الخميس، 18 يونيو 2009

معركة عين جالوت بفلسطين .. بين التتار والمسلمين 658 هـ / 1260 م

معركة عين جالوت بفلسطين ..
بين التتار والمسلمين
658 هـ / 1260 م

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة
هذه الدراسة جزء من كتاب ( فلسطين العربية المسلمة ) لمؤلفه د. كمال علاونه ، الذي يدرس بجامعة فلسطين التقنية بطولكرم ، كمساق جامعي اجباري ( قضية فلسطينية ) لجميع طلبة الجامعة من درجة البكالوريوس في جميع التخصصات العلمية والإنسانية . ==============

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}( القرآن المجيد ، البقرة ) . ويقول الله القوي العزيز قاهر الكافرين : { قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (16)}( القرآن الحكيم ، التوبة ) .
في عام 648 هـ / 1250 نشأت في مصر دولة المماليك التي امتدت سيطرتها فيما بعد إلى بلاد الشام حيث استمر حكمهم لبلاد الشام حتى ظهور الخلافة العثمانية 922 هـ / 1516 م ومصر حتى 923 هـ / 1517 م وهو تاريخ نصر العثمانيين وتوليهم زمام الحكم في المنطقة . وقد تبع المماليك سياسة صلاح الدين الأيوبي في الاهتمام بفلسطين وحمايتها من الغزو الأجنبي . فقد احتل الملك الظاهر بيبرس البندقداري ارسوف وقيسارية وصفد ويافا وقلعة القرين ، بينما استولى الناصر قلاوون على المدن الساحلية السورية وطرابلس . على أي حال جاءت عملية إجلاء الصليبيين نهائيا زمن الملك الأشرف خليل بن قلاوون حينما احتل عكا عام 690 هـ / 1291 م . كما احتل المغول ( التتار ) بغداد عاصمة الخلافة العباسية عام 656 هـ / 1258 م ، وعاثوا فيها حرقا وتدميرا وفسادا ، قتلوا مئات الآلاف من المسلمين ( نحو مليون مسلم )، فأنهوا الخلافة العباسية ثم احتلوا دمشق وإتجهوا جهة الجنوب نحو فلسطين . فلاقاهم في فلسطين ملك مصر المظفر قطز بمعاونة الأمير بيبرس محققا نصرا مجلجا على التتار في معركة حامية في عين جالوت [1] قرب بيسان على منحدر يصل لسهل مرج ابن عامر شمال الأغوار الفلسطينية عام 658 هـ / 1260 م .
معركة عين جالوت بين الحق والباطل
( بيسان – فلسطين ) 658 هـ - 1260 م

بعد دخول المغول الصين ، استعدوا لشن هجوم عسكري على المسلمين ، حيث كانت عاصمة الخلافة العباسية في بغداد ولم يكن الخليفة يسيطر فعليا إلا عليها ، بينما انسلخت ولايات الخلافة عن المركز ، وانتشرت الممالك المتحاربة فيما بينها في أوصال الدولة الإسلامية ، فمثلا حكم المماليك مصر . عام 1253 م توجه هولاكو حفيد جنكيز خان وتحت إمرته جيشا مغوليا كبيرا لغزو الخلافة العباسية في بغداد ، فبعث إلى الخليفة المستعصم ( 1242 – 1258 م ) دعوة يطالبه فيها بمعاونته في شن هجوم على الحشاشين من فرقة الإسماعيلية فلم يستجب له . وفي عام 1256 احتل المغول عدة قلاع مركزية للحشاشين .
فساد وإفساد هولاكو

ثم طلب هولاكو من الخليفة المسلم التسليم له وهدم سور بغداد الخارجي فلم يجبه الخليفة وأخذ يراوغه . وفي كانون الثاني 1258 شن هولاكو هجوما بالمنجنيق على بغداد ففتح ثغرات في السور ولم يشعر أهل بغداد إلا والمغول على السور الداخلي . وفي 10 شباط خرج الخليفة و300 من حاشيته مستسلمين لهولاكو حيث أمر بقتله بعد عشرة أيام بعد قتل حاشيته ، وعمل المغول على قتل المسلمين ببغداد وكثرت أعمال النهب والتمثيل بما في ذلك أسرة الخليفة مدة أربعين يوما . وفي عام 1260 توجه هولاكو إلى شمالي سورية مهددا ومتوعدا فاحتل حلب وقتل خمسين ألفا من أهلها ، ثم دخل حماه ثم احتلت قواته معظم المدن السورية . وفي عام 1260 م ، تصدى المماليك للمغول بقيادة الظاهر بيبرس أحد قادة جيش سلطان المماليك سيف الدين قطز عند عين جالوت ( الجالود ) قرب بيسان بفلسطين فهزم المماليك المغول شر هزيمة [2] . وقال لهم قائدهم المسلم : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ . إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [3] . وقال تعالى : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [4] . وكما قال الله العزيز { وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [5] . { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ } [6] .
الحرب الخاطفة .. استراتيجية التتار - المغول

وكانت خطة المغول - التتار تقضي بالاعتماد على الحرب السريعة وقوة جيشهم تعتمد على الخيالة ولم يكن للمشاة دور في تنظيمهم الحربي ، وتمثلت أسلحتهم بالرمح والسيف والقوس ولم يهتموا باللبس الثقيل الذي يعيق الحركة . وتألفت فرق الخيالية المغولية من : حاملي السهام ومهمتهم كالمدفعية ، وحاملي الرماح والسيوف ومهمتهم شن الهجوم الخاطف بسرعة . وكان الجيش المصري المكون من المماليك مؤلفا من نحو 40 ألف مقاتل حشده قطز من بينهم الخيالة والمشاة والبدو . وبالنسبة لمجريات المعركة ، قرر قطز مفاجأة المغول وشن الهجوم عليهم في فلسطين فالتقاهم في عين جالوت بفلسطين دافعا أمامه الخيالة بقيادة الظاهر بيبرس للتمويه على التقدم والقيام بالاستطلاع وطرد المفارز الأمامية التي بعثها المغول إلى غزة . وتمت مباغتة الجيش المغولي التي كانت بقيادة ( كتبغا ) فخرج المغول من غزة جنوب فلسطين وذهبت أسطورة الجيش المغولي الذي لا يقهر . وقد واصل بيبرس مسيرته بإتجاه الساحل الفلسطيني فدخل يافا وقيسارية ووصل إلى جبل الكرمل ثم إتجه نحو عين جالوت فعمل على تشتيت القوات المغولية فيها تمهيدا لوصول القسم الأكبر من قوات المماليك بقيادة سيف الدين قطز واسمه الحقيقي ( محمود الممدود ) . واقتضت خطة المسلمين بقيادة قطز بأن يأخذ الجيش المسلم الموقع الدفاعي .
واإسلاماه .. ومقتل قائد التتار ( كتبغا )

ففي يوم الجمعة 25 رمضان 658 هـ / 6 أيلول 1260 م خاض المسلمون القتال بعد صلاة الجماعة بشعار " واإسلاماه " بناء على طلب قطز ، فهجم المغول على المماليك بعد قصف عنيف من حاملي الأسهم القتالية فتقدمت الخيالة المغولية مصطدمة مع مشاة المسلمين .ففتح المسلمون لهم ثغرة كبيرة فانسحب القلب إلى الخلف متظاهرا بالفرار في حين بقيت الميمنة والميسرة مكانهما فأغار المغول باتجاه الثغرة ووصلوا مسافة بعيدة للخلف فبدأت ميمنة وميسرة وخيالة المسلمين بقيادة بيبرس بالانقضاض عليهم فهجم المسلمون على المغول من ثلاث جهات فاختل التوازن العسكري للمغول بسبب عنصر المفاجأة السريعة لهم ، فتشتت الجيش المغولي إلى التلال المحيطة في بيسان وقتل قائد المغول ( كتبغا ) وفر الجيش المغولي باتجاه الشام وبقي المسلمون المماليك يطاردونهم حتى أخرجوهم من معظم بلاد الشام .
سجدة النصر والشكر لله العزيز الحكيم

وقد سجد قطز شكرا وحمدا لله تعالى ومرغ وجهه بالتراب بعد علمه بمقتل قائد المغول احتفاء بالنصر المبين . فكانت معركة عين جالوت مفصلا مهما من مفاصل التصدي الإسلامي للمحتلين الأجانب الذين غزو البلاد الإسلامية . انتصر فيها المسلمون وهزم فيها الغزاة البغاة الأجانب المتمثلين بالمغول شر هزيمة . وقد أنهى المماليك الوجود الصليبي في فلسطين بإعلان الجهاد المقدس ، عام 1291 م على يد الأشرف بن خليل بن قلاوون حيث استرد عكا ومنطقة أرواد آخر ما استرد من فلسطين .
==============
( 1 ) مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، فلسطين ، تاريخها وقضيتها ( بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، 1983 ) ، ص 15 .
( 2 ) د. فيليب حتي وآخرون ، تاريخ العرب ( بيروت : دار غندور للطباعة والنشر والتوزيع ، 1994 ) ، ص 564 .
( 3 ) القرآن الكريم ، سورة التوبة ، الآيات 38 – 39 .
( 4 ) القرآن الكريم ، سورة التوبة ، الآية 111 .
( 5 ) القرآن الكريم ، سورة الحج ، الآيات 78 .
( 6 ) القرآن الكريم ، سورة الصف ، الآية 4 .

ليست هناك تعليقات: