الاثنين، 1 يونيو 2009

استخدام الأطفال كعمال في فلسطين

محطات عمالية

استخدام الأطفال كعمال في فلسطين
د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة
يقول الله الحي القيوم { وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ }( القرآن المجيد ، القصص ) .وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ " ، صحيح البخاري - (ج 8 / ص 478) .
اخواني العمال والنقابيين وأصحاب العمل الكرام ..
أيها الاباء والأمهات الكرام .. ايها العاملون في وزارة العمل المحترمين ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، نرحب بكم في هذه المحطة العمالية المتجددة بتجدد أيام العمل في فلسطين والعالم أجمع .
نتحدث في هذه الحلقة عن استخدام الاطفال او الاحداث في سوق العمل في فلسطين : الاسباب والمسببات والحقوق .عشرات الالاف من الاحداث او الاطفال الفلسطينيين يلتحقون بمواقع العمل المختلفة في فلسطين وخاصة الضفة الغربية وقطاع غزة حيث يتخذ البعض منهم مهنا او حرفا معينة كالعمل في المصانع او مشاغل الخياطة او الكراجات او المؤسسات وحتى في قطاع البناء . ويقصد بالحدث هنا حسب قانون العمل كل طفل ذكرا او انثى بلغ الرابعة عشرة من عمره .ويلجأ هؤلاء الاحداث في سن مبكرة للالتحاق بالعمل على اختلاف حرفه ومهنه اما لكسب حرفة معينة دون ان يتقاضى هذا الغلام او ذاك أي مقابل مادي واما للمساهمة في تغطية النفقات الاسرية المتزايدة يوما بعد يوم إثر تصاعد موجة الغلاء في الاسعار وضعف القوة الشرائية للعملات المتداولة . وبالرغم من ان البطالة متفشية في اوصال المجتمع الفلسطيني في الاراضي الفلسطينية حيث وصلت نسبة عالية فان الطلب على الايدي العاملة من الاحداث او الاطفال يتزايد بشكل كبير ذلك لأن سوق العمل في بعض قطاعاتة يحتاج الى هذا النوع من الايدي العاملة نظرا لنوعية المهن الخفيفة ولقيمة الاجور المتدنية التي يود صاحب العمل دفعها والتي تتراوح ما بين 30 دولارا إلى 100 دولارا ( ما بين 20 - 70 دينارا اردنيا ) . كإجراء من اجراءات السلامة المهنية منع قانون العمل الساري المفعول في فلسطين ، الاولاد من العمل في اية عملية انتاجية او عمل خطر . كما ان القانون لم يسمح لأي ولد عامل القيام بالعمل ليلا خلال المدة الواقعة بين الساعة الثامنة مساء وحتى الخامسة صباحا ، أي ان الاطفال غير مشمولين في نظام الورديات او النوبات في العمل . وقد حدد قانون العمل قيودا على استخدام الاولاد اهمها : 1. لا يجوز استخدام الولد الذي لم يتم الثالثة عشرة من عمره بالعمل في مؤسسة .2. لا يجوز السماح لأي ولد اتم الثالثة عشرة من عمره بالعمل في مؤسسة ما لم يكن قد حصل على شهادة من الطبيب المسؤول عن إصدار الشهادات بان صحته ملائمة لاستخدامه في العمل الذي سيستخدم فيه ، ويقدر الطبيب المسؤول عمر الولد عندما لا توجد بحوزتة شهادة ميلاد معتمدة ويجب على مدير المؤسسة ان يحفظ التفاصيل المتعلقة بكل ولد عامل مستخدم في مؤسسته .3. كما انه لا يجوز استخدام أي ولد في مؤسسة اكثر من ست ساعات في اليوم . 4. كما لا يجوز استخدام السماح لولد بالعمل في اية مؤسسة في أي يوم عمل خلاله في مؤسسة اخرى .وكذلك يقضي القانون بضرورة ان يحتفظ مدير كل مؤسسة بسجل خاص للعمال الاولاد وبسجل آخر للعمال الكبار يذكر فيه : اسم الولد العامل ، تاريخ التحاق العامل بالمؤسسة ، تواريخ الاجازات السنوية الممنوحة للعامل والمدفوعة الأجر واية تفاصيل اخرى . كما يجب ان تعرض كل مؤسسة منتظمة اعلانا باوقات العمل اليومية والاستراحة او العطلة الاسبوعية مقدما بين بصورة واضحة الاوقات التي يقتضي على العمال او فئات العمال خلالها على ان يكون هذا الاعلان مصانا من العبث صيانة وافية .اخواني العمال واصحاب العمل الكرام ..إن القانون شيء وتنفيذه وتطبيقه على ارض الواقع في موقع العمل شيء آخر حيث نلاحظ في فلسطين خاصة بالضفة الغربية وقطاع غزة آلاف الاطفال دون سن الثالثة عشرة من عمرهم يعملون ساعات طويلة في اليوم وحتى ان بعضهم يقوم بالعمل ليلا وهذا لا يجوز من ناحية ادبية واخلاقية ووطنية وإسلامية في الوقت ذاته . كما ان اصحاب العمل مدعوون الى انصاف الاطفال العاملين ونقول لهم ( ارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء ) ولا نريد ان نشمل جميع اصحاب العمل بل نقول ان هناك بعض اصحاب العمل ونأمل من هؤلاء رحمة الاطفال العاملين لديهم بمنحهم حقوقهم العمالية القانونية وتخصيص اجرة مناسبة لهم لأن هذا الطفل او ذاك قد تكون عائلته بحاجة اقتصادية ماسة ، وقد يكون هو المعيل الاول لهذه الاسرة وخاصة في حالات الاسر التي توفي معيلها او سجن في احد السجون الاسرائيلية لاسباب سياسية أو في حالات مرض المعيل كالأب أو الأخ الأكبر وهكذا . فاتقوا الله في الأيتام والأطفال المحتاجين للعمل يا ايها المسؤولون اينما كنتم وحيثما حللتم في أي مكان وزمان فالحق أحق أن يتبع فلا تجعلوا المثل الشعبي ينطبق عليكم ( الأيتام على موائد اللئام ) وفي مؤسسات اللئام ، بل كونوا من الناس الكرام ، أكرموا العمال الصغار أكرمكم ورحمكم الله ، فالله هو الرقيب والحسيب على كل الأعمال ولا تنسوهم من حقوقهم ولا تكونوا من الفجار . واثناء عملية الاستخدام للاحداث يتعرض هذا الصنف من العمال لعملية استغلال اقتصادي واجتماعي في معظم الاحيان . فمن الناحية الاجتماعية ، من الممكن ان يعامل هذا الطفل او ذاك معاملة غير لطيفة بعيدة عن الرفق بل تكون قاسية في بعض الاحيان يستخدم فيها الضرب او التهديد بالفصل من العمل أو تقليل الأجور فلا تبخسوا الأطفال أجورهم . اما من الناحية الاقتصادية فان هؤلاء الاطفال العاملين لا يتقاضون اجورا مناسبة تتلائم مع واقع المهن التي يمارسونها ، ليس هذا فحسب بل يحرمون من الحقوق العمالية حيث يحرمون من الاجازات السنوية او المرضية او حتى العطل الاسبوعية او مكافأة نهاية الخدمة وغيرها وهذا اجحاف بحق كرامة الانسان وكبريائه الوطني . على العموم ، إن عملية إلحاق هذا الطفل او ذاك باحدى مواقع العمل تتم من قبل والديه او اقاربه ليكتسب مهنة كما اسلفنا او محاولة لايجاد مصدر دخل جديد للاسرة يساهم في تخفيف الاعباء المعيشية الثقيلة على الناس عموما ومن خلال استطلاع ظروف وشروط العمل في المنشآت الاقتصادية والمؤسسات والشركات في فلسطين تبين ان هذا الجيل العمالي يعاني من ظلم واضطهاد اقتصادي واجتماعي اذ يتم استخدامهم او تشغيلهم لفترة تزيد عن ست ساعات يوميا قد تصل الى اثنتي عشرة ساعة وتحت ظروف صعبة خالية من مبادئ وقواعد الصحة والسلامة المهنية والوقاية الواجب اتباعها للحفاظ على صحة العمال . ترى كيف التحق هؤلاء الاحداث بالعمل ؟ ولماذا التحقوا به في سن مبكرة ؟ من خلال استقراء الظروف الحياتية المعاشة لوحظ ان هذا الجيل الفتي من الأحداث تسرب من المدارس في سن مبكرة إما بسبب فشلهم في التعليم بشكل اساسي وإما بسبب الحاجة الاقتصادية او لاسباب سياسية تتمثل في ضغط سلطات الاحتلال على طلبة المدارس اثناء الهبات والانتفاضات الوطنية الجماهيرة او بسبب رغبة الطفل أو والده في تعلم مهنة معينة وعدم الرغبة في متابعة التعليم المدرسي أو لجميع هذه الاسباب مجتمعة . وفي فصل الصيف عادة عندما تعطل المدارس تكثر عملية تشغيل الاحداث ، واثناء العام الدراسي ايضا يتم تشغيل المئات منهم بعد انتهاء الدوام عند ساعات الظهيرة حتى ساعات المساء المتأخرة . على اية حال ، إن هذا الجيل العمالي من الاطفال بحاجة الى رعاية واهتمام اكبر من الفعاليات العمالية النقابية ومن قبل وزارة العمل الفلسطينية ومن الأهل قبل كل ذلك . ومن الضروري الاسراع في تطبيق قانون العمل الفلسطيني فعليا على ارض الواقع لانصاف هذه الشريحة العمالية في المجتمع الفلسطيني . هذا على الصعيد الفلسطيني ، اما على الصعيد العالمي فهناك امر يخفيه العالم وهو ان أكثر من مائتي مليون طفل تتراوح اعمارهم ما بين الثالثة عشر والخامسة عشر يعملون في المناجم وصناعة الكبريت وحياكة الملابس وفي البناء ونسج السجاد ، كما ان هناك من الاطفال من يعمل في الطبخ وغسل الثياب وبيع العلكة في الشوارع . وكشف الاتحاد الدولي لنقابات العمال الحرة ان معظم هؤلاء الاطفال يعملون في البلدان النامية في آسيا وافريقيا وامريكيا اللاتينية في حين يصدر انتاجهم الى البلدان الصناعية . وتتركز أعلى نسبة من الاطفال العمال في العمال في العائلات الفقيرة المعوزة وتلك التي مارست العمل بهدف الحصول على دخل مالي . وحسب مكتب العمل الدولي في جنيف ، وهو احد اجهزة منظمة العمل الدولية ، وفي الاونة الاخيرة اكد مكتب العمل الدولي ان سوق العمل في كافة انحاء العالم تستخدم اكثر من 100 مليون طفل لا يتجاوز سن الواحد منهم خمسة عشر عاما والامر على اشده في قارتي افريقيا وامريكيا اللاتينية . واوضح مكتب العمل الدولي ان عشرات الملايين من الاحداث يشتغلون مع اصحاب المنشآت الاقتصادية في الدول الفقيرة كالعبيد لقاء دريهمات قليلة لا تسمن ولا تغني من جوع . وهناك الملايين من الاطفال يعملون لتسديد ديون عائلاتهم ، وهناك طائفة اخرى من الاطفال تعمل لتوفير قوتها وقوت عائلتها ، وهذا قمة الاستغلال والاضطهاد المعيشي والاقتصادي لهذه الشريحة الاجتماعية من شرائح المجتمع العالمي هذا إن وجد . ويلتحق الاطفال بسوق العمل وخاصة في قارات آسيا وافريقيا وامريكيا اللاتينية لعدة أسباب من ابرزها : 1. عدم وجود المعيل .2. عدم كفاية الدخل المتدني الذي يتقاضاه رب الاسرة من هذه المنشأة او تلك .3. وكذلك ادت الحروب والاضطرابات السياسية الى هجر عدد كبير من الطلبة في المراحل الاساسية لمدارسهم جراء هدم المؤسسات التعليمية والتحاقهم بالعمل اضافة الى عدم اهتمام الآباء والامهات بتعليم الاطفال فيتركون المدارس ويتسكعون في الشوارع دون أي اهتمام علمي او اجتماعي يذكر .من جهة ثانية ، وبالرغم من اننا دخلنا أبواب القرن الحادي والعشرين فاننا نرى ان هناك اقطاعيين في العالم ما زالوا يمارسون العقلية الاستعبادية والسادية الاستغلالية لتسخير الغلمان للعمل لديهم دون ان يعطوهم ادنى حقوقهم في الاجور ، كما ان هؤلاء الاطفال يعملون ساعات طويلة طوال النهر دون التقيد بثماني ساعات المحددة للكبار او ست ساعات للصغار في البلدان النامية حيث يتصرف اصحاب العمل الجشعين الخالين من أي وازع للضمير الانساني وكأنهم جزء من ممتلكاتهم او الآتهم او عقاراتهم . ويشير تحقيق اجراه مكتب الاحصاء في منظمة العمل الدولية في 134 بلدا من اصل 205 بلدان حددتها الامم المتحدة ان الرقم المقدم وهو 100 مليون طفل عامل هو رقم تقريبي وليس حقيقي حيث ان الرقم الحقيقي اكبر من ذلك بكثير اذ يتستر البعض وينكر انه يستخدم اطفالا .ومهما يكن من امر ، إن حوالي خمسين مليون طفل تحت السن القانوني المقر في قوانين العمل الدولية يعملون في سوق العمل في عدة قارات في مقدمتها قارة آسيا تلتها افريقيا حيث تبلغ نسبة العمال من الاطفال من اصل مائة مليون حوالى الثلث أي ما يعادل 33 مليون والباقي يعملون في قارة امريكيا اللاتينية وسواها وقد تبدو عملية تشغيل الاطفال للوهلة الاولى انها تساعد في تطور الوضع المعيشي للعائلة الفقيرة الا انها في حقيقة الامر تسبب ركودا اقتصاديا وتعليميا وخدماتيا ويؤدي الى زيادة النمو السكاني بشكل ملفت للنظر اذ انه طالما ان كل طفل وخاصة في افريقيا يعيل نفسه فان رب الاسرة يريد المزيد من الاطفال لتقوية سمعتة وسمعة عائلتة وللمحافظة على اسم العائلة دونما التزام فعلي تجاههم .بقي ان نقول ، إن مسألة عمل الاطفال دون السن القانوني في مختلف مجالات العمل وكافة القطاعات الاقتصادية في الصناعة والزراعة والبناء والخدمات ستبقى مطروحة على جدول اعمال المجلس الاداري لمكتب العمل الدولي بصورة دائمة ، الذي يعقد في مدينة جنيف السويسرية في الصيف . وتشير مصادر عمالية دولية مطلعة إلى أن المؤتمر الدولي يعتزم عقد مؤتمر دولي جديد حول تشغيل الاحداث قسريا او اختيارا لمناقشة الاسباب والدوافع ووضع الحلول المناسبة كمحاولة للقضاء على هذا الظاهرة الاقتصادية الغريبة المستفحلة في الدول النامية وبالرغم من ان الاتحادات العمالية العالمية ومنظمة العمل الدولية كانت طرحت منذ عام 1992 برنامجا دوليا لحظر تشغيل الاطفال ومساعدة الدول التي تشغل هؤلاء الغلابى الا ان عملية التشغيل ازدادت وبوتيرة متصاعدة عاما بعد آخر لاستخدام الايدي العاملة الصغيرة . واخيرا نقول لاصحاب العمل في كل مواقع العمل حكموا ضميركم ولا تستغلوا حاجة الاحداث او الاطفال الى العمل وتبخسوهم اجورهم ، ولا نعفي اصحاب العمل الفلسطينيين ايضا من ذلك ، فهم المطالبون أولا وقبل غيرهم بإنصاف العمال الأطفال ومنحهم حقوقهم القانونية المقرة رسميا وعدم المماطلة والتسويف في استغلال هذه الشريحة العمالية . ونؤكد على القول الماثور : أحبوا لغيركم ما تحبوه لأنفسكم . الى هنا اعزائي العمال والنقابيين واصحاب العمل ناتي الى نهاية هذه المحطة العمالية ، نشكر لكم حسن استماعكم والى اللقاء في محطة قادمة إن شاء الله تعالى . نترككم في عناية الله ورعايته . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: