الأحد، 13 أبريل 2008

المسجد الأقصى المبارك والهيكل اليهودي المزعوم

الإثنين,شباط 18, 2008

المسجد الأقصى المبارك
والهيكل اليهودي المزعوم
==================
د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية - فلسطين
===============
الحمد والشكر لله رب العالمين أولا وآخرا حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وكرم وجهه وعز جلاله .وصلي اللهم وسلم على نبي الهدى والسلام محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين .
اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَاوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ . اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ وَبِكَ آمَنْتُ وَلَكَ أَسْلَمْتُ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ . اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ وَمَا أَسْرَفْتُ وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ .
رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وعلى زوجتي وأولادي وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلني في عبادك الصالحين .
أولا : أهمية فلسطين
تتمتع فلسطين بأهمية متعددة الأشكال في مختلف المجالات على النحو التالي :
1. الأهمية الدينية : تشكل فلسطين مهد الأديان السماوية الثلاث : اليهودية والنصرانية والإسلام . فتعتبرها هذه الأديان الأرض المقدسة أو المباركة ، وبالتالي تجذب الاهتمام الروحي العالمي من أتباع الديانات الثلاث . فقد احتضنت هذه البلاد في قلبها عدد من الأنبياء ، مثل : إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ولوط ، ويعقوب ويوسف وداود وسليمان ، وعيسى ومحمد ( في معجزة الإسراء والمعراج ) عليهم السلام جميعا وغيرهم . وتضم فلسطين مقابر الأنبياء : قبر إبراهيم عليه السلام في الخليل وزوجته سارة ، وقبر شعيب عليه السلام في حطين ، وقبر يونس عليه السلام في حلحول . وقبري زكريا ويحيى في سبسطية قرب نابلس ، وقبر راحيل أم يوسف عليه السلام في بيت لحم . وفي فلسطين الكنائس النصرانية الثلاث : البشارة في الناصرة والمهد في بيت لحم ، والقيامة بالقدس التي يحج إليها النصارى من جميع أنحاء العالم . كما أنها تشكل أهمية كبرى للمسلمين فبيت المقدس أولى القبلتين وفيها المسجد الأقصى المبارك ثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين وارتبطت بها معجزة الإسراء والمعراج بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلى وفرض الصلوات الخمس على الأمة الإسلامية فهي بوابة الأرض إلى السماء . كما أن اليهود يتطلعون لها في العالم كونها احتضنت مملكتي داود وسليمان ورفاتهما عليهما السلام .
2. الأهمية التاريخية : لفلسطين أهمية تاريخية مميزة حيث أهتم بالسيطرة عليها مختلف الشعوب والأمم عبر التاريخ القديم والحديث والمعاصر ، بدءا من الشعوب المهاجرة إليها سلما وانتهاء بالدول العظمى التي احتلتها عنوة عبر العصور والأزمان منذ بداية التاريخ ، من العرب الكنعانيين والفلسطينيين والعبرانيين والبابليين والكلدانيين والآشوريين والرومان والفرس والمسلمين والمصريين والبريطانيين والصهاينة مع بقاء أهلها الأصليين في جميع الحقب الزمنية المذكورة . وفي فلسطين أقدم المدن العالمية كأريحا ويبوس ( بيت المقدس ) .
3. الأهمية الجغرافية الاستراتيجية : تتمتع فلسطين بموقع استراتيجي هام بين مختلف قارات العالم القديم والحديث . ففلسطين هي قلب الوطن العربي ، والوطن العربي يشكل قلب العالم . وبهذا فإن فلسطين ملتقى القارات بين آسيا وأفريقيا وأوروبا .
4. الأهمية الاقتصادية : كون فلسطين تشكل ملتقى قارات العالم ، فإنها تتمتع بمكانة اقتصادية تجارية ، فهي محور التجارة البرية بين البحر الأبيض المتوسط غربا والخليج العربي شرقا . كما أنها سوقا استهلاكيا للسلع الأجنبية عبر التجارة البرية الأوروبية والأمريكية لتصل إلى الهند والمناطق المجاورة لها خاصة في العصور القديمة والحديثة . والبحر الميت بفلسطين غني بالبوتاس والأملاح الأخرى والنفط بعد اكتشافه حديثا ، وساحل غزة غني بالغاز الطبيعي .
5. الأهمية المناخية : فلسطين منطقة معتدلة المناخ صيفا وشتاء يتراوح متوسط درجات الحرارة فيها ما بين 5 – 30 درجة مئوية في تعاقب فصول السنة ألأربعة .
6. الأهمية العسكرية : تتمتع فلسطين بموقع عسكري هام في العالم ، فموقعها الجغرافي يتيح لها توسط منطقة كبيرة وهامة . وكل دولة تسيطر عليها أو تحتفظ بقواعد عسكرية أو بتواجد عسكري فيها تتمتع بنفوذ قوي في المنطقة والعالم ، وهذا ما ثبت عبر التاريخ البشري القديم والحديث والمعاصر .
ثانيا : الأرض المباركة - أرض الإسراء والمعراج
جاء ذكر البلاد ما بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط ( الأرض المباركة ) خمس مرات في القرآن الكريم ، منها : أنها مكان نجاة وهجرة النبي إبراهيم ولوط عليهما السلام ، وميراث المستضعفين في الأرض : { وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا } [1] . { وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ } [2] . وقال الله عن سليمان عليه السلام : { وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ } [3] . وقال تعالى :
{ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً } [4] . كما ورد اسم فلسطين باعتبارها الأرض المباركة وقت الإسراء والمعراج ، حيث قال الله تعالى : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [5] . وقد اهتم الإسلام بالأرض المقدسة بشكل كبير جدا ، فالمسجد الأقصى في بيت المقدس هو أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين ، ومعراج رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم . وقد فتحت بيت المقدس روحيا ( جوا ) بمعجزة الإسراء والمعراج بين المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد الأقصى في بيت المقدس عبر البراق بصحبة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وجبريل أمين وحي السماء عليه السلام ، وبالتالي ارتبطت فلسطين بإمامة النبي محمد صلى الله عليه وسلم بالأنبياء في المسجد الأقصى ، وفرض الصلاة المفروضة بأوقاتها الخمس على الأمة الإسلامية بعد رحلة الإسراء والمعراج . وهناك أحاديث نبوية شريفة تؤكد أهمية المسجد الأقصى وفلسطين لدى المسلمين من أهمها قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى " [6] .
وفي القرن السابع الميلادي ، ظهرت آخر موجة من الهجرات السامية من جزيرة العرب من موطن العرب الأصلي متوجهة نحو بلاد الشام ( سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ) والهلال الخصيب ( بلاد الشام والعراق ) بعدما ازدحمت المنطقة بالسكان فانتقلت أفواج العرب من أرض الجزيرة العربية كونها صحراء قاحلة إلى الأرض الزراعية الخصبة شمالا باتجاه السواحل والأنهار . وفي كل الهجرات كانت اللغة العربية كلغة سامية هي الأصل والأساس [7] ، إلا أنه في هذه الهجرة لم يأت المهاجرون المسلمون طلبا للغذاء والكساء وإنما لنشر الدعوة الإسلامية حيث كانت خيارات المسلمين للأمم الذي يقصدونها آنذاك ثلاثة لا رابع لها هي : أما إعلان الإسلام وإما الحرب أو دفع الجزية .
ثالثا: بيت المقدس والمسجد الأقصى المبارك
مدينة بيت المقدس هي من الأماكن الإسلامية المقدسة عبر الأزمان والعهود الغابرة لكونها أولى القبلتين وفيها ثالث الحرمين الشريفين وثاني المسجدين : المسجد الأول هو المسجد الحرام والثاني المسجد الأقصى المبارك . وقد بنى اليبوسيون العرب مدينة يبوس ( القدس ) منذ نحو خمسة آلاف عام إبان عهد ملكهم الموحد لله سبحانه وتعالى ( ملكي صادق ) الذي أطلق عليه أيضا ملك البر والعدالة .
لقد ترسخت وتعمقت العلاقة الدينية بين الإسلام والمسلمين عامة وبيت المقدس ومكة المكرمة والديار الحجازية خاصة نواة الإسلام الأولى بعد حادثة الإسراء والمعراج الجليلة التي أسري فيها برسول الله محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس ، على البراق ، ومن المسجد الأقصى المبارك إلى السماوات العلى . على العموم ، بعد بعث الرسول محمد ( ص) برسالة الإسلام الخالدة المجددة والناسخة للرسالات السماوية السابقة جعل المسلمون قبلتهم بيت المقدس حيث صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بين ستة عشر وسبعة عشر شهرا باتجاه قبلة بيت المقدس ( المسجد الأقصى المبارك ) قبل أن يتوجهوا إلى الكعبة المشرفة بمكة المكرمة . وحسبما ورد عن أبي ذر رضي الله عنه عن رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : " قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ " [8] .
رابعا : الربط الإلهي بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى
قال الله تبارك وتعالى في مطلع سورة الإسراء :{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [9] . فكانت عملية الإسراء والمعراج قبل هجرة المصطفى محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعام واحد أي في عام ( 621 م ) إلى المدينة المنورة ، كانت المعجزة الإلهية للرسول الكريم الخالدة عبر الزمان والمكان والى الأبد ، الإسراء جاء من المسجد الحرام بمكة المكرمة على ظهر البراق إلى المسجد الأقصى المبارك في بيت المقدس حيث صلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأم بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ومن ثم المعراج مع الوحي جبريل عليه السلام إلى السماوات العلى وهي ما عرفت بذكرى الإسراء والمعراج التي حدد الله عز وجل فيها الصلوات الخمس على الأمة الإسلامية ، بعد هذه الحادثة أطلق على النبي محمد صلى الله عليه وسلم ( إمام الأنبياء ) . وقد أكد الرسول الكريم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى على قدسية ثلاثة مساجد في أرض الله الواسعة ، فقال : في الحديث النبوي الشريف فيما رواه الإمام البخاري : " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى " [10] . وعن مكانة المسجد الأقصى المبارك وفضله على المساجد الإسلامية ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ أَوْ عُمْرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ أَوْ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ " [11] . وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجَمَّعُ فِيهِ بِخَمْسِ مِائَةِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِي بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ " [12] . كما وصف الرسول الكريم المقيمين في بيت المقدس بالمرابطين الذين سيبقون على الحق ظاهرين بصورة ظاهرة وجلية ، فقال صلى الله عليه وسلم : " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ " [13] .
خامسا : بناء المسجد الأقصى المبارك
إن عملية بناء المسجد الأقصى المبارك في بيت المقدس تمت بعد بناء المسجد الحرام بأربعين سنة كما ورد عن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم صاحب خاتمة الرسالات التوحيدية السماوية . ثم أعاد بناءه الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة 15 هـ / 636 م بمساعدة المسلمين بالقرب من الصخرة التي عرج منها الرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلى ، فكان المسجد الأقصى بوابة الأرض إلى السماء . والبناء الحالي للمسجد الأقصى المبارك هو الذي شيده الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان ما بين 66 هـ / 72 هـ الموافق 685 / 691 م واستكمل عملية التشييد ابنه الخليفة الوليد بن عبد الملك . ويبلغ طول هذا المسجد ثمانين مترا وعرضه 55 مترا وفيه 53 عمودا من الرخام و49 سارية مربعة ، في حين تبلغ مساحة المسجد الأقصى وقبة الصخرة وبعض المنشآت الإسلامية الأخرى من المدارس والمساجد الصغيرة والقباب والباحة العامة والبستان نحو 144 دونما ( الدونم يساوي ألف متر مربع أي مساحته تعادل 144 ألف م2 ) . وحسب الشواهد الأثرية التاريخية فان سور القدس الكبير الذي يحيط بالمسجد الأقصى المبارك بناه الملك العربي اليبوسي الكنعاني ( ملكي صادق ) فيما عرف بالبناء الأول قبل بعث النبي داود عليه السلام بما يزيد عن ألفي عام . ثم أعيد بناءه زمن المماليك والعثمانيين . وستكون بيت المقدس بفلسطين – الأرض المباركة مركز الخلافة الإسلامية الراشدة في نهاية الزمان ، ونعتقد أنها ستكون في القرن الخامس عشر الهجري الموافق القرن الحادي والعشرين الحالي إن شاء الله تعالى . على أي حال ، إن بيت المقدس هي ارض المحشر والمنشر في نهاية الزمان كما وصفها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ، كما ورد عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت : "ْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ قُلْتُ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ قَالَ فَتُهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ " [14] . وحسب الأدلة الشرعية النبوية فان الصراط على جهنم إلى الجنة سينصب في بيت المقدس ، وينفخ الملك إسرافيل بالصور ( البوق الكبير ) لبعث الموتى من القبور من بيت المقدس .
سادسا : ما علاقة المسجد الأقصى المبارك بهيكل سليمان ؟
روى الإمام البخاري ، في صحيحه ، عن أبي ذر الغفاري رضي الله عنه ، قال : " قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً ، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ " [15] . وفي رواية : " حَيْثُمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ وَالْأَرْضُ لَكَ مَسْجِدٌ " .
أما النبي داود عليه السلام فقد مكث سبع سنين في مدينة حبرون أو أربع ( الخليل ) كمقر لمملكته أو حاضرته ، ويذكر الإصحاح الرابع والعشرين من التوراة : " أن اليبوسيين من الكنعانيين العرب حاولوا منع داود من دخول المدينة حينما تمت البيعة له ، فقاتلهم ودخل المدينة عنوة ، ثم أقام في حصن منها ، وهو الذي سمي بمدينة داود وبنى حوله " . وهذا يعني أنه لم يبن معبدا أو هيكلا في المدينة بل بنى حصنا أطلق عليه اسمه وبنى حوله ، ومعبد داود الخاص أو محرابه كان نائيا بعيدا عن المسجد الأقصى المبارك بالقرب من سور القدس قرب باب الخليل ، ولم يكن هناك هيكلا كبيرا لأكبر نبي وملك لبني إسرائيل أقام مملكة لبني إسرائيل في البلاد وهي مملكة قامت على التوحيد . كما أن سكان مدينة يبوس لم يغادروها . وعندما تولى النبي سليمان الحكم والنبوة بعد وفاة والده أقام الهيكل الخاص به كجزء من القصر الملكي له ملاصقا له وليس هو المسجد الأقصى [16] . وعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فَلَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى قَامَ يُصَلِّي فَالْتَفَتَ ثُمَّ الْتَفَتَ فَإِذَا النَّبِيُّونَ أَجْمَعُونَ يُصَلُّونَ مَعَهُ [17] . وقال جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ َقُالُ : " لَمَّا كَذَّبَتْنِي قُرَيْشٌ قُمْتُ فِي الْحِجْرِ فَجَلَا اللَّهُ لِي بَيْتَ الْمَقْدِسِ فَطَفِقْتُ أُخْبِرُهُمْ عَنْ آيَاتِهِ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ " [18] . وبهذا فإن المسجد الأقصى المبارك كان قائما وموجودا عندما زار رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم هذا المسجد ببيت المقدس قبل الهجرة النبوية الشريفة بعام واحد أي في عام 621 م ، علما بأن هيكل سليمان تم تدميره عام 586 ق . م على يد الملك البابلي نبوخذ نصر ، بينما أعيد بناء هذا الهيكل بعد عودة اليهود من السبي البابلي الأول على يد قورش الفارسي ، ثم هدم الرومان الهيكل الثاني نهائيا عام 70 م ولم يعد له وجود ، وهذا دليل قطعي على عدم وجود الهيكل فالهيكل يختلف عن المسجد فالمسجد لعبادة الله وحده بينما الهيكل لوضع التماثيل والمحاريب والتحف وغيرها لإله اليهود وحدهم ( يهوه ) . ومن المعروف أن النبي سليمان عليه السلام هو نبي مسلم دعا الناس إلى الإسلام الحنيف وعبادة الله رب العالمين جميعهم ، كما جاء برسالة سليمان عليه السلام لبلقيس ملكة سبأ باليمن حسبما وردت بالقرآن المجيد : " قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ ، إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ } [19] . ولم يرد ذكر الهيكل المزعوم بالقرآن الكريم علما بأنه جاء ذكر النبيين داود وسليمان عليهما السلام عدة مرات . من جهة أخرى ، إذا سلمنا بأن داود وسليمان عليهما السلام بنيا معبدا أو هيكلا فإن هذا الهيكل لم يكن لكافة اليهود وإنما لأتباعهم من الذين آمنوا بدعوة التوحيد الألهية ( لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ، وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، لَهُ الْمُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَيُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ الْحَيُّ الَّذِي لا يَمُوتُ ، بِيَدِهِ الْخَيْرُ ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدْيرٌ ) ولم يكن لليهود الوثنيين والكفار اللذين هم الآن . وهناك طوائف يهودية لا تعترف بوجود الهيكل بمدينة بيت المقدس بل يؤمنون بوجود معبدهم في جبل جرزيم بمدينة نابلس وسط فلسطين ، كما هو حال الطائفة السامرية في هذه المدينة العربية الكنعانية ، وتؤمن طائفة أخرى بأن الهيكل أو المعبد بني في أرض قرية ( بيتين ) قرب رام الله ، بينما تؤمن طائفة ثالثة بأن الهيكل أقيم في منطقة تل القاضي ( دان ) وهذان المعبدان هما من بناء الملك يربعام وهو الملك الإسرائيلي الأول لمملكة إسرائيل القديمة ، بعد سليمان عليه السلام ، وبهذا يكون أربعة هياكل مختلف على وجود أمكنتها لدى الطوائف اليهودية [20] .
وبهذا نستطيع القول جازمين ، إنه لا وجود للهيكل اليهودي المزعوم في بيت المقدس ، سواء أسفل أو جانب المسجد الأقصى المبارك ، فكل الحفريات والأنفاق الإسرائيلية التي حفرها يهود فلسطين الطارئين على البلاد ، المتحكمين بمصير شعب فلسطين العربي المسلم ، بإشراف علماء آثار يهود وعالميين ، منذ ستين سنة لم تستطيع حتى الآن الإثبات بوجود كيان ولو جزئي للهيكل اليهودي الثالث المزعوم . وهذه كلها أوهام في أوهام وأساطير وخرافات مضللة لا تسمن ولا تغني من جوع وتجافي الحقائق التاريخية والحالية . والمسلمون مطالبون بالحفاظ على هذا المسجد الإسلامي المقدس ، أعني المسجد الأقصى المبارك ، للحفاظ على المثلث المسجدي ، كثالث المساجد الكبرى المقدسة في العالم بعد المسجد الحرام بمكة المكرمة ، والمسجد النبوي بالمدينة المنورة ، باعتبارها بيوت الله المباركة التي تشد الرحال إليها من حدب وصوب من الأمة الإسلامية .
===========================
[1] القرآن الكريم ، سورة الأعراف ، الآية 137 .
[2] القرآن الكريم ، سورة الأنبياء ، الآيات 71 – 72 .
[3] القرآن الكريم ، سورة الأنبياء ، الآية 81 .
[4] القرآن الكريم ، سورة سبأ ، الآية 18 .
[5] القرآن الكريم ، سورة الإسراء ، الآية 1 .
[6] رواه الجماعة .
[7] د. فيليب حتي ، ود. إدوارد جرجي ، ود. جبرائيل جبور ، تاريخ العرب ، ط. 19 ( بيروت : دار غندور للطباعة والنشر والتوزيع ، 1994 ) ، ص 38 – 39 .
[8] صحيح البخاري ، الجزء 11 ، ص 152 . وصحيح مسلم ، الجزء 3 ، ص 105 . واللفظ للبخاري .
[9] القرآن الكريم ، سورة الإسراء ، الآية 1 .
[10] صحيح البخاري ، الجزء 4 ، ص 376 .
[11] سنن أبي داود ، الجزء 5 ، ص 61 . ومسند أحمد ، الجزء 54 ، ص 9 . واللفظ للأول .
[12] سنن ابن ماجه ، الجزء 4 ، ص333 . والمعجم الأوسط للطبراني .
[13] مسند أحمد ، الجزء 45 ، ص 281 .
[14] سنن ابن ماجه ، الجزء 4 ، 324 .
[15] رواه الشيخان البخاري ومسلم ، واللفظ للبخاري .
[16] محمد محمد حسن شراب ، بيت المقدس والمسجد الأقصى ، ص 57 - 58 .
[ 17 ] مسند أحمد ، الجزء 5 ، ص 242 .
[ 18 ] صحيح البخاري ، الجزء 12 ، ص 271 .
[ 19 ] القرآن الكريم ، سورة النمل ، الآيات 29 - 31 .
[ 20 ] د. محمد حسين محاسنة وآخرون ، تاريخ مدينة القدس ( عمان : دار حنين للنشر والتوزيع ، 2003 ) ، ص 74 .

ليست هناك تعليقات: