الأحد، 13 أبريل 2008

لجنة فينو غراد .. والحرب السادسة 2006

16 شباط 2008
لجنة فينو غراد .. والحرب السادسة 2006
================
د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية
جامعة فلسطين التقنية / طولكرم
اندلعت حرب 12 تموز 2006 بين قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي ومقاتلي حزب الله ( المقاومة الإسلامية في لبنان ، وهي الجناح العسكري لحزب الله ) بعد هجوم قوات المقاومة الإسلامية اللبنانية على مواقع للجيش الإسرائيلي بالقرب من الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة فقتلوا ثمانية جنود إسرائيليين وأسروا جنديين آخرين صباح 12 تموز 2006 . فعلى إثر ذلك إتخذت الحكومة الإسرائيلية هذه الحادثة ذريعة لشن هجوم شامل عبارة عن عدوان عسكري واسع على لبنان امتد من الجنوب اللبناني إلى العاصمة بيروت والبقاع اللبناني شرقا ومواقع أخرى شمالا . وكانت الطائرات الحربية الإسرائيلية تشن غارات هجومية يومية تدك خلالها البنايات والمؤسسات المدنية اللبنانية بدعوى تدمير مقدرات حزب الله ، فدمرت آلاف البيوت للمواطنين اللبنانيين وتشرد مئات الآلاف منهم هربا من التدمير الجوي لبيوتهم دون سابق إنذار . وقد أطلق على هذه المعركة عدة أسماء منها : ( معركة الكاتيوشا ) ، و( الحرب الإسرائيلية – اللبنانية الثانية ) ، و( حرب لبنان الثانية ) ، و( الحرب العربية – الإسرائيلية السادسة ) . وساد التعارف عليها بأنها الحرب السادسة كونها جاءت رقم 6 ضمن المعارك التي شنتها قوات الكيان الصهيوني على العرب فكانت الحرب الأولى حرب فلسطين الكبرى عام 1948 ، والحرب الثانية عام 1956 ضد مصر ( سيناء وقطاع غزة ) والحرب الثالثة حرب حزيران عام 1967 ضد مصر وسوريا والأردن ، والحرب الرابعة عام 1973 على الجبهات المصرية والسورية ، والحرب الخامسة عام 1982 ضد قوات الثورة الفلسطينية والقوات الوطنية اللبنانية ، ثم جاءت الحرب السادسة 2006 ضد حزب الله اللبناني بصورة شاملة .
أ) أسباب حرب لبنان 2006
أولا: الأهداف الإسرائيلية
هناك العديد من الأسباب السياسية والعسكرية والنفسية ، الكامنة والعلنية التي هدفت الحكومة الإسرائيلية إلى تحقيقها عبر شن العدوان العسكري المكثف على أرض لبنان من أهمها :
1. إنزال ضربة قاصمة بحزب الله اللبناني وتفكيك بنيته العامة الصلبة والمقاومة الإسلامية في لبنان ، شمالي فلسطين المحتلة التي تشكل خطرا استرتيجيا على المستعمرات اليهودية في فلسطين المحتلة . ورشحت معلومات أولية عن الإعداد الإسرائيلي – الأمريكي المسبق لتدمير قوات ووجود حزب الله سياسيا وعسكريا واقتصاديا واجتماعيا وإعلاميا في لبنان قبل معركة تموز 2006 . وكانت هذه المعلومات تفيد بأن الجيش الإسرائيلي سيشن حربا على لبنان لاستهداف حزب الله بصورة شاملة في تشرين الأول 2006 ، إلا أن عملية ( الوعد الصادق ) قربت هذا الموعد لتكون تموزية .
2. استرجاع هيبة الجيش الإسرائيلي : وذلك بعد مقتل ثمانية جنود يهود وخطف جنديين إسرائيليين كأسرى حرب أسرهما مقاتلو حزب الله أثناء عملية 12 تموز 2006 . والعمل على إبقاء صورة أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر في أذهان العرب والانتقام لطرد قوات الاحتلال الإسرائيلي المهين من لبنان ، في 23 أيار 2000 .
3. إشعال الفتنة الطائفية في لبنان بين مختلف الطوائف المسيحية والإسلامية .
4. التمهيد الاستعماري الإسرائيلي الأمريكي لشن هجوم واسع على إيران . فوجود حزب الله المجاهد يقلل من فعالية نجاح الهجوم العسكري الإسرائيلي – الأمريكي على إيران ، ويجعل الأهداف العسكرية والاقتصادية الإسرائيلية على مرمى صواريخ المقاومة اللبنانية .
5. تنفيذ المشروع الاستعماري الأمريكي الجديد المعروف بالشرق الأوسط الجديد ، لتقسيم المنطقة العربية والإسلامية في قارتي آسيا وأفريقيا إلى دويلات طائفية ومذهبية جديدة حسب المخطط الأمريكي – الإسرائيلي لضمان سيطرة الولايات المتحدة على منابع النفط العربية والإسلامية في المنطقة . ولهذا وجدنا دعما أمريكا للحكومة الإسرائيلية في كافة المجالات العسكرية والسياسية ، تمثلت بفتح جسر جوي أمريكي لتزويد الجيش الإسرائيلي بالمعدات العسكرية من ذخائر وقذائف ومعدات ثقيلة ومتوسطة لاستخدامها في الحرب المعلنة على لبنان .
6. تصدير الأزمة الداخلية الإسرائيلية للخارج .
7. الانتقام من المقاومة العربية والإسلامية وردعها من مغبة التعرض للجيش الإسرائيلي .
8. تجريب أسلحة إسرائيلية وأمريكية متطورة في حرب جديدة لتسويق هذه الأنواع من الأسلحة من القذائف والدبابات والطائرات وغيرها ، فكانت الساحة اللبنانية هي المرشحة لهذا الغرض .
وقد حققت الحرب الصهيونية على لبنان بعض أهدافها إلا أن المجمل العام تمثل بفشل عسكري إسرائيلي ذريع ، فلم تقض الحرب على حزب الله ولم يسترجع الجيش الإسرائيلي الجنديين المخطوفين ، ولم تتمكن من إشعال فتنة طائفية بل على العكس من ذلك تماسكت الوحدة الوطنية اللبنانية أثناء الحرب ، وبذلك أصبح حزب الله هو مالك قرار الحرب والسلم في لبنان سواء بشكل مباشر أو غير مباشر . وكذلك فرض حزب الله استراتيجيته العسكرية في البقاء على الخطوط الأمامية وفي مبدأ الردع العسكري وتوازن الرعب عبر إطلاق آلاف الصواريخ على المستوطنات اليهودية .
ثانيا: أهداف المقاومة الإسلامية اللبنانية
شنت قوات حزب الله عملية ( الوعد الصادق ) بالهجوم على قوات الاحتلال الإسرائيلي على الحدود اللبنانية الجنوبية لتحقيق عدة أهداف سياسية وعسكرية ونفسية ، محليا وعربيا وإسلاميا وعالميا ، من أهمها الآتي :
1. استرجاع مزارع شبعا اللبنانية المحتلة من قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 .
2. الإفراج عن الأسرى اللبنانيين وأسرى فلسطينيين وعرب في سجون الاحتلال الإسرائيلي كان أتفق على إطلاق سراحهم في عملية تبادل الأسرى بين حزب الله والحكومة الإسرائيلية بوساطة ألمانية ، مطلع عام 2004 ، ونكثت الحكومة الإسرائيلية بوعودها فلم تفرج عن الأسير سمير القنطار ورفاقه .
3. تخفيف الضغط العسكري والسياسي على الجبهة الفلسطينية التي تشنها قوات الاحتلال الصهيوني على شعب فلسطين في قطاع غزة والضفة الغربية ، خاصة بعد عملية ( الوهم المتبدد ) التي شنتها المقاومة الفلسطينية في 25 حزيران وقتلت خلالها جنود إسرائيليين وخطفت جندي آخر ، وتزايد الهجوم العسكري الشامل على قطاع غزة .
4. خلط الأوراق إقليميا في أعقاب الضغط الأمريكي والغربي المتصاعد على العرب والمسلمين والملف النووي الإيراني .
ب) مجريات الحرب الإسرائيلية المفتوحة
على لبنان 2006
بدأت الحرب العسكرية الإسرائيلية المفتوحة بأجنحتها الثلاثة الجوية والبحرية والبرية ، على لبنان ظهر 12 تموز 2006 ، بذريعة استرجاع الجنديين اليهوديين الذين اختطفهما مقاتلو حزب الله ، والانتقام لمقتل الجنود اليهود الثمانية في المعركة العسكرية بين قوات حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي صباح ذلك اليوم . فقد ردت قوات الاحتلال الإسرائيلي بطلعات جوية مخترقة جدار الصوت ، وألقت حممها على المواطنين والمباني اللبنانية في مختلف المواقع في المدن اللبنانية ، كما نفذت الطائرات الحربية الإسرائيلية طلعات جوية فوق مدينة اللاذقية السورية بدعوى توجيه رسالة عسكرية عاجلة للرئيس السوري بشار الأسد للضغط على حزب الله وردعه والحيلولة دون توجيه ضرباته لقوات الجيش الإسرائيلي والمستوطنات الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة . ثم انضمت القوات البرية والبحرية الإسرائيلية للغزوة الصهيونية الجديدة على لبنان . وتركزت عمليات القصف الجوي والمدفعي والبحري الإسرائيلي المكثف على القرى والمدن اللبنانية وعلى المدنيين خاصة إضافة إلى استهداف مواقع للجيش اللبناني . وكانت هذه الحرب بمثابة حرب استعمارية على لبنان عموما وحزب الله خاصة اشتركت وخططت لها وشاركت بتنفيذها كليا أو جزئيا كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا ونفذتها الحكومة الإسرائيلية باعتبارها شرطي المنطقة الأمريكي .
على أي حال ، استدعت الحكومة الإسرائيلية قوات الاحتياط على مراحل ، وبلغ عدد الجنود اليهود المشاركين في الحملة العسكرية المكثفة على لبنان أكثر من 40 ألف جندي إسرائيلي ، إضافة إلى مئات الدبابات والبوارج والزوارق الحربية ومئات الطائرات الحربية استعملت بالقصف الجوي العنيف وإنزال الجنود وغير ذلك . وركزت قصفها الشديد على ما أطلق عليه ( المربع الأمني ) وهو الضاحية الجنوبية للعاصمة اللبنانية بيروت التي تضم مقرات ومؤسسات حزب الله . ويمكن القول ، إن الطائرات الحربية الإسرائيلية نفذت سياسة إبادة جغرافية شبه شاملة للمباني اللبنانية خاصة لضاحية بيروت الجنوبية ، ودمرت نسبة 90 % من مباني بعض القرى اللبنانية الحدودية في الجنوب . وحسب الإحصاءات العسكرية الإسرائيلية بلغ عدد الغارات الجوية على لبنان سبعة آلاف غارة جوية على أهداف مدنية واقتصادية وعسكرية وبلغ عدد قذائف البحرية الإسرائيلية باتجاه اللبنانيين نحو 2500 قذيفة بواقع 800 ساعة إبحار ، وأسقطت الطائرات الحربية الإسرائيلية نحو 5 ر1 مليون قنبلة عنقودية على لبنان ، حسب ما ذكرته وسائل الإعلام الإسرائيلية ، منها نحو مليون قنبلة عنقودية لم تنفجر ، وهاجمت قوات الاحتلال الإسرائيلي مناطق إسلامية ومسيحية أيضا . وهذا الاستهلاك الإسرائيلي الكبير للذخائر والأسلحة أدى إلى تنشيط الصناعات العسكرية الإسرائيلية لتلبية احتياجات التدمير الإسرائيلية الوحشية فعملت خطوط الإنتاج الصناعي العسكري اليهودي 24 ساعة يوميا طيلة فترة الحرب لإنتاج القنابل والذخيرة ونقلها مباشرة إلى الطائرات والدبابات والبوارج والجنود .
وعلى الجانب الآخر ، قدرت قوات حزب الله المشاركة في القتال الإجمالية بنحو سبعة آلاف مقاتل ، منهم ألف وخمسمائة مقاتل جنوب نهر الليطاني . وقد استخدم مقاتلو المقاومة الإسلامية صواريخ الكاتيوشا والصواريخ المضادة للدبابات ذات المدى القصير والمتوسط ، فبلغ عدد الصواريخ التي انهمرت على المستوطنات اليهودية في شمال فلسطين المحتلة نحو 4000 صاروخ سقط أكثر من 500 صاروخ منها على مستوطنة كريات شمونة الشمالية في منطقة الجليل الفلسطيني القريبة من الحدود اللبنانية . والحق هؤلاء المقاتلون خسائر جسيمة بالقوات اليهودية الغازية في العدة والعتاد والأرواح ، إلى درجة أن استنكف عشرات الجنود الإسرائيليين عن المشاركة في المعركة بعد استدعائهم للمشاركة في القتال بسبب شراسة المقاومة التي أبداها مقاتلو المقاومة الإسلامية اللبنانية . وحسب الإحصاءات العسكرية الإسرائيلية فإن الجيش الإسرائيلي ألقى نحو 150 ألف طن متفجرات على لبنان بما يزيد عن ما استخدمه في جميع الحروب التي خاضها ضد العرب والفلسطينيين ما بين 1948 - 2006 . ومن جانبه اتبع حزب الله طريقة حرب العصابات ( اضرب واهرب ) و ( الكر والفر ) ضمن سياسة دفاعية فعالة لرد هجوم الجيش الإسرائيلي .
ويمكن القول ، إن الحكومة الإسرائيلية استخدمت شتى أنواع الحرب المادية : طائرات وأسلحة وقذائف وقنابل ذكية ، والحرب النفسية ( حرب مناشير وطلب مغادرة اللبنانيين لبيوتهم ) وفرض حظر تجول على جنوب لبنان والتهديدات الهاتفية المتنقلة والثابتة فإن المقاومة صمدت وتحدت القوة الإسرائيلية وألحقت بها خسائر مادية وبشرية جسيمة أيضا .
ج) قرار مجلس الأمن الدولي رقم ( 1701 )
طرح موضوع وقف إطلاق النار في الحرب المفتوحة على لبنان في مؤتمر دولي في روما في 26 تموز 2006 حيث تعهد المؤتمرون بالعمل على وقف عاجل وليس فوري لإطلاق النيران مع ضرورة إرسال قوة دولية لحفظ ما يسمى بالسلام في لبنان ، وطرح فؤاد السنيورة رئيس الحكومة اللبنانية النقاط السبع للخروج من الحرب .
وكان من نتائج حرب لبنان 2006 ، في المجالات السياسية والدبلوماسية ، تبنى مجلس الأمن الدولي مشروع القرار الأمريكي – الفرنسي لوقف إطلاق النار في لبنان ، فصدر القرار رقم 1701 بإجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي أل 15 عضوا ، في 11 آب 2006 ، داعيا الفريقين المتحاربين لوقف القتال حالا ، إلا أن الحكومة الإسرائيلية ماطلت في تنفيذ القرار ، ووافقت عليه الحكومة اللبنانية ، والتزمت به المقاومة الإسلامية ، ولكن الحكومة الإسرائيلية التزمت به لاحقا عند الساعة الثامنة صباح يوم الاثنين 14 آب 2006 بعد أن ارتكبت مجزرة كبيرة في البقاع ذهب ضحيتها عدد من المدنيين اللبنانيين . وبوقف إطلاق النار تكون هذه الحرب التي فرضت على لبنان واستمرت 34 يوما لم يستطع الجيش الإسرائيلي فيها إحراز النصر على مقاتلي حزب الله بل نجم عنها تراجع واضح في قدرات الجيش الإسرائيلي والمهاجرين اليهود لفلسطين المحتلة سياسيا واقتصاديا فشكلت هذه الحرب حلقة من حلقات التراجع اليهودي- الصهيوني – الإسرائيلي العام وبداية الفشل للمشروع الصهيوني في فلسطين الكبرى وبذلك ذهب عصر الانتصارات الإسرائيلية الساحقة . وقال عسكريون يهود كبار بأن الجيش الإسرائيلي هزم لأول مره في تاريخه .
على أي حال ، رغم ولادته القيصرية الصعبة ، بعد مفاوضات عسيرة ، بين الأطراف والأقطاب الدولية والإقليمية والمحلية ، تضمن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 ، عدة بنود من أهمها : وقف إطلاق النار بين حزب الله وقوات الاحتلال الإسرائيلي بصورة شاملة ، والمطالبة بإطلاق سراح الجنديين الإسرائيليين الذين اختطفهما حزب الله دون شروط ، إلا أنه حفظ للجانب الإسرائيلي بما سماه بحق أي دولة ( إسرائيل ) بالرد العسكري بدعوى حماية نفسها وأراضيها . وقرر تعزيز القوة الدولية الموجودة في لبنان ليصل عددها من ألفي جندي إلى خمسة عشر ألف جندي دولي ( قوات اليونيفيل – قوات الطوارئ الدولية لحفظ السلام في لبنان ) فكانت بمثابة وصاية دولية على البلاد كاستعمار جديد لتطويق المشرق العربي وإحكام الطوق على الأمة الإسلامية من أفغانستان إلى العراق والسودان وفلسطين ولبنان ، وتقييد عملية دخول الأسلحة للمقاومة اللبنانية . وقد حاز هذا القرار على إجماع أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين والمؤقتين . وقد تشاورت عشرات دول العالم وعلى رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا والحكومة الإسرائيلية للمساهمة في القوة الدولية المتعددة الجنسيات بجنوب لبنان ، لإرسال نحو 15 ألف جندي ، إضافة لنشر الجيش اللبناني لنحو 15 ألف جندي . فضمت هذه القوات مشاركة عدة دول كل حسب ما يرتأيه مناسبا لدوره ومصالحه .
د) نتائج حرب لبنان 2006
1) على الصعيد اللبناني :
استطاع الشعب العربي اللبناني الصمود في وجه الحملة العسكرية الإسرائيلية ، واستطاع مقاتلو المقاومة الإسلامية التابعين لحزب الله إلحاق الأذى بقوات الاحتلال ، إلا أن الطائرات الحربية التي استخدمت بكثافة تمكنت من إلحاق خسائر بشرية فادحة وخسائر اقتصادية ومدنية جسيمة جراء القصف الشديد بأسلحة ثقيلة من القذائف والذخائر فسقط مئات اللبنانيين بين شهيد وجريح من الأطفال والنساء والكبار في السن .
أ) الخسائر العامة : :
أولا : الخسائر البشرية : تمثلت بعدة نواح وهي : الشهداء : استشهد نحو 1140 لبنانيا معظمهم من المدنيين . فقد استشهد المئات من هؤلاء الشهداء في مجازر جماعية . وأفاد حزب الله أن عدد شهدائه العسكريين بلغ نحو 80 شهيدا ، وعدد شهداء الجيش اللبناني الذي لم يتدخل في الحرب بلغ 35 جنديا وشرطيا إضافة إلى 5 قتلى من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة . وهذا يدلل على أن السواد الأعظم من الشهداء هم مدنيون . وبلغ عدد الجرحى نحو 3700 جريح لبناني . وبرزت الهجرة الداخلية والخارجية : تشرد بفعل القصف الجوي المركز والقصف البحري والبري الإسرائيلي نحو مليون لبناني اضطروا لترك بيوتهم والنزوح باتجاه الشمال وصلوا لبيروت والبقاع وحتى أن بعض القوافل البشرية النازحة ذهبت كقوافل لاجئة إلى سوريا حيث بلغ عدد اللاجئين اللبنانيين لسورية نحو 200 ألف لبناني عادوا بعد أن وضعت الحرب أوزارها . ولم تنجم هذه الخسائر البشرية بمختلف أشكالها عن الحرب بشكل مباشر وإنما تبع ذلك خسائر بشرية بعد الحرب حيث تبين أن قوات العدوان الإسرائيلي ألقت أكثر من مليون قنبلة عنقودية لم تنفجر ألقيت في البيوت والشوارع والبساتين والمتنزهات والجبال والسهول اللبنانية ، الأمر الذي احتاج لفترة طويلة لنزع هذه الألغام الصغيرة والكبيرة .
وغني عن القول ، إن مئات الفلسطينيين تشردوا باتجاه الشمال أيضا وخاصة من المناطق الجنوبية ، واستشهد وجرح العشرات من الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية مثل مخيم عين الحلوة وغيره .
ثانيا : الخسائر الاقتصادية : شملت الخسائر الاقتصادية كافة أجنحة الاقتصاد اللبناني من صناعة وزراعة وتجارة وسياحة وخدمات . وشملت الخسائر البنية التحتية شبكات مياه وكهرباء وشوارع وجسور ومباني ومدرجات مطار بيروت وموانئ بيروت وجونية وطرابلس .وقدرت بعض المصادر قيمة الخسائر الاقتصادية بنحو 5 ر5 مليار دولار أمريكي ، وهذا يساوي 26 % من الناتج الإجمالي المحلي . وبعد الحرب عمل حزب الله على دفع تعويضات مالية ( 12 ألف دولار ) قيمة استئجار بيت لمدة سنة وشراء أثاث جديد لكل متضرر هدم بيته من اللبنانيين ، إضافة إلى قيام الحكومة بالإشراف على شؤون التعمير وإصلاح البنية التحتية في البلاد . وبالنسبة للإنتاج العام : نجم عن تراجع الإنتاج الكلي والدخل العام من ضرائب القيمة المضافة . وفيما يتعلق بالبورصة والعملة اللبنانية : أغلقت البورصة طيلة فترة الحرب ، فانخفضت أسعار البورصة بما يعادل 14 % ، وأنفق مصرف لبنان ( البنك المركزي ) أكثر من مليار دولار من احتياطياته لدعم صمود الليرة اللبنانية . وكذلك تبدد الموسم السياحي وتوقف العمل . وقد ساهمت هذه الحرب في رفع حجم الدين اللبناني العام . وساهم الحصار البري والجوي والبحري الذي فرضته قوات الاحتلال على لبنان من تأزيم الوضع الاقتصادي العام في لبنان من ارتفاع الأسعار وزيادة حدة البطالة وزيادة الضغوط على الليرة اللبنانية ، إضافة إلى هجرة الأيدي العاملة العربية والأجنبية .
ثالثا : تلوث البيئة : تسرب نحو 15 ألف طن زيت وقود ثقيل إلى الشواطئ اللبنانية بعد قصف الطائرات الإسرائيلية محطة كهرباء جنوبي بيروت ( محطة الجيه ) حيث سببت أزمة بيئة عارمة قدرت كلفة تنظيفها بنحو مائة مليون دولار .
ب) المكاسب العامة :
على صعيد الإنجازات العسكرية والسياسية اللبنانية والعربية والإسلامية فقد أدت هذه الحرب إلى :
1. صمود وثبات المقاومة الإسلامية مع ما نجم عن ذلك من تصاعد لشعبية حزب الله وقيادته . فأصبحت منظمة حزب الله قوية وذات نفوذ أكبر على صعيد الجبهة الداخلية اللبنانية كونها منظمة سياسية – عسكرية – اجتماعية – اقتصادية معترف بها رسميا من الحكومة اللبنانية وشعبيا أكثر مما سبق . وقد وصف مجاهدو حزب الله بأنهم : " أفضل مقاتلو حرب عصابات في العالم " .
2. نجاح حزب الله في تغيير صورة الهزائم العربية أمام الجيش الإسرائيلي وإبراز هزيمة الجيش الإسرائيلي المدعوم أمريكيا ، وتقليل هيبة قوة الردع الإسرائيلية للعرب ، أمة وحكومات .
3. هز صورة القيادة الإسرائيلية السياسية والعسكرية أمام الرأي العام الإسرائيلي . فقد انخفضت شعبية أيهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي ، وشعبية عمير بيرتس وزير الجيش الإسرائيلي إلى الحضيض لم يسبق أن وصلت لها شعبية رئيس وزراء ووزير جيش لهذا الحد المتدني وتزايدت عملية المناداة بإقالة دان حالوتس رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ، إضافة إلى تغيير في القيادة الشمالية للجيش الإسرائيلي أثناء المعركة . وقد أدت الحرب في لبنان لإحداث زلزال سياسي في المجتمع الإسرائيلي فظهرت دعوات حادة تنادي باستقالة الحكومة الإسرائيلية وخاصة رئيس الوزراء ووزير الحرب ووزيرة الخارجية وقيادة الجيش الإسرائيلي ، وفتح تحقيق حول الحرب . وهذا ما تم حيث شكلت لجنة فينوغراد لهذه المهمة .
4. تخفيف الضغط العسكري والسياسي عن الجبهة الفلسطينية في صراع شعب فلسطين مع الاحتلال الإسرائيلي . فقد كانت قوات الاحتلال تعد لشن هجوم واسع على قطاع غزة فعدلت عن ذلك إلا أنه رغم هذا فقد قضى أثناء الحرب على لبنان نحو 200 شهيد فلسطيني عدا عن عشرات الجرحى .
5. إدخال الرعب والتوتر في نفسية اليهود في البلاد فكلما دوت صفارات الإنذار سادت حالة رعب وهلع كبير بين المستوطنين اليهود في شمال فلسطين المحتلة فيسارعون للملاجئ ( المخابئ الخرسانية الواقية من القنابل والصواريخ ) .
6. دخول لاعبين جدد على ساحة السلام في المنطقة مثل دخول سورية إلى اللعبة السياسية بعدما استبعدت على مسار السلام السوري – الإسرائيلي . وكذلك تأجيل أو تأخير أو حتى استبعاد الهجوم على إيران وسوريا لتغيير النظام السياسي في كل منهما بالقوة الأمريكية .
7. بداية الهز العنيف للنفوذ الأمريكي في المنطقة العربية ، وبداية تغير النظرة الأمريكية لقوة الجيش الإسرائيلي المزود بالأسلحة والمعدات الأمريكية الأكثر تطورا في العالم ، لفشله في تحقيق الأهداف الإسرائيلية – الأمريكية لبناء ( الشرق الأوسط الجديد ) .
2) على الصعيد الإسرائيلي :
لم تستطع الحكومة الإسرائيلية تحقيق أهدافها من شن الحملة العسكرية الشاملة على لبنان من أقصاه إلى أقصاه وخاصة القصف الجوي المركز ، فقد مني الجيش الإسرائيلي بالخيبة والفشل ولم يتمكن من السيطرة على مناطق في جنوب لبنان حيث تكبد خسائر بشرية وعسكرية واقتصادية فادحة . وفيما يلي أبرز هذه الخسائر :
أولا : الخسائر البشرية : تمثلت بالقتلى والجرحى والخوف والهلع العام والمكوث في الملاجئ والهجرة الداخلية على النحو الآتي : تكبد الجيش الإسرائيلي خسارة بشرية كبيرة إذ قتل 160 إسرائيليا منهم 119 جنديا ، كما جرح نحو 750 جنديا إسرائيليا أثناء المعارك الطاحنة كما أصيب نحو ألف يهودي بجروح مختلفة وأصيب بالهلع مئات الإسرائيليين فأدخلوا إلى المصحات العقلية اليهودية . وظهرت ظاهرة المبيت في الملاجئ : اضطر نحو مليون ونصف مليون إسرائيلي أن يناموا طيلة شهر تقريبا في الملاجئ الخاصة والعامة جراء القصف الصاروخي من قوات حزب الله باتجاه المستوطنات اليهودية التي امتد مداها لنحو 70 كم جنوبي الحدود اللبنانية . والهجرة اليهودية باتجاه الجنوب : اضطرت عشرات الآلاف من العائلات اليهودية المقيمة في المستوطنات اليهودية الشمالية للنزوح جنوبا باتجاه تل أبيب والنقب والعقبة خوفا من صواريخ المقاومة الإسلامية اللبنانية التي أصابت عشرات المستوطنات إذ وصلت إلى حيفا وبيسان والخضيرة وغيرها . والأمثلة كثيرة في هذا المجال ، نذكر منها ، إجلاء الحكومة الإسرائيلية جميع سكان مستوطنة كريات شمونة اليهودية ( وهي مستوطنة إسرائيلية أقيمت على أرض قرية الخالصة الفلسطينية شمال فلسطين ) البالغ عددهم نحو 30 ألف يهودي باتجاه الجنوب عبر قوافل من الباصات والشاحنات لتجنبيهم صليات صواريخ الكاتيوشا المنطلقة من مقاتلي حزب الله . وبلغ عدد السكان اليهود النازحين باتجاه وسط وجنوب فلسطين نحو 350 ألف نازح .
ثانيا : الفشل العسكري العام :
فشلت قوات الاحتلال الإسرائيلي في العملية العسكرية التي أطلقت عليها ( تغيير الاتجاه ) باحتلال مساحة واسعة من الأراضي اللبنانية عبر الغزو البري ، فقد تكبدت خسائر كبيرة في الدبابات والأسلحة الثقيلة نتيجة تصدي قوات حزب الله لتقدم وحدات الجيش الإسرائيلي . كما أن تم هزيمة نفسية الجنود الإسرائيليين ، عبر قتل العشرات من الوحدات الخاصة اليهودية من المظليين ولواء غولاني . وهذا الفشل الإسرائيلي أدى إلى لجوء الولايات المتحدة لإصدار قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي قرر إرسال 15 ألف جندي أممي من الأمم المتحدة على الحدود اللبنانية – الفلسطينية كقوات طوارئ دولية . ونتيجة لهذا الفشل العسكري تصاعدت الدعوات الإسرائيلية للاستعداد للجولة المقبلة من الحرب مع حزب الله .
وعلى الجانب المادي ، تكبدت الآلة العسكرية الإسرائيلية خسائر فادحة في العتاد والمعدات . فقد دمرت المقاومة الإسلامية اللبنانية عدة طائرات حربية ومناطيد تجسس في سماء لبنان ، كما دمرت ثلاث بوارج حربية إسرائيلية في عرض البحر . إضافة إلى تدمير مواقع عسكرية متقدمة للجيش الإسرائيلي في شمال فلسطين المحتلة وتحطيم وتدمير عشرات الآليات العسكرية كالدبابات والمصفحات والجيبات المصفحة .
ثالثا : الخسائر الاقتصادية :
نجم عن الحرب في صيف 2006 ، خسائر باهظة للاقتصاد الإسرائيلي جراء إصابة عشرات المصانع والشركات وميناء حيفا بإصابات مباشرة أو نتيجة توقف هذه المنشآت الاقتصادية عن العمل . وقد قدرت هذه الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية بأكثر من ملياري دولار أمريكي . وتنقسم الخسائر الاقتصادية الإسرائيلية إلى عدة مجالات هي :
1. قلة الإنتاج الصناعي والزراعي ( المصانع والشركات والموانئ ) : حيث قدرت خسائر المنشآت الاقتصادية بعشرات ملايين الدولارات .
2. هدم البيوت : هدمت صواريخ حزب الله اللبناني خلال فترة الحرب نحو 13 ألف منزل في المستوطنات اليهودية في شمال ووسط البلاد .
3. التضرر السياحي : تضررت الفنادق والحجوزات السياحية في المناطق الأثرية والمائية مثل إلغاء حجز الفنادق في طبرية وحيفا وعكا والمناطق الساحلية الأخرى . وهذا كبد الاقتصاد الإسرائيلي خسائر مالية باهظة .
4. الممتلكات الأخرى : تحطمت نحو مليون سيارة إسرائيلية جراء قصف المقاومة الإسلامية للمستوطنات اليهودية وحرقت نحو 2 ر1 مليون شجرة .
5. نهب البيوت اليهودية التي أخلاها سكانها أثناء القصف الصاروخي على المستوطنات اليهودية من عصابات يهودية متخصصة .
رابعا : رسالة سياسية : وجهت الصواريخ التي أطلقها حزب الله باتجاه المستوطنات اليهودية في فلسطين المحتلة رسالة سياسية تحذيرية عاجلة للحكومة الإسرائيلية واليهود عموما هزت الكيان السياسي – العسكري – الاقتصادي من مغبة شن إسرائيل أو الولايات المتحدة هجوما جويا على إيران بذريعة قيام إيران بتخصيب اليورانيوم في المفاعل النووي الإيراني .
وقد تسببت هذه الحرب ببداية العد العكسي المتدهور في المشروع الصهيوني لما يسمى إسرائيل الكبرى ، فلأول مرة تقصف فيها مستوطنات يهودية بهذه الصورة العنيفة من لبنان منذ إنشاء الكيان الصهيوني قبل 58 عاما ، فقد قصفت معظم المستوطنات الشمالية بالكاتيوشا ذات المدى القصير والمتوسط والطويل لتصل إلى عمق المستوطنات اليهودية لتصل عكا وصفد والعفولة وحيفا وبيسان والخضيرة وغيرها . فكان نصرا استراتيجيا وتاريخيا لحزب الله على الكيان الصهيوني . وهناك اعتراف إسرائيلي بفشل الغزوة العسكرية الصهيونية على لبنان رغم استعمال كافة أنواع الأسلحة الإسرائيلية والأمريكية العصرية في هذه الحرب فبدا الكيان الصهيوني كبيت العنكبوت الهش الذي قصفت تجمعاته السكانية في عقر دارها مما ساهم في دب الرعب والهلع في صفوف اليهود .
هـ) من المنتصر في حرب 2006 ؟
كانت الحرب التي شنها جيش الاحتلال على لبنان حرب إبادة شاملة للمدنيين والبيوت في المناطق اللبنانية المستهدفة في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية ( كونها تأوي الشيعة ) اثبت فيها الجيش الإسرائيلي لا أخلاقية هذه الحرب الظالمة وأن هذا الجيش المدجج بأحدث أنواع الأسلحة هو جيش تخريبي سبب معاناة إنسانية كبيرة للمدنيين اللبنانيين فكان الانتقام من أبناء شعب لبنان المدنيين مقابل تصدي قوات حزب الله للجنود اليهود . ويمكن القول ، إن علم حزب الله الأصفر اللون ورشاشاته وقذائفه وإرادة مجاهديه الذين أبدوا مقاومة باسلة مجيدة وشجاعة ، انتصر على العلم الإسرائيلي بلونيه الأزرق والأبيض ونجمته السداسية بوسطه وصواريخه وطائراته . وإن المقاومة الإسلامية في لبنان لم تكن تدافع عن نفسها فقط وإنما دافعت عن الأمتين العربية والإسلامية في الخطوط الأمامية .
1. خطاب النصر لحزب الله
{ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } ( القرآن المجيد ، المائدة ، 56 ) . وقد أعتاد السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله توجيه خطابات متلفزة لمقاتلي المقاومة الإسلامية في لبنان والشعب اللبناني والأمتين العربية والإسلامية وكذلك موجها بعض فقرات خطبه لليهود في فلسطين المحتلة . وفي خطابة المتلفز عبر فضائية المنار التابعة لحزب الله ، بعد وقف القتال أشار نصر الله إلى النصر المبين الذي أحرزته المقاومة الإسلامية بقوله : " نحن أمام نصر استراتيجي وتاريخي ... للبنان كل لبنان ، وللمقاومة وللأمة كل الأمة ... خرجنا من المعركة مرفوعي الرأس وعدونا هو المهزوم " . ويمكن القول ، إن هذا النصر الإسلامي على الجيش اليهودي هو ما يمثل صفعة لليهود الصهاينة والأمريكان فكان حزب الله هو الغالب وهذا ما ينسحب على الآية القرآنية الشريفة ، كما يقول الله سبحانه وتعالى : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ . إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ . وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ } ( القرآن المجيد ، الصافات ، 171 – 173 ) . كما نظم مهرجان الانتصار بعنوان ( النصر الإلهي ) في ضاحية بيروت الجنوبية في 22 أيلول 2006 فكان أضخم تجمع بشري في تاريخ لبنان ، ألقى فيه السيد حسن نصر الله خطابا سياسيا جامعا مشيرا إلى : " نصر استراتيجي تاريخي جديد .. الأخذ بالأسباب .. المقاومة التقية المؤمنة المخططة المدربة ، غير العشوائية ، هذا هو سر الانتصار .. في يوم النصر الإلهي دخلنا إلى عصر جديد نستطيع فيه فرض شروطنا على العدو .. المقاومة في لبنان هي التي حمته من الحرب الأهلية ، وأي كلام يتحدث عن تقسيم لبنان أو عن فيدرالية أو كانتونات هو كلام إسرائيلي ، نحن قدرنا أن نعيش معا . نرفض أن يجزأ لبنان ، والذي يحمي لبنان هو الدولة القوية والعادلة النظيفة العزيزة التي تستطيع أن تحمي أرض لبنان وتحمي شعبها وترفض الوصاية .. المدخل هو تشكيل حكومة وحدة وطنية جدية .. لبنان أصبح بعد هذه الحرب دولة عظمى في الشرق الأوسط يحسب لها حساب " .
2. رأي الإسرائيليين بالحرب ( حرب تغيير الاتجاه )
تناقضت الآراء اليهودية – الصهيونية – الإسرائيلية حيال الحرب في لبنان ، إلا أن معظمها أشارت إلى انتصار حزب الله على الجيش الإسرائيلي . وفيما يلي أبرز هذه الآراء نوعيا وليست كميا :
أولا : الرأي الحكومي الرسمي : أشارت مصادر الحكومة الإسرائيلية إلى أن الجيش الإسرائيلي حقق بعض أهدافه بإبعاد قوات حزب الله عن الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة ( الكيان الصهيوني ) . كما أدعت أن قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 جاء بناء على رغبة إسرائيلية . وأشار ثلاثة وزراء يهود : عمير بيرتس ، وزير الجيش وقت المعركة وتسفني لفني وزيرة الخارجية ، وموشيه ارنس ( وزير حرب سابق ) إلى عدم إمكانية نزح سلاح حزب الله في لبنان ، ولسان حالهم يقول : اكتشفنا أنه لا يستطيع أي جيش في العالم أن يفكك تنظيما كهذا التنظيم ( حزب الله ) .
ثانيا : الرأي الشعبي : بينت استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي أن ليس هناك نتائج فعلية حققتها العملية العسكرية المكثفة على لبنان في صيف 2006 . ففي استطلاع للرأي العام أجراه ( معهد غلوبس ) نشر بعد توقف القتال في 13 آب 2006 ، تبين أن 58 % من اليهود المستطلعة آراؤهم اعتقدوا أن العملية الإسرائيلية لم تحقق أهدافها ، واعتقد 52 % أن الجيش الإسرائيلي لم ينجح في مهمته وأعتقد 3 % فقط أن الجيش الإسرائيلي حقق معظم أو كل أهداف العملية العسكرية . ويشير ايتان هابر رئيس ديوان إسحق رابين سابقا للحرب بقوله إن حلفا مقاوم فلسطينيا وعربيا وإيرانيا أما الكيان الصهيوني : " إنتهت الجولة الأولى ، الآن من الواضح لنا أننا نقاتل ضد حماس والفلسطينيين وضد حزب الله ، لبنان ، سوريا وإيران ، هذا تحالف صعب وخطير يتربص بحياتنا في السنوات المقبلة ... الجمهور في أغلبيته يشعر أن أي شيء لم يكن هنا على ما يرام ( تقريبا ) في حرب " الكاتيوشا " ومثلما هي الحال في الحروب والانسحابات السابقة ستجري عملية محاسبة لقادة الجيش والقادة المنتخبين والمستوى السياسي ... هذا الجمهور ما زال مصدوما مما حدث ومن الضحايا والملاجئ والعجز والبلبلة الكبيرة ، لا تنطلي عليه الحكايات ( الصحيحة جدا ) حول الإنجازات الكبيرة ، الجمهور لم ينتعش بعد من الجلوس اللامتناهي في الملاجئ وعدد الكاتيوشا الضخم والدمار " .
ثالثا : الرأي الإعلامي : أجمعت وسائل الإعلام الإسرائيلية على أن الجيش الإسرائيلي لم يحقق أهدافه من العملية العسكرية على لبنان ، فقد أشارت الصحف الإسرائيلية إلى ذلك . فأوضحت صحيفة ( هآرتس ) الإسرائيلية بعد انتهاء الأعمال الحربية أن : " بعد 33 يوما على عملية تغيير الإتجاه لم يحصل هناك تغيير في الاتجاه ... بتعبير آخر عشية وقف الأعمال الحربية لم يتم بعد تحقيق أحد الأهداف الرئيسية للعملية العسكرية " . وكانت الأهداف التي حددها رئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود أولمرت لعملية ( تغيير الإتجاه ) الإسرائيلية ضد لبنان عموما وحزب الله خصوصا تمثلت في : تخليص الجنديين الإسرائيليين من أيدي حزب الله الذين أسرهما في 12 تموز ، وقتل أو تحييد أمينه العام السيد حسن نصر الله ، ووقف تهديد إطلاق الصواريخ على المستوطنات اليهودية في الجليل شمالي فلسطين المحتلة فقبل وقف إطلاق النار بثلاث ساعات أطلق حزب الله 250 صاروخ كاتيوشا باتجاه المستوطنات اليهودية الشمالية فقتل شخصا وجرح 15 آخرين .
3. أسباب نصر حزب الله وهزيمة الإسرائيليين
رغم وقوع مأساة كبيرة للبنان ، وارتكاب جيش الاحتلال جرائم حرب ضد الإنسانية ، انتصر حزب الله باعتراف الأصدقاء والأعداء على حد سواء ، وتعود أسباب هذا الانتصار للمقاومة الإسلامية لما يلي :
1. الإعداد الشامل الجيد : من الإعداد الجهادي الإسلامي والتدريب العسكري وحفر الخنادق ، وبناء ترسانة عسكرية متطورة فعالة في مختلف المواقع . وقد اشتملت أسلحة حزب الله على صواريخ كاتيوشا لمدى متوسط وبعيد ، وقاذفات مضادة للدبابات تعمل بالليزر ، ولو كان هناك صواريخ مضادة للطائرات لحسمت المعركة بشكل أفضل وبوقت زمني أقصر . وكذلك فإن تدرب مقاتلي حزب الله على حرب العصابات ، والتخطيط العسكري والتدريب الجيد أحبط العقيدة الصهيونية التقليدية المستندة إلى سرعة اختراق حصون الأعداء باستخدام الدبابات والمصفحات المتطورة .
2. القيادة السياسية والعسكرية الواعية وسط المعركة . فقيادة السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله ، والحماسة والشجاعة في المعركة ساهمت في رفع معنويات المجاهدين المسلمين . وكذلك فإن قدرة قيادة حزب الله على المناورة السياسية والعسكرية أكسبها مصداقية كبيرة لدى الأتباع والأعداء على السواء ، مما افشل المراهنة الإسرائيلية على جر لبنان إلى حرب أهلية وفتنة طائفية جديدة .
3. الشعبية العامة لحزب الله نظرا لمصداقيته وثقة الشعب اللبناني به . فرغم أن هناك طوائف دينية مختلفة في لبنان من المسيحيين والسنة والشيعة ، فإن طائفة الشيعة التي ينتمي لها حزب الله يبلغ تعدادها نحو 4 ر1 مليون من أصل نحو أربعة ملايين لبناني وقفت جميع هذه الطوائف معنويا ضد العدوان الإسرائيلي الذي لم يستثن أحدا . كما أن قيادة حزب الله مارست سياسة مفتوحة مع جميع اللبنانيين واعتبرت أن هذه الحرب هي ضد لبنان بأسره وليس ضد طائفة دينية بعينها .
4. الدعم المالي المناسب . يمتلك حزب الله مؤسسات اقتصادية واجتماعية متكاملة ، إضافة إلى الدعم المالي الإيراني الذي قيل إنه كان 25 مليون دولار شهريا ارتفع قبل فترة إلى 50 مليون دولار شهريا بعد صعود الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لرئاسة إيران .
5. سرية العمل المتكامل . تمثلت بعدة نواح عسكرية وسياسية وإعلامية ، فمخابئ الأسلحة والخنادق ومواقع قناة المنار الفضائية التابعة لحزب الله في المدن اللبنانية أثبتت هذه السرية الناجحة حينما تعرضت لقصف عدة مرات فبقيت تبث كالمعتاد .
6. الحملة الإعلامية والنفسية والعمليات العسكرية النوعية التي أتبعها حزب الله في التصدي للعدوان .
7. عدم اختراق جبهة حزب الله بالعملاء . وهذه مسألة مهمة في الحرب ، فالجبهة الداخلية السليمة تساعد في التمويه على الأعداء . فلم تكن هناك تصورات مسبقة أو تقارير ميدانية عن أمكنة وجود قوات حزب الله في الميدان الحربي مما أفشل خطط الأعداء العسكرية فلجأت الطائرات الإسرائيلية لقصف التجمعات السكنية المدنية وهذه محاولة يائسة من الجانب الإسرائيلي .
8. الوهن العسكري الإسرائيلي البري . فلم تستطع الدبابات التقدم كثيرا باتجاه المواقع التي يتواجد بها مقاتلو حزب الله ، وبقيت ساحة الجنوب اللبناني ساحة مفتوحة للقتال . وقد كبد مقاتلو حزب الله العدو خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات فدمرت عشرات الدبابات الإسرائيلية المتطورة ( ميركفا 4 ) بفعل الصواريخ المتطورة مثل صواريخ الكاتيوشا ، و( ميتسي إم ) وكورنيت الموجهة بواسطة الليزر ، ومدافع آر بي جي 29 وغيرها .
و) عبر وعظات .. من حرب لبنان 2006
لقد كانت الحرب الإسرائيلية على لبنان في صيف 2006 ، مغامرة إسرائيلية عديمة الجدوى سياسيا وعسكريا ، صحيح أنها دمرت كثيرا وألحقت خسائر فادحة بالشعب العربي اللبناني اقتصاديا ومدنيا عبر التخريب الكبير للعمران والأبنية والاقتصاد حيث دمر نحو 15 ألف وحدة سكنية وتشرد نحو مليون لبناني باتجاه الشمال بعيدا عن بيوتهم ، إلا أنه في الاتجاه المعاكس أيضا تكبد الإسرائيليون في جيشهم ومستوطنيهم في شمال فلسطين المحتلة خسائر باهظة أيضا ، فكان بمثابة توازن للرعب في الحلبة اللبنانية هذه المرة أسوة بانتفاضة الأقصى في فلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي ذاته . وهناك عبر وعظات يفترض أن تؤخذ بعين الاعتبار من هذه الحرب تتمثل بما يلي :
1. العقيدة والإيمان : جعلت المقاومة الإسلامية تنتصر على جيش الاحتلال رغم الفارق الكبير في العدة والعتاد والمقاتلين ، ففي هذه المرة غلبت فئة قليلة فئة كثيرة بإذن الله العزيز الجبار .
2. الإعداد الجيد يوصل إلى النصر ويشمل الإعداد النفسي والروحي والمادي والتسليحي وهذا ما كان من حزب الله الذي جهز الخنادق ودرب مقاتليه على السلاح العصري الحديث الذي ألحق خسائر كبيرة بالجيش البري اليهودي الذي فشل في غزو أرض لبنان برا وبقي يلقي بحممه الملتهبة جوا وبرا وبحرا عن بعد ولم يكن مستعدا للمنازلة البرية الواسعة .
3. الوحدة الوطنية اللبنانية والتماسك السياسي والاجتماعي والاقتصادي أثناء المعركة هما سبيل الوصول إلى النصر المبين ، فجميع اللبنانيين كانوا صفا واحدا أثناء معركة 2006 القوا خلافاتهم المذهبية والطائفية جانبا وصمدوا ورابطوا جميعا في خندق الصمود والتحدي خلف القيادة السياسية والعسكرية لحزب الله ولم يكن حزب الله ليأخذ دور الحكومة بأي حال من الأحوال بل كان هناك تكامل في الأداء السياسي والعسكري والنفسي . وقد تمثل هذا الاصطفاف الشعبي والرسمي خلف المقاومة الإسلامية باستضافة المهجرين من الحرب بغض النظر على الطائفية المقيمة في البلاد . وقد سطرت الوحدة الوطنية اللبنانية بوقوفها خلف المقاومة مجدا لبنانيا وعربيا وإسلاميا ضد العدوان الصهيوني . وقد ظهرت بعض محاولات خلق فتنة لبنانية إلا أن المقاومة الإسلامية نأت بنفسها عن الانتقادات السياسية والإعلامية أثناء سير الحرب العدوانية على لبنان .
4. تحطيم نفسية الجندي اليهودي ، والشخص اليهودي الذي كان يتبجح ويعربد بأن جيشه لا يقهر في المنطقة . ورفعت هذه الحرب الروح المعنوية للشعوب العربية والأمة الإسلامية بإمكانية إحراز النصر على الأعداء الصهاينة الإسرائيليين رغم دعم الولايات المتحدة لهم .
5. بعد هزيمة الحكومة الإسرائيلية وجيشها في لبنان تعالت الأصوات لتغيير القيادة السياسية والعسكرية من رئاسة الحكومة وقيادات الجيش فتغير وزير الجيش عمير بيرتس ودان حالوتس رئيس اركان الجيش ، وها هو تقرير فينو غراد يحمل المسؤولية لايهود أولمرت رئيس الوزراء الإسرائيلي من جديد وتظهر أصوات عالية تطالب برحيله وتحمله المسؤولية الكبرى في فشل الجيش بتدمير لبنان وتدمير قوات حزب الله التي ما زالت تتأهب للتصدي للعدوان الجديد بشكل أكثر قوة حيث اذاع حزب الله بينان ذات مرة قال فيه أنه يمتلك أكثر من 40 الف صاروخ من مثيلات التي أطلقت في حرب صيف 2006 ، واعدا بتغيير خريطة المنطقة السياسية حال شن قوات الاحتلال الإسرائيلي حربا جديدة على لبنان . ولهذا يبدو في الأفق حرب جديدة للثأر الإسرائيلي لما جرى ، ويمكن أن تنشب هذه الحرب من حين لآخر وربما يكون الربيع الحالي ساخنا أو الصيف القادم حارا جدا على الجبهة الفلسطينية – اللبنانية . وإن غدا لناظره قريب .

ليست هناك تعليقات: