الخميس، 30 يوليو 2009

كواكب الخريجين الجامعيين في فلسطين .. فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ

كواكب الخريجين الجامعيين في فلسطين
فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ..

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (36) وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ لَهُمْ جَزَاءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آَمِنُونَ (37) وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آَيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39) }( القرآن المجيد ، سبأ ) .

كل من يزرع يحصد ، فمن يزرع العنب لا يجني إلا عنبا ، بقطوف دانية ، فمن يزرع خيرا يجني أعمالا صالحة ، ومواقف طيبة ، ومن يزرع شوكا لا يجني عنبا ، في حركة حياتية دائبة الحيوية والنماء والإنتاج . والجامعات المحلية وكليات المجتمع والمعاهد العليا في فلسطين تستقبل فصليا وسنويا عشرات آلاف الطلبة الجدد ، وقبل هذا الاستقبال والاستيعاب الأكاديمي في المجالات العلمية والإنسانية تكون قد خرجت أو صدرت للسوق المحلية الفلسطينية أو السوق العربية أو العالمية كواكب جامعية في شتى التخصصات والمجالات ، وكل في فلك يسبحون .
وتتناثر شهادات الخريجين الجامعيين من مؤسسات التعليم العالي العامة والأهلية والحكومية ، واستلم أو سيستلم كل خريج كتابه بيمينه ، لعل وعسى أن يجد فرصة عمل سانحة ، تكون مهنة المستقبل ومكان العمل اليومي ، ليتقاضى أجرة يومية أو شهرية مؤقتة أو دائمة حسب طبيعة العمل والاستيعاب السوقي لهذه الكواكب المتخرجة سواء فرادى أو جماعات .
وتتوزع أعداد الخريجين الجامعيين في فلسطين على مختلف التخصصات العلمية كالطب العام والأسنان والبيطري والصيدلة والهندسة المتعددة الفروع والعلوم والبصريات والتمريض والحاسوب وتكنولوجيا المعلومات وغيرها ، بينما تتركز تخصصات الخريجين في العلوم الإنسانية والاجتماعية في اللغات : العربية والإنجليزية والفرنسية ، والاقتصاد والعلوم الإدارية ، والشريعة الإسلامية ، والتاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع والتربية ، وعلم الاجتماع وعلم النفس ، وأساليب التدريس وسواها ، ولا ننسى مهن المتاعب وهي الإعلام والصحافة والمحاماة وغيرها . ويمكن التنويه إلى أن أكثر التخصصات ندرة ويمكن أن يعمل خريجوها بسرعة هي التخصصات التكنولوجية والرياضيات والفيزياء والعلوم الاقتصادية والمالية والمصرفية بسبب التطور الأفقي والعمودي المتزايد في قطاع المؤسسات المالية والمصارف الربوية والإسلامية على السواء .
وغني عن القول ، إن لكل مجتهد وخريج نصيب ، ولا يعلم برزق الإنسان إلا ربه الذي خلقه فأحسن صورته ، وقدر عليه رزقه . والإنسان بدوره ينبغي أن يكد ويتعب في سبيل تحصيل قوته وقوت عياله ، من خبايا الأرض ، فمن مستقل من المال أو مستكثر منه ، في هذا المصنع أو تلك المؤسسة أو هذه المنشأة . وتتصارع وتتنافس الشهادات العلمية ، ويصطف الخريجون في طوابير لتقديم طلبات العمل والاستخدام في القطاع الحكومي ، باعتباره المشغل الأول في فلسطين ، ثم القطاع الخاص الأهلي المشغل الثاني في البلاد . يقول الله الرزاق ذو القوة المتين جل جلاله : { هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15)}( القرآن المجيد ، الملك ) .
ويبقى الخريج الجامعي ، تتصارع في داخله الهواجس والأماني والتطلعات لحصد وظيفة معينة أو اقتناص فرصة عمل جديدة ، قد تكون مؤقتة أو دائمة ، وبينهما فترة تجربة تمتد ما بين ثلاثة شهور وسنة شمسية ، حسب طبيعة العمل والاختبار العملي لهذا الخريج أو تلك الخريجة .
وكما هو معلوم ، فإن الخريجات الجامعيات في فلسطين ، هن الأكثر عددا ، وهن الأكثر تفوقا في الجامعات الفلسطينية ، فهن يشكلن أكثر من نصف عدد المتخرجين سنويا ، الذين يقدر عددهم بأكثر من 30 ألف خريج ، يتوزعن على شتى التخصصات المهنية والعلمية والإنسانية . وفي سوق العمل ، على أرض الواقع يتم تفضيل الخريجين الذكور على الإناث في الكثير من المهن الوظيفية ، العلمية والإنسانية ، لعدة أسباب لعل من أهمها الآتي :
أولا : طبيعة الإنسان : فالكثير من المهن لا تناسب الفتيات الخريجات ، بينما يقوم الشباب بهذه الأعمال على قدم وساق ، يسابقون الريح والتيارات العملية والعلمية في شتى ميادين الحياة .
ثانيا : تفضل الكثير من المؤسسات للخريجين الذكور على الإناث ، حيث تنظر هذه المؤسسات للفتيات بأنهن سيتزوجن ويتركن العمل ، إن عاجلا أو آجلا ، وتظن هذه المؤسسات أنها تتعب في تأهيل وتدريب الذكور لتجني عملا متقنا أكثر استمرارية بينما عندما تدرب وتأهيل الفتيات الخريجات فإنهن سرعان من يتركن العمل في اقرب فرصة خطوبة أو زواج لتأسيس بيت الزوجية الذي تشكل فيه الفتاة حجر الزاوية في المجتمع .
ثالثا : الإدعاء بأن الفتيات العاملات يحتجن لإجازات أمومة وطفولة بالإضافة إلى الإجازات السنوية والمرضية والطارئة ، والزعم بأن هذا يؤثر سلبيا على سير العمل اليومي والشهري والسنوي بصورة عامة .
رابعا : الإنتاجية : فيظن البعض أن إنتاجية الخريج الذكر أكثر من إنتاجية الفتاة الخريجة ، وهي نظرة سلبية تجاه المرأة عموما ولا تكون بالضرورة صيحة .
خامسا : الحرية في العمل : يعتقد الكثير أن مكان المرأة هو البيت وليس العمل ، علما بأن الإسلام كفل لها العمل وفق ضوابط ومعايير أخلاقية وإنسانية واجتماعية لائقة وليس كما هو متداول في سوق العمل المحلية من استغلال للمرأة في النظامين الرأسمالي والشيوعي ، وبالتالي هناك تفضيل لاستخدام الخريجين الذكور على الفتيات الخريجات كون الشباب يمكنهم الصمود أكثر لساعات عمل أطول ، وبإمكانهم التأخر في العمل وقت الحاجة بينما لا تتيح ساعات العمل المسائية أو الطارئة للفتيات هذا الأمر حيث يفضلن الالتزام بساعات العمل اليومية بعيدا عن ضغط العمل .
سادسا : تبين من العديد من الدراسات أن المؤسسات والمنشآت والمصانع النسوية هي الأكثر قمعا للمرأة العاملة .
وعلى النقيض من ذلك ، هناك بعض المؤسسات المحلية ، وخاصة في القطاع الأهلي الخاص ، تفضل توظيف الفتيات الخريجات لعدة أسباب لعل من أبرزها :
أولا : طبيعة العمل : فمثلا يعتقد البعض أن الخريجات الجامعيات هن الأفضل لمهنة السكرتاريا ، ومساعدة الإدارة العليا في الشركة أو المؤسسة .
ثانيا : قلة الأجرة المدفوعة للفتاة الخريجة : فتظهر في القطاع الخاص مسألة التباين في الأجور بين الفتيات والشباب من الخريجين الجامعيين ، فتدفع هذه المؤسسات والشركات أجورا أعلى للذكور في نفس المهنة والتخصص ذاته مع اضطرار الخريجات لقبول ذلك ولو على مضض .
ثالثا : الفتيات الجامعيات المتخرجات حديثا أكثر إنتاجية في مجال عملهن من الذكور ، حيث يخفن على وظائفهن فيخلصن في العمل أكثر من الذكور لصعوبة البحث عن وظيفة أخرى .
رابعا : التجديد في العاملين : فالخريجات عندما يخطبن أو يتزوجن يتركن العمل في معظم الأحيان في القطاع الخاص ، وهذه ميزة من ميزات تشغيل الخريجات ، فيلجأ أصحاب العمل لاستقدام مستخدمين جدد ، مما يتيح لهم تدوير العمل وعدم الإلتزام بحقوق هؤلاء المستخدمين لفترات طويلة .
خامسا : الفتيات أكثر أمانا على أسرار العمل ، فالفتاة أو المرأة لا تتدخل بشؤون العمل كالذكور في غالب الأحيان .

وعلى أي حال ، فأن مسألة التشغيل ، والتفضيل بين الخريجين والخريجات ، تبقى قضية محورية وشخصية ، لدى أصحاب العمل والعاملين ، وكل يحاول أن يكيف ذاته مع الآخرين ، لينال المنافع المادية والمعنوية والمركز الاجتماعي في المجتمع . فالخريجون الذكور يسارعون للبحث عن أكثر من وظيفة ، وإنتقاء وظيفة من بين وظائف متعددة ، فيلجأون لشتى الطرق في سبيل اقتناص فرصة عمل مناسبة ومجزية ، تمهيدا لتأسيس بيت الزوجية القادم ، وبناء أو شراء شقة ، واقتناء سيارة خاصة ، والإنفاق على الأهل لسد جزء من المعروف المالي والتربوي الذي أسدوه لأبنائهم وهم على مقاعد الحياة الجامعية ، وكذلك تحقيق الرغبات والمستلزمات الرئيسية والكمالية في الحياة على السواء . وقد تكون الفتيات الخريجات أكثر حاجة من الخريجين الذكور لأسباب شتى ، وفي مقدمتها الحصول على مبالغ مالية للإنفاق على النفس والأهل و متابعة الدراسات العليا وغيرها .
وعلى كل الأحوال ، فإن الله حرم النقيضين الإسراف والبخل ، ليعيش المجتمع الإسلامي حياة هادئة وهانئة بعيدة عن الضيق والضنك في الوقت ذاته ، يقول الله الحميد المجيد سبحانه وتعالى : { وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا (29) إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (30) وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا (31)}( القرآن المجيد ، الإسراء ) .
وهناك فئة لا باس بها من فئات كواكب الخريجين الجامعيين ، تواصل مسيرتها الجامعية والانتقال لمرحلة الدراسات العليا مباشرة دون توقف ، وهذه الفئة تكون أكثر حظا وميسورة من النواحي المالية ، ولديها نفس طويل في مواصلة التعليم العالي بمرحلته المتقدمة .

وأخيرا ، نقول لجميع الخريجين في فلسطين والعالم ، الذين انضموا لسوق العمل بصورة جدية وجديدة وقديمة على السواء ، تذكروا قول الله الغني الحميد تبارك وتعالى : { وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (16) إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقًا فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (17) وَإِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (19) قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآَخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}( القرآن المجيد ، العنكبوت ) .
فقد خلق الله الإنسان لعبادته ، وليس للتفاخر بين الناس في الأموال والأنفس والثمرات ، يقول الله مالك الملك ذو الجلال والإكرام عز وجل : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60) }( القرآن المجيد ، الذاريات ) .
وكلمة لا بد منها ، وهي أنه ينبغي على الخريج أن لا ينتظر العمل في مجال تخصصه الذي مكث عدة سنوات بدراسته ، في مقاعد الحرم الجامعي المحلي الفلسطيني أو العربي أو الأجنبي ، مباشرة بل يمكن أن يلجا مضطرا مقتنعا أو عن طيب خاطر للعمل في مجال تخصص آخر ، بلا شهادة التخرج ، وهو عين العقل ، فلا بد للإنسان أن يطرق جميع أبواب العمل المشروعة المتاحة لحين توفر فرصة عمل مناسبة للتخصص المنشود .
وهناك فئة بائسة تبقى تنتظر العمل في مجال تخصصها فقط ، وهي نظرة عبثية ، لا بد من تغييرها ، وينبغي الإسراع في سلك سلوك العمل في تخصصات أخرى ، ريثما تتوفر فرصة عمل مناسبة ، بتوفيق من الله العزيز الرحيم .
وهناك بعض المؤسسات الأهلية والحكومية تعلن عن وظائف شاغرة ، وفق شروط وتخصصات محددة فلا بد من متابعة هذه الإعلانات التشغيلية الموسمية والفصلية والسنوية ، وخاصة في فصل الصيف ، وتقديم الطلبات والتدرب على الامتحانات التحريرية والشفوية ، متسلحين بالشهادات الجامعية ، والدورات التأهيلية التدريبية المرافقة .
آملين عملا مهنيا وعلميا وعمليا موفقا ، لجميع الخريجين الجامعيين في فلسطين ( الأرض المقدسة ) وسائر بلاد المسلمين والعالم وأن يجنبهم البطالة ووحشيتها المقيتة ولكن لا بد من السعي في طلب الرزق من الله العلي العظيم سبحانه وتعالى ، والأخذ بالأسباب وعدم انتظار أن تأتي الإنسان فرصة العمل تدق عليه بابه .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: