الجمعة، 5 يونيو 2009

قراءة في خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في القاهرة 4 حزيران 2009


قراءة في خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما
في القاهرة4 حزيران 2009

د. كمال إبراهيم علاونه
الرئيس التنفيذي – شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة

تمهيد

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ (204) وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ (205) وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (206) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (207) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210) سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمْ آَتَيْنَاهُمْ مِنْ آَيَةٍ بَيِّنَةٍ وَمَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (211) زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212) كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) }( القرآن المجيد ، البقرة ) .
حل الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما ، ذي الأصول الإفريقيه لوالده الكيني ، وهو الرئيس المنتمي للحزب الديموقراطي الأمريكي ، الذي تبوأ سدة الرئاسة الأمريكية رسميا في 20 كانون الثاني 2009 ، ضيفا رسميا على الجامع الأزهر وجامعة القاهرة ، وسط استقبال رسمي حاشد ، وإجراءات أمنية مشددة وذلك يوم الخميس 4 حزيران 2009 . فكان أوباما خفيف الظل وثقيل الظل في الآن ذاته ، خفيف الظل على المستقبلين الرسميين وثقيل الظل على مئات آلاف المواطنين الذين منعوا الصلاة في مساجدهم ، وحرموا من فتح محلاتهم التجارية ، أو التنقل بين الشوارع القريبة من أمكنة الزيارة الرسمية والسياحية ، فطردتهم قوى الأمن المصرية وفرضت حصارا مشددا لحماية الضيف الرسمي الأمريكي ، رئيس أقوى دولة في العالم .

أساسيات خطاب أوباما

ألقى الرئيس الأمريكي أوباما خطابا طويلا موجها للأمة الإسلامية تطرق فيه لعدة قضايا أساسية تشغل بال الأمريكيين والعالم أجمع وهي : بداية جديدة ، والإسلام جزء من قصة أمريكا ، وتحديات مشتركة ، ومواجهة التطرف ( المقاومة ضد الاحتلال الأمريكي في أفغانستان وباكستان ) ، والإنسحاب من العراق ، والصراع الفلسطيني – الإسرائيلي ، والانتشار النووي ، والديموقراطية ومصالح الشعوب ، والحرية الدينية وحقوق المرأة ، والتنمية الاقتصادية ، والتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي . وقد أعلن امتنانه لحسن الضيافة العربية المصرية ، الرسمية من الرئاسة والحكومة المصرية والشعبية من جامعة القاهرة والجامع الأزهر ، كونهما مؤسسات تبنيان على أساس التقدم ، ناقلا تحية السلام من المجتمع المحلي المسلم في الولايات المتحدة لجميع المسلمين في العالم . ولفت الرئيس الأمريكي أوباما الأنظار إلى التوتر التاريخي المتجذر بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي ، بين التعاون والتعايش والحروب والصراعات الدينية بفعل الاستعمار والحرب الباردة ، وتطرق بسرعة لأحداث 11 أيلول 2001 وهجوم تنظيم القاعدة على برجي التجارة العالميين في نيويورك دون أن يسمى القاعدة بالاسم بل وصفها بالمتطرفين . وأكد الرئيس الأمريكي أوباما على نيته الشروع ب ( بداية جديدة ) مع الأمة المسلمة في العالم ، تقوم على الثقة والمصالح المشتركة والاحترام المتبادل وعدم التعارض والتنافس بين أمريكا والإسلام واللقاء على ( مبادئ العدالة والتقدم والتسامح وكرامة كل إنسان ) والاستماع والتعلم المتبادل بين الجانبين على حد زعمه ، واستشهد بآية قرآنية : { اتقوا الله وقولوا قولا سديدا } منوها إلى أن القوى الرابطة والأرضية المشتركة اللامة أكثر من القوى الفاصلة بين أمريكا والمسلمين كبشر .

أوباما والحضارة الإسلامية

تطرق أوباما لتجربته الشخصية عندما عاش في بلاد المسلمين ، أثناء طفولته ، كمسيحي ولد لأب كيني إفريقي مسلم وأجيال مسلمة ، وانتقاله للعيش في اندونيسيا ، وأعترف أنه أدرك بحكم دارسته للتاريخ ( أن الحضارة مدينة للإسلام الذي حمل معه في أماكن مثل جامعة الأزهر نور العلم عبر قرون عدة ، الأمر الذي مهد الطريق أمام النهضة الأوروبية وعصر التنوير ونجد روح الابتكار الذي ساد المجتمعات الإسلامية وراء تطوير علم الجبر وكذلك البوصلة المغناطسية وأدوات الملاحة وفن الأقلام والطباعة بالإضافة إلى فهمنا لانتشار الأمراض وتوفير العلاج المناسب لها حصلنا بفضل الثقافة الإسلامية على أروقة عظيمة وقمم مستدقة عالية الارتفاع وكذلك على أشعار وموسيقى خالدة الذكر وفن الخط الراقي وأماكن التأمل السلمي وأظهر الإسلام على مدى التاريخ قلبا وقالبا الفرص الكامنة في التسامح الديني والمساواة ما بين الأعراق. أعلم كذلك أن الإسلام كان دائما جزءا لا يتجزأ من قصة أمريكا حيث كان المغرب هو أول بلد اعترف بالولايات المتحدة الأمريكية وبمناسبة قيام الرئيس الأمريكي الثاني جون أدامس عام 1796 بالتوقيع على معاهدة طرابلس فقد كتب ذلك الرئيس أن "الولايات المتحدة لا تكن أي نوعمن العداوة تجاه قوانين أو ديانة المسلمين أو حتى راحتهم ) .وأوضح باراك أوباما أن الإسلام جزء من قصة أمريكا ، وأن المغرب أول من اعترف بأمريكا ، في اعتراف رسمي لأول مرة بجميل بعض الدول العربية ، في المجالات السياسية والدبلوماسية وتأييدها لدولة أمريكا الجديدة في العالم آنذاك . وعاد الرئيس الأمريكي لتجربته الشخصية ومعرفته بالإسلام من ثلاث قارات قبل قدومه لمنطقة نشأة الإسلام الأولى ، قاصدا بذلك الديار الحجازية بالسعودية ، حينما زار العاصمة السعودية الرياض قبل يوم من خطابه بجامعة القاهرة أي يوم الأربعاء 3 حزيران 2009 . متطرقا لأحداث دارفور في السودان والبوسنة في أوروبا ، والعنف في الجبال ليمتد إلى المحيطان والبحار ، والعدوى من مرض الانفلونزا والخطر من انتشار السلاح النووي . ومدح الرئيس الأمريكي الأسود أوباما مشاركة المسلمين في الولايات المتحدة في إثرائها وفي حروبها فتجندوا لخدمتها ، عسكريا ومدنيا ، مركزا على القطاعات المدنية ، كالتجارة والتدريس الجامعي والألعاب الأولمبية ، مشيرا إلى أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة يضاهي الآن 7 ملايين شخص ( من أصل 300 مليون أمريكي ) ، ومنوها إلى أن مسلمي أمريكا تمتعوا بالحقوق المدنية ، أسوة ببقية أطياف الشعب الأمريكي غير المتجانس دينيا وعرقيا ، قائلا : { لقد قاتلوا في حروبنا وخدموا في المناصب الحكومية ودافعوا عن الحقوق المدنية وأسسواالمؤسسات التجارية كما قاموا بالتدريس في جامعاتنا وتفوقوا في الملاعب الرياضية وفازوا بجوائز نوبل وبنوا أكثر عماراتنا ارتفاعا وأشعلوا الشعلة الاولمبية وعندماتم أخيرا انتخاب أول مسلم أمريكي إلى الكونغرس فقام ذلك النائب بأداء اليمينالدستورية مستخدما في ذلك نفس النسخة من القران الكريم التي احتفظ بها أحد آبائناالمؤسسين توماس جيفرسون في مكتبته الخاصة ) . وتطرق أوباما للحرية الدينية للمسلمين في الولايات المتحدة مؤكدا على حقهم في بناء المساجد حيث يوجد 1200 مسجد ، وكذلك الدفاع عن حق النساء المسلمات في إرتداء الحجاب ( الزي الإسلامي التقليدي ) مشيرا بالهمز واللمز والغمز لفرنسا وغيرها من الدول العربية أو المسلمة بالاسم التي تمنع الحجاب كفرنسا وتونس وتركيا دون أن يسميها بالاسم . وتطرق للتحديات المشتركة التي تواجه جميع الأمريكيين في الولايات المتحدة وضرورة العمل المشترك الجاد لمواجهتها . وتناول باراك أوباما مسألة المساواة وعدم إعلاء لمجموعة بشرية على أخرى ، لتجنب الفشل بين الشعوب والأمم .

خطاب أوباما وأفغانستان وباكستان والعراق

وفي التحديات الأمريكية على الساحة الدولية ، ذكر باراك أوباما ، " إن المسألة الأولى التي يجب أن نجابهها هي التطرف العنيف بكافة أشكاله " وهاجم حركة طالبان وتنظيم القاعدة ، منوها لما جرى في 11 أيلول 2001 ، وقتل 3 آلاف من الأمريكيين ، زاعما بأنهم أبرياء ، لكنه لم يتطرق لقتل جنوده مئات آلاف الأبرياء في أفغانستان والعراق وباكستان والصومال ، زاعما بان إدارته لا ترغب في البقاء في أفغانستان أو بناء قواعد عسكريه فيه بقوله : " ولا بد أن تكونوا على علم بأننا لا نريد من جيشنا أن يبقى في أفغانستان ولا نسعى لإقامة قواعد عسكرية هناك. خسائرنا بين الشباب والشابات هناك تسبب لأمريكا بالغ الأذى كما يسبب استمرار هذا النزاع تكاليف باهظة ومصاعب سياسية جمة ونريد بكل سرورأن نرحب بكافة جنودنا وهم عائدون إلى الوطن إذا استطعنا أن نكون واثقين من عدم وجودمتطرفي العنف في كل من أفغانستان وباكستان والذين يحرصون على قتل أكبر عدد ممكن منالأمريكيين " . وهذا الخطاب الكلامي مخالف لما يجري من خطاب عسكري ميداني في ارض أفغانستان المسلمة رغم استشهاده بآية قرآنية كريمة تنبذ القتل ، بينما جيشه يمارس مهنة القتل اليومية في عديد البلدان الإسلامية : { من قتل نفسا بغير حق أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } . وبهذا ، لم يخلو خطاب باراك أوباما من التطرق للمشاريع الاقتصادية والتنمية ، حيث اعترف بأن الحل العسكري لا يمكن أن يحسم الصراع ، بين الجانبين ، المجاهدين المسلمين ( المتطرفين حسب رأيه والمحتلين الأمريكان والغربيين ) فذكر أن إدارته خصصت 1.5 مليار دولار للتنمية في باكستان ، و2.8 مليار لتنمية اقتصاد أفغانستان ، كبلدين مسلمين ، ونسي أو تناسى ، الفساد والإفساد الأمريكي وحلف شمال الأطلسي ، في البلاد والعباد ، وأن جيشه يشن الهجوم البري والجوي تلو الهجوم على أهل أفغانستان ، وعلى أهل باكستان في منطقة وزير ستان والقبائل وسوات ، ويقتل بين الحين والآخر بالقصف الجوي وبطائرات بلا طيار عشرات إن لم يكن مئات المسلمين ، بدعاوى محاربة المتطرفين المسلمين ، ويمارس الضغوط على الرئاسة والحكومة الباكستانية لمحاربة تنظيم القاعدة وحركة طالبان باكستان ، وحركة طالبان أفغانستان وهي مناطق تبعد آلاف الأميال عن حدود الولايات المتحدة الأمريكية . وأيد باراك أوباما الحرب على العراق ، زاعما أن تغيير النظام العراقي كان لمصلحة العراقيين ، وكأنه نصب نفسه مدافعا عن حقوق العراقيين ، وتجاهل ذكر مقتل نحو 1.5 مليون عراقي بعد العدوان الأمريكي الظالم في ربيع 2003 على أهل الرافدين من أبناء المسلمين والنصارى على السواء متطرقا إلى العزم الأمريكي لسحب جميع قوات الاحتلال الأمريكي من العراق عام 2012 ، مع بقاء الشراكة والتخلي عن الرعاية الأمريكية للعراق مدعيا احترام سيادة الدول مناقضا نفسه في الآن ذاته ، حيث لا يحترم سيادة عديد الدول الإسلامية في أفغانستان وباكستان والعراق وغيرها ، بتأكيده على محاربة من أسماهم بالمتطرفين في عقر دارهم ، ومناديا بإغلاق سجن خليج غوانتنامو الرهيب ضد المجاهدين المسلمين .

السلام في الأرض المقدسة

وبالنسبة للعلاقات الأمريكية – الصهيونية ، تجرا أوباما وأكد أنها علاقات إستراتيجية ( ثقافية وتاريخية ) وأكد تعرض يهود أوروبا للتعذيب على نطاق واسع إبان فترة هتلر في ألمانيا ، ومقتل 6 ملايين يهودي ، مؤيدا إقامة وطن خاص لليهود بفلسطين ، ولا يهم إن كان على حساب أهل البلاد الأصليين المظلومين ، الذي اعترف بظلمهم ، على مدى 60 عاما من التهجير والتشريد ، والحرمان من دولة فلسطينية خاصة بهم في الضفة الغربية وقطاع غزة وفق خطة خريطة الطريق التي عفا عليها الزمن . وقد هاجم أوباما العمليات الفلسطينية الاستشهادية ( الانتحارية ) وإطلاق الصواريخ على المستوطنات اليهودية ، ولم يتطرق للأسباب الحقيقية لذلك وهي الحرمان من حق تقرير المصير والعدوان الصهيوني المستمر على شعب فلسطين في أرضه وارض آبائه وأجداده ، حيث يعتدي الصهاينة اليهود القادمون من أوروبا وشتى بقاع العالم على الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الأصيل في بلاده ، والنقطة الوحيدة الجيدة في خطاب أوباما هي معارضته لإنشاء المستوطنات اليهودية أو توسيع القائم منها ، ولكنها تبقى معارضة لفظية لا تستند لعقوبات أو ضغوط فعلية لوقفها في أرض فلسطين وشعب فلسطين المغلوب على أمره بفعل الاحتلال الصهيوني الظالم على أرض غيره . وكغيره من الرؤساء الأمريكيين ، يؤكد أوباما على ضرورة إحلال السلام ، في الأرض المقدسة ، بالكلام واللفظ دون ملازمة الفعل الحقيقي على الأرض فيقول : " لقد تدفقت دموع الكثيرين وسالت دماء الكثيرين وعلينا جميعا تقع مسئولية العمل منأجل ذلك اليوم الذي تستطيع فيه أمهات الإسرائيليين والفلسطينيين مشاهدة أبنائهم يتقدمون في حياتهم دون خوف وعندما تصبح الأرض المقدسة التي نشأت فيها الأديان الثلاثة العظيمة مكانا للسلام الذي أراده الله لها وعندما تصبح مدينة القدس وطنا دائما لليهود والمسيحيين والمسلمين المكان الذي يستطيع فيه أبناء سيدنا إبراهيمعليه السلام أن يتعايشوا في سلام تماما كما ورد في قصة الإسراء عندما أقام الأنبياء موسى وعيسى ومحمد سلام الله عليهم الصلاة معا " .وأضاف قائلا حول سبل الحل في فلسطين بين أهل البلاد الأصليين المظلومين ويهود فلسطين المحتلة الظالمين الغرباء الطارئين على الأرض المقدسة " ولكننا إذا نظرنا إلى هذا الصراع من هذا الجانب أو من الجانب الآخر فإنا لن نتمكنمن رؤية الحقيقة لان السبيل الوحيد للتوصل إلى تحقيق طموحات الطرفين يكون من خلال دولتين يستطيع فيهما الإسرائيليون والفلسطينيون أن يعيشوا في سلام وأمن.إنهذا السبيل يخدم مصلحة إسرائيل ومصلحة فلسطين ومصلحة أمريكا " . واعدا كسابقيه ببذل الجهود الشخصية لتحقيق السلام والتصالح التاريخي بين الجانبين .

خطاب أوباما وانتشار السلاح النووي

تطرق الرئيس الأمريكي باراك أوباما لمسالة تحدي وجود الأسلحة النووية في إيران والخطر المزعوم المحدق بالعالم مطلقا عليه ( المصدر الثالث للتوتر ) متجاهلا الترسانة النووية الصهيونية في فلسطين المحتلة حيث يمتلك يهود فلسطين المحتلة حوالي 400 قنبلة نووية . ويشدد الهجوم على إيران التي تسعى لامتلاك مفاعلات نووية سلمية لأغراض إنتاج الكهرباء والاستخدام المدني . مبديا استعداه للتفاوض مع إيران حول مستقبل السلاح النووي والعلاقات الثنائية بين البلدين دون شروط مسبقة وفي إطار الاحترام المتبادل مبديا استعداه لقبول امتلاك إيران الطاقة النووية السلمية ، بموجب ( معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية ) لحماية المصالح الأمريكية وما سماها العالمية من سباق التسلح النووي في المنطقة .

خطاب أوباما والديموقراطية

التحدي الرابع الذي تطرق له باراك أوباما في خطابه بالقاهرة يوم 4 حزيران 2009 هو الديموقراطية ، مشيرا على أنه يؤمن بتعزيز الديموقراطية وحقوق البشر في التعبير عن آرائهم ، معارضا سياسة فرض دولة على دولة أخرى نظام حكم لا تريده ، حسب التقاليد الموروثة في هذا البلد أو ذاك مدعيا دعم العدالة والمساواة والشفافية بين البشر وابتعاد الحكومات عن نهب أموال الشعوب ، علما بأن الإدارة الأمريكية السابقة والحالية ، تنهب أموال الأمة الإسلامية والشعوب في العالم الإسلامي ، وتفرض دكتاتوريتها في مجلس الأمن الدولي عبر ما يسمى بحق النقض ( الفيتو ) وتمارس الضغوط الدكتاتورية على عشرات الدول بالعالم .

خطاب أوباما والحرية الدينية

تطرق خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما للموضوع الخامس وهو الحرية الدينية وفقي مبادئ التعدد في العقيدة والأديان والمعتقدات ، مادحا الإسلام في التسامح الديني عندما لمس ذلك بتجربته الشخصية في أندونيسيا كبلد إسلامي ، أثناء طفولته وشبابه ، بالسماح للنصارى ( المسيحيين ) بتأدية طقوسهم الدينية بحرية تامة . وأوضح أوباما أن الحرية الدينية هي الأساس في التعايش بين الشعوب والأمم مدعيا تمكين المسلمين من تأدية فريضة الزكاة الإسلامية في الولايات المتحدة عندما فرضت الرقابة المشددة على الجمعيات الخيرية . ونوه للسماح الأمريكي بالتعددية الدينية وخاصة لبس الحجاب الإسلامي للنساء دون التعدي علن حقوقهن بذلك . وضمن خطابه الفقرة الآتية : " ينبغي أن يكون الايمان عاملا للتقارب فيما بيننا ولذلك نعمل الان على تأسيس مشاريعجديدة تطوعية في أمريكا من شأنها التقريب فيما بين المسيحيين والمسلمين واليهود. اننا لذلك نرحب بالجهود المماثلة لمبادرة جلالة الملك عبد الله المتمثلة في حوارالاديان كما نرحب بالموقف الريادي الذي اتخذته تركيا في تحالف الحضارات اننا نستطيعأن نقوم بجهود حول العالم لتحويل حوار الاديان الى خدمات تقدمها الاديان يكون منشأنها بناء الجسور التي تربط بين الشعوب وتؤدي بهم الى تأدية أعمال تدفع الى الامامعجلة التقدم لجهودنا الانسانية المشتركة " .

خطاب أوباما وحقوق المرأة

تطرق خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما للموضوع السادس وهو ( حقوق المرأة ) ، حيث ذكر أن المرأة في أوروبا تلاحق بسبب لباسها الشرعي الإسلامي ، مؤكدا مشاركة المرأة في الانتخابات البرلمانية في البلدان الإسلامية مناديا بالمساواة وحق المرأة في محو الأمية ، والعمل وفق ما تراه مناسبا سواء بشكل تقليدي أو غير ذلك .

خطاب أوباما والتنمية الاقتصادية

ولم يغفل خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما مسألة التنمية الاقتصادية وتنمية الفرص ضمن نظام العولمة الجديد ، فجاءت في الموضوع السابع بين المواضيع التي تناولها في خطابه من المنصة المصرية للأمة الإسلامية في جميع أنحاء العالم متطرقا للانتر نت والفضائيات التلفزيونية بإيجابياتها وسلبياتها بإيجاز . وقارن أوباما بين التنمية الاقتصادية في اليابان وكوريا الجنوبية واندونيسيا ودبي مستذكر النفط العربي والإسلامي والبطالة والتنمية الاقتصادية . وإن الابتكار والتعليم هو مفتاح إستراتيجية التنمية في القرن الحادي والعشرين ، والتوسع في برامج التبادل الثقافي والمنح الدراسية التي أتت بوالده إلى أمريكا . وأردف أوباما قائلا : " وفي ما يتعلق بالتنمية الاقتصادية سوف نستحدث هيئة جديدة من رجال الاعمال المتطوعين لتكوين شراكة مع نظرائهم في البلدان التي يشكل فيها المسلمون أغلبية السكان وسوف أستضيف مؤتمر قمة لاصحاب المشاريع المبتكرة هذا العام لتحديد كيفية تعميق العلاقاتبين الشخصيات القيادية في مجال العمل التجاري والمهني والمؤسسات وأصحاب المشاريع الابتكارية الاجتماعية في الولايات المتحدة وفي المجتمعات الاسلامية في جميع أنحاءالعالم " .. " وفيما يتعلق بالعلوم والتكنولوجيا سوف نؤسس صندوقا ماليا جديدا لدعم التنمية والتطور التكنولوجي في البلدان التي يشكل فيها المسلمون غالبية السكان وللمساهمة فينقل الافكار الى السوق حتي تستطيع هذه البلدان استحداث فرص للعمل وسوف نفتتح مراكزللتفوق العلمي في أفريقيا والشرق الاوسط وجنوب شرق اسيا وسوف نعين موفدين علميين للتعاون في برامج من شأنها تطوير مصادر جديدة للطاقة واستحداث فرص خضراء للعمل لا تضر بالبيئة وسبل لترقيم السجلات وتنظيف المياه وزراعة محاصيل جديدة."

لماذا توجيه باراك أوباما لخطاب من مصر ؟

بقي أن نقول ، إن الرئيس الأمريكي باراك حسين أوباما ، كونه من أصول إفريقية ، اختار مصر كدولة من الدول الإفريقية ، لإلقاء خطابة التاريخي الحزيراني لعام 2009 ، وقبل ذلك عرج على الرياض العاصمة السعودية ، في قارة آسيا ، ولم يعرج على المغرب أول دولة اعترفت بجمهورية الولايات المتحدة الأمريكية يوم الاستقلال ، ولم يزور الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) في سابقة تاريخية لرئيس أمريكي ، ثم انتقل إلى قارة أوروبا : ألمانيا وفرنسا لاستكمال محادثاته وجولته العالمية ليجمع في جولته بين القارات الثلاث بادئا بآسيا ( موطن الإسلام الأول ) فإفريقيا ثم أوروبا . وفي هذا تكريم لمصر ولمؤسستيها المتمثلتين بالأزهر الشريف وجامعة القاهرة ، للتأكيد على اهتمامه بالناحيتين الدينية والعلمية في مصر ، إضافة إلى أن مصر هي أكبر دولة عربية وإفريقية ، سكانا واقتصادا وحضارة تاريخية سابقة ، ومن المعلوم أن النظام المصري هو النظام القامع للحريات السياسية والمانع لحرية التعبير عن الرأي وأكثر البلدان ملاحقة للمسلمين ، حيث يزج بآلاف الأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين بالسجون ، والمعارضين ، كزعيم حز بالغد ، ويمنعهم رسميا من خوض الانتخابات البرلمانية ، وكذلك لمكافأة النظام الرسمي المصري الذي يعتبر شرطي المنطقة العربية الآسيوية والإفريقية ووكيل السياسة الأمريكية في المنطقة الإقليمية المحيطة وفق منظور وخطاب ضمني بالمصالح المشتركة ، هذا ناهيك عن الأفكار الغريبة لرجل الأزهر الأول د. محمد سيد طنطاوي ، الذي كان يصف المجاهدين الاستشهاديين الفلسطينيين بالمنتحرين زورا وبهتانا مما ناقض فتوى الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الذي وصف العمليات الاستشهادية بالمقاومة المشروعة ضد الاحتلال والمحتلين .

خطاب أوباما وخلط السم بالدسم

على أي حال ، إن نص خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في جامعة القاهرة على الملأ ، مخاطبا أبناء الأمة الإسلامية ، خير أمة أخرجت للناس ، لم يخلو من الأكاذيب ومحاولة اختلاق الحقائق المزيفة ، التي عفا عليها الزمن ، وقد خلط السم بالدسم ، مستشهدا بآيات قرآنية مجيدة ، وبعض نصوص الكتاب المقدس لدى النصارى ، وبعض نصوص التلمود ، وتحدث أوباما للجميع عبر وسائل الإعلام المختلفة مباشرة ، وأهمل عقول وعواطف المشاهدين والمستمعين العرب والمسلمين لهذا الخطاب الأجوف ، الخالي من كل معاني الصدق والصداقة والحق والحقيقة ، المروج للسياسات الاستعمارية والشرق الأوسط الجديد بصورة علنية تارة وبطرق ضمنية طورا ، فلم يعد يجدي خطابه نفعا أمام المسلمين ، فخطابه مكشوف ، ولم يقل قولا سديدا كما استشهد بذلك بآية قرآنية مجيدة ، ويده تلطخت بدماء المسلمين في كل من أفغانستان والعراق والصومال والسودان وباكستان وغيرها من البقاع الإسلامية الساخنة ، فلم يوقف المجازر ضد أبناء المسلمين وجيشه هو المعتدي ، ويوميا يقتل من سواد المسلمين ما استطاع لذلك سبيلا بدعاوى مهاجمة التطرف والعنف وتوفير الأمن لأبناء بلده ، والعبارات التي نطق بها ، تشير إلى مدى استخفافه الحقيقي بالإسلام والمسلمين ، في مجالات شتى في مختلف أرجاء العالم . وكانت خطابه فاشلا فشلا ذريعا اللهم إلا من بعض الموتورين والذين يسيرون على النغمة الموسيقية الأمريكية على نمط الهوب هوب الأمريكي الماجن ، وتفاخر بمسيحيته ، متخليا عن الإسلام دين آبائه وأجداده الأفارقة في كلام علني وضمني في الآن ذاته . وقد زعم الرئيس الأمريكي القدرة على التغيير الحقيقي لإسعاد البشرية وعودة قوات الاحتلال الأمريكية لبلادها ، بقوله :" إننا نملك القدرة على تشكيل العالم الذي نسعى من أجله ولكن يتطلب ذلك منا أن نتحلى بالشجاعة اللازمة لاستحداث هذه البداية الجديدة اخذين بعين الاعتبار ما كتب فيالقران الكريم " يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا". ونقرأ في التلمود ما يلي " إن الغرض من النص الكامل للتوراة هو تعزيزالسلام". ويقول لنا الكتاب المقدس"هنيئا لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يُدعونَ".
إلى هنا انتهى تحليل خطاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما في القاهرة يوم 4 حزيران 2009 .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: