الأحد، 13 أبريل 2008

فلسطين العربية المسلمة كتاب جديد للدكتور كمال علاونه

الأحد,شباط 17, 2008

فلسطين العربية المسلمة
كتاب جديد للدكتور كمال علاونه
صدر كتاب جديد بعنوان ( فلسطين العربية المسلمة ) للمؤلف الدكتور كمال إبراهيم علاونه عن مؤسسة الإسراء العربي بنابلس - فلسطين في عام 2007 . يتألف الكتاب من 418 صفحة من القطع المتوسط . وهذا هو الكتاب الثالث للدكتور كمال علاونه حيث كان صدر كتابان آخران الأول بعنوان : خريطة الطريق وانتفاضة الأقصى والسلام المفقود ، والثاني الأصول الإسلامية في العلاقات العامة والإعلام . وقد جاء في مقدمة هذا الكتاب الجديد وخاتمته الكلمات والفقرات الآتية :
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ، ملء السماوات وملء الأرض وملء ما شاء بعد ، الذي بارك في الأرض المقدسة وجعل أهلها المسلمين من المرابطين في سبيل الله إلى يوم الدين ، والصلاة والسلام على خير الأنام وسيد المرسلين محمد رسول الله . والسلام على رسول الله يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا ، الذي جاهد في الله حق جهاده ، وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين . أما بعد ،
وبالنسبة لتسمية الكتاب ( فلسطين العربية المسلمة ) فإنني اجتهدت في أن أطلق التسمية من الصغير للكبير فالأكبر . فكما ينسب الإنسان نفسه : اسمه فإسم الأب فإسم الجد فالعائلة ، والأصل أو الجذر هو العائلة . وكذلك فلسطينية فلسطين هي الدائرة القطرية الصغرى الأولى ، وعروبة فلسطين هي الدائرة الإقليمية الثانية ، وهي الوسطى ، وإسلامية فلسطين هي الدائرة العالمية الكبرى . وبذلك فإن التعامل مع فلسطين الأرض المباركة يجب أن يبدأ من أهلها فالعرب فالمسلمين . ولكن هذه البلاد هي إسلامية أولا ثم عربية ثانيا ثم فلسطينية ثالثا إن شاء الله تبارك وتعالى . وهذه هي فلسفة النصر الآتي في المستقبل بالمعالجة الكبرى فالوسطى فالصغرى ، لأن هذه البلاد لم تتحرر يوما من الاحتلال الأجنبي إلا بالإسلام أولا وآخرا .
من جهة أخرى ، أما بالنسبة لمناهج الدراسة المتبعة ، فقد اتبع الباحث منهجين بحثيين علميين لإخراج هذه الدراسة إلى عالم النور وهما : أولا : المنهج التاريخي أو الوثائقي بجمع المعلومات وتدقيقها بالاستناد إلى المصادر والمراجع المتوفرة وربط النتائج بالأسباب . وثانيا : المنهج التحليلي المقارن وذلك بتحليل المضمون . وفي هذا السياق استخدم الباحث أداتين من أدوات البحث العلمي وهما : مصادر المعلومات : الكتب والدوريات والموسوعات والأطالس ، والملاحظة عبر المشاهدة لما جرى ويجرى بصورة مباشرة أو غير مباشرة عبر صور التلفزة والفضائيات . ويتبع ذلك ، نتائج الدراسة ( مستقبل فلسطين – الأرض المباركة ) . ثم تأتي التوصيات العامة بأجنحتها الثلاثة فالخاتمة ، فقائمة المصادر والمراجع تتبعها الملاحق من نصوص وخرائط .
واختتمت الدراسة مواضيع البحث بالآتي : تعتبر أرض فلسطين تاريخيا جزء من الوطن العربي عامة ومن بلاد الشام خاصة . تبلغ مساحة فلسطين التاريخية نحو 27 ألف كم2 . وطبيعيا تقسم فلسطين لأربعة أقسام هي : الساحل والسهول غربا وشمالا ، والجبال في الوسط والأغوار شرقا والصحراء جنوبا . وتقسم فلسطين التاريخية إداريا إلى : مناطق الجليل والمثلث والنقب والساحل والضفة الغربية وقطاع غزة . وتبلغ مساحة فلسطين عام 1948 نحو 770 ر 20 كم2 فيما يطلق عليه الجليل والمثلث والنقب والساحل وهذا الجزء يعادل 4 ر 77 % من مساحة فلسطين الكلية بينما تبلغ مساحة الضفة الغربية 878 ر 5 كم2 ، وتشكل 3 ر20 % ، ومساحة قطاع غزة 363 كم2 وتعادل 3 ر2 % من مساحة فلسطين التاريخية وهاتين المنطقتين احتلهما الاحتلال الصهيوني في حزيران 1967 ، ثم أعاد الانتشار منهما في اتفاقية أوسلو عام 1993 واتفاقية القاهرة في 1994 . ثم انسحب الاحتلال الصهيوني من محافظات قطاع غزة في أيلول 2005 فيما عرف بفك الارتباط أو الانفصال الأحادي الجانب عن الفلسطينيين .
وبالنسبة للحدود يحد فلسطين شمالا سوريا ولبنان ، وجنوبا مصر وخليج العقبة الأردني ، ويحدها شرقا الأردن وغربا البحر الأبيض المتوسط . وبالنسبة لعدد أبناء الشعب الفلسطيني ( مسلمين ومسيحيين ) داخل وخارج البلاد ، فقد بلغ في عام 2006 ، أكثر من 10 ملايين نسمة . منهم أكثر من 50 % في أرض الوطن ، بما يعادل نحو 3 ر 1 مليون نسمة في مناطق الجليل والمثلث والنقب والساحل الفلسطيني ، و4 ملايين نسمة في الضفة الغربية وقطاع غزة ، ونحو 5 ملايين نسمة في العالم . في حين بلغ عدد اليهود فيها في العام ذاته نحو 4 ر5 مليون نسمة يعيشون في فلسطين المحتلة بقسميها المحتل عام 1948 والمحتل عام 1967 . وتتمتع فلسطين بأهمية كبرى من عدة نواح تشمل : الأهمية الدينية : فلسطين مهد الأديان السماوية الثلاث : اليهودية والنصرانية والإسلام . فتعتبرها هذه الأديان الأرض المقدسة أو المباركة ، فقد احتضنت هذه البلاد في قلبها عدد من الأنبياء ، مثل : إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ولوط ، ويعقوب ويوسف وداود وسليمان ، وعيسى ومحمد ( الإسراء والمعراج ) عليهم السلام ، وغيرهم . وفي فلسطين الكنائس النصرانية الثلاث المقدسة في العالم وهي : البشارة في الناصرة والمهد في بيت لحم ، والقيامة بالقدس التي يحج إليها النصارى من جميع أنحاء العالم .
كما إنها تشكل أهمية كبرى للمسلمين فبيت المقدس أولى القبلتين وفيها المسجد الأقصى المبارك ثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين وارتبطت بها معجزة الإسراء والمعراج بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلى وفرض الصلوات الخمس على المسلمين .والأهمية التاريخية : لفلسطين أهمية تاريخية قديمة وحديثة ومعاصرة مميزة إذ سيطرت عليها شعوبا وأمما عديدة : من العرب الكنعانيين والفلسطينيين والعبرانيين والبابليين والكلدانيين والآشوريين والرومان والفرس والمسلمين والمصريين والبريطانيين والصهاينة مع بقاء أهلها الأصليين في جميع الحقب الزمنية المذكورة . والأهمية الجغرافية الاستراتيجية : تتميز البلاد بموقع استراتيجي هام يربط بين قارات العالم القديم الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا . وهي قلب الوطن العربي إذ تربط الجناح الأفريقي بالجناح الآسيوي . والأهمية الاقتصادية : إذ إنها تتمتع بمكانة اقتصادية كبيرة . والأهمية المناخية : ففلسطين منطقة معتدلة المناخ في جميع فصول السنة . والأهمية العسكرية راجحة فكل من يسيطر عليها عسكريا يمتلك نفوذا قويا في المنطقة والعالم .
وتاريخيا أطلق على أرض كنعان عدة أسماء منها : بلاد ما بين البحر والنهر ، وارض كنعان ، وفلسطين ، والأرض المقدسة ، ومملكة داود ، ومملكة سليمان ، والأرض المباركة ، والمملكة اللاتينية ، وسوريا الجنوبية ، و( أرض الميعاد ) ولمناطق فلسطين أسماء فرعية أخرى مثل : الجليل والمثلث والنقب والساحل والضفة الغربية وقطاع غزة . ويطيب للبعض تسميتها الدولة الإبراهيمية ونادى البعض بتسميتها ب ( إسراطين ) . وتمكن الكنعانيون من السيطرة على البلاد كاملة وبنوا فيها حضارة كنعانية متقدمة . وبنيت عدة مدن بلغ عددها أكثر من مائتي مدينة . ثم دخلت قوى بشرية جديدة للبلاد ( أرض كنعان ) في القرن 13 ق . م مثل الفلستينيين ( قبائل البلست ) من جزيرة كريت اليونانية فأسسوا عدة مدن من بينها غزة وعسقلان واسدود وتل الصافي وسواها . وكان للفلسطينيين حضارة متقدمة أيضا . ثم جاء العبرانيون في بداية العصر الحديدي بقيادة يوشع ( يشوع ) بن نون فدخل مدينة أريحا من جهة الشرق ودمرها وأحرقها أتباعه .
وقد حرر المسلمون فلسطين من الاحتلال الروماني عام 15 هـ / 636 م عند فتح بيت المقدس ومنح الخليفة الراشدي الثاني عمر بن الخطاب العهدة العمرية لأهل إيلياء ، فنظمت هذه العهدة العلاقات بين المسلمين والمسيحيين أكدت على منع اليهود من دخول المدينة المقدسة . وقد أولى المسلمون ، الأرض المباركة أهمية كبرى في عقيدتهم فقد ربط الله سبحانه وتعالى بين المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد الأقصى المبارك ببيت المقدس في القرآن الكريم بمطلع سورة الإسراء .ثم تعرضت فلسطين لغزوات صليبية فرنجية حيث سيطر عليها الصليبيون نحو تسعة عقود زمنية ، فجاء صلاح الدين الأيوبي وحرر بيت المقدس وفلسطين بعد معركة حطين عام 1187 م . ثم احتل فلسطين المغول / التتار فلاحقهم المماليك بقيادة قطز وبيبرس وطردوهم من فلسطين وبلاد الشام عامة بعد معركة عين جالوت في فلسطين عام 1260 م . ثم خضعت فلسطين للحكم العثماني مدة أربعة قرون بدأت عام 1516 ، وانتهت عام 1916 م .
وبالنسبة للصهيونية وفلسطين ، فقد اهتم يهود أوروبا الصهاينة بفلسطين ، فأسسوا المنظمة الصهيونية العالمية عام 1897 وجعلوا فلسطين نصب أعينهم لإقامة منطقة استعمارية يهودية عليها ( دولة اليهود ) كما أشار لذلك تيودور هرتسل مؤسس الصهيونية . وبالنسبة للإستعمار البريطاني والمؤسسات اليهودية ، فقد استطاعت المنظمة الصهيونية العالمية الحصول على استعداد وتبني خارجي ، بريطاني لتجميع اليهود في بقعة جغرافية معينة هي ارض فلسطين – حشدت لها الروايات والأكاذيب والأساطير الدينية والسياسية والتاريخية للوجود اليهودي السابق في فلسطين - فيما عرف بصك أو وثيقة ( براءة دولية ) حيث كانت بريطانيا آنذاك اكبر دولة عظمى . وقد صدر وعد بلفور البريطاني عام 1917 أعطي اليهود بموجبه وطنا قوميا في فلسطين رغم معارضة أهل البلاد الأصليين . ورسخت بريطانيا أثناء احتلالها ( انتدابها ) من 1917 – 1948 على فلسطين العربية المسلمة بنى دولة اليهود فعليا ، وعملت على تقديم جميع أشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري والاقتصادي لليهود . فسمحت بإنشاء مؤسسات يهودية مثل : الصندوق التأسيسي لفلسطين والهستدروت والمجلس القومي والجمعية اليهودية ( الوكالة اليهودية ) والجامعة العبرية وغيرها . وأصدرت ثلاث كتب بيضاء للعرب في الأعوام : 1922 و1930 و1939 تركزت على الحكم الذاتي لسكان البلاد الأصليين والهجرة اليهودية والأراضي الفلسطينية .
وبالنسبة للمقاومة العربية الفلسطينية ، والثورات والانتفاضات والمؤتمرات ما بين 1917 – 1948 . فبعد الاحتلال البريطاني للبلاد عام 1917 ، عارض شعب فلسطين هذا الاحتلال وأعلن الثورة تلو الثورة والانتفاضة تلو الانتفاضة للاحتجاج على وعد بلفور وصك الانتداب البريطاني وسياسة التحيز البريطانية تجاه اليهود واستقدامهم واستيطانهم في البلاد . وقد تمثل هذا الرفض العربي الفلسطيني داخل فلسطين بطريقتين هما : الانتفاضة السلمية : رفع المذكرات التذكيرية والاحتجاجية وتنظيم المظاهرات والمسيرات والاعتصامات والإضرابات العامة والتجارية ، وعقد المؤتمرات السياسية للتعبئة الشعبية العامة ، كما صدرت فتاوى إسلامية تحرم بيع أي قطعة من ارض فلسطين لليهود ، ومقاطعة سماسرة الأراضي ومنع دفنهم في مقابر المسلمين . والثورة المسلحة : مهاجمة مقرات الحكم العسكري البريطاني والمستعمرات اليهودية بالأسلحة والقنابل . وفي بعض الأحيان كان شعب فلسطين يلجأ للأسلوبين معا ، لمقارعة الاحتلال الأجنبي والجاليات اليهودية . فخاضت الثورة المسلحة : جمعية الفدائية 1918 ، وانتفاضة القدس 1920 ، وثورة يافا 1921 ، وثورة البراق الإسلامي 1929 ، وتظاهرات 1933 ، وحركة الشيخ عز الدين القسام ، وثورة فلسطين الكبرى عام 1936 بقيادة اللجنة العربية العليا ، وفعاليات الأحزاب الفلسطينية ، وعقد المؤتمرات الفلسطينية .ثم تطور وعد بلفور عام 1947 ، بتبني أمريكي إلى قرار صادر عن الأمم المتحدة حمل رقم 181 لتقسيم فلسطين إلى دولتين : عربية ويهودية واتحاد اقتصادي بينهما وتدويل منطقة القدس . إلا أن الدولة اليهودية – الصهيونية أقيمت من قبل الجاليات اليهودية المهاجرة إلى فلسطين ، بقوة الحديد والنار في ارض غيرهم ، متخذة من القدس عاصمة لها ، وحرم العرب من إقامة دولتهم في ارض وطنهم . ثم شنت المنظمات اليهودية - الصهيونية الإرهابية حربا شرسة على الشعب الفلسطيني ، فجاءت قوة عربية مؤلفة من 20 ألف جندي لإنقاذ البلاد إلا أن اليهود هزموها وأعلنوا قيام الكيان الصهيوني في ارض فلسطين في 14 أيار 1948 ، ثم استولوا على 770 ر20 كم أو ما يعادل 4 ر77 % من أرض فلسطين ، وهجروا نحو مليون فلسطيني كنازحين في مناطق أخرى في وطنهم ولاجئين خارج فلسطين ، عاش معظمهم في مخيمات لجوء في أوضاع حياتية سيئة للغاية . وألحق جزء من فلسطين التاريخية ، إلى مصر ( قطاع غزة ) ، والى الأردن ( الضفة الغربية ) . وعليه ، قسمت فلسطين إلى ثلاثة أقسام غير متساوية وحرم أهل فلسطين من حق تقرير مصيرهم أسوة ببقية شعوب العالم . ورغم إنشاء حكومة عموم فلسطين في تشرين الأول 1948 إلا أن العرب لم يتعاملوا معها بصورة جدية فبقيت حكومة صورية ليس لها وجود على أرض الواقع . وبهذا فإن اليهود بعدما كانوا مطرودين من أوروبا أصبحوا طاردين للفلسطينيين من وطنهم .
ثم صدر قرار دولي عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 عام 1948 قضى بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وتعويضهم عن خسائرهم الاقتصادية والاجتماعية والنفسية العامة ولم يرى النور حتى الآن بسبب معارضة الحكومة الإسرائيلية والولايات المتحدة لعودة النازحين واللاجئين لمواطنهم الأصلية . وبعد قيام الكيان الصهيوني بقي 160 ألف فلسطيني في أرض وطنهم ، فعاملتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي بتمييز عنصري واضطهاد قومي وظلم سياسي واستغلال اقتصادي ، وطبقت عليهم الأوامر العسكرية والأحكام العرفية الظالمة . وقد أعلن الفلسطينيون حقهم بالعودة ورفضوا التوطين والتعويض عن العودة خارج فلسطين ، أرض آبائهم وأجدادهم .
وبالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية والحركات الإسلامية المعارضة ، ففي 28 أيار 1964 أسست المنظمة ، على أيدي أحمد الشقيري ، أثناء عقد المؤتمر الفلسطيني الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية ، في القدس وإعلان الميثاق القومي الفلسطيني للمنظمة ، والنظام الأساسي ، ثم تغير إلى الميثاق الوطني الفلسطيني ، الذي أكد على أن الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين والثورة الشعبية هي الرديف لهذا الكفاح . كما أنشأ الصندوق القومي الفلسطيني ، واتخذ العلم الفلسطيني بألوانه الأربعة الأسود فالأبيض فالأخضر فالأحمر ، واعتمد النشيد الوطني الفلسطيني ، وتأسست وسائل إعلام منظمة التحرير لتشمل إذاعة صوت فلسطين ومجلة فلسطين الثورة ، ووكالة الأنباء الفلسطينية ( وفا ) لاحقا . وتوزعت منظمة التحرير الفلسطينية على أربع مؤسسات هي : المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية ، والمجلس المركزي الفلسطيني ، وجيش التحرير الفلسطيني . وتدرج تراجع البرنامج السياسي العام للمنظمة من : فلسطين الكبرى العربية المسلمة ، إلى فلسطين الكبرى الديموقراطية العلمانية ، إلى سلطة فلسطينية على جز ء من فلسطين ، ثم دولة فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وبعد ذلك ، غزة وأريحا أولا ( الكيان الفلسطيني الصغير المتطور ) . وضمت منظمة التحرير الحركات والجبهات والأحزاب السياسية التالية : حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) ، والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين ، والجبهة الشعبية – القيادة العامة ، وجبهة التحرير الفلسطينية ، والصاعقة ، وجبهة التحرير العربية الفلسطينية ، وجبهة النضال الشعبي ، وحزب الشعب ، وفدا وغيرها . وهناك حركات فلسطينية إسلامية ووطنية بقيت خارج منظمة التحرير الفلسطينية وهي : حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) ، وحركة الجهاد الإسلامي ، وحزب التحرير الإسلامي ، والمبادرة الوطنية الفلسطينية ، والطريق الثالث . وتمكنت منظمة التحرير من تحقيق إنجازات عامة تمثلت في : ترسيخ الشخصية الفلسطينية ، بإيجاد كيان تمثيلي جامع لهم في الداخل والخارج ، والإشراف على الشؤون العامة سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا . وإنشاء سفارات وممثليات فلسطينية في 92 دولة في العالم . وإصدار وثيقة الاستقلال الوطني عام 1988 ، وترسيخ التعددية السياسية . وإنشاء الكيان السياسي الجديد ( السلطة الوطنية الفلسطينية ) عام 1994 على جزء من أرض الوطن . ومساعدة الشعب بالصمود والمرابطة في الوطن والتعاون مع حركات التحرر العالمية ضد الاحتلال والاستعمار .
ولم تسلم مسيرة المنظمة من إخفاقات عامة ، أفشلت إنشاء دولة فلسطين ، من بينها : إبعاد الإسلام ، كأيديولوجية كبيرة مؤثرة عن ميدان الصراع والتمسك بالقومية والعلمانية حيث ثبت فشلهما في إدارة الصراع الشامل مع الأعداء ، والابتعاد عن عروبة فلسطين بشكل حقيقي ، والدعوة للقطرية الضيقة ، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية ، والفساد السياسي والإداري والمالي ، واختراق الأعداء والأصدقاء والأشقاء لها ، والتركيز على خارج فلسطين : ولم يتم إيفاء الوطن المحتل حقه إلا بعد خروج الثورة الفلسطينية من لبنان . وعدم الاعتماد المالي على الذات : فبقيت المنظمة تعتمد في مصادرها التمويلية بصورة أساسية على التمويل العربي وخاصة الرسمي مما قلل فعاليتها العسكرية والتنظيمية . والصراعات الداخلية .
وبالنسبة لفلسطين في أتون الحروب ما بعد النكبة القومية الكبرى عام 1948 ، فقد وقع العدوان الثلاثي الإسرائيلي – البريطاني – الفرنسي على مصر وقطاع غزة عام 1956 ، وارتكبت مجزرة كفر قاسم في 29 تشرين الأول 1956 ذهب ضحيتها 49 شهيدا فلسطينيا . ثم شن العدوان الإسرائيلي على العرب عام 1967فاستولت قوات الاحتلال الإسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة وشبه جزيرة سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية ، فاحتلت قوات الاحتلال الصهيوني أكثر من 68 ألف كم2 من الأراضي العربية والفلسطينية . ثم صدر قرار دولي عن مجلس الأمن يحمل رقم 242 في تشرين الثاني عام 1967 ، يدعو إلى إقامة سلام عادل ودائم في المنطقة ويطالب قوات الاحتلال الإسرائيلي المعتدية بالانسحاب من الأراضي المحتلة في حزيران عام 1967 إلا أن قوات الاحتلال بقيت غير مستجيبة لهذا الطلب الدولي أيضا . وفي عام 1968 وقعت معركة الكرامة بين قوات الثورة الفلسطينية ( فتح ) وقوات الاحتلال ، أعادت جزءا من الكرامة للعرب تكبدت فيها القوات الغازية خسائر فادحة في المعدات والأرواح . وبعد حرب عام 1973 صدر قرار دولي آخر تحت رقم 338 يطالب بتنفيذ القرار السابق رقم 242 بكافة أجزائه والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 ولكن دون استجابة إسرائيلية بسبب التعنت الصهيوني المدعوم أميركيا وغربيا حيث لم تنصع الحكومة الإسرائيلية للقرارات الدولية . فاستمر الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية ومن ضمنها الأراضي الفلسطينية عام 1967 حتى الآن .
وفي عام 1978 شن عدوان صهيوني جديد على جنوب لبنان للقضاء على قوات الثورة الفلسطينية ، فصدر قرارين 425 و426 يطالبان القوات المحتلة بالانسحاب من جنوب لبنان ولكن دون جدوى فعلية . وتجدد العدوان الصهيوني على لبنان عام 1982 ، ضد القوات الفلسطينية – اللبنانية المشتركة ، فصمدت هذه القوات مدة 88 يوما تحت القصف والحصار الإسرائيلي ثم خرجت قوات الثورة الفلسطينية خارج لبنان وتشتت في مختلف الدول العربية واتخذت القيادة الفلسطينية من تونس مقرا لها .
وفي عام 2006 شن عدوان إسرائيلي جديد على لبنان استمر 34 يوما قذف خلالها اليهود حمم مدافعهم وطائراتهم على اللبنانيين المدنيين ، وصمدت المقاومة الإسلامية اللبنانية ، وظهر حزب الله معلنا النصر لأول مرة على القوات الغازية التي لم تستطع تحقيق أهدافها من الغزو الهمجي .
وبالنسبة للانتفاضات الفلسطينية المعاصرة ومشاريع التسوية السياسية ما بين 1987 – 2006 : فقد اندلعت انتفاضة فلسطين الكبرى عام 1987 – 1994 ، واستمرت 79 شهرا . ومفهومها هي انتفاضة شعبية اندلعت ضد الاحتلال اليهودي لفلسطين . وقد جاءت انتفاضة فلسطين الكبرى الأولى ، لأسباب عديدة تمثلت : بالقمع العسكري الإسرائيلي والحصار السياسي الشامل ، وتدهور الاقتصاد الفلسطيني ومحاولات تصفية قضية فلسطين ، والصحوة الإسلامية الناضجة ، وتراجع قضية فلسطين في الأولويات العربية ، وفتور الاهتمام الدولي بقضية فلسطين ، وحوادث الاشتباك المسلح والجماهيري المتقطع مع الاحتلال والمناداة بتحرير فلسطين بالجهاد . وتمثلت أهداف الانتفاضة الكبرى الأولى بتحقيق الثوابت الفلسطينية ( دولة فلسطين ) وعاصمتها القدس وفقا لحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين وإزالة المستعمرات اليهودية من الأرض الفلسطينية المحتلة وتقوية الاقتصاد الفلسطيني إضافة لتحقيق المطالب المرحلية الوطنية وهي : الإفراج عن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين من سجون الاحتلال ، ولم شمل العائلات الفلسطينية ووقف الإجراءات القمعية اليهودية من اعتقالات ومحاكمات صورية وترحيل وإبعاد وفرض ضرائب وغرامات باهظة والسماح بإجراء انتخابات محلية . واستخدمت هذه الانتفاضة عدة أساليب هي : المقاومة المدنية ، والتدمير الاقتصادي ، والكفاح الشعبي ، والتعبئة القومية والإسلامية ، والكفاح المسلح . وأما وسائل الانتفاضة فكانت : إصدار بيانات رسمية ، ونداءات مسجدية ، وكتابات جدرانية ، وتجمعات منظمة ، وإعلام ميداني ، واستخدام وسائل الإعلام الجماهيرية . وتمثلت مشاركة شعب فلسطين بانتفاضة فلسطين الكبرى الأولى عبر الاستجابة لنداءات القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة ( حركة فتح ، والجبهتين الشعبية والديموقراطية ، وحزب الشعب ) . والاستجابة لبيانات حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) وبيانات الجهاد الإسلامي . وكان برنامج الانتفاضة ينادي بولادة السلطة الوطنية الفلسطينية على أرض فلسطين . وتعددت مراحل هذه الانتفاضة الأولى لتشمل ست مراحل هي : مرحلة التمهيد العفوية ، والإعداد والتنظيم العام ، والمشاركة الشعبية ، وبناء المؤسسات الجماهيرية ، وتصاعد الكفاح المسلح ، ومرحلة التراجع العام النهائية . ومن أهم مقومات استمرارية انتفاضة أل 79 شهرا ، العوامل النفسية والسياسية والدينية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية . ومن ميزات هذه الانتفاضة : المشاركة الشعبية ، ولا مركزية القيادة الميدانية ، والترابط العضوي الفلسطيني ، والاعتماد على الذات بالمواجهة ، والتكافل الاجتماعي . وكان من إنجازاتها : إحياء قضية فلسطين عربيا وعالميا ، وتعرية أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر ، وإعلان وثيقة استقلال دولة فلسطين عام 1988 ، وإنشاء الكيان الفلسطيني الجديد ( السلطة الوطنية الفلسطينية ) بعد توقيع اتفاقيات أوسلو وملحقاتها الأخرى في أيلول 1993 بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي برعاية أميركية تمخضت عن حكم ذاتي محدود للفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لخمس سنوات . ثم اندلعت انتفاضة الأقصى التي بدأت في 28 أيلول 2000 وما زالت تسير ما بين التصعيد والتهدئة . وخلال انتفاضة الأقصى ، في آذار 2002 صدر القرار الدولي 1397 المطالب بإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 إلا أن هذا الأمر بدوره بقي حتى الآن كما هو ، فلم يطبق أي قرار دولي يتعلق بفلسطين باستثناء تطبيق جزء من القرار الدولي رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين إلى قسمين عربي ويهودي إذ طبق الجزء المتعلق باليهود فقط الذي مهد لقيام الدولة العبرية وأقامها ودعمها وطورها بمساندة استعمارية فاعلة على الساحة الدولية .
على أي حال ، بدأت قصة إنشاء الدولة العبرية من استجداء صهيوني بالحصول على موطئ قدم ( وطن قومي لليهود في فلسطين ) عبر وعد بلفور البريطاني عام 1917 إلى قيام دولة صهيونية وسيطرتها على كامل ارض فلسطين بدعوى إنها ( ارض إسرائيل التاريخية ) مع بطلان هذا الادعاء ، ومن ثم مطالبات فلسطينية واستجداءات دولية بإقامة دولة فلسطينية لشعب فلسطين الأصيل في جزء صغير من أرض آبائه وأجداده وهذه مفارقة سياسية غريبة متحيزة للجانب الصهيوني لا تبشر بحل عادل ودائم للصراع في المنطقة الأمر الذي يبقي المنطقة فوق بركان متأهب للانفجار في أية لحظة من الزمن .
وقد أنشأت السلطة الوطنية الفلسطينية ، ككيان فلسطيني جديد في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد اتفاقية أوسلو عام 1993 ، واتفاقية القاهرة أيار 1994 . ويتألف النظام السياسي الفلسطيني الانتقالي في الضفة الغربية وقطاع غزة ، من ثلاث سلطات هي : سلطة تنفيذية ( الرئاسة والحكومة الفلسطينية ) وسلطة تشريعية( المجلس التشريعي ) وسلطة قضائية ( المحاكم النظامية والمدنية والعسكرية ) . وقد أجريت دورتين انتخابيتين للمجلس التشريعي : الأولى في 20 كانون الثاني 1996 ، فازت فيها حركة فتح بالرئاسة ( ياسر عرفات ) ، وفازت ب 69 مقعدا من أصل 88 مقعدا للمجلس التشريعي الفلسطيني . والدورة الثانية في 25 كانون الثاني 2006 فازت فيها حركة حماس بالأغلبية ( 74 مقعدا ) من أصل 132 مقعدا وفازت فتح ب 45 مقعدا . وكانت حركة فتح فازت بالرئاسة أيضا في 9 كانون الثاني 2005 ( محمود عباس ) . وتكمن أهمية الكيان الفلسطيني الجديد ( السلطة الوطنية الفلسطينية ) فيما يلي :
أولا : إنشاء نواة دولة فلسطين العتيدة . ثانيا : الإشراف على الشؤون الفلسطينية العامة : سياسيا وعسكريا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا . ثالثا : إقامة قاعدة ارتكازية عامة للمقاومة والثورة في قلب فلسطين رابعا : تنشيط الاقتصاد الفلسطيني : عبر تشغيل نحو 165 ألف فلسطيني من داخل وخارج فلسطين في القطاع الحكومي المدني والعسكري . خامسا : تحقيق جزء من حق عودة اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين : بتمكين نحو ربع مليون لاجئي فلسطيني من خارج البلاد من العودة لأرض الوطن . سادسا : تعزيز ثقة الإنسان الفلسطيني بنفسه ، عبر ترسيخ الشخصية الفلسطينية ، ومعاملة الأعداء ندا لند إلى حد ما . وعلى العكس من هذه الايجابيات برزت سلبيات أثناء قيام الكيان الفلسطيني الجديد المتمثل بالسلطة الفلسطينية من أهمها : أولا : محاولات قوات الاحتلال منع تطور الكيان الفلسطيني الجديد . ثانيا : الصراعات والخلافات التنظيمية الفلسطينية . ثالثا : صراع داخلي تمثل بين أهل الداخل وأهل الخارج من أبناء فلسطين في السلطة الفلسطينية نفسها . رابعا : تزايد الفساد السياسي والإداري والمالي والأخلاقي في البلاد .
وأما بشأن انتفاضة الأقصى فقد اندلعت في 28 أيلول عام 2000 في المسجد الأقصى المبارك ضد الاحتلال الإسرائيلي ، بعد اقتحام زعيم المعارضة الإسرائيلية ارئيل شارون ، لباحات المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المشرفة ، فطالبت الانتفاضة بالحرية والاستقلال والخلاص الوطني . ومن أهم أسباب اندلاعها : أسباب سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية ونفسية . وقد هدفت إلى : التحرير الوطني العام ، وتطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الأصلية ، والانفصال الاقتصادي التام عن الاقتصاد الإسرائيلي ، وحسم الصراع السكاني ، وتحقيق السلام الآمن المفقود في البلاد ، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني . وتعددت مراحل انتفاضة الأقصى لتشمل ثماني مراحل هي : النذير المدني ، والرمي الحجري ، والتبادل العسكري الأولي ، والاشتباك العسكري القوي ، والنفير التفجيري البشري ( الاستشهادي ) ، ومرحلة التفخيخ المركبي والانطلاق الصاروخي والتراجع العام والتهدئة والتجميد العسكري . وأما أساليب الانتفاضة فهي : المدنية ، والعسكرية ، والسياسية ، والاقتصادية ، والاجتماعية ، والثقافية .
وقد واجه الاحتلال الإسرائيلي انتفاضة الأقصى بإجراءات تعسفية وهي : القمع والتخريب العسكري للمنشآت والأبنية الفلسطينية ، وارتكاب مجازر متعددة ضد المدنيين ، والإغلاق الأمني للأراضي الفلسطينية ، ومصادرة أراض فلسطينية جديدة ، والحصار السياسي للشعب الفلسطيني ، وافتعال فتن داخلية ، وحملات دعاية يهودية – صهيونية مبرمجة ، والاعتقال والأسر ، والتعذيب والتنكيل البشري بالفلسطينيين ، وهدم آلاف البيوت الفلسطينية ، وحالات الإبعاد ، ومنع السفر وغيرها .
وتركت انتفاضة الأقصى آثارا تمثلت فلسطينيا : بآثار سياسية : تراجع مكانة السلطة الوطنية ، والحظر السياسي الإسرائيلي عليها وإدراج منظمات المقاومة الفلسطينية الرئيسية على قائمة ( الإرهاب ) . والخسائر البشرية خلال السنوات الست ( 2000 – 2006 ) زادت عن 5000 شهيد ، و 60 ألف جريح و 50 ألف أسير ومعتقل . وآثار اقتصادية : خسائر مادية 15 مليار دولار ، من تدمير للاقتصاد الفلسطيني ، وتراجع الدخل القومي ، والعجز في الميزانية السنوية ، وتدمير شبكات الماء والكهرباء والشوارع والهواتف ، ومصادرة الأراضي وتناقص عملية دفع الضرائب والاعتماد على المعونات المالية العربية والدولية لدفع رواتب موظفي القطاع العام . وآثار عسكرية : تحجيم النواة الصلبة للمقاومة ، وتدهور الأوضاع الأمنية . وآثار اجتماعية : تدهور الأوضاع التعليمية العامة والجامعية ، وسوء الرعاية الصحية والاجتماعية ، وإرباك الحياة الاجتماعية العامة وانتشار الأمراض الاجتماعية كالتعامل مع الأعداء لتصفية نشطاء الانتفاضة ، وزيادة الإقبال على تعاطي المخدرات والتناحر العائلي . وآثار ثقافية : تراجع الإنتاج الإبداعي الثقافي والأدبي والعلمي . وآثار نفسية : تزايد الخوف والهلع والرعب والحزن والأسى الفلسطيني .
وأما آثار الانتفاضة إسرائيليا فهي : آثار سياسية مثل تغيير عدة حكومات إسرائيلية ، وتنافس حزبي صهيوني متصاعد ، وذوبان أحزاب وبروز أخرى . والمناداة الإسرائيلية بالحل السياسي بعد فشل الحل العسكري للانتفاضة عبر خطة خريطة الطريق ، والانفصال التام عن الفلسطينيين ، وإخلاء المستوطنات اليهودية في قطاع غزة وبعض المستوطنات في الضفة ، ووقف فعاليات التطبيع السياسي . وخسائر بشرية يهودية : وصلت إلى أكثر من ألف قتيل ، و6 آلاف جريح . وآثار اقتصادية : وصلت إلى أكثر من 85 مليار شيكل أو ما يعادل 25 مليار شيكل سنويا في فروع الاقتصاد الإسرائيلي حتى عام 2004، وتراجع الدخل القومي والعجز في الميزانية السنوية . وآثار عسكرية كانعدام الأمن الإسرائيلي ، وتقلص مبيعات الأسلحة للخارج جراء تفجير دبابات إسرائيلية متطورة بعبوات ناسفة فلسطينية . وآثار اجتماعية : تزايد اليأس والإحباط الإسرائيلي ، وتزايد الهجرة اليهودية المعاكسة إلى الخارج . وآثار نفسية : زيادة الخوف والهلع والرعب . وآثار ثقافية كتراجع التعاون والتبادل الثقافي مع الخارج ، وقلة الإنتاج الثقافي اليهودي الداخلي .
وأما بالنسبة لمقومات استمرارية انتفاضة الأقصى لفترة طويلة فهي : المقومات الذاتية العامة : تمثلت في المقومات السياسية : الإصرار الفلسطيني على الحرية والاستقلال ووجود القيادة والسلطة الفلسطينية في أرض الوطن ، والحماسة والمشاركة الفاعلة ، وتوفر الحد الأدنى من الدعم ، ووجود الجامعات الفلسطينية ، ووجود البنى التنظيمية الفصائلية : الوطنية والإسلامية ، والتراجع السياسي الإسرائيلي ، والاعتماد العسكري الفلسطيني على الذات ، وتوازن الرعب . والمقومات الاقتصادية : الاعتماد الفلسطيني المالي بشكل كبير للصمود البشري والانتفاضي باقتطاع 15 % من رواتب العاملين في القطاع الحكومي شهريا البالغ عددهم نحو 150 ألف موظف حتى عام 2003 بالإضافة إلى زيادة المعونات الخارجية ، واستخدام تقنية اتصالية جديدة كالهواتف النقالة . والمقومات الفكرية والأيديولوجية : تنشئة وتعبئة فكرية عقائدية على الجهاد والكفاح والتضحية والفداء . والمقومات الاجتماعية والنفسية : التكافل الاجتماعي وقمع الاحتلال الإسرائيلي لشعب فلسطين ، ورفض الإذلال وإتباع مبدأ الثأر العائلي والقومي . والمقومات الإعلامية : تغطية إذاعية وتلفزة مباشرة بالصوت والصورة . وأما المقومات العربية والعالمية لاستمرارية انتفاضة الأقصى فتمثلت في : تواصل الدعم المالي والسياسي والإعلامي رسميا وشعبيا . بالإضافة إلى المقومات القمعية الاحتلالية العسكرية واضطرار الفلسطينيين للرد عليها أولا بأول . وقد تميزت انتفاضة الأقصى بعدة ميزات من أهمها : وجود القيادة السياسية والعسكرية وسط المعركة ، والصمود والمرابطة ، والديمومة الطويلة ، والذاتية المدنية والعسكرية الفلسطينية ، والإجماع الوطني الفلسطيني ، والرد المباشر والقوي على الهجوم الإسرائيلي ، وتعريب قضية فلسطين ، والطرح العالمي لقضية فلسطين ، وحصانة خدمات أساسية .
وأما بالنسبة لإنجازات انتفاضة الأقصى لشعب فلسطين فمن أبرزها : الإنجازات العسكرية : تدمير أسلحة إسرائيلية متطورة كالدبابات الحديثة الصنع ، وأحداث تمرد داخل جيش الاحتلال ، وتصنيع حربي فلسطيني جديد . والإنجازات السياسية والإعلامية : إعادة قضية فلسطين إلى الأحداث العربية والدولية الساخنة ، وتعاظم الإيمان بحتمية زوال الاحتلال عن أرض فلسطين . والإنجازات الاقتصادية : مقاومة التطبيع الاقتصادي بين الفلسطينيين والعرب من جهة واليهود من جهة أخرى . والإنجازات الاجتماعية : تعزيز ثقة الفلسطيني بنفسه ، وتحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر ، والتراجع النفسي اليهودي .
من جهة أخرى ، وضعت اللجنة الرباعية ، أثناء انتفاضة الأقصى ، خطة خريطة الطريق في كانون الأول 2002 التي نسخت عمليا وسياسيا كل القرارات الدولية السابقة ونادت بقيام دولة فلسطينية مؤقتة أولا ثم دائمة في المرحلة الثالثة من خريطة الطريق وقد حازت خطة خريطة الطريق على مصادقة مجلس الأمن الدولي بالإجماع تحت قرار رقم 1515 في تشرين الثاني 2003 .
وخطة خريطة الطريق هي مشروع دولة منزوعة السلاح وهذا بحد ذاته اعتداء على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ودعم المعتدين الظلمة الطارئين على البلاد وتنكر لأهل البلاد الأصليين فلم يسبق في التاريخ البشري أن أقيمت دولة مؤقتة .
وتعتبر خطة خريطة الطريق تعديا على حقوق الشعب العربي الفلسطيني إذ تتنكر لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولة فلسطينية تتمتع بسيادة كاملة ، وبالتالي من الممكن أن تشهد هذه الخطة الوفاة كما شهدت مثيلاتها خطط السلام السابقة التي طرحتها أطرافا أميركية أو غربية ، أو قرارات الأمم المتحدة السابقة . على العموم ، هناك ثلاثة خيارات أو سيناريوهات أساسية مطروحة بشأن خطة خريطة الطريق وهي : أولا : تطبيق خريطة خطة الطريق جزئيا ، وهذا ما تسعى إليه الحكومة الإسرائيلية . ثانيا : عدم تنفيذ خريطة الطريق : وهو خيار قائم ، ودلائله متوفرة على أرض الساحة والفعل ، فالدولة العبرية تحاول إيجاد المبررات للانسحاب من تنفيذ خريطة الطريق . ثالثا : تطبيق خريطة الطريق كاملة : وهو خيار ضعيف على الأقل في المدى المنظور ، وتطبيق هذا الخيار بحاجة إلى تضافر الضغوط الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية على الجانبين الإسرائيلي والأمريكي لتنفيذ الخطة بكافة مراحلها وعدم التوقف عند الجوانب الأمنية التي تبعثر الجهود وتركز على قضايا هامشية غير حيوية لتحقيق التسوية السياسية في المنطقة .
من جهة أخرى ، إن طبيعة العلاقة بين خريطة الطريق التي طرحت للتنفيذ اعتبارا من عام 2003 وحتى عام 2005 وانتهت صلاحياتها ، وقرار تقسيم فلسطين عام 1947 ، تتمثل في علاقة جدلية واضحة بشكل كبير ، إذ أن الدول الراعية لخطة خريطة الطريق المتمثلة في الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة هي ذاتها التي أصدرت قرار التقسيم ، وهذا تراجع كبير في المواقف الدولية الصادرة عن الدول العظمى والأمم المتحدة .
وقد جاءت خطة خريطة الطريق ، متجاهلة لحق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم ، إذ وضع نص في هذه الخطة في المرحلة الثالثة يشير إلى تأجيل طرح مصير اللاجئين الفلسطينيين إلى مرحلة المفاوضات النهائية وبذلك فان مصير هؤلاء اللاجئين بدلا من أن يتم حله حسب القرار 194 فان هذه الخطة السلمية تجاهلته بعد مرور نحو ستة عقود على صدوره . وهذا ما يؤكد سلسلة التراجع الدولية في محاولتها حل القضية الفلسطينية على أسس وقواعد ملتوية متغيرة غير ثابتة . وهذا التراجع يأتي في كل مرة لصالح الاحتلال والمحتلين ويقضم جزءا من هذه المسألة أو تلك ويحرم الشعب الفلسطيني ، أهل البلاد الأصليين من الحقوق الثابتة غير القابلة للتصرف ، مما يساهم في إذكاء نار المقاومة والتصدي للمخططات اليهودية المتلاحقة الهادفة إلى تفريغ المسألة الفلسطينية من محتواها الحقيقي .
علي أي حال ، تعاقب على إدارة الشؤون الفلسطينية العامة بعد انتهاء الحكم العثماني في فلسطين ومجيء الاحتلال البريطاني وتصاعد الهجمة الصهيونية على البلاد عدة هيئات سياسية فلسطينية ، باستثناء فترة إلحاق الضفة الغربية بالأردن وقطاع غزة بمصر . وتدرجت هذه الهيئات السياسية الفلسطينية منذ عام 1919 – 2006 على النحو الآتي : المؤتمر الفلسطيني 1919 ، واللجنة العربية العليا 1936 ، والهيئة العربية العليا 1946 ، وحكومة عموم فلسطين 1948 ، ومنظمة التحرير الفلسطينية 1964 ، ودولة فلسطين المعلنة من خارج فلسطين 1988 ، ثم السلطة الوطنية الفلسطينية منذ عام 1994 . ومنذ قيام السلطة الفلسطينية ككيان فلسطيني جديد عام 1994 أصبحت عملية إدارة الشؤون الفلسطينية عبر منظمة التحرير بالتعاون مع الكيان الجديد الذي أقامته .
وبالنسبة لمستقبل فلسطين وسبل النصر العربي المقبل ، ونهاية الكيان الصهيوني ، فقد تعددت أسباب وعوامل هزيمة العرب أمام الصهيونية كرأس حربة للاستعمار العالمي لفلسطين والمشرق العربي ، من أسباب سياسية واقتصادية وعسكرية واجتماعية وثقافية ونفسية عامة . ويكون سبيل الخلاص الوطني من الصهيونية والانعتاق من الاستعمار العالمي بوضع حد لهذه الأسباب وتلافيها للنهوض العام فلسطينيا وعربيا وإسلاميا . ومن أبرز هذه العوامل المؤدية للخلاص والتحرير الكامل ما يلي : توحيد الحركات السياسية في فلسطين ، الإسلامية والوطنية في كيان سياسي جامع واحد هو منظمة التحرير الفلسطينية . والتحرير الشامل لفلسطين لا يكون إلا بالإسلام وذروة سنامه ، الجهاد في سبيل الله ، والقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد المؤدي للتحرير الكامل . والتهيئة العربية والإسلامية العامة : عبر البناء العسكري والسياسي والاقتصادي الإسلامي الموحد والابتعاد على التشرذم والانقسام والسعي نحو التوحد تمهيدا للصدام القادم . وتجنيد الأمة العربية وتجميع قواها المثلثة : السياسية والعسكرية والاقتصادية من أجل تحقيق النصر المبين . واختيار الموعد المناسب لشن الحرب القادمة ( المفاجأة ) . والاستفادة التامة من امكانات الجهاد والفداء الفلسطيني . واستخلاص العبر والعظات من تاريخ الأمة العربية الإسلامية وكيفية بناء الحضارة المتقدمة والتغلب على الأعداء مهما بلغت قوتهم العسكرية ، فكم من فئة قلية غلبت فئة كثيرة بإذن الله .
وعملية تصفية الوجود الصهيوني في فلسطين ، ستقع كذلك سواء على المدى القريب أو المتوسط أو البعيد ، وهذا الزوال العاجل أو الآجل سيحدث عبر عدة طرق متفرقة أو مجتمعة ، نتيجة لدوافع ذاتية داخلية أو خارجية ، طوعية أو قسرية أو كلتا الطريقتين معا . ومن أبرزها : أولا : الرجوع الذاتي الاختياري . ثانيا : الرجوع الترغيبي . ثالثا : الإرجاع الترهيبي . رابعا : الاقتتال الداخلي .خامسا : كارثة طبيعية كبرى . سادسا : الهرم التاريخي . سابعا : دعوة اليهود لاعتناق الإسلام . ثامنا : الإفناء الإسلامي لليهود في فلسطين .
وأخيرا نقول ، اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ وَمُجْرِيَ السَّحَابِ سَرِيعَ الْحِسَابِ وَهَازِمَ الْأَحْزَابِ اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ ، اهزم أعداء الْإِسْلَام ِو الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الْمُبَارَكِ وأعداء الْمُسْلِمِينَ بِعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ وَسُلْطَانِكَ وَقُدْرَتِكَ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يَا عَزِيزُ يَا جَبَّارُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ و إِذَا أَرَدتَ شَيْئًا فَإِنَّمَا تَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ .
وآخر دعوانا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وكفى ، والصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ الْعَرَبِيِّ الْمُصْطَفَى .
وإلى هنا انتهى وإلى رَبِّنَا الرُّجْعَى و الْمُنْتَهَى .
ملاحظة هامة : كتاب فلسطين العربية المسلمة موجود بثلاث مكتبات في نابلس : مكتبة الشروق - جامعة النجاح الوطنية - الحرم القديم ، ومكتبة دار العلوم والثقافة - دوار الشهداء بنابلس ، ومكتبة خالد بن الوليد - قرب الجامع الصلاحي الكبير .

ليست هناك تعليقات: