الأربعاء، 21 مايو 2008

وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ .. وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا .. البخل والبخلاء في الإسلام

وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ .. وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا
البخل والبخلاء في الإسلام
د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة
فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ
وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ
وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا
" خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ "
" الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ "
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31) } ( القرآن المجيد ، الإسراء ) . وجاء بصحيح البخاري - (ج 10 / ص 58) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَثَلُ الْبَخِيلِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَثَلُ رَجُلَيْنِ عَلَيْهِمَا جُبَّتَانِ مِنْ حَدِيدٍ قَدْ اضْطَرَّتْ أَيْدِيَهُمَا إِلَى تَرَاقِيهِمَا فَكُلَّمَا هَمَّ الْمُتَصَدِّقُ بِصَدَقَتِهِ اتَّسَعَتْ عَلَيْهِ حَتَّى تُعَفِّيَ أَثَرَهُ وَكُلَّمَا هَمَّ الْبَخِيلُ بِالصَّدَقَةِ انْقَبَضَتْ كُلُّ حَلْقَةٍ إِلَى صَاحِبَتِهَا وَتَقَلَّصَتْ عَلَيْهِ وَانْضَمَّتْ يَدَاهُ إِلَى تَرَاقِيهِ فَسَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فَيَجْتَهِدُ أَنْ يُوَسِّعَهَا فَلَا تَتَّسِعُ " . وورد في سنن أبي داود - (ج 4 / ص 287) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا " وتعني صفرا أي خائبتين . وذكرت سنن أبي داود - (ج 12 / ص 411) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْمُؤْمِنُ غِرٌّ كَرِيمٌ وَالْفَاجِرُ خِبٌّ لَئِيمٌ " .
البخل هو المنع والبخس والنقص أو تقليل الدفع ، من المالي العيني أو المساعدة والمعونة المعنوية . والبخل هو اشد الأمراض الاجتماعية انتشارا في المجتمع ، حيث يعيش جزء من الأمة في حرمان وضيق ومشقة ، ويعيش البعض في بحبوحة من العيش ، دون أن يحس مع إخوانه وبني قومه وجلدته الآخرين ، فتظهر الفوارق الحياتية وتزداد حالات الإجرام والسرقات والإحباط واليأس من الحياة فيسود التشاؤم بدلا من التفاؤل وبالتالي يكون هناك اختلال في الموازين الاجتماعية المستقيمة في البلاد ، فتظهر والحالة هذه أناس حارمين وأناس محرومين ، وهذه صفة دنيئة من صفات المجتمع المعاصر البعيد عن الإسلام الحنيف . وقد حث الإسلام العظيم على الكرم وعدم البخل وفي الآن ذاته وحض على عدم إتباع منهج البخل والبخلاء في هذه الحياة الدنيا وسعى لأن يكون الإنسان من ذوي الكرم والكرماء . والبخل يضر بكل شؤون الحياة الدنيا الفانية دار المرور للدنيا الآخرة ، كالمستظل تحت شجرة سرعان ما يتركها ليذهب في حال سبيله نحو الشؤون الأخرى . فهذا هو حال سبيل الإنسان الذي يمر من دار الممر إلى حياة البرزخ لدار المستقر وهي الحياة الخالدة . ومصطلح البخل شامل لكل المسائل المالية والأخلاقية والدينية والمعاملات الاقتصادية والإنفاق وما إلى ذلك ، والبخيل ليس فقط بخيل الإنفاق المالي بل هو الإنسان الذي يبخل في الحديث بالكلم الطيب والخلق القويم العظيم على عباد الله في الأرض . والزهد يختلف عن البخل في أن يكون الإنسان زاهدا بالحياة الدنيا متقشفا راجيا رضى الله سبحانه وتعالى . واهتم رسول الله بمحاربة البخل والاستعانة بالله العلي العظيم في التخلص من هذه الظاهرة أو الآفة الاجتماعية المدرة للفرد والجماعة والأمة ، جاء في صحيح البخاري - (ج 19 / ص 454) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بهذه الاستعاذات :" اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْبُخْلِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُرَدَّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الدُّنْيَا يَعْنِي فِتْنَةَ الدَّجَّالِ وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ " . وقد ألف وصنف بعض الأدباء كتبا ومقالات عن البخل والبخلاء من خبراتهم ورؤيتهم لمكافحة البخل وأعطوا الدروس في كيفية سلوك البخلاء لسبل البخل ووضعوا طرق التغلب على هذه الظاهرة الشنيعة ، بالكرم والجود من الموجود ، فالبخل قاتل للحياة البشرية الطبيعية ومهلك للنفس الإنسانية المستقيمة . وقد وعد الله سبحانه وتعالى الكرماء بالنعيم المقيم في الحياة الآخرة والإكرام الدنيوي قبل ذلك ، فالله كريم يحب الكرماء ويمقت البخلاء الذي يجعلون أيديهم إلى أعناقهم لا يريدون الإنفاق على أنفسهم وعلى الآخرين ، فالمال مال الله في ارض الله لعباد الله . وهناك صفات جليلة من أسماء الله الحسنى تحض على الكرم ومساعدة الناس ، فمن أسماء الله الحسنى : الغني ، المغني ، الوهاب ، الحميد ، النافع ، الرزاق الواسع . وهي أسماء وصفات تدعو للكرم وتحبيذ العطاء الإنساني للتكوين البشري السوي والعيش في بحبوحة من العيش الكريم بعيدا عن كنز الذهب والفضة . وغني عن القول ، إن البخيل يبخل عن نفسه ثم يبخل على الآخرين ، وهذه صفة ذميمة لا مجال لها في الحياة الإسلامية العامة والخاصة ، فيجب أن يكون الإنسان المؤمن تقيا خفيا كريما جوادا فيما أعطاه الله الرزاق ذو القوة المتين . يقول الله الحي القيوم تبارك وتعالى : { إِنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ (36) إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)}( القرآن المجيد ، محمد ) . وحب المال من الشهوات الإنسانية الحية التي يجب عليه أن يردعها ويقومها وأن يكون متوازنا فيها لا مسرفا أو كانزا لها دون إنفاق منها ، وهذه الشهوات البشرية تتمثل في الآتي : { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}( القرآن العظيم ، آل عمران ) . ودعا الإسلام العظيم المسلمين للإنفاق من أموالهم وإخراج مستحقاتها للفئات المعذبة المستضعفة في الأرض ، فقد توعد الله القهار الجبار البخلاء بالويل والعذاب الأليم ، لمن يكنزون الذهب والفضة دون إخراج حق الناس المستحقين منها ، يقول الله جلا وعلا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}( القرآن المبين ، التوبة ) . وحض الإسلام على أعطاء الناس حقوقهم في المعاملات الاقتصادية فيما بينهم ، فيجب دفع المخصصات والرواتب الشهرية للعاملين والعمال حسب الاتفاق فيما بينهم ، لأن المسلمين عند شروطهم ، وعدم تأجيل الدفع لهم ، والضغط عليهم ليكونوا طائعين أذلاء ، فالحق المالي دين ممتاز على الدولة أو على صاحب العمل او مدير المؤسسة أو صاحب المنشأة أو المصنع ، فالأجور يجب دفعها دون تأخير لأصحابها ، ولا بد من رد المظالم لأهلها دون مماطلة أو تسويف أو تأجيل ، والمبدأ الإسلامي المعمول به في هذا المضمار هو التعجيل لا التأجيل ، فعملية التأخير في دفع المستحقات المالية للعاملين سواء في القطاع الحكومي العام أو القطاع التعاوني أو القطاع الأهلي الخاص هي نوع أو شكل آخر من أشكال البخل . ودعا الإسلام إلى عدم بخس الناس أشيائهم ، يقول الله العلي القدير : { وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)}( القرآن الكريم ، هود ) . ونطقت آيات أخرى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (179) وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ (180) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (181) وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ (182) وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (183)}( القرآن الكريم ، الشعراء ) . وورد بسنن الترمذي - (ج 7 / ص 224) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " خَصْلَتَانِ لَا تَجْتَمِعَانِ فِي مُؤْمِنٍ الْبُخْلُ وَسُوءُ الْخُلُقِ " . وظاهرة البخل ليس فقط في الإنفاق إنما تمتد لتشمل عدم إيفاء الكيل وتخسيسه وتنقيصه دون وجه حق ، يقول الله تبارك وتعالى : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ (1) الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ (2) وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (3) أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6) }( القرآن المبين ، المطففين ) . وهناك وعد إلهي بمعاقبة جامعي المال دون أن ينفقوا منه لتلبية الاحتياجات البشرية ويتكبرون على الناس ، بدعوى كونهم من أصحاب المال الوفير الكثير ، يقول الله الشديد العقاب : { وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مَالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلَّا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}( القرآن الحكيم ، الهمزة ) . وعلى العكس من البخل هناك ظاهرة الإسراف والبذخ والتبذير وهي الإنفاق بلا حسيب أو رقيب ، وهذه الصفة أيضا صفة ذميمة شنيعة باطلة غير مستحبة لما لها من تبعات شيطانية تؤدي بالإنسان إلى المهالك المتهالكة . فمن مظاهر وأشكال الإسراف والتبذير ، الإنفاق الكثيف على الحفلات والأطعمة والأشربة والألبسة والمظاهر الخداعة ذات الخيلاء التي حاربها الإسلام أيما محاربة ، لأنها تقتل المجتمع وتؤدي إلى الحسد والكراهية والغل ونشر البغضاء بين الناس وخاصة من الناس الذين لا يملكون الأموال الكافية لسد رمقهم وتوفير الحد الأدنى من سبل الحياة الكريمة بتوفير الحاجيات الطبيعية الأولية من الطعام والشراب واللباس والسكن . وقد قبح الله جل جلاله ظاهرة التبذير المالي والاقتصادي الشامل . والتبذير يعني الانفاق في وجه غير وجوه الحق الشرعي الإسلامي . ووصف المبذرين بأنهم من إخوان الشياطين . يقول الله الغني الحميد مالك الملك ذو الجلال والإكرام ، الذي له الحمد في الدنيا والآخرة : { رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27)} ( القرآن المجيد ، الإسراء ) . إذا فالإنفاق المالي المتوازن من الأمور المستحبة في الإسلام التي حض عليها بقوة ليعيش الناس سعداء لا أشقياء ، وتتمثل مظاهر التوازن في الإنفاق المالي لتحقيق وإشباع الرغبات الإنسانية المادية والمعنوية على السواء ، سواء بسواء . فيقول الله جل جلاله واصفا عباد الرحمن في مجال الإنفاق المالي : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) }( القرآن المجيد ، الفرقان ) . ولا بد من القول ، إن الإسلام فرض الإنفاق في سبيل الله لنشر الإسلام ورفد المسيرة الجهادية بالأموال اللازمة للإعداد البشري الفكري والعاطفي والإعداد المادي من السلاح والتسليح الحديث وفق الاحتياجات الضرورية . يقول الله عز وجل : { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) }( القرآن الحكيم ، الحشر ) . وتتمثل كيفية الإنفاق المالي على النفس والأقارب وأبناء الشعب والأمة وفق منهجية تكاملية تتمثل بالتكامل والتكافل الاجتماعي بين الجميع ليسود الحب والمودة بين المجتمع الإسلامي السليم المعافى من الشوائب والأمراض الاجتماعية التي تحط من قدر الإنسان وتجعله يغوص في مستنقعات وأوحال الجريمة والعالم السفلي الذي يدمر البناء والنسيج الاجتماعي بصورة مباشرة متدحرجة من حيث يحتسب ولا يحتسب الإنسان . ومن نافلة القول ، إن رضى الله سبحانه وتعالى يجب أن يكون الحافز الأول للإنفاق على النفس والأهل والشعب والأمة ما استطاع الإنسان لذلك سبيلا . يقول الله الحميد المجيد : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)}( القرآن الكريم ، الصف ) . والإنفاق الطيب الذي ينميه الله خالق الخلق أجمعين ورازقهم في كل وقت وحين هو الانفاق عن طيب خاطر بشكل طوعي وليس جبري ، فالإنفاق الطوعي المقدس هو الإنفاق السمين الذي يحث عليه إيمان الإنسان ، يقول الله ذو الجلال والإكرام : { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ (52) قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ (54) }( القرآن الكريم ، التوبة ) . وجاء بالمعجم الكبير للطبراني - (ج 5 / ص 470) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ ، وَيُحِبُّ مَعَالِيَ الأَخْلاقِ، وَيَكْرَهُ سَفْسَافَهَا " .
أشكال الإنفاق الإسلامي
تنقسم أشكال الإنفاق المالي في الإسلام ، حسب طوعية الإنفاق إلى إنفاق طوعي وإنفاق جبري مفروض ، وكلاهما إنفاق محمود لإسعاد الناس في مجتمع تسوده مبادئ العدالة والانصاف والتكامل والتكافل الاقتصادي والمالي ، ومن أهم أشكال الإنفاق : أولا : إيتاء الزكاة : وقد أوضح الإسلام العظيم بعض أشكال الإنفاق المفروضة كركن من أركان الإسلام مثل الزكاة ، وحدد لها أنصبة معينة ومقادير معينة في كافة أنواع الممتلكات بعد مرور حول أو سنة عليها ، وتتمثل في الأموال المنقولة بنسبة 5 ر 2 % ونسبة العشر من المزروعات البعلية ونسبة 20 % من المزروعات المروية وكذلك هناك زكاة الأشجار المثمرة يوم حصادها وزكاة الحيوانات الداجنة حددها الإسلام بمقادير معينة . وأبخل البخلاء من لا يؤتي الزكاة كركن أساسي من أركان الإسلام الخمسة . يقول الله العزيز الحكيم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (12) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (13)}( القرآن الكريم ، المجادلة ) . ثانيا : الصدقات : وهي نوعان : الصدقات السرية والعلنية . وكلاهما جائز . فالصدقة السرية الباطنة المخفية أفضل جزاء من الله العزيز الحكيم ، بينما الصدقة الظاهرة محمودة لدى الله ثم لدى الناس ، وفيها تشجيع للآخرين في اقتفاء الأثر الطيب لمساعدة الآخرين . يقول الله العلي الكبير : { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (104)}( القرآن الكريم ، التوبة ) . ثالثا : زكاة الفطر : وهي مقدار معين من الأموال العينية أو النقدية تدفع كفطرة عن كل مسلم ومسلمة صغيرا أو كبيرا قبل نهاية شهر رمضان المبارك . رابعا : النذور : وهي إخراج ما تعهد الإنسان بإخراجه طواعية ، فيجب عليه الوفاء به . جاء بصحيح مسلم - (ج 8 / ص 424) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَرِّبُ مِنْ ابْنِ آدَمَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ قَدَّرَهُ لَهُ وَلَكِنْ النَّذْرُ يُوَافِقُ الْقَدَرَ فَيُخْرَجُ بِذَلِكَ مِنْ الْبَخِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ الْبَخِيلُ يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَ " . خامسا : التبرعات : وتنقسم إلى عدة أجنحة وهي التبرعات السنوية أو الموسمية ، والتبرعات الطارئة ، والتبرعات تشمل التبرعات العينية والتبرعات النقدية . يقول الله تبارك وتعالى يحث على الجود والتقديم للآخرة : { وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110)}( القرآن المبين ، البقرة ) . وجاء بآيات أخرى : { فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآَخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآَخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (20)}( القرآن المجيد ، المزمل ) . وجاء بصحيح مسلم - (ج 5 / ص 223) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَنْفِقِي أَوْ انْضَحِي أَوْ انْفَحِي وَلَا تُحْصِي فَيُحْصِيَ اللَّهُ عَلَيْكِ " . وهناك الإنفاق الاقتصادي في الإسلام على النفس والأهل والأقارب لاستمرارية الحياة الطبيعية أيضا ، وهي من أولى أولويات الإسلام العظيم ، بالحاجات والمستلزمات الحياتية متشعبة متعددة الأشكال والطرق والصور ، ويثاب الإنسان أيضا فيها ثوابا جزيلا من الله الكريم . ويضاعف الله ذو الجلال والإكرام ثواب الناس المنفقين في شتى أشكال الإنفاق التي حددتها ولخصها ببعض الآيات القرآنية لتكون قربة على الله زلفى وحسن مآب : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}( القرآن العظيم ، البقرة ) . ويجب على الإنسان الذي ابتلى نفسه بالبخل أن يسارع للتغلب على آفة البخل الماحقة المدمرة للمال وللنفس البشرية السمحة الطيبة ، يقول الله جل جلاله : { قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)}( القرآن الكريم ، الإسراء ) .
مصارف الإنفاق هناك العديد من أشكال وصور مصارف أو مواضع الإنفاق المالي وهي تتلخص بالآتي على سبيل المثال لا الحصر : 1 . فئات الإنفاق في الزكاة الإسلامية : يقول الله جل جلاله : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60)}( القرآن الكريم ، التوبة ) . 2. الإعداد السلمي : لبناء المجتمع الإسلامي القويم ، عبر دعم الناس المحتاجين بصورة مستمرة ، وذوي الأمراض المزمنة ، وذوي الحاجات الطارئة . يقول الله العزيز الحميد : { نَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (19)}( القرآن الكريم ، الذاريات ) . جاء في آيات أخرى : { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)}( القرآن المجيد ، المعارج ) . 3. الإعداد الحربي : لشراء الأسلحة والعتاد لمواجهة الأعداء وامتلاك واستجلاب القوة والنصر والانتصار التي أمرنا الله بها لإرهاب الأعداء والانفاق على أسر وعائلات المجاهدين والشهداء والجرحى . يقول الله جل جلاله : { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (60)}( القرآن المبين ، الأنفال ) . 4. الجهاد في سبيل الله : لتعزيز قوات المسلمين وتخصيص أموال تدعمهم ، والإنفاق على الغزاة المجاهدون في سبيل الله لنشر الإسلام والدفاع عن حياض الإسلام والمسلمين والوطن حال تعرضه للاعتداء والعدوان الخارجي الأجنبي أو القضاء على الفتن المفتعلة من المجتمع المحلي . يقول الله العلي العظيم : { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)}( القرآن الكريم ، البقرة ) . 5. بناء الوطن : عبر التبرع بأموال يقدر عليها المواطن المسلم حسب الحاجة وحسب المقدرة من كل مسلم . يقول الله الغني المغني : { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}( القرآن المجيد ، البقرة ) . على أي حال ، هناك إنفاق الدولة المطلوب بصورة حتمية على مختلف الشؤون العامة في البلاد ، فمن حق كل إنسان أن يأخذ نصيبه من الأموال من بيت المال حسب حاجته ، بعيدا عن مظاهر الطمع والجشع والحب في امتلاك الأموال ، وحب امتلاك المال الزائد وتخزينه في البنوك . فمن واجب الدولة توفير المواد الأساسية بالأسعار المناسبة بدعمها نقديا ومعنويا وتقليل الضرائب المفروضة عليها . فالماء والكهرباء والغذاء هي من مسؤوليات الدولة الواجب توفيرها بأقل الأسعار ، وفق سياسة الإسلام السعيدة الحميدة . جاء بسنن أبي داود - (ج 9 / ص 344) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ فِي : الْكَلَإِ وَالْمَاءِ وَالنَّارِ " . ويشمل الكلأ الغذاء والدواء والماء مياه الشرب والاستهلاك البيتي ، والنار تشمل الطاقة كالنفط والكهرباء وغيرهما . فيجب على الدولة الإنفاق على هذه الاحتياجات الأولية للأمة الإسلامية ، وهي خير أمة أخرجت للناس . وختاما ، أقول ، إن البخل لا يقتصر على المنع والقطع من الأموال النقدية والعينية بل يمتد ليضم الأحوال الاجتماعية فالبخل يشمل نقص المحبة والمودة بين الناس ، والتنافر على أتفه الأشياء ، والنقص في زيارة الأهل والأحباب والأصدقاء وقطيعة الأرحام وما إلى ذلك ممن يحتاجون للمساعدة المعنوية ، وهذا بخل وبخل وبخل مضاعف بأن يتم بخس الناس الذين يحتاجون العطف والمحبة والمساعدة المعنوية والاجتماعية أشياءهم . وكذلك هناك نوع آخر من أنواع البخل وهو عدم الصلاة والتسليم على رسول الله المصطفى صلى الله عليه وسلم ، كما جاء بسنن الترمذي - (ج 11 / ص 456) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ " . اللهم صلى وسلم على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان تسليما كثيرا طيبا مباركا فيه إلى يوم الدين . وجاء بسنن الترمذي - (ج 9 / ص 488) عَنْ صَالِحِ بْنِ أَبِي حَسَّانَ قَال سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ يُحِبُّ الطَّيِّبَ نَظِيفٌ يُحِبُّ النَّظَافَةَ كَرِيمٌ يُحِبُّ الْكَرَمَ جَوَادٌ يُحِبُّ الْجُودَ فَنَظِّفُوا أُرَاهُ قَالَ أَفْنِيَتَكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ " . وورد بسنن الترمذي - (ج 11 / ص 73) كذلك ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَطَبَ النَّاسَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا ، فَالنَّاسُ رَجُلَانِ : بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّهِ . وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ قَالَ اللَّهُ { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } " . إخواني وأخواتي الكرام .. كونوا من الكرام ولا تكونوا من البخلاء في أي شيء ، فالبخل مهلك للنفس البشرية ولمن حولها ويدور في فلكها ، والكرم والإنفاق الحلال هو من الأمور الإسلامية المحمودة الممدودة الثواب إلى يوم الدين ، كونوا كريمين وابتعدوا عن البخل والبخيلين وعافانا الله أنا وأنتم من البخل والبخلاء إلى يوم الدين ، وجعلنا من المنفقين والمستغفرين بالأسحار وفي كل حين . أخرجوا زكاة أموالكم ، وتصدقوا فإن الله يربي الصدقات لكم .. ولا تتبعوا صدقاتكم بالمن والأذى ... والصدقات بالأموال الحلال .. والصدقات بالكلمات الطيبة الحنونة الجميلة .. ابتعدوا عن الإسراف والتبذير والمخيلة ... وجاء بسنن ابن ماجه - (ج 11 / ص 121) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ " . وفقكم الله العزيز الحكيم ، والله ولي التوفيق والقادر عليه وإذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: