الخميس، 1 مايو 2008

أوضاع المغتربين الفلسطينيين

محطات عمالية
أوضاع المغتربين الفلسطينيين
د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يقول الله جل جلاله : { وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)}( القرآن المجيد ، الإسراء ) . ويقول الله تبارك وتعالى في آيات كريمة مجيدة أخرى : { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)}( القرآن المجيد ، الإسراء ) .
نتواصل واياكم في هذ المحطة العمالية حيث نتحدث عن عودة المغتربين الفلسطينيين لأرض الوطن اما للاستقرار الدائم او لقضاء الاجازة السنوية .
المغتربون الفلسطينيون العاملون في مختلف انحاء العالم ، في الوطن العربي او العالم الغربي ، مع فصل الصيف يبدأون بالعودة افواجا افواجا كلهم او بعضهم او جزء منهم ، الى ارض الوطن الفلسطيني ، لقضاء الاجازة السنوية والعطلة الصيفية مع الاهل والاحبة والاصدقاء بعد طول غياب في أرض الغربة والشتات ، واعادة الالتحاق بالعمل كالمعتاد بعد ذلك ، وكل حسب الظروف الموضوعية والذاتية التي يعيشها ، هربا من المناخ الصحراوي الجاف في موسم الصيف من كل عام ، او هربا من الطقس البارد في البلدان الاجنبية الاميركية والاوروبية ، فهل ياترى استطاع البعض ان يكتفي من الادخار المالي لاعادة بناء نفسه واسرتة وتثبيت اوضاعه الاقتصادية في وطنه ؟
والبعض من هؤلاء المغتربين الفلسطينيين يكون قد امضى عدة سنوات في الخارج دون ان يتمكن من زيارة مدينتة او قريتة او مخيمه في فلسطين المباركة لانشغاله في العمل وعدم تمكنه من العودة سنويا لما يكلف ذلك من مصاريف مالية وضيق ذات الحيلة ومشقة جسمية ذهابا وايابا ( لأن السفر قطعة من العذاب ) ، هذا بالاضافة الى صعوبة الحصول على تصاريح زيارة للفلسطينيين غير المقيمين في فلسطين بفعل الحروب والاوضاع الاقتصادية الصعبة . اما البعض الآخر من الفلسطينيين فانهم يعودون بشكل منتظم سنويا وخاصة من حملة الاوراق الثبوتية الفلسطينية من محافظات الضفة الغربية وغزة لقضاء الاجازة مع الاهل والاحبة والاصدقاء في الوطن لتوفر الحوافز التشجيعية المالية والزمنية من الشركة او مركز العمل الذي يدفع تذاكر السفر وبدل التنقل جيئة وذهابا . هذا بالاضافة الى ان مناخ فلسطين الطبيعي اكثر مناسبة من المناخ في كثير من البلدان المجاورة وخاصة الخليجية لقضاء ايام العطلة السنوية والتي تتراوح ما بين الشهر والشهرين على الغالب .
على أي حال ، إن المغتربين الفلسطينيين ومن خلال عودتهم الى ارض الوطن سنويا بشكل دائم او حسب ما تمليه مصلحة المغترب وقدرتة وامكاناته المالية والعمالية والسياسية فانهم يساهمون في تنشيط الحركة التجارية والعمرانية والاقتصادية العامة ، أي انهم يساهمون في الاجمال في تحريك العجلة الاقتصادية الخدمية والانشائية على حد سواء لفترة قصيرة او طويلة ، ويساهمون في انفاق جزء من اموالهم ومدخراتهم في ارض الوطن الفلسطيني من خلال المشاريع الصغيرة او المتوسطة او الكبيرة احيانا التي يعملون على انشائها .
وفي حالات اخرى ، يلجأ هؤلاء المغتربون الذين كنزوا وادخروا بعض اموالهم التي جمعوها طيلة الفترة السابقة الى مشاركة احد اقربائهم او اصحابهم او معارفهم في انشاء مشاريع تنموية او خدمية او مؤسساتية جديدية او تطوير القائم منها مما يساهم بدرجة لا بأس بها في ايجاد مصادر او بؤر عمل جديدة يستفيد منها التاجر والعامل والسائق وتقليل نسبة البطالة لفترة محدودة او زيادة الاستخدام والتشغيل العام .
فمئات إن لم يكن آلاف المغتربين يعملون سنويا على انشاء المساكن الجديدة مما يدفع باتجاه تشغيل ايد عاملة جديدة من البنائين والقصارين ومتخذي مهن البلاط والكهرباء والنجارين والحدادين وغيرهم . ومهما يكن من امر ، ان معظم ان لم يكن كل المغتربين الفلسطينيين الذين عملوا في خارج الوطن استطاعوا ان يبنوا بيت او منزل العائلة المنتظر بمساحات واحجام مختلفة ، والبعض الآخر بنى اكثر من منزل واستطاع ان يقيم او ينشأ احد المشاريع الاقتصادية الاستثمارية وفق مقدراته وامكاناته المالية المتاحة ، وهناك البعض الذي بدأ من الصفر حالة سفره للعمل خارج الوطن بعد التخرج من الجامعة او الحصول على مهنة معينة ، فكان هؤلاء المغتربون هم العصاميون الذين اعتمدوا على انفسهم في كافة المجالات المهنية والمعيشية والبنائية والبعض منهم عمل على تدريس او تعليم بعض اقاربهم كابنائهم او اخوانهم او غير ذلك في المدارس والجامعات الفلسطينية أو العربية أو الأجنبية لمختلف الدرجات الجامعية فساهموا بطريقة نموذجية تدعو الى سن سنة حسنة في دعم الاهل والاحبة في فلسطين . ولا يخفى على احد ان عشرات بل مئات العاملين في الخليج العربي تعرضوا لظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية منها تخفيض رواتبهم بعد حرب الخليج الثانية في كانون الثاني 1991 لما لها من انعكاسات سلبية على دفع الرواتب والاجور . كما ان بعض العاملين في البلدان العربية يعانون من بعض المعوقات الاقتصادية والادارية ذهابا وايابا الى فلسطين ، من مشاق السفر الى ظروف العمل الصعبة الى التكاليف المالية الباهظة للتنقل سواء برا او جوا الى عملية الدخول والخروج عبر المعبر الشرقي الذي يربط فلسطين بالاردن وهو معبر الكرامة قرب اريحا ( اللنبي سابقا ) او عبر المعبر الجنوبي ، معبر رفح من اجراءات وتعقيدات التنقل اليهودية المسيطرة على معابر فلسطين الداخلية والخارجية ، وكذلك صعوبة التنقل من حافلة لأخرى وخاصة ان المغتربين يحملون الامتعة الشخصية لهم ولاسرهم وهدايا لاقربائهم ، فالبعض يفقد امتعته بسبب اخطاء فنية على هذا المعبر او ذاك والبعض يدخل قبل حقائبه او بعدها مع ما يشكل ذلك من ارهاق نفسي وجسدي للمغترب مما يستدعي العمل الحثيث لتسهيل عملية دخول وخروج المغتربين الفلسطنييين بخاصة والمواطنين بعامه وتقديم كافة الخدمات الضرورية في اقصر وقت ممكن وعدم ابقائهم ينتظرون ساعات طويلة تحت اشعة الشمس الحارقة او البرد الشديد ، بانتظار الدخول الى ارض الوطن الحبيب .
ومن ناحية اولى فان هؤلاء المغتربين يعملون على تثبيت اقدامهم واقدام ابناء هذا الوطن في مختلف القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية عندما يشرعون في انشاء مشروع جديد ، فهذا الوطن هو للفلسطينيين ، وهذه بادرة جيدة جدا في الحفاظ على الارض وتعزيز صمود الانسان الفلسطيني فوق ثرى وطنه .
فالانفاق على الأهل واجب إسلامي كبير ، وكذلك ايها المغتربون لا تنسوا الفقراء من زكاتكم وصدقاتكم وتشغيلكم المباشر أو غير المباشر للباحثين عن عمل كي يعيشوا بالحد الأدنى من الحياة الدنيا فهم أخوة لكم وأبناء شعبنا المرابط فوق ثرى الوطن المقدس . يقول الله العلي العظيم : { لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}( القرآن المجيد ، البقرة ) .
إذن فالجميع من المغتربين مدعو الى المساهمة في بناء لبنات هذا الوطن الفلسطيني ، كل من ناحيته ، ومعا وسويا من أجل التوافق والتعاون لنعمل يدا بيد في خدمة الوطن والمواطن ، ونتمنى لجميع المغتربين الفلسطينيين العائدين الى ارض الوطن ، كلما سنحت لهم الفرصة ذلك ، كل التوفيق وإقامة طيبة في فلسطين ، وطن الآباء والاجداد والابناء والاحفاد ان شاء الله . وسنبدأ بنشر واذاعة لقاءات مختلفة عن اوضاع العاملين الفلسطينين في الخارج ، في البلاد العربية والاجنبية على حد سواء ، من جهة طبيعة عملهم وكيف ينظرون للاستثمار في ارض الوطن ورغبتهم في العودة الى البلاد ومن الممكن ان نستفيد من خبرة هؤلاء المغتربين في الالتحاق باحدى فرص العمل في خارج الوطن ايضا للذين لا تتوفر لهم فرص عمل ويبحثون عن لقمة العيش الطيبة بعرق الجبين .
وأخيرا نقول كما يقول الله الغني الحميد : { وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (265) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (266) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ (267) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (268) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (269) }( القرآن المجيد ، البقرة ) . نعم هذا وعد رباني عظيم للمنفقين الذين يساعدون غيرهم بأي صورة من الصور المباشرة وغير المباشرة الراجين مرضاة الله جل جلاله بجنات النعيم المقيم .
ووصية لأهلنا المغتربين بأن لا يعودوا بخفي حنين ، بل يعملوا على التوفير قدر المستطاع لأن الغربة كربة وغير مضمونة أو مأمونة العواقب والنهايات ففي اي لحظة يتعرض المغترب الفلسطيني للطرد السياسي أو الاستغناء الاقتصادي او الاجتماعي عنه عبر ما يسمى بجلب الأصدقاء من الأجانب او أبناء البلد التي يعملون فيها بحجة الأولوية في التوظيف والاستخدام ، فكونوا راشدين مدركين لهذا الأمر ، للتذكير فقط ليس إلا . راجين لكم عملا طيبا موفقا وعودة ميمونة لديار وطنكم وأهلكم .
والى هنا ناتي الى نهاية هذه المحطة العمالية من محطات برنامجنا شكرا لاصغائكم والى اللقاء في حلقة قادمة ان شاء الله . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . طبتم بما أسلفتم في الأيام الخالية

ليست هناك تعليقات: