الخميس، 17 أبريل 2008

ابنتي الصغرى أمل الزهراء .. أمل حياتي

ابنتي الصغرى أمل الزهراء .. أمل حياتي
ولادتها إبان انتفاضة الأقصى المجيدة ..
فاتحة خير على قرية عزموط
د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة
يقول الله جل جلاله : { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)}( القرآن المجيد ، الكهف ) . ويقول الله العزيز الحكيم : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ (5)}( القرآن المجيد ، الحج ) . ويقول الله السميع العليم : { هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (67) }( القرآن الحكيم ، غافر ) .
الطفولة في الإسلام لها احترام وتقدير ما بعده تقدير ، فالطفل هو زينة الحياة الدنيا ، وهؤلاء الأطفال هم أحباب الله الودود في الأرض ، وبهم لا تسير الحياة إلا ببطء كالسلحفاة بل اقل سيرا . وقد حدد الإسلام معايير ومقاييس لتقديس مرحلة الطفولة وضرورة العناية بالأطفال بصورة متميزة ومميزة بين الأمم والشعوب . وغني عن القول ، إن الناس اجناس ، كل منهم يختلف عن الآخر كبصمة الإبهام التي تختلف من يد لأخرى ، ولكن الأصل والجذر الإسلامي هو الذي يجل الطفولة والأطفال ويدعو إلى الشفقة عليهم ومنحهم الحنان والعطف اللازمين ، فتربية الأطفال ممتعة وملاعبتهم وملاطفتهم من الأمور التي تميز الإنسان اللطيف اللين عن غيره من الإنسان العنيف قاسي القلب لا رافة لديه وهناك صنف ثالث بينهما وهو الصنف الذي إذا اقترب من الأطفال فإنه يلاعبهم ويداريهم إن اقتربوا منه ومالوا نحوه . وقد خالطت وعاشرت هذه الأنواع الثلاثة من البشر : صنف يهتم بالأطفال بشكل كبير جدا جدا ، وقسم يهمل بالأطفال بصورة متعمدة بدعوى أنهم لا يستحقون الاحترام حتى يكبروا وينشأوا ويترعرعوا ويميزوا الكلام ويبلغوا سن الرشد ، وهناك صنف ثالث لا يقترب من الأطفال ويحاربهم ويتقزز منهم فانظر أخي المسلم .. اخي القارئ من اي صنف أنت من هذه الأقسام ... برأيي الشخصي الأفضل والأمثل أن يكون من الصنف الأول الذي يود الأطفال ويلاعبهم ويحضر لهم الألعاب والهدايا والسيارات الصغيرة والدراجات والعاب الذكاء وكل ما يطلبونه من مأكل ومشرب فهم الزينة المهداة من رب العالمين لهؤلاء الناس . أنا شخصيا أحب أن أكون من الصنف الذي يود الأطفال ويحترمهم ويجلهم ويقدم لهم كل ما يبغون تحقيقه ، فلي إبنة صغيرة اسمها أمل ونناديها توددا وتقربا ( أمل الزهراء ) فهي الطفلة البالغة من العمر اربع سنوات هي كل ما في حياتي وآمالي المستقبلية وادعو الله لها ولإخوتها دائما يجعلها هادية مهدية وأن يعطيها حتى يرضيها ، افتقدها ليلا ونهارا ، فهي تلازمني كظلي عندما أكون في البيت في غالب الأحيان ، وتصاحبني اينما ذهبت خارج البيت عندما اكون في عطلة أو إجازة فإذا اردت أن أذهب للتسوق لا بد أن تأتي معي بدعوة مني وبطلب منها كذلك ، فهي تدعوني دائما لعدم تركها في البيت ، فتعيث في البقالة جولة وصولة تنتقي ما تريد ، وهي تريد المشروبات الباردة دائما والبوظه والشيكولاته والحلويات والفواكه وغيرها . عندما نذهب للسوق الشرقي في مدينة نابلس ، العاصمة الإقتصادية لفلسطين ، للتسوق وشراء الحاجيات البيتية من خضار وفواكه ومواد غذائية ، أخرى فإنها تطلب طلبات معينة ، وبعد شراء هذه الطلبات تصول وتجول في السوق ، مشيا على الأقدام وأحيانا تطلب مني حملها ، فهي الطفلة الصغرى في المنزل وأضطر إلى حملها بين يدي فتقبل على وجهي تقبلني وتضمني إلى حضنها مرغبة لي في الحنان عليها والعطف على طلباتها ، وتسالني دائما : هل تحبني ؟ والإجابة معروفة لديها ولكنها تريد التأكيد وسماع نغمة نعم أنا أحبك يا أملي الزهراء ؟ يا أمل أنت الأمل والمنى والدنيا والأحلام . فاقول لها اطلبي ما تشائين ، طبعا ضمن الميزانية المخصصة للشراء في هذه الجولة التسوقية ، فتراها تطلب هذا الصنف وذاك ، وبعد شرائه تطلب المزيد والمزيد ، وأنا ضاحك القسمات مستبشر وبداخلي فرحا عظيما فهي قد كبرت واصبحت تطلب بلسانها أو تؤشر على هذه البضاعة أو تلك راغبة وراضية بتلك المادة الغذائية وأحيانا تنزل وتأخذ كومة أو حبة من أحد الأصناف طالبة شراؤه وتدعونني للدفع المالي . وإذا ما طلبت منها الانتظار للانتهاء من شراء صنف معين ، فإذا بها تطلب شراء صنف آخر ، وآخر وآخر وهكذا ويا ليتها تأكل بل تحب أن تحمله وتنظر إليه نظرات ونظرات وتقضم منها القليل القليل وكأنها تتذوق هذه الأصناف . وأحيانا تضع تشكيلة من الفواكه في كيس بلاستيكي معها وقربة ماء من زجاجات الماء الصغيرة ، وعندما أقود السيارة لا تحب الا الجلوس بجانبي على الكرسي الذي بقرب سائق المركبة ، وهذا يسعدني أكثر وأكثر ، فأن أحبها ولا ارفض لها طلبا وإذا ما رفضت طلبا لها بصورة ظاهرية فإنها تهددني بأنها لن ترافقني وتبقيني في البيت ، أو لا تنام بجانبي ، وهو تهديد طبعا يمكن أن تمارسه بضع دقائق ثم تعود لأحضاني مستفزة ومستنفرة ، والسبب لأني تركتها بضعة دقائق وهي زعلانه ولم اراضيها . الأم والأخوين والأخت الكبرى الجميع يحب أمل حبا جما ، وأكثرهم أنا بالطبع هذه هي الحقيقة ، وأحيانا نحضر لها جميعا الهدايا والحلويات والشكوكولاته دون تنسيق مع بعضنا البعض ، والويل لنأ إن نسينا كلنا أن نحضر لها معنا هدية ولو صغيرة فتزعل وتكشر ونضطر إرسالها هي الحقيقة فأنا عندما أغيب عنها أطلبها عبر الهاتف لترد علي ، ولسان حالي لا يرتاح عندما أجدها نائمة عندما أهاتف البيت ، او أعود ظهرا أو عصرا أو مساء للبيت ، وأول شيء اسال عنه : أين أمل الزهراء ؟ وعندما لا تكون في قيلولة الظهيرة وأعود وتسمع صوت السيارة قبل أن أدخلها في المرآب فتنزل على الدرج لتلاقيني وتمسك بيدي وتسأل ماذا عساي أحضرت لها في هذا اليوم ، ليس أنا وحدي من يحضر لها الهدايا بل إخوتها يحبونها هم كذلك فهي محرك البيت وتجعله رطبا نديا يردد أقوال وأفعال أمل الزهراء .
ولا أنسى القول ، إن ضيوف امل الزهراء الصغار الذين يأتون للعب معها بدعوة خاصة منا أو بمبادرة منهم هم ضيوفي أنا شخصيا وضيوف الأسرة فنقدم لهم ما لدينا من ضيافات واهتم بهم كالضيوف الكبار وهذا يسعد أمل الزهراء أحيانا ويغضبها لأنها حسب إدعائها هي التي يجب أن تقوم بواجب الضيافة ، وأعلمها أن تقدم ضيافات للضيوف الكبار كذلك .
هذه الطفلة البرئية ، أمل الزهراء ، لها قصة عذاب لا ينسى ، وهي جنينة فعندما كانت أمها حامل بها ، كان الحصار ومنع التجوال في قريتنا عزموط على بعد 5 كم شمال شرق نابلس ، مبديا أنيابه ، فقوات الاحتلال اليهودي الصهيوني الإسرائيلي تمنع دخول وخروج أي مواطن فلسطيني من القرية والوصول لنابلس ، وهناك طريق استيطاني كانت تقف عليها قوات الاحتلال الصهيوني يتبع لمستعمرة ( ألون موريه ) اليهودية شمال شرق قريتنا ، وفي نفس اليوم الذي جاء مخاض الولادة لأمها تنادى أهل البلد أن الطريق قد فتحت على مداخل القرية ، وكانت الطريق موصدة أمام المواطنين الفلسطينيين ، بتلال من التراب وباب حديدي كبير يغلق ويحجز ثلاث قرى عن نابلس قريبة من بعضها البعض وهي قرى : عزموط ودير الحطب وسالم ، شرق نابلس الذي وضعه لئام اليهود إبان انتفاضة الأقصى وتحديدا في أيلول بخريف عام 2002 وهو عام حام جدا في انتفاضة الأقصى في جميع أرجاء فلسطين وأغلقوا بها شارع القرية الوحيد الموصل لمدينة نابلس ، كانت الساعة ما بعد العصر وقبل غروب الشمس ، سمعت الأم النداء ، نداء وأقاويل المواطنين ، بأن مدخل القرية قد فتح وأن المجرمين المستوطنين قد فكوا الحصار جزئيا لبضعة ساعات ، فهرعت الأم ، اقصد زوجتي ، إلى تبلغني أن الطريق قد فتحت ولنذهب للمستشفى للولادة فصعدت الأم إلى سيارتها الصغيرة من نوع سيات إيطالي ، موديل 1986 ، وبدأت تقود السيارة ، وأنا اقود السيارة ولكنني أفضل ان تقودها هي لأنها سيارتها ولها تصميم خاص بها ، ركبنا السيارة واتجهنا لمستشفى رفيديا الحكومي بنابلس ، كوني من مشتركي التأمين الصحي الحكومي الإجباري ، ذهبنا للمستشفى وابقينا الأم في المستشفى ولحق بنا أخوال أمل وزوجاتهم ، أغربت الدنيا وبدأ سواد الليل يداهمنا حتى ساعات متأخرة أتفقت مع زوجتي أن أعود إلى الأولاد الكبار هلال وحازم وآية وتبقى هي بالمستشفى للولادة وهذا ما كان ، أحضرنا للأم كل ما يلزم ، وغادرنا نابلس إلى قرية عزموط لئلا يغلق الحاجز الصهيوني المنصوب على مدخل القرية الوحيد ، والحمد لله لم يغلق أو يوضع عليه تل من التراب أو لم يحفر به خندق يهودي من قطاع الطرق اليهود الذين يقطعون التواصل بين الأهل من أبناء فلسطين ، وهو الطريق الوحيد الذي يفصل قرية عزموط عن مدينة نابلس . عدت إلى البيت ؟ والأسئلة تلاحقني من الأبناء الثلاثة هلال وحازم وآية : اين أمي ؟ أين أمي أين أمي ثلاثتهم سال هذا السؤال ؟ هل جاءت أملنا الصغيرة حيث كنا متفقين الجميع على تسميتها باسم أمل لتحصيل النصر والأمل بدولة فلسطينية حقيقية فوق تراب فلسطين لأهل فلسطين الأصليين ! قلت لهم اطمأنوا امكم ستنجب لكم فتاة جميلة بعد ساعات هي الآن بالمشفى . ترددوا في التصديق ، ولكنهم أضطروا أن يصدقوني لأنني لم ولن أمزح معهم أو أعودهم الكذب ! جاءت أمل وأذنت في أذنها اليمنى الأذان الإسلامي واقمت كإقامة الصلاة في الأذن اليسرى ، وقلت ودعوت لها ربي أن يجعلها هادية مهدية ، من المسلمين الغانمين .
كبرت أمل الزهراء ، واصبح عمرها الأن أربع سنوات ونيف وأصبحت تشاركني في كل مقتنياتي ، في السيارة والمكتبة والحاسوب والطاولة وجهاز الجوال الأصفر اللون الذي تحب لونه كونه يعطي بريقا لامعا وهي تحب الأشياء اللامعة ، ولا يعجبها إلا أن تجلس في حضني وترافقني في كل زياراتي بلا استثناء داخل القرية تقريبا ، في الأفراح وحتى أحيانا في الأتراح ، وبعض الأحيان تطلب مني أن ارجع سريعا بعد الانتهاء من الصلاة في مسجد جامع القرية وهذا ما ألبيه لها ، وفي بعض الأحيان اضطر لأخذها معي إلى المسجد لتنتظرني داخل المسجد حتى انتهاء وقت الصلاة وخاصة في الأيام التي أكون فيها مشغولا وأتأخر مساء للعودة للبيت فلا ترغب في مفارقتي بتاتا ، فهي تبدو وكأنها الآمرة الناهية علي عن طيب خاطر طبعا ، فأنا مسرور وفرح لفرحها وأحزن وأغضب عندما تغضب أو يغضبها أحد أخوتها أو أمها أو أن يكون سبب غضبها شيء بسيط ألا أنها تعودت علينا في البيت أن تكون مطاعة في كل شيء بإتقان ودبلوماسية بعيدة عن الفظاظة وغلاظة القلوب .
قررنا أنا ووالدتها أن نبعثها لروضة الأطفال ، منذ 17 آذار 2008 روضة معتبرة وليست روضة عادية اسمها روضة السنابل بالمساكن الشعبية أحد أحياء مدينة نابلس غرب القرية ، وهي الروضة التي درس بها أخويها الأكبر منها وأختها الكبرى أيضا ، في انتفاضة فلسطين الكبرى الأولى ، واشتريت لها كل مستلزماتها المدرسية أو المطلوبة للروضة ، لكيلا تشارك أخوتها في مستلزماتهم الجامعية وتحميها وتضعها في حقيبتها المتوسطة الحجم الطبية ، وأدفع عنها شهريا مبلغا ماليا مرتفعا إلى حد ما مقارنة مع رسوم روضتي القرية البالغ 6 دنانير اردني للطفل الواحد أو ما يعادل سدس ما ندفعه لأمل الزهراء ، إذ يبلغ قدره 30 دينارا أردنيا أو ما يعادل تقريبا 45 دولارا ، وكون البيت الذي نسكنه بعيد عن الروضة نحو 3 كم ولا يوجد من القرية أطفال غيرها بتلك الروضة السنبلية ، التي تشرف عليها معلمة ومؤدبة أمل خالتو باسمة كما تسميها أمل تنبت الأطفال نباتا حسنا على حب الإسلام والقرآن والعلم والمعرفة واحترام الوالدين ولها نظام خاص بها . وقد اصبحت أمل تقرا الفاتحة ، فاتحة القرآن المجيد التي نصلي بها الصلاة المفروضة علينا من رب العالمين ، وتقرا آيات وآيات من القرآن الحكيم ، وتنشد اناشيد طفولية رائعة ، اطرب لسماعها . ففي بعض الأحيان أطلب أو نطلب منها أن تنشد لنا نشيدا تعلمته في الروضة أحيانا توافق وأحيانا لا توافق حسب مزاجها وحسب ما تراه مناسبا ، وإذا كانت غير راضية تتجه لتمارس هوايتها بالتحرك أماما وخلفا في ارجوحتها المنصوبة لها في شجرة التين في حديقة البيت أو تلجأ للصعود على الأشجار المثمرة أو سور الجدار حول الدار وتلتقط بعض ثمار اللوز في فصل الربيع ، ومأ احلى تمتماتها وهي تلاحق حبات اللوز من جذع الشجرة إلى أعلى الأغصان ولا يعجبها القليل من اللوز بل تحبه كثيرا ، وأحيانا تجمع ثمار اللوز لتهديه لصاحباتها الصغيرات عندما أصطحبها معي عند دار جدها أو دور أعمامها أو عماتها أو اقاربنا . وأمل تحب الذهاب يوميا للتسوق للبقالة القريبة او حتى من اية بقالة نمر عليها اثناء سيرنا في شوارع القرية الهادئة فمصروفها مفتوح غير محدد بمبلغ يوميا تطلب ما تشاء حسبما تريد ووقتما تريد وكيفما تريد . أمل تنام مبكرا بعد صلاة المغرب أو بعد صلاة العشاء على الأغلب إلا إذا كانت نامت وقت القيلولة عندما تعود من الروضة ، وهي تستيقظ مبكرا احيانا تصحو مع صلاة الفجر وتبكي إذا ذهبت لصلاة الصبح في المسجد وتركتها مستيقظة في البيت ، ولكني اقنعها كي تبقى في البيت قليلا لأعود لها مسرعا بعد الصلاة ، كي تذهب لدروسها في روضة السنابل
الطفلة أمل الزهراء .. أمل حياتي التي أحبها حبا جما ويحبها كل من يعرفها طفلة بريئة صامتة تحدث كثيرا عن نفسها والعابها وتأمر أخويها وخاصة الأكبر بالشراء لها بعد رجوعه من الجامعة . ولا ابالغ حين اقول ، أن أمل تغضب غضبا شديدا عندما أتأخر أنا وأخوتها في المدينة بعيدين عن البيت فهم في الجامعة يدرسون أكبرهم الصحافة وأوسطهم المحاسبة واصغرهم وهي الأخت الكبرى الهندسة في تشكيلة مثلث غريب عجيب ، فسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، هذا من فضل ربي .. أخوة ثلاثة متقاربين في السن من مواليد انتفاضة فلسطين الكبرى الأولى ، وكل له هواياته ومشاربه رغم أنهم نشأوا في بستان آدمي واحد ومن أب وأم واحدة . عندما تنام نهارا وقت القيلولة وتصحو من النوم ولا ترى أحدا من افراد الأسرة تضج بالدار صياحا وتدور في الغرف باحثة عن اسرتها فردا فردا عن الأب والأم والأخت والأخ أو كلهم جميعا فاقول في نفسي أعان الله العلي العظيم الأبناء الأيتام وأبناء الشهداء الذي يصحون ولا يجدون آباءهم من هول القصف الصهيوني الجوي والبري والبحري بالعيار الثقيل على الجميع في فلسطين أطفالا ونساء وكبارا في السن وشبابا أو أطفال الأسرى في سجون الاحتلال اليهودي فقد جربت السجن في السجون الصهيونية وكان لي ولدان هلال وحازم عام 1988 وعام 1989 فلم يقبلاني بعد غياب عنهم ستة اشهر وكانا يعبثان وياخذان قهرا وخوفا بشعر لحيتي الطويلة آنذاك . وفي وقت الطعام تجلس أمل الزهراء على مائدة الطعام كالكبار ولا ترضى باقل منهم فهي تطلب الكثير والكثير وتأكل القليل القليل فمعدتها صغيرة ولا تحتمل التخمة بل تأكل الشيء اليسير تحمي الكثير ثم تتبرع بها لغيرها . وبالنسبة للعب أمل الزهراء فبما أنها البنت أو الطفلة الصغيرة الوحيدة في البيت فهي البنت المدللة ، تأمرنا أن ناخذها في جولات داخل حديقة البيت ، وأحيانا ترفض الحديقة وتريد الذهاب لخارج المنزل عند أحد عماتها وأعمامها واخوالها عند اصدقائها الصغار ، التي سرعان ما تتشاكس معهم فتاتي شاكية باكية ، ضاربة أو مضروبة بالكفوف والتخميش كونها تريد كل شيء كما هي متعودة لدينا في البيت الأسرى
هذه نبذه بسيطة عن أمل الزهراء حبي الخير والأخير .. فهذه الفتاة اليانعة ذات الخمسين شهرا لها قيمتها ووزنها في الأسرة ، بل هي الأكثر حبا من الجميع وللجميع ، اسالها واستفزها أحيانا من تحبين أكثر ، فتجيب كلكم كلكم كلكم أحبكم . وعندما تتحدث مع كل واحد على حدة تردد أنها تحب بابا كثيرا ، وتقول لمخاطبها أنا أحبك كثيرا ايضا . فيا لها من طفلة متوازنة وتدري كيف تكسب ود الجميع ، والجميع يخطب ودها كي ترضى عنه ، ولا تغضب عليه . هكذا علمنا الإسلام العظيم أن نربي ابنائنا ، وأن ننشئهم نشأة إسلامية ، وأن نحبهم حبا إسلاميا محمودا لا أن نقسو عليهم ، بل يجب أن نحن عليهم وأن نوفر لهم كل طلباتهم إذا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا .
وغني عن القول ، إنني كلما احس بتربية أمل الزهراء الحبيبة وتنشأتها التنشئة الصالحة اقدر كيف كانت أمي تربينا نحن العشرة أولاد ، خمسة ابناء ذكور وخمس بنات ، رحمك الله يا أمي وجعل مثواك الفردوس الأعلى إن شاء الله تبارك وتعالى . عندا نأتي للصلاة فرادى أو جماعيا في أهل البيت تصطف معنا أمل للصلاة ، وتقرأ كما نقرأ تسبقنا أحيانا وتلتزم بقراءتنا أحيانا أخرى وتلبس ملابس الصلاة التي تستخدمها أمها أو أختها الكبرى فتغرق بين ثنايا تلك الملابس الدينية وتغطي كل جسمها ، وأحيانا ابادر للضحك من المنظر الغريب ، كيف تلبس أمل ملابس الصلاة ولا يظهر منها شيء ، فأقول سبحان الله وعلى بركة الله نسير ، نحو الإسلام العظيم في التربية العامة والبيتية والتنشئة الاجتماعية في الصلاة والمشي واللباس والطعام والشراب وغيرها . وصدق الله العلي العظيم حين يقول : { الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا (46)}. فهؤلاء الأطفال زينة الحياة الدنيا ، نلهو نتسلى بهم ونطعمهم ونحن عليه ونمرضهم إذا مرضوا ونأخذهم في رحلات ونزهات قصيرة ومتوسطة لينالوا حظا من الترفيه عن النفس . ومن البديهي القو ل ، إن الأطفال ،أطفالنا الأعزاء أو أطفال اقربائنا أو أصدقائنا لهم علينا حقا ولكن يجب أن لا يلهونا عن العبادات والمعاملات الإسلامية ، فهم فلذات أكبادنا التي تمشي على الأرض . وقد ورد في باب تعليم الأولاد الصلاة ، في مسند أحمد - (ج 14 / ص 5) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ " .
هكذا نحن المسلمين نهتم بأولادنا ، نعطيهم الحنان والعطف والتقدير والاحترام وكل ما يطلبون ، حسب طاقتنا ومقدرتنا المادية ولكن الاحتياجات المعنوية للطفل مهمة وضرورية جدا لتنمية شخصيته الشخصية الإسلامية المستقيمة القويمة ، وينبغي علينا أن نبعدهم عن ما يضرهم إن استطعنا أن نقنعهم ونؤثر عليهم بالحسنى لا بالزعيق والنعيق والصراخ والسب والشتم فالطفل في سن ما بين الثالثة والسادسة من العمر كالملقط يلتقط كل ما يسمع من الآخرين ويحاول أن يقلدهم في كل شيء في كلامهم وحركاتهم وانفعالاتهم وشرائهم ومشيهم وصلاتهم .. الخ . ولا بد من القول ، إن الإسلام يحبذ التكاثر الإسلامي ويدعو الشباب للزواج وتكثير سواد المسلمين عامة وفي فلسطين خاصة نظرا للصراع الديني والسكاني والعسكري والسياسي والاقتصادي المستفحل على أرض فلسطين من الجاليات اليهودية المتهالكة للمجيء إلى فلسطين وتعذيب أهلها فيها .
ودعا الإسلام الحنيف إلى العدالة بين الأولاد ذكورا وإناثا في المعاملة الحسنة واللطف واللين وحسن التربية والتنشئة ، فقد جاء بصحيح البخاري - (ج 9 / ص 37) وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ فِي الْعَطِيَّةِ وَهَلْ لِلْوَالِدِ أَنْ يَرْجِعَ فِي عَطِيَّتِهِ وَمَا يَأْكُلُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا يَتَعَدَّى وَاشْتَرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ عُمَرَ بَعِيرًا ثُمَّ أَعْطَاهُ ابْنَ عُمَرَ وَقَالَ اصْنَعْ بِهِ مَا شِئْتَ " . وجاء بصحيح مسلم - (ج 8 / ص 367) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ قَالَ إِنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا كَانَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَهُ مِثْلَ هَذَا ؟ فَقَالَ لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَارْجِعْهُ " . وفي حديث نبوي آخر ، ورد في صحيح مسلم - (ج 8 / ص 370) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ قَالَ لَا قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ " . وورد بمسند أحمد - (ج 37 / ص 405) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ اعْدِلُوا بَيْنَ أَبْنَائِكُمْ " . فالعدالة مطلوبة بين الأبناء لابعاد الغيرة والحسد والبغضاء بين جنبات الأسرة المسلمة ، فيجب أن تكون العدالة في التعامل والانفاق والتعليم والرفق التام بهم ، كي يعيشوا متأخين لا حاقدين ومتوترين لا تربطهم رابطة الحب والأخوة والصداقة والعدالة الإسلامية مطلوبة بل وضرورية لجميع أبناء البشرية ليأخذ كل ذي حق حقه .
وبالنسبة لأرزاق الأطفال ، فهي تأتي معهم أو قبلهم ، وأمرنا الله جل جلاله أن نسعى في طلب الرزق وأن لا نقتل الأبناء خشية الفقر والفاقة والعوز المالي يقول الله جل جلاله : { وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)}( القرآن الحكيم ، الإسراء ) . ومن نافلة القول ، إن الأولاد يجب أن لا يلهونا عن عبادة الله في ارض الله الواسعة ، يقول الله جل جلاله : { وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (35) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37)}( القرآن الحكيم ، سبأ ) . وفي آية أخرى : { لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (3)}( القرآن المبين ، الممتحنة ) . ويقول الله تعالى ايضا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (9)}( القرآن الكريم ، المنافقون ) . ولهذا ندعو الله الحليم العظيم الوهاب أن يجعل لنا من ابنائنا ذرية طيبة : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) }( القرآن الحكيم ، الفرقان ) .
فلنبادر إذا لطاعة الله العزيز القهار وأن نمنح أبنائنا الأحبة كل ما يطلبون مما يمكن أن نوفره لهم ، والحب والحنان والعطف والإحسان في مقدمة هذه المسائل الاجتماعية . وطفولة سعيدة نرجوها لأطفالنا وأطفالكم وابناءنا وابناءكم في فلسطين والوطن العربي والوطن الإسلامي والعالم أجمع . نترككم في أمان الله ورعايته .
سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: