الأحد، 13 أبريل 2008

الطائفية العنصرية اليهودية ضد السكان الأصليين في فلسطين

الأحد,شباط 17, 2008

الطائفية العنصرية اليهودية
ضد السكان الأصليين في فلسطين
د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية
جامعة فلسطين التقنية / طولكرم
==================
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ } ( القرآن المجيد : الحجرات ، 11 – 12 ) .
بداية يمكن القول ، إن التمييز لغة ، هو التفضيل أو التحيز أو التفرقة بين طرفين أو شيئين لصالح أحدهما . والتمييز اصطلاحا : هو تفضيل جماعة على جماعة أو جماعات أخرى في مجالات الحياة اليومية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالاستناد إلى معايير زائفة تتمثل في : العنصر أو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي أو امتلاك الثروة والمال أو على أساس المولد . وقد نشأ التمييز بكافة أنواعه في التاريخ المعاصر عن شعور جماعة ما بأنها متفوقة على الآخرين وتمتلك مزايا – حسب اعتقادها – لا تتوفر في غيرها بأي حال من الأحوال . وحسب بعض العلماء المتخصصين في السلالات البشرية فان الأعراق البشرية شملت خمسة أعراق أو سلالات هي : القوقازية ( البيض ) ، المغولية ( الصفر ) ، الإثيوبية ( السود ) الأمريكية ( الحمر ) والملاوية ( السمر ) .
وعلى كل الأحوال ، فان سياسة التمييز التي اجتاحت العالم في التاريخ المعاصر في قارات أفريقيا وآسيا وأمريكيا الشمالية وأوروبا ، لجأت إلى تبرير هذه السياسة بالاستناد إلى عدة حجج وهي : لون جلد الإنسان ، ورائحته ، وقوة هذه الجماعة وضعف الآخرين ، والاختلاف الثقافي والاقتصادي بين الجانبين المطبق لسياسة التفضيل والنبذ وضحية هذه السياسة العنصرية تبقى معذبة في الأرض . ومهما يكن من أمر ، فان الكثير من الجماعات العنصرية عبر التاريخ المعاصر لجأت إلى استخدام الدين لتبرير سياساتها العنصرية تجاه الجماعات الأخرى ، فبالرغم من أن التعاليم الأصلية السمحة لليهودية والنصرانية إبان عهد الأنبياء والرسل كالنبي موسى وأخاه هارون عليهما السلام والمسيح ابن مريم عليه السلام إلا أن أتباع هاتين الديانتين فيما بعد اجروا تحويرات وتغييرات على النصوص الأصلية وبرروا عملية استغلال الآخرين ، وصنفوا الناس إلى أسياد وعبيد . وأما الدين الإسلامي ، في حالات قوة وضعف الأمة الإسلامية ، فقد بقي كما هو على الصراط المستقيم ، مستندا إلى القرآن المجيد والسنة النبوية الشريفة بعيدا كل البعد عن التمييز بين الأمم والناس أجمعين . وعملية المفاضلة في الإسلام لا تتم إلا بالصلاح وصنع الخير العام على أساس التقوى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ( القرآن المجيد : الحجرات ، 13 ) ، وان الناس سواسية كأسنان المشط . ليس ذلك فحسب بل إن الإسلام نبذ الدعوات العصبية والعنصرية مهما كانت حجتها نبذا واضحا ودعا إلى الإخوة بين المؤمنين كافة .
من الجانب الآخر ، فان عصبة الأمم التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى ، وهيئة الأمم المتحدة التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية سعتا إلى وضع نصوص دولية لحماية حقوق الإنسان ومحاربة التمييز أيا كان نوعه أو شكله . فوضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 الذي اعتبر أن جميع الناس أحرارا متساوين يجب أن يتمتعوا بكافة الحقوق والحريات دون مفاضلة أو تمييز ، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو الأصل القومي أو الأصل الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي شيء آخر . وتتالت عملية إصدار ونشر الإعلانات والوثائق الدولية المنادية بحقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية . وبالرغم من كل ذلك ، فان سياسات التمييز في بعض القارات لم تلق سلاحها العنصري بعد . وعلى جميع الأحوال ، فان الدوافع والعوامل الحقيقية التي تحدو بإحدى الجماعات العنصرية لممارسة سياسة التمييز ضد الآخرين تمثلت في دوافع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعسكرية واستراتيجية ودينية ، وهذه الدوافع قابلة للتنفيذ والادعاء في كل زمان ومكان . وانتشرت عدة نماذج تمييز في التاريخ المعاصر في عدة قارات في العالم ، عبر نماذج تمييز مارستها دول مستعمرة أو أقليات عرقية أو أحزاب سياسية في هذه القارات .
وقد أثبتت المسيرة التاريخية العالمية ، أن التمييز بأنواعه والظلم والاضطهاد القومي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تمارسه جماعة أو حزب أو طائفة ضد الآخرين مصيره إلى زوال حسب الشواهد القديمة والحديثة والمعاصرة مهما طال الأمد عليها . فقد رأينا أن بعض وقائع التمييز امتد لنحو ربع قرن وبعضها امتد لأربعة قرون إلا انه في نهاية المطاف لم تصمد الأفكار والممارسات الاستعلائية إمام منطق العدالة والمساواة وإحقاق الحق وإبطال الباطل .
وأما بالنسبة للتمييز اليهودي – الصهيوني - الإسرائيلي ضد الفلسطينيين ، أهل البلاد الأصليين ، فاتبعت سياسة التمييز الإسرائيلية الشاملة القائمة على الإذلال والسخرية والهمز واللمز والحقد والكراهية والبغضاء ، تجاه المواطنين الفلسطينيين بعد قيام الكيان الصهيوني " إسرائيل " عام 1948 ولغاية الآن لم تتغير أو تتبدل اللهم إلا في الأسلوب أو التكتيك ، فالعقيدة أو الإيديولوجية الصهيونية المبرمجة والمخططة بشكل استراتيجي هي التي توجه السلوكيات والتصرفات الإسرائيلية تجاه المواطنين الفلسطينيين خلال نحو ستة عقود من الزمن في التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر . على أي حال ، إن الدولة العبرية ( إسرائيل ) هي كيان عدواني وقاعدة استعمارية متقدمة في الوطن العربي ، تسترشد بسياسة الصهيونية العنصرية التي تسعى إلى تحقيق المصالح الاستعمارية الكبرى للعالم الغربي في الوطن العربي . وجاء التأكيد الرسمي على عنصرية الدولة العبرية كدولة يهودية قبل وأثناء وبعد مؤتمر أنابوليس الأمريكي في 27 تشرين الثاني 2007 حيث طالب الوفد الإسرائيلي بالاعتراف بالدولة اليهودية والتنكر لأهل البلاد الأصليين .
وقد خاضت قوات الكيان الصهيوني العنصري بمساعدة الغرب الاستعماري ، عدة حروب ضد العرب عامة والفلسطينيين خاصة ابتداء من حرب نكبة فلسطين الكبرى عام 1948 ، مرورا بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، وحرب عام 1967 ، واحتلال بقية أجزاء فلسطين وجزء من مصر وسوريا ، وحرب عامي 1978 ، و1982 ضد الثورة الفلسطينية في لبنان ، وحرب السنوات الست ( الانتفاضة الأولى ) منذ نهاية كانون الأول عام 1987 وحتى أيار 1994 ، ووصولا إلى الحرب الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بعد 28 أيلول عام 2000 حتى الآن . وتعمل الإيديولوجية الصهيونية على تنشئة الأجيال اليهودية تنشئة عنصرية متطرفة وتنكر على أبناء الشعب العربي الفلسطيني حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية والثقافية والإعلامية في بلادهم ، وتمتلئ الأفكار الصهيونية بالحقد والعداء والكراهية ضد العرب في البلاد . وقد جرب اليهود إسقاط سياسة التمييز العنصري والمعازل الجغرافية ( الجيتو ) التي عانوا منها في العديد من دول العالم وخاصة في أوروبا على الفلسطينيين خاصة والعرب عامة ( كأقليات طائفية غير يهودية أو الوسط العربي ) ، كما يحلو لليهود أن يطلقوا على العرب . والمؤسسات والدوائر الصهيونية – اليهودية ، ما زالت تتبنى سياسة التمييز العنصري تجاه العرب في البلاد .
ويمكن القول ، إن أهل البلاد الأصليين أصبحوا يشكلون الآن قوة بشرية وسياسية واقتصادية واجتماعية ديناميكية متحركة ، فمن 160 ألف فلسطيني بقوا في فلسطين الكبرى بعد النكبة عام 1948 ، إلى 3 ر1 مليون نسمة عام 2008 . ويبلغ متوسط التكاثر الطبيعي بين العرب نحو 4 % سنويا في حين يبلغ عند اليهود نسبة 9ر1 % تقريبا .
وقد سعت سياسة القبضة الحديدية الإسرائيلية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والساحل إلى تهميش دور العرب أولا ، وتجاهلهم وتقليص وجودهم البشري زمانيا وجغرافيا على الأرض الفلسطينية ، أرض الآباء والأجداد ، وفي المقابل تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة عام 1948 ، فأصبحت الجاليات اليهودية في فلسطين تشمل أكثر من مائة جنسية أوروبية وآسيوية وافريقية وأمريكية واسترالية . وما الإجراءات اليهودية اليومية ضد المواطنين العرب في البلاد ، من مصادرات أراضي وهدم بيوت وحرمان اقتصادي واجتماعي إلا شاهد عيان ودليل صدق على ما نقول ، والسجل اليهودي طافح بعذابات الفلسطينيين منذ نشأة الدولة العبرية حتى الآن ، وما زالت سياسة التطهير العرقي ، و" تنظيف البلاد " من العرب الفلسطينيين مستمرة ظاهرة في كل آن . فقد استولت المنظمات اليهودية - الصهيونية وافرازاتها على أكثر من 97 % من أراضي العرب الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب والساحل منذ عام 1948 ولغاية الآن . على أي حال ، إن المجتمع اليهودي يعد مجتمعا مفتوحا وديموقراطيا عرقيا لليهود فقط من الناحية العملية إلا انه مغلقا وانعزاليا تجاه الفلسطينيين ، الذين يعتبرون حسب وجهة النظر الإسرائيلية أقلية سكانية غير يهودية لا يؤمن جانبهم . ومظاهر التمييز والعنصرية الطائفية اليهودية التي يحس بها الفلسطينيون ، كسكان أصليين ، من مناطق عام 1948 كثيرة ومتعددة يصعب حصرها ، وكانت اطروحة الدكتوراه التي أعددتها وأجازتها الجامعة في حزيران 2002 ، بعنوان سياسة التمييز الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ، حافلة بالمشاهد الطائفية العنصرية اليهودية – الصهيونية الحية المتجددة ، ضد أهل البلاد الأصليين ، إلا أننا سنورد ابرز هذه المظاهر العنصرية باختصار ، وهي :
أولا : التمييز الإسرائيلي ضد الفلسطينيين
في المجالات السياسية :
تتمثل في التمييز الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في مجالات : المجازر : بلغ عددها نحو خمس وثلاثين مجزرة ضد الفلسطينيين ، مثل : مجزرة دير ياسين في 9 نيسان 1948 التي راح ضحيتها 300 مواطن ، ومجزرة كفر قاسم في 29 تشرين الأول عام 1956 التي راح ضحيتها 49 مواطنا فلسطينيا ، ومجزرة الطنطورة التي راح ضحيتها نحو 200 فلسطيني ، ومجزرة ناصر الدين ، ومجزرة قبية وغيرها ، لإرهاب وقمع الفلسطينيين . والحكم العسكري الإسرائيلي نفذ من 1948 ولغاية 1966 رسميا ، إلا انه يطبق بين الحين والآخر . والأحكام والقوانين العرفية في البلاد تجددها الحكومة الإسرائيلية عبر البرلمان الإسرائيلي ( الكنيست ) كلما انتهى مفعولها لتحديد نشاطات وفعاليات المؤسسات الجماهيرية العربية .
والتمييز الإسرائيلي في المواطنة والحرمان من حق العودة للوطن ، لا زال مطبقا على العرب الفلسطينيين ، فالفلسطيني محروم من العودة إلى وطنه ، وفي المقابل يتاح المجال لكل يهودي في العالم القدوم للاستيطان في فلسطين والحصول على الجنسية الإسرائيلية . وتتزايد أعداد الجاليات اليهودية المتباينة في البلاد سنويا بعشرات الآلاف ليصل عدد اليهود في البلاد أكثر من خمسة ملايين وأربعمائة ألف يهودي ، إذ قدم منهم نحو 8 ر2 مليون يهودي من خارج البلاد ( قادمين جدد ) طيلة 53 عاما امتدت من 1948 – 2001 ، بينما لا يحق لأي فلسطيني طرد من أرضه العودة إليها ، كما جاء في قرار الأمم المتحدة رقم 194 القاضي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الذي ما زال ملقى في الأدراج الدولية .
وأما التمييز الإسرائيلي في تجزئة المواطنين العرب إلى طوائف مختلفة ، فما زال شاهرا سيفه فوق رقاب العرب ، حيث جرى تقسيم العرب إلى عدة طوائف سكانية ( غير يهودية ) أو غير صهيونية : إسلامية ، مسيحية ، درزية ، بدوية ، والتعامل مع العرب على هذا الأساس كطوائف أو أفراد ساكنين غير مالكين لأرض أو بيت ، وعدم التعامل معهم كأقلية قومية لها حقوقا سياسية جماعية مثلما هو مقر في كافة المواثيق والقوانين الدولية في هذا المضمار . ومحاولات التفريق الإسرائيلية بين الفلسطينيين من مختلف الطوائف لم تتوقف .
وكذلك التمييز الإسرائيلي في ترخيص الأحزاب والحركات والجمعيات الفلسطينية ، ما زال ماثلا للعيان إذ أن الأحزاب السياسية العربية يجب أن تعترف بيهودية الدولة قبل أن يتم الاعتراف بها كأحزاب سياسية مرخصة . وهناك الكثير من المؤسسات والجمعيات التي لاحقتها أجهزة الأمن الإسرائيلية وأغلقت أبوابها بحجج واهية .
والتمييز الإسرائيلي في الحياة السياسية والبرلمانية ، يلقى بظلاله القاتمة أيضا ، فالعرب اجبروا على الانخراط في الأحزاب اليهودية – الصهيونية ، حيث منعوا من تأسيس أي حزب سياسي عربي ، إلا بعد عام 1988 ، حيث تأسس أول حزب عربي ، ويوجد الآن عدة حركات وأحزاب عربية هي : الحركة الإسلامية ، والحزب الديموقراطي العربي ، والحزب القومي العربي ، والحركة العربية للتغيير ، والتجمع الوطني الديموقراطي ، والجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة ، وجبهة الوحدة الوطنية ، وحركة أبناء البلد ، ولجنة المتابعة الدرزية ، ولجنة المبادرة الدرزية وحركة المستقلين وغيرها . وتجرى عملية ملاحقة هذه الأحزاب والجماعات العربية بشكل منظم .
كما إن البرلمان ( الكنيست الإسرائيلي ) الذي يضم 120 نائبا ، لا تتيح الأحزاب اليهودية – الصهيونية فيه لممثلي الأحزاب والحركات العربية البالغ عددهم 13 نائبا من تحقيق حقوق ومصالح منتخبيهم العرب ، بل على العكس من ذلك ، فان هذا البرلمان تفوح منه رائحة العنصرية اليهودية تجاه العرب ، سواء من جهة سن قوانين عنصرية أو ملاحقة النواب العرب . فقد إصدار الكنيست قانون العودة عام 1950 ، وقانون الجنسية عام 1953 ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين لغاية الآن ، هذا بالإضافة إلى سن قانون أملاك الغائبين ، وقانون التعليم عامي 1949 ، 1953 وغيرها من القوانين العنصرية .
وكذلك ، فان كافة الأحزاب العربية ما زالت مستثناة من المشاركة في تشكيل الحكومة في البلاد بأي شكل من الأشكال بينما تتسابق الأحزاب اليهودية – الصهيونية ، الدينية والعلمانية ، على كسب ود الناخب العربي ، وتطلب دعم النواب العرب في الكنيست ضمن الكتلة المانعة لحجب الثقة عن الحكومة . وبعد الانتخابات السياسية – البرلمانية العامة التي تجري على مستوى قطري ، تدير الأحزاب اليهودية والصهيونية ، المكلفة من رئيس الدولة بتشكيل الحكومة ، ظهرها للناخبين العرب وممثليهم في البرلمان فحتى إن النواب العرب لا يؤخذ رأيهم في عملية تشكيل الحكومة سواء شكلها حزب العمل أو الليكود أو بائتلاف بينهما .
والتمييز الإسرائيلي في المناصب الوزارية والإدارية العليا ، ما زال مطبقا على أعلى المستويات السياسية والإدارية ، فلم يشهد أي تشكيل وزاري تسمية أو تكليف نائب عربي من حزب عربي لأي وزارة من الوزارات الإسرائيلية التي تنوف عن العشرين في غالب الأحيان منذ عام 1948 ولغاية الآن كما اشرنا . فكان محظورا على العرب من مختلف الطوائف دخول أية تشكيلة وزارية سواء برئاسة حزب العمل أو حزب الليكود ، طيلة 53 عاما . والتشكيلة الوزارية الأولى التي دخل فيها قبل سبع سنوات في آذار عام 2001 ، وزير عربي درزي ( صالح طريف ) ، افرزه حزب العمل الإسرائيلي ثم دخل غالب مجادلة كنائب عربي عن حزب العمل وتولى حقيبة العلوم والثقافة والرياضة . وهذين الزيرين أدخلوا للحكومة الإسرائيلية لأنهما خدما في الجيش الإسرائيلي وعضوين عربيين بارزين في حزب العمل الصهيوني .
وفي سياق آخر ، فان تمثيل العرب في المؤسسات الحكومية والدوائر العامة لم يصل إلى الأمل المنشود ، فالتمثيل العربي في كافة الوزارات والمؤسسات العامة في المعدل لا يزيد عن 4 % بينما يشكل العرب نحو 20 % من تعداد السكان في البلاد . وهناك العديد من الوزارات والمؤسسات الحكومية التي يحظر بشكل قطعي على العرب الدخول فيها كوزارة الاتصالات .
والتمييز الإسرائيلي في السلطات المحلية ، هو الآخر ما زال يطل برأسه صباح مساء ، سواء في ميزانيات السلطات المحلية العربية إلى تقل مخصصاتها عن نصف ما يخصص للسلطات المحلية اليهودية في المستوطنات اليهودية ، أو في تحجيم المخططات الهيكلية للمدن وللقرى والبلدات العربية والتسويف الإسرائيلي في إصدار رخص الأبنية . أما بالنسبة للمخططات الهيكلية للمدن والقرى العربية وإصدار تراخيص الأبنية فهي صعبة المنال مما يحتم على المواطنين إنشاء أبنية دون تراخيص من اللجان المحلية للتنظيم والبناء مما يعرضها للهدم من قبل السلطات الإسرائيلية . والمواطنون العرب في المدن المختلطة يعانون من التمييز الإسرائيلي مرتين : المرة الأولى : التمييز ضد العرب على أساس قطري . والمرة الثانية التمييز ضد العرب في هذه المدن على أساس محلي .
ثانيا : التمييز الإسرائيلي ضد الفلسطينيين
في المجالات الاقتصادية
تشتمل سياسة التمييز الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في المجالات الاقتصادية على عدة وجوه هي : مصادرة الأراضي الفلسطينية إذ صادرت السلطات الإسرائيلية مساحات شاسعة من أراضي العرب بحيث لم يتبقى للعرب إلا نسبة تقارب 5 ر2 % من مساحة فلسطين المحتلة عام 1948 البالغة 770ر 20 كم2 ، بالاستناد إلى قوانين الطوارئ البريطانية ، والقوانين العنصرية التي أصدرتها الكنيست . واستخدمت الأرض العربية لإنشاء المستوطنات الاستعمارية : الإسكانية والزراعية والصناعية والعسكرية والدينية وسواها ولم يتم إنشاء أية قرية عربية . ثم تأتي سياسة التمييز في الاستثمار الاقتصادي : الذي يشمل الاضطهاد والاستغلال الاقتصادي وسيطرة اليهود على المقدرات والموارد الاقتصادية الزراعية والصناعية والتجارية والسياحية وحصولهم على الامتيازات والإعفاءات الضريبية في مناطق التطوير ( أ ) . ففي قطاع الزراعة تظهر المحاباة والتحيز للمزارع اليهودي سواء بالنسبة لمساحة الدونمات المتاحة للزراعة أو إنتاجية الدونم الواحد حيث يتاح لليهودي استخدام كافة الأساليب الزراعية الحديثة بينما العربي ما زال يعتمد على الزراعة التقليدية البدائية في كثير من الأحيان . والزراعة المروية تتركز في المزارع اليهودية ، أما المزارع الفلسطيني فان الزراعة المروية لا تشكل له إلا نسبة ضئيلة قياسا باليهود ، إذ لا تتجاوز 3 ر2 % من حصة اليهودي ، وحتى إن المواطن العربي يفتقر إلى مياه الشرب .
ولا يوجد للعرب صناعات كبيرة مقارنة باليهود ، إذ تتركز الصناعات العربية في الصناعات الخفيفة كالمحادد والمناجر والمعامل الصغيرة وتصنيع المخلالات والمواد الغذائية البسيطة وغيرها . وحال السياحة العربية ليس بأحسن من حال القطاعات الاقتصادية الأخرى فالأماكن السياحية غير مؤهلة على المستوى المطلوب ، في حين إن العناية بالمرافق السياحية اليهودية هي عناية مركزة وتحظى بالدعم الحكومي المميز . وبهذا فان الاقتصاد العربي هش يعتمد اعتمادا كليا على الاقتصاد الإسرائيلي في جميع المجالات .
وأما التمييز الإسرائيلي في العمل فيتمثل بإتباع سياسة العمل العبري ومستويات الأجور . فقد عملت الهستدروت والوكالة اليهودية والحكومة الإسرائيلية على إتباع عدة مبادئ صهيونية في الاستيطان الإسكاني وفي التشغيل وفق سياسات ثابتة . وتتركز القوى العاملة العربية في الأعمال الشاقة ، التي ينفر منها اليهود ، وأما الأعمال المكتبية والخدمية الراقية فتسند إلى الموظفين اليهود . وهناك مؤسسات اقتصادية يحظر على العرب العمل فيها مثل الصناعات العسكرية البرية والبحرية والجوية والالكترونيات وغيرها . كما إن عدد ساعات العمل التي يؤديها العرب أكثر من تلك المخصصة لليهود . وحال المؤسسات الاقتصادية ليس بأحسن من هذا الوضع التشغيلي ، وهناك مؤسسات يهودية تمنع العمال العرب من التحدث بالعربية أثناء العمل وتجبرهم على التحدث باللغة العبرية . والعرب هم الفئة الأكثر فقرا في المجتمع والأكثر تعرضا للبطالة . والتمييز في التنظيم العمالي النقابي ( الهستدروت ) ، أوقع العرب في متاهات عنصرية كثيرة وخاصة أن هذه المنظمة هي ذات فروع اقتصادية اجتماعية نقابية متشعبة . وقد اتخذت الهستدروت أربع شعارات يهودية وصهيونية عنصرية ، وهي : خلاص الأرض ، العمل العبري الصرف ، الإنتاج العبري ، وأحادية التنظيم العمالي . وفي عام 1948 تم إنهاء جمعية العمال العربية الفلسطينية التي أنشأت عام 1925 للدفاع عن حقوق العمال العرب .
ثالثا : التمييز الإسرائيلي ضد الفلسطينيين
في المجالات الاجتماعية والثقافية
تطال سياسة التمييز الإسرائيلية ضد الفلسطينيين عدة مجالات اجتماعية وثقافية هي : التمييز في الإسكان : إذ هدمت المنظمات الصهيونية والحكومة الإسرائيلية مئات القرى الفلسطينية في البلاد لتهجير العرب واستقدام يهود جدد بدلا منهم ، فلم يبق من 531 قرية إلا 96 قرية عربية في البلاد جراء الترحيل والطرد الجماعي المتواصل .
وفي المدن الساحلية والمختلطة ، تم عزل العرب في أحياء صغيرة وفقيرة ولم تسمح لهم السلطة الإسرائيلية المختصة بترميم بيوتهم رغم أنها آيلة للسقوط . وهناك اكتظاظ سكاني في المدن والقرى العربية ، ولم يتم إقامة أية قرية عربية مقابل إنشاء مئات المستوطنات التي بلغ عددها 1400 مستوطنة ، بتمويل حكومي ، والبيوت العربية بيوت بسيطة متواضعة مقارنة بالبيوت الفارهة لليهود . وتقوم الجهات الإسرائيلية الحاكمة بعملية هدم جماعية للبيوت العربية غير الحاصلة على التراخيص جراء الإهمال والتجاهل الرسمي الإسرائيلي بينما لا تهدم هذه السلطات بيوتا لليهود .
والتمييز في التعليم العام والعالي : صدر قانون التعليم الإسرائيلي عام 1949 ثم تلاه قانون سنة 1953 ، وقد حدد هذا القانون أهداف التعليم الحكومي بإرساء الأسس التربوية على القيم اليهودية والولاء للدولة اليهودية والشعب اليهودي ، وأمعن في فرض التحكم الحكومي الرسمي في شؤون التعليم العربي العام من خلال التحكم والسيطرة في الخدمات والبرامج التعليمية ووضع المناهج التعليمية المدرسية التي تهدف إلى طمس معالم الثقافة والحضارة العربية وتكريس العادات والقيم اليهودية الغريبة على العرب . وأما بشأن طرق تربية الطالب اليهودي فتبنى على كراهية العرب ووصفهم بصفات غير إنسانية كالحيوانات والحشرات والنمل والزواحف والمتخلفين والجهلة والقتلة وما إلى ذلك من قاموس المصطلحات العنصرية التي تنضح بالكراهية والحقد الأعمى ضد العرب .
على إي حال ، إن الاضطهاد الاجتماعي في التعليم العربي يتمثل في عدم الاهتمام الكافي بشؤون التربية والتعليم ، فعدد المدارس قليل ونسبة التسرب عالية بين الطلبة العرب ، والمخصصات المدرسية بسيطة لا تسمح بالتطور والتطوير الضروري ، كما يتم تشويه صورة الفلسطيني والعربي في المناهج التعليمية . وكذلك تعتبر اللغة العبرية هي اللغة الرسمية الأولى إذ يتم تهميش اللغة العربية في المدارس والمعاهد العليا والجامعات الإسرائيلية ، فحتى الأدب العربي يجري تدريسه باللغة العبرية في الجامعات وقد سنت العديد من القوانين لذلك .
وأما بالنسبة للتمييز في التعليم العالي ، فهناك سبع جامعات يهودية مقيمة وجامعة يهودية واحدة مفتوحة بينما لا يوجد أي جامعة عربية في البلاد ، فالسلطات الإسرائيلية تعارض إقامة جامعة للفلسطينيين وهي " جامعة الجليل العربية " التي طرحت فكرتها عام 1978 وذلك لأسباب سياسية بدعوى أن هذه الجامعة ستكون بؤرة ثورة " فتن وشغب " . وهناك ثلاث كليات عربية غير معترف بها رغم استيفائها لشروط الاعتراف مقابل عدة كليات يهودية معترف بها . كما إن عدد الأكاديميين العرب العاملين في الجامعات الإسرائيلية وصل عام 2000 إلى 15 أكاديميا من بين خمسة آلاف أكاديمي يعملون في الجامعات الإسرائيلية . وبالنسبة للحاصلين على تعليم عالي ، فقد وصلت عند العرب 3 % مقابل 30 % عند اليهود الغربيين ، و6 % عند اليهود الشرقيين في عام 2000 . وفيما يتعلق بقبول الطلبة الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية فهناك شروط معينة للحيلولة دون زيادة عددهم في الجامعات الإسرائيلية . و مجلس التعليم العالي لا يمثل العرب فيه إلا عضوا واحدا من اصل 30 عضوا .
والتمييز في الصحة العامة والرعاية الاجتماعية : يعاني العرب من أوضاع صحية صعبة ، واليهود يستأثرون بنصيب الأسد من التامين الصحي وخدمات صندوق المرضى العام . وهناك 200 عيادة لصحة الأم والطفل مقابل 6 عيادات لدى العرب ، وبلغ عدد المستشفيات الحكومية التابعة لوزارة الصحة 192 مستشفى بينما لا يوجد أي مستشفى حكومي في المدن والقرى العربية . كما إن نصيب العربي من مخصصات الصحة تصل إلى 40 % من نصيب اليهودي في البلاد ، وهناك نقص هائل في خدمات الأمن الصحي الوقائي لدى العرب ، وهناك 85 محطة لنجمة داود الحمراء منها محطتين عند العرب فقط . وهناك تمييز يهودي واضح في مجال الرعاية الاجتماعية بين العرب واليهود لكافة الفئات الاجتماعية سواء للأطفال أو الكبار في السن أو المعاقين أو النساء ، وهناك قلة في عدد المستفيدين العرب من خدمات الرعاية الاجتماعية كخدمات التأمين ( الوطني ) الإسرائيلي .
والتمييز في المجالات الثقافية والإعلامية : لا تهتم الحكومة الإسرائيلية والمؤسسات التابعة لها بالثقافة العربية سواء من جهة المسرح أو الشعر أو النثر أو الترجمة ، ولا يوجد في المدن المختلطة أي مركز ثقافي عربي . واتحاد الكتاب العبريين لا يقبل في عضويته أي أديب أو كاتب عربي ، ويتمتع هذا الاتحاد بمزايا مالية وثقافية هائلة مقارنة بعدم الاهتمام المثقفين والأدباء والكتاب العرب الذين يتعرضون للملاحقة والاعتقال ومصادرة المؤلفات . فمثلا ، في عام 2000 بلغت ميزانية وزارة الثقافة والعلوم والرياضة الإسرائيلية 375 مليون شيكل خصص للجانب العربي منها 5 ر15 مليون شيكل تقريبا للموسيقى والمسرح والمهرجانات والمكتبة العامة ومؤسسات البحث العلمي .
والتمييز في وسائل الإعلام الجماهيرية : تشن وسائل الاتصال الجماهيرية اليهودية حملات تحريض وتشويه وبث شائعات واسعة ضد العرب وقياداتهم وتفرض سياسة تعتيم مبرمجة على النشاطات الحية وتمارس دعاية سياسية ضد العرب وفق أساليب الحرب النفسية الشاملة والمتواصلة لترهيب العرب وتخويفهم .
على أي حال ، تستند السلطات الإسرائيلية على عدة ادعاءات في التمييز العنصري ضد المواطنين الفلسطينيين ، ومن أبرز هذه الادعاءات :
1 ) إن " دولة اليهود " التي نادى بها المفكرون الصهاينة ، هي في " ارض الميعاد " ، ويجب أن تكون " دولة يهودية أحادية القومية " واستثناء العرب منها واعتبارهم أقلية سكانية غير يهودية ليس لها حقوقا سياسية واقتصادية واجتماعية أسوة باليهود . وهذه مناداة فجة غير قويمة إذ أن الطائفة اليهودية – الصهيونية – الإسرائيلية هي وجود طارئ على البلاد سيطرت على المقدرات وعلى العباد والبلاد قبل نحو ستين عاما فقط بينما الوضع الطبيعي هو الوجود العربي الإسلامي – النصراني قبل ذلك التاريخ بآلاف السنين .
2 ) إن اليهود يخدمون في " الجيش الإسرائيلي " ، وبما أن العرب ليس لهم ميل لدخول الجيش الإسرائيلي فانه ليس لهم أن يحصلوا على نفس الحقوق لليهود . وهناك طرح سياسي يطالب الفلسطينيين العرب بأداء ما يسمى بالخدمة الوطنية أو الخدمة المدنية بدلا من التجنيد العسكري الاجباري للعرب الا أن السواد الأعظم من العرب من مسلمين ونصارى يرفضون هذا الطرح الساذج ويرون فيه التفاف وتغيير في المسمى لتكريس الطائفية اليهودية في البلاد .
3 ) إن الفلسطينيين غير مخلصين " للدولة " بتأكيدهم أنهم جزء من الشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية . وهذا مبرر واهي أيضا إذ كيف يطلب من الضحية الفلسطينية أن تقدس الجلاد اليهودي بغض النظر عن اسمه ومسماه الحزبي أو الديني الطائفي أو السياسي أو الاجتماعي .
وهناك توجهان رئيسيان للفلسطينيين في البلاد حول مفهوم المساواة التامة : الاندماج مع المجتمع الإسرائيلي أو العمل على أن تكون " إسرائيل دولة لكل مواطنيها " . ورغم مرور ستة عقود زمنية على إنشاء الصهاينة للدولة اليهودية " إسرائيل " وبذل كل محاولات التعايش المشترك ، فان الفلسطينيين لم يشعروا بأنهم حصلوا على حقوقهم ، ولهذا لم يبادروا للاندماج الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الملائم مع الغرباء اليهود .
أما بالنسبة إلى معالجة سياسة التمييز الإسرائيلية فقد تسلسلت الحلقات اليومية لسياسة التمييز الإسرائيلية المتعددة والمتنوعة ضد المواطنين العرب الفلسطينيين ، أهل البلاد الأصليين ، في الجليل والمثلث والنقب والساحل ، منذ فترة نشوء الدولة العبرية بعد ( نكبة فلسطين الكبرى ) على أنقاض المدن والقرى العربية وتهجير نحو 90 % من أهل البلاد عام 1948 . وفي الآونة الأخيرة ، وصلت هذه السياسة الصهيونية العنصرية العرقية ذروتها ، المعلنة والخفية ، في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية . وتكرست عملية الصراع الإثني الثنائي العربي - اليهودي في البلاد على الأرض والنفوذ والحدود والموارد الطبيعية والهوية الوطنية ، مما يتطلب ثورة شاملة : مدنية اجتماعية واقتصادية وثقافية وسياسية وربما عسكرية ، لتنفيذ خطة استراتيجية متكاملة لسد الفجوة بين العرب واليهود في مختلف أنحاء البلاد لحصول العرب على حياة فضلى ، تخفف مما يعانون يوميا للحد من الكارثة الإنسانية الخطيرة التي تزحف باتجاههم بوتيرة متسارعة تارة وببطء طورا . وتتشعب وتتفرع هذه السياسة الصهيونية العنصرية القائمة على تفضيل معاملة اليهود على المواطنين العرب ، كما اشرنا سابقا ، لتمتد إلى كافة المجالات الحياتية الخاصة والعامة .
وإزاء سياسة التمييز العامة الشاملة الإسرائيلية ضد العرب الفلسطينيين ، وعدم معاملتهم كأقلية قومية عربية في البلاد لها حقوقا جماعية ، أو عدم إتباع سياسة التمييز الايجابي للعرب لتصحيح المسار العنصري اليهودي الخاطئ فان هناك عدة خيارات أو سيناريوهات تفرض نفسها بين الحين والآخر ، تتقدم حينا وتتأخر حينا آخر حيث برزت كتيارات فكرية – سياسية – اجتماعية عامة ، ولكنها مرنة غير جامدة ، تبعا للأوضاع الداخلية والخارجية في البلاد والتوجهات السياسية الإسرائيلية المتقلبة المزاج تجاه العرب الذين صمدوا في ارض فلسطين ، بهدف وضع حلول مقترحة لحل هذه المعضلة التي أرهقت المواطن العربي وجعلته يعيش حالة من الاغتراب الاجتماعي والنفسي في ارض وطنه ، قياسا مع غرباء جاؤوا إلى هذه البلاد من وراء البحار واستوطنوها عنوة ، وشردوا أهلها منها ، وهدموا البيوت ، وصادروا نسبة كبيرة جدا من الأراضي العربية الفلسطينية .وفيما يلي أهم هذه الخيارات أو السيناريوهات المقترحة التي تتعاطاها التيارات الفكرية – السياسية العربية واليهودية – الصهيونية – الإسرائيلية ، في حالات من المد والجزر :
أولا : انضمام الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب والساحل إلى دولة فلسطين العتيدة لتنفيذ مبدأ " دولة يهودية أحادية القومية لا ثنائية القومية " كما يدعي اليهود الآن ، وكذلك دولة عربية للعرب خالية قدر الامكان من الجاليات اليهودية ، وهو وفق ما يسمى تبادل الأرض والسكان .
ثانيا : الانفصال أو الاستقلال الجزئي ( الإدارة الذاتية ) عن الكيان الإسرائيلي .
ثالثا : البقاء في الوضع الراهن ( الاندماج الجزئي المهمش ) في الدولة العبرية .
رابعا : الاندماج الكلي بين العرب واليهود على أسس المساواة التامة في الدولة العبرية .
خامسا : ترحيل العرب الفلسطينيين إلى خارج وطنهم وإقامة دولة يهودية نقية .
سادسا : الاتحاد الفدرالي بين العرب واليهود وإقامة دولة ديموقراطية .
سابعا : الاتحاد الكونفدرالي بين دولتي فلسطين وإسرائيل .
ثامنا : تصفية دولة المستوطنين اليهود وإقامة دولة عربية الإسلامية ( للمسلمين والنصارى ) مع السماح ببقاء يهود في أراضي الدولة حسب قوانين الدولة الجديدة التي يمكن أن تقام في ارض فلسطين التاريخية .
ولا ينتظر من الطائفية العنصرية اليهودية – الصهيونية إنصاف أهل البلاد الأصليين من مسلمين ونصارى ، فهم لا يحبون العرب أصلا . يقول الله تبارك وتعالى : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ . الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } ( القرآن المجيد ، البقرة ، 120 – 121 ) .
والاقتراب والاقتران الإسلامي – النصراني في البلاد القائم على المحبة والمودة مثبت بالقرآن الكريم ، يقول الله جل جلاله : { لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ }( القرآن المجيد : المائدة ، 82 ) .
بقي أن نقول ، انه ما لم يتم الاعتراف بالحقوق الوطنية للشعب العربي الفلسطيني فان المستقبل يبقى غامضا للفلسطينيين ، وكذلك إن عدم اعتبار أبناء الشعب الفلسطيني في ارض فلسطين المحتلة عام 1948 كأقلية قومية تبقي مسألتهم قنبلة موقوتة قابلة للانفجار ، كما إن تطبيق المساواة وتنفيذ استحقاقات السلام تساهم في تخفيف التوتر في المنطقة . وان الطائفية العنصرية اليهودية الصهيونية وسياسة التمييز الإسرائيلية ما هي إلا مرحلة ستزول وتنتهي إن عاجلا أو آجلا ، لأنها بعيدة عن الفطرة الإنسانية . وكما قال ذي النون المصري :
أيها الشامخ الذي لا ُيرام نحن من طينة عليك السلامُ
إنما هذه الدنيا متاع ومع الموت تستوي الاقدامُ

ليست هناك تعليقات: