الثلاثاء، 2 يونيو 2009

مشاهد حية كئيبة بحزيران عام 1967


مشاهد حية كئيبة بحزيران عام 1967
د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)}( القرآن المجيد ، الرعد ) . وجاء بصحيح مسلم - (ج 13 / ص 212) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ . وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ . وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ . وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ . وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ . في 5 حزيران عام 1967 ، كنا في مدرسة قريتي عزموط 5 كم شمال شرق نابلس ، في الهزيع الأخير من العام الدراسي في المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم الأردنية، كنا ننتظر الحصول على نتائج علاماتنا المدرسية بلهفة وشوق كبيرين ، حيث كنت في الصف الأول الإبتدائي ، إنتظرنا وانتظرنا داخل أدراج الصفوف المدرسية في المدرسة الصغيرة المتواضعة ، وكان المعلمون قد انتهوا من التدريس والعمل جار لإخراج نتائج الطلبة المدرسية في نهاية العام الدراسي ، عند ساعات الضحى الحزيراني الثقيل المتثاقل باشعة الشمس الذهبية حضر شاب ممتلئ شبابا وصحة ورمى بكلمات صغيرة لم نكن ندري ما مدى صدقها من عدمه ، ألقى قنبلة صوتية تقول ( حضر اليهود إلى نابلس ) بالدبابات والمجنزرات ، وقد دخلوا من طريق الباذان السياحية ووصلوا إلى نابلس ، وعندما وصلوا إلى مركز المدينة بدأت الرشاشات المنصوبة على الدبابات والمجنزرات والجيبات تقذف بحمم ملتهبة على المستقبلين لهم . اهتز كيان المدرسة والطلبة وكل أخذ شهادته على عجل وخرج عائدا إلى بيته في صيف ذلك اليوم الكئيب الحزين ، عاد الطلبة لبيوتهم ، ولكنهم لم يتمكنوا من الانضمام لذويهم وأهليهم في جني محصول القمح المزروع في سهل واراضي القرية ، لأن الطائرات الصهيونية - اليهودية كانت تجوب سماء المنطقة ، ولم نكن ندري ما هية تلك الحرب ، ولكنها حربا قذرة بالتأكيد . تجمع أهالي القرية يريدون معرفة ما جرى في نابلس ، عاصمة جبال النار الملتهبة . علمنا لاحقا ، إن الأهالي قد اصطفوا من مخيم عسكر القديم شمال شرق نابلس والمدرسة الصناعية حتى وسط مدينة نابلس وهم يصفقون للمحررين الجدد ، كان الجميع يعتقد أن قوات الجيش العراقي قد جاءت لتحرير فلسطين ، حيث إن الدبابات الداخلة لمدينة نابلس كانت مدهونة ومموهة بألوان العلم العراقي ، وترفع العلم العراقي على مقدماتها ومؤخراتها ، للخداع والتمويه ، فقد إنطلت هذه الخدعة على أهل البلاد فاصطفوا يصفقون بايديهم بحرارة للقادمين الجديد للحرية والانعتاق والتحرير من براثن الاحتلال اليهودي لمناطق فلسطين المحتلة عام 1948 ، في مناطق الجليل والمثلث والنقب والساحل ويتخافتون ويعلنون أن قد دنت ساعة الصفر لتحرير فلسطين من أطماع الغزاة اليهود الآتين من كل فج عميق من بلاد العالم أجمع . ولم تطلق الدبابات الدخيلة المهاجمة حينها أية طلقة على المتفرجين المستقبلين لها بحفاوة بإخوة عربية أصيلة ، هل هذا الجيش العراقي ، أم الجيش السوري أم اي جيش عربي آتى من الشمال لتحرير الأوطان ؟ ما هي إلا فترة نصف ساعة والاستقبال الحار من الأهل في الطرقات والشوارع يصفق ويتجلجل عاليا : ألله أكبر .. الله أكبر .. والنصر لنا .. والخسة والهزيمة لليهود المحتلين حتى وصلت الدبابات والمدفعية اليهودية إلى مركز ميدان نابلس ، وتحديدا عند المستشفى الوطني فهناك بدأت المفاجآت الكئيبة ، بدأ إطلاق الرصاص بكثافة دون سابق إنذار من هذه الدبابات والأسحلة الثقيلة فسقط عشرات الشهداء من المستقبلين ، وجرح العشرات الآخرين ، فأدرك الجميع أن هذا جيش الاحتلال وليس المحررين كما كان البعض يبث الإشاعات والخداعات بين الناس ، وما أن بدأ إطلاق الرصاص من المهاجمين المحتلين الجدد حتى انهمر عليهم الرصاص من الأهالي ومن بعض كتائب الجيش الأردني المرابط في المدينة ، ولكن هيهات .. هيهات .. هل تواجه البارودة الطويلة ذات الطلقة الواحدة أو الطلقات المتعددة هدير وزمهرير الدبابات الثقيلة ، قال لي بعض الكبار في السن ، عندما رأينا قوات الاحتلال الغازية التي دخلت نابلس صباح يوم صيفي مشمس تداعى عشرات الشباب ممن يتقنون استخدام السلاح لمقر بلدية نابلس القديمة ( وهو الآن مقابل مركز شرطة المدينة ، به مقر سطة المياه والمجاري التابعة للبلدية ) تداعوا للتطوع والحصول على السلاح للمقاومة ، ولكن عبثا إذ لم يجدوا بنادق ورشاشات صالحة للاستعمال بل وجدوا عشرات البنادق المكسورة ومخازن رصاص وفير لكن دون بنادق لاطلاقه ؟؟؟ صدم الجميع من هول المنظر الاحتلالي المهاجم وبالطريقة التي تمت بها عملية الاحتلال لمدينة فلسطينية ذات بأس شديد في القتال والجهاد ضد الأعداء . خلال دقائق معدودة كانت مكبرات الصوت تنادي ، يفرض منع التجول على أهالي مدينة نابلس ، يا أهل نابلس عودوا إلى بيوتكم ، والطلقات الحية تلاحق الجميع عبر الأزقة والشوارع المكشوفة وفي البلدة القديمة إذ انهمرت قذائف المدفعية والرشاشات الثقيلة باتجاه الأهالي العزل من السلاح ، الذين أتوا لاستقبال جيوش التحرير العربية الآتية من الشرق ؟؟؟ سقط عشرات الشهداء في ميدان الشهداء ، مركز مدينة نابلس عاصمة جبال النار الفلسطينية ، فكان منظر الدماء الحمراء الزكية منظرا يشد الناس للبطولة والتضحية والفداء والجهاد في سبيل الله ، ثم تم تجميع الجثث الطاهرة حالا وبعضها ترك على الأرض بسبب غزارة إطلاق النيران الملتهبة كما هي صيف حزيران الكئيب ؟؟ ثم واصلت قوات الغزو الصهيوني مسيرتها الهجومية باتجاه جميع شوارع ومناطق نابلس المدينة والمحافظة ، وكان ظلام الاحتلال يلامس نور الشمس الذهبية المتدفقة ملء الأرض شعاعا ونورا ربانيا ، فقاومت بعض سرايا الجيش والحرس الوطني الأردني حيث كانت الضفة الغربية تحت الإدارة الأردنية كجزء من المملكة الأردنية الهاشمية . وانطلق عشرات الشبان يلقون ببعض القنابل من هنا وهناك ، وبعضهم بادر لزرع متفجرات على الشوارع الرئيسية خارج حدود المدينة وداخلها ، وبعضهم ركب دراجة هوائية وهجم في عمليات بطولية على الدبابات المهاجمة بعدما ملء دراجته وجانبيه بقنابل ، ففجر نفسه وسط هذه الأرتال العسكرية المهاجمة فقضى نحبه شهيدا وأوقع خسائر في المهاجمين وأعطبت بعض الدبابات . وبالفعل كانت هناك بعض العمليات العسكرية البطولية من شباب العسكر وبعض الأهالي فتحولت ظاهرة الاستقبال وقت الضحى إلى ضحايا فلسطينية جديدة في مختلف المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية . وعودة إلى مشاهداتي الطفولية الشخصية ، لم نفرح بحصولنا على شهاداتنا بالتفوق المدرسي ، فقد أنقلب الفرح إلى هم وغم متواصل في ذلك اليوم ، تجمع الأهل وطلبوا منا الخروج من البيوت واللجوء لمغارات داخل القرية أو على أطرافها ، كان والدي وأخوتي الكبار يجمعون محصول القمح من منطقة بعيدة عن القرية تبعد نحو 10 كم ، فسارعوا للعودة للقرية ، وكانت حمم الدبابات والطائرات تلقى بالقرب منهم فاصابت من أصابت وعاد من عاد ، وكانت تلك الطائرات تلقى بسلاحها الفوري القوي على كل من يلبس بزة عسكرية ، عاد الوالدين للقرية في ساعات العصر وكنا خائفين ، ونسأل أين أمي أين أبي ؟ اصطحبتنا زوجة عمي لمغارة وسط القرية بها شجرة تين كبيرة ، وكان الجميع في حيص بيص لا يدرون ماذا يفعلون ، وكنا نخرج عنوة من إرادة قريباتنا اللواتي جمعننا في المغارة ، فترى دحرجة الأطفال والصبيان من باب المغارة لقاعها وضحكات الأطفال تتعالى هنا وهناك ، ووسطها بكاءات مرة من أطفال صغار آخرين ، ومن نساء أخريات كن لا يعرفن ماذا حصل لأقاربهن وهم في الحصيد ، حصيد حزيران من القمح ، فحصدوا ظلالا كئيبا بدلا من جني محصول القمح وهو المادة الغذائية الرئيسية في القرية أسوة ببقية مدن وقرى ومخيمات فلسطين . أتذكر أنني لم أطق الدخول والحشر داخل المغارة فخرجت مع بعض الصغار من جيلي في المدرسة ، إلى بستان زيتون قريب من المغارة يبعد عنها نحو 300 م ، وفوجئنا بسدور المناسف المليئة بالرز واللحم واللبن ، فطقفنا نركض ونلعب ، ونتسائل لماذا هذا الأكل الكثير والسدور بالعشرات ، وهل يمكننا أن نأكل منها ؟ ترى من أحضرها ومن طبخها ولمن ولماذا ؟ اسئلة بريئة كانت تراودنا ، فلم نلقي لها بالا فبدأنا باللعب ومشاكسة بعضنا بعضا بإلقاء حجارة على المناسف بسبب منع بعض الكبار الذين يحرسونها الأطفال من تناول هذه الوجبة الشهية الدسمة من المناسف العربية الأصيلة رغم الجوع الشديد الذي كان ينتابنا . قال لنا بعض الكبار أخرجوا من بستان الزيتون هذا ، وعوداو أدراجكم لمغارتكم التي اصبحت المأوى المؤقت لنا ، أطفالا ونساء وبعض الكبار في السن ، لجأنا للمغارة لأنها تحت الأرض خوفا من قصف البيوت على ساكنيها ، وهناك سؤالان كانا يدوران بخلدنا : الأول : هل هل هذه الأطباق الشهية من الطعام أعدت للمحررين الجدد من ( الجيش العراقي ) المحرر أم أنها كانت معدة لجيش الآحتلال الصهيوني لتحاشي إرتكاب مجزرة رهيبة ضد أهالي القرية التي كان جزءا منها في عداد الجيش العربي الأردني والحرس الوطني ، والثاني : هل كان هناك تنسيقا لاستقبال المحررين المفترضين الجدد أم لدرء المخاطر وتجنيب قرية عزموط ويلات ملاحقات يهودية متعددة كونها منطقة عسكرية من الطراز الأول بسبب طبيعتها الجبلية والوادي السحيق بها ( وادي الشاجور ) المشهور منذ ايام الاحتلال البريطاني كونه مؤئلا للثورة ضد الاحتلا ، لا نجزم ما السبب ، ولكن الشك يراودنا أنها كانت عملية استقبال مبهمة تدل على غباء معدي المناسف الشهية وعدم معرفتهم بعقلية الاحتلال الهمجي الذي يدمر كل شيء يتحرك أمامه ؟؟ ومن المظاهر التي لفتت إنتباهي في ذلك اليوم بل الأيام الحزيرانية ، وهي ان بعض الرجال الذين كانت لهم تجربة عسكرية في الجيش البريطاني عندما كان يحتل فلسطين منذ عام 1917 - 1948 ، المبادرة لرفع رايات الاستسلام وهي العلامة أو الراية البيضاء ، فلم يجدوا قماشا ابيضا طويلا في القرية ، فسمعت بعضهم يقول ارفعوا أغطية الملاحف البيضاء فانزعوها عن لحف النوم ، وما هي إلا دقائق معدودة حتى شاهدت بعض ملاحف أغطية النوم البيضاء ترفع على عصى طويلة أو على جوانب شجر طويل كشجر الزيتون ، فهل كان هذا سلاما ، الزيتون يرمز للسلام ولكن الملاحف البيضاء التي رفعت على أغصان الزيتون الحزيراني العربي في عزموط وغيرها كان دليل الاستسلام لتحاشي وتجنب قصف طائرات الأعداء للقرية والأطفال والنساء العزل من السلاح ، إلا من الصدمة الفجائية التي ابتلي بها أهل فلسطين وخاصة الضفة الغربية . لقد كانت عزموط على مفترق طرق موصل بين جبال نابلس ووديانها والمحافظات الأخرى فهي شريكة الباذان في الأراضي الوعرة الصالحة للمقاومة والثورة ضد الأعداء المحتلين الجدد . رفعت الرايات البيضاء ، علامة الهزيمة والاستسلام ولكن ذلك لم يرحم أهل القرية من قذائف المدافع والطائرات المهاجمة من عل . وفي ساعات المساء ، تنفسنا الصعداء ، كنت اسأل دائما عن والدي كغيري من الأطفال ، أين أمي ، أين أبي ؟ فابواي كانا يحباني كثيرا جدا ، ولم اكن أنصاع لتعليمات قريباتي من زوجات الأعمام والأخريات ، كنت أنصاع فقط لتوجيهات والدتي ووالدي وإخوتي الكبار . حضرت أمي - رحمها الله جل جلاله , وأسكنها فسيح جناته - وقبلتنا جميعا على سلامتنا ، وحمدت الله الحميد المجيد وبقيت مرافقا لوالدي ، ورفضت المبيت في المغارة اللعينة التي يتكدس بها العشرات وهي لا تتسع إلا لنحو عشرين شخصيا وقوفا بينما يتجمع بها نحو مائة شخص . كانت ليلة كئيبة ، رافقت والدي إلى البيت ولم ننم تلك الليلة ، وما أن تداخلت خيوط الليل بخيوط النهار حتى بدانا نرى بعض القوات الأردنية بلباسها العسكري تحضر للقرية هربا من المدينة ، مدينة نابلس ، فقد جرت عمليات مداهمة للمدينة أولا ، وكنا نشاهد الرشاشات ملقاة على الأرض واللباس العسكري ملقى على الأرض وتحت الشجر ، فقد طلب كبار السن من الأهالي تزويد هؤلاء الجنود بلباس مدني لتجنب اعتقالهم وأحذية مدنية غير البساطير للتمويه على قوات الاحتلال أن هؤلاء ليسوا بجنود ، وأذكر أن عدة أفراد من الجيش الأردني حضروا لبيتنا ، وطلبوا المبيت لدينا ، ولكن لم يكن لدى العائلة متسع من الغرف ، كانت عبارة عن غرفتين ، ننام بهما ثمانية : الوالدين ، وستة ابناء ومن من بينهم أوسطهم . أربعة ذكور وبنتين . فأحضرت لهم والدتي الطعام والشراب وناموا في طابون العائلة ، في فناء المنزل المحاط بسلسلة حجرية تقليدية عالية قدرها أكثر من 2 م طولا ، لقد كانت ليلة صعبة للغاية ، وكان الجميع بانتظار الفرج وإزالة الغم . وبما أن شوارع قريتنا غير معبدة وحتى الشارع الرئيسي الذي يربط القرية بمدينة نابلس كان صغيرا ونحيفا وبالتالي فإن حضور الدبابات كان صعبا بينما كنا نعاني من هدير الطائرات في الجو التي تلاحق كل من يتحرك ، لقد فرض منع التجول من الجو بصورة عملية بعدما فرض سابقا منع التجول النهاري البري ، ولكن الأهل لم يكونوا ينصاعون لمنع التجول إلا عندما يشاهدون طائرات الأعداء تحلق في سماء المنطقة . وغني عن القول ، إن هناك حركة دائبة من أهالي القرية للحصول على السلاح الملقى في الشوارع والأزقة وتحت الشجر الذي تركه الهاربون من المواجهة غير المتوازنة ، أو انتهى وقود السلاح لديهم او تعطلت رشاشاتهم ، ولم يكن يدر بخلد هؤلاء الجامعين لهذا السلاح من الرشاشات التقليدية البدائية البسيطة أنهم سيجمعون كليا ويستدعون لتسليمها حالا وإلا فسيقذفون في غياهب سجون الاحتلال الصهيوني الجديد . وقد زج بالكثير من ابناء الجيش العربي الأردني والحرس الوطني الذين كانوا مسجلين في سجلات الجيش العربي الأردني في سجون الاحتلال ، كون بعضهم كان يتوجس منه الاحتلال خيفة من تنفيذ عمليات عسكرية ، أو تزويد مقاتلين بالأسلحة أو تدريبهم وكان من بين هؤلاء عمي الذي اسرته قوات الاحتلال وحكمته إداريا لستة شهور حيث كان بالحرس الوطني الأردني ، كون الأردن كانت تدير مناطق الضفة الغربية التي كانت جزءا لا يتجزأ من المملكة الأردنية الهاشمية . وبعد ايام قليلة من الاحتلال اليهودي للضفة الغربية ، حضروا لتعداد السكان ، إحصاء السكان الأصليين في القرى والمدن والمخيمات الفلسطينية . فتم تسجيل الأعداد السكانية والأسماء لتحاشي دخول آخرين للقرية أو المنطقة المعنية ، وتسهيل السيطرة على السكان ، وكان هذا الأمر يتم بالتنسيق مع مختار القرية ، الذي أبقاه الاحتلال كمختار للقرية بعدما كانت عينه وزارة الداخلية الأردنية لتزويدها بكل شؤون المواطنين في القرية . وأخيرا ، نأمل أن يزول هذا الاحتلال السرطاني اليهودي الصهيوني الإسرائيلي عن ارض فلسطين المباركة ، ولكن عملية التغيير والتبديل بحاجة لتغيير ما في النفوس للخلاص من الكابوس الملاصق لنا ليل نهار ، وندعو الله القوي العزيز الحكيم أن يزيل هذا الاحتلال الجاثم فوق ارض فلسطين مع ما يسببه من كآبة نفسية شخصية وجماعية وشعبية لأهل فلسطين الأصليين . وهذا التغيير المنتظر والمنشود لن يتم إلا بعد تغيير ما بأنفسنا كما يقول الله الحي القيوم : { ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (53)}( القرآن المجيد ، الأنفال ) . وللخروج من عنق الزجاجة الاحتلالية الصهيونية - اليهودية لا بد من تضافر الجهود العربية والإسلامية لإنقاذ أهل فلسطين من المعتدين المحتلين من بني صهيون الآتين من مختلف ارجاء الكرة الأرضية ، فشعب فلسطين قدم وضحى ولكنه لن يستطيع مواجهة هذا النوع من الاحتلال الاستيطاني القائم على سياسة ( التفريغ والملء ) تفريغ أهل البلاد من ارضهم وزرع يهود من مختلف دول العالم بدلا منهم . والإنقاذ لا يكون بالوطنية أو القومية التي اثبتت فشلها عبر العقود الستة العجاف الماضية بل الإنقاذ سيكون بالإسلام العظيم وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله الحي القيوم . وكلنا أمل وتفاؤل بقدوم حزيران جديد لهيب ينسى أهل فلسطين الأيام الصعبة الخالية التي أمضوها تحت حراب الاحتلال والمحتلين الأنجاس ومن والاهم من الصليبيين الجدد في مشارق الأرض ومغاربها . والله ناصر عباده المستضعفين والمعذبين في الأرض المقدسة نسأله أن يمن علينا بالنصر والفتح المبين وطرد الغزاة المحتلين ، إنه على كل شيء قدير وإذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون ، وسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين . وينبغي الإعداد ليوم النصر القريب وعدم اليأس والقنوط ، يقول الله القاهر لعباده أجمعين : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)}( القرآن الحكيم ، الزمر ) . والله ولي التوفيق . نترككم في أمان الله ورعايته . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: