الاثنين، 28 سبتمبر 2009

الدواوين العائلية في نابلس

الدواوين العائلية في نابلس


د. كمال إبراهيم علاونه
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}( القرآن المجيد ، البقرة ) . وجاء في صحيح مسلم - (ج 9 / ص 392) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عِمِّيَّةٍ يَدْعُو عَصَبِيَّةً أَوْ يَنْصُرُ عَصَبِيَّةً فَقِتْلَةٌ جَاهِلِيَّةٌ " .
وجاء في سنن أبي داود - (ج 13 / ص 325) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ " .

إستهلال

تعتبر مدينة نابلس الأبية ، عاصمة جبال النار ، من المدن الفلسطينية المكتظة بالسكان والعمران في آن واحد معا ، حيث يسكن هذه المدينة العريقة أكثر من مائتي ألف نسمة ينتمون لمئات العائلات الفلسطينية سواء أكانت هذه العائلات من أصل نابلس خالص أو ذات أصل فلسطيني من القرى أو المدن الفلسطينية الأخرى سكنت نابلس منذ مئات أو عشرات السنين .
وقد تتوزع أسر أفراد العائلة على مواقع سكنية متباعدة فتسكن أسرة أحد الأفراد في الجبل الشمالي ( عيبا ) وقد تسكن أسرة شخص آخر في الجبل الجنوبي ( جرزيم – أو الطور ) .
وإزاء هذا الوضع فقد أحست وشعرت معظم العائلات في نابلس أنها بحاجة ماسة إلى ملتقى أو مكان تجمع يربط أسرها وأفرادها ببعضهم البعض ويساعد على زيادة تماسك وتكافل المجتمع على مستوى المدينة .

انتشار الدواوين العائلية

وقد عملت هذه العائلات على إيجاد ( الديوان العائلي ) الخاص بكل عائلة على حدة لتقوية أواصر القربى والتآخي والتآلف والتسامح .
ولوحظ في الآونة الأخيرة ، ظاهرة انتشار الدواوين العائلية النابلسية حيث يرى المتجول في حارات وأزقة وشوارع نابلس اليافطات التي تحمل اسم ( ديوان آل كذا – إسم العائلة ) كتبت بخط عريض وبارز .
والدواوين كاسم بحد ذاتها ليست جديدة بل هي قديمة حيث وجدت منذ العهد الإسلامي الأول في عهد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حيث استخدمت للتدوين لتسهيل وتيسير عمل الدولة الإسلامية .

غايات الدواوين العائلية

تطورت أهداف وغايات الدواوين في زمن الدولة الإسلامية على اختلاف العهود والعصور الراشدية والأموية والعباسية وما تلاها ، فأنشأ ديوان الجند وديوان الخراج وديوان الرسائل وديوان الخاتم وديوان الطراز وديوان الصدقات وغيرها من الدواوين .
وفي مدينة نابلس ، القلعة الفلسطينية الأبية ، أخذت العائلات على اختلاف أسماءها ومشاربها تعمل على إنشاء الدواوين الخاصة بها لتحقيق عدة أهداف وغايات أهمها على سبيل المثال لا الحصر :
أولا : الشورى : فالديوان العائلي كمركز لتجمع أفراد العائلة الواحدة يتيح فرصة التشاور العائلي في كافة الأمور الاجتماعية والاقتصادية والفكرية والدينية واتخاذ القرارات المناسبة .
ثانيا : الحفاظ على كيان العائلة : حيث تسعى العائلة إلى المحافظة على كيانها ووجودها وزيادة تأثيرها الاجتماعي والاقتصادي الفعال في المدينة .
ثالثا : تقوية العلاقات الاجتماعية : هناك عائلات أو حمائل كبيرة الحجم يبلغ عدد أفرادها المئات أو الآلاف ، وأفرادها لا يعرفون بعضهم البعض ، فأنشأ الديوان العائلي كمركز للتجمع العائلي بهدف زيادة وتنمية التماسك الاجتماعي بين أبناء العائلة الواحدة . فأصبح الديوان العائلي في نابلس يستخدم لإقامة مناسبات الأفراح والأتراح كإقامة حفلات الخطوبة والزواج والإفراج عن أحد المعتقلين من السجون الصهيونية . فمثلا يجتمع أفراد العائلة من الرجال والنساء ، ك لعلى حدة ، لإحياء حفلات الزواج حسب العادات والتقاليد المتعارف عليها لدى العائلة . وكذلك يستخدم النابلسيون الديوان العائلي لفتح بيت الأجر ( العزاء ) واستقبال المعزين .
رابعا : تقوية العلاقات الاقتصادية : حيث يجتمع أفراد العائلة ومن بينهم فئة التجار يخططون وينسقون فيما بينهم لتقوية تجارتهم وإزدهارها . وفي بعض الأحيان يقوم أفراد العائلة الموسرين بتقديم المساعدات بعد تفقد أحوال أقرباءهم المعسرين والوقوف إلى جانبهم في الصعوبات والملمات . أي أن الديوان العائلي قد أصبح يستخدم للتكافل الاقتصادي في بعض الأحيان .
خامسا : النشاطات الثقافية : تستخدم بعض إن لم يكن معظم الدواوين العائلية في نابلس لممارسة النشاطات الثقافية كالقراءة والمطالعة ة=والمناقشة لصحف والمجلات والكتب . وبالإضافة على ذلك ، فإن أفراد العائلة غالبا ما يمارسون لعبة الشطرنج أو السيجة أو الدومينو أو غيرها من الألعاب المسلية التي تروح عن النفس .
سادسا : حل المشاكل : ويستخدم الديوان العائلي في نابلس وبشكل كبير لحل المشاكل الاجتماعية إن وجدت – بين أفراد العائلة الواحدة – أو بين العائلة والعائلات الأخرى .
سابعا : تنظيم الإفطار الرمضاني الجماعي وفق الشريعة الإسلامية ف شهر رمضان المبارك .
ثامنا : الترويج الانتخابي لمرشح العائلة في الانتخابات البلدية أو البرلمانية ودعم مرشحين آخرين متحالفين مع العائلة لضمان التصويت لشخص أو قائمة حزبية معينة .
تاسعا : تكريم أسر وعائلات الشهداء الذين قضوا نجبهم وهو يدافعون عن حمى فلسطين .

ساعات التجمع العائلي

فعند ساعات العصر يبدأ أفراد العائلة ( الذكور ) بعد الانتهاء من العمل بالتوافد على مقر الديوان العائلي الخاص بهذه العائلة أو تلك ، والذي عادة ما يتكون من شقة كاملة تقوم العائلة باستئجارها أو شراءها وتستمر اللقاءات المفتوحة حتى ساعات متأخرة من الليل ، وفي رمضان يتجمع الجميع قبل الإفطار أو بعد صلاة التراويح التي تعقب صلاة العشاء .
وعند المساء يجتمع الأقارب والأصدقاء يتبادلون الأحاديث والنقاشات في شتى المواضيع الاجتماعية أو الاقتصادية ، إما بشكل جماعي كلي أو جزئي . وأثناء ذلك يقوم الأفراد باحتساء المشروبات الساخنة كالشاي والقهوة والكاكاو واليانسون أو المرطبات وغيرها ويصاحب ذلك شرب الشيشة والمعسل والدخان وخلافه . وفي العادة يكون لكل عائلة عميد يتحدث وينطق باسم العائلة يلجأ إليه كافة أفراد العائلة لمساعدتهم في تسهيل أمورهم وقضاء حاجاتهم المتنوعة ، وغالبا ما يكون عميد العائلة أو كبيرها من ذوي النفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي في المدينة .

مساوئ الدواوين العائلية

ويذكر أن من مساوئ بعض الدواوين العائلية أن البعض يستخدمها لنثر العصبية العائلية والعشائرية أو القبلية السياسية الحزبية المقيتة بين العائلات النابلسية ، وكذلك يستقوي بها البعض على عائلات أخرى ، أو أشخاص آخرين ، وقد تسبب أضرار صحية جراء التدخين الكثيف والشيشة المنفلتة من عقالها ، فتخرج هذه الدواوين عن الأهداف والغايات المرسومة من أجلها وهي الود والمحبة والتعاون والتكافل والتعاضد ضمن بوتقة الشعب الواحد والأمة الواحدة .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
==============
ملاحظة هامة : نشرت هذه المادة الإعلامية في صحيفة ( الفجر ) المقدسية ، 10 / 7 / 1987 . بقلم : كمال شحادة .


ليست هناك تعليقات: