الاثنين، 28 سبتمبر 2009

الذكرى التاسعة لانتفاضة الأقصى المجيدة والإعتداء الجديد على الأقصى أيلول 2000 – 2009

الذكرى التاسعة لانتفاضة الأقصى المجيدة

والإعتداء الجديد على الأقصى

أيلول 2000 – 2009


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8) إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10)}( القرآن المجيد ، الإسراء ) .
وجاء في مسند أحمد - (ج 45 / ص 281) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَيْنَ هُمْ قَالَ بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ " .

تصادف اليوم الاثنين 28 أيلول – سبتمبر 2009 ، الذكرى السنوية التاسعة لانتفاضة الأقصى المجيدة في فلسطين ، حيث اندلعت فعاليات هذه الانتفاضة من المسجد الأقصى المبارك في يوم الخميس 28 ايلول 2008 عندما اقتحم أرئيل شارون زعيم حزب الليكود المعارض آنذاك باحات المسجد الأقصى المبارك بحراسة برية وجوية تقدر بحوالي 3 آلاف جندي وشرطي ورجل أمن صهيوني ، ولم يستطيعوا أن يحموه فقذفه ورجمه المصلون المسلمين في المسجد الثالث المقدس إسلاميا في بيت المقدس . وكانت الزيارة تهدف لجس نبض الفلسطينيين في تحد سافر لمحاولة تقسيم المسجد الأقصى المبارك ووضع حجر الأساس لما يسميه يهود فلسطين المحتلة الطارئين على الأرض المقدسة ( إعادة بناء الهيكل اليهودي الثالث ) .
وقد نتج عن تلك الزيارة التي نجست جنبات ومصليات وباحات المسجد الأقصى المبارك ، إندلاع إنتفاضة الأقصى الباسلة ، التي هزت أركان الكيان الصهيوني من جذوره ، ولما تولى أرئيل شارون الرجيم ، المرجوم في المسجد الأقصى المبارك ، زمام حكومة الاحتلال الصهيوني وصف تلك الانتفاضة الفلسطينية بأنها حرب فريدة من نوعها ( حرب الاستقلال الصهيوني الثانية ) . وقد استمرت انتفاضة الأقصى حوالي ست سنوات عجاف ، قدم فيها شعب فلسطين الأصيل في الأرض المقدسة قرابين الشهداء الذين وصل عددهم أكثر من خمسة آلاف شهيد ، وعشرات آلاف الجرحى الذين زاد عددهم عن 60 ألف جريح ، وعشرات آلاف الأسرى الذين ناهز عددهم أكثر من 60 ألف أسير طيلة فترة الانتفاضة ، التي مارس فيها شعب فلسطين في جميع أرجاء فلسطين ( الدفاع عن النفس ) وأفشل سياسة المتطرفين اليهود في الهيمنة على المسجد الأقصى المبارك أو تقسيمه .
لقد أثبتت انتفاضة الأقصى والقدس ، تمسك شعب فلسطين بأرضه ، وثوابته الإسلامية والوطنية مهما غلت التضحيات الجسام ، ومهما وصلت الأمور عسكريا واقتصاديا وسياسيا واجتماعيا وحضاريا .
وما أشبه اليوم بالبارحة ، لقد عاد يهود فلسطين المحتلة يوم الأحد 27 أيلول – سبتمبر 2009
إلى غيهم وظلمهم وساديتهم المقيتة ، فأعادوا عملية الإعتداء على حرمة وقداسة المسجد الأقصى الواردة بالقرآن المجيد ، ودخلوا عنوة باحات المسجد الأقصى لإحياء وإقامة ما يسمونه عيد الغفران ( الكيبور ) بترديد أقاويل وطقوس تلمودية توراتية يهودية عفا عليها الزمن ، في تدنيس جديد لهذا المسجد المقدس لدى جميع أبناء الأمة الإسلامية في جميع أنحاء الكرة الأرضية . وكان أهل المسجد الأقصى المبارك ، أهل التقوى والمغفرة ، وأهل الدفاع عن النفس ، رغم كل الإجراءات الاحترازية اليهودية – الصهيونية ، وإعداد أهل السبت من المعتدين اليهود بالمرصاد ، وصدوهم وأخرجوهم من داخل المسجد الأقصى ، مذمومين مدحورين بقوة الإيمان الإسلامي ، فكانت انتفاضة صغيرة مصغرة عن انتفاضة الأقصى الكبرى الآنفة الذكر .
وقد جرح من المصلين المدافعين عن الأقصى يوم كيبور المعتدي اليهودي حوالي 40 فلسطينيا ، من نجباء فلسطين ، وجرح من شرطة الاحتلال الصهيوني 13 شرطيا ، ممن يحمون المعتدين الكيبوريين الظالمين ، فأهل كيبور يمكن أن يذهبوا للقبور قبل أن يدخلوا ويهيمنوا على بيت الله المعمور في الأرض المقدسة وهو المسجد الأقصى المبارك الحزين .
وسؤال يطرح ذاته بذاته على الساحة الدينية والسياسية والعسكرية ، لماذا يصر يهود فلسطين المحتلة من قطعان المستوطنين الطارئين على البلاد على اقتحام وتدنيس المسجد الأقصى المبارك ؟ فهذا المسجد هو بيت من بيوت الله في الأرض المباركة ، أرض الأنبياء والمرسلين ، ومسرى ومعراج رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلى ، كبقعة ارض إسلامية وعربية وفلسطينية مقدسة ، إنهم يلعبون بالنار ، وكل من يلعب بالنار عليه تحمل النتائج والتداعيات ؟؟؟
وفي الذكرى التاسعة ، لإشعال فتيل انتفاضة الأقصى الفلسطينية في الأرض المقدسة ، ما بين بضعة أعوام ، تتكرر الأخطاء والخطايا اليهودية الدينية والصهيونية السياسية والعسكرية المتطرفة ، وجل همها الهيمنة الظالمة على المسجد الأقصى المبارك ، وهؤلاء المعتدين الظالمين يعلمون أكثر من غيرهم ، أن الأقصى المبارك ، هو خط أحمر شديد الإحمرار ، ولا يمكن السكوت عنه ، فقد جربوا حظهم في سنوات سابقة ، وجربوا ظلمهم واعتداءهم يوم الأحد 27 أيلول 2009 / 8 شوال 1430 هـ ، وخاب ظنهم في كل مرة ، فأفئدة جميع الفلسطينيين تتجه وتهوي إلى بيت الله المقدس ، وستدافع عن الأقصى بكل ما أوتيت من قوة الإرادة ، وقوة العزيمة وصلابة الإيمان الإسلامي ، وليعلم جميع قطعان المستوطنين اليهود في هذا الجيل والأجيال القادمة ، أن أهل فلسطين ، أهل لحماية بيت الله العظيم ، المتمثل بالأقصى الشريف ، وأن كل جيل فلسطيني يورث الجيل الذي يليه سياسة الدفاع عن النفس ، وحماية الأقصى المبارك ، ولن تلين عزيمة وشكيمة أهل البلاد الأصليين ، ولا ترتعد من إرهاب وهمجية ووحشية المحتلين ، فالأقصى هو بوصلة فلسطين الأبدية ، طالما بقي بالحياة الدنيا من أيام وأسابيع وسنوات وعقود وقرون .
ويبدو أن يهود فلسطين المعززين بجنود وشرطة الاحتلال الصهيوني التي تحميهم وتسمح لهم بدخول المسجد الأقصى المبارك ، لم يتعظوا ويعتبروا من مغامرة أرئيل شارون الرجيم ، فشارون الرجيم يقبع الآن ما بين الحياة والموت منذ أمد بعيد ، جزاء وفاقا لما اقترفه ضد أبناء فلسطين والعرب والمسلمين المظلومين في الأرض المقدسة وسيناء ولبنان وسواها ، فهو لا يموت فيها ولا يحيى حيث يعيش على التنفس الصناعي والغذاء الصناعي منذ 4 / 1 / 2006 حتى كتابة هذه السطور ( 28 أيلول 2009 ) أي قبل حوالي 45 شهرا زمنيا ، ولم يستفد شيئا ، ولن يستفد أتباعه ما بعده شيئا ولن يغيروا من واقع الأمر شيئا ، فللأقصى رب يحميه ، وشعب طيب الأعراق يدافع عنه ، والولوج للمسجد الأقصى المبارك ليس كمثل الخروج ، وكليهما سيان تلقى المزيد من الرجم الديني والهزيمة المعنوية ، وصلاة قطعان المتطرفين في المسجد الأقصى باطلة بطلانا مطلقا ، فالدين عند الله الإسلام ، مهما علت سياط الاحتلال والمحتلين .
على أي حال ، يبدو في الأفق انتفاضة فلسطينية كبرى ثالثة ، والأسباب هي الأسباب ، والظروف هي ذات الظروف ، والتداعيات هي نفسها كذلك . ولكن هذه المرة ، إن إندلعت انتفاضة فلسطينية ، كردة فعل حتمية على تواصل العدوان والقهر الصهيوني لأهل الأرض المقدسة الأصليين فستأكل الأخضر واليابس ، دونما تفريط فلسطيني بأي ثابت من الثوابت الوطنية والإسلامية في ارض فلسطين ، وستدحر هذه الانتفاضة الاحتلال ومن والاه وسلك طرقه ، فالبشرى النبوية الإسلامية لطائفة المسلمين في بيت المقدس تترائى لأعين المسلمين في كل مكان وزمان .
وكلمة أخيرة لا بد منها ، وهي أن أهل الجمعة ، في الأرض المقدسة ، سيغلبون أصحاب السبت ، ولو كره المنافقون والكافرون والفاسقون والظالمون من المغضوب عليهم ( وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا ) في عبارة قرآنية واضحة وصريحة من كلام الله الأزلي المقدس للعالمين ، فهل أنتم يا أصحاب السبت ويا أصحاب الهيكل المزعوم منتهون ، ومتفكرون ومعتبرون ؟؟ !

والله ولي التوفيق . سلام على أهل وآل فلسطين المخلصين الطيبين المدافعين عن الحمى الإسلامي في العالمين وطوبى لهم في الأولين والآخرين إلى يوم الدين . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: