السبت، 28 يونيو 2008

الهُدْهُدُ والنَّسْرُ في فلسطين






















الهُدْهُدُ والنَّسْرُ

في فلسطين

د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ (16) وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (17) حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لَا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (18) فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ (19) وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ (20) لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ (21) فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدْتُ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24) أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (25) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (26) قَالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (27) اذْهَبْ بِكِتَابِي هَذَا فَأَلْقِهِ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ مَاذَا يَرْجِعُونَ (28) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ (29) إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (30) أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (31) قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ (32) قَالُوا نَحْنُ أُولُو قُوَّةٍ وَأُولُو بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالْأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ (33) قَالَتْ إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ (34) وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ (35) فَلَمَّا جَاءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ فَمَا آَتَانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آَتَاكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ (36) ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37) قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ (38) قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (39) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ (40) قَالَ نَكِّرُوا لَهَا عَرْشَهَا نَنْظُرْ أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ (41) فَلَمَّا جَاءَتْ قِيلَ أَهَكَذَا عَرْشُكِ قَالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ وَأُوتِينَا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهَا وَكُنَّا مُسْلِمِينَ (42) وَصَدَّهَا مَا كَانَتْ تَعْبُدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنَّهَا كَانَتْ مِنْ قَوْمٍ كَافِرِينَ (43) قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (44) }( القرآن المجيد ، النمل ) .
الهدهد
ويقول الله العلي العظيم : { قَالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا (21) وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا (22) وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آَلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا (23) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيرًا وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلَالًا (24) مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارًا (25) وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) }( القرآن المجيد ، نوح ) . وجاء في المعجم الأوسط للطبراني - (ج 4 / ص 368) عن النبي صلى الله عليه وسلم : « إن موسى قال : يا رب ، أخبرني بأكرم خلقك عليك ، فقال : الذي يسرع إلى هواي إسراع النسر إلى هواه ، والذي يكلف بعبادي الصالحين كما يكلف الصبي بالناس ، والذي يغضب إذا انتهكت محارمي غضب النمر لنفسه ، فإن النمر إذا غضب لم يبال ، أقل الناس أم كثروا » . وورد في المعجم الأوسط للطبراني - (ج 7 / ص 229) عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : قلت : يا رسول الله ، أخبرني عن قول الله عز وجل : ( حور عين قال : « حور بيض ، عين ضخام ، شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر » .
وعادة ما تلجأ الدول لاختيار طير أو حيوان يرمز لعزتها وكرامتها وعنفوانها ، فمثلا اتخذت اليابان طائر ( الفرنوق ) رمزا جويا لها ، واتخذت الولايات المتحدة طائر ( الباز ) رمزا جويا لها ، وغيرها اتخذ طيورا أو حيوانات رموزا أخرى كالدب الروسي والتنين الصيني والأسد الفرنسي وغيرها .

على أي حال ، لقد اختار الكيان العبري في فلسطين طائر الهدهد ليكون الطائر الرمزي الأول ليهود فلسطين المحتلة ( الطائر الوطني لإسرائيل ) لعام 2008 بمناسبة الذكرى الستين لاحتلال فلسطين وإقامة الكيان الصهيوني عليها . وكما هو معلوم ، فإن الهدهد طائر نادر الوجود الآن نتن الرائحة ، جميل المظهر الخارجي ، يحب التحليق في الجو بجناحيه الصغيرين ويحب الاستحمام بالرمل ويعيش بين أغصان الأشجار وفي المباني القديمة والصخور . وهذا الطائر حسن المظهر وله شكل جميل ، وله منقار طويل ، وعلى رأسه تاج على شكل مروحة طوله 30 سم تقريبا . ولونه بني مرقط بالأبيض والسواد . ويتغذى على الحبوب والحشرات والدود والديدان واليرقات والسحالي في الأرض . وطيران الهدهد مميز عن غيره في الجو ، وهو طائر لا يؤكل لحمه . وطائر الهدهد له قوة إبصار قوية ويقال إن له قدره على النظر إلى الماء وهو في باطن الأرض واكتشافه ينابيع المياه . وكذلك للهدهد قوة إبصار وتحسس وتجسس ظاهرة للعيان ، ويقال بالمثل الشعبي ( أبصر من هدهد ) . وتجلس أنثى الهدهد فترة حضانة للبيض تتراوح ما بين 12 – 15 يوما ، بواقع بيضتين سنويا ، وذكر الهدهد يطعم الأنثى أثناء فترة حضانة البيض ويطعم صغاره عند فقس البيض أيضا ، وتغادر الفراخ العش بعد شهر تقريبا من التفقيس . وللهدهد وسائل دفاع عن نفسه وأهله بشكل غريب عجيب ، تتمثل في نشره رذاذ اسود زيتي كريه الرائحة من إحدى غدده لإبعاد الأعداء عن عشه وصغاره . والهدهد ذكي ومراوغ يتحمل ظروف البيئة الصعبة ، لكنه نتن الرائحة ويلجأ للتمويه على أعدائه عبر دفن نفسه في الرمال ، وهو طائر أعظم من الحمام الزاجل في نقل الرسائل عبر التاريخ . ويقال هَدْهَدَةُ الهُدْهُدِ : صوتُه .

ودينيا من وجهة النظر الإسلامية طائر الهدهد هو أحد جنود نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام . وهو الذي ذكر بالقرآن المجيد بسورة النمل في قصته مع نبي الله سليمان وإسلام بلقيس ملكة سبأ وقومها في اليمن مع سليمان . وقد نهى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم عن قتل أربعة أصناف من الكائنات الحية كالحشرات والطيور وهي : النملة والنحلة والصُرد والهدهد . ومن المعروف أن الله الحي القيوم سبحانه وتعالى ذكر العديد من أصناف الطيور والحيوانات في القرآن المجيد ، منها الغراب كغراب نوح عليه السلام ، وحمار عزير وهدهد وخيل سليمان عليه السلام ، وأفعى موسى ( العصا ) وبقرة بني إسرائيل الصفراء وطيور إبراهيم عليه السلام والذباب والبعوض وغيرها من الحيوانات كالكلب والحوت والبغال والخيل والسلوى وغيرها ، وهذا لا يعني أنها مقدسة وتصلح أن تكون رموزا وطنية لهذه الدولة أو تلك ، بل هي كائنات حية من مخلوقات الله الخالق البارئ جل وعلا . من جهة أخرى ، فإن الهدهد قليل الوجود في فلسطين في هذه الأيام رغم وجود قوافل الطيور المهاجرة ذهابا وإيابا على فلسطين سنويا .

وفي سياق آخر ، إن النسر يعتبر من أكبر الطيور الجارحة في فلسطين والعالم ، له جناحان طويلان واسعان يصلحان لطيرانه الإنسيابي ويفتح جناحيه بالاتجاهين نحو 280 سم ، ويطير النسر لمسافات طويلة . ويتغذى النسر على الحيوانات ، وله منقار كبير وضخم وقوي كاسر يفترس به فرائسه اللحمية . ورقبته خالية من الريش ومخالبه حادة ، ويمكن ن يأكل النسر مرة واحدة لعدة أيام ، وهو طائر اجتماعي يطير طيرانا إنسيابيا ويحتاج لهواء دافئ للطيران ، فيطير صباحا للبحث عن طعامه ورزقه ، ويرجع مساء للنوم ، ويتجنب الطيران في رابعة النهار ذات الحر الشديد . والنسر طائر مقاتل من الطراز الأول وله حاسة إبصار قوية حيث يشاهد فريسته على بعد عدة كيلومترات . وتضع أنثى النسر بيضة واحدة فقط سنويا ، يحتضنها الذكر والأنثى ، ويفقس الفرخ بعد 55 يوما من الحضن السنوي . ويعيش النسر في فلسطين بكثرة في الجليل والكرمل والنقب والضفة الغربية حيث يتخذ من أعالي الأشجار والقمم الجبلية والصخور العالية بيتا وعشا له ولصغاره وأهله . ومن قوة النسر أنه يستطيع صيد الثعالب والأبقار البرية والأفاعي الجارحة . ويعمر النسر ما بين 20 – 30 سنة .
النسر
وهناك قصة عربية طريفة عن النسر ، فقد جاء في قاموس المزهر - (ج 1 / ص 53) : قال ابن دُرَيد : أجاز لي عمّي عن أبيه عن ابن الكَلْبي ، عن أبيه ، قال : حدَّثني عبادة بن حصين الهمداني قال : كانت مُرَاد تعبدُ نَسْراً، يأتيها في كل عام ، فيضربون له خِباءً ويُقْرِعون بين فَتياتهم، فأيتُهنّ أصابَتْها القرعةُ أخرجوها إلى النّسر فأدخلوها الخِباء معه؛ فيمزِّقُها ويأكلُها ، ويُؤْتَى بخمر فَيَشْرَبه ، ثم يخبرهم بما يصنعون في عامهم ويطير ، ثم يأتيهم في عام قاَبل ، فيصنعون به مثلَ ذلك ، وإن النّسر أتاهم لعادته فأقْرعوا بين فَتياتهم ، فأصابت القُرعْة فتاة من مُراد ، وكانت فيهم امرأةٌ من همدان قد وَلَدت لرجل منهم جاريةً جميلة ، ومات المُرَاديّ ، وتيتَّمت الجارية . فقال بعض المُرَاديّين لبعض : لو فَدَيتُم هذا الفتاة بابنةِ الهمدانية ، فأجْمَع رأيُهم على ذلك ، وعَلِمت الفتاةُ ما يُرَاد بها ، ووافَقَ ذلك قدومُ خالها عمرو بن خالد بن الحصين ؛ فلما قدم على أخته رأى انكسارَ ابنتها ، فسألها عن ذلك فَكَتَمتْه ، ودخلت الفتاة بعضَ بيوت أهلِها ، فجعلتْ تبكي على نفسها بهذه الأبيات لكي يسمَع خالُها :
أتثني مراد عامها عن فتاتها ... وتُهْدي إلى نَسْرٍ كريمة حَاشِد
تُزَفُّ إليه كالعَرُوس وخالها ... فتى حيّ همدان عمير بن خالد
فإن تنم الخَوْدُ التي فُدِيت بنا ... فما ليلُ مَنْ تُهْدَى لَنسْر بَرَاقِد
مع أني قد أرجو من اللّه قَتْله ... بكفِّ فَتًى حامِي الحقيقة حارد
ففطن الهمذاني ، فقال لأُخته : ما بالُ ابنتك ؟ فقصَّت عليه القصَّة . فلما أمسى الهمداني أخذ قَوْسَه ، وهيَّأ أسْهُمَه ؛ فلما اسوَدَّ الليلُ دخل الخِباء فكَمن في ناحِية ، وقال لأخته : إذا جاؤوك فادْفَعي ابنتَك إليهم ، فأقبلتْ مُراد إلى الهمدانية ، فدفعت ابنَتها إليهم . فأقبلوا بالفتاة حتى أدخلوها الخِباء ، ثم انصرفوا . فحجَل النَّسْر نحوها ، فرماه الهمذانيّ ، فانتظَم قلبه ؛ ثم أخذ ابنةَ أخته ، وترك النَّسْر قتيلاً ، وأخذ أختَه وارْتَحل في ليلته ، وذلك بوادي حُراض ، ثم سرَى ليلته حتى قطَع بلادَ مُراد ، وأشرف على بلاد همذان . فأغذَّت مراد السير ، فلم تُدركْه ، فعظُمت المصيبة عليها بقَتْل النّسر ، فكان هذا أولَ ما هاج الحرب بين همذان ومُراد ، حتى حَجر الإسلامُ بينهم ؛ فقال الهمذاني :
وما كان من نَسْرٍ هِجَفّ قتلته ... بوادي حُراض ما تغذ مراد
أرَحْتُهم منه وأطفأت سُنَّة ... فإنْ باعَدُونا فالقلوب بعاد
له كلّ عام من نِساء مخاير ... فتاة أناس كالبنية زادُ
تُزَفّ إليه كالعروس ومالَهُ ... إليها سوى أكل الفتاة معاد
فلما شكته حُرَّة حاشِديَّة أبوها أبي والأم بَعْدَ سُهاد
سددت له قَوْسِي وفي الكفّ أسهم ... مَرَاعِيس حرّات النِّصال حِداد
فأرميه متن تحت الدُّجَى فاختللته ... ودوني عن وَجْه الصَّباح سَوَاد
وأنشأت الفتاة تقول :
جزء اللّه خالي خير الجزا ... بمتركه النَّسر زهفاً صَرِيعا
زُفِفْتُ إليه زفاف العروس ... وكان بمثلي قديماً بلوعا
فيرميه خالي عن رقبة ... بسهم فأنفذ منه الدَّسِيعا
وأضْحت مراد لها مأتم ... على النَّسْرِ تَذْرى عليه الدُّمُوعا
وكما جاء بقاموس العين - (ج 1 / ص 147) يقال القَشْعَمُ : النَّسْرُ المُسِنُّ والرَّخَم والشَّيخُ الكبيرُ فإذا شدَّدت الميم كَسَرتَ القافَ . إذ زعمت ربيعةُ القِشْعَمُّ وتُكنى الحَرْبُ أم قَشْعَم. والضَّبع يُكنى به أيضاً . وجاء في القاموس المحيط - (ج 2 / ص 13) : النَّسْرُ طائرٌ لأنهُ يَنْسُِرُ الشيءَ ، ويَقْتَنِصُهُ جمع أنْسُرٌ ونُسُورٌ ، وصَنَمٌ كان لِذِي الكَلاعِ بأرضِ حِمْيَرَ ، وكَوْكَبانِ الواقِعُ والطائرُ ، ولَحْمَةٌ في باطِنِ الحافِرِ ، أو ما ارْتَفَعَ في باطِنِ حافِرِ الفرسِ من أعْلاَهُ ج نُسُورٌ ، والكَشْطُ ، ونَقْضُ الجُرْحِ ، ونَتْفُ الطائِر اللَّحْمَ ، يَنْسِرُهُ ويَنْسُرُهُ . والمَنْسِرُ ، كمَجْلِسٍ وَمِنْبَرٍ مِنْقارُهُ ، من الخَيْلِ ما بينَ الثلاثينَ إلى الأربَعينَ ، أو من الأربَعينَ إلى الخمسينَ أو إلى الستينَ ، أو من المِئَةِ إلى المِئَتَيْنِ، وقِطْعَةٌ من الجَيْش تَمُرُّ قُدَّامَ الجَيْشِ الكثيرِ . وتَنَسَّرَ الحَبْلُ انْتَقَضَ، الجُرْحُ انْتَشَرتْ مِدَّتُهُ لاِنْتِقاضِهِ ، الثَّوْبُ والقِرْطاسُ ذَهَبا شيئاً بعدَ شيءٍ . وقد كانت بعض قبائل العرب القدامى تعبد وتقدس النسر كإله إلى أن جاء الإسلام وأبطل هذه العادة ، المتمثلة بعادة التطير بالطيور . ودعا الإسلام العظيم لوحدانية الله الخالق سبحانه وتعالى لا إله غيره .
وعود على بدء ، لقد أختار صهاينة فلسطين طائر الهدهد ليكون رمزا لهم في معاملاتهم الرسمية وإصدار الطوابع البريدية والهاتفية والسياحية وغيرها ، وهم بذلك انتقوا رمزا دينيا من القرآن المجيد ليزوروا التاريخ تشبها وتشبيها بنبي الله سليمان الفلسطيني عليه السلام . فقد بعدت خطواتهم وساءت سلوكياتهم فلا هم مؤمنين ولا هم أخذوا من التاريخ إلا القشور ، فطائر الهدهد كان من جند سليمان عليه السلام كان طائرا ذكيا نظيفا يأتمر بأمر سليمان ، ويذكر الله ويسبحه ويحمده مع نبي الله سليمان عليه السلام بصورة دائمة . وأما طائرهم الجديد الذي اختاروه زورا وبهتانا وتزييفا للتاريخ القديم والحديث فلن يجدي نفعا معهم .
ترى لماذا أختار يهود وصهاينة فلسطين طائر الهدهد ليكون رمزا جديدا ؟؟
برأينا هناك العديد من العوامل والأسباب التي جعلتهم ينحون هذا المنحى وهي :
1. الرمزية الدينية السليمانية ( طائر شلومو ) وهم بعيدين عنها قلبا وقالبا ، ومحاولة ربط الحاضر بالماضي ، ربط الوضع اليهود الصهيوني في فلسطين بعد 60 عاما على احتلال فلسطين فيما يسمونها باستقلالهم ، مكرا وخداعا لأنفسهم وغيرهم ، مع الماضي السحيق في زمن حقبة نبي الله سليمان عليه السلام فيما بين 975 قبل الميلاد حتى 935 قبل الميلاد ، عندما كان يتحكم سليمان لمدة أربعين عاما في جنده من الإنس والجن والطيور ويعرف لغة الحيوانات والحشرات والطيور كالهدهد والنمل وغيرها ، إقرأوا إن شتئم سورة النمل في القرآن الحكيم . وهذا التزوير والربط الديني التاريخي الهمجي الاستعلائي مثبت تاريخيا وجغرافيا وقانونيا ببطلان علاقة هؤلاء اليهود الصهاينة ببني سليمان وداود عليهما السلام ، فداود وسليمان نبيان مسلمان فلسطينيان موحدان لله الحميد المجيد عاشا وترعرعا في ارض فلسطين المقدسة ، بعكس هؤلاء اليهود الصهاينة الأنجاس الأرجاس الذين لا يمتون للتوحيد الإلهي بأي صلة من الصلات .
2. إن طائر الهدهد صغير الحجم جميل من الطيور الأنيقة الشكل والمنظر عن بعد . وبالتالي يمكن استخدامه سياحيا ودينيا في الآن ذاته لجلب الأنظار والأبصار للتاريخ اليهودي القومي المزعوم .
3. رمزيه أمنية سياسية : توحي ليهود البلاد أن أيدي اليهود طويلة تصل لخارج فلسطين المحتلة وتعرف عبر الجاسوسية والوشاية الكثير من الأمور .
4. رمزية حربية : تتمثل في قوة سلاح الجو الصهيوني في فلسطين ، فطائر الهدهد سريع الحركة والطيران ، ويستطيع التخفي والتمويه العسكري الجذاب الناجح ويقاوم الأعداء . ويهود فلسطين يفتخرون دوما بتفوق سلاحهم الجوي على العرب .
5. رمزية سكانية : لزيادة التكاثر الطبيعي اليهودي في البلاد . فالطائر ينجب فرخين سنويا ، بينما يهود فلسطين ينجبون شخصيين يهوديين طوال عمر الزوجين بصورة طبيعية . فأرادوا تشجيع ظاهرة التكاثر والإنجاب وعدم الاعتماد على جلب اليهود القادمين الجدد من خارج البلاد باستيرادهم على شكل زرافات وجماعات بجسور جوية وبرية وبحرية متواصلة . ويعرف اليهود أن من صلب الصراع العربي – اليهودي في فلسطين هو الصراع السكاني ( الديموغرافي ) ويطلقون سياسة القنبلة السكانية الموقوتة للفلسطينيين في إشارة للتكاثر الطبيعي الكبير لدى أهل البلاد الأصليين التي تبلغ نسبة 4 % سنويا بينما يبلغ تكاثرهم الطبيعي ما بين 7 ر 1 – 9 ر 1 % فرد سنويا .
6. رمزية إعلامية : تصوير اليهودي الصهيوني في فلسطين بالمسالم ، فرمزهم وشعارهم الهدهد البرئ الجميل المسالم الذي لا يؤذي الناس أو الحيوانات وتصوير النسر الفلسطيني بالطير الجارح الحاد الذي يأكل الحيوانات والبشر . وهذه دعائية إعلامية مستغلة في العالم الأجنبي ، وتصوير الفلسطيني ب ( الإرهابي ) ، وهو في حقيقة الأمر يدافع شرعيا عن نفسه ممن ظلموه من يهود فلسطين الصهاينة واستولوا على أرض وارض آبائه وأجداده .
الهدهد
على العموم ، إن هذا الاختيار اليهودي الصهيوني العصري الجديد محاولة لإقناع يهود فلسطين بروابطهم القومية والتاريخية بأرض فلسطين المباركة ( أرض الميعاد – كما يسمونها زورا وتلفيقا وبهتانا ) ، وإن كان هذا الأمر بسيطا لدى البعض فهو يحمل في مضامينه الكثير من الرموز والمعاني الدينية مستقبلا لدى الطوائف اليهودية في ارض فلسطين المحتلة من بحرها لنهرها .
وأما النسر ، فهو شعار فلسطين ، حيث اتخذته الثورة الفلسطينية سابقا ، والسلطة الوطنية الفلسطينية لاحقا كشعار لها ، حيث يتخذ شعارات للمعاملات والأوراق الرسمية الفلسطينية المدنية والعسكرية ويلبسه العسكر الفلسطيني ويضعوه على نواصيهم في مقدمة القبعة العسكرية التي يرتدونها . ولا ننسى أن النسر شعار تتخذه بعض الدول العربية كمصر في المعاملات والأوراق الرسمية وفي الجيش المصري . وكان شعار النسر أحد شعارات الدولة الأيوبية زمن القائد صلاح الدين الأيوبي في معركة حطين في شمال فلسطين عام 1187 حيث هزم فيها الفرنجة الصليبيين شر هزيمة وقوض أوصال المملكة اللاتينية الصليبية وعاصمتها أورشليم .
فهل يا ترى من الذي سينتصر في فلسطين : الهدهد الصهيوني الجديد المجدد أم النسر الفلسطيني القديم ؟ . من المعروف أن النسر هو أقوى الطيور طيرانا وشكيمة وقوة وحركة ، وبالتالي فهو أقوى الجوارح ، ولكن الأمر الواقع في فلسطين ، يختلف عن حال الهدهد الحقيقي وحال النسر الحقيقي . فالنسر الفلسطيني رغم رمزيته القوية كملك للطيور ، فهو ضعيف جدا حيال قوة وجبروت وطغيان الاحتلال اليهودي – الصهيوني الواقعي لفلسطين إلى أن يغير الله أمرا كان مفعولا في المستقبل . هذا ما تثبته الأيام والسنون القادمة ، وكلها حرب في حرب ، حرب عسكرية وحرب سياسية رمزية وحرب دينية وأيديولوجية ، واقتصادية واجتماعية وثقافية شاملة . والنصر في نهاية المطاف لأهل الأصل والفصل وأهل التقوى والعاقبة للمتقين وليس لمن يزوروا التاريخ المعاصر كما زوروا سابقا الكثير من الأشياء ولكنها لا تعني شيئا لا لهم ولا لغيرهم ، وفي هذه المرة سيفشلون أيضا إن شاء الله . وخبث ومكر هدهدهم الجديد الإفتراضي سيزول بإرادة الله العزيز الحكيم شاء من شاء وأبى من أبى منهم ومن غيرهم . ولو أن الهدهد يتكلم في هذه الأيام كزمن سليمان السابق الخالي ، لرفض أن يتخذه يهود فلسطين الأشقياء غير الأسوياء العلمانيين والملحدين رمزا دنيويا لهم ، فمن عمل جنديا لنبي الله المسلم سليمان بن داود عليهما السلام يرفض أن يستغل بهذه الصورة القبيحة الفجة .
وأخيرا نقول ، إن النسر والهدهد هي طيور ترمز للإسلام العظيم ودين التوحيد وليس لفئة أو طائفة أو جماعة لا دينية مارقة عن الإسلام ، كاليهود الصهاينة الجدد الذين يحتلون أرضا عربية إسلامية هي فلسطين الكبرى ، والدليل التاريخي أكبر دليل وشاهد على ذلك . وسلام على نبي الله سليمان في العالمين ، ولن تفلح أساطير يهود وصهاينة فلسطين في تغيير موقف الإسلام العظيم من هذا النبي الكريم . فلماذا لم يختاروا الغراب أو البوم للذكرى ؟؟! إنهم يخفون ويسرون ما لا يعلنون والله المستعان على ما يصفون . إنه نعم المولى ونعم النصير .
والله ولي التوفيق .
نترككم في أمان الله ورعايته . طبتم وطابت أوقاتكم .
سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة لله وبركاته .
النسر

ليست هناك تعليقات: