الثلاثاء، 8 يوليو 2008

كُونُوا رَبَّانِيِّينَ .. مؤتمر الأديان بمدريد 2008

كُونُوا رَبَّانِيِّينَ .. مؤتمر الأديان بمدريد 2008

الإسلام والنصرانية واليهودية
الهندوسية والبوذية والشنتوية والكونفوشوسية

إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ
وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ

د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة
بسم الله الرحمن الرحيم
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)}( القرآن الحكيم ، آل عمران ) . ويقول الله الخبير العليم جل شأنه : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80) وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83) قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}( القرآن المبين ، آل عمران ) .
تنظم رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة وتحت رعاية خادم الحرمين الشريفين العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز تستضيف العاصمة الاسبانية مدريد ( المؤتمر العالمي للحوار ) في الفترة الواقعة ما بين 16 – 18 تموز 2000 . ويشارك في هذا المؤتمر الديني الثلاثي الأبعاد بين الإسلام العظيم والنصرانية ( المسيحية ) واليهودية والأديان الآسيوية في الهند والصين واليابان وجنوب شرق قارة آسيا ، عشرات الشخصيات من أتباع الديانات السماوية الثلاث وذلك بغية العمل على تقارب وجهات النظر الدينية ومناقشة الهموم والتطلعات المشتركة في العالم .
مداولات المؤتمر الديني
من المقرر أن يناقش المؤتمر العالمي لحوار الأديان أربعة محاور أساسية تتمثل في التالي :
1. الحوار وأصوله الدينية والحضارية ، ويشتمل على نقاشات مستفيضة بشأن الحوار في كل من الإسلام والنصرانية واليهودية ، وفي المذاهب والمعتقدات في جنوب شرق قارة آسيا وهي : الهندوسية والبوذية والشنتوية والكونفوشوسية .
2. الحوار وأهميته في المجتمع الإنساني : يناقش مسائل الحوار وتواصل الحضارات والثقافات ، والحوار وأثره في التعايش السلمي ، و الحوار وأثره في العلاقات الدولية ، والحوار في مواجهة دعوات الصراع ونهاية التاريخ .
3. المشترك الإنساني في مجالات الحوار ، والواقع الأخلاقي في المجتمع الإنساني المعاصر ، وأهمية الدين والقيم في مكافحة الجرائم والمخدرات والفساد ، والدين والأسرة وعلاقتهما في استقرار المجتمع ، وحماية البيئة واجب إنساني مشترك .
4. الحوار الإسلامي المسيحي واليهودي ومستقبله وآفاقه ، والحوار مع المعتقدات الشرقية ومستقبله وآفاقه ، وجهود الدول والمنظمات العالمية في تعزيز الحوار ومواجهة معوقاته ، والإعلام وأثره في إشاعة ثقافة الحوار والتعايش .
ويمثل الإسلام في هذا المؤتمر الحواري الثلاثي الأبعاد الدينية من المسلمين السنة كلا من : شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي ، والدكتور محمد سليم العوا الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، والداعية السعودي الدكتور سلمان العودة ، بالإضافة إلى الشيوخ : صالح بن عبد الرحمن الحصين الرئيس العام لشئون المسجد الحرام والمسجد النبوي ، والدكتور صالح بن عبد الله بن حميد رئيس مجلس الشورى السعودي ، والدكتور عبد الله بن عمر نصيف الأمين العام للمجلس الإسلامي العالمي للدعوة والإغاثة ، والدكتور خالد عبد الله السليمان ، والدكتور صالح بن سليمان الوهيبي الأمين العام للندوة العالمية للشباب الإسلامي . وفي الآن ذاته ، من المقرر أن يشارك من الإسلام جناح الشيعة رموز شيعية بارزة من أهمها : الشيخ محمد علي التسخيري الأمين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية في إيران ، والشيخ حسن بن موسى الصفار المرجع الشيعي السعودي المعروف ، والدكتور جواد محمد مهدي الخالصي رئيس الجامعة الخالصية بالعراق .
وعن الجانب النصراني من المتوقع أن يحضر المؤتمر ليشارك به كلا من : الكاردينال جان لويس توران رئيس المجلس البابوي لحوار الأديان والثقافات من الفاتيكان يرافقه وفد يضم ستة قساوسة ، وفرانكلين جراهام ، وهو ابن بيلي جراهام الزعيم الديني الإنجيلي المعروف ، وأسقف كانتربري، روان ويليامز ، والأسقف الجنوب إفريقي ديزموند توتو . وضمت القائمة بطريرك الكرازة المرقصية ، والكنيسة القبطية في مصر شنودة الثالث والقس أبون باولوس رئيس المجلس العالمي للكنائس ، والكاهن ديفيد كوفي رئيس التحالف المعمداني العالمي ، والكاردينال تيودور إي . مك كاريك الرئيس الفخري لأساقفة واشنطن ، والبطريرك ألكسي الثاني بطريرك موسكو وسائر روسيا ، بالإضافة إلى نائب الرئيس الأمريكي السابق آل جور ، والدكتور جون إسبوسيتو مدير مركز التفاهم الإسلامي المسيحي للسلام في أمريكا ، والدكتور فرانسيس فوكوياما مدير برنامج التنمية الدولية في جامعة هوبكنز .
وأبرز الحاخامات اليهود المشاركين في مؤتمر حوار الأديان كلا من : دافيد ويس رئيس حركة ناتوري كارتا في أمريكا ، وجوزيف أهرنكانز مدير مركز التفاهم المسيحي بأمريكا ، ودانيال برينر مدير المركز التعليمي لتعدد الأديان بأمريكا ، وميكائيل بالي مدير مركز الوثائق اليهودية في الاتحاد اليهودي الأمريكي في نيويورك ، وميكائيل لرنر محرر مجلة تيكون اليهودية . وكذلك يشتمل الوفد الحاخامي اليهودي الشخصيات الآتية : كلاوديو إيلمان الأمين العام للمؤتمر اليهودي في أمريكا اللاتينية والكاريبي في الأرجنتين ، والبروفيسور جوناثان ساكس الحاخام الأكبر لبريطانيا ، والأبرشيات العبرية المتحدة لدول الكومنولث ( بريطانيا ) ، ورينيه جوتمان عضو مجلس الحاخامات في الاتحاد الأوروبي ( فرنسا ) ، وجيل بيرنهيم الحاخام الأكبر في فرنسا ، والبروفيسور رينيه صامويل سيرت الحاخام الأكبر الفخري في فرنسا ، إذ يشارك أكبر عدد من حاخامات اليهود في هذا المؤتمر الديني مؤلف من 15 شخصية .
وسيأتي المشاركون في المؤتمر من أتباع الديانات الثلاثة ، من الولايات المتحدة حيث يأتي منها وفد مؤلف من 38 شخصا ، ثم تليها بريطانيا 23 شخصا ، ثم تأتي بعدها العربية السعودية 16 شخصا ، فمصر 13 شخصا ، ثم فرنسا 9 أشخاص ، والهند 7 أشخاص .
ويأتي مؤتمر مدريد في إطار مبادرة لحوار الأديان أطلقها العاهل السعودي ، الملك عبد الله بن عبد العزيز في 24 آذار 2008 أي بعد أقل من 5 أشهر من زيارته التاريخية لدولة الفاتيكان ، يتم في إطارها عقد سلسلة مؤتمرات لعلماء مسلمين في جميع أنحاء العالم حول المبادرة ، قبل أن يبدأ الحوار مع الأديان الأخرى ويشرف على شؤون تنظيم هذا المؤتمر رابطة العالم الإسلامي . وفي السياق ذاته ، كانت رابطة العالم الإسلامي رعت ونظمت أول المؤتمرات التمهيدية لتنفيذ مبادرة العاهل السعودي بمكة المكرمة في الفترة من 4 - 6 يونيو 2008، وكان بين علماء مسلمين من السنة والشيعة .
على أي حال ، يشارك في هذا المؤتمر مجموعة من العلماء المسلمين الموالين للأنظمة فكل واحد يمثل نظام الحكم في بلاده ، أو جماعته ولا يوجد من يمثل الحركات والأحزاب الإسلامية أو النصرانية أو اليهودية ، ويبقى هذا الحوار حوار أنظمة تمثل الأديان السماوية والأرضية التي يعتقد بها معظم سكان الكرة الأرضية بغض النظر عن طبيعتها . وهناك الإسلام الذين يدين به نحو 3 ر 1 مليار نسمة ، منهم ممثلي السنة وهو السواد الأعظم ، وممثلي الشيعة الذين يبلغ تعدادهم نحو 150 مليون نسمة في العالم .
وهناك النصرانية التي تشكل نحو 5 ر2 مليار نسمة على اختلاف أجنحتها الأرثوذوكسية والبروتستانتية والمارونية والأرمنية والانجليكانية وسواها في الشمال والجنوب ، والطوائف الشرقية والغربية . وهناك من يمثل اليهودية المؤيدة للصهيونية العالمية والمعارضة لها مثل جماعة ناطوري كارتا التي تعارض قيام الكيان اليهودي – الصهيوني في ارض فلسطين الآن .
في حين يمثل اليهودية في هذا المؤتمر 15 شخصية يهودية من مختلف بقاع العالم ، وأفادت مصادر سعودية أن اليهود المشاركين في المؤتمر هم ممن لا يحملون الجنسية الإسرائيلية . ونقول إن كل يهودي في الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة يحمل أكثر من جنسيتين وهي الجنسية الإسرائيلية إضافة إلى جنسية أمريكية أو أوروبية أخرى أو أكثر ، وأعضاء الجاليات اليهودية في فلسطين أتوا من 102 دولة من دول مختلف قارات العالم وهذه حقيقة لا لبس فيها ، فيمكن أن يختفوا وراء جنسيات أخرى وهذا سهل عليهم ولا يمكن تمييزهم عن بعضهم البعض بأي حال من الأحوال ويمكن أن تبرز لنا الصدفة أحداثا مثيرة في المؤتمر وفت عقده وفعالياته اليومية في تموز الجاري من العام 2008 . فانتظروا إنا منتظرون ، وإن غدا لناظره قريب .
وهذا المؤتمر الذي يضم مختلف أجنحة الأديان السماوية والأرضية ، هو بالأساس عبارة عن استعراض وتجمع ديني وسياسي وإعلامي ونفسي يحاول إيجاد منافذ ومخارج للتوافق بين أتباع الديانات المركزية في العالم قاطبة ، ومحاولة وضع النقاط على الحروف وتبني أطار عام يوحد بين الجميع في ظل كينونة عالمية بعيدة عن الصراعات الدينية والمذهبية والسياسية ، ولكن مثل هذه الدعوات والمؤتمرات والحوارات ما هي إلا ذر الرماد في العيون إذ تخفي خلف كواليسها أشياء كثيرة جدا لا يعلمها إلا الله ثم العالمون بالأمر .
وإسلاميا ، يحترم الإسلام العظيم أهل الذمة ويكفل لهم الحق في أن يعيشوا في أرض الإسلام بحرية في الدين والمعتقد فلا إكراه في الدين . يقول الله الحميد المجيد جل جلاله : { اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ (255) لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257)}( القرآن المجيد ، البقرة ) . ويقول الله الحي القيوم عز وجل : { وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا (29) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا (30) أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا (31)}( القرآن المجيد ، الكهف ) .
ويشترط الإسلام العظيم على أهل الذمة وهم أهل الكتاب ( النصارى واليهود ) مقابل السماح لهم بحرية الدين والمعتقد ، عدم الاعتداء على المسلمين أولا ثم دفع الجزية وهي نوع من أنواع المال لحمايتهم وتوفير الأمن والأمان والاستقرار لهم في ظل الإسلام العظيم ، يقول الله ذو الجلال والإكرام : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29)}( القرآن الكريم ، التوبة ) .
وغني عن القول ، إن النصرانية تعترف باليهودية وبأهل التوراة الحقيقية ، من أتباع موسى وهارون عليهما السلام ، والكتاب المقدس يضم بين دفتيه العهد القديم ( لليهود ) ، والعهد الجديد ( للنصارى – المسيحيين ) في تلازم ديني منذ غابر الأزمان للتواصل المذهبي والتاريخي بين اليهودية ثم النصرانية . ولكن اليهودية لا تعترف بالنصرانية بصفتهم أهل الإنجيل ، وهو الكتاب السماوي الذي أنزله الله العزيز الحميد على المسيح عيسى بن مريم عليه السلام .
وعلى الجانب الآخر ، فإن الإسلام العظيم يعترف باليهودية كرسالة سماوية إلهية والتوراة التي أنزلها الله جل جلاله على موسى عليه السلام ، وكذلك يعترف بالنصرانية كرسالة سماوية أنزلها الله المحيي المميت وكتاب الإنجيل الحقيقي على المسيح عيسى بن مريم عليه السلام . وفي السياق المضاد ، فإن اليهودية والنصرانية لا تعترفان بالإسلام العظيم ويعتبرانه هرطقة ، وكفر وخروج عن تلك الديانتين ، ويسمون المسلمين زورا وبهتانا ، ويدعوان أتباعهما لإبادة المشركين ) في إشارة ظالمة وغير أخلاقية وبعيدة عن الحق والصواب لأبناء الأمة الإسلامية الحنيفية علما بأن عيسى بن مريم عليه السلام ، نبي النصرانية الحقيقية ، بشر بقدوم رسول الله محمد ( أحمد ) صلى الله عليه وسلم كما جاء بسورة الصف ، يقول الله عز من قائل في الذكر الحكيم : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)}( القرآن المجيد ، الصف ) .
والحقيقة هي أن الإسلام يجب ما قبله ، وهو الدين الخالد لجميع الأنبياء والمرسلين إبتداء من آدم عليه السلام مرورا بموسى عليه السلام والمسيح عيسى بن مريم عليه السلام حتى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين . وبناء عليه ، نقول إن هؤلاء الحاخامات والقساوسة منهم من يمثل ومنهم من لا يمثل إمبراطورياتهم ويجلدون أبناء الأمة الإسلامية ، وفق سياسة صليبية وصهيونية غير سوية ، كما نرى في سياسة الدجال الكبير جورج بوش الصغير إمبراطور الولايات المتحدة الشريرة في شن الحروب على المسلمين في كل مكان ، ونرى في سياسة الحاخامات اليهود في ارض فلسطين الكبرى المحتلة ، وقادة الكيان الصهيوني في فلسطين ، على اختلاف ميولهم ومشاربهم السياسية الدينية والعلمانية واليسارية ، كل سواء الذين يمنعون المسلمين من أبناء الأرض المقدسة من الوصول للصلاة في المسجد الأقصى المبارك وحتى يمنعون النصارى ايضا من تأدية طقوسهم الدينية ، وهذا الأمر يشكل اعتداء صارخا وسافرا على الحرية الدينية ، فهل في ظل هذه المعطيات نبقى نحاور هؤلاء الحاخامات والقساوسة ونطبع معهم ونأخذ معهم صورا تذكارية ليس إلا ، فهم لن يرضوا عن المسلمين ولا حتى عن النصارى في فلسطين كذلك لأسباب استعمارية عنصرية وعرقية مقيتة . يقول الله تبارك وتعالى : { وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)} ( القرآن العظيم ، البقرة ) .
وبالتالي فإن الحوار المزمع عقده ، لا يفيد ولا يغير من الواقع شيئا ، ولو يسيرا جدا . وما هذا المؤتمر ، مع احترامنا لمن دعا له وعقده ونظمه واستضافه ، إلا وسيلة للتطبيع الإعلامي الديني ، أمام الجميع ، في ظل اختلال موازين القوى بين النصارى واليهود من جهة والمسلمين من جهة أخرى لصالح الطرف الأول بجناحيه الاستعماريين . فهل سنبلغ النصارى واليهود أن الإسلام هو الحل ؟ وهم يعرفون ذلك أكثر من غيرهم ولكنهم يكابرون بصورة فجة ؟!! . ولهذا فإن هذا المؤتمر لا يقدم ولا يعطي للمسلمين شيئا طالما هناك مواقف مسبقة من الإسلام والمسلمين وهي نظرة عنصرية قائمة على الكراهية والاستعمار والإذلال فنرى بابا الفاتيكان في روما ، القائد الديني الأرثوذوكسي للطائفة الأرثوذوكسية النصرانية العالمية ، الذي يمثل نحو مليار أرثوذوكسي في العالم ، يهاجم الإسلام من روما وسط العاصمة الإيطالية ويصف الإسلام بأنه دين عنف وإرهاب استخدم القوة لنشر تعاليمه وأصوله ، وهي مجافاة للحقيقة والواقع فالإسلام انتشر بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن وكان المسلمون الفاتحون يخيرون الناس بين إعلان الإسلام أو دفع الجزية مع بقاء حريتهم الدينية أو الحرب . وكذلك فإنه في الذكرى الستين لاحتلال فلسطين في 15 أيار 2008 ، قال البابا في روما إنه مسرور لعودة بني إسرائيل لأرض آبائهم القديمة ؟؟ ويقصد طبعا فلسطين المحتلة التي تعاني من الاحتلال الصهيوني ؟؟ وفي ظل هذه الآراء والمعتقدات القاتمة السواد ، كيف لنا كمسلمين أن نتحاور مع هؤلاء الناس ؟ من حاخامات وبطاركة وقساوسة ، فهل الحوار سيغير من الأمر شيئا ؟؟ لا وألف لا ، برأينا ، هذا مؤتمر فاشل قبل عقده وقبل أوانه ، وهو مؤتمر صيفي يفتقد إلى فاكهة الصيف السمحة الندية الطيبة المذاق والطعم والرائحة ، ورائحة هذا المؤتمر سوف تتمخض عن عنصرية صليبية ويهودية صهيونية نتنة مقيتة ، فهؤلاء الحاخامات والبطاركة والقساوسة لا يحملون المسك بل يحملون الكير ، لإيذاء المسلمين ولا يجدي نفعا ، اللهم فقط زيارات لمدريد وتصافح بالأيدي دون تصافح بين القلوب والأفئدة والعقول . ثم هناك سؤال آخر يطرح نفسه بنفسه ، لماذا عقد هذا المؤتمر بمدريد أيضا ؟ هل نسينا أن مدريد هي بقعة من بقاع الأندلس الإسلامية ؟ وهل نسينا محاكم التفتيش الأوروبية الصليبية ضد المسلمين ، وتهجير وقتل المسلمين في الأندلس وتهجيرهم إلى شمال أفريقيا في المغرب العربي الإسلامي الكبير ؟؟؟
وأخيرا لا نملك إلا أن نقول كما يقول ربنا الله العلي القدير ، رب العالمين جميعا : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68) وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}( القرآن العظيم ، آل عمران ) .
والحوار المزمع عقده في مدريد ، العاصمة الإسبانية ، هو مؤتمر لا جدال فيه ، فهو حوار تطبيع ديني ، لا يسمن ولا يغني من جوع للحرية الدينية الحقة والحقيقية ، وهو كحوار الطرشان ، لا ولن يفهموا على بعضهم البعض ، ولا نتائج منه على أرض الواقع ، وسيبقى حبرا على ورق ، لا تنفيذ لقراراته ، هذا إن كانت هناك قرارات أصلا . نحن مع الحوار طالما يجدي ويعطي ثمارا ناضجة ، لا فجة ، ويمكن أن نؤمن بقرارات هذا المؤتمر في حال تم تغيير النظرة غير السوية التي يمارسها اليهود والصليبيين الفرنجة ، لأبناء فلسطين والعرب والمسلمين بأنهم بشر يستحقون الحياة بعيدا عن الاستعمار الأجنبي الغربي النصراني الصليبي واليهودي الصهيوني الماسوني المتطرف ، وسحب وصمة وصفة الإرهاب عن أبناء الأمة الإسلامية ، وهي خير أمة أخرجت للناس في الأولين والآخرين .
والله ولي التوفيق ، فهو ولي المتقين المؤمنين .
سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: