الأحد، 13 أبريل 2008

سياسة التمييز الاسرائيلية ضد الفلسطينيين رسالة دكتوراه ( 2 - 3 )

الثلاثاء,شباط 19, 2008

سياسة التمييز الاسرائيلية ضد الفلسطينيين
رسالة دكتوراه
( 2 - 3 )
======================
أطروحة دكتوراه في العلوم السياسية مقدمة من :
الباحث : كمال إبراهيم محمد علاونه
الأستاذ المشرف : أ . د . حسن علي الساعوري
الخرطوم – السودان
ربيع الأول 1423 هـ / حزيران 2002 م
=====================================
يقول الله جل جلاله :
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12) يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)} ( القرآن المجيد ، الحجرات ) .
---------------------------
عينة الدراسة
عند اختيار العينة البحثية " مجموعة الدراسة " في ( سياسة التمييز الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ) تمت مراعاة أن تمثل المجتمع الأصلي من مختلف التيارات والاتجاهات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ومن أجيال متعددة ، من الذكور والإناث ، في الفترة الزمنية الممتدة من : ما قبل النكبة وأثناءها وما بعدها ، لتفي بأغراض البحث وهي جزء من المجتمع الأصلي اختيرت بأساليب مختلفة تضم عددا من الأشخاص المنتخبين ، صناع القرار وبالتالي الممثلين الحقيقيين لمجتمع الدارسة . فالمجتمع الأصلي المحدد للدراسة هو المواطنون العرب الذي بقوا في أرض فلسطين التي أقامت عليها المنظمات الصهيونية " دولة المستوطنين اليهود " منذ عام 1948 وتكاثروا منذ ذلك التاريخ حتى الآن .
على أي حال ، اشتملت عينة الدراسة من العرب على العديد من المؤسسات الرسمية والعامة والأحزاب والحركات السياسية والجمعيات والفعاليات الشعبية والشخصيات المنتخبة والمؤثرة في صنع القرار في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في المجتمع العربي داخل الكيان الإسرائيلي . وفيما يتعلق بحجم العينة فقد تم تحديد أصحاب القرار الرئيسيين ب321 شخصا ثم تم اختيار 115 شخصية عربية استجاب منها 92 شخصا وامتنع عن الإجابة 23 شخصا أي إن نسبة الاستجابة شكلت 80 % . وشمل توزيع الاستبيانات عينة الدارسة التالية :
1 ) المؤسسات الرسمية والعامة : تشمل البرلمان الإسرائيلي ( الكنيست ) ، ودوائر الحكومة الإسرائيلية ، واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية ، وأعضاء عرب في مجالس بلديات مختلطة ومجالس محلية عربية غير معترف بها رسميا ، ومركز السلطات المحلية في البلاد ، ولجنة المتابعة العليا للمواطنين العرب ، ونقابة العمال الإسرائيليين العامة ( الهستدروت ) ، وسلطة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلية ، ومجلس التنظيم والبناء القطري الإسرائيلي .
2 ) الأحزاب والحركات السياسية : تمثل مختلف الأحزاب والحركات العربية في الحلبة السياسية وهي : الحركة الإسلامية بجناحيها الشمالي والجنوبي ، والحزب الديمقراطي العربي ، والحركة العربية للتغيير ، والتجمع الوطني الديمقراطي ، والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة ( حداش ) ، والحزب القومي العربي ، وحركة أبناء البلد ، ولجنة المبادرة الدرزية ، ولجنة المتابعة الدرزية . بالإضافة إلى اختيار ممثلين عرب منتخبين في أحزاب عربية – يهودية : حزب العمل ، وحركة ميرتس ، حزب شعب واحد ، ومستقلين .
3 ) الجمعيات والمراكز والفعاليات الشعبية : تشمل : جمعية رعاية الأقصى والمقدسات الإسلامية ، وجمعية الثقافة العربية ، واتحاد الكتاب العرب ، ورابطة الكتاب الفلسطينيين ، والمركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية ، وجمعية اتجاه ( اتحاد الجمعيات العربية ) والرابطة لرعاية شؤون عرب يافا ، والجمعية العربية القطرية للبحوث والخدمات الصحية ، وجمعية الأهالي ، ومركز مساواة ، ولجنة متابعة قضايا التعليم العربي ، ومراكز أبحاث عربية ، ومركز التخطيط البديل ، ودور نشر عربية : مؤسسة الأسوار الثقافية ، ومنتدى الطلائع الثقافي ، وجمعية إقرأ في الجامعات الإسرائيلية ، وكليات عربية ، وجمعية صوت العامل ، ونادي رجال الإعمال العرب .
4 ) وسائل الإعلام العربية : تضم صحف ومجلات : صوت الحق والحرية ، وكل العرب ، والميثاق ، والديار ، والاتحاد ، وفصل المقال ، والعين ، وراديو 2000 ، ومركز الإعلام الفلسطيني في حيفا ، ونقابه الصحفيين العرب ومراسلين عرب لمطبوعات وإذاعات عبرية .
5 ) الشخصيات : تشمل : أكاديميين ، وصحافيين ، وأطباء ، ومحامين ، ومدراء مدارس ، وأولياء أمور طلاب عرب ، وأدباء وكتاب ، ورجال دين ، ومزارعين وصناعيين وفنيين .
وفي هذا البحث لجأ الباحث إلى استخدام العينة غير العشوائية ( Non – Random Sample ) لصعوبة إن لم يكن استحالة استخدام العينة العشوائية أو الاحتمالية لأسباب أمنية – سياسية تتمثل في صعوبة دخول الباحث إلى المنطقة الجغرافية المعينة خلال فترة تعبئة الاستبيان والمقابلات . وقد استخدمت ثلاثة أنواع من العينة غير العشوائية وهي :
أولا : عينة الصدفة (Accidental Sample ) : تأتي هذه العينة من خلال مقابلة أناس مهمين للدراسة .
ثانيا : العينة الحصصية ( Quota Sample ) : تم تقسيم مجتمع الدراسة إلى فئات ثم اختير عددا من أفراد كل فئة وهي فئات قيادية منتخبة ، في مركز صنع القرار العربي ، بحيث يتناسب مع حجم هذه الفئة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
ثالثا : العينة الغرضية أو القصدية ( Purposive Sample ) : بهدف تحقيق أغراض الدراسة ، حيث قدرت الحاجة إلى المعلومات واختيرت العينة بما يحقق الغرض المنشود .
ولتكون هذه الدراسة علمية شاملة ورصينة ، فقد اعد الباحث استبانة ( Questionnaire ) عن ( سياسة التمييز الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ) حيث تم إعداد أسئلة الاستبيان في صورته الأولية ثم عرض على ثمانية من الخبراء والباحثين والمختصين والأكاديميين العرب في الجامعات الفلسطينية والإسرائيلية ومراكز الأبحاث الفلسطينية ، لمعرفة آرائهم حول هذا الاستبيان . ثم تم توزيع الاستبيان على عينة تجريبية من المجتمع المبحوث للتأكد من وضوح الأسئلة ثم أدخلت التعديلات اللازمة على الاستبيان . أما بالنسبة لشكل الاستبيان فهو استبيان مغلق ومفتوح احتوى على أسئلة مغلقة ذات خيارات متعددة وطلب من المفحوصين اختيار الإجابة المناسبة ، وسؤال مفتوح أعطي المجيب الحرية في الإجابة عليه ( انظر الاستبانة في الملاحق ) .
وقد تمت تعبئة الاستبيان من الفئات السابقة ، من قبل الباحث نفسه ، كل فيما يتعلق باختصاصه واهتمامه في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، من خلال اللقاءات الميدانية الشخصية والجزء الأكبر من الاستبيان تمت تعبئته عن طريق الاتصال الهاتفي الأمر الذي مكن من دراسة التعبيرات النفسية والشخصية للمفحوصين والرد على استفساراتهم مباشرة ، أو عبر الفاكس وذلك لصعوبة الوصول إلى مواقع العينة .
أدوات البحث العلمي والفترة الزمنية
تم استخدام أربع أدوات للبحث العلمي في الآن ذاته ، هي :
أولا : الاستبانة الأكاديمية : في الفترة الزمنية الواقعة بين 25 أيار و30 آب 2001 .
ثانيا : المقابلة الشخصية والهاتفية ( كاستبيان شفوي ) : بين 25 أيار و30 آب 2001 .
ثالثا : الملاحظة : زيارة الجليل والمثلث والساحل والنقب ، قبل انتفاضة الأقصى عام 2000 .
رابعا : مصادر المعلومات : الدراسات السابقة من الكتب والدوريات والرسائل العلمية ووكالات الأنباء والموسوعات والمعاجم والقواميس والأطالس وغيرها . أما بالنسبة لفترة البحث ، فقد استغرق إعداد هذا البحث العلمي من آذار 1999 حتى حزيران 2002 .
تبويب البحث
تم العمل على تقسيم هذا البحث ( سياسة التمييز الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ) ، لمعالجة الموضوع بصورة شاملة إلى أربعة أبواب تضم عدة فصول على النحو التالي :
الباب الأول : التمييز في التاريخ المعاصر : يشتمل على ثلاثة فصول . الفصل الأول : مفهوم التمييز لغة واصطلاحا ، وأنواع التمييز ودوافعه . الفصل الثاني : التمييز في الأديان السماوية الثلاثة والقانون الدولي والأعراف الأخرى : وتضم التمييز في الإسلام والنصرانية واليهودية والقانون الدولي والأعراف الأخرى والاتفاقيات الإقليمية الأوروبية والأمريكية والعربية والأفريقية لحقوق الإنسان . الفصل الثالث : نماذج تمييز في التاريخ المعاصر في أفريقيا وآسيا وأمريكيا وأوروبا . هدف هذا الباب إلى إلقاء الضوء على التمييز والفصل العنصري في العالم في التاريخ المعاصر كنوع من البحث المقارن لتسهيل الولوج إلى الأبواب الثلاثة الأخرى المتعلقة بالتمييز الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في فلسطين المحتلة عام 1948 .
الباب الثاني : التمييز الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في المجالات السياسية : يتألف من عدة فصول هي : الفصل الأول : الحكم العسكري والأحكام العرفية والإرهاب بوساطة المجازر، ثم الفصل الثاني : التمييز في المواطنة وحق العودة للوطن . يلي ذلك الفصل الثالث : تجزئة المواطنين العرب إلى طوائف . والفصل الرابع : التمييز في ترخيص الأحزاب والحركات السياسية والجمعيات . وأما الفصل الخامس فهو عن : التمييز في الحياة السياسية والبرلمانية . والفصل السادس : التمييز في المناصب الوزارية والإدارية العليا . والفصل السابع : التمييز في السلطات المحلية . أما الباب الثالث ، فيتناول الباحث فيه التمييز الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في المجالات الاقتصادية ، وتضم عدة فصول : الأول : مصادرة الأراضي العربية الفلسطينية . الثاني : التمييز في الاستثمار الاقتصادي . أما الثالث فهو عن : سياسة العمل ومستويات الأجور ، والفصل الرابع عن : التمييز في التنظيم العمالي ( الهستدروت ) .
وأما الباب الرابع ، فيتم التطرق فيه إلى التمييز الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في المجالات الاجتماعية والثقافية ، وتشمل عدة فصول ، الأول : التمييز في الإسكان . الثاني : التمييز في التعليم العام والعالي . الثالث عن : التمييز في الصحة العامة والرعاية الاجتماعية . والرابع يتناول التمييز في المجالات الثقافية والإعلامية .
ثم تأتي نتائج الدراسة خيارات معالجة سياسة التمييز الإسرائيلية ضد الفلسطينيين . وتتمثل في ثمانية خيارات مطروحة ومفتوحة ، فالتوصيات العامة . ثم تأتي الخاتمة فقائمة المراجع والمصادر والمقابلات الشخصية والهاتفية ثم الملاحق .
التمييز في التاريخ المعاصر
تخلص الدراسة إلى القول بأن ، التمييز لغة ، هو التفضيل أو التحيز أو التفرقة بين شيئين لصالح احدهما . والتمييز اصطلاحا : هو تفضيل جماعة على جماعة أو جماعات أخرى في مجالات الحياة اليومية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالاستناد إلى معايير العنصر أو العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو غير السياسي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي أو امتلاك الثروة والمال أو على أساس المولد .
وقد نشأ التمييز بكافة أنواعه في التاريخ المعاصر عن شعور جماعة ما بأنها متفوقة على الآخرين وتمتلك مزايا – حسب اعتقادها – لا تتوفر في غيرها بأي حال من الأحوال . وحسب بعض العلماء المتخصصين في السلالات البشرية فان الأعراق البشرية شملت خمسة أعراق أو سلالات هي : القوقازية ( البيض ) ، المغولية ( الصفر ) ، الإثيوبية ( السود ) الأمريكية ( الحمر ) والملاوية ( السمر ) .
وعلى كل الأحوال ، فان سياسة التمييز التي اجتاحت العالم في التاريخ المعاصر في قارات أفريقيا وآسيا وأمريكيا الشمالية وأوروبا ، لجأت إلى تبرير هذه السياسة بالاستناد إلى عدة حجج وهي : لون جلد الإنسان ، ورائحته ، وقوة هذه الجماعة وضعف الآخرين ، والاختلاف الثقافي والاقتصادي بين الجانبين المطبق لسياسة التفضيل والنبذ وضحية هذه السياسة العنصرية .
ومهما يكن من أمر ، فان الكثير من الجماعات العنصرية عبر التاريخ المعاصر لجأت إلى استخدام الدين لتبرير سياساتها العنصرية تجاه الجماعات الأخرى ، فبالرغم من أن التعاليم الأصلية السمحة لليهودية والنصرانية إبان عهد الأنبياء والرسل كالنبي موسى وأخاه هارون عليهما السلام والمسيح ابن مريم عليه السلام إلا أن أتباع هاتين الديانتين فيما بعد اجروا تحويرات وتغييرات على النصوص الأصلية وبرروا عملية استغلال الآخرين ، وصنفوا الناس إلى أسياد وعبيد . وأما الدين الإسلامي ، في حالات قوة وضعف الأمة الإسلامية ، فقد بقي كما هو على الصراط المستقيم ، مستندا إلى القرآن المجيد والسنة النبوية الشريفة بعيدا كل البعد عن التمييز بين الأمم والناس أجمعين . وعملية المفاضلة في الإسلام لا تتم إلا بالصلاح وصنع الخير العام على أساس التقوى ( إن أكرمكم عند الله اتقاكم ) كما في القرآن المجيد ، وان ( الناس سواسية كأسنان المشط ) كما في السنة النبوية الشريفة . ليس ذلك فحسب بل إن الإسلام نبذ الدعوات العصبية والعنصرية مهما كانت حجتها نبذا واضحا ودعا إلى الأخوة بين المؤمنين كافة .
من الجانب الآخر ، فان عصبة الأمم التي نشأت بعد الحرب العالمية الأولى ، وهيئة الأمم المتحدة التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية سعتا إلى وضع نصوص دولية لحماية حقوق الإنسان ومحاربة التمييز أيا كان نوعه أو شكله . فوضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948 الذي اعتبر أن جميع الناس أحرارا متساوين يجب أن يتمتعوا بكافة الحقوق والحريات دون مفاضلة أو تمييز ، كالتمييز بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر أو الأصل القومي أو الأصل الاجتماعي أو الثروة أو الميلاد أو أي شيء آخر . وتتالت عملية إصدار ونشر الإعلانات والوثائق الدولية المنادية بحقوق الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية . وبالرغم من كل ذلك ، فان سياسات التمييز في بعض القارات لم تلق سلاحها العنصري بعد .
وعلى جميع الأحوال ، فان الدوافع والعوامل الحقيقية التي تحدو بإحدى الجماعات العنصرية لممارسة سياسة التمييز ضد الآخرين تمثلت في دوافع سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وعسكرية وإستراتيجية ودينية ، وهذه الدوافع قابلة للتنفيذ والادعاء في كل زمان ومكان .
على أي حال ، انتشرت عدة نماذج تمييز في التاريخ المعاصر في عدة قارات في العالم . وقد تناولت الدراسة عدة نماذج تمييز مارستها دول مستعمرة أو أقليات عرقية أو أحزاب سياسية في هذه القارات . فقد مارست الأقلية البيضاء سياسة التمييز والفصل العنصري ضد السود في جنوب أفريقيا لنحو ثلاثة قرون ونصف القرن من الزمن إذ انتهت رسميا من الناحية السياسية في عام 1994 عند تسلم نلسون مانديلا زعيم السود منصب رئاسة الدولة إلا أنها ما زالت منتشرة اقتصاديا في البلاد . وفي روديسيا ( زيمبابوي ) سيطر المستعمرون الأوروبيون على مقدرات البلاد ومارسوا سياسة تمييز عنصري ضد أهل البلاد الأصليين منذ أواخر القرن التاسع عشر حيث حكمت الأقلية البيضاء السود حكما ديكتاتوريا وفرضت عليهم العقوبات الجماعية . وفي عام 1980 انتقل الحكم إلى الأغلبية السوداء وكلف روبرت موغابي بتشكيل الحكومة ذات الأكثرية السوداء . وبالرغم من أن العنصرية انتهت رسميا في زيمبابوي قبل أكثر من عقدين من الزمن إلا أن الملاك البيض ما زالوا يمتلكون مساحات شاسعة من الأراضي والعقارات التي سيطروا عليها طيلة حقبة تطبيق النظام العنصري ، وهذا الأمر أدى بالمواطنين السود إلى شن الهجوم تلو الهجوم على المزارع التي يسيطر عليها البيض في محاولات لاسترجاعها .
وفي الهند ، لا زال التمييز الطائفي في البلاد يحكم سير الحياة العامة حيث ينقسم المجتمع الهندي إلى خمس طبقات ، هي : طبقة البراهمة من الكهنة ورجال الدين الهندوس أو ما يطلق عليه ( الصفوة وملوك الناس وسادة الأرض ) ، وطبقة العسكريين ( الشتري ) ، وطبقة التجار والمزارعين ( ويش ) ، وطبقة الخدم ( شودرا ) وهي الطبقة الدنيا ، وأخيرا طبقة ( الجندال ) والتي ينظر إليها وكأنه لا فرق بينها وبين الحيوانات . وظهرت شعارات ( التطهير البرهمي ) ضد هذه الطبقات . ليس ذلك فحسب بل إن نظام الطوائف العنصرية المعمول به في الهند يشمل سياسة التمييز العنصري الهندوسي ضد المسلمين كأقلية دينية في البلاد وضد النساء الهنديات كذلك . وقد أدت سياسة النظام الطائفي في الهند إلى ترك آلاف الهنود للديانة الهندوسية واعتناق الدين الإسلامي كدين محبة وتسامح ومساواة وعدالة بين الجميع .
وأما التمييز الياباني في نهاية القرن التاسع عشر وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية فامتد ليشمل البر الصيني وتايوان وكوريا حيث فرض الاستعمار الياباني سياسة تمييز شاملة ضد أهل البلاد الأصليين ، ونهبت ثروات بلادهم لتسخيرها للشعب الياباني الذي اعتبر نفسه ( الشعب المختار ) ليسود العالم ، من خلال الإمبراطور المقدس . وقد دفع الشعب الصيني والشعب الكوري مئات آلاف الضحايا جراء سياسة الاستعلاء اليابانية التي مارست شتى أصناف من أفريقيا من خلال تجارة الرقيق . وأدت سياسة التمييز الأمريكية هذه إلى ظهور منظمات سياسية واجتماعية تطالب بإنصاف السود من المسلمين والنصارى ، حيث ترأس إحدى منظمات النصارى القس مارتن لوثر كينغ زعيم الثورة السلمية السوداء الذي اغتيل ، والسيد محمد الذي اختفى في ظروف غامضة .
وفي أمريكا الشمالية ، استعرت الحرب العنصرية العرقية في الولايات المتحدة الأمريكية من الأوروبيين البيض ضد السكان الأصليين وهم الهنود الحمر منذ القرن الخامس عشر الميلادي ، بالإضافة إلى جلب عشرات ملايين السود من قارة أفريقيا واستعبادهم على شكل رقيق . وقد مارس الأوروبيون البيض سياسة إبادة جماعية ضد الهنود الحمر ، ولم يبق منهم الآن سوى اقل من مليوني نسمة . وأما السود فقد تعرضوا لحالات قهر وإذلال واضطهاد قومي وظلم اجتماعي واستغلال اقتصادي مبرمج متواصل حيث تم جلبهم عنوة منظمة امة الإسلام وغيرها من المنظمات . وما زالت سياسة التمييز الأمريكية تلقي بظلالها على حياة الأقليات في البلاد من ذوي الأصول الآسيوية والأفريقية .
وفي أوروبا ، ظهرت النازية في ألمانيا على يد أدولف هتلر في سنوات العشرينات من القرن العشرين الماضي ، وتركزت مبادئ النازية على مفهوم الاستعلاء ( ألمانيا فوق الجميع ) ، حيث غالت النازية في تمجيد العنصر الآري وتفوقه على جميع الأجناس . وقد مارست النازية سياسة التمييز العنصري ضد الأقليات في البلاد وخاصة اليهود وانتزعت منهم وظائفهم وأملاكهم . وعاشت النازية تصول وتجول في أوروبا أكثر من ربع قرن من الزمن شنت فيها الحرب على دول الجوار وعلى الأقليات في البلاد ، ثم انتهت بانتهاء الحرب العالمية الثانية بهزيمتها أمام الحلفاء .
كما ظهرت الفاشية في ايطاليا على يد بنيتو موسوليني في عام 1919 وحاولت إحياء الإمبراطورية الرومانية القديمة ، بممارسة سياسة تمييز عنصري على الصعيدين الداخلي والخارجي ، وحرم المعارضون للحزب الفاشي أو الذين لا ينتسبون إلى هذا الحزب من تبوأ الوظائف المدنية والعسكرية استنادا إلى المبدأ الفاشي ( كل شيء يجب أن يكون فاشيا ) .
على أي حال ، إن خمسة نماذج تمييز من النماذج الثمانية التي تناولتها الدراسة في قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا ، في كل من جنوب أفريقيا ، زيمبابوي ، الصين ، كوريا ، ألمانيا وايطاليا تلاشت وانتهت فعليا ولم يبق منها إلى الجزء اليسير غير المعلن . وبقيت سياسة التمييز الطائفي في الهند وسياسة التمييز الأمريكية ضد السود والهنود الحمر في البلاد ، وتظهر وتخبو هذه السياسات العنصرية حسب الأوضاع السياسية والاقتصادية السائدة .
وقد أثبتت المسيرة التاريخية العالمية ، أن التمييز بأنواعه والظلم والاضطهاد القومي والسياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي تمارسه جماعة أو حزب أو طائفة ضد الآخرين مصيره إلى زوال حسب الشواهد القديمة والحديثة والمعاصرة مهما طال الأمد عليها . فقد رأينا أن بعض وقائع التمييز امتد لنحو ربع قرن وبعضها امتد لأربعة قرون إلا انه في نهاية المطاف لم تصمد الأفكار والممارسات الاستعلائية أمام منطق العدالة والمساواة وإحقاق الحق وإبطال الباطل .
التمييز الإسرائيلي ضد الفلسطينيين
من خلال المواضيع التي تم تناولها في الدراسة ( سياسة التمييز الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ) تبين أن السياسة الإسرائيلية التي اتبعت تجاه المواطنين الفلسطينيين بعد قيام الكيان الصهيوني " إسرائيل " عام 1948 ولغاية الآن لم تتغير أو تتبدل اللهم إلا في الأسلوب أو التكتيك ، فالعقيدة أو الإيديولوجية الصهيونية المبرمجة والمخططة بشكل استراتيجي هي التي توجه السلوكيات والتصرفات الإسرائيلية تجاه المواطنين الفلسطينيين خلال أكثر من خمسة عقود من الزمن في التاريخ الفلسطيني الحديث والمعاصر . على أي حال ، إن الدولة اليهودية ( إسرائيل ) هي دولة عدوانية وقاعدة استعمارية متقدمة في الوطن العربي ، تسترشد بسياسة الصهيونية العنصرية التي تسعى إلى تحقيق المصالح الاستعمارية الكبرى للعالم الغربي في الوطن العربي .
وقد خاضت قوات الكيان الصهيوني العنصري بمساعدة الغرب الاستعماري ، عدة حروب ضد العرب عامة والفلسطينيين خاصة ابتداء من حرب نكبة فلسطين الكبرى عام 1948 ، مرورا بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ، وحرب عام 1967 ، واحتلال بقية أجزاء فلسطين وجزء من مصر وسوريا ، وحرب عامي 1978 ، و1982 ضد الثورة الفلسطينية في لبنان ، وحرب السنوات الست ( الانتفاضة الأولى ) منذ نهاية كانون الأول عام 1987 وحتى أيار 1994 ، ووصولا إلى الحرب اليهودية ضد الفلسطينيين بعد 28 أيلول عام 2000 . وتعمل الإيديولوجية الصهيونية على تنشئة الأجيال اليهودية تنشئة عنصرية متطرفة وتنكر على أبناء الشعب العربي الفلسطيني حقوقهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمدنية والثقافية والإعلامية في بلادهم ، وتمتلئ الأفكار الصهيونية بالحقد والعداء والكراهية ضد العرب في البلاد . وقد جرب اليهود إسقاط سياسة التمييز العنصري والمعازل الجغرافية ( الجيتو ) التي عانوا منها في العديد من دول العالم وخاصة في أوروبا على الفلسطينيين خاصة والعرب عامة ( كأقليات طائفية غير يهودية ) ، كما يحلو لليهود أن يطلقوا على العرب . والمؤسسات والدوائر الصهيونية – اليهودية ، ما زالت تتبنى سياسة التمييز العنصري تجاه العرب في البلاد التي تسيطر عليها القوات اليهودية بقوة السلاح ، بمنطق حق القوة لا بمنطق قوة الحق .
ويمكن القول ، إن أهل البلاد الأصليين ( الأقلية القومية العربية ) أصبحت تشكل الآن قوة بشرية وسياسية واقتصادية واجتماعية ديناميكية متحركة ، فمن 160 ألف فلسطيني بقوا في فلسطين بعد النكبة عام 1948 ، إلى مليون وربع مليون نسمة عام 2002 . ويبلغ متوسط التكاثر الطبيعي بين العرب نحو 4 % سنويا في حين يبلغ عند اليهود نسبة 9ر1 % تقريبا .
وقد سعت سياسة القبضة الحديدية ضد أبناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب إلى تهميش دور العرب أولا ، وتقليص وجودهم البشري زمانيا وجغرافيا على الأرض الفلسطينية ، وفي المقابل تشجيع الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة عام 1948 ، فأصبحت الجاليات اليهودية في فلسطين تشمل أكثر من مائة جنسية أوروبية وأسيوية وافريقية وأمريكية واسترالية .
وما الإجراءات اليهودية اليومية ضد المواطنين العرب في البلاد ، من مصادرات أراضي وهدم بيوت وحرمان اقتصادي واجتماعي إلا شاهد عيان ودليل صدق على ما نقول ، والسجل اليهودي طافح بعذابات الفلسطينيين منذ نشأة الدولة اليهودية الأولى وحتى الآن ، وما زالت سياسة التطهير العرقي ، و" تنظيف البلاد " من العرب الفلسطينيين مستمرة ظاهرة في كل آن . فقد استولت المنظمات اليهودية - الصهيونية وإفرازاتها على أكثر من 97 % من أراضي العرب الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب والساحل منذ عام 1948 ولغاية 2002 .
على أي حال ، إن المجتمع اليهودي يعد مجتمعا مفتوحا وديمقراطيا عرقيا لليهود فقط من الناحية العملية إلا انه مغلقا وانعزاليا تجاه الفلسطينيين ، الذين يعتبرون حسب وجهة النظر الإسرائيلية أقلية سكانية غير يهودية لا يؤمن جانبهم .
ملاحظة هامة : يتبع ... سياسة التمييز الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ( 3 - 3 ) .

ليست هناك تعليقات: