الاثنين، 28 سبتمبر 2009

صندوق الإدخار العمالي في فلسطين

صندوق الإدخار العمالي في فلسطين
د. كمال إبراهيم علاونه
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله الغني الحميد جل جلاله : { وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلًا مَيْسُورًا (28) وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)}( القرآن المجيد ، الإسراء ) .

أحبائي العمال والنقابيين .. نتحدث في هذه المحطة الجديدة من محطاتنا عن إيجاد صندوق إدخار عمالي لإيداع المدخرات العمالية .
إن ظروف العمل غير مستقرة في فلسطين ، فالعامل يخضع لتقلبات السوق ومسالة العرض والطلب على الايدي العاملة ، والبطالة منتشرة بشكل واسع في صفوف الحركة العمالية . كما ان نسبة الزيادة في الايدي العاملة السنوية لا يوازيها زيادة مماثلة في التوسع الافقي والعمودي في سوق العمل او انشاء مشاريع اقتصادية جديدة بل على العكس من ذلك ، لجأت بعض المصانع او المنشآت الاقتصادية الى إغلاق ابوابها نتيجة الخسائر المالية الكبيرة في بعض الاحيان التي تعرضت لها هذه المنشأة او تلك . وهذا بدوره أثر بشكل سلبي على سوق العمل فاصبح يرزح تحت نير البطالة المتصاعدة .
ولهذا كله ، إخواني العمال والنقابيين .. يتوجب الاسراع في انشاء صناديق اإدخار العمالية التي تمكن العامل من توفير القرش الأبيض لليوم الأسود ، فسوق العمل غير مستقرة كما اشرنا والعامل هو المتضرر الاول والاخير من هذه المسالة لانه الحلقة الأضعف في المعادلة العمالية الثلاثية .
وتتمثل عملية انشاء صناديق الادخار بتشكيل لجان عمالية على مستوى النقابة او المصنع او المنشأة وانتخاب هيئات ادارية لادارة شؤون هذه الصناديق . ومن خلال هذه الصناديق التوفيرية التي تعد نوعا من انواع الضمان الاجتماعي المؤقت ، يستطيع العامل الفلسطيني ان يقتطع جزءا يسيرا من دخله اليومي اوالاسبوعي او الشهري لاستخدامها وقت الحاجة لتفريج الكربة اثناء الانقطاع عن العمل او حتى خلاله ، على أن يكون المشرفين على هذا الصندوق الإدخاري المالي من ذوي الكفاءات العلمية والاقتصادية والأمانة والنزاهة من المتقين الأخيار الذين يستخدمون المدخرات في التوليلد المالي الحلال بعيداا عن الربا ومتعاطيه وذلك للحافظ على قيمة المدخرات المالية للعمال وعدم المقامرة أو المغامرة بها أو إهدارها بأي حال من الأحوال .
وعملية الاقتصاد في النفقات العمالية ضرورية جدا ، بشد الأحزمة على البطون قدر الإمكان مطلوبة ، لأن الإسراف والتبذير يهلك العامل ويهدر امواله . فلتكن اخي العامل .. اختي العاملة .. ممن يضع له نظاما معيشيا اسبوعيا او شهريا لانك من الممكن في أي لحظة ان تترك عملك وفرص العمل البديلة غير متوفرة الآن بسبب الظروف الاقتصادية المتردية .
إذا فلتعمل على إقتطاع جزء من دخلك لايداعها في صندوق الادخار اوالتوفير العمالي الجماعي او الخاص في أحد البنوك الإسلامية ، واسثمار هذه الأموال جماعيا ، للمحافظة على قيمتها الاقتصادية والابتعاد بها عن التضخم والترهل وقلة القيمة الشرائية لها مستقبلا ، لان ذلك يضمن لك حياة مستقرة بعيدة عن التقلبات المفاجئة في ظروف العمل . وعمليةالتوفير تتأثر بعدة عوامل اهمها :
1. الارادة العمالية والرغبة في اتباع هذا النظام المتبع في معظم دول العالم .
2. مقدار الدخل للعامل ، وكما هو معروف فان عملية الانفاق هي عملية نسبة وتناسب بين الدخل والتوفير بمعنى ان بعض العمال يلجأون الى توفير نسبة 10 % أو 15 % أو 20 % من دخله او اقل او اكثر حسب حاجة العامل واسرته واقتناعه ، وهناك بعض العمال او الموظفين دائما يعانون من عجز مالي جراء عدم كفاية راتبهم او اجورهم او اسرافهم وتبذيرهم في الانفاق دون اتباع نظام الوسطية اوالاعتدال الذي يتلاءم والوسط المعيشي .
وحسب علماء الاجتماع والنفس فان العامل الذي يعمل على اتباع نظام التوفير والاقتصاد في النفقات والسعي نحو الاحتياجات الاساسية للانسان يكون اكثر استقرارا ونجاحا في حياته الاجتماعية والاقتصادية العامة والخاصة . والعامل الذي ينفق كل اجرته الاسبوعية او الشهرية اولا باول يكون اكثر تعرضا للهزات المالية المتلاحقة واكثر معاناة في حياته الاجتماعية ويتعرض لتراكم الديون المهلكة ماليا ونفسيا ، فرديا وأسريا . وكذلك إن السعي نحو شراء الاحتياجات الثانوية او الكماليات بكثرة بحيث تصبح عادة تورث الانسان او العامل الديون المتتالية التي يجب على الإنسان أن يتجنبها ويتعافى منها .
فاختر اخي العامل طريقك واسلوبك في التعامل مع الحياة اما ان تكون مقتصدا في نفقاتك وكما يقول المثل الشعبي " وفر قرشك الأبيض ليومك الأسود " ، واما ان تكون مبذرا مسرفا تنفق راتبك اولا باول دونما حسيب او رقيب مع ما يسببه لك ذلك من زعزعة او عدم استقرار مالي وبالتالي عدم وجود الطمأنينة وهذان الأمران ينعكسان عليك وعلى اسرتك سواء من الناحية الايجابية او السلبية .
والنقابات العمالية والاتحاد العام لعمال فلسطين مطالبان كذلك ببث سياسة الصناديق التوفيرية الجماعية او الخاصة لما لهذه الامور من اهمية في تطوير الذات الانسانية وصقلها وتعويدها على حب الاستثمار والتوفير فلنكن مجتمعا انتاجيا يحب الانتاج ويجله ويقدره ولا يعتمد على نظام الاستهلاك فقط ، فالمجتمع الانتاجي هو المجتمع المتقدم الذي يسعى الى الاعتماد على ذاته قدر الإمكان . واما المجتمع الاستهلاكي فهو المجتمع التابع في كافة الاحوال لغيره من المجتمعات الانتاجية . والتوفير من اجل المساهمة في انشاء المشاريع التطويرية هو من اسمى الغايات والاهداف الفردية والوطنية والإسلامية العامة .
ومن نافلة القول هنا ان العامل الذي يسعى الى اتباع نظام التوفير قدر الامكان هو العامل الناجح في حياته العملية والانسانية ، وفي الدول المتقدمة عادة ما تلجأ الى اقتطاع جزء من راتب او اجره العامل بشكل إلزامي وتودعها في احد المصارف لاستخدامها في حالات العجز او الشيخوخة او الوفاة . وفي معظم الاحيان تقوم هذه الدول باضافة مبلغ من المال من الحساب العام لحساب اسرة العامل المتضرر او الذي بلغ سن التقاعد او غيره .
واخيرا إخواني العمال والنقابيين نأمل ان تكونوا جادين في تطبيق نظام التوفير لمصلحتكم الشخصية ولمصلحة الوطن بايجاد المشاريع التطويرية والتنموية الي تعود بالفائدة على الاقتصاد الفلسطيني وعدم اتباع نظام الاستهلاك او الانفاق التام مما تسببه في زعزعة الميزانية الاسرية اوالوطنية العامة وخاصة في موسم المصاريف الأكبر من حجم الإنفاق اليومي المعتاد كموسم شهر رمضان المبارك ، وموسم بداية العام الدراسي الجديد في المدارس والجامعات الفلسطينية وغيرها .
وبهذا اعزاءنا الكرام نأتي الى ختام هذه الحلقة الاسبوعية من برنامج العمل ( شؤون عمالية ) قدمناها لكم من صوت فلسطين . شكرا لمتابعتكم . وهذه تحياتي كمال علاونه من الاعداد والتقديم ، الى اللقاء في حلقة الأسبوع القادم ان شاء الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: