الجمعة، 18 يوليو 2008

عملية الرضوان أم إعادة الأبناء ؟؟!

عملية الرضوان أم إعادة الأبناء ؟؟!

كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ
غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ
وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)}( القرآن المجيد ، البقرة ) . وجاء في صحيح البخاري - (ج 10 / ص 257) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فُكُّوا الْعَانِيَ يَعْنِي الْأَسِيرَ وَأَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ ) .

بدموع من الفرح والترح الحزينة في ثنائية فلسطينية مستمرة استقبلنا العودة الميمونة لأسرى منتصرين عائدين ، وأجساد شهداء مسلمين عند ربهم يرزقون ، ففي يوم الأربعاء المشهود ، 16 تموز 2008 ، ترقب العالم من أقصاه لأقصاه وخاصة المهتمين في الشؤون العربية – الصهيونية عملية التبادل بين حزب الله اللبناني وحكومة الاحتلال الصهيوني ( عملية الرضوان ) ورغم تأخرها الفني قليلا إلا أنها تمت بنجاح ، وانتصار القليل العدد والعدة المتمثل بحزب الله على الكثير العدد والعتاد والعدة الذي يمثل الكيان الصهيوني في أرض فلسطين . وجاء هذا مصداقا لكلام الله المقدس : { كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (249)}( القرآن المجيد ، البقرة ) .
لقد تمت الوساطة الألمانية في الصفقة بوساطة ضابط مخابرات ألماني بموجب تفويض من الأمم المتحدة بين الخصمين المسلم والكافر بنجاح ، انتصر فيها الإنسان المسلم على الكافر ، ولو أنه قليل العدد والعدة على الكثير العدد والعدة الذي أصبحت كثرته غثاء كغثاء السيل بعد هزيمته المدوية أولا في 23 أيار عام 2000 ، ثم في حرب صيف 2006 ، وعدم تمكنه من اجتياز الحدود البرية الشمالية بين فلسطين المحتلة ولبنان . ومهدت مصلحة السجون الصهيونية يوم الاثنين 14 تموز 2008 للصفقة عندما نقلت مصلحة السجون أربعة من الأسرى المعتقلين لديها وهم : ماهر كوراني ومحمد سرور وحسين سليمان وخضر زيدان لينضموا إلى سمير القنطار المسجون في هاشارون تمهيدا لنقلهم جميعا إلى معبر رأس الناقورة ، في عملية التبادل المنتظرة آنذاك .
تمت عملية الرضوان ( وهو اسم الشهيد ( الحاج رضوان ) عماد مغنية القائد العسكري السابق لحزب الله الذي اغتاله الموساد بدمشق في شباط 2008 ) بنجاح منقطع النظير مقابل عملية يهودية أطلقوا عليها ( تفوق القيم الأخلاقية ) ثم شطبوا هذا الاسم وأطلقوا عليها عملية إعادة الأبناء وهما الجنديين الصهيونيين وهما ( الداد ريجيف و إيهود غولدفاسر ) الذين أسرها حزب الله في 12 تموز 2006 في عملية الوعد الصادق ، وما صاحبهما من مقتل تسعة جنود يهود آخرين في مزارع شبعا وهي الأرض اللبنانية المحتلة عام 1967 . وقد استمر السجال والجدال حول عملية تبادل الأسرى بين حزب الله اللبناني العربي الأصيل وبين حكومة الاحتلال اليهودي الدخيل في فلسطين مدة ناهزت العامين ، ولكنها تمت بإخراج خمسة أسرى لبنانيين ، منهم أربعة من جند حزب الله أثناء معركة صيف 2006 ، وأولهم فيها الأسير سمير القنطار ( اللبناني الدرزي الطائفة ، الفلسطيني الانتماء عبر التحاقه في جبهة التحرير الفلسطينية بالثورة الفلسطينية ، وقد تبنته أم فلسطينية إلى جانب ابنها وهي أم جبر وشاح حيث كانت تزوره في سجنه ابتداء من عام 1985 في سجن نفحة الصحراوي حتى منعها الاحتلال من زيارته ، والإسلامي الخروج من أسر الاحتلال ، فكان قنطارا من الخير والحب لفلسطين ولبنان ) الذي دخل فلسطين عسكريا مقاتلا وقتل قبل ثلاثين عاما ثلاثة مستوطنين في نهاريا وجرح آخرين شمال فلسطين المحتلة ، وحكمته المحاكم الصورية الهزيلة الصهيونية 542 عاما على فعلته تلك بدعوى أنه إرهابي من الطراز الأول في ذلك الحين . وأخرجت العملية الرضوانية تلك من أسر مقبرة الأرقام الصهيونية جثامين طاهرة ل 199 شهيدا من الشهداء الأكرم منا جميعا الذين قدموا أرواحهم فداء لفلسطين منذ عشرات السنين وحكم عليهم بالقهر الصهيوني الدنيوي بعد الموت المقدس في مقابر يشرف عليها الأعداء في ارض فلسطين المباركة .
لقد خرج جثامين جميع شهداء منفذي عملية الساحل الفلسطيني في ربيع ذلك العام ردا على زيارة أنور السادات للكنيست الصهيوني ، من بينهم خروج جثمان الشهيدة الفلسطينية الطاهر دلال المغربي ابنه يافا أصلا بعدما قادت عملية استشهادية جريئة في 11 آذار 1978 ، فقتلت من اعتدى على يافا زورا وبهتانا وأطلق عليها تل أبيب وما جاورها ، لقد قتلت العملية الفدائية في منطقة يافا أكثر من خمسين قتيلا يهوديا وعشرات الجرحى ، ممن اعترف بهم الكيان الصهيوني أو أخفاهم ، واستشهد معظم العملية الفدائية الفتحاوية الفلسطينية ، وكان اسم تلك العملية مجموعات دير ياسين لعملية الشهيد كمال عدوان . ومن غرائب الحياة العامة والسياسية أن من قتل المجاهدة دلال المغربي وأفرغ فيها رصاصات اللؤم وشدها من شعرها وهي شهيدة بعدما نفذت ذخيرة سلاحها هو ( الفتاة الشقراء – أيهود باراك ) عام 1978 عندما كان قائدا للوحدات العسكرية الصهيونية الخاصة هو نفسه من وافق على إخراج جثمانها الطاهر بعد ثلاثين عاما من التحفظ عليه لمدة عشر سنوات في ثلاجات الموتى ، ثم في مقابر الأرقام الصهيونية ، ولكن هذه المرة بصفته وزيرا للحرب الصهيوني ، مع زميله الكاديمي أيهود أولمرت وموافقة 22 وزيرا من أصل 25 وزيرا في حكومة الاحتلال الصهيوني . وقد طالبت عائلة الشهيدة دلال المغربي السلطة الوطنية الفلسطينية بإعادة دفن جثمان الشهيدة في رام الله أو أي بقعة من فلسطين لأنها عشقت فلسطين وضحت من أجلها ولم يعرف مصير هذا الأمر حتى الآن ، وهو عين الصواب فتكريم دلال يجب أن يتم بوضع جثمانها الطاهر في بقعة فلسطينية رغم أن روحها ترفرف في سماء فلسطين المباركة التي روتها بدمائها الزكية .
لقد انتصرت مجموعة دلال المغربي التي كانت دليلا لفتيان وبنات فلسطين البررة لاحقا ، في العمليات الاستشهادية ، مرتين : المرة الأولى عندما دخلت ساحل مدينة يافا على البحر الأبيض المتوسط ، في قارب مطاطي صغير رغم الحراسة المشددة من البحرية الصهيونية والبوارج الحربية والزوارق العسكرية المحاذية للساحل ، لقد أدخلتها ومجموعتها الاستشهادية عروس فلسطين الجغرافية مدينة يافا الرءوم لقلبها الحنون واحتضنتها لأنها ابنة يافا البارة فكانت عروسا جغرافية كبرى تحتضن عروسا فلسطينية أخرى ولكنها بشرية أكبر منها جهاد وبطولة منقطعة النظير . لقد هزت تلك العملية الفدائية الكيان العبري هزا عنيفا أسقطت فيه أوراق الربيع قبل أوانها فتحولت لأوراق خريفية صفراء ذابلة . والمرة الثانية : بعدما استمرت تلك العملية الفدائية تقطف ثمارها رويدا وريدا في جبهة الصمود والتصدي للاستسلام الساداتي المريع ، إلى أن جاءت عملية الرضوان التحريرية والإعلامية الناجحة لتزيدها تألقا فوق تألق عسكري ، في 2008 ، وبهذه الذكرى يستذكر الإنسان القائد الفلسطيني العسكري الفذ خليل الوزير ( أبو جهاد ) مهندس العملية الفدائية تلك كغيرها من العمليات الكبرى مثل عملية مفاعل ديمونة عام 1988 إبان انتفاضة فلسطين الكبرى الأولى .
لقد خرجت جثامين 199 فدائيا أو مجاهدا فلسطينيا وعربيا ومسلما من ثنايا القبور الصهيونية تحت الأرض ، حيث عانقت تلك الأجساد الطاهرة أرض فلسطين وعطرتها برائحة المسك الجهادية بعدما روتها بدماء الحمراء القانية ، خرجت في عملية جريئة هي عملية الرضوان ، فكانت رضوانا إلهيا مباركا في ظل انتصار كظل ظليل يظل عملية الخروج المشرفة ، فكما كانت عملية الدخول والعبور الجهادي لفلسطين مرفوعة الرأس في حالة إقبال لا إدبار ، جاءت عملية الخروج في حالة إقبال لا إدبار في الآن ذاته ، فقد كرم الله هؤلاء الشهداء أولا وآخرا ، ونسأله أن يتغمدهم بواسع رحمته ويتقبلهم شهداء أحياء عند ربهم يرزقون . يقول الله الحي القيوم : { وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)}( القرآن المجيد ، الصف ) .
وفي ثنايا هذه العملية المضادة ، برزت تسميات لها هل هي عملية الرضوان ؟ وهو الحاج رضوان القائد العسكري الفذ لقوات حزب الله الذي اغتاله الموساد الصهيوني في دمشق ارض الشام ، أم هي عملية ( إعادة الأبناء - التفوق الأخلاقي الصهيوني ) كما أطلق عليها يهود فلسطين زورا وبهتانا ؟؟ ومن المعروف أن يهود فلسطين ، حكاما ومستوطنين ، ليس لديهم أدنى ذرة من ذرات الأخلاق الفاضلة أصلا ، بل ينضحون بالأخلاق الذميمة الفاجرة ، لأنهم هم الفكرة الفجرة بحق وحقيق ، فهم محتلون يستعمرون فلسطين ويشردون ويطردون ويعذبون أهلها منها ليل نهار ، فأين هي الأخلاقية في هذا التصرف التبادلي ؟ إنها ليست عملية أخلاقية لحزب كاديما أو حزب العمل أو الأحزاب الصهيونية الحاكمة بقوة الحديد والنار في فلسطين بل هي رضوخ وهزيمة وذلك لم يعتادوا عليه من العرب قبلا لقادة الاحتلال اليهودي في فلسطين ، وانتصار للأسرى والشهداء مرتين ، المرة الأولى عند عبورهم المقدس لفلسطين والمرة الثانية عند خروجهم المشرف من فلسطين وانتصار معنوي وجهادي لحزب الله وقائده الكبير حسن نصر الله صاحب الوعد الصادق ، لقد تجلى صدقا صادقا في ثنايا فلسطين ولبنان مرات ومرات ، فأصبح الزعيم العسكري الأول في الوطن العربي بلا منازع ، رغم امتعاض البعض من هذه الحقيقة المرة في حلوقهم ، نقول هذا للتاريخ بعيدا عن الفئوية الشحيحة والحزبية الضيقة والقبلية المقيتة والطائفية المبعثرة النتنة . يقول الله السميع العليم : { إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)}( القرآن الحكيم ، آل عمران ) .
وسؤال يطرحه البعض وهو هل الإنسان اليهودي أغلى من الإنسان العربي أو الفلسطيني أو المسلم ( من بلد إسلامي ) ؟ حتى يتم تبادل رفات أو جثامين جنديين صهيونيين أسرا قبل عامين مع خمسة أسرى أحدهم قتل عدة يهود مستعمرين في أحد المستعمرات اليهودية في فلسطين منذ أكثر من 30 عاما وكانت قيادة الجاليات اليهودية في فلسطين ترفض نقاش أمره مجرد نقاش ، وإذا به يخرج مرفوع الهامة ويلبس البزة العسكرية مجددا بمجرد دخوله منطقة الناقورة في لبنان الجنوبي المقاتل فهددت قوات الاحتلال الصهيوني بتصفيته لاحقا . الإنسان المسلم والعربي والفلسطيني ، في أحادية أو ثنائية أو ثلاثية الصفة ، أغلى لدينا من كل إنسان على وجه الكرة الأرضية ، وليس العبرة بالعدد للمقارنة بأن جثماني أثنين 2 يساوون أجساد 199 من أجساد الشهداء الطاهرين + خمسة أسرى محررين ، ولكننا نؤكد وهي حقيقة لا تخفى على أحد من الموضوعيين والحياديين وأولي الألباب والعقول النيرة لا الحاقدة ، أن معركة النزال التفاوضي كانت الأجدى والصلح ، فقد أخفت قيادة حزب الله وفاة هذين الجنديين الصهيونيين إخفاء تاما حتى آخر لحظة وحصلت ما حصلت عليه من فوز ونصر مبين على الأعداء الظالمين ، فعادت أدراج الأعداء على أعقابهم خائبين كما خابت في إرجاعهم طيلة 34 يوما من الحرب في صيف 2006 ، فكانت انتصارات تموز مرتين في عام 2006 و2008 لتكون سيفا مسلطا على رقاب قيادة صهاينة فلسطين ، الأمر الذي استدعى بروز مظاهر الكآبة والاكتئاب والحزن في عيون أبناء وبنات صهيون الأرذلين كبارا وصغار ، ذكورا وإناثا ، على السواء ، إبتداء من شمعون بيرس رئيس الكيان الصهيوني ، ومرورا بأولمرت رئيس الوزراء المستوزرين في فلسطين الكبرى المحتلة وانتهاء بوزير الحربية أيهود باراك وغيرهم الكثير الكثير ، عندما شاهدوا احتفالات الرجوع العظيم للناقورة وبيروت واسترجاع بضع أسرى العرب في سجون الاحتلال الصهيوني والأجساد الطاهرة المطهرة للمجاهدين السابقين في سبيل فلسطين وأهل فلسطين وفي سبيل نصرة الحق المبين . يقول الله الحميد المجيد : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) }( القرآن العظيم ، محمد ) .
لقد بكى الصهاينة في تموزين صيفيين ذوي حرارة نارية ملتهبة ، مرتين : الأولى عند فشلهم وإخفاقهم الذريع في القضاء على بنية حزب الله العسكرية الصلبة أو أسر أي من قادة الحزب ، وفشلهم في استعادة الجنديين القتيلين دون ثمن باهظ حسب أعرافهم وأضاليلهم الظالمة .
وهناك جملة من النقاط التي لا بد من الإشارة لها وعبر سؤال يتمثل في : لماذا تمت عملية التبادل بين الجانبين في فترة طويلة قياسيا ونجحت ممثلة بانتصار حزب الله ؟؟ هناك العديد من الأسباب الداخلية والخارجية ، من أهمها :
1. إدراك قيادة الجاليات اليهودية في فلسطين ممثلة باليهوديين الأولين في البلاد : أيهود أولمرت رئيس الوزراء الصهيوني زعيم حزب كاديما ، وأيهود باراك وزير الجيش الصهيوني وزعيم حزب العمل ، ومن لف لفهم من الأحزاب اليهودية القومية والدينية والوسطية وغيرها ، إدراكهم بأنهم ظلمة وغير عادلين ، فالأسير سمير القنطار كان يفترض أن يخرج في 29 كانون الثاني 2004 عندما جرت عملية تبادل بين قيادة حزب الله وبين القيادة الصهيونية فنكثوا بتعهداتهم وأبقوا على القنطار أسيرا ، وكذلك يدركون أنهم على خطأ بل خطيئة كبرى إذ ما يستفيدون من الاحتفاظ برفات أجساد الفدائيين الذين استشهدوا في مقابر أرقام جماعية . فالعقلية الصهيونية الاستعمارية تعطي أرقاما ليس للأموات فقط بل للأسرى في سجونها والأموات في قبورها والأحياء في ارض آبائهم وأجدادهم .
2. الحضور القوي للمطالب العربية العادلة في المفاوضات غير المباشرة بين قيادة حزب الله وقيادة الصهيونية في فلسطين ، واعترافهم بالهزيمة النكراء ، واضطرارهم لتلبية طلبات المقاومة الإسلامية التي أذلت أعناقهم ذلا أبديا .
3. رغبة الفاسدين والمفسدين في الأرض من قيادة الصهيونية اليهودية في البلاد بالتخلص من تبعات هزيمة حرب صيف 2006 التي تقض مضاجعهم ، وتعالي أصوات الرأي العام اليهودي في البلاد المطالبة بعودة الجنديين الأسيرين ، سواء أحياء أو أمواتا لا فرق ، وتطبيق العقيدة اليهودية المتزمتة بضرورة عودة هؤلاء الأسرى أو رفات القتلى اليهود إلى جنتهم الأرضية المزعومة .
4. اقتراب الانتخابات الحزبية الداخلية والبرلمانية العامة الصهيونية في البلاد ورغبة قيادة تلك الأحزاب الصهيونية الحاكمة في تقديم شيء للرأي العام المطالب بعودة المحتجزين لدى حزب الله اللبناني .
5. التفرغ لعملية تبادل أخرى مقابل الجندي الصهيوني المخطوف في قطاع غزة هاشم ، وعدم معرفه مصيره حتى الآن .

على العموم ، لقد وحدت العودة الميمونة لأسرى لبنانيين وجثامين شهداء من فلسطين والوطن العربي والوطن الإسلامي ، أهل لبنان بجميع طوائفه الدينية وأحزابه السياسية ، رئاسيا وحكوميا ، رسميا وشعبيا وحزبيا ، في أجلى صور التعاون والتعاضد لاستقبال النشامى العائدين عبر العبور العظيم لأرض لبنان المحررة من الاحتلال الصهيوني الظالم ، فتوحدت القلوب والعقول في يومين متتالين آملين أن تستمر إلى الأبد هذه الوحدة العظيمة ، التي أرقت طواغيت الأعداء ، وشددت من عضد نشامى لبنان المنتصر على الأعداء .
وغني عن القول ، إن عملية الرضوان الإسلامية قد هزمت غالبا عملية عودة أبناء الصهيونية في كل الاتجاهات العسكرية والسياسية والنفسية والإعلامية ، ورفعت من أسهم حزب الله في لبنان وفي الوطن العربي ، وتبنيه استعادة لأسرى وجثامين مجاهدين لم يكونوا من عناصره في يوم من الأيام ، وأثبتت أن معاهدات واتفاقيات السلام المعقودة بين الأطراف العربية وصهاينة اليهود في فلسطين لم تفلح في استعادة هؤلاء الفدائيين الذي فدوا فلسطين بأرواحهم ودفعوا ضريبة الحجز والأسر الصهيوني أمواتا وأحياء على حد سواء وأن الطريق الوحيد الأوحد لتحرير الأسرى هو عمليات التبادل المضادة في كل الاتجاهين ، وهو تكريس لعقلية الجهاد في سبيل الله أولا وآخرا . وكان لعملية الرضوان الإسلامية أن تهزم طواغيت وبغاة الأعداء الصهاينة كليا لو أعيدت جثامين الشهداء إلى فلسطين ودفنوا في المقابر الجماعية ولكن لا بأس في ذلك فقد كانت عملية جريئة وشجاعة بكل معنى الكلمة فقد نجحت في تحطيم القيود والأصفاد الصهيونية عن بعض الأسرى النوعيين والجثامين الطاهرة فصنعوا ثورة جديدة متجددة في النفوس كما أشعلوها ثورة متأججة في عملياتهم الفدائية الجهادية وقد لجأت وسائل الإعلام الصهيونية إلى التشكيك في تسليم جثمان الفدائية الاستشهادية الفلسطينية الأولى دلال المغربي لشن حرب نفسيه على أبناء الشعب الفلسطيني عامة وأبناء حركة فتح خاصة الذين أعدوا عدة مسيرات بمناسبة الإفراج عن فدائية فلسطين الأولى في يافا عروس البحر المتوسط . وكانت هناك لفتة سابقة من المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة فتح إلا أن سمت جناحا لها باسم ( كتائب الشهيدة دلال المغربي ) تكريما لها . وقد أصبح لبنان دولة عظمى في المنطقة بفضل الإسلام الجليل العظيم الذي يتبناه حزب الله ، فعامل حزب الله الصهاينة الند للند ، وفق سياسة ( خذ وطالب ) ، رغم أنه ليس دولة أو حكومة والحبل على الجرار لإخراج أسرى فلسطين والعرب والمسلمين من طواغيت الاحتلال الصهيوني في فلسطين والاحتلال الأمريكي في العراق وأفغانستان وغيرها . فنسأل الله العزيز الحكيم أن ينزل ألف رحمة على أرواح الشهداء في جنات النعيم والخلود الأبدي في أعلى عليين ، ونقرأ على أرواحهم السبع المثاني العظيمة : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }( القرآن المجيد ، الفاتحة ) . فطوبى لهم في الفردوس الأعلى إن شاء الله تعالى .
ألف ألف مبارك للأسرى المحررين في عملية الرضوان ، والفاتحة على أرواح شهداء فلسطين والعرب والمسلمين أجمعين ، في كل وقت وكل حين ، وخاصة الشهداء الذي لبوا نداء ربهم دفاعا عن فلسطين . وفاتحة عملية الرضوان ستكون فاتحة خير على أسرى الحرية في سجون الاحتلال اليهودي البالغ عددهم أكثر من 11 ألف أسير وأسيرة وفي مقدمتهم النساء والأطفال وذوي الأحكام العالية والوزراء والنواب المحتجزين رغم تمتعهم بالحصانة البرلمانية والسياسية كونهم منتخبين من شعب فلسطين في عملية انتخابات شهد عليها مجموعات مراقبة أجانب وغربيين في كانون الثاني عام 2006 .
وإلى لقاء آخر ، في عملية تبادل أخرى منتظرة حول الأسرى الفلسطينيين والأسير الصهيوني المحتجز في قطاع غزة هاشم ، وعمليات تبادل أسرى جديدة بفعل التفاوض القائم بإسناد قوي إلى المجابهة العسكرية القادمة المنتظرة إقليميا وقهر جيش الاحتلال عدة مرات بعدما كان يدعي أنه الجيش الذي لا يقهر . فسبحان مقلب القلوب ومغير الأحوال ودوام الحال من المحال .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: