسطين بالاستقلال وإلغاء مشروع تقسيم البلاد ، وحددت الهجرة وقيدت مسألة انتقال الأراضي الفلسطينية لليهود . وقد رفضه العرب على لسان اللجنة العربية العليا ، ورفضه قادة الثورة الفلسطينية لأنه ربط الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية بمشاركة اليهود كما أنه اشترط استقلال فلسطين بعد عشر سنوات إذا توفرت الظروف لذلك وترك القرار بيد الحكومة البريطانية . ومن جانبهم ، رفض اليهود الكتاب الأبيض وأعلنوا التمرد والعصيان العام ، فبدأت المنظمات الإرهابية اليهودية بتدمير مرافق البلاد الرسمية وإحراق دائرة الهجرة ونهب مقر الحكومة بتل أبيب وإلقاء القنابل على العرب في الأسواق ومحطات الباصات في البلاد . وبعد عام تقريبا من بدء الحرب العالمية الثانية ، عملت بريطانيا على تنفيذ بنود الكتاب الأبيض الثالث فأصدرت أنظمة تتعلق بالأراضي والهجرة اليهودية للبلاد . ففي 28 شباط 1940 ، قسمت فلسطين جغرافيا لثلاث مناطق : الأولى : يمنع فيها انتقال الأراضي إلى غير العرب . والثانية : قرنت السماح بانتقال أراضي الفلسطينيين العرب لغير العرب بموافقة المندوب السامي ، وهذا يتيح المجال لانتقال الأراضي التي يمتلكها غير الفلسطينيين ( العرب من السوريين واللبنانيين ) إلى اليهود . والثالثة : بيع الأراضي فيها مفتوح ، لا قيود فيها ( وهي المنطقة التي دخلت فيما بعد بحدود الدولة اليهودية الذي تبناه قرار تقسيم فلسطين لاحقا ) .
وأما بشأن الهجرة اليهودية ، سارعت الحكومة البريطانية للإعلان أنها تتقيد بالهجرة كما جاءت في الكتاب الأبيض الثالث ، وستمنع الهجرة غير المرخصة رسميا ، وكأن هناك هجرة قانونية وغير قانونية ( فالهجرة اليهودية لفلسطين كلها غير قانونية أصلا ) . فمثلا ، قبضت بريطانيا في مطلع تشرين الثاني 1940 ، على 1800 مهاجر يهودي غير قانوني ، لترحيلهم لجزر موريشس كإجراء مؤقت لحين انتهاء الحرب العالمية الثانية . وقد اقتربت في أواخر تشرين الثاني 1940 باخرة ( انتلانتك ) من ميناء حيفا على ظهرها 1800 مهاجر يهودي لدخول فلسطين بصورة غير قانونية ، فنقلت جزءا من هؤلاء المهاجرين إلى باخرة أخرى ( باتريا ) راسية في ميناء حيفا لترحيلهم فيها ، ففجر يهود باخرة ( باتريا ) فغرقت وغرق معها 250 مهاجرا يهوديا . كما أغرقت باخرة أخرى تضم 750 يهوديا في البحر الأسود ، كانت أرجعتها السلطات العثمانية في إستانبول . وهدفت هاتان العمليتان التفجيريتان إثارة يهود العالم والرأي العام الأوروبي ضد الحكومة البريطانية بدعوى إغلاقها أبواب فلسطين أمام الهجرة اليهودية . وإثر ذلك تصاعدت أعمال الشغب والفوضى والتفجيرات التي نظمتها المنظمات الإرهابية اليهودية – الصهيونية ومن بينها منظمة شتيرن الإرهابية حيث دمرت دوائر رسمية ومؤسسات للجيش البريطاني . وعلى صعيد البند الثالث من الكتاب الأبيض المتعلق بالتطورات الدستورية فبقيت الأمور على حالها ، وفرضت عقوبات وإجراءات صارمة ضد المواطنين العرب .
ورغم تركيز الصهيونية على الولايات المتحدة في فترة سابقة وحالية ولاحقة ، إلا أن صلاتها مع بريطانيا لم تنبذ كليا ، فقد بقت عملية التعاون مستمرة بين الجانبين ، فأصدر تشرشل رئيس الوزراء البريطاني أمرا بالسماح بأن يكون هناك فيلق يهودي في فلسطين له قادته ورايته الخاصة به ضمن جيوش الحلفاء في أيلول 1944 . وعمل الضباط الإنجليز على تدريب جيش الهاغاناة اليهودي وتهريب أسلحة من مخازن الجيش البريطاني في فلسطين لليهود ومحاولة محو منجزات الثورة الفلسطينية بتمرد يهودي في البلاد بالتعاون مع الوكالة اليهودية .

4 = مؤتمر لندن لحل قضية فلسطين

أعلنت الحكومة البريطانية تأييدها لطلب الحكومات العربية بإيجاد حل للقضية الفلسطينية فحددت 10 أيلول 1946 لعقد مؤتمر لندن ، وقرر العرب باجتماع وزراء خارجيتهم في الإسكندرية عدم الاعتراف بحق اليهود بالمفاوضة وعدم السماح لأمريكا بالتدخل وعدم القبول بمشروع تقسيم فلسطين .
وقد عملت بريطانيا على تنظيم مؤتمر لندن للبحث في حل قضية فلسطين على دورتين كما أوردته مؤسسة الدراسات الفلسطينية في كتاب : فلسطين : تاريخها وقضيتها ، ص 128 – 132 ) :
1. الدورة الأولى : مشروع موريسون
عقد هذا المؤتمر في تشرين الأول 1946 ، قدمت فيه بريطانيا مشروع النظام الاتحادي ( مشروع موريسون رئيس الوزارة العمالية ) يقضي بتقسيم فلسطين لأربع مناطق إدارية : المنطقة اليهودية ( مساحة كبيرة من أراضي سيطر عليها اليهود ومساحة للعرب قريبة من المستعمرات اليهودية ) ، والقدس التي تشمل القدس وبيت لحم وحولها ، والنقب ، والمنطقة العربية وتضم بقية مساحة فلسطين . على أن تتمتع كل منطقة بالاستقلال الذاتي بمعنى إنشاء حكومة محلية ومجلس تشريعي ، يختار منهما المندوب السامي رئيس الوزراء ومجلس الوزراء . تتمتع كل حكومة بصلاحية السماح للهجرة اليهودية إلى منطقتها . ويتم إنشاء حكومة مركزية مختلطة تشمل المنطقتين العربية واليهودية تتولى شؤون الدفاع والخارجية والجمارك والهجرة حسب مبدأ الاستيعاب الاقتصادي . فرفض العرب هذا العرض السياسي البريطاني لحل قضية فلسطين ، لأنه يقترح تقسيم البلاد ويناقض الكتاب الأبيض لعام 1939 ، وطلبوا حلا آخر يقوم على : إعلان استقلال فلسطين دولة واحدة تدير شؤونها حكومة ديموقراطية بمقتضى دستور تسنه جمعية تأسيسية منتخبة . ويتم إنشاء حكومة انتقالية برئاسة المندوب السامي تتكون من 7 عرب و3 يهود ، وفق التمثيل النسبي وتمتع اليهود بالحقوق المشروعة وحقوق الأقليات مع وقف الهجرة لحين تشكيل حكومة مستقلة تعقد معاهدة بين فلسطين وبريطانيا مع احترام حرية العبادة والأماكن المقدسة . وبعد تقديم المشروع العربي ، طلبت بريطانيا مهلة وعلقت جلسات المؤتمر لمدة شهرين ونصف الشهر .
وفي غضون ذلك ، تمرد اليهود وصعدوا أعمالهم الإرهابية فهجموا على القيادة العامة البريطانية وأغرقوا باخرة في ساحل حيفا ، وخطفوا ضباطا إنجليز ، فعاد البريطانيون للاتصال بالوكالة اليهودية . من جهة أخرى ، طالب الرئيس الأميركي ترومان بالسماح للهجرة اليهودية المحددة بمائة ألف يهودي لفلسطين خلال عام 1946 حسب ما أوصت به اللجنة الأنجلو – أميركية فاستنكر العرب هذا الموقف الأميركي وعقد مجلس جامعة الدول العربية اجتماعا عاديا ما بين ( 30 تشرين الأول – 12 تشرين الثاني 1946 ) احتجوا فيه على الحكومة البريطانية لموافقتها على دخول المهاجرين اليهود لفلسطين ، ورفضوا التدخل الأميركي في شؤون فلسطين ، ودعوا بريطانيا للقيام بتزويد العرب بوسائل دفاع عن أنفسهم وقرروا الإسراع بمساعدة الفلسطينيين .
2. الدورة الثانية : مشروع بيفن
بدأ مؤتمر لندن دورته الثانية في 28 كانون الثاني 1947 بدعوة بريطانية للحكومات العربية ودعيت الهيئة العربية العليا لهذا المؤتمر ، وأعلن المندوب البريطاني خلال المؤتمر رفض حكومته المشروع العربي لحل قضية فلسطين بدعوى أن مشروع موريسون هو الحل الأفضل مع إدخال تعديلات لتلبية المصالح اليهودية بإضافة جزء من النقب للمنطقة المقترحة لليهود ، فرفض العرب هذا الحل . ثم عرضت بريطانيا المشروع الجديد ( مشروع بيفن ) وزير الخارجية البريطاني ، الذي يقضي باستمرار الانتداب البريطاني خمس سنوات أخرى ، يتم خلالها إنشاء حكومات ومجالس محلية عربية ويهودية تتمتع باستقلال ذاتي واقتصار الهجرة اليهودية على المنطقة اليهودية وفق مبدأ ( الاستيعاب الاقتصادي ) ثم يتم تدارس الأمر بعد خمسة أعوام ، فرفض العرب هذا المشروع لعدم تمكين العرب الفلسطينيين من حق تقرير مصيرهم والدعوة لاستمرار الهجرة اليهودية . فأعلنت بريطانيا انتهاء مداولات المؤتمر وأعلنت عزمها رفع قضية فلسطين للأمم المتحدة وذلك بغية التخلص من تبعات هذا الملف السياسي الساخن ، وبعدما أدركت بريطانيا أنها عمليا أتاحت إنشاء الوطن القومي اليهودي على أرض فلسطين ، ورغبت في تبني دولة عظمى أخرى مسألة إقامة دولة اليهود في فلسطين . كذلك شهد عام 1947 مرحلة انهيار الإمبراطورية البريطانية وتصفيتها ، مما سرع في تخلي بريطانيا جزئيا عن حل قضية فلسطين .
وقد فرح اليهود بتحويل قضية فلسطين لهيئة الأمم المتحدة لرغبتهم في إنشاء دولة خاصة بهم ، متطلعين نحو الولايات المتحدة لتحقيق غايتهم المنشودة ، خاصة وأن الولايات المتحدة كانت وافقت على تصريح وعد بلفور لليهود ، كما أن الرئيس الأميركي ترومان أعلن عن تأييده لاستمرار الهجرة اليهودية وتحقيق الأماني اليهودية وتقسيم فلسطين في إحدى خطبه عام 1946 ، وتأييد قادة البيت الأبيض والكونغرس الأميركي لإقامة دولة يهودية في المشرق العربي للدفاع عن المصالح الأميركية في المنطقة وخاصة النفط العربي .
5 = تحويل ملف فلسطين للأمم المتحدة
في 18 نيسان 1946 ، عقدت عصبة الأمم آخر اجتماع لها ، تبنت فيه قرارا حسب ما جاء في ميثاقها أوضحت فيه أن الانتداب البريطاني قانونيا قد شارف على نهاية عهده ، وأن وجودها ومهامها بالنسبة للأقاليم المنتدبة ينتهي بانتهاء العصبة . وفي إنشاص بمصر عقد في 28 أيار 1946 أول مؤتمر قمة عربي بمشاركة : مصر والأردن وسوريا ولبنان والعراق والسعودية واليمن ، حيث أجمع المؤتمر على أن الصهيونية تشكل خطرا دائما على فلسطين والبلدان العربية والشعوب الإسلامية ، ودعت لوقف الهجرة اليهودية وقفا كاملا ، ومنع تسرب أراضي الشعب الفلسطيني لليهود الصهاينة والعمل على استقلال فلسطين وتأليف حكومة تضمن حقوق جميع سكان فلسطين الشرعيين . وفي 10 كانون الأول 1946 ، أعلن أسماء أعضاء اللجنة الأنكلو – أميركية المؤلفة من 12 عضوا ، في واشنطن ولندن ( 6 إنجليز و6 أميركيين ) غالبيتهم من أنصار الصهاينة ، فاتصلت بها الحكومات العربية ، وكذلك اتصلت بها الهيئة العربية العليا . فاستمعت اللجنة الأنكلو – أميركية لشهادات يهود في واشنطن منادين بإنشاء دولة اليهود وفتح أبواب الهجرة الحرة لفلسطين .ثم أصدرت اللجنة تقريرها الذي أوصت فيه بإصدار مائة ألف شهادة لإدخال يهود لفلسطين وأشارت في بيان لها : أن اليهود لن يسيطروا على العرب ولن يسيطر العرب على اليهود في فلسطين . وان فلسطين لن تكون دولة يهودية أو عربية ، ويجب أن يقام الحكم الذاتي بضمانات دولية يتولى حماية الديانات الثلاث وعدم جعل الكلمة العليا في الدستور للأكثرية العددية إذا أريد إقامة حكم ذاتي حقيقي في البلاد . واعتبر تقرير اللجنة ، الوكالة اليهودية بأنها حكومة إلى جانب حكومة . وأوصت بأن تبقى حكومة فلسطين تحت ظل الانتداب لحين عقد اتفاق يتم بمقتضاه وضعها تحت وصاية الأمم المتحدة .
وفي أعقاب فشل مؤتمر لندن للسلام ، طلبت بريطانيا في 2 نيسان 1947 عقد دورة خاصة للأمم المتحدة لبحث قضية فلسطين ، فوافق أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وعقدت دورة خاصة في 28 نيسان 1947 ، وطرح المحامي ( هنري كتن ) ممثل الهيئة العربية العليا والرابي هليل سيلفر ممثل الوكالة اليهودية آرائهم حول سبل حل المسألة الفلسطينية . فطالبت الوكالة اليهودية بإقامة وطن قومي يهودي في فلسطين بالاستناد لوعد بلفور ، والمسارعة بإنشاء دولة يهودية ، ودعت الهيئة العربية العليا عبر ممثلها باستقلال فلسطين بناء على حق شعبها الطبيعي ورفض مشروع التقسيم . فقررت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 7 أيار 1947 تشكيل لجنة تحقيق دولية باسم ( يونسكوب UNSCOP ( تتمتع بصلاحيات واسعة لإعداد تقرير عن أوضاع فلسطين . وضمت اللجنة أعضاء يمثلون دولا تدور في الفلكين الأميركي والصهيوني . فقررت الهيئة العربية العليا مقاطعة لجنة التحقيق ونادت بالإضراب يوم وصول هذه اللجنة إلى القدس ، بينما وافقت الحكومات العربية على مقابلة ممثلي اللجنة مجتمعين وتقديم مذكرة عربية واحدة تبين الموقف العربي من قضية فلسطين . ورغم معارضة شعب فلسطين إلا أن قرار تقسيم فلسطين لدولتين عربية ويهودية فرض فرضا عليه في 29 / 11 / 1947 عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة التي قراراتها غير ملزمة أصلا ، ونفذ فعليا بفعل الإرهاب اليهودية – الصهيوني في فلسطين .
6= فلسطين وخريطة الطريق وطوني بلير
أثناء اندلاع انتفاضة الأقصى الباسلة ، تداعت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي من بينها بريطانيا والاتحاد الروسي والأمم المتحدة لطرح رؤية حل لقضية فلسطين ، فكان أن طرحت خطة خريطة الطريق في 20 كانون الأول 2002 ، وسلمت للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي أواخر نيسان 2003 . وبعد تنحية طوني بلير من رئاسة الحكومة البريطانية بقرار من حزبه الحاكم في البلاد العام الماضي تم تعيينه من ما يسمى اللجنة الرباعية لمتابعة حل قضية فلسطين . فتتابعت المسيرة البريطانية الاستعمارية لإدخال فلسطين في متاهات بريطانية – أمريكية – غربية – صهيونية بخطط وطروحات سياسية واقتصادية لا تلبي الحد الأدنى من أماني وتطلعات ورغبات شعب فلسطين ، باعتباره صاحب الحق الأصيل في البلاد ، لأن شعب وأهل فلسطين هم السكان الأصليون وما دونهم طارئين غرباء على أرض فلسطين المباركة . لقد تجرع شعب فلسطين العلقم البريطاني الاستعماري منذ أكثر من تسعين عاما ، وأصبح ضحية للخطط والبرامج اليهودية - الصهيونية – العالمية . وها هو طوني بلير يزور رام الله وتل أبيب عدة مرات في زيارات مكوكية ، وأخيرا زار نابلس عاصمة الثورة الفلسطينية ، كجبل من جبال النار المشتعلة ، وعاصمة فلسطين الاقتصادية ، والحل برأي الرباعية التي عين بلير منسقا لها أو مبعوثا خاصا للشرق الأوسط ، ساعد جورج بوش الأيمن في الحرب العدوانية على العراق منذ 2003 ، هو حل اقتصادي – اجتماعي لا أكثر ، وتسكين للآلام في فلسطين للشعب المعذب في الأرض ، وليس وضع حل سياسي جذري يذهب البأس والضراء عن أهل البلاد . وأخيرا لا نملك إلا أن نقول ، كذب السياسيون البريطانيون ولو صدقوا مرة واحدة . وشعبنا الفلسطيني لن يصدق وعودهم إلا لليهود ، أما الوعود المقدمة للفلسطينيين فهي وعود كرتونية خيالية ليس لها وجود على أرض الواقع ولا تسوى الحبر الذي كتبت به ، ولا الوقت الذي يتم تضييعه في البحث فيها وتمحيصها . فالسياسة البريطانية متحيزة لليهود والصهيونية بشكل متصاعد منذ الحرب العالمية الأولى حتى الآن ، والمستقبل المنظور نسخة طبق للأصل للتاريخ القديم .وطوني بلير مدبر المؤامرات ضد العرب والمسلمين أجمعين ، توأم إمبراطورية الشر الأمريكية – البريطانية ، والرئيس المقبل المتوقع للاتحاد الأوربي ، لن ينصف أهل فلسطين الأصليين بأي حال من الأحوال .
انتهى .

ليست هناك تعليقات: