الأحد، 13 أبريل 2008

فلسطين .. والإضرابات المتلاحقة

الأحد,شباط 17, 2008
فلسطين .. والإضرابات المتلاحقة
===============
د. كمال إبراهيم علاونه
رئيس نقابة العاملين
جامعة فلسطين التقنية / طولكرم

جاء بصحيح البخاري - (ج 8 / ص 478) قال رسول الله المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم : " إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ ، فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ " . هذا هو التكافل والتعاون الاجتماعي بين جميع أبناء الشعب والمجتمع الواحد ، التعاون على البر والتقوى ، وإنصاف الناس ومنحهم حقوقهم دون إذلال أو إبطاء . فالحياة مرة ، ومتطلباتها متصاعدة ، والتكامل الاقتصادي والتكافل الاجتماعي واجب ديني وسياسي وإنساني يتحتم تطبيقه ليعيش الناس وفق الحد الأدنى من الحياة الكريمة . وفي حال تأخر تطبيق هذه السياسة الجامعة فإن نقابات العاملين لجأت وتلجأ للإضراب عن العمل للمطالبة بالحد الأدنى من نعيم الحياة الدنيا . وتشهد فلسطين في هذه الأيام إضرابات مهنية ساخنة في شتاء بارد وقارص تدنت درجات الحرارة فيها دون الصفر وتساقطت فيه الثلوج على الجبال والمرتفعات والهضاب المتوسطة . فحمى الإضرابات المطلبية متصاعدة بعد طول انتظار للاستجابة للمطالب الشرعية ، ولكن دون جدوى .
والإضراب هو من الحقوق القانونية المشروعة الذي تسمح به جميع القوانين البشرية السارية المفعول في جميع أنحاء العالم ، في القطاعين العام والخاص ، وهو تعبير سلمي مدني عن أهداف ومطالب هؤلاء العاملين من حقوق اقتصادية ومالية وإدارية وأكاديمية ، حيث يلجأ العاملون عادة إلى أسلوب الإضراب عن العمل في حالة حصول نزاع بين العمال وأصحاب العمل في شركات ومصانع ومؤسسات القطاع المدني الخاص أو بين موظفي القطاع الحكومي العام ووزارة أو مجلس الوزراء أو الحكومة فيما يتعلق بالوظيفة العمومية في البلاد . وبمعنى أدق الإضراب هو امتناع العاملين عن القيام بالعمل بغية إيقاف عجلة الإنتاج في المشروع الاقتصادي على اختلاف أنواعه وإجبار صاحب العمل على تلبية مطالب العمال من شروط اقتصادية أو نقابية أو إدارية وسواها ( وهو اعتراف صاحب العمل أو المسئول بالنقابة والمساومة معها أو شروط قضائية . والإضراب الشامل في القطاع الحكومي العام يعني عدم التوجه للعمل والبقاء في البيوت ليوم أو أكثر حسب طبيعة الإضراب ، وفي حالة الإضراب المفتوح مكوث الموظفين في البيوت ومقاطعة الوزارة والمؤسسة والدائرة الحكومية وبالتالي عرقلة العمل والتوقف عن تقديم الخدمات العامة للجمهور الذي يشكل العاملون جزءا منه .
ومن ناحية قانونية عامة ، يقسم الإضراب إلى عدة أشكال هي :
الأول : الإضراب الاقتصادي : يرنو منظميه إلى زيادة الأجور وتحسين شروط العمل الأخرى كتقليص عدد ساعات العمل أو التخلص من مشرف مباشر على العاملين ، ويكون موجه ضد صاحب العمل أو الإدارة العامة أو الخاصة للمؤسسات الاقتصادية أو المؤسسات الخدمية : الزراعية أو الصناعية أو السياحية أو الوظيفية العامة . وهذا النوع إضراب مهني غير سياسي .
والثاني : الإضراب التعليمي : وهذا النوع من الإضرابات تخوضه الحركة الطلابية أو نقابات العاملين في المدارس أو الكليات الجامعية أو الجامعات الحكومية أو العامة أو الأهلية لتحقيق مصالحها ومنافع تبتغي الاستفادة منها كونها محرومة منها . وهذا النوع من الإضرابات المهنية غير السياسية .
والثالث : الإضراب السياسي : وهو الإضراب الاحتجاجي العام الموجه ضد سلطة سياسية حكومية أو عامة أو إدارة عسكرية ، تلجأ إليه الشعوب المضطهدة للتعبير عما يجول بخاطرها للاحتجاج على أوضاع سياسية أو عسكرية معينة . والأمثلة كثيرة في هذا المجال في فلسطين حيث شهدت البلاد الفلسطينية المقدسة مئات الإضرابات العامة والاعتصام ضد الاحتلال البريطاني منذ 1917 والاحتلال الصهيوني منذ قيام دويلة الاحتلال اليهودي - الإسرائيلي المصطنعة حتى الآن . وقد تشترك في هذا الإضراب فئات اجتماعية معينة أو جموع الشعب مثلما حدث في انتفاضة فلسطين الكبرى بين الأعوام 1987 – 1994 ، وانتفاضة الأقصى ، وأيام الحداد والإضراب على استشهاد فلسطينيين على أيد قوات الاحتلال الصهيوني ، إذ شاركت في هذه الإضرابات المدارس والجامعات وفئات العمال والموظفين الحكوميين ، والاتحادات الشعبية المهنية والنسائية . والإضراب السياسي بدوره ينقسم إلى ثلاثة أجنحة هي :
1. الصيام الديني : وهو الامتناع عن الأكل والشرب : تدعو بعض الحركات الإسلامية والوطنية إلى الصيام ليوم أو عدة أيام كيوم الاثنين والخميس أو الأيام البيض ( 13 و14 و15 ) من الشهر القمري أو أيام مناسبات دينية إسلامية للتضامن مع معذبين في الأرض أو الاحتجاج على زيارة شخصية معينة لفلسطين ، أو رفض سياسة حكومية محددة . ويهدف هذا النوع من الإضراب إلى التقرب لله جلال جلاله أولا ، ثم التعبير عن رأي ورؤية الجماعة أو الحزب أو الحركة أو الحكومة الداعية له .
2. الإضراب السياسي العام : وقد يكون هذا النوع من الإضراب إضرابا شاملا أو جزئيا وهو إضراب اقتصادي واجتماعي وأكاديمي ، حيث يمتنع أصحاب المحلات التجارية عن فتح محلاتهم ويمتنع العمال عن التوجه لمواقع عملهم في المصانع والورش والشركات ويمتنع الطلبة عن التوجه على مدارسهم وجامعاتهم .
3. الإضراب عن الطعام : وهو إحدى الوسائل التي يلجأ إليها الأسرى في السجون والمعتقلات الصهيونية لتحقيق حقوقهم ومطالبهم كما تقرها القوانين والتشاريع الدولية . وبموجب نظام الإضراب عن الطعام يمتنع الأسرى عن تناول وجبات الطعام كليا مع احتفاظهم بحق شرب الماء ولحس الملح لكي يمنع التعفن داخل المعدة البشرية دون أن يبطل ذلك إضرابهم . وقد يكون الإضراب عن الطعام احتجاجي لوجبة واحدة أو وجبات يوم أو عدة أيام حسب طبيعة الإضراب ومنظميه ورؤيتهم الاحتجاجية على سياسة أو سياسات محددة .
والرابع : الإضراب العسكري : وهو ثورة أو تمرد أجهزة أمنية محددة أو كاملة أو حزب سياسي على سياسة معينة ، باستخدام التهديد والوعيد ويتمثل بأعلى صوره ومراحله وهو الانقلاب على السلطة الحاكمة ، وقد يكون انقلابا دمويا أو انقلابا أبيضا لا تراق فيها أية دماء من الطرفين ، المهاجم والمتعرض للهجوم . وغالبا ما يقترن الإضراب العسكري بالعنف البسيط أو المتوسط أو الشديد .
من جهة أخرى ، يقسم الإضراب بأنواعه السابقة ، الاقتصادي والسياسي والعسكري ، إلى فرعين أساسيين هما :
أولا : الإضراب المحدود أو المغلق : وهو إضراب تحدد مدته بالدقائق أو الساعات أو الأيام أو الأسابيع . ويمكن أن يكون وفق متوالية تاريخية زمنية متسلسلة حسب برنامج زمني يومي أو موزع على مدار الأسبوع . وهذا النوع من الإضراب هو إضراب تحذيري للضغط على صاحب العمل أو منظمي الخدمات العامة ، وذلك من الناحيتين المادية والمعنوية والضغط على السلطة السياسية أو الحكومة أو الإدارة العسكرية في الإضراب السياسي أو العسكري .
ثانيا : الإضراب المفتوح : وهو إضراب اقتصادي أو سياسي لم تحدد فترته منذ بداية إعلانه . يقوم العمال أو الموظفون العموميون أو جموع الشعب باللجوء إليه كوسيلة للضغط على المسئولين في القطاعين المدني والعسكري ، والعام والخاص لتحصيل مطالبهم ، وقد تكون الإضرابات شاملة عامة أو إضرابات جزئية لفئة أو جماعة بعينها .
وغني عن القول ، إن الجماهير العربية الفلسطينية لجأت طيلة العقود الزمنية السابقة بالقرن العشرين الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين الحالي ، لجميع أنواع هذه الإضرابات المذكورة آنفا ، بنوعيها المغلق والمفتوح . والتاريخ الفلسطيني حافل بالإضرابات المتعددة الأشكال والألوان . وقد شاركت أنا كاتب هذه المقالة حتى الآن في جميع أشكال وأنواع الإضرابات المفتوحة والمحدودة باستثناء الإضراب العسكري . فقد شاركت في الإضرابات الطلابية عندما كنت طالبا لدرجة البكالوريوس في جامعة النجاح الوطنية ، في مطلع العقد الثامن من القرن العشرين الماضي ، واستطاعت الحركة الطلابية تحقيق مطالبها تمثلت إحداها في رفض رفع الرسوم والأقساط الجامعية ، ومنع فصل أساتذة جامعة فصلتهم إدارة الجامعة بسبب تشكيل نقابة لهم . وكذلك شاركت في إضراب مفتوح عن الطعام ضد إدارة مصلحة السجون الصهيونية في سجن الجنيد عام 1985 عندما كنت معتقلا إداريا ، فما كان من إدارة السجن إلا أن فرقتنا إلى مجموعات متباعدة في الزنازين والسجون الأخرى وكان نصيبي أن نقلت مع إخوة لي من سجن الجنيد بنابلس إلى سجن بئر السبع الصحراوي بالنقب . وكذلك شاركت في إضرابات عن الطعام أثناء اعتقالي إداريا في انتفاضة فلسطين الكبرى الأولى ، حيث أضربنا عدة مرات في سجن الفارعة شمال نابلس ، وسجن أنصار 3 ( كتسعوت ) بالنقب . ولا بد من القول ، إن الإضرابات عن الطعام من قبل أسرى فلسطين لدى سلطات الاحتلال الإسرائيلي كانت تؤتي أكلها الجزئية أو شبه الكلية ولا أقول الكلية ولو بعد حين ، إلا أن الإضرابات السياسية ضد الاحتلال الإسرائيلي لا تعطي ثمارا ملموسة ناضجة أبدا ولكنها تعطي شحنات كهربائية للشعب وزخما إعلاميا لا بأس به وتعبئة قومية وإسلامية متواصلة . وبرأيي ، وحسب ما يلمسه المرء الفلسطيني الغيور على وطنه من السياسة الإسرائيلية العامة ، أن ضرب دورية إسرائيلية من مجموعة من الأشبال الفلسطينيين بالحجارة تؤثر أكثر من إضراب يوم كامل يشل كافة أرجاء الوطن الفلسطيني ، لأن الأعداء يخافون من الدفاع الإيجابي عن النفس وهو ما يعرف بلغة القوة أكثر من عشرات المسيرات والاعتصام والمذكرات السلمية هنا وهناك . وقال أحد قادة اليهود الكبار المستوطنين بفلسطين : ليتظاهر وليضرب الفلسطينيون إضرابات تجارية واقتصادية وسياسية وتعليمية يوميا فهذا لا يهمنا ، ولكن يهمنا أن لا تتعرض الدوريات الإسرائيلية للرجم بالحجارة أو الزجاجات الحارقة أو إطلاق النار .
وعود على بدء ، نعود للإضرابات العامة في القطاع المدني الفلسطيني العام والخاص . فقد لوحظ اشتداد وتيرة المناداة بالنفير العام والاستعدادات للإضرابات الجزئية أو الكلية أو المفتوحة ، في القطاع الحكومي العام ، في مطلع العام الجديد ، وتعددت الجهات النقابية ذات العلاقة التي تقود هذه الإضرابات لتحقيق مطالب مالية وإدارية وأكاديمية للعاملين ، من أبرزها : الاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين ونقابة العاملين في الوظيفة العمومية ، ونقابة العاملين في القطاع الصحي والتمريضي ، ونقابات العاملين في الجامعات والكليات الحكومية وغيرها . فقد عمت الإضرابات الجزئية الموزعة على مدار أيام الأسبوع وخاض العاملون الإضراب العام المفتوح في صيف وخريف 2007 ، وهاهي الإضرابات تعود من جديد لتطفو على سطح الحياة الفلسطينية العامة ، والمطالب هي هي لا تغيرت ولا تبدلت وإن جرى تحقيق جزء منها فهو ليس على المستوى المطلوب . فكل مطالب العاملين في القطاع الحكومي العام بغض النظر عن هذه الفئة أو تلك هي مطالب قانونية محقة مائة بالمائة ، تتمثل بما هو آت : دفع المستحقات المتأخرة المالية المتبقية للموظفين ، وحل جميع المسائل المالية والإدارية والأكاديمية العالقة ، ودفع العلاوة الإدارية المتوقفة منذ آذار 2006 للمدراء ورؤساء الأقسام . ودفع غلاء معيشة مناسبة للموظفين ، وتفعيل الترقيات الإدارية والأكاديمية المتوقفة . وعدم تطبيق سياسة براءة الذمة التي أقرت من الحكومة الفلسطينية ، ودفع بدل مواصلات حقيقي من وإلى الوزارة أو المؤسسة أو المدرسة أو الجامعة حسب التسعيرة الجديدة للنقل في فلسطين ، والإسراع في تنفيذ دفع بدل المخصصات الاجتماعية للأبناء كمخصصات الأبناء والإعفاء من الرسوم والضرائب ، ودفع بدل مخاطرة لجميع العاملين . وهناك مطالب إضافية للعاملين بالجامعات والكليات الحكومية في فلسطين وهي : تطبيق الكادر الوظيفي الجامعي المعمول به في الجامعات الفلسطينية على العاملين بالجامعات الحكومية وتخصيص منح وبعثات دراسية مناسبة للعاملين لمقتضيات التطوير الجامعي بالإضافة إلى دفع بدل مالي مناسب للعمل الإضافي أسوة بالجامعات الفلسطينية والإسراع في دفع هذا البدل المالي للتعليم الإضافي السابق المتوقف منذ فترة طويلة . وكذلك احتساب سنوات الخبرة والخدمة الواجب احتسابها للعاملين بشكل فعلي ، وإعفاء العاملين الدارسين بالجامعة من جميع الرسوم والأقساط الجامعية بما فيها الفصل الصيفي ، وإعفاء أبناء العاملين الدارسين في الجامعة والجامعات الأخرى من جميع الرسوم والأقساط المالية بما فيها الفصل الصيفي .
فعاليات إضراب قانونية متتالية
لا بد من التأكيد أن هذا الإضراب في القطاع الحكومي العام الفلسطيني ، هو إضراب مهني غير سياسي ، ويجب أن يكون بعيدا عن الفوضى والفلتان الأمني ، وهو ليس ضد شخصية فلسطينية أو شخصيات فلسطينية بعينها بقدر ما هو رفض لسياسة مبرمجة لا تلبي آمال وطموحات ومطالب العاملين بالوظيفة العمومية . وقبل الدخول بإضراب مفتوح طويل الأمد لا بد من تسلسل خطوات تحذيرية تصعيدية من أهمها : أولا : الإضراب الجزئي ، يبدأ الإضراب عادة بإجراء تحذيري ، لإضراب ساعة أو ساعتين ، عدة مرات في الأسبوع أو الشهر ثم إضرابات لمدة يوم ويومين متواصلين أو متباعدين حسب الحاجة .
ثانيا : تنظيم يوم مفتوح لتضامن المؤسسات والفعاليات والقوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية مع موظفي الحكومة . تشترك به الاتحادات الشعبية : الاتحاد العام لعمال فلسطين ، الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية ، نقابات الأطباء والمهندسين ، والمهندسين الزراعيين ، والأطباء البيطريين ، واتحاد الأدباء والكتاب والصحفيين ، والاتحاد العام لطلبة فلسطين .
ثالثا : نصب خيمة اعتصام أمام مقر رئاسة الوزارة الفلسطينية في رام الله . وعقد مؤتمرات صحفية مباشرة ويومية حول ما آلت إليه الأوضاع من سيء لأسوأ . وإبراز هموم ذوي الحاجات الخاصة والرواتب المتدنية والغارقين في الديون المالية ولهم متأخرات على الحكومة أو الذين لم يتلقوا رواتبهم منذ أكثر من سنتين وهكذا .
رابعا : رفع قضية مالية على الحكومة الفلسطينية بواسطة لجنة محامين فلسطينيين لدى المحكمة العليا الفلسطينية برام الله للمطالبة بدفع الأضرار والفوائد البنكية التي ترتبت على الموظفين المقترضين من البنوك العاملة في فلسطين لتعويض الموظفين بدل خسائرهم المادية المضاعفة بسبب التأخير . وهذا مطلب حثيث يلح عليه الموظفون ذوي العلاقة .
خامسا : الانضمام لإضراب مفتوح مشترك مع جميع نقابات القطاع الحكومي العام : النقابة العامة للعاملين في القطاع الحكومي العام ( الوظيفة العمومية ) والاتحاد العام للمعلمين الفلسطينيين ونقابات العاملين في الجامعات والكليات الحكومية في فلسطين ، ونقابات العاملين في القطاع الصحي والتمريضي العام وغيرها . ويكون الإضراب المفتوح بإخلاء جميع أماكن العمل من وزارات ومؤسسات ودوائر عامة ما عدا فئة الحراس .
سادسا : تنظيم مظاهرات شعبية وظيفية مهنية للعاملين في جميع المحافظات وعقد مؤتمرات نقابية صحفية أمام مجلس الوزراء الفلسطيني للمطالبة بالإسراع في تحقيق الحقوق المطلبية للعاملين في جميع المجالات .
سابعا : هذا بالإضافة إلى تقديم طلبات تقاعد مبكرة جماعية من الموظفين العاملين بالقطاع الحكومي العام من جميع الوزارات والدوائر والمؤسسات الحكومية ذات العلاقة وتولي لجنة نقابية مختصة من جميع النقابات العاملة في الوظيفة العمومية ، مسألة تقديمها لمجلس الوزراء الفلسطيني .
على أي حال ، لقد لاحظت طيلة الفترة السابقة من خلال تجربة العمل النقابي ، ومشاركتي كموظف وقائد نقابي في الآن ذاته ، تعنت معظم المسئولين وعدم اهتمامهم بمصير الناس ، وعدم اتخاذ إجراءات وقائية للحيلولة دون تنفيذ الإضرابات ، خاصة أن الهيئات النقابة التي تقود الإضرابات تكون قد حذرت الجهات المختصة من مغبة الاستهتار والتهميش والتجاهل لممثلي العاملين المنتخبين ، فينسوا أو يتناسون أن الموظفين أبقى من المسئولين ، فالوزير أو الوكيل أو الوكيل المساعد في هذه الوزارة أو تلك يتغيرون ويتبدلون بينما الموظفون باقون على رأس عملهم ، وبالتالي لجوء بعض المسئولين لسياسة التهديد والوعيد للنقابين أو الموظفين ، أو سياسة الالتفاف والتحايل وعدم الالتزام بالوعود والتفاهمات المعقودة مع ممثلي الموظفين لا تجدي نفعا وستأزم الوضع فوق تأزمه ، فيفترض التعاطي مع حقوق العاملين بأريحية وايجابية وعدم التنكر لها ، وعلى العكس تشكيل لجان دائمة للحوار مع نقابات العاملين الحكوميين والتدارس الجدي لهذه المطالب ، ويفترض من الجهات المختصة عدم اللجوء للتشهير بالصحفيين الذي ينشرون فعاليات الإضرابات أو النقابيين أو الموظفين المطالبين بحقوقهم تحت أي ظرف من الظروف ، لأن الجموع الهائلة قادرة على إسكات وإسقاط أي وزير أو رئيس وزراء ، فالشعب الفلسطيني شعب حي ، وتمرس على ممارسة الجهاد والنضال والكفاح للمطالبة بجميع أنواع حقوقه السياسية والاقتصادية والمدنية والدينية ، فلا داعي أن يلجأ هذا الوزير أو ذاك للتملص من الاستحقاقات المالية والإدارية ، فالكرسي متحرك وغير ثابت أصلا لأن هذه هي سنة الحياة ( يوم لك ويوم عليك ) . فلا تبخسوا الناس أشياءهم وادفعوا لهم مستحقاتهم المالية المتأخرة . جاء بسنن ابن ماجه - (ج 7 / ص 294) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ ". ولا تنتظروا من المعذبين الاستهانة والسكون على ظلم الأقربين ، فالحق أحق أن يتبع ، ولا تستبعدوا وتستعبدوا الناس ، ولا تجعلوهم متوترين ، ولا تجعلوا النقابات تغضب لأن الغضب الشعبي يأكل الأخضر واليابس ولن تجدي ساعتئذ كل المسكنات والملينات . وهذه رسالة للوزراء والمسئولين .. لا تستهينوا بنقابات العاملين الرئيسية والفرعية ، ولا تزايدوا على هذه النقابة أو تلك لأن الجمهور انتخبها لتدافع عن حقوقه وتحقق مصالحه ومنافعه . والأجدى والأفضل عدم مناكقة ومقارعة وملاحقة النقابات والنقابيين والموظفين ، والإضراب السلمي المدني مظهر حضاري ، فلتعملوا ونعمل معا من أجل فلسطين واحدة موحدة ، فلسطين المستقبل للجميع ، وأسلوب العنتيرات وترهيب الموظفين ، أسلوب فج لا يصلح للقرن الحادي والعشرين ، إنه أسلوب القرون الظلامية الوسطى في أوروبا . وهذه دعوى لتشكيل دائرة دائمة كمستشارين من النقابيين المخضرمين الحقيقيين ذوي التجربة والاطلاع على الشؤون العامة وليس من ذوي المآرب الخاصة والمنتفعين الحزبيين والمحسوبية ، لتلافي الإضرابات ووضع العلاج الوقائي قبل وقوع واقعة الإضراب على الأرض ، وهذه الدائرة يفترض تشكيلها في ديوان الرئاسة الفلسطينية ، لها فرع قوي في ديوان رئاسة الوزراء لتكون الرابط اليومي بين الجمهور والقيادة ، ولا تستقوا كل المعلومات من قيادات الصف الأول فقط ، لأنها ربما تكون بعيدة عن الواقع إن لم تكن ضالة أو مضللة ، من المنافقين . واسمعوا الرأي المغاير والمخالف قبل الرأي المؤيد لكم إذا أردتم النجاح والفلاح في مسؤولياتكم العصيبة .
وهذه دعوة أخرى ، لجميع العاملين في القطاع الحكومي العام ، غلبوا المصلحة الفلسطينية العليا أولا ثم المصلحة العامة الأصغر على المصالح الفردية والشخصية ، واتبعوا السواد الأعظم منكم ، واتقوا الله في مطالبكم ، وحاولوا أن تكون الخسائر الناجمة عن الإضرابات العامة والقطاعية بأقل ما يمكن ، ففلسطين لنا جميعا ، والوزارات للشعب بأكمله ، والمتضرر من الإضرابات نحن وأهلنا وأبناؤنا وكلنا في سفينة واحدة ولا يؤتين الفشل من قبل أي فينا . ولا تجبروا الناس على الإضراب بأي حال من الأحوال . وكلمة للمنافقين الذين يدورون في رحى المسئولين ، ويحاولون ضرب الإضراب الجماعي ، النفاق لا ينفع ، ومن يتخلى عن جماعته سيتخلى عنه الباقون ، وسيزور به المسئولون حاضرا ومستقبلا ، وسبحان الله العظيم رب العرش العظيم ، حين يقول بالقرآن المجيد : { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا }.
وبالنسبة لفوائد ومضار الإضرابات العامة والخاصة ، فتتمثل فوائد الإضراب بشكل بارز بما هو آت :
أولا : توصيل رسالة دامغة للمسئولين بضرورة أخذ مطالب العاملين بعين الاعتبار الحقيقي .
ثانيا : تأكيد العمل الجماعي للموظفين وفق سياسة نقابية مبرمجة .
ثالثا : تحقيق مطالب وحقوق العاملين أو جزء منها . وعادة ما يتم وضع 15 مطلب مثلا لإنجاز نصفها ، وهي سياسة نقابية ناجحة في تحقيق الحقوق دون كلل أو ملل .
رابعا : التنفيس عن الضيق الاجتماعي والنفسي للموظفين . فبعض الموظفين يرتاح لعملية تحدي الإدارة التي تتلكأ وتتجاهل الالتزام بالاستحقاقات العامة للعاملين ، والبعض الآخر يفرح وخاصة الإداريين للعطلة غير المتوقعة لالتقاط الأنفاس ، زد على ذلك ، استفادة مئات الموظفين من وقت إضافي لقضاء احتياجاتهم الخاصة .
خامسا : بروز المنافقين والمهادنين بين الموظفين وتعرية سياساتهم ودجلهم وهؤلاء سرعان ما يفقدون صداقتهم ويحسون أنهم منبوذون بين زملائهم ، لأن الإنسان موقف ، والعمل الجماعي خير لا بد منه مهما كانت الظروف والمنطلقات .
سادسا : غربلة المسئولين وانتقاء الأفضل والأصلح من الموظفين للتدريج الوظيفي ونبذ ذوي النزعات الفردية والشخصية وعدم الوثوق بهم . فيكون الإضراب ساحة بيضاء ناصعة لفرز الغث من السمين .
سابعا : إدراك القيادة الفلسطينية العليا لضرورة التغيير في وجوه وزراء ومسئولين كبار واستقطاب آخرين من ذوي العقلية الدبلوماسية البعيدين عن فظاظة القلوب .
ثامنا : قوة ضغط جديدة لاستجلاب المعونات والمساعدات للشعب الفلسطيني .
وعلى الجانب الآخر ، للإضراب مضار كثيرة لا بد من التذكير بها ، من أهمها :
أولا : الضرر العام الواقع على الجمهور جراء تأخر إنجاز معاملاته وشؤونه الخاصة .
ثانيا : شل الحياة الوظيفية العامة في البلاد مع ما يؤثره ذلك من ضرر كبير على الصحة العامة والتعليم العام والجامعي . فالإضراب الصحي يتأثر به جميع المرضى وأهاليهم ويكلفهم مبالغ مالية إضافية وخاصة للذين يتعاملون مع التأمين الصحي الحكومي الشامل . ولهذا لا بد من استثناءات طارئة للمرضى .
وثالثا : هناك 2 ر1 مليون تلميذ فلسطيني في المدارس الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة سيتضررون زمنيا وعمليا وماليا . واضطرار المدارس والجامعات والكليات الحكومية لتمديد الفصل الدراسي مع ما يلحقه ذلك من أذى على الطلبة والأهالي والموظفين على السواء . مع ما يسببه ذلك من تأخر في التخرج أو الالتحاق بمؤسسات التعليم العالي المحلية والعربية والأجنبية .
رابعا : هجرة كفاءات وخبرات وأدمغة فلسطينية القطاع الحكومي في أقرب فرصة ممكنة ، سواء للانتقال للعمل الخاص أو الهجرة خارج البلاد .
والمطلوب الآني والمستقبلي في هذه المرحلة من الجميع ، وزراء ومسئولين وموظفين ونقابيين ، ما يلي :
أولا : الصدق العام وتقديس المواعيد المتفق عليها في تعامل الحكومة الفلسطينية مع الموظفين العموميين . جاء بصحيح البخاري - (ج 19 / ص 45) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا " . وورد أيضا بصحيح البخاري - (ج 1 / ص 58) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ " .
ثانيا : ضرورة وضع خطة عمل مرحلية حقيقية مبرمجة واقعية للاستجابة لحقوق الموظفين كافة . ويكون ذلك باتباع سياسة ( لا تؤجل عمل الآن لساعة ) ، و( الاستعجال المتقن ) والابتعاد عن المماطلة والتسويف واللف والدوران والمواربة . ولا تتعاملوا بطريقة التأجيل وعدم التعجيل في حل القضايا فلا تكونوا كمن يتهرب من المسؤولية . يقول الله جل جلاله : { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ . بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ }( القرآن المجيد ، آل عمران ) . ولا بد من دفع جميع مستحقات الموظفين المتأخرين وإن اضطرت الحكومة للاقتراض من البنوك الفلسطينية أو العربية أو الدولية ، وكذلك تسهيل تسجيل أبناء العاملين من موظفي القطاع العام بالجامعات الفلسطينية بكفالة الحكومة لمن لديهم متأخرات مالية على الحكومة ، ومن باب أولى مبادرة الحكومة الفلسطينية لتحمل تبعات التأخير في دفع الرواتب لمن اقترض من أحد البنوك وزادت نسبة الربا أو الفائدة عليه ، فقد يكون اقترض مضطرا ولكنه ليس مجبرا لدفع الزيادات البنكية لأنه ليس هو السبب في التأخير .
ثالثا : المعاملة بالحسنى والابتعاد عن الفظاظة ، وعدم ابتزاز الموظفين والنقابيين وعدم تحدي إرادة الجميع ، فأمامنا تحديات سياسية وعسكرية صهيونية أوسع من التحديات الداخلية ، فلا تشتغلوا بأنفسكم . وكذلك عدم بث الإشاعات الكاذبة على لسان النقابيين كما يلجأ لذلك بعض المسئولين ، فهذا الأمر يوتر الأجواء ولا يحلها . يقول الله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } ( القرآن المجيد ، آل عمران ) .
رابعا : تقديم المخلصين في العمل العام على المنافقين ، لأن ذلك يكسب الوزارة والمؤسسة مصداقية وثقة بين الجماهير والقيادة . واستقاء المعلومات من مصادر موثوقة وعدم تلقي المعلومات فقط التي يحب أن يسمعها الوزير أو المسئول .
خامسا : التهيئة والإعداد الكافي المسبق : يفترض في النقابيين تهيئة الجمهور للإضراب ، جمهور الشعب وجمهور العاملين على السواء لإنجاح الإضراب وعدم التعرض بالإساءة أو الإيذاء لمخالفي رأي نقابة العاملين ، والمعاملة بالحسنى . ولا بد من مشاركة السواد الأعظم بالإضراب طوعا لا كرها ، ومتابعة التغطية الإعلامية المتواصلة لإنجاح الإضراب وإبقائه حيا في نفوس المسئولين والموظفين .
سادسا : العمل على فتح قنوات حوار وتفاهم طويلة النفس بعيدا عن التشنج والعصبية ، والاستهزاء والاستهتار وعدم اللجوء للقوة لحل وفك الإضراب لأن النتيجة حتما ستكون مغايرة تماما .
وأخيرا ، يمكننا القول ، إن من يتحمل مسؤولية الإضراب هو الذين لا يستجيبون لمطالب العاملين ولا يتفاهمون معهم بالطرق الصحيحة ويحشروهم في الزاوية فيصبح الموظفون والحالة هذه لا مناص لهم من الإضراب ، كما يتحمل مسؤولية الإضراب بصورة جزئية المضربون خاصة إذا طالت فترة الإضراب . ونتمنى أياما هانئة وسعيدة للعاملين في جميع أجنحة الاقتصاد الفلسطيني ، وخاصة العاملين في القطاع الحكومي العام . وأيام إضراب قليلة ، واستجابة سريعة مباشرة لمطالب هؤلاء المضربين قدر المستطاع . أيتها القيادة الفلسطينية وأيها المسئولون في فلسطين ، ويا رئيس وأعضاء مجلس الوزراء ، نقدر جهودكم في دفع رواتب وبعض متأخرات الموظفين المالية ، ولكن ليس هذا على المستوى المطلوب ، فلا نريد سيرا بطيئا في دفع هذه المتأخرات كمشي السلحفاة البطئ جدا جدا وقبل أن تطلبوا من الموظفين الحكوميين براءة ذمة مالية للكهرباء والماء والخدمات وتتهمونهم بالمماطلة بالدفع أدفعوا أنتم المستحقات المتبقية للموظفين أولا ، فلا لبراءة الذمة التي تذكرنا بأيام الاحتلال الإسرائيلي ويجب أن يكون شعار فلسطين الجديد ( كل فلسطيني بريء حتى تثبت إدانته ماليا ، وليس كل فلسطيني متهم حتى تثبت براءته ماليا ) وشتان بين الثرى والثريا ، يا عباد الله .. هذا مال الله .. في أرض الله لعباده . ونختتم بما قال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " .

ليست هناك تعليقات: