الأحد، 13 أبريل 2008

التعليم العالي في فلسطين بين الإصلاح الأكاديمي والتصليح السياسي ( 1 - 2 )


التعليم العالي في فلسطين
بين الإصلاح الأكاديمي والتصليح السياسي
( 1 - 2 )
================
د. كمال علاونه
نائب رئيس جامعة فلسطين التقنية / طولكرم
==================
يقول الله جل جلاله : { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ } ( القرآن المجيد : يوسف ، 76 ) . وقال الله تبارك وتعالى : { قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ } ( القرآن المجيد : الزمر ، 9 ) . في هذه الكلمات المقدسة من الآيات القرآنية المجيدة تذكير من خالق الخلق أجمعين بأهمية العلم والعلماء في المجتمع ، فهم نواة التغيير والتجديد ، ونواة التقدم العلمي والحضاري للوصول إلى مستويات راقية لتسهيل الحياة على الناس . وقال النبي العربي المصطفى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَطْلُبُ فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا مِنْ طُرُقِ الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ وَإِنَّ فَضْلَ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ " ، كما جاء بسنن أبي داود - (ج 10 / ص 49( . وحض الإسلام على طلب العلم وجعله تقربا إلى الله عز وجل يثاب فاعله ، فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ " ، سنن الترمذي - (ج 9 / ص 244 ) .
على أي حال ، تنتشر أربع عشرة جامعة محلية في أرض الوطن الفلسطيني ، وتضم نحو مائة وستين ألف طالب جامعي في شتى المجالات والتخصصات العلمية والإنسانية والاقتصادية والاجتماعية وسواها للدرجات الجامعية : الدبلوم الجامعي المتوسط والبكالوريوس والماجستير . وقد استطاعت هذه المؤسسات التعليمية العليا بالتعاون مع المؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية المساهمة في تنمية وتطور الوعي الثقافي والحضاري لدى الجماهير الجامعية خاصة والشعب الفلسطيني عامة ، وعملت على رفع مستواها الأكاديمي فصارت تتمتع بسمعة طيبة بين الجامعات العربية والدولية حيث خرجت عشرات الآلاف الذين التحقوا بقطاعات العمل المختلفة في فلسطين والوطن العربي والعالم . ورغم الظروف غير الطبيعية التي عاشها شعبنا الفلسطيني فقد واصلت الجامعات مسيرتها الأكاديمية متحدية الصعاب والمعوقات فساهمت في ترسيخ الأسس الحضارية العامة في البلاد .
وتكتسب الجامعات والمعاهد العليا في فلسطين أهمية كبرى كونها مراكز إشعاع حضارية وسط المجتمع المحلي في عدة مدن فلسطينية رئيسة . فرسالة مؤسسات التعليم العالي في فلسطين هي رسالة إسلامية ووطنية وإنسانية وحضارية شاملة جاءت في ظروف استثنائية في البلاد لتسد مسد الجامعات العربية التي حيل بين الطلبة الفلسطينيين وبينها بعيد الاحتلال الإسرائيلي . وقد نشأت الجامعات الفلسطينية نتيجة حاجات الشعب الفلسطيني المتعددة للتعليم العالي من نقص التدريب وإزدياد الأعباء الاقتصادية للطلبة الذين يدرسون في الجامعات العربية والحاجة لتثبيت المواطن الفلسطيني فوق ثرى الوطن ، وتمتين العلاقة بين التنمية والمعرفة والتعليم النظري والتطبيق العملي لممارسة مهمة الإصلاح في المجتمع المحلي بعيد تخريج الأفواج الجامعية المتعلمة والمدربة بشكل مناسب اللازمة لنهضة وتطور المجتمع . وبالتالي تلخصت أهداف وغايات التعليم العالي في فلسطين بتخريج جامعيين متخصصين في فروع علمية وإنسانية واقتصادية واجتماعية وفلسفية مختلفة يأخذون على عاتقهم النهوض الوطني بالمجتمع وتدريب الكفاءات المتخصصة في شتى الميادين والمجالات من العاملين في قطاعات الاقتصاد كالزراعة والصناعة والتجارة والخدمات ورفع مستوى الكفاية الاقتصادية بين فئات القوى العاملة ومتابعة التقدم العلمي في المجالات الفكرية ورفع المستوى العلمي والثقافي والسياسي لأبناء الشعب الفلسطيني وزيادة التفاعل الايجابي بين الجامعة والمجتمع وإرساء دعائم الدولة الفلسطينية المنشودة . وفي هذه المقالة نحاول تسليط الأضواء على الجامعات الفلسطينية : من عدد الطلبة وقواعد الاعتماد والجودة للبرامج الأكاديمية الجامعية ، ومجلس التعليم العالي ووزارة التعليم العالي ، ومزايا ومنافع الجامعات الفلسطينية ، ومقومات التعليم العالي ، ومتطلبات التنمية الجامعية . وقد خبرت أوضاع التعليم العالي الفلسطيني كوني خريج جامعتين فلسطينيتين : البكالوريوس من جامعة النجاح الوطنية بنابلس والماجستير من جامعة بير زيت ، إضافة إلى عملي السابق كمعد ومقدم لبرنامج في رحاب الجامعة في إذاعة ( صوت فلسطين ) الحكومية لمدة سبع سنوات ما بين الأعوام 1994 – 2000 ، وعملت مديرا للعلاقات العامة بوزارة التعليم العالي ما بين الأعوام 2000 – 2003 ، وأستاذا وإداريا بجامعة فلسطين التقنية بطولكرم منذ 2003 حتى الآن .
1) الجامعات الفلسطينية
بادئ ذي بدء ، يبلغ عدد الجامعات الفلسطينية العاملة : العامة والحكومية والخاصة 14 جامعة و25 كلية جامعية متوسطة في الضفة الغربية وقطاع غزة ، تضم في حرمها الجامعي أكثر من مائة وستين ألف طالب وطالبة في مختلف التخصصات العلمية والإنسانية ، يلتحق أكثر من 60 ألف طالب منهم في جامعة القدس المفتوحة ويتوزع الباقي على الجامعات التقليدية المقيمة الإحدى عشر . وتتوزع هذه الجامعات على النحو التالي : الأزهر ، الإسلامية ، الأقصى ، وغزة للبنات ، وجامعة فلسطين وجميعها في قطاع غزة ، والخليل وبوليتكنك فلسطين وبيت لحم والقدس وبير زيت والنجاح الوطنية والعربية الأمريكية وجامعة فلسطين التقنية في الضفة الغربية . أما جامعة القدس المفتوحة فتنتشر على مختلف ارجاء خارطة فلسطين المحتلة عام 1967 ، ولها فرع في أبو ظبي بالإمارات العربية المتحدة . وتضم جميع الجامعات الفلسطينية في عضوية هيئاتها الأكاديمية والإدارية أكثر من تسعة آلاف موظف ، بين إداري وأكاديمي وخدمات عامة حسب العام الأكاديمي الحالي 2007 / 2008 .
ورغم عدم انصياع بعض الجامعات الفلسطينية سابقا لتعليمات وتوجيهات وزارة التعليم العالي في افتتاح تخصصات وبرامج أو حتى كليات جديدة لدرجات البكالويوس والماجستير إلا أن هذه البرامج نالت فيما بعد الترخيص الحكومي الرسمي من الوزارة في إشارة حسن نية من وزارة التعليم العالي لاستنهاض المسيرة التعليمية العليا في أرض فلسطين المباركة .
وتجدر الإشارة إلى أن عملية التقييم الأكاديمية لافتتاح تخصصات أو برامج جامعية جديدة مكررة أو غير موجودة بحاجة إلى دراسة حقيقية فعلية من طاقم متخصص وعدم التسرع في إبداء الردود المنفعلة ، فالجامعات المحلية الفلسطينية تصبو دائما وأبدا إلى الارتقاء بأوضاعها وكلياتها كما ونوعا لكي توائم الاحتياجات المجتمعية الوطنية ولا داعي لوضع العراقيل والعقبات أمامها طالما أن الشروط الأكاديمية مستوفاة . وهناك بعض قواعد الاعتماد والجودة التي يفترض أخذها بعين الاعتبار من أهمها :
الطاقم الأكاديمي المشرف :
يضم أساتذة متخصصين وإداريين فعالين للنهوض بالمسيرة التعليمية العليا للحياة الجامعية الفضلى المتمكنة من نفسها لتقوم بتخريج أفواج جامعية قوية مسلحة بالعلم والإيمان .
المناهج الجامعية المناسبة :
يعمل على وضع المناهج أكاديميون متخصصون في شتى المجالات بالاعتماد على أسس ما يسمى بالساعات المعتمدة للمساقات الجامعية الملائمة للتخصصات الأكاديمية المتطورة الحديثة . وفي هذا الصدد لا بد من القول ، إن المناهج الجامعية لطلبة فلسطين ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار الخصوصية الإسلامية والعربية والفلسطينية كتاريخ وجغرافيا وفلسفة تعليمية وأوضاع سياسية وتطورات علمية معاصرة متقدمة مواكبة للحضارة الإنسانية الالكترونية للوصول إلى نتائج علمية وعملية ملموسة تجعل الخريج الجامعي ينافس وبشدة غيره من الخريجين في الوطن العربي والعالم .
المباني الجامعية :
ينبغي توفير مبان جامعية مناسبة تليق بالمستوى الجامعي ، تكون قاعات تدريس ومؤتمرات ومختبرات وساحات حرم جامعي ملائمة لتوفير الأجواء الأكاديمية والمناخية الملائمة لجميع فصول السنة .
المراجع والكتب :
يفترض الأخذ بعين الاعتبار عند اعتماد وترخيص اي برنامج جامعي في أي مؤسسة تعليم عالي في فلسطين ، توفر المراجع والكتب العلمية الحديثة المعاصرة المناسبة للتخصص المنشود ليتمكن الطلبة والاساتذة من الاستعانة بها .
2 ) مجلس التعليم العالي الفلسطيني
يضم مجلس التعليم العالي رؤساء الجامعات المحلية ، وأكاديميون فلسطينيون وفعاليات متخصصة . وبرأيي يفترض أن يكون مؤتمر رؤساء الجامعات لديه الدافعية القوية للضغط باتجاه إقرار برامج وتخصصات جامعية جديدة وتوسيع القائم منها لمواكبة الاحتياجات الملحة التي تتغير وتتبدل سنويا ، ومن المفترض أن يكون صوت هذا المؤتمر مسموعا لدى طاقم وأجهزة الوزارة وله وزن فعال في طرح المطالب والمصالح الجامعية العامة .
كما أن مجلس التعليم العالي بهيئته الإدارية والعامة ، يفترض أن يكون له دور رائد ايضا في تطوير التعليم العالي فهذا المجلس تم في السابق تحجيم دوره وتحديد صلاحياته بقضايا أولية مثل معدلات القبول الجامعي وغيرها ، فلم يأخذ الدور المناط به علما بأنه مجلس مهني ، ولا ندري لماذا حجم دور هذا المجلس بهذه الصورة ؟ وقزمت فعالياته بهذه الدرجة ؟ فمن باب أولى يفترض في هذا المجلس أن يقوم بمهام وواجبات ويتمتع بصلاحيات واسعة ليتناسب ذلك مع اسمه كمجلس تعليم عالي . وبهذا الخصوص برأينا ينبغي ان يقوم مجلس التعليم العالي بعدة مهام منتظمة مستقرة ودائمة لوضع استراتيجية التعليم العالي العامة وفق خطط مدروسة بعيدة عن العفوية والسطحية والمنافسة غير الحميدة بين مؤسسات التعليم العالي . كما ان مجلس التعليم العالي يفترض فيه أن يلعب دورا هاما في عملية المتابعة والمراقبة والتقييم الجامعي بعيدا عن الانطوائية والانعزال والمحسوبيات . ومن المآخذ على مجلس التعليم العالي عدم وضوح أهدافه وغاياته وبرامجه أمام الجماهير الجامعية من إدارات جامعية وهيئات أكاديمية وإدارية وجماهير طلابية فيفترض أن يكون ممثلا لكافة الشرائح الجامعية بشكل فعال وأن يضم في هيئاته ممثلين عن الطلبة كما يضم ممثلين عن رؤساء الجامعات وكليات المجتمع وعن وزارة التعليم العالي .
3) وزارة التعليم العالي
على اي حال ، إن وزارة التربية والتعليم العالي التي تشرف على الشؤون التعليمية العامة والعليا في فلسطين ، تنقسم إلى جناحين : الأول : التعليم العام الذي يعنى بالمدارس الأساسية والثانوية بكل ما في الكلمة من معنى ، من الأبنية والبرامج والمناهج والمعلمين والإداريين . والجناح الثاني : التعليم العالي الذي يعنى بالتعليم الجامعي ابتداء من الدبلوم المتوسط مرورا بالدرجة الجامعية الأولى ( البكالويوس ) والدرجة الجامعية الثانية ( الماجستير ) والدرجة الجامعية الثالثة ( الدكتوراه ) . وهذه الوزارة تأسست في البلاد لأول مرة أسوة ببقية الوزارات الفلسطينية بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية فوق جزء من أرض الوطن الفلسطيني عام 1994 .
وغني عن القول ، إن وزارة التربية والتعليم العالي سواء أكانت وزارة موحدة تجمع التعليم العام والتعليم العالي أو كانت وزارتين منفصلتين عن بعضهما البعض ، فإن لها دورا كبيرا ، في الماضي والحاضر ومن المأمول أن يكون في المستقبل . وقد سلكت الوزارة مسلكية تنظيمية وإدارية وتعليمية ومالية جديدة جديرة بالاهتمام بهدف النهوض بالأوضاع الجامعية الفلسطينية نحو الحياة الجامعية الفضلى . فقد أعطت هذه الوزارة منذ تأسيسها الضوء الأخضر لافتتاح أقسام أكاديمية جديدة لدرجتي البكالويوس والماجستير ، ورفضت في المقابل منح تراخيص
رسمية لإنشاء برامج وتخصصات جامعية أخرى تبعا للحاجة والمعايير والمواصفات العلمية المعمول بها في فلسطين والدول العربية المجاورة . كما منحت ترخيصا واحدا لدرجة الدكتوراه في الكيمياء في جامعة النجاح الوطنية في نابلس .
كما إن إلحاق وزارة التعليم العالي بوزارة التربية والتعليم ليصبح اسمها ( وزارة التربية والتعليم العالي ) ولا تحمل من صفة التعليم العالي الا الاسم ، بحيث اصبحت تبدو كجناح صغير من أجنحتها مع ما سببته مسألة دمج الوزارتين بوزارة واحدة من تهميش دور التعليم العالي ، وما صاحب ذلك من ضرب لمسيرة التعليم العالي وتقليص إدارتها العامة ، وتقزيم صلاحياتها ، وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب في ظل الدمج والتهميش والتجاهل ، وحتى تهجير أو تهريب كفاءات علمية من حملة الدرجات الجامعية الثالثة من الوزارة ، وتولي بعض أصحاب الدرجات الجامعية الثانية أو الأولى الدور الأول في هذه الوزارة ، كما كان خلال السنوات الثلاث الماضية ، مع ما سببه ذلك من امتعاض لدى الجامعات الفلسطينية من استبعاد وقمع لحملة الدكتوراه في مبنى الوزارة والكليات الحكومية التابعة لها . ويمكن القول ، إن الوزارة عملت مؤخرا مطلع العام الجامعي الجديد 2008 ، على تعيين كادر وطاقم جديد للوزارة لديه الخبرة الأكاديمية والتجربة النقابية مما أثلج صدور معظم النقابيين والجامعيين ، لعل وعسى أن يتم التدرج في الإصلاح والتصليح الإداري والأكاديمي والمالي ، وفق أسس علمية لا تستثني نقابات العاملين في الجامعات والكليات في فلسطين : الحكومية والعامة والخاصة بل تستشيرها وهو عين الصواب والعقل .
4) مزايا ومنافع الجامعات الفلسطينية
يمكن القول ، إن الجامعات الفلسطينية تتمتع بعدة منافع ومزايا سياسية واقتصادية واجتماعية وجغرافية وثقافية وتراثية وحضارية بشكل عام ساهمت في تطوير المجتمع المحلي الفلسطيني ، وفيما يلي أبرز هذه المزايا :
مزايا سياسية :
ساهمت الجامعات المحلية الفلسطينية في زيادة الوعي الوطني السياسي لدى أبناء شعب فلسطين على اختلاف فئاته وشرائحه الاجتماعية عبر الأطر النقابية الطلابية التي افرزت أو ألحقت بإحدى الحركات والفصائل السياسية الفلسطينية الإسلامية والوطنية حيث تعددت الكتل الطلابية التي تدعم أو تناصر هذا التيار الفلسطيني أو ذاك . ليس هذا فحسب بل إن الهيئات الأكاديمية والإدارية في مؤسسات التعليم العالي عملت على تنظيم ذاتها لإيجاد نقابات للعاملين في تلك الجامعات كأطر سياسية نقابية داعمة لحركات وأحزاب وفصائل فلسطينية متعددة المشارب والاتجاهات . إضافة إلى هذا وذاك ، فإن الجامعات الفلسطينية عملت على احتضان وتنظيم الندوات والمؤتمرات والمهرجانات السياسية الداعمة لموقف سياسي معين أو التنظير لخطوة سياسية تكتيكية أو استراتيجية في مختلف المناسبات الدينية والوطنية ، فكانت مراكز اشعاع حضارية وسياسية في آن واحد . وقد ساهمت القلاع التعليمية في التصدي لسياسة الاحتلال الإسرائيلي القمعية ضد الشعب الفلسطيني . هذا عدا عن المساهمة في تثبيت الإنسان الفلسطيني على أرض وطنه من خلال مواجهة كافة التحديات والمتغيرات السياسية الإسرائيلية التي كانت تقضي بتفريغ المواطنين من الوطن الفلسطيني ليسهل ابتلاعه وإقامة المستعمرات اليهودية عليه . ومما يذكر أن الحركة الطلابية في الجامعات الفلسطينية لعبت دورا قياديا في الانتفاضتين الأولى ما بين 1987 – 1994 ، وانتفاضة الأقصى المباركة منذ 28 ايلول 2000 حتى الآن ، فافرزت الكتل الطلابية طلبة أو خريجين قادوا الجهاد بمختلف أشكاله ضد الاحتلال ونادوا بإنشاء دولة فلسطين المستقلة . كما أحبطت الحركة الطلابية الفلسطينية مؤامرات سياسية كثيرة عبر تاريخ فلسطين الحديث .
مزايا اقتصادية :
ساهمت الجامعات الفلسطينية في تقليل التكاليف والأعباء المالية على الطلبة الجامعيين وأهاليهم حيث أن الالتحاق بالجامعة المحلية القريبة من مكان سكن الطالب يوفر الوقت أولا ويقتصد في تحمل التبعات المالية الباهظة ثانيا ، إذا قارنا بين تكاليف التعليم الجامعي في ارض الوطن الفلسطيني مع التكاليف والنفقات التي ستدفع لو التحق هذا الطالب أو تلك الطالبة في إحدى الجامعات العربية أو الأجنبية . وتتمثل المزايا الاقتصادية في انخفاض قيمة الرسوم والأقساط الجامعية وبدل المواصلات والسكن في حالة الدراسة في جامعات الوطن مقارنة مع الدراسة في الجامعات العربية أو الأجنبية . وهذا الأمر يظهر جليا في رجوع مئات الطلبة الفلسطينيين الذين درسوا لسنة أو سنتين أو أكثر للالتحاق بالركب الجامعي في الوطن وترك الدراسة في الخارج لعدم القدرة على مواصلة التعليم العالي في ظل ارتفاع النفقات التعليمية سنويا خارج البلاد . زد على ذلك ، إن الالتحاق بالجامعة المحلية يساهم في بقاء الأموال تدور في رحى الاقتصاد الفلسطيني ، ولا يخفى على أحد أن التحاق أكثر من مائة وستين ألف طالب جامعي بمؤسسات التعليم العالي المحلية يساهم في تنمية وتطوير الاقتصاد وخاصة في مجال الخدمات العامة كالنقل والمواصلات والسكن والانفاق الشخصي وطباعة الكتب والأبحاث وغيرها .
مزايا اجتماعية :
ساهمت مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية في زيادة الترابط الاجتماعي العضوي بين أبناء الشعب الواحد في المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية في ارض الوطن ، فكان نوعا من لم الشمل الفلسطيني في بوتقة جامعية ناهضة ساهمت في تعميق أواصر التعاون والتعارف على العادات والتقاليد المحلية فوق ثرى الوطن . وعلى النقيض من ذلك ، فإن الالتحاق بالجامعات الأجنبية عمل على زيادة الاغتراب النفسي والاجتماعي للطالب الفلسطيني في المنافي والشتات وإلى تاثره بالعادات والتقاليد والقيم الأجنبية الغربية في معظم الأحيان على عاداتنا وتقاليدنا وقيمنا العربية الإسلامية الأصيلة . صحيح أن الجامعات العربية أو الأجنبية توفر مقاعد علمية وأدبية لمئات إن لم يكن لآلاف الطلبة الفلسطينيين على شكل منح أو مقاعد جامعية أو دراسة على حساب الطالب الخاص لمختلف التخصصات إلا أن هؤلاء الطلبة كثيرا ما يتعرضون لعملية غسيل دماغ أو يعانون من الاغتراب النفسي والوجداني عدا عن معوقات المرور واجتياز المعابر الحدودية بين فلسطين والخارج بسبب الاحتلال وتردي العلاقات السياسية في بعض الأحيان مما أدى إلى حرمان الطلبة من متابعة تحصيلهم الأكاديمي دون أدنى سبب أو مبرر حقيقي منطقي فكانت الظروف والأوضاع السياسية تقف مانعا في مئات الحالات أمام الجموع الطلابية الفلسطينية مما أثر سلبيا ونفسيا على مئات العائلات الفلسطينية . وكثيرا ما كانت وما زالت سلطات الاحتلال الإسرائيلي تمنع الطلبة الفلسطينيين من إكمال مسيرتهم التعليمية العليا بحجة ما يسمى بالأمن والحيلولة دون سفرهم للخارج أو حتى تنقلهم بين محافظات الضفة الغربية وقطاع غزة . أضف إلى ذلك ساعدت الجامعات الفلسطينية على تكوين أسر نووية جديدة ناجحة عبر تعارف الطلبة الذكور على الفتيات الجامعيات اثناء فترة الدراسة الجامعية كون الدراسة الجامعية مختلطة .
مزايا جغرافية :
لا شك أن الجامعات الفلسطينية ساهمت في زيادة الترابط الجغرافي بين أجزاء الوطن الفلسطيني من غزة إلى نابلس ومن جنين إلى رفح ومن الخليل إلى بير زيت ومن بيت لحم إلى القدس وبالعكس . فكانت مزية هامة في ربط أواصر الوطن ببعضه البعض كوحدة جغرافية واحدة . فزادت هذه الوحدة الجغرافية من التماسك الوجداني والإنساني والوطني العام حيث أن فلسطين وحدة جغرافية ذات ولاية واحدة لا تتجزأ ، وقد ساهم توزع الجامعات الفلسطينية على مختلف المدن في تخفيف أعباء التنقل الجغرافي والثقل الاقتصادي . وكذلك فإن قرب الجامعة الفلسطينية زاد من التحاق الطالبات في هذه الجامعات مما ساهم في توفير فرص تعليم عالي للفتيات الفلسطينيات وسهل عليهن الحصول على شهادات جامعية بكلفة اقل وبشكل يتوائم مع التقاليد الإسلامية المحافظة السائدة في المجتمع الفلسطيني في البلاد .
مزايا ثقافية وتراثية :
لا ريب أن الجامعات المحلية لعبت دورا حاسما في النهوض الثقافي العام من خلال المؤتمرات الثقافية التي تنظم في هذه الجامعة أو تلك . وقد ساهمت كليات الآداب المنتشرة على الخارطة الجامعية في تدعيم المسيرة الثقافية والحفاظ على الهوية الوطنية في كافة المجالات الإنسانية والأدبية عبر تنظيم المؤتمرات المتخصصة والندوات ذات الألوان الثقافية والاجتماعية والسياسية المتعددة . كما ساهمت هذه الجامعات في المحافظة على التراث الفلسطيني من خلال تنمية المواهب الفنية وبث الأعمال الفنية وتشجيع الفنانين بمختلف أشكال الفن .
مزايا أكاديمية :
كل هذه المزايا السابقة طبعا تضاف إلى المزايا التعليمية ذات الفلسفة والتوجه الوطني والإسلامي في صقل العقول وبناء الأجيال ضمن فلسفة تعليمية فلسطينية خاصة ذات طعم ومذاق خاص وكأنها أنهر تصب في بحر الوجدان الفلسطيني والشخصية الوطنية الإسلامية الفلسطينية القادرة على مواجهة التحديات والتاقلم والتكيف مع الواقع ايجابيا والعمل الحثيث نحو إحداث التغيير والتصحيح المطلوب للمساهمة في رفع المستوى العلمي والأدبي ليس للجماهير الجامعية فحسب بل ولجماهير الشعب أيضا على اختلاف ألوان الطيف السياسي والإنساني وبالتالي المشاركة في بناء الحضارة العالمية ضمن منظور فلسطيني يعطي ويقدم ولا يبقى يتلقى ويأخذ لأن الشعب الحي هو الشعب الذي يشارك في التقدم الحضاري ولا يقف متفرجا هنا أو هناك . إذن إن نظام التعليم العالي في فلسطين هو أفضل الأنظمة الأكاديمية في العالم لطلبة فلسطين ما بعد الثانوية العامة ، للمزايا والمنافع الآنفة الذكر، إضافة إلى وجود نظام الساعات المعتمدة والفصول الدراسية الثلاث : الأول والثاني والصيفي ، وهذه ميزة جديدة تضاف إلى عامة المزايا ، فالطالب الذي لا يفلح في اجتياز مساق معين أو مادة محددة بإمكانه إعادتها بعكس بعض الأنظمة الأكاديمية ذات النمط المعقد في التعليم العالي الذي يرهق الطالب نفسيا وأكاديميا وماليا وجغرافيا . كما إن الطالب الذي يرغب في تغيير تخصصه خلال الفصل الأول أو الثاني يمكنه ذلك دونما تكلفة مالية أو زمنية عالية بسبب وجود المساقات الجامعية ومتطلبات الكلية الإجبارية والاختيارية .
5) مقومات التعليم العالي
هناك بعض الأسئلة والتساؤلات التعليمية العليا ، التي تطرح نفسها بنفسها ، سرا وعلنا ، يوميا وفصليا وسنويا ، عبر اللقاءات الشخصية والمؤتمرات والمهرجانات والندوات والمحاضرات ، وعبر مختلف وسائل الإعلام الالكترونية المسموعة والمرئية والمطبوعة ، التي يمكن أن تكون مؤشرات أساسية قومية وإسلامية شاملة نحو الانطلاق الجامعي الرحب ، وقد وجد بعضا منها جوابا جزئيا وبعضها ما زال بحاجة لمتابعة حثيثة . ومن أهم هذه التساؤلات الجامعية العامة ( الأحدى والعشرين ) ما يلي : فلسفة التعليم العالي ، ومجانيته ، وإعادة تشكيل وزارة التعليم العالي ومجلس التعليم العالي ، والتخصص العلمي ، وبرامج الدراسات العليا خاصة الدكتوراه ، والدراسات والأبحاث ، والتعليم الالكتروني ، والمدن الجامعية ، وتعريب التعليم العالي بالكليات العلمية ، والجامعة الحكومية ، ونظام القبول والتسجيل ، ومعدلات القبول الجامعي ، وتوفير المراجع والكتب العلمية ، وبناء المستشفيات الجامعية ، وتعزيز الإرشاد الأكاديمي ، وتوفير التعليم الجامعي المسائي والليلي ، وتوسيع التعليم المفتوح ، والتبادل الثقافي بين الجامعات المحلية والخارجية ، وإيجاد الجامعة المتخصصة ، وتطبيق مبدأ الخدمة الجامعية الإجبارية . وفيما يلي رؤية لهذه النقاط الأحدى والعشرين التي ستعمل على تطبيق تعليم عالي مميز ومتميز حاضرا ومستقبلا :
1. فلسفة التعليم العالي الفلسطيني :
إن فلسفة التعليم العالي في فلسطين تتطلب عمليات تخطيط وتنفيذ ومراجعة وتقييم علمية متتابعة لتطوير الفلسفة التعليمية العليا التي تهتم بالوطن والمواطن عبر المناهج الجامعية الحديثة وترسيخ العقيدة الإسلامية واللغة العربية الخالدة والظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وفق أسس تنموية متجددة بين الحين والآخر .
2. مجانية التعليم العالي والأعفاءات المالية للطلبة :
يأمل كل فلسطيني أن تتوفر مجانية التعليم العالي لكل طالب في فلسطين المباركة إلا أن هناك ظروفا سياسية واقتصادية عامة تحول دون وجود مجانية التعليم ، وعليه فإن إدارة الجامعة ، أي جامعة فلسطينية ، تلجأ إلى الإعلان عن وجود منح جامعية أو معونات للطلبة المحتاجين للوقوف معهم في محنتهم المالية وخاصة الطلبة الذين لا يتمكنون من دفع الرسوم والأقساط الجامعية الفصلية والسنوية وما أن تعلن عمادة شؤون الطلبة بالتعاون بين إدارة الجامعة ومجلس اتحاد الطلبة حتى يتفاجأ هؤلاء أن من بين الطلبات المقدمة طلبات تخص طلبة ليسوا محتاجين ، البعض من مقدمي هذه الطلبات الجامعية يمتلك سيارات فارهة أو يدخنون الدخان الأجنبي . ترى لماذا يقدم هؤلاء الطلبة غير المحتاجين طلبات للحصول على معونات مالية ؟ هناك أسباب منها : اللامبالاة بالآخرين ، والمرض الاجتماعي الذي يرغب في الحصول على كل ما هو متاح ، والإدعاء بتوزيع المنح بالتساوي بين الجميع . وبهذا الصدد كلمة لا بد منها ، إن الطلبة المحتاجين الحقيقيين أمانة في أعناق عمادات شؤون الطلبة ومجالس الطلبة والكتل النقابية الطلابية ووزارة التعليم العالي ومجلس التعليم العالي ، بعيدا عن الفئوية والحزبية الضيقة والمحسوبية ، فإتاحة المجال أمام الشريحة الطلابية المحتاجة مهمة إسلامية ووطنية وإنسانية وحضارية عامة . وصندوق الطالب المحتاج يفترض أن يضاعف جهوده وفعالياته للحصول على منح لهؤلاء الطلبة الفقراء ماليا ، الأغنياء عقليا ، حيث أن نسبة كبيرة من هؤلاء الطلبة المحتاجين هم من نوابغ وعباقرة الطلبة . وليبادر أهل الخير للتبرع ماليا وعينيا لدفع ألأقساط الجامعية للطلبة المحتاجين المتفوقين وغيرهم بصورة منتظمة مستمرة تمكن شريحة من شرائح شعبنا من الالتحاق بالركب الجامعي ، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخية ، وهذه مقدمة وتهيئة جيدة لمجانية التعليم العالي . وقد بادرت وزارة التعليم العالي في العامين الأكاديمي 2006 / 2007 و2007 / 2008 ، فخفضت رسوم الساعة المعتمدة للشهادة الجامعية الأولى في كليات فلسطين التقنية باعتبارها كليات حكومية من 20 – 15 دينارا للساعة المعتمدة الواحدة وهي خطوة جريئة تستحق المتابعة والاهتمام ولكنها تبقى خطوة على الطريق لا بد أن تتبعها خطوات أكثر جرأة .
وهناك تذمر من طلبة الجامعات المحلية أيضا ، وهو تذمر بمثابة جمر تحت الرماد ، يتمثل في دفع بدل الساعات المعتمدة بشكل أغلى ، فمثلا الطالب بكلية الهندسة أو الطب أو الصيدلة أو غيرها من ذات الرسوم المرتفعة يدفع رسوم الساعة المعتمدة للمساقات الجامعية الإجبارية والاختيارية بواقع رسوم ساعة من ذات الكلية علما بأن رسوم مساق الثقافة الإسلامية يفترض دفعه كرسم لكلية الشريعة باعتبار هذا المساق الجامعي الإجباري تطرحه كلية الشريعة ، ورسم الساعة المعتمدة لمساق دراسات فلسطينية يفترض دفعه لطلبة الكليات المذكورة كرسوم كلية الاقتصاد باعتبار أن قسم العلوم السياسية الذي يطرح هذا المساق هو من قسم من أقسام كلية الاقتصاد والتجارة أو من كلية الآداب من قسم التاريخ ببعض الجامعات الفلسطينية ، هذه مسألة بحاجة لإعادة النظر لإنصاف الأبناء الطلبة .
3. إعادة تشكيل وزارة التعليم العالي :
هناك حاجة ماسة لدى الجامعات الفلسطينية ولدى الطلبة الجامعيين لإعادة تشكيل وزارة التعليم العالي مهنيا وإداريا وأكاديميا وماديا ، أفقيا وعموديا ، سواء كوزارة مستقلة أو جناح آخر لوزارة التربية والتعليم ، ولكن المهم أن تأخذ دورها المناط بها كما يجب أن تكون ، وليس كما كان كائنا في السابق ، من استبعاد للكفاءات العلمية وتهميش دور الوزارة . ويفترض أن يأخذ التشكيل الجديد خصوصية التعليم العالي بالتنسيق والتعاون مع مجلس التعليم العالي وليس تفعيل المجلس على حساب الوزارة . فالوزارة بحاجة لمستشارين ووكيل وزارة للتعليم العالي مختص إضافة للوكيل الحالي للوزارة الموحدة ، ومدير عام وزارة تعليم عالي وإعادة هيكلة كليات فلسطين التقنية على أسس علمية ، لأن التركيب الإداري البنيوي الصلب للوزارة فقد بعد التوحيد والدمج صيف عام 2002 . هذا على الجانبين الإداري والعلمي وأما على صعيد الضلع الثالث من المثلث الأكاديمي والذي يتمثل بالبناء الوزاري ، فيفترض أن يكون هناك مبان عامة لوزارة التعليم العالي ومجلس التعليم العالي لا أن يتم دفع إيجارات سنوية مكلفة لهذه المؤسسات الحكومية . وبعد مرور أقل من عقد ونصف من الزمن على إنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية منذ عام 1994 حتى الآن ، أما آن لوزارة التعليم العالي أن يكون لها مقار ثابتة في مختلف المدن الفلسطينية ؟ أم أننا سنبقى نفكر بعصر البداوة والتنقل وإهدار المال العام في غير موضعه !
4. الالتزام بالتخصص العلمي :
في الأصل أن يقوم كل أكاديمي بتدريس المساقات التي تقع ضمن تخصصه العلمي ، ولكن نلاحظ في كثير من الأحيان ، وخاصة في الكليات الحكومية التابعة لوزارة التعليم العالي ، توزيع عبء أكاديمي لمحاضرين أو أساتذة غير متخصصين لتدريس مساقات أكاديمية غير متخصصين فيها . قد يكون هناك من لديه القدرة على تدريس مواد ليست من تخصصه ولكن هذا الأمر بحاجة لمراجعة لمصلحة المؤسسة التعليمية العليا والطلبة في الآن ذاته . فحامل شهادة الهندسة يجب أن يدرس في برامج الهندسة والحاصل على شهادة الاقتصاد ينبغي أن يدرس في برامج الاقتصاد وحامل شهادة التربية يجب أن يدرس مساقات تربوية ضمن اختصاصه لا أن يدرس برامج علوم سياسية أو دراسات فلسطينية . كما أن رؤساء الأقسام كأكاديميين وإداريين يجب أن يكونوا من ذوي الاختصاص . وأحيانا برزت تجاوزات أكاديمية خطيرة فمثلا تم تعيين أكاديمي متخصص باللغة العربية رئيسا لقسم التربية الرياضية وتعيين آخر متخصص في إدارة الأعمال رئيسا لبرنامج الهندسة لدرجة البكالوريوس في إحدى الكليات الحكومية لفترة أكثر من سنة إن لم يكن سنوات . كما تم تعيين بعض حملة شهادة الرياضيات كمدير أو نائب إداري لعميد كلية حكومية ؟ وتم تعيين حملة درجة البكالوريوس لتدريس طلبة درجة البكالوريوس ؟ وتعيين بعض حملة درجة الماجستير لتدريس طلبة درجة الماجستير ؟ وتم تعيين حملة الدبلوم المتوسط لتدريس طلبة درجة الدبلوم المتوسط !! فأين المتابعة والتدقيق العلمي ؟ وأين طاقم وزارة التعليم العالي في هذا المجال ؟ وما هو دور مجلس التعليم العالي ؟ ان مجتمعنا الفلسطيني زاخر بالتخصصات العلمية الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والحمد لله رب العالمين ، ولكن يجب أن تكون هناك إرادة للتغيير والإصلاح . وغني عن القول ، إن عدم الالتزام بالمعايير العلمية التخصصة تفرغ العملية الأكاديمية من مضمونها ، وتلحق اذى أكاديمي ونفسي بالطلبة وبسمعة مؤسسة التعليم العالي في البلاد وتضع على الرف تخصصات علمية بلا استعمال من الخريجين الجامعيين المتخصصين . ولا نقول إن ظاهرة استخدام غير المتخصصين مقتصر على مؤسسات التعليم العالي بل يشمل القطاع الحكومي العام من جميع الوزارات والدوائر الحكومية الأخرى وهذا يسبب إرباكا وشللا علميا وعمليا علني أو مستتر بصورة أو بأخرى .
5. برامج الدكتوراه :
لماذا لا يتم طرح برامج دكتوراه نوعية وكمية في الآن ذاته ، واستقطاب ذوي الكفاءات والشهادات العليا من حملة درجة الأستاذ المشارك والأستاذية لتقليل الاعتماد الفلسطيني على الآخرين في الجامعات الخارجية ، سواء العربية أو الإقليمية أو العالمية ، وترسيخ الاكتفاء الذاتي قدر الإمكان ، بصورة متصاعدة وتقليص الفجوات العلمية بين جامعاتنا والجامعات الأجنبية . فالمراقب للأوضاع الجامعية يرى تسرب آلاف الطلبة الفلسطينيين سنويا للدراسة في الجامعات الأجنبية والعربية في مختلف قارات العالم ، ألم يحن الوقت بعد لإنشاء كلية دراسات عليا مركزية في فلسطين تمنح الشهادة الجامعية الثالثة ( الدكتوراه ) للطلبة الفلسطينيين ، أو السماح لجامعة خاصة أو عامة أو حكومية أو أكثر بالتخصص في منح درجة الدكتوراه !!! ولماذ لا تبادر الجامعات القائمة أصلا بوضع خطط لتطوير فعالياتها لتشمل درجة الدكتوراه ؟ مثلا ، يمكن أن يتم البدء بمنح درجة الدكتوراه في الآداب والتربية والإعلام والاقتصاد والعلوم الإدارية والسياسية والقانون والشريعة ثم تليها الكليات العلمية من الهندسة والعلوم والصيدلة وسواها . لماذا نقمع ونجلد أنفسنا بأنفسنا ؟ فهذه الكلية المركزية أو الجامعة المتخصصة المقترحة التي تمنح شهادة الدكتوراه يمكن أن توفر منافع ومزايا حيوية للشعب والأفراد على السواء .
6. الأبحاث والدراسات العلمية :
أما آن لنا أن نخصص ميزانيات سنوية ملائمة للأبحاث والدراسات العلمية بمصادر رسمية وأهلية للنهوض بأوضاع المجتمع الفلسطيني في ارض الوطن ، والانطلاق نحو العالم الرحب في المجالات العلمية والاجتماعية والاقتصادية أم أننا رضينا بالاستكانة واستيراد قشور التكنولوجيا الغربية واصبحنا وأمسينا مستهلكين لا منتجين ، علما بأن من سمات الشعب الناجح الحيوي العطاء والعطاء دون كلل أو ملل . رب قائل يقول تتنوع فعاليات المراكز البحثية الموجودة في الجامعات من المراكز الاستشارية والفنية والمائية والخدمية العامة والريفية والمختصة بالزلازل والبراكين والتاريخ الفلسطيني والجغرافية الوطنية ، والاستطلاعات والمراكز السياسية والديموقراطية واللغوية ويشرف على إدارات هذه المراكز إدارات علمية متخصصة إلا أن العدد العامل في هذه المراكز ليس على المستوى المطلوب فالعدد قليل والأبحاث المنشورة في هذه المؤسسات البحثية معدود أيضا وقد يتساءل المرء لماذا ؟ هل أن الامكانات المخصصة المرصودة سنويا لإجراء الأبحاث العلمية أو دعمها غير كافية ، هذا صحيح للوهلة الأولى ، وبالمقارنة بين الميزانيات المخصصة للزيارات الداخلية والخارجية والضيافات تبدو الميزانيات المرصودة للأبحاث العلمية فقيرة ، فالتقدم العلمي والتقني بخاصة والحضارى بعامة يبدأ بالأبحاث ثم يرتقي إلى مراحل التنفيذ والتطبيق العملي .
على اي حال ، تتحمل مراكز البحث العلمي مسؤولية كبرى في نشر وطباعة الأبحاث التي أقرت ونوقشت علميا وخضعت للتحكيم العلمي إن عاجلا أو آجلا كما ، كما إن وسائل الإعلام الجماهيري مدعوة إلى إيلاء هذه الأبحاث أهمية أكبر . على العموم ، إن الشعب الحي والأمة المتقدمة هي التي تهتم بانتاج أبنائها مهما كانت أنواع هذا الانتاج ، والانتاج الثقافي بأجنحته العلمية والتقنية والإنسانية ضروري للنهوض بالأوضاع العامة وتطويرها نحو الحياة الفضلى للمجتمع في هذه الأرض ، فلماذا تبقى هذه الأبحاث التي ارهقت الإدارات والأقسام – إن وجدت – حبيسة الجدران ، مقتصرة على نفر قليل من ابناء الشعب ؟ إن تعميم الأبحاث والدراسات الميدانية ينبغي أن يحتل أولوية خاصة من أولويات الجامعات ومراكز الأبحاث ثانيا ، فالميزانيات يفترض أن ترصد لدعم البحث العلمي المتميز ، ووزارة التعليم العالي بالتعاون مع الجامعات المحلية مطالبة بالسعي الحثيث لنشر الرسائل والأطروحات الأكاديمية كونها تهتم بالتعليم العالي وقد حملت الوزارة في فترة من فترات وجودها اسم وزارة التعليم العالي والبحث العلمي فلماذا تراجعت ونقصت وانتكست ؟
7. التعليم الالكتروني :
نحن الآن في عصر التقدم العلمي المتواصل ، يجب أن نلحق بالركب الحضاري ونعمل على التغيير والمساهمة فيه لا أن نبقى مستودرين للأفكار والمعتقدات الأجنبية . فمثلا ، نحن في فلسطين بحاجة إلى جامعة الكترونية تبث برامجها عبر الانتر نت والأقمار الصناعية من خلال الفضائيات وذلك بتخصيص كوادر فنية وعلمية مدربة تساهم في زيادة التفاعل الايجابي الجامعي بين الطلبة والعلم من ناحية وبين الجامعة والمجتمع المحلي من ناحية أخرى . وكذلك للتعويض عن النقص في المراجع والكتب والدوريات يمكن أن نلجأ إلى تطوير ذاتنا بذاتنا ، فالاعتماد على الذات مبدأ مجدي على جميع الصعد العلمية والاقتصادية وغيرها . وفي هذا السياق ، حري بنا كتعليم عالي في فلسطين ، سواء وزارة التعليم العالي أو مجلس تعليم عالي أو الجامعات المحلية الفلسطينية ، أن نبادر إلى إنشاء مكتبات الكترونية ومجلات الكترونية بنشر الكتب والأبحاث عليها فهي الأقل كلفة والأسرع زمنا والأكثر انصافا للباحثين والأكاديميين والطلبة والقراء على السواء . فمثل هذا التطوير يجعل من العلم في متناول الفئات الباحثة عنه باقل وقت ممكن وبارخص ثمن متاح ليلا ونهارا . وهذه دعوة نطلقها للعالمين ببواطن الأمور ، والفاعلين في الساحة التعليمية العليا في وزارة التعليم العالي ومن إدارات ومسؤوليين إداريين وأكاديميين لتنفيذ المكتبة الإلكترونية والمجلة الإلكترونية في اسرع وقت ممكن . فمثلا ، يمكن البدء بوضع برنامج الكتروني علمي يتضمن " الكتاب الالكتروني الفلسطيني " من المؤلفات الفلسطينية في شتى العلوم والمعارف من انتاج محلي ، أو الصحيفة الإلكترونية أو المجلة الإلكترونية وهكذا .
8. المدن الجامعية ( السكن الداخلي ) :
نسبة كبيرة من الطلبة الفلسطينيين يعانون من عدة مشكلات جامعية مع بداية التحاقهم بالعام الأكاديمي ، وتشكل مسألة السكن الجامعي أحد أهم الهموم الطلابية وخاصة إن آلاف الطلبة من شتى بقاع الوطن يلتحقون بالجامعات الفلسطينية البعيدة عن مناطق سكناهم . فهناك آلاف الطلبة من محافظة طولكرم أو نابلس أو رام الله أو الخليل أو غزة أو جنين أو غيرها يلتحقون بجامعات بعيدة عن مكان إقامتهم . وتبرز هنا مشكلة السكن للطالب الجامعي الجديد والقديم على السواء بسبب نقص المساكن للمواطنين والطلبة على السواء ويفترض أن تجد هذه المعضلة لها حلا مناسبا ، إن لمن يكن على المستوى المنظور فعلى المستوى المستقبلي .
وفي الدول المتقدمة عادة ما يلجا إلى إنشاء المدينة الجامعية جنبا إلى جنب مع الحرم الجامعي ، ولماذا لم يتم لغاية الآن وضع الأفكار اللازمة لإنشاء مثل هذه المرافق الطلابية الحيوية في الحياة الجامعية الفلسطينية ؟ ولماذا لا تنفذ على أرض الواقع أصلا بالاستعانة برؤوس أموال استثمارية فلسطينية ؟ فالطالب الذي ينهي الفصل الأول ويتوجه لزيارة أسرته قد يجد صاحب الملك أو السكن قد أجر هذه الشقة أو تلك لساكنين جدد ، وهذه مشكلة بحد ذاتها . هذا ناهيك عن الغلاء الفاحش في أجرة السكن الشهري والسنوي الأمر الذي استنزف ميزانية الأسرة الفلسطينية التي تدرس طالبا جامعيا أو أكثر . فالمدينة الجامعية تساهم في إصلاح البنيان الجامعي للطلبة نفسيا وماليا وأكاديميا وأخلاقيا بوتيرة متوزانة وتساهم في زيادة اشكال التنمية العمرانية الاقتصادية عبر الاستثمارات في المرافق الجامعية الملحة .
وكما هو معلوم ، فإن الطالب الفلسطيني خاصة والطالب الجامعي عامة بحاجة لتوفير الأجواء الأكاديمية الهادئة في ظل الأمن والأمان المجتمعي ليتمكن من متابعة تحصيله العلمي والإبداع في مجال تخصصه ، وإلا فلا ؟ وهناك آلاف من الطلبة الجامعيين يشكون من تصاعد هذه الأزمة السكنية فصلا بعد فصل وعاما بعد عام . والحركة الطلابية مدعوة من جهتها إلى متابعة عملية توفير المساكن الطلابية لأن السكن هو من أولى أولويات الطالب الجامعي المغترب من مدينة لأخرى . وعلى الجانب الآخر ، إدارات الجامعات مطالبة بالعمل الجاد والحثيث لإنشاء المدن الجامعية أو المرافق الداخلية للسكن الجامعي إلى الطلبة والطالبات كل على حدة ، لأن هذا المظهر هو أحد مظاهر التعليم الراقي الساعي إلى توفير المستلزمات الجامعية الضرورية للأفواج الجامعية التي تأتي من كل حدب وصوب لتنهل من معين العلم الذي لا ينضب عن العطاء . ولا بد من الإشارة ، إلى أن بعض الجامعات عملت على إنشاء نواة لسكن جامعي ولكنها لا تكفي الطلب المتزايد على هذه الخدمة الجامعية المتصاعدة . ويمكن القول ، إن الحواجز العسكرية الإسرائيلية على مداخل المدن الفلسطينية ، مثلا خلال انتفاضة الأقصى ، تقض مضاجع آلاف الطلبة جهارا نهارا ، فمرور الطالب الفلسطيني ووصوله لجامعته أصبح خاضعا لمزاجية جنود الاحتلال الإسرائيلي مع ما يسببه ذلك من إرهاق نفسي ومالي وأكاديمي للطلبة وذويهم والشعب بصورة عامة . ويمكن أن تضع المدن الجامعية الداخلية التابعة للجامعة حدا جزئيا لهذه التدخلات الاحتلالية في مسيرة التعليم العالي الفلسطيني .
9. تعريب التعليم الجامعي في الكليات العلمية :
معظم الجامعات الفلسطينية تعتمد اللغة العربية الخالدة بخلود القرآن العظيم لغة رسمية أولى للتدريس الجامعي في مختلف صنوف العلم والمعرفة في كافة الأقسام والكليات الجامعية الإنسانية ، وإن كانت الجامعات تدرس باللغة الانجليزية في كليات أخرى ككليات العلوم والهندسة والطب وطب الأسنان والحاسوب والتمريض والصيدلة وسواها من التخصصات العلمية إلا أن السواد الأعظم من المساقات الجامعية الأدبية تدرس باللغة العربية ( لغة الضاد ) . صحيح أن اللغة الأجنبية تأتي كرديف للغة العربية الأم إلا أن المساقات الجامعية العامة منها من متطلبات جامعية إجبارية عدد ساعاتها المعتمدة قليلة اي أنها لا تلبي الغرض المطلوب من العملية التعليمية العليا . ومن خلال الاحتكاك مع الطلبة تبين أن هناك مئات الطلبة بعد حصولهم على الثانوية العامة التحقوا بالكليات العلمية كالعلوم أو الهندسة أو الصيدلة وغيرها أصيبوا بصدمة لغوية حيث أن لغة المحاضرات والمراجع تكون باللغة الأجنبية ( الانجليزية ) مما أضطرهم لمعاودة الركب الجامعي والمبادرة إلى التحويل من الكلية العلمية إلى الكلية الانسانية أو الاجتماعية ككلية الاداب أو الاقتصاد والتجارة أو القانون وغيرها ليتمكنوا من الاستزادة من العلم والمعرفة والحصول على الدرجة الجامعية المناسبة . وكثيرا ما يكون السبب في ذلك هو عدم تعريب التعليم في الكليات العلمية أي ما يمثل المعضلة اللغوية ، هل يتابع الطالب دراسته الجامعية باللغة العربية أم باللغة الأجنبية في جامعاتنا ؟ ومهما يكن من أمر ، فإن جامعاتنا المحلية وحسب ما يؤكده العديد من الأكاديميين والطلبة الجامعيين والخريجين من مختلف التخصصات العلمية والإنسانية تأتي في مصاف الجامعات المتقدمة في مستويات الدراسة الجامعية إلا أنها بحاجة إلى إدخال تعديلات دورية على السياسة الجامعية العامة بين الحين والآخر لمواكبة التطورات الحضارية والتعليمية وسد الثغرات إن وجدت وتسهيل عملية نهل الطلبة من مناهل العلم المتنوعة ومن بينها الشروع في سياسة تعريب التعليم العالي لوضع حد للاغتراب الجامعي الثقافي والنفسي وخاصة في الكليات العلمية حيث أن التدريس باللغة الأجنبية كليا يشتت ذهن الطالب ويجعله في حيرة من أمره .
10. الجامعة الحكومية :
في جميع دول العالم هناك جامعات حكومية تتيح المجال أمام أعداد كبيرة من الطلبة للالتحاق ببرامجها وكلياتها المختلفة ولكافة الدرجات الجامعية بشكل مجاني أو بتكاليف مالية زهيدة . ونحن في فلسطين ليس لدينا جامعة حكومية واحدة بكل ما في الكلمة من معنى ، وقد يعتبر البعض أن جامعة القدس المفتوحة هي جامعة حكومية ، وهذا الأمر شكليا وليس عمليا ، إذ أن برامج هذه الجامعة ليست شاملة . وهناك مطالبة حثيثة بجعل كليات فلسطين التقنية جامعة حكومية وهذا يفترض أن ينظر له بعين الرضى رسميا كما هو الأمر شعبيا . فلدينا خمس كليات حكومية في مدن فلسطينية عديدة ، فلماذا لا يتم اعتماد أحد هذه الفروع كمركز للجامعة الحكومية كأن تكون في طولكرم التي تفتقد لجامعة أصلا ، أو في رام الله أو الخليل أو غيرها ؟ وهناك موافقة من وزارة التعليم العالي في 14 شباط 2007 على جعل كليات فلسطين التقنية جامعة تحمل اسم جامعة فلسطين التقنية والأمور جرت على قدم وساق لتحويلها لجامعة حكومية . وصدر قرار من وزارة التربية والتعليم العالي في 30 آب 2007 بتحويل كلية فلسطين التقنية بطولكرم ( خضوري ) إلى جامعة فلسطين التقنية وهي خطوة جريئة بالاتجاه الصحيح ولكنها بحاجة خطوة أولى لخطوات رديفة أجرئ أخرى . وبهذا الصدد يفترض جعل جميع كليات فلسطين الحكومية فروعا لهذه الجامعة الفلسطينية الفتية . وبالإضافة لذلك هناك جامعة الأقصى بغزة ، باعتبارها جامعة حكومية أولى تأسست عام 2000 ، وتضم نحو 15 ألف طالب جامعي الآن ، وهاتين الجامعتين تحتاجان لتطوير أوضاعهما الإدارية والأكاديمية والمالية لتنافسان الجامعات العامة والخاصة في البلاد .
11. عملية القبول والتسجيل :
هناك سياسة جامعية مبعثرة في فلسطين في آلية تقديم طلبات الالتحاق والتسجيل لحجز مقعد جامعي في هذه الجامعة او تلك ، فنجد الطالب من خريجي الثانوية العامة يسجل في أكثر من جامعة مع ما يسببه ذلك من إرباك له ولأسرته والجامعة التي سجل بها ماليا ونفسيا فمن الممكن أن لا يحصل على مقعد جامعي ومن الممكن أن يحصل على قبول في أكثر من جامعة . فمن الأفضل وضع برنامج قبول مركزي لجميع الجامعات للتسهيل على الطلبة الفلسطينيين وتخفيف الأعباء النفسية والجامعية وحتى يضمن الطالب قبوله في الجامعة حسب الأولويات التي يريدها دون أن يقع في حيرة وبلبلة نفسية واجتماعية .
12. معدلات القبول في الجامعات :
في كثير من الأحيان ( في الجامعات الفلسطينية ) هناك معدلات يضعها مجلس التعليم العالي حد أدنى يسمح بموجبها لخريجي الثانوية العامة الرسمية ( التوجيهي ) تقديم طلب الالتحاق بجامعة من الجامعات المحلية ، وحتى جامعة القدس المفتوحة التي يفترض أن لا تكون فيها عملية تحديد معدلات الحصول على الثانوية العامة وإنما النجاح فقط كونها جامعة مفتوحة غير تقليدية فقد تم تحديد معدلات معينة لقبول الطلبة حيث اعتمد قبل سنوات معدل 60 % الحد الأدنى ثم رفع لمعدل 65 % ، لخريج الثانوية العامة الجديد ، في نفس العام الدراسي ، ومعدل 55 % لخريج الثانوية العامة القديم ، مما يؤثر سلبا على نسبة كبيرة من الطلبة ، بعدم قبولهم ، فيخرجون للدراسة خارج البلاد وبتخصصات علمية كالطب والهندسة علما بأن معدلاتهم فوق الخمسين بالمائة بقليل فيرجعون بشهادات علمية عليا كالطب والهندسة والصيدلة وغيرها . ولهذا لا بد من تطبيق مبدأ حرية التقدم لجامعة القدس المفتوحة للجميع دون تحديد معدلات وإنما اشتراط النجاح في الثانوية العامة كما كانت السياسة الجامعة السابقة . ورب قائل يقول ، إن هناك 25 كلية مجتمع متوسطة ، حكومية وعامة وخاصة ، يفترض أن يكون لها نسبة من عدد خريجي الثانوية العامة ، وهذا صحيح للوهلة الأولى إلا أنه يسبب قلقا وإرباكا للطلبة وأهل الطلبة كذلك ، فمعظم هؤلاء الطلبة قد لا يرغبون في الالتحاق بدرجات الدبلوم أو الدبلوم المهني او التقني وهذا حق لهم ، وإن التحقوا بهذه الكليات فهناك نسبة لا باس بها تعاود الالتحاق بإحدى الجامعات التقليدية أو المفتوحة لتجسير التعليم العالي والوصول مجددا لدرجة البكالوريوس ، مما يسبب في ضياع مساقات جامعية لا تحتسب لهم وضياع فرص مالية وتأخير في إنشاء أسر عائلية على هؤلاء الناس من أبناء فلسطين .
وهناك مسالة أخرى ، يجب ايجاد الحل المناسب لها ، وهي اتباع سياسة التعليم الخاص أو التعليم الموازي ، حيث تقضي هذه السياسة الجامعية على الطالب الذي نقص معدله في التوجيهي عن معدل الحد الأدنى المطلوب ، للقبول في الكلية التي يرغب الالتحاق بها ، تعبئة طلب جديد ( دراسة خاصة أو تعليم موازي ) وان يدفع ضعف الرسوم الجامعية تقريبا ، علما بأن عشرات هؤلاء الطلبة قد ينقصهم أعشار العلامة الواحدة أو علامة أو علامتين فيحرمون من الدراسة العادية ويضطرون للالتحاق بالدراسة الخاصة مما يكلفهم أموالا إضافية جديدة . فمثلا في الكليات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية رسم الساعة المعتمدة الواحدة العادي 21 دينارا اردنيا ، ورسم الساعة المعتمدة في الدراسة الخاصة تصل إلى 40 دينارا ، وهذا رقم قريب من الضعف إلا قليلا ، فهذا يحرم أو يقلل من التحاق مئات الطلبة بالجامعات الفلسطينية في التخصصات التي يريدونها ، ويشكل ظلما وإجحافا بحق هؤلاء الطلبة وأهاليهم خاصة في ظل ظروف الاحتلال والمصاعب الخطيرة الجمة المحدقة بالبلاد . وعليه ، ينبغي الرافة بهؤلاء الطلبة وذويهم وتقليل رسوم الساعة المعتمدة . فلماذ لا يعتمد نظام الدراسة المسائية لاستيعاب مثل هؤلاء الطلبة ؟ ولماذ لا تزيد مثلا الرسوم المالية الإضافية ، على الربع أو الثلث على ابعد تقدير وليس الضعف ، أو دفع مبلغ 500 دينار إضافي كما تلجأ لذلك بعض الجامعات ؟ فاتباع نظام الدراسة الخاصة يقرب هذه الجامعات المحلية من الجامعات الخاصة أو الأهلية التي تهدف جني الأرباح المالية بشكل أكبر ، وهذا الوضع لا يناسب فلسطين وأهلها المرابطين الصامدين في ثراها . فهل هناك مقاعد طلابية للدراسة الخاصة ، ولا يوجد مقاعد للدراسة العادية ؟!
13. توفير المراجع والكتب العلمية :
هناك نقص واضح في المراجع والكتب العلمية في مكتبات الجامعات الفلسطينية كما أنه لا توجد عملية إعداد مقررات أساسية واضحة سوى في جامعة القدس المفتوحة ، وبعض الجامعات على نطاق ضيق ، وهناك حاجة ماسة لتشكيل لجان أكاديمية متخصصة لتأليف الكتب والمقررات الجامعية كأساس وليس تحديد لمساق معين . ومن الضروري وضع ( نظام جامعي فلسطيني ) الكتروني سهل ، يتيح للطالب الفلسطيني في اي جامعة الاستفادة من جميع مكتبات الجامعات والبلديات لقاء مبلغ مالي لمرة واحدة ومقابل ضمانات مالية مستردة للطالب الجامعي الفلسطيني . وهذا التعاون يمكن جميع طلبة الجامعات المحلية من تعويض نقص المراجع والكتب العلمية المختصة .
14. بناء المشافي الجامعية :
هناك كلية الطب المركزية الفلسطينية بافرعها الثلاثة في جامعة القدس بالعاصمة الفلسطينية المنتظرة وجامعة النجاح الوطنية بمدينة نابلس وجامعة الأزهر بغزة ، التي أنشأت بعد قيام السلطة الوطنية الفلسطينية . وهذه الكلية تعتمد على مستشفيات حكومية أو عامة وبحاجة إلى افتتاح مستشفى لها بفروع ثلاثة ايضا ليواكب احتياجات الطب العملية والتدريب المبكر لتخريج أفواج طبية فعالة والتخفيف على الطلبة من عناء السفر من هنا وهناك . وهذه المشافي الجامعية تفيد المجتمع والطلبة في الآن ذاته ، فتفيد المجتمع المحلي بتقديم خدمات طبية جديدة ترفع الضغط عن المشافي الفلسطينية الحالية ، المحدودة الفعالية ، وتفيد الطلبة عبر التدريب الطبي الحقيقي المتواصل القريب من الجامعة المعنية .

ليست هناك تعليقات: