الخميس، 11 يونيو 2009

رسالة مفتوحة إلى اللجنة المركزية لحركة فتح

بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة مفتوحة إلى اللجنة المركزية لحركة فتح

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
جامعة فلسطين التقنية / طولكرم

الإخوة الكرام / أعضاء اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) المحترمون

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، أما بعد ،

الموضوع : المؤتمر السادس المنتظر لحركة فتح

يقول الله الحي القيوم تبارك وتعالى : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (1) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا (2) وَيَنْصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا (3) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (4) لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (5) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (6) وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (7) إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (9) }( القرآن الحكيم ، الفتح ) .

أبعث لكم بتحيات طيبة مباركة من قلب فلسطين العربية المسلمة ، فلسطين أرض الجهاد والإسلام والسلام ، والصبر والمصابرة والمرابطة في أرض الرباط ، في بيت المقدس أكناف المسجد الأقصى المبارك بالأرض المقدسة . كما تعلمون ، كان آخر مؤتمر عام عقد لحركة فتح في العاصمة التونسية ، تونس ، عام 1989 ، إبان انتفاضة فلسطين الكبرى الأولى الباسلة . ومنذ ذلك التاريخ بعدة سنوات وحركة فتح تسعى لعقد المؤتمر العام السادس في أي مكان وزمان في العالم ، ولكن كل هذه المساعي الحثيثة فشلت حتى الآن في التوافق القيادي على مكان وزمان إنعقاد هذا المؤتمر التنظيمي العام الجديد والعتيد . وتتصارع في هذا المجال ، عدة تيارات من الحرس القديم والقيادة الشابة ، في التمثيل الجغرافي والتنظيمي والسياسي والأكاديمي والمهني والعمالي والاقتصادي والاجتماعي والفكري والنسوي والجامعي والشبيبة ، للحصول على عضوية في هذا المؤتمر ، وكأنه سيحرر فلسطين من بحرها لنهرها ، وهذا التنافس يبدو للوهلة الأولى أنه صراع داخلي بحت ، ولكنه في الحقيقة غير ذلك ، فهناك سياستان متوازيتان متناقضتان وفق إملاءات وتجاذبات سياسية وضغوط متماثلة ومتناقضة ، فلسطينية وعربية وإسلامية وإقليمية وعالمية تخوضان هذا السجال والجدال الكلامي والإعلامي والسياسي بشكل مباشر أو مبطن . فحركة فتح لم تعد كما نشأت عام 1965 وانتفضت وجاهدت في معركة العز والكرامة عام 1968 وأسست السلطة الوطنية الفلسطينية ، نواة دولة فلسطين ، عام 1994 ، وأصحاب المنافع والمصالح يدقون على وتر التاريخية والتعددية والمصلحة الفلسطينية العليا ، مستثنين القيادات الميدانية الشابة الدينية والأكاديمية والمهنية والنسوية ، وكأن الوضع الفتحاوي الداخلي أنجز عملية الحرية والتحرير والاستقلال إلى غير رجعة . واختلفت الرؤى حول عدد أعضاء المؤتمر العام السادس ، وحول مكان وزمان الانعقاد ، هل هو بفلسطين أم خارجها ؟ علما بأن الأردن ومصر رفضتا عقد هذا المؤتمر فوق أراضيها لأسباب ذاتية تخصها وهي حرة في ذلك . وجرى التجاذب والشد حول عدد المشاركين في المؤتمر ، وكل قيادي يخالف الآخر ، لعدة أسباب وعوامل وضغوط داخلية وإقليمية وخارجية ، ولم يتم التوافق والاتفاق الداخلي على العدد النهائي رغم مراوحته بحدود 1550 عضوا . وهذه هي المرة الأولى التي تعجز حركة فتح عن تقرير مصيرها بنفسها ، رغما أنها كانت المبادرة والسباقة ، في شتى الميادين الجهادية : العسكرية والسياسية والفكرية والاقتصادية والحضارية العامة والخاصة ، مما عكس نفسه سلبا على مجمل الوضع الفلسطيني العام ، الفصائلي والتنظيمي الداخلي والعلاقات العربية والأجنبية مع منظمة التحرير الفلسطينية أولا وحركة فتح ثانيا والسلطة الوطنية الفلسطينية ثالثا وما بين أعضاء الحركة ذاتها رابعا . وفي ظل هذه التجاذبات والمشادات والتطلعات والأماني المتعددة المشارب والأهواء ، تبرز ظواهر المصالح السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، والحصول على المناصب والمراكز الرفيعة غير الغليظة ناهيك عن الانتفاع بالماركات التجارية من الداخل والخارج ، وما يسمى بالتنشيط الاقتصادي فبدت الساحة وأنها ساحة جمع الغنائم ، ونسي أو تناسى البعض أن حركة فتح الثورية المجاهدة وجدت لمقاومة الاحتلال الصهيوني البغيض ، وتحرير فلسطين ، فلم تحرر فلسطين ، واتجهت يسارا بدل اتجاهها يمينا باتجاه التحرير الوطني ، وتحالفت مع الرموز الأمريكية الظاهرية والباطنية ، كالطريق الثالث وسواها ، من الحركات الهامشية ، وأخذت تصارع على الكراسي الوزارية والتمثيلية الباهتة الوهمية ، في السلطة الفلسطينية الفتية ، وهو الأمر الذي أفقدها سطوتها وجماهيرتها وشعبيتها وحب السواد الأعظم من الشعب لها ، كما أثبت ذلك الانتخابات التشريعية الفلسطينية المحلية الثانية في الدورة الثانية في فلسطين الصغرى لا الكبرى ، في الضفة الغربية وقطاع غزة ، في 25 كانون الثاني – يناير 2006 ، فحازت حركة فتح على 45 مقعدا من أصل 132 مقعدا من المجلس التشريعي الفلسطيني ، بينما فازت منافستها حركة حماس على 74 مقعدا وتأييدها من أربعة مستقلين أيضا .
وفي هذا المجال لا بد من كلمة سواء ، أمام الجميع ، وهي على النحو الآتي : أولا : العودة والرجوع لمنابع ومنابت وأصول حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح بعيدا عن الاستزلام والشللية والفئوية ، والتركيز على الدين والمتدينين ، فالإسلام هو الركيزة الأساسية في الحرية والتحرير .
ثانيا : الاهتمام بالجيل الفلسطيني من الأطفال والشباب من الذكور والإناث ، فهم جيل النصر وجيل المستقبل الواعد لتحقيق النصر .
ثالثا : تغليب المصلحة الوطنية الفلسطينية العليا على المصالح الشخصية والفئوية ، وإنهاء الفتنة المستشرية والانقسام الداخلي بين الداخل والخارج ، وبين القيادة التاريخية والقيادة الشابة وترك المحاور .
رابعا : من الضروري تركيز الاهتمام بأوضاع حركة فتح في فلسطين . فهي ساحة الصراع الرئيسية مع الأعداء ، ولهذا لا بد من انتخاب قيادة جديدة للجنة المركزية تضم أعضاء فاعلين في الحركة ، بعيدا عن العائلية والوجاهة الاقتصادية ، واستبعاد أصحاب الملايين من قيادة الحركة بالتدريج .
خامسا : منح القيادة الميدانية في حركة فتح ، حرية الحركة التنظيمية لكافة القطاعات والشرائح الاجتماعية . والابتعاد عن العلنية الزائفة في العمل الوطني لتنقية القمح من الزوان والغث من السمين .
سادسا : ضرورة أن يكون رئيس حركة فتح أو أمين سرها الأول خارج فلسطين في ظل عدم الاستقلال الحالي ، لأسباب يمكن وصفها بتعددية الخيارات وفي مقدمتها الخيارات الإستراتيجية والتكتيكية : الحرب الموعودة والسلام المفقود .
سابعا : الفصل بين المسؤوليات الكبرى الثلاث : رئاسة منظمة التحرير الفلسطينية ، وأمانة سر الحركة ، ورئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية ، لأن مركزة هذه الصلاحيات في شخصية واحدة أضرت بالحركة بصورة كبيرة ، والأمر بحاجة للتفرغ والتفريغ ، والتعددية الفتحاوية مطلب حيوي لا بد منه .
ثامنا : إعادة الهيبة الطبيعية والإنسانية ، لحركة فتح رسميا وشعبيا وجماهيريا في المجالات والأصعدة السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية والإعلامية وسواها .
تاسعا : إعادة تنظيم وتقييم العلاقات مع الحركات والفصائل الفلسطينية الساعية لتحرير فلسطين ، بصورة حقيقية من القوى الوطنية والإسلامية ، وبناء علاقات وحدة وطنية شاملة ، والترفع عن الردح الإعلامي والترفع عن السفاهات والاستخفاف بالآخرين .
عاشرا : إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية بمشاركة حركات وفصائل فعالة وفاعلة ، مثل حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي ، مع عدم تهميش فصائل الأقليات العددية والفعالية ولكن ينبغي العمل وفق مبدأ ليأخذ كل ذي حق حقه .
حادي عشر : تحديد مكان وزمان عقد المؤتمر العام لحركة فتح ، بالتوافق والاتفاق والتراضي ، وضرورة مشاركة جميع الممثلين من الداخل والخارج ، مع التركيز على عقد هذا المؤتمر في فلسطين والخارج في الآن ذاته عبر نظام الفيديو كونفرنس ، فعقده في فلسطين بشكل فرعي بمشاركة داخلية أجدى وأفضل من جميع النواحي والاعتبارات ولكن يفضل عقده في الوقت الراهن خارج البلاد بشكل رئيسي مع ضمان حق العضوية الفاعلة في الضفة الغربية وقطاع غزة .
ثاني عشر : انتخاب لجنة مركزية قوية ، وفق توزيع اجتماعي ومهني وسياسي وعسكري وإعلامي ويكون للأسرى نصيب في عضوية اللجنة المركزية للحركة ، كل في مجاله ، وتكون هذه اللجنة المركزية غير مترهلة ، كما هو الآن ، فليتحمل كل واحد من هؤلاء الأعضاء مسؤولية الفشل السابق ، ويتيح المجال لغيره للعمل لا أن يقف سدا أمام غيره . ولا بد من انتخاب مجلس ثوري جديد أيضا يجمع بين الداخل والخارج بعيدا عن المناكفات والمهاترات من هنا وهناك .
ثالث عشر : تعزيز نهج التعددية الفكرية والسياسية والديموقراطية لجميع الفلسطينيين ، والابتعاد عن الاعتقال السياسي والإقصاء الوظيفي لأن حركة فتح أكبر من ذلك ، وهي حركة جميع الفلسطينيين .
رابع عشر : الابتعاد عن التعددية الفردية في المسؤوليات والواجبات ، وعدم تكريس الاستفراد في عضوية المؤسسات واللجان الفتحاوية ، لأن ذلك أضعف الحركة ، وجعلها تتمحور في أيدي نفر قليل ، وهذا يقلل من جاهزيتها العامة .
خامس عشر : يفترض الاستفادة من تجربة الانتخابات التمهيدية ( البرايمرز ) عام 2005 وأخذ العبر والعظات الأصيلة والحقيقية . وعدم تكرار المآسي والاستفراد ولم الناس بلا رادع أمني أو أخلاقي أو تنظيمي .
سادس عشر : إلغاء المقرات العلنية والعضوية المكشوفة في الحركة ، المنتشرة في مختلف المدن الفلسطينية . فهذه التعبئة التنظيمية غير المحسوبة أتت على جزء كبير من رصيد الحركة الفعال في الساحة ، وسببت اليأس والإحباط لدى الكثيرين من أبناء الحركة ، إذ اختلط الحابل بالنابل .
سابع عشر : إعادة تشكيل الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ، ومن الخارج بقيادة حركة فتح لتكون حكومة فلسطينية موسعة وشاملة مؤقتة لحين إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية عام 2010 بتوافق الحوار الوطني الفلسطيني الشامل ، يستظل الجميع في ظلها .
ثامن عشر : العمل الواعي لتحاشي الاختراق الأمني في عضوية أقاليم الحركة ، الأمر الذي نفر الكثيرين من الأعضاء الملتزمين بسبب وجود أعضاء جدد مسجلين بالحركة من المنتفعين والمتزلفين والمرتزقة وسيرتهم الذاتية غير سوية .
تاسع عشر : تقديم الأعضاء الملتزمين في الصدارة وتحجيم المنتفعين ، الذين هرولوا للالتحاق بالحركة بعدما أصبحت علنية ، والحفاظ على حقوق أعضاء الحركة الذين ضحوا من أجل فلسطين عبر انتمائهم للحركة . وأن تكون عملية التفضيل على أساس العمل والعطاء لا على أساس الولاء الشخصي لهذا الشخص القيادي أو ذاك .
عشرون : لا تنسوا عائلات الشهداء ، فالشهداء هم الأكرم منا جميعا بحق وحقيق ، وتابعوا شؤون الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال الصهيوني ، والمزيد من الاهتمام بالجرحى في فلسطين وخارجها .
وغني عن القول ، إن إعادة ترتيب الأوضاع الداخلية لحركة فتح ، سيلقي بظلاله الايجابية أو السلبية على مجمل الأوضاع الفلسطينية العامة في البلاد وخارجها ، ولهذا لا بد من الإسراع في لم الشمل الفتحاوي الداخلي تمهيدا لراب الصدع والإنقسام على الصعيد الفلسطيني الداخلي ، والخروج من الحوار الوطني الفلسطيني باتفاق ضمن سياسة الحد الأدنى الفلسطينية العامة ، والتركيز على الصراع مع الأعداء ، وفتح صفحة جديدة مع جميع الحركات والفصائل الإسلامية والوطنية الحقيقية .
وإعلموا أنكم أمام مرحلة مصيرية وخطيرة في حياة الشعب الفلسطيني المظلوم من المحتلين ، فسارعوا إلى وأد الفتنة بفلسطين ، فكونوا على قدر المسؤولية ، والمواجهة الذاتية والحركية والعامة ، أمام الله ثم أمام أنفسكم وأمام الشعب والتاريخ والوطن الفلسطيني المقدس . وكونوا من المتقين والمحسنين الأبرار والأخيار لربكم العظيم ثم لشعبكم المجاهد ، في الأرض الكنعانية العربية الإسلامية المقدسة ، وأمتكم العربية المسلمة المجيدة . ومؤتمرا فتحاويا قريبا موفقا ، يعيد الحق إلى نصابه ، بإذن الله العزيز الحكيم . ويعيد ويزيد لحركة فتح شعبيتها الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية .
آملين وراجين لكم من الله كل التوفيق والسداد في خدمة شعبكم الفلسطيني المجاهد بكل السبل لنيل الحرية والاستقلال الوطني العام ، في دولة فلسطين العتيدة المنتظرة . وتحقيق النصر المبين والانتصار العظيم على المستعمرين المحتلين ليأخذ أهل فلسطين الأصليين حقوقهم كاملة غير منقوصة .
وكما يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا (3) }( القرآن المجيد ، النصر ) .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
نابلس : تحريرا في يوم الخميس 11 حزيران 2009 / 18 جمادي ثاني 1430 هـ

ليست هناك تعليقات: