السبت، 18 يوليو 2009

نظرة الإسلام لحقوق العمال ( الأجور والإجازات والمعاملة الحسنة )

نظرة الإسلام لحقوق العمال
( الأجور والإجازات والمعاملة الحسنة )

محطات عمالية


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة

أعزائي أطراف الإنتاج : العمال وأصحاب العمل ..

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،
طبتم وطابت إشراقة شمس اليوم ،

نتحدث في محطة اليوم عن ( نظرة الإسلام لحقوق العمال ) في مختلف مواقع العمل كالأجور والإجازات والمعاملة الحسنة .
جاء في صحيح البخاري - (ج 1 / ص 52) عَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ لَقِيتُ أَبَا ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى غُلَامِهِ حُلَّةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ ! فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ ، إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ ، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ ، وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ " .

عالج الدين الإسلامي الحنيف مختلف نواحي الحياة العامة والخاصة ، فهو دين ودولة ، لم يفرط في شيء ، ولم يتجاهل أي شأن من شؤون الحياة اليومية للكائنات البشرية . ونظم العلاقة بين العامل وصاحب العمل منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان حيث وضع الأحكام والقواعد الثابتة وضبطها في إطارها الصحيح .
وتنقسم هذه الأسس إلى وجهين : نظري وعملي ، وأمر الله عز وجل بالعدل والإحسان في كتابه العزيز ( القرآن الكريم ) وتكفل النظام الاقتصادي الإسلامي المتميز باحترام الكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية .
والمعاملات في الإسلام تقوم على أساس استقلا الإرادة وحرية التعاقد ، فالمسلمون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما .
وتستند أيضا إلى المسؤولية المدنية عن الإخلال بالواجب القانوني لأنه كما جاء في موطأ مالك - (ج 5 / ص 37) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ " . وفي الوقت الراهن هناك العديد من أصحاب العمل الذين يتذرعون بأن قانون العمل الحالي النافذ المفعول في فلسطين هو قانون وضعي وهم غير ملزمين بتنفيذه . وهذا ما أكده العديد من العمال عندما نشبت نزاعات بينهم وبين بعض أصحاب العمل غير الواعين لواجباتهم تجاه العامل حيث يردد البعض أن الإسلام لا يقر الإجازات السنوية أو المرضية أو مكافأة نهاية الخدمة . وهذا الأمر مغلوط وساذج للوهلة الأولى ، إذ أن الإسلام السمح نظم العلاقة بين العامل وصاحب العمل على أكمل وجه . ويتبين هذا في قول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم مخاطبا أصحاب العمل " إخوانكم خولكم ( أي عهدتكم ) جعلهم الله قنية ( أي مما يكتسب به ) تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده ، فليطعمه مما يطعم ، ويلبسه مما يلبس ، ولا يكلفه من العمل ما لا يطيق ، فإن كلفه فليعنه " .
وهكذا أكد الإسلام الحنيف على أن العامل عهدة وأمانة في عنق صاحب العمل مسؤول عنه ويترتب على هذه المسؤولية أوامر يتوجب عليه تنفيذها .
وكذلك قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم : " كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ، .. والخادم راع في مال سيده ، وهو مسؤول عن رعيته " . ومعنى الخادم هنا العامل والخدمة معناها العمل ، ومنه اشتقت كلمة نظام الخدمة المدنية .
علاوة على ذلك ، قال رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم : " إن الله سائل كل راع عما استرعاه ، حفظ أم ضيع " . وهذا تنويه وتأكيد على مسائلة طرفي العمل : العمال وأصحاب العمل . مسائلة العامل عما استرعاه صاحب العمل وائتمنه عليه ، ومسائلة صاحب العمل عما ائتمنه الله عز وجل من العمال ، ما لهم من حقوق توفر لهم الطعام كطعام أصحاب العمل والملبس كلبس أصحاب العمل .
وبناء عليه ، فإن الإسلام أوجد المعنى التعبدي لعلاقة العامل مع صاحب العمل كواقع أخوي يفرض على صاحب العمل اتباع مبدأ التكافل الاجتماعي تجاه عماله ، ويلزم العمال على اعتبار العمل أمانة ومسؤولية أدبية وأخلاقية يتوجب عليهم أداؤها على أحسن حال .
على أية حال ، لقد أصدرت النقابة الإسلامية لعمال الخدمات العامة والمؤسسات الإنتاجية في الضفة الغربية التي تتخذ من مدينة رام الله مركزا رئيسيا لها ، بيانا سابقا بينت فيه أن الإسلام لا يرفض أي أمر جاءت به القوانين الوضعية ولا يتعارض مع أحكام الإسلام ، واعتبرت إجازات العمال ومكافآتهم أجرا مؤجلا إضافة إلى أجرهم المعجل أو المقدم ( مدفوع بعد العمل مباشرة ) كون الإجازة أو العمل هي اتفاق على بيع المنافع ويجوز فيها ما لا يجوز في البيع من ثمن آجل أو عاجل أو كليهما ، وأكدت النقابة الإسلامية أن هذه الحقوق تتمثل بما يلي :
أولا : الإجازات السنوية : ويمكن رد أصلها للحديث النبوي الشريف في التكافل الذي يدعو صاحب العمل لتوفير المطعم والملبس للعامل ولو كان في إجازة لأن هذه الإجازة وكما يرى أهل العلم الدنيوي ضرورية للعامل لراحته وديمومته على العطاء والبناء ، وأكد الحديث النبوي كما جاء في صحيح مسلم - (ج 12 / ص 54) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ قَالَ فَخَرَجَ شِيصًا فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ مَا لِنَخْلِكُمْ قَالُوا قُلْتَ كَذَا وَكَذَا قَالَ : " أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ " .
ثانيا : الإجازة المرضية : وهي من باب التكافل ومن باب المسؤولية المدنية .
ثالثا : مكافأة نهاية الخدمة : وهي من باب الأجر المؤجل وهي بقيمة أجر شهر عن كل سنة عمل .
رابعا : بدل إشعار العمل : وأصل ذلك أن المسلمين عند شروطهم ، وأن عليهم أن ينفذوا ما اتفقوا عليه ، فإذا كان عقد العمل بين العامل وصاحب العمل شهري ، فلا بد من أن يشعر العامل صاحب العمل أو العكس عند رغبة أحدهما إنهاء العقد قبل شهر ليتمكن كل منهما من تسيير أموره لأن العامل عهدة وأمانة عند صاحب العمل عليه الحفاظ على هذه الأمانة وإعطائه الفرصة لإيجاد فرصة عمل جديدة . وكذلك بالنسبة للعامل لأن العمل ومال صاحب العمل أمانة ومسؤولية عليه المحافظة عليها حتى يتمكن صاحب العمل من البحث عن عامل جديد لتشغيل مشروعه . وهذا ما يسمى بمبدأ سد الذرائع لأنه لا ضرر ولا ضرار لكلا الطرفين .
وإلى هنا تنتهي هذه الحلقة من محطات عمالية . إلى اللقاء في محطة عمالية تالية . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: