الأربعاء، 2 يوليو 2008

تجربتي بإذاعة صوت فلسطين ( 2 )

تجربتي بإذاعة صوت فلسطين
( 2 )

د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)}( القرآن المجيد ، الأحزاب ) . وجاء بصحيح مسلم - (ج 1 / ص 167) كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) .
برامجي الإذاعية في صوت فلسطين
بدأت العمل رسميا في صوت فلسطين في الفوج الأول المؤسس في 1 تموز 1994 ، وأول فعالية كانت لي أن زار الرئيس الفلسطيني ( الراحل ) ياسر عرفات مدينة أريحا الصغيرة في 2 تموز 1994 ، كانت هناك أقاويل بأن الرئيس أبو عمار سيأتي إلى أريحا لتتويج اتفاقية أوسلو التي قضت بإعادة انتشار قوات الاحتلال اليهودي من أريحا إلى خارجها ، فقد قدمت من مدينتي نابلس إلى أريحا بتعب ومرار شديدين كون قوات الاحتلال الصهيوني فرضت طوقا عسكريا شديدا مشددا على الأراضي الفلسطينية وخاصة مدينة أريحا لحشر أهل فلسطين ومنعهم من استقبال القيادة الفلسطينية العائدة من المنفى ، وبالفعل فقد فكرت القيادة الفلسطينية بإلغاء الزيارة بسبب الحواجز الصهيونية الكثيفة على محافظة أريحا وفي آخر لحظة قرر الرئيس عرفات رحمه الله أن يزور أريحا حتى لو حضر أهل المدينة فقط فالزيارة رمزية وطنية وشعبية وانتقال من مرحلة الاحتلال إلى مرحلة التحرير الجزئي لبقعة من أرض الوطن الفلسطيني . أعلمتني إدارة الإذاعة بأن أستعد للتغطية الصحفية الكبيرة لزيارة القائد الفلسطيني الأول ، كوني كانت لي تجربة صحفية مهنية سابقة وفيرة زاخرة في مثل هذه المواقف الحرجة ، جهزت نفسي بعدما كنت مرهقا ومتعبا من اللف والدوران حول الحواجز اليهودية واختراقها ودخول أريحا ، وطلبوا من زميلة لي بأن تعد نفسها هي الأخرى أيضا ، جهزنا أنفسنا وذهبنا لمكان استراحة أريحا وكان الحضور مركزا وليس كثيرا فقد حضر نحو 15 ألف فلسطيني فقط معظمهم من أعضاء ومناصري حركة فتح التي يترأسها عرفات الذين تجشموا مشاق السفر وتحدوا الحواجز أو أولئك الذي توافدوا على المدينة بعد صلاة الفجر لاستقبال الزعيم الفلسطيني العائد من المنفى . استطعت أن أدخل لمكان قريب من وجود الرئيس عرفات بالقرب من المنصة بسبب معارفي من أجهزة الأمن الفلسطيني وجلهم من أبناء فلسطين الداخل الذين أعرف معظمهم عبر دراستي الجامعية أو فترة اعتقالي أو عملي السياسي والتنظيمي السابق ، فقد حضر مع الرئيس الفلسطيني المبعد العائد مروان البرغوثي ، وأمين مقبول وغيرهم من الأسرى المبعدين للمنفى وعادوا قبل عودة الرئيس عرفات ، حيث كانوا زملاء لي في سجون الاحتلال الصهيوني بين عامي 1985 و1986 ، وغيرهم الكثير الكثير ، كان لدي مسجل إذاعي كبير لتسجيل خطاب الرئيس الفلسطيني لأول مرة في ارض الوطن ، من أرض فلسطينية ، وبسبب الزحام فقد ضاعت الحقيبة الإذاعية التي كانت تحملها زميلتي ، وعدنا بدون حقيبة ، وما لبثت أجهزة الأمن أن أحضرتها لمبنى الإذاعة فعليها شعار هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية . لقد غطينا زيارة الرئيس ، وفي السياق ذاته ، كان هناك بث مباشر لخطاب الرئيس عرفات ولو بشكل بدائي كوننا لم نكن نمتلك أجهزة متطورة تبث عن بعد ، وما لدينا كانت أستوديو إذاعي تبرعت به مؤسسة بوندتشفت الألمانية ولا يفي بالغرض المطلوب .
على أي حال ، كانت هذه هي التجربة الأولى لي في العمل الإذاعي ، ثم ما لبثت إدارة الإذاعة أن جلست معنا ، صحفيين ومهندسين ، وتم الاتفاق على تنظيم الوضع الإداري المهني الداخلي وتوزيع الأدوار فيما بيننا ، وكان من تلك القرارات التحريرية اختيار مشرف فترة إذاعية على الأخبار المحلية والعربية والدولية ، فترة صباحية وفترة مسائية ، فاخترت العمل بداية في الأخبار المحلية ، وبدأت الاتصال بمعارفي السابقين ، من نقابيين وصحفيين ورؤساء بلديات وطنيين وغيرهم ، فحصلت على باقة كبيرة من الأخبار وصغتها ، معظمها أذيع كما هو والبعض الآخر جرى تطويره وتمت إذاعتها مرارا وتكرارا كل ساعة . لقد كان العمل الإذاعي المهني شاقا وممتعا في الآن ذاته ، فمهنة صاحبة الجلالة مهنة مؤثرة وفعالة لكنها بحاجة لبذل الجهد وتصبب العرق في عز الصيف في الأغوار الفلسطينية التي تعد أريحا عاصمتها بحق وحقيق .
ثم ما لبثت أن تطورت المهنة الإذاعية الفلسطينية في صوت فلسطين ، وطلبت أن أعد تقارير إخبارية وبرامج سياسية واجتماعية وثقافية وإسلامية موجهة ، فجرت الموافقة لي على عجل ، فأعددت العديد من التقارير الإخبارية عن شهداء وجرحى والأوضاع الفلسطينية العامة . ثم عقد اجتماع آخر للمحررين بعد انضمام صحافيين جدد لنا في مبنى الإذاعة في أريحا ، بعضهم كان لديه الخبرة المهنية والبعض الآخر طلبت منا إدارة الإذاعة تدريبهم على العمل الإذاعي ، وقد طلب مني أن أعد ملفات إخبارية موسعة عن فلسطين بخصوص الأسرى واللاجئين والقدس والجامعات والمحليات الفلسطينية من بلديات ومؤسسات ، بالإضافة إلى الملفات العربية كملف العراق وليبيا حيث كان الوضع ساخنا على تلك الجبهتين العربيتين من إمبراطورية الشر الأمريكية . وكان بعض الصحافيين العائدين من المنفى ممن كانوا يعملون في الإعلام الفلسطيني يريدونني كغيري من الصحفيين المتدربين الجدد ، أن أعد ملفات مهنية سياسية إخبارية وأسئلة يطرحونها على السياسيين والمحللين السياسيين والمختصين ، ويذيعونها بأصواتهم وأبقى أنا معدا فقط ، من هؤلاء الصحافيين القدامى يوسف القزاز وزعل أبو رقطي وفتحي البرقاوي ، وحجتهم أننا صغار في السن وينبغي أن نعد وهم يذيعون ، قبلت الأمر على مضض لمدة أسبوع احتراما لعودتهم من المنفى ، ثم طلبوا مني ذلك مرارا وتكرارا فرفضت الأمر جملة وتفصيلا وقلت لهم ، كل واحد يعد لنفسه ، ولكل واحد منا لسان رزقه الله ليتحدث به لشعبه ، وأنا مبني للمعلوم ولست مبني للمجهول وكنت اردد عبارة ( في هذا الزمن العجيب يطيب للإنسان ما لا يطيب ) وهي عبارة مألوفة رددها كل معارفي وأصحابي في الإذاعة كلما يريدون التحدث معي بفكاهة ومزاح ، اغتاظ بعضهم وسلم البعض الآخر للأمر الواقع ، وذهبت لمدير الإذاعة السيد باسم أبو سمية وقلت له إن الأمر كذا وكذا كما حصل معي بالضبط ، فاستشاط غضبا وقال لي أعد تقارير إخبارية وأذعها بصوتك ، فلك الحق بذلك ، وقال لي أعد اقتراحات لبرامج إبداعية إذاعية جديدة ، في اليوم ذاته قدمت ثلاثة اقتراحات لبرامج فلسطينية موجهة ، أولاها برنامج ( حديث الروح ) وهو برنامج إسلامي ، وثانيها برنامج ( في رحاب الجامعة ) يتعلق بالجامعات والتعليم العالي في فلسطين ، وثالثها برنامج ( شؤون عمالية ) يتعلق بالعمل في فلسطين في القطاعين العام والخاص ، وأعددت مادة برامجية وأجريت لقاءات مع مسئولين فلسطينيين كبار ، من رؤساء جامعات ووزراء وأعضاء لجنة تنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية من ذوي العلاقة ، وشكلت لجنة فيما بعد لدراسة هذه البرامج ، ضمت في عضويتها بعض الصحفيين العائدين واستمع لهذه البرامج ممن كان لا يريدني أن أذيع بصوتي ، قالوا إن كمال علاونه يلزمنا في النشرات الإخبارية لإعداد أخبار فلسطينية وعربية وعالمية ، فلديه الخبرة العملية في ذلك ؟؟ وهذا يؤثر على عمله ، والبعض الآخر وافق على مضض ، ولكن في نهاية المطاف تمت الموافقة على البرامج الثلاثة التي أعددتها ، فكان يوما مشهودا بالنسبة لي فأول صحفي يحصل على الموافقة لإعداد وتقديم ثلاثة برامج أسبوعية دفعة ومرة واحدة هو أنا . سررت بذلك ، ثم تقدمت لاحقا لبرنامج رابع من أعدادي وتقديمي ، وهذا الأمر أستدعى ببعض الصحفيين المعارضين لي بأن أرادوا زج زملاء صحفيين جدد معي في هذه البرامج ، من خريجي الإعلام من الجامعات السوفياتية ، وهم ليسوا متدينين مثلي ، لتدريبهم على العمل الإذاعي وإجراء اللقاءات الميدانية والهاتفية ، فوافقت على مشاركة زميل واحد فقط في برنامج واحد وهو برنامج ( شؤون بلدية وقروية ) وهذا الأمر كان يسرني في بدايته لتدريب زملاء آخرين ، ولكن المشكلة تمثلت في رغبة هذا الأخ بالاعتماد الكلي علي ، في الإعداد الكلي ، من تجهيز وكتابة المادة الإذاعية وإجراء اللقاءات الهاتفية مع المسئولين المعنيين ، وتشكيلها وتنقيحها لغويا ثم استدعيه للقراءة معي فقط ، مما أزعجني وقلت له يجب أن تشارك كما أشارك أنا ، وكررت عليه ذلك مرارا وتكرارا ، فلم يستجب لذلك ، فعمدت إلى تسجيل حلقة إذاعية في برنامج شؤون بلدية وقروية وحدي دون حضوره ومشاركته ، فشكاني لمدير الإذاعة ، وهذا ما كنت أريده أنا ، فأنا لا أريد أن أشكو أحدا لأحد ، وإنما تقصيره هداه لتقديم شكوى ضدي لإدارة الإذاعة ، فطلبت جلسة من مدير عام الإذاعة ومدير البرامج والمدير الإداري وزميلي الآخر وأنا ، وجلسنا سوية في جلسة مغلقة ، وقلت له أبدا في الحديث فلم يعرف ما يقول سوى أن كمال حرمني ومنعني من المشاركة في برنامج الحكم المحلي ( شؤون بلدية وقروية ) ، تحدثت بعده وأوضحت الأمر من بدايته لنهايته ، وقلت لهم لقد دربته كثيرا وساعدته كثيرا ولكنه يبقى اتكاليا وأنا لا أحبذ العمل مع مثل هؤلاء الاتكاليين ، ضحك الجميع ، وغضب زميلي الذي أصبح لاحقا زميلا يثق بي ويحترمني كثيرا ، فأنا كنت أعمل لصالحه ، وهو يريد الاتكال علي في كل شيء وهذا لا يجوز . وفي نهاية الجلسة المغلقة في الطابق الأرضي للإذاعة ، قلت له ولهم أني أسامحه دنيا وآخرة في هذا البرنامج ، وسأساعده وليعده ويقدمه هو وحده فهز الجميع رؤوسهم رضا بما صنعت ، وبقي يعد البرنامج لحلقتين أخريين ، ثم تنحى جانبا وطلب مني أن أعده وأقدمه وحدي ، وهذا ما كان ، فأصبح لدي أربع برامج أسبوعية عدا عن مشاركاتي في الإخبار إعدادا وقراءة في النشرات العادية والمطولة بصوتي . وفي دورة برامجية أخرى ، تقدمت لبرنامج يومي عن الشؤون العامة الفلسطينية وخاصة قضايا العمل ، في القطاعين العام والخاص ، وعنوانه ( محطات عمالية ) فتمت الموافقة عليه بسرعة أيضا ، وكأن باحثون يحضرون ويجرون بحثا على هذا البرنامج اليومي الذي أعده وأقدمه صباحا لمدة تتراوح ما بين 7 – 10 دقائق .
ثم ما لبث أن جاء أخ وزميل آخر من المتدينين ، فأشار علي بعض الزملاء أن هذا الصحفي متدينا مثلك فماذا عساك أن تقدم له ؟؟ فقلت لهم إنني أتخلي راضيا مرضيا عن أحد برامجي المحبب لدي وهو ( حديث الروح ) ، فاستغرب البعض ، وقلت لهم إنني أريد أن أكثر من الصحفيين المتدينين ، وهو متدين ، أصبح زميلا جديدا لي أحبه ويحبني ، واستمر في تقديم هذا البرنامج حتى آذار 1996 ، فقد ذهبت لأداء مناسك العمرة في الديار الحجازية ورغبت في زيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة والصلاة في المسجد الحرام والمسجد النبوي في شهر رمضان المبارك ، في العشر الأواخر من رمضان الفضيل حيث جاء في صحيح البخاري - (ج 6 / ص 410) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لِأُمِّ سِنَانٍ الْأَنْصَارِيَّةِ مَا مَنَعَكِ مِنْ الْحَجِّ ؟ قَالَتْ : أَبُو فُلَانٍ تَعْنِي زَوْجَهَا كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا ، قَالَ : ( فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي ) . ، وأوصيته يا أخ عبد الرحيم أن لا يترك الإذاعة بتاتا مهما كلف الأمر ، وأستدعت الأمور ، فقد خبرت الوضع الداخلي ورؤيتي الداخلية لا تخيب دائما ، ، فذهبت لأداء مناسك العمرة ، وكنت أعددت كل الحلقات اليومية للبرنامج اليومي ( محطات عمالية ) لفترة أسبوعين ، وثلاث حلقات مسبقة لكل برنامج من البرامج الأخرى التي أعدها وأقدمها وهي ( في رحاب الجامعة ) و( شؤون بلدية وقروية ) و( شؤون عمالية ) . وكانت تلك الرحلة الإسلامية الدينية لي أول خروج لي من فلسطين منذ 14 عاما حيث كانت سلطات الاحتلال الصهيوني منعتني وجميع أفراد عائلتي كالوالدين والإخوة والأخوات من الخروج لخارج فلسطين بحجج أمنية واهية ، بسب اعتقالي السياسي عدة مرات بتهمة مقاومة الاحتلال ( والتحريض على الإرهاب ) . وبعدما رجعت من العمرة لم أجد أخي وصديقي وزميلي عبد الرحيم جابر وهو من بلدة يعبد قرب جنين ، الذي تخليت له عن برنامج ( حديث الروح ) ، فسالت عنه ، فقالوا لي لقد قدم استقالته غاضبا وترك الإذاعة بعدما سافرت بأيام قليلة ، وكتب كلمتين فقط ( أقدم استقالتي ) بالإضافة للتقديم لمدير الإذاعة وتوقيعه . حزنت كثيرا وتضايقت لخروجه من الإذاعة ، وعرفت السبب فهو متدين ، ولكنه ليس مثلي يحاول التغيير المرة تلو الأخرى ، لقد شاهد أحد الصحافيين الكبار من العائدين من المنفى وهو يشرب ويأكل في مبنى الإذاعة جهارا نهارا على الدرج في شهر رمضان أحد أركان الإسلام الخمسة ، فآلمه ذلك ، واحتج على ذلك بطريقة مستعجلة بتقديم استقالته ، وهو معه حق ولكن ليس هكذا تسير الأمور ، فالتغيير واجب من الداخل ، والرؤية الداخلية ليست كما هي من الخارج ؟؟ اتصلت به وقلت له ما بك يا أخي ؟؟ فقال لقد حدث منكر وتركت الإذاعة ، فقلت له ما هكذا تحل الأمور والمشاكل ، تعال وأفرض نفسك ، بطريقة أخرى ؟ وحاولت إرجاعه للعمل في الإذاعة فرفض رفضا مطلقا ، استغربت منه ذلك ، وقلت له تعال ولا تتركني في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وحدي ؟؟ رفض أيضا وقال لي الله يعينك ، ابق أنت ، أصلح الناس ولن أنضم إليك !! تضايقت كثيرا ، فقد خسرت زميل أحبه من المتدينين المسلمين الأفاضل ، وسيخلو موقع معد ومقدم برامج إسلامية ، فأضطررت لاحقا أن أسد محله ، وأن ارجع لتقديم البرنامج الأسبوعي الإسلامي ( آفاق إيمانية ) . وما لبث لاحقا أن عاد إلينا ضمن دائرة التوجيه السياسي والوطني والمعنوي عندما انتقلنا إلى رام الله ، ليعد برنامجا إسلاميا أسبوعيا ، ثم تركه وتوليت إعداد وتقديم ذلك البرنامج الإسلامي من جديد وبقي معي حتى نهاية عملي في إذاعة ( صوت فلسطين ) وهو برنامج آفاق إيمانية .
مواقف أحرجتني في إذاعة ( صوت فلسطين )
كل إنسان يتعرض للمدح والذم والإحراج أحيانا من حيث لم ولا يحتسب ولا يدري . وقد تعرضت أثناء عملي الإذاعي في صوت فلسطين الذي بدأ البث من مدينة أريحا لمدة عامين ، 1994 – 1996 ، ثم انتقل البث لمدينة رام الله فيما بعد ، وبقي أستوديو الإذاعة الأول الاحتياطي في المبني الذي نشأت وترعرعت فيه إذاعة صوت فلسطين ( غرب استراحة أريحا ) . الى العديد من الإحراجات السياسية والاجتماعية العامة والشخصية . أذكر منها أهمها على النحو الآتي :
الإحراج الأول ( 1994 )
التطرق لأمور غير طبيعية
كانت المرة الأولى التي تعرضت فيها للإحراج ، عندما كنا 15 صحافيا ومهندسا إذاعيا ، نتدرب في وادي الجوز في مدينة القدس الشريف ، في ربيع 1994 كنا نعد مواد إذاعية للتدريب عليها ، وهي مواد تصلح للبث على الهواء مباشرة . كان علينا أن نتشارك كل اثنين أو ثلاثة مع بعضهم البعض في إعداد المواد الإذاعية ، تشاركت مع إحدى الأخوات التي طلبت مني ذلك ، وتشاركت مجموعات أخرى مع آخرين ، أعددت مادة إعلامية للتدريب على البث المباشر والمسجل ، وقدمت أنا وزميلتي التي أحترمها كثيرا ، ما طلب منا التدريب عليه ، وكانت مادة منوعة سياسية وإسلامية وثقافية واجتماعية واقتصادية كنشرة أخبار عامة وحوارات ولقاءت مع شخصيات معينة حسب طبيعة الخبر أو الموضوع . ثم جاء دور المجموعات الأخرى ، فما كان من إحدى المجموعات الإذاعية ، إلا أن قدمت جزءا من مادتها ، وتقول في بعض بنودها ، إهداء إلى الزميل كمال علاونه وزوجته فلانة ، ولم تذكر اسم زوجتي الحقيقية عطاف بل ذكرت اسم زميلتي المقدسية التي تشاركني في مجموعة الإعداد والتقديم الإذاعي التدريبي ، امتعضت كثيرا وامتعضت زميلتي ولكنها أخفت ما بداخلها ، فنحن أخوة ولسنا أزواج ؟؟ وبقيت تحترمني وتجلني كأخ لا أكثر ولا أقل . وكذلك امتعض من كان حاضرا ، فخرجت لتوي ورفضت ذلك وتكلمت عن الموضوع بسخرية من مجموعة التدريب تلك ؟ لقد كانت مجموعة عمل تدريبية فاشلة بحق وحقيق انسحبت من العمل الإذاعي بعد فترة وجيزة ؟ ثم غادرت للصلاة في المسجد الأقصى المبارك . لقد دب الحسد والكراهية من البعض تجاهي وتجاه زميلتي لتفوقنا على بعض المجموعات ، لقد كانت منافسة مهنية ولم أكن أتصور أن يصدر ذلك من مجموعة نقضي معظم وقتنا النهاري معا في التدريب على الآلات لإعداد المواد التدريبية الإذاعية الحقيقية ، ومن المعروف للجميع أنني متدينا منذ معرفتي بهم ، ولكنني كنت الأسير المحرر الوحيد بينهم ، وكان الجميع يحبني ويحترمني كثيرا ، إلا تلك المجموعة المؤلفة من فتاتين كانتا تحسدانني على علاقاتي الأخوية الطيبة مع الجميع ، وكنت أترك التدريب وأذهب للصلاة في كثير من الأحيان في المسجد الأقصى المبارك ؟؟ مضت تلك الحادثة ، ولكن علاقتنا بقيت كما هي ، ترفعت وتساميت على تلك الحادثة الزلل بحقي وحق زميلتي ، وقلت في نفسي هناك من يضع الحجارة في الطريق ، فلنأخذ العفو ونأمر العرف ونعرض عن الجاهلين ، وهذا ما كان .
الإحراج الثاني ( 1994 )
مقابلة وزير التربية والتعليم العالي في أريحا
جاءنا طلب من العلاقات العامة بوزارة التربية والتعليم العالي نرجو من صوت فلسطين ، الحضور لتغطية فعاليات السيد ياسر عمرو وزير التربية والتعليم العالي ، ولم يكن مدير عام الإذاعة موجودا في تلك الساعة الصباحية المبكرة ، وكان يشرف على الفترة الإذاعية زميل لي ممن تدربت معه في رام الله والقدس الشريف في الدورة الصحافية التي اشرف عليها الألمان من مؤسسة بوندتشفت ، قال لي جهز نفسك ، وخذ مسجل يا زميلي الكريم لتغطية نشاطات وزير التربية والتعليم العالي فاليوم يومك !! أثبت نفسك بجدارة وسنبث لك كل اللقاءات التي ستجريها ؟ قلت له ، أنت تتحمل المسؤولية ، ولن أذهب لمجرد الذهاب سأجرى لقاء مطولا مع الوزير بشرط أن توفر لي سيارة تنقلني ذهابا وإيابا من وإلى المشروع الإنشائي العربي في أريحا على بعد 3 كم عن الإذاعة ، وكان الجو حارا جدا ، تم تجهيز آله التسجيل الكبيرة ، من التبرعات الألمانية ، وحضرت السيارة والسائق ونقلت لمكان وجود الوزير ، قلت لهم إنني من صوت فلسطين ، فرحب بي الوزير ترحيبا كثيرا طيبا مباركا ، وقلت له نرغب في إجراء لقاء شامل جامع مع معاليكم ، عن المدارس والمعاهد العليا والجامعات الفلسطينية ووزارة التربية والتعليم العالي ، فأبدى موافقة سريعة ، وقال لي أسال ما بدا لك ؟ بدأت بسؤاله السؤال تلو السؤال من الأسئلة التي وضعت معظمها في ذهني وكتبتها موجزها على ورقة صغيرة ، وأنا ذاهب في السيارة باتجاه مكان وجود الوزير . سألته العديد من الأسئلة المتعددة ، وكانت الإجابات وافية من الوزير ، واستغرق الوقت للتمهيد وإجراء المقابلة 30 دقيقة حصلت منها على 22 دقيقة حوار مع الوزير . وعرض علي الوزير الضيافة فقلت له لا اشرب لا شاي ولا قهوة ، فقال عصير قلت لا أرغب لا بد لي من العودة سريعا للإذاعة . وعندما أنهيت المقابلة هم الوزير بالذهاب وخرجت قبله للساحة العامة ، وكنت أتوقع أن تكون سيارة الإذاعة بانتظاري ، ولكن خاب ظني ، فقد تركني السائق وذهب لحاله ، ولكن كيف لي أن أعود في ظل حر شديد ولا وجود للمواصلات ؟ كان خللا بالوضع الإداري للإذاعة فقد اتفقنا من البداية أن ينتظرني السائق ولكنه كعادة أهل جبل أحد لم ينتظر ولم يلتزم بالتعليمات الموجهة له . احترت لبرهة من الوقت سريعة ، وماذا عساي أن أفعل ؟ ودون تفكير خطر بالي أن اركب مع سيارة الوزير أو طاقمه ، لوحت له عندما ركب بسيارته وقال لسائقه قف حالا . توقف سائق الوزير اقتربت من الوزير وقلت له لقد خذلني زميلي سائق سيارة الإذاعة وتركني ، فقال تعال وأركب معي في السيارة ، فقلت له لا ؟ لا أريد أن أشغلك ، فطلب من سيارة من موكبه توصيلي حالا لمقر الإذاعة ، وهذا ما كان ، لقد كان وزيرا شعبيا أنقذني من ورطة الوصول والعرق المبلول لمبنى الإذاعة البعيد في ظل حر شديد لاهب من صيف ذلك العام وخاصة في الأغوار الفلسطينية . رجعت لمقر الإذاعة فاستغرب مناوب الفترة الإخبارية ، لماذا عدت بهذه السرعة ، بأقل من ساعة ، مازحته قليلا ، وقلت له عدت بخفي حنين لأنكم لم تركوا لي سيارة فعدت لتوي ، فقال بالله عليك يا أخ كمال لا تمزح معي ، ماذا فعلت في هذه العجالة ؟ قلت له ضاحكا ومستبشرا عدت بخفي حنين ، لكنه لم يصدق المزحة ، إذ أنه يعرفني جدي في كل شيء ، وقال لي لا يمكن اصدق أن تعود خائبا فمثلك لا يعرف الفشل كما أعرفك ؟ أردت أن أوجه له ولطاقم الأخبار صفعة صغيرة لأنه تركني وحيدا ، استنجد بالآخرين لتوصلي لمهمة إذاعية اشترطت من بدايتها توصلي ذهابا وإيابا . بعد جدال استمر نحو خمس دقائق أخرجت له تسجيلا بمسجل الإذاعة وإذا بصوت الوزير ياسر عمرو ينطلق بسرعة من الشريط ، ضحك زميلي وفرح كثيرا وقبلني من وجنتي ، وتبادلت القبل والعناق الأخوي معه هذا هو أول نصر إذاعي لنا نحن المتدربين الإعلاميين على هذا المستوى ، مستوى وزير التربية والتعليم العالي ، وهي أكبر وزارة في الحكومة الفلسطينية . لقد أعددت له مادة دسمة اتخذ قرارها على عاتقه الشخصي وأجريت اللقاء بتجربتي ومهارتي الشخصية الغنية الشاملة التي تعرف خبايا الأوضاع التعليمية العامة والعليا في فلسطين . أخذ الشريط واستمع لبعض مقاطع منه وأمر أحد المهندسين بنقله على شريط إذاعي مخصص كاملا غير منقوص ، وتبين أن مدته 22 دقيقة ، وما أن خرج من أستوديو التجهيز حتى دخل فورا في أستوديو البث ، وأصبح يبث على الهواء ، وكأنه لقاء مباشر ، وتفاجأ الجميع بما فيهم مدير الإذاعة الذي اتصل حالا بالأخبار حيث كان بمدينة رام الله ، واطمئن على الوضع ، وحضر قادما من رام الله وهو يستمع لبث اللقاء مع الوزير عبر راديو سيارته حيث ابلغني لاحقا أنه سعد وسر كثيرا بهذا اللقاء ومهنيته وسرعة نقله وبثه وهو خارج مبنى الإذاعة . لقد كانت تجربة مهنية من الطراز الأول في السرعة والانجاز ، واتخاذ القرار ، وكذلك في مهنية وأسئلة اللقاء الشامل .
الإحراج الثالث
عودة قيادي فلسطيني من الخارج ( حكم بلعاوي سفير فلسطين في تونس )
وصلت ذات يوم صباحي من مدينة نابلس ، وبدأت بإعداد أخبار سياسية فلسطينية وعربية وعالمية للنشرة الإخبارية العامة ، ثم شرعت بتجهيز أخبار للنشرة المحلية مع بعض زملائي في مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية في أريحا ، وإذا بمدير عام الإذاعة يناديني أخي كمال أرجو أن تعد نفسك بآلة تسجيل الإذاعة الكبيرة ، فقلت له ما هنالك ؟ ما الأمر ؟ قال هناك جولة لقيادة الأمن الوطني في أريحا على الأسواق وسوف تصاحبهم وفرصة أن تتعرف على قيادة الأمن الفلسطيني هنا ، وتعد للإذاعة تقريرا وافيا عن هذه الجولة ، كانت جولة لمراقبة الأسعار وتفقد المواد الغذائية ولقاء شعبي مع المواطنين ؟ فقلت له ، أليس من أحد غيري يقوم بهذه المهمة ؟ فقال لي أنت أنسب واحد نبعثك في هكذا مهمات ؟ قلت له سأذهب أنا جاهز ، أطلب لي سيارة الإذاعة لتوصيلي هناك ، وصلت مبنى وزارة الحكم المحلي في أريحا حيت كان التجمع يفترض أن ينطلق موكبه من هناك ، وجلست مع بعض الصحافيين ، ومررت على وزير الحكم المحلي للتسليم عليه ، د. صائب عريقات ، فقد كنت أعرفه عندما كنت طالبا في جامعة النجاح الوطنية بنابلس ، عندما كان هو الآخر مديرا للعلاقات العامة في تلك الجامعة ، إستأذنت بالدخول فقال للسكرتيرة دعيه يدخل ، دخلت وسلمت عليه ثم خرجت وكان مشغولا بالاتصالات الهاتفية . وانتظرت مع بعض الصحفيين نتحدث عن همومنا وشجوننا لمدة نصف ساعة ، فابلغنا مكتب الوزير أن الجولة تأجلت ، لأن هناك استقبال حافل لسفير فلسطين في تونس وهو حكم بلعاوي ، وعضو اللجنة المركزية لحركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) . اتصلت بالإذاعة وقلت لهم لقد تأجلت الجولة الميدانية لقيادة الأمن الوطني ، وهناك عودة لسفير فلسطين إلى أريحا ظهر هذا اليوم ؟ قالوا لي ممتاز ، إذهب هناك وأجلب لنا حوارا ولقاء إذاعيا مميزا كسبق صحفي ؟ ذهبت مع طاقم الوزارة ، وتحادثت مع د. صائب عريقات وزير الحكم المحلي ، وجلسنا معا على حجارة أرضية تحت شجر سرو في المشروع الإنشائي العربي ، بانتظار القادم الجديد ، تأخرت عودة حكم بلعاوي ، وأثناء ذلك كنت أتجول على المنتظرين ممن أعرفهم الذين جاؤوا لاستقبال بلعاوي ، وكنت أعرف الأسير السابق وليد ابن أخت سفير فلسطين في تونس ، لم ألتقه منذ عدة سنوات ، تبادلنا التحية والعناق والقبل على الوجنتين ، وقلت له جئت لإجراء لقاء مع بلعاوي ، فقال لي إنه خاله ، قلت في نفسي ممتاز لقد ضمنا نصف الحوار ، فسيكون هناك تدبير سريع لنا عن قرب ؟ ما هي إلا دقائق حتى أذنت سلطات الاحتلال الصهيوني بدخول الصحفيين الأجانب واليهود من مراسلي شبكات التلفزة والإذاعة والصحف لإجراء لقاء مع سفير فلسطين العائد إلى الوطن عبر معبر الكرامة في أريحا . وبقيت أنا وممثلي وسائل الإعلام الفلسطينية من إذاعة وصحف ومجلات ووكالة الصحافة الفلسطينية ( وفا ) ولم تسمح لنا سلطات الاحتلال بالدخول بدعوى أنها منطقة عسكرية مغلقة ، أبلغت حالا وليد زميلي في السجن وقريب بلعاوي ، فاتصل بخاله وأبلغه أن سلطات الاحتلال الصهيوني تمنع كمال علاونه ممثل صوت فلسطين من الدخول أسوة بالصحفيين الأجانب واليهود ، فاستجاب حالا لطلب ابن أخته ، وأعلن أنه لن يقبل إجراء أي لقاء أو حوار صحفي معه من وسائل الإعلام الإسرائيلية والأجنبية طالما ممثلي وسائل الإعلام الفلسطينية ممنوعون من الدخول وخاصة ممثل إذاعة صوت فلسطين ، سررت بهذه المفاجأة ، وطلب مني زملائي ممثلي وسائل الاتصال الفلسطينية أن أمثلهم في التحدث باسمهم ورفض الإجراءات الصهيونية الرافضة لدخولنا لمكان وجود حكم بلعاوي والوزير جميل الطريفي وزير الشؤون المدنية المرافق له . بعد جدال قصير بين حكم بلعاوي والطريفي من جهة والجانب اليهودي من جهة ثانية ، سمح لنا بالدخول ، ولكن لم تكن معي سيارة عرضت علي عدة عروض من الصحفيين الفلسطينيين ممن لديهم مركبات بالركوب معهم فركبت مع ممثل صحيفة القدس المقدسية ، ووصلنا لمكان حكم بلعاوي ، سلمنا عليه وعرفت على نفسي الصحفي كمال علاونه ممثل صوت فلسطين ، ضحك وسلم علي بحرارة وهز رأسه . وقال لي أهلا وسهلا بصوت فلسطين سأخصك بلقاء فردي بعد خروجي من هنا لأرض فلسطينية محررة ، وقلت له كما تريد أنا جاهز ، عندما شاهد ممثلو وسائل الإعلام الأجنبية واليهودية موقف بلعاوي من صوت فلسطين ، تبارى الجميع في حمل مسجل إذاعة صوت فلسطين ، وكان من بينهم ممثل التلفزيون الإسرائيلي فضربته على يده وقلت له هذا صوت فلسطين وليس التلفزيون الإسرائيلي ، أحرجته كثيرا ، وضحك الجميع عليه وتصرفي العفوي معه أمام الجميع فأنا لا أوفر أحدا مهما كانت الظروف ، وتراجع القهقرى للخلف ، وكما علمت لاحقا أنه سمع كل ما كان يدور من حوار قيادي بين الفلسطينيين والإسرائيليين عن السماح لممثل صوت فلسطين ووسائل الإعلام الفلسطينية الأخرى بالدخول لمبنى جسر الكرامة ( جسر اللنبي ) فأراد أن يبتز ويدلس على بلعاوي ويحصل على لقاء وكأنه لصوت فلسطين ولكنني كنت واعيا لتلك المؤامرات الإذاعية ولن تنطلي علي ، فلدي الخبرة المهنية الكبيرة في هذا المجال . خرج العائدون من المنفى عبر جسر أو معبر الكرامة ووصل حكم بلعاوي لاستراحة أريحا وهناك صعد على ظهر سيارة عسكرية فلسطينية وخطب في الجموع المستقبلة له لعشر دقائق وسط تصفيق حاد ، وأنا شخصيا بالقرب من قريب بلعاوي ، وأثناء خطابه قال أرجو من ممثل صوت فلسطين أن يلحق بالموكب للمقاطعة ، وهو مكان استقبال بلعاوي للغداء ، لحقنا به هناك ، مع ابن اخته ، وتفاجأت بقراره الذي ابلغه لحراسه ومرافقيه بأن لن يجري لقاء إلا مع ممثل صوت فلسطين ، فقلت لطاقمه ووكالة الأنباء الفلسطينية وفا وماذا بشأن الذين طلبوا مني أن أمثلهم في العراك الكلامي والصحفي مع سلطات الاحتلال وجنود الاحتلال الصهيوني ، فسمح لممثل وكالة وفا بالحضور إلى جانبي فقط . دخلت مكان وجود بلعاوي وعرفوه علي هذا ممثل صوت فلسطين ، سلم علي بحرارة ، وقال لي سلم على رضوان أبو عياش رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية ، وأجريت معه لقاء حارا وساخنا مثل سخونة ولهيب حرارة أغوار فلسطين في عز الصيف ، كنت أخاطبه بعضو اللجنة المركزية لحركة فتح ، وسفير فلسطين في تونس ، فطلب مني عدم مخاطبته باسم سفير فلسطين في تونس ، قلت له هذا هو مسماك الفلسطيني بل أنت سفير فلسطين في تونس رغم غضب الأعداء ، سألته ، عن شعوره وهو يعود لأرض الوطن لأول مرة ، وما هي مشاريعه ومشاريع السلطة الوطنية الفلسطينية وماذا عسى أن يكون دوره في بناء الكيان الفلسطيني في جزء من ارض الوطن ؟ وما هو المطلوب فلسطينيا في المرحلة اللاحقة لاستكمال الحرية والتحرير والاستقلال الوطني الفلسطيني ؟ وكان حذرا ودبلوماسيا في الإجابة ، ولكن إجاباته كانت شافية ووافية بإيجاز لا يخل بالمضمون ، من ناحية مهنية ، كلما سألته عن سؤال وتجنب الإجابة عليه أساله سؤالا آخر يقع في صلب الأمر عن بعد وهكذا . أنهيت اللقاء الذي استمر نحو 15 دقيقة إذاعية ، وعدت قافلا لمبنى إذاعة صوت فلسطين . ولكنني أحرجت في هذا التخصيص الإذاعي من شخصية فلسطينية عائدة لفلسطين ، وقلت لزملائي بإمكانكم أن تنقلوا عني الحوار معه عما قاله ، وهذا ما كان ، ففي صبيحة اليوم التالي قرأت بعض الصحف ووكالات الأنباء نقلت حوار حكم بلعاوي عن صوت فلسطين الذي أجريته أنا . نعم أنه كان يوما حارا جدا مناخيا وسياسيا ، وقد تصبب العرق بغزارة من جباهنا وأجسامنا ، رجعت للإذاعة قبل ساعات العصر بقليل وما هو إلا وقت قصير حتى يقول المذيع في نشرة الساعة الرابعة عصرا ، هذا حديث أجراه الزميل كمال علاونه مع السيد حكم بلعاوي عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وسفير فلسطين لدى تونس ، وقد وضعت لقب سفير تونس في اللقاء عمدا وعن سبق الإصرار والترصد فأنا كنت أريد أن أثبت كلمة فلسطين ودولة فلسطين في الذاكرة الجماعية لشعب فلسطين ، وهؤلاء السياسيين كانوا يتحاشون الصدام مع الاحتلال أما أنا كصحفي فلم يرق لي ما يطلبه الدبلوماسيون الفلسطينيون منا ونريد التركيز على اسم فلسطين الوطن والشعب .
الإحراج الرابع
لقاء إذاعي لبرنامج في رحاب الجامعة ، في مقر صوت فلسطين برام الله
كنت أعد وأقدم برنامجا خاصا بالتعليم العالي يطلق عليه ( في رحاب الجامعة ) يعالج شؤون وزارة التعليم العالي ، والجامعات المحلية الفلسطينية والعربية والدولية ، ومدته 45 دقيقة أسبوعيا . كان البرنامج يتألف من الكلمة الجامعية الأولى حول آخر المستجدات الجامعية ، ونشرة إخبارية عن التعليم العالي في الوطن والخارج ، وحوارات مع رؤساء ومسئولي جامعات فلسطينية ، وكان أن كان هناك حدثا بارزا في جامعة بير زيت ، استدع مني طلب لقاء أو حوار هاتفي مع أحد مسئولي الجامعة الكبار ، فاتصلت هاتفيا بالعلاقات العامة وحولوني إلى شخصية نسائية لا أعرفها كانت مديرة القبول والتسجيل ، وقلت لها إنني سأجرى معها لقاء في اليوم التالي عبر الهاتف ، أنا من مبنى الإذاعة وهي من مبنى الجامعة ، وعلى هذا اتفقنا ، كان موعدنا الساعة الحادية عشرة صباحا . وفي نفس ذلك اليوم وهو اليوم التالي لاتفاقنا ، الذي أعد وأسجل فيه برنامج في رحاب الجامعة الذي يبدأ عند الحادية عشرة حسب جدول برنامج التسجيل الإذاعي المحلي في الأستوديو داخل مبنى إذاعة صوت فلسطين ، وتأخرت قليلا للحضور للإذاعة فقد حضرت عند الساعة العاشرة والنصف ، وكان سيل المهاتفات الصادرة من الإذاعة أن هناك لديك ضيفة من جامعة بير زيت ؟؟ قلت لهم نعم ولكن الاتفاق أن أجري اللقاء عبر الهاتف عند الساعة الحادية عشرة قبل الظهر ، لقد حضرت الضيفة من جامعة بير زيت ، وهي ذات منصب عالي في الجامعة ، كانت نائبة الرئيس للشؤون الإدارية ، قلت لهم أنا في الطريق وكان ابني البكر هلال معي اصطحبته معي في سيارتي من نابلس إلى رام الله ، فقد كان يحب الذهاب معي لمبنى الإذاعة ، وكان أحد الزملاء الذي يعد برنامجا بعنوان ( جنة الصغار ) يجري معه لقاءات شبه منتظمة حول الأطفال والمدارس وما إلى ذلك . وصلت لمبنى الإذاعة ، وصادفت بعض الزملاء وهم يضحكون ، وهم من المتدينين ، قالوا لي لديك بلوى في هذا اليوم ؟؟ ضحكت وقلت ماذا تقولون ؟ قالوا أدخل لمبنى مدير عام الإذاعة وانظر بعينيك ؟ شدني هذا الكلام ماذا عسى أن يكون قد حصل ؟ ما الأمر ؟ دخلت على مكتب الأخ مدير عام الإذاعة وتفاجأت بالضيفة الجديدة التي لا أعرفها ، لقد حضرت مبكرا وأخذت تتجول في مبنى واستوديوهات الإذاعة للتعرف عليها في ظل عدم وجودي ، وليست هنا المشكلة ، بل فوجئت باللباس الذي تلبسه ، فهي نصرانية الدين وكانت تلبس بكيني وتنورة فوق الركبة ، ونصف كم ، وعلى آخر طراز أجنبي فرنسي أو أمريكي ؟ ويتهامس الجميع لقد حضرت عند الأخ كمال علاونه وهو غير موجود هنا حتى الآن ، وكمال متدين وما علاقته بهذه الضيفة المتبرجة كثيرا ؟ هل يستضيف كمال مثل هؤلاء ؟ فكمال يؤم بالمصلين في مسجد الإذاعة ؟ ويطلق عليه بعض الإذاعيين مفتي الإذاعة ؟ لعل التباس حصل بالأمر ؟ وليس كمال علاونه هو المعني بل زميل آخر اسمه كمال ؟ عندما شاهدت هذا المنظر ، سقط في روعي ، ماذا جرى لهذه المخلوقة ولم أدعها للأستوديو ولا أعرفها أصلا ، بلعت الأمر ، وذهبت لمكتبي لإعداد الأوراق وترتيبها لتسجيل برنامجي الأسبوعي ( في رحاب الجامعة ) وطلبت منها التحدث مع ابني هلال عن التعليم والمدارس فهو وإن كان شبلا إلا أنه متفوقا في الخطابة على مستوى المدارس الحكومية الفلسطينية التي تشرف عليها الوزارة ، وتلك المرأة لها اهتمامات بالأطفال المتفوقين ( العلماء الصغار ) وتوجهت لمشرف الأستوديو وقلت له بينه وبينه على عجل ، خلصني من هذه الورطة ؟؟ دعنا ندخل للأستوديو وأسجل معها اللقاء الجامعي لتذهب في حال سبيلها استجاب زميلي المهندس مبتسما وضاحكا وقال لي كما تريد ، أجريت اللقاء معها فورا ، وأعتذرت منها ، قائلا لدي مشاغلي ، وكما ترين مشغول في التسجيل للبرنامج الجامعي ، وسيبث يوم كذا وساعة كذا من اليوم ، ذهبت في حال سبيلها ، وتنفست الصعداء ، من هذا الموقف الإذاعي المحرج حقا لي ولزملائي . وعندما عدت للبيت حدث ابني هلال أمه وقال لها يا ماما لقد شاهدت إمرأة مسئولة كبيرة من جامعة بير زيت حضرت لمبني الإذاعة عند والدي وأجرى معها لقاء حول الجامعة وكانت لابسة كل ما هو على الحبل من لباس قصير جدا على آخر موضة ، هزت الأم رأسها وقالت لا بأس ؟ هذا ما يحصل دون سابق إنذار ، ضحكنا جميعا على هول تلك المفاجأة ونظرات العاملين في الإذاعة وضحكاتهم وكيف يأتي الضيوف بلا مواعيد مسبقة ، وما يسببه ذلك من إرباك وإحراج .
الإحراج الخامس
إحراج لي من طاقم وزارة التربية والتعليم
كنت ذات يوم أعد وأقدم برنامج شبابي تعليمي يطلق عليه ( قضايا تعليمية وشبابية ) ، يتألف من كلمة أولى ، وحقائق وأخبار ومشاريع وطموحات عن التعليم العالي ، وعن التربية والتعليم ، وكذلك يشتمل على قضايا الشباب وهمومهم ومشاكلهم وحلولها . وكان الوقت صيفا ، والإعداد جار على قدم وساق لتقديم الامتحان الوزاري لطلبة الثانوية العامة ( التوجيهي ) ، وكان لا بد للإذاعة من إجراء لقاء حول التوجيهي ، هاتفت مكتب الوزير ياسر عمرو ، وقلت له تفضل لمبنى الإذاعة لإجراء حوار شامل عن التوجيهي ، فكان الجواب لمدير مكتبه أدعو الأستاذ كمال علاونه من صوت فلسطين ليحضر عندنا للوزارة لمكتبي هنا ولدينا الضيافة المطلوبة مازحا ؟ وقال الوزير إنه كبير في السن ويتعب من صعود سلم أو درج الإذاعة على الطابق الثالث ، لعدم وجود مصعد كهربائي ، تورطت في الأمر ، وقلت في نفسي لا بد من الذهاب هناك ، وكان الوقت يجري بسرعة ، حدد الموعد المضروب الذي يريده الوزير . وقبل الموعد بقليل ذهبت لمبنى وزارة التربية والتعليم عند مكتب الوزير ، ففوجئت بأن مدير مكتبه يقول لي : يا أخ كمال لا ترهق الوزير ، ولا تطلب منه أرقاما محددة فسوف يشغلنا كثيرا ويتعبنا ، لم الق بالا لهذا الطلب المفاجئ ، فالتوجيهي بحاجة لأرقام وبيانات عن الفروع والاستعدادات والقاعات وعدد المشرفين وآلية تصحيح الامتحانات ، وما هي مشاريع الوزارة حيال ذلك ؟؟
دخلت على مكتب الوزير بعد الإستئذان ، فوقف مرحبا ترحيبا حار ، وقال لي عن بعد ، وهو يعرفني ، وقد أجريت عدة لقاءات وحوارات إذاعية سابقة معه ، وبادرني بسؤال قبل الجلوس ، هل أنت في هذه المرة تمثل الإذاعة أم التلفزيون ؟ استغربت من السؤال ، فالتلفزيون الفلسطيني يبث أصلا من غزة ، وهل يعقل أن الوزير لا يعلم ذلك ؟؟ قلت له بل أنا ممثل عن صوت فلسطين عن الإذاعة ؟ فصار يسب ويشتم التلفزيون ، لأنه مقصر مع الوزارة ولا يعيرها الاهتمام المطلوب ، فقلت له إن التلفزيون الرسمي الفلسطيني يبث من غزة وهو تلفزيون غزة بحق وحقيق ؟؟ والمكتب الموجود هنا للتلفزيون هو لذر الماد في العيون ، وقد عرض علي أن أذهب إلى مدينة غزة للعمل في التلفزيون الفلسطيني الحكومي فرفضت ، فقال لي أنت على حق ؟ لقد فتح معي حوار غير مبرمج أو مخطط له ، طال الوقت ، وقلت له يا أستاذ أبا ثائر أنني جئت لإجراء لقاء عن التوجيهي وليس لدي متسع من الوقت وإذا أردت الحديث عن أي موضوع سأعود لك بعد تسجيل البرنامج الذي سيبث غدا بمدة 45 دقيقة عصرا . فرح وانفرجت أساريره وقال لي كم من الوقت سيستغرق تسجيل الحوار قلت له معك وقت مفتوح حتى نصف ساعة ؟ وسألني عن طبيعة الأسئلة فقلت له معظمها ، لأن بقية الأسئلة تأتي من إجاباته ، فوثب واقفا وصار ينادي على وكيل الوزارة ومدير عام الامتحانات ومدير مكتبه الذي أوصاني قبل قليل بالمفاجأة التي ذكرتها ، مناداة وزارية على كل واحد باسمه دون ألقاب ؟ وكان وكيل الوزارة آنذاك د. نعيم أبو الحمص ، فصرخ عدة مرات يا نعيم ، يا نعيم ، يا فلان ويا فلان ؟ وأنا استمع للصراخ والصوت العالي باستغراب وذهول ؟ جاء كل من نادى عليه سريعا ، ووقف إلى جانبنا ، ثلاثة أو أربعة ، وأحضروا له كل الأوراق والبيانات المطلوبة ، أدركت عندها وصية مدير مكتبه ، فقد كان يعرف طبيعة تصرفات الوزير ، لقد أحرجني كثيرا ، أمام طاقم الوزارة الذين استدعاهم فردا فردا ، وأحرج نفسه في الصراخ الصاخب العالي ، وترك ذلك في نفوس الذين استدعاهم أمامي غصة صعبة تجاهي ، لفترة طويلة وقلت في نفسي لن يغفروا لي ما حصل ولست أنا السبب ؟؟ بل كنت أريد تسليط الضوء على فعاليات الوزارة وخدمة الوزارة وتقديم خدمة لاستعدادات الوزارة وعرضها أمام الطلبة وذويهم وشعبي الفلسطيني الأبي . وعندما أنهيت اللقاء ودعني بحرارة وقال لي تعال في أي وقت تريد ولا تهمل هم هؤلاء ؟ وكأنه في داخله كان يعلم ما يسرون ضده ، فهؤلاء لا يأتون إلا بهكذا أمر ؟؟ وقال لي قبل أن تغادر هل لك من طلبات خاصة ، قلت له لا طلبات خاصة لي ، ولكن لي طلب عام ، قال قل سريعا ولا تهاب ؟ ما طلبك ؟ قلت له : يا معالي الوزير أبو ثائر ، لدينا في قريتي عزموط قرب نابلس مدرستان للذكور والإناث لنحو ثلاثة آلاف مواطن ، وهاتان المدرستان ، ليس بهما إلا الصفوف الأولية الابتدائية الأساسية ، فمدرسة الذكور بها حتى الصف السابع الأساسي ، ومدرسة الإناث حتى الصف السادس الأساسي ، وقدم أهالي القرية طلبات لمديرية التربية والتعليم في نابلس لإكمال الصفوف لصفوف أعلى ، وكل الطلبات تواجه بالرفض ، ونحن قريبون جغرافيا من مستعمرة إيلون مورية الدينية اليهودية المتطرفة وهؤلاء المستوطنون يقطعون الطريق على الأهالي وعلى الطلبة ذكورا وإناثا ، الذين يلتحقون بمدرسة بعيدة عن القرية ( مدرسة سالم ودير الحطب الثانوية ) ويعاني الطلبة وأهاليهم من الذهاب والإياب في فصل الشتاء من المياه الدافقة والسيول الجارفة واعتراضات قطعان المستوطنين اليهود الذين يعترضون طريق الطلبة ويؤذونهم ، وكذلك يعانون من حواجز قوات الاحتلال القاتلة التي تؤخر الطلبة عن دروسهم يوميا ، ونريد تطوير المدرستين حتى نهاية المرحلة الثانوية العامة التوجيهي ، لتحاشي حرمان الطلبة من التكاليف المالية الباهظة ، واعتداءات المستوطنين ، وتسرب الطلبة وخاصة البنات من المدارس في الصفوف الدنيا بسبب التقاليد المحافظة لأهل القرية . فما كان من الوزير الشهم الكريم ياسر عمرو إلا وأن أعطاني الجواب حالا ، أعتبر يا كمال علاونه أن المدرستين ستصبحان حتى نهاية المرحلة الثانوية العامة ، ولكن بالتدريج ، هذه موافقة رسمية مني الآن ، تذكرها جيدا ، ولكنني أطلب منك تقديم طلب رسمي ووضعه في ديوان الوزارة ، وضع رقم هاتفك والفاكس لنرسل لك الجواب مكتوبا ، سررت بهذه المفاجئة الجميلة لقريتي ، ولشهامة وكرم الوزير ،وشعوره الوطني النبيل ، وتلبية الطلب المتوقف منذ فترة طويلة بلا جواب إيجابي . وبالفعل خرجت من مكان المقابلة والحوار مع الوزير وكتبت طلبا يوضح ما قلته للوزير حول مدرستي القرية ، ووضعت كل ما طلب مني ، وما هي إلا أيام قليلة حتى جاءني الرد الايجابي ، عبر فاكس إذاعة صوت فلسطين ، بلغوني فيه موافقة وزارة التربية والتعليم العالي على تطوير مدرستي القرية للذكور والإناث كل على حدة لتصلان نهاية الصف الثاني عشر ( التوجيهي ) بواقع إضافة صف دراسي سنويا استلمت الرد الممتاز وبعثت منه نسخة لمديري المدرستين في القرية الذين سعدا بهذا القرار واستغربا صدوره عن طريقي بهذه الصورة السريعة رغم أنهما يئسا من صدور مثل هذا القرار المفاجئ ، وتلا ذلك قدوم وفد من مديرية التربية والتعليم بنابلس للقرية لتقدير الاحتياجات البشرية والإنشائية . لقد كانت قرية عزموط مع موعد حقيقي لاحق لتصبح لديها مدرستان ثانويتان منفصلتان ، للذكور والإناث ، للفرع الأدبي فقط ، وهذا ما كان ، لقد استطعت أن أخدم بلدي عبر هذا الوزير الثائر أبو ثائر ، وكان موقفا رائعا ومفرحا لأبناء القرية جميعا ، وللفتيات خاصة ، فقد أصبح الآن المجال أمامهن لإكمال تعليمهن الثانوي بسهولة ويسر في القرية نفسها . لقد أحرجت أولا ثم فرحت تاليا بقرار الوزير ياسر عمرو رحمه الله لخدمة قريتي عزموط ، فالمدارس الحكومية للجميع والتعليم الرسمي للجميع ، وهذا ما كان .
الإحراج السادس
إحراج مهني - فني
كنت أعد وأقدم برنامجا عن التربية والتعليم العالي ( قضايا تعليمية وشبابية ) عام 1995 ، وطلبت الحديث مع وكيل الوزارة د. نعيم أبو الحمص ، الذي رحب بإجراء الحوار ، كان يوما صيفيا ربيعيا في أريحا ، واللقاء المنتظر يجب أن يجري في مقر الوزارة في رام الله فقد رفض الوكيل إجراؤه عبر الهاتف . ذهبت من نابلس لمبنى الإذاعة في أريحا ، وجهزت عدة التسجيل الالكتروني المخصصة لمثل هذه الحوارات ، وفحصت آلة التسجيل فكانت تعمل بصورة جيدة ، سألت المهندس الفني المشرف على الآلات كيف تعمل هذه الآلة ، جربها لي فجربها لي وكانت تعمل بصورة مناسبة . توجهت لمدينة رام الله لمقابلة وكيل وزارة التربية والتعليم العالي وقتذاك ، في الساعة المحددة تم البدء بإجراء التسجيل ، وهي الساعة الحادية عشرة قبل الظهر تقريبا . أجريت لقاءا مطولا مع الوكيل حول شتى شؤون التربية والتعليم استمر لمدة 25 دقيقة . ولكنني لم أجرب التسجيل الأولي كما كنت أفعل في كل مرة ، فقد كنت أسجل صوتا لدقيقة أو اقل ثم امحوه عن شريط التسجيل ، لم أفعل هذه المرة كغيرها من المرات ، وكانت غلطة الشاطر بألف ، بعدما أنهيت التسجيل ، وعدت إدراجي قافلا لمبنى إذاعة صوت فلسطين في أريحا ، بعدما استرحت قليلا ، حاولت تجريب التسجيل فكان الصوت مغموما وغير واضح ، وجربت مرة أخرى على مسجل آخر فكانت النتيجة سلبية كما هي في المرة الأولى في المسجل الأول . دهشت وصعقت لما جرى ، سالت احد المهندسين المشرفين على آلات التسجيل ، وشرحت له الأمر ، فقال : من أعطاك آلة التسجيل هذه ؟ قلت له فلان ، قال هذه الآلة معطلة تتعطل مؤقتا وتعمل مؤقتا يعني بها حالية عصبية ؟؟ قلت له سامحكم الله ، لماذا تضعون هذه الآلة الالكترونية في موضع الآلات الصالحة ، فهذه آلة طالحة ، لا بد من رميها جانبا ، وإصلاحها وأن لا تبقى وسط الآلات الفعالة بصورة ممتازة . عض على أصبعه وقال : إن الأمر ليس كما تظن ، فليس لدينا آلات تسجيل إلا ثلاث ، أخذت أنت أحدها ، ولسوء حظك أنك أخذت الآلة التي بها خشخشة وأحيانا تعمل وأحيانا لا تعمل ؟؟ قلت لها مالكم تعملون هكذا في الأستوديو، لقد أجريت لقاء مع وكيل وزارة وانتقلت بين ثلاث مدن من مدينة نابلس لمدينة أريحا لمدينة رام الله في يوم واحد ، فمن يتحمل مسؤولية هذا الخطأ ؟ قال لي : الذي يتحمل المسؤولية أولا إدارة الإذاعة خاصة المدير الإداري ، ثم المهندس المشرف الفني الذي أعطاك هذا المسجل التالف جزئيا ؟ قلت له أنا صحفي ولا أعرف الأمور الفنية والتقنية وهذا خطأ جسيم ؟ غضبت يومها غضبا شديدا ولكن ما الفائدة ؟ حاولت إعادة اللقاء الذي أجريته مع وكيل الوزارة ، فرفض ذلك وقال هذا خطأكم في الإذاعة وليس خطأنا ، أعتذرت له وقلت له أنا من يتحمل الخطأ ؟ فانظر ماذا ترى ، فقال ليس لدي متسع من الوقت لذلك ، غضبت مرة أخرى ، وقلت في نفسي لقد عملت ما علي والبقية عندكم يا وزارة التربية والتعليم ، نريد خدمتكم وأنتم تتملصون من تخصيص جزء من وقتكم لشعبكم ؟ فأنتم أحرار فيما تفعلون ؟ ولم أطرق باب الوكيل مرة أخرى لإجراء أي لقاء ، لقد ذهبت بينه وبينه قطيعة دائمة ، ولست المتضرر بل الوزارة والطلبة . وانسحبت من برنامج التربية والتعليم وأبقيت برنامج في رحاب الجامعة المتخصص بالتعليم العالي فقط ، وبعدها قررت عدم أخذ أي آلة تسجيل من آلات الإذاعة وذهبت في اليوم التالي واشتريت مسجلا صغيرا من ماركة ( باناسونيك ) اليابانية الأصلية أفضل نوعية في السوق على حسابي الخاص وكان ثمنه باهظا جدا ، مقارنة بالسوق لأنها ماركة نادرة في السوق في مدينة نابلس ، لقد بلغ ثمنها نحو مائة دولار وهي ثمن مرتفع في ذلك الوقت تصل لربع راتبي الشهري ، وكنت اشترى لها بطاريات ممتازة من نوعية دوراسيل الألمانية الغالية الثمن على حسابي أيضا بسبب ذلك الخطأ الشنيع الذي حصل معي وأحرجني مع نفسي ومع غيري كذلك عن حسن نية . وكنت وما زلت اردد لا نوايا حسنة في الإعلام ، النية هي النية ، حسنة أو سيئة ، تبقى كما هي ولا أحد يفهمك بصورة صحيحة . وقد استخدمت هذه الآلة الغريبة العجيبة في التسجيل عدة سنوات واستعملها زملاء من الإذاعة غيري لتسجيل بعض لقاءات وحوارات برامجهم ، وما زلت احتفظ بها كذكرى للذاكرين ؟ والله ولي التوفيق .
سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ملاحظة : يتبع .. ( تجربتي بإذاعة صوت فلسطين ) ( 3 ) .

ليست هناك تعليقات: