الاثنين، 28 سبتمبر 2009

ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ .. أزمة المؤسسات المحلية في فلسطين

ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ ..

أزمة المؤسسات المحلية في فلسطين



د. كمال إبراهيم علاونه
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) }( القرآن المجيد ، الذاريات ) .
ويقول الله ذو الفضل والمنة ذو الجلال والإكرام : { مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21)}( القرآن الحكيم ، الإسراء ) .
وورد في صحيح البخاري - (ج 7 / ص 240) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى " . وجاء في في سنن الترمذي - (ج 7 / ص 161) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمْ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا مَنْ فِي الْأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنْ الرَّحْمَنِ فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ " .

تنتشر مئات المؤسسات الثقافية والأكاديمية والقلاع التعليمية العليا كالجامعات والمعاهد العليا في فلسطين المحتلة ، وكحصل حاصل تقوم هذه المؤسسات العلمية بتأهيل وتخري مئات بل آلاف الكفاءات الحاصلين على شهادات الدبلوم والبكالوريوس والماجستير في التخصصات المختلفة وذلك في كل فصل دراسي سنويا .
وخلال الفترة الدراسية الممتدة بالحياة الجامعية ، بضع سنين تكون أسرة الطالب الفلسطيني قد أنفقت على ابنها مبالغ مالية كبيرة . وفي معظم الأحيان تقوم العائلة باقتطاع أجزاء معينة من راتب رب العائلة في سبيل استكمال الابن أو البنت تعليمه أو تعليمها العالي في الجامعة أو المعهد أو كلية المجتمع . وتتضاعف التكاليف التعليمية في حالة وجود أكثر من واحد يدرس في الجامعة أو المعهد أو كلية المجتمع .
وفي أعقاب تخرج الشاب أو الفتاة يفرح الآباء والأمهات والإخوة والأخوات كثيرا لأن ابنهم قد أصبح حاصلا على شهادة عليا ولأن مصدرا جديدا لدخل العائلة قد دنت قطوفه .
وتأتي الصدمة الكبرى للآباء والأمهات ، ولبقية الأهل والأحبة ، عندما يقوم الخريج بتقديم طلبات التوظيف في المؤسسات والشركات . فيطلب من هذا الشاب أو تلك الفتاة وضع الطلب وانتظار الرد خلال فترة قد تقصر أو تطول . وفي معظم الأحيان تكون طويلة ، هذا إذا استقبلت هذه المؤسسة أو ذاك الموقع أو الشركة طلب التوظيف .
لقد أصبح الرد التقليدي لدى جميع مؤسساتنا المحلية ( أنه لا يوجد لديها شاغر أو شواغر ) ؟ وإنها تعاني من أزمة مالية حادة ؟ وإنها للأسف لا تقدر على استيعاب المزيد من الخريجين .
وبعد فترة زمنية تتضاعف أعداد الطلبات المكدسة فوق الرفوف ، وفي داخل الأكياس للحصول على الوظائف أو فرص العمل المنشودة ، إلا أن المحسوبيات أخذت تلعب دورا أكثر فعالية من الشهادة العلمية والتأهيل الجامعي ؟؟
فإلى متى يا أصحاب المؤسسات المحلية تبقى مسيطرة علينا العقلية التقليدية فلا نضع ( الشخص المناسب بالمكان المناسب )؟ هل أصبحت المحسوبيات هي الشهادة العلمية الأكثر رواجا ؟
ولماذا هذا ؟ ولماذا أصبحت الآية معكوسة ؟
أما بالنسبة للأزمات المالية في المؤسسات المحلية فهذاالشيء لا يمكن قبوله أو التسليم به .
فأين تذهب المخصصات ؟ وأين يذهب الناتج المالي السنوي ؟
لقد أصبح شعار المؤسسة ( أزمة مالية .. أزمة مالية ؟ ) . صحيح أن الأوضاع الاقتصادية العامة تسير من سيء إلى أسوا ، وصحيح أن بعض المؤسسات تعاني من أزمة أو أزمات مالية على مدارس السنة ، إلا أنه ليس صحيحا أن تعاني كافة المؤسسات المحلية من أزمة مالية ؟؟
وإلا فما هو التفسير لقيام أصحاب بعض المؤسسات والشركات بشراء السيارات الفاخرة على آخر موديل ؟ وإقامة البنايات والعمارات ذات الطوابق والشقق المتعددة ؟؟ . وإمتلاك العقارات والأراضي بشكل غير مسبوق ؟
ولا يفوتنا أن نقول إن تكاليف إحدى الحفلات العامة أو الخاصة تكلف عشرات آلاف الدنانير ، فلماذا لا تصرف هذه الأموال في مجالها ومسارها الصحيح ؟ ولماذا لا يعمل أصحاب هذه المؤسسات على استيعاب بعض الخريجين ( الغلابا ) العاطلين عن العمل .
لقد أضحت السياسة التقليدية المتبعة عند البعض من الناس تضر كثيرا بالخريجين ، فالأبناء هم فلذات أكباد الآباء والأمهات ، وافتقاد العمل أو الوظيفة يقض مضاجع الناس بكثرة ، ويسب هم الأرق والخوف من المستقبل الضبابي غير واضح المعالم ، وخاصة ونحن أحوج ما نكون للمرابطة في أرض الرباط المقدسة فوق ثرى فلسطين المباركة .
كما إن خريجينا هم رأس مال المستقبل والثروة الأولى للشعب الفلسطيني المرابط في أرض الرباط ، في الأرض المقدسة ، التي يجب أن نحافظ عليها ونحتضنها ونقدم لها كافة التسهيلات اللازمة !!
فالوضع إزداد تعقيدا فوق تعقيد فالمتتبع لإعداد أفواج الخريجين الفلسطينيين يلاحظ أن لدينا عشرات آلآلاف من خريجي الجامعات والمعاهد العليا المحلية والعربية والأجنبية العاطلين عن العمل . ولقد أصبح الخريج الفلسطيني العاطل والباحث عن عمل في ظل هذه الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية يعاني من أزمة نفسية واجتماعية إضافة إلى الأزمة الاقتصادية . فهناك الآلاف من الخريجين طرقوا سبل التشغيل والوظائف فلم يفلحوا في الحصول على وظيفة داخل مؤسساتنا المحلية ، أو حتى مهنة عامل عادي ، فاتجهوا مجبرين ومكرهين بسبب الحاجة الاقتصادية للعمل في سوق العمل العربية أو سوق العمل اليهودية في المصانع وقطاع البناء والتعمير الاستيطاني .
وهذا الأمر بدوره أدى إلى يأس وقنوط بعض الآباء حيث قام هؤلاء بإخراج أبنائهم من المدارس في المرحلتين الابتدائية والإعدادية ( الأساسية الأولى والعليا ) وهذا أيضا ساهم ويساهم على حد بعيد في إنخفاض المستوى التعليمي وتسرب الأطفال من المدارس من الذكور والإناث على السواء مما يسبب تضاعف أعداد الأميين في المجتمع الفلسطيني .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
================
ملاحظ : نشرت هذه المادة الإعلامية في صحيفة ( الفجر ) المقدسية ، 2 / 10 / 1987 ، ص 3 . بقلم : كمال شحادة .

ليست هناك تعليقات: