الثلاثاء، 1 يوليو 2008

تجربتي بإذاعة صوت فلسطين ( 1 )

تجربتي بإذاعة صوت فلسطين
( 1 )
د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)}( القرآن المجيد ، الأحزاب ) . وجاء بصحيح مسلم - (ج 1 / ص 167) كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) .
أولا : الإعلان عن دورة تدريبية بالصحافة الإذاعية
كان يوما صيفيا ربيعيا دافئا رائعا ، إنه في 11 نيسان 1994 ، قرأت إعلانا صحفيا في صحيفة القدس المقدسية ، عن قرب إنشاء إذاعة فلسطينية في ارض الوطن الفلسطيني ، وقبل ذلك يجب على الصحفي الذي يود الدخول في هذه الهيئة أن يتلقى دورة تدريبية تمتد ما بين 3 – 6 شهور . طلب من كل صحفي يريد الانخراط في الصحافة الإذاعية أن يقدم أوراقه الثبوتية ، لدى أحد المكاتب الصحفية في نابلس أو غيرها من المدن الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة . قرأت الإعلان وترددت أن أقدم أوراقي ، رغم أنني خريج بكالوريوس علوم سياسية وصحافة كتخصص رئيسي ولغة إنجليزية كتخصص فرعي من جامعة النجاح الوطنية في نابلس في نيسان 1986 . بعد تردد نفسي وصحفي وعدم إيمان بالإعلانات الصحفية ، كوني صحفي سابق وأعلم كيف يتم تدوير الإعلانات والتعيينات والتوظيفات لمثل هذه المهن الحساسة الحرة في المجتمع الفلسطيني أو العربي أو غيره من المجتمعات . قررت أن أبعث طلبا بأوراقي الثبوتية ، فأعددت الأوراق المطلوبة من الشهادة الجامعية والخبرة الصحفية ، وانتظرت الرد بغض النظر ايجابيا أو سلبيا ، وما هي إلا أيام قليلة حتى جاء الرد الايجابي ، لمن يكن لدي هاتف جوال ولا حتى هاتف بيتي لأن الاحتلال الصهيوني كان يمانع في المنطقة التي أقطن بها لهذه الخدمات الاتصالية كون الاحتلال الصهيوني يدير شؤون شركات الاتصالات اليهودية في فلسطين برمتها ومنها منطقتي التي أسكن فيها أبا عن جد .
رن هاتف صهري في مكان عمله بالمكتبة الجامعية في نابلس ، وطلب المهاتف الحديث مع الصحفي كمال علاونه ، كان صوتا مألوفا لدي ، قلت السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، فرد وعليكم السلام هل أنت كمال علاونه ، قلت نعم أنا هو العبد الفقير لله تعالى كمال علاونه . ضحك المتحدث قليلا وقال أنا باسم أبو سمية أتحدث معك وأبلغك أنه تقرر قبولك للمشاركة في الامتحان العملي والنظري في رام الله في مكان كذا وكذا . قلت له كيف الامتحان قال امتحان عادي وتعارف على الصحفيين الذين تم قبولهم لعقد المقابلة وعددهم 55 صحفيا ومهندسا من أصل نحو 2000 طلب تقدموا للمشاركة في هذا المجال . سررت لدعوتي للمشاركة في الاختبارين العملي والنظري فقلت في نفسي لدي الخبرة المهنية الصحفية والشهادة الجامعية المطلوبة والشخصية القيادية واللغة الانجليزية التي سيتم التدريب فيها للمشاركة في النواة الأولى للعاملين في هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية . وكان العدد المطلوب للتدريب 15 شخصا من صحفيين ومهندسين تم انتقائهم على مرحلتين : المرحلة الأولى انتقاء 55 شخصا ، والمرحلة الثانية انتقاء 15 شخصا فقط .
ثانيا : المقابلات والاختبارات النظرية والعملية لاختيار المناسبين
كانت لجنة المقابلات لاختيار المتدربين من المهندسين والصحفيين الفلسطينيين الجدد المنتظرين لإذاعة صوت فلسطين التي تتخذ من عمارة البكري وسط مدينة رام الله مقرا مؤقتا لها ، في أواسط نيسان 1994 ، مؤلفة من 7 أشخاص منهم ثلاثة شخصيات فلسطينية هي : باسم أبو سمية ، عبد الرحمن نبهان خريشة وعمر الجلاد ، بالإضافة إلى أربع ألمان من مؤسسة بوندشتفت الألمانية . كانت ترتيبي في الأعداد الأخيرة للمقابلات الصحفية للمتدربين الجدد ، كانت ثقتي بنفسي كبيرة ، وقلت في نفسي إذا لم يكن هناك واسطات ومحسوبيات فسأكون ضمن الفوج الأول للصحفيين . أجريت المقابلات لنحو 55 صحفيا ومهندسا الكترونيا باللغتين العربية والانجليزية ، مرت ساعات وساعات ونحن ننتظر ، مللت وفكرت بعدم الدخول في المقابلة لأن ساعة الانتظار صعبة للغاية . وأنا غارق بالتفكير في تلك اللحظات جاء دوري للمقابلة فتعالى الصوت الأستاذ كمال علاونه ، تسارعت خطواتي ، وخفق قلبي ، فأنا لم أتعود الفشل في المقابلات العملية والنظرية على السواء ، ليس خوفا بل همة وشجاعة قرأت بعض آيات القرآن المجيد في نفسي ، ودخلت للمقابلة وألقيت السلام وصافحت جميع أعضاء لجنة المقابلة بشقيها الفلسطيني والأجنبي الألماني ، باللغتين العربية والإنجليزية وردوا السلام وصافحوني وجلست على كرسي المقابلة والجميع ينظر إلي ، كان ذلك من قوة الشخصية وأسس العلاقات العامة الناجحة التي أتقنها فعليا . بدأت الأسئلة باللغة العربية بداية من الصحفي باسم أبو سمية ، تحدث عن نفسك ؟ تحدثت عن نفسي باللغة العربية باختصار عن سيرتي الذاتية والمهنية واعتقالي في سجون الاحتلال الصهيوني ، ثم سال عمر الجلاد : كيف أنت والخطابة والإعلام فأجبته بصورة مطولة إلى حد ما ، وكنت أنظر في عيون المقابلين بالرضى التام ، وهناك أسئلة أخرى ، تم توجيهها لي أجبت عليه بقدرة واقتدار فهي من صلب عملي ودراستي العملية وخبرتي المهنية عندما كنت أعمل في صحيفة الفجر المقدسية لمدة عامين . وجاءني سؤال آخر : ماذا تعمل الآن ؟ فقلت أعمل مراسلا لصحيفة كل العرب في الناصرة منذ شهرين . وجاء سؤال آخر ، وجه بحذق كبير ، أنت متزوج ولك أسرة كما قلت ( زوجة وثلاثة أبناء ) وفي حال قبولك في دورة التدريب الصحافية الإذاعية لمدة ثلاثة أو ستة شهور من سينفق على الأسرة ؟ قلت لهم هذه مشكلة محلولة ولا غبار عليها والحمد لله رب العالمين لدي بعض المال للإنفاق على الأسرة فالله هو الرزاق ذو القوة المتين ، وزوجتي تعمل في مركز شؤون المرأة والأسرة في نابلس ، اقتنع الجميع ، وهز الجميع رؤوسهم قبولا بما قلت وتحدثت . ثم جاء دور الأسئلة الألمانية باللغة الانجليزية : عرف على نفسك ؟؟ تكلمت عن نفسي باللغة الانجليزية بطلاقة لمدة خمس دقائق ، نظر الجميع لبعضها البعض ، أن هذا الصحفي ممتاز للتدريب والعمل الإذاعي . ثم انتهى دور الأسئلة النظرية وانتقلنا للأسئلة العملية ، حيث طلب مني إعداد تقرير إذاعي ، خلال فترة لا تتجاوز ربع ساعة ( 15 دقيقة ) أعددت الموضوع بقدرة وسرعة فائقة باللغتين العربية والانجليزية . ثم انتهت المقابلات وقالوا لنا سنتصل بمن يقع على الاختيار لاحقا ، وغادرت مدينة رام الله بسيارتي مسرعا ومتجها شمالا لمدينتي نابلس جبال النار ومن ثم لقريتي عزموط . وتوالت الأسئلة علي في البيت من شريكة حياتي عطاف أم هلال : كيف عملت في المقابلة ؟ وما هي انطباعاتك عنها ؟ ومن قابلك ؟ وهل ستلتحق بدورة الصحافة الإذاعية في حال قبولك ؟ وكيف سننفق على الحياة المعيشية ؟ وما إليها من أسئلة ، وفي حقيقة الأمر لم أكن أعتمد في الإنفاق على الأسرة خلال فترة تدريبي إلا على ربي الذي يجعل لكل هم فرجا ولكل ضيق مخرجا ويرزق المرء من حيث لا يحتسب ، وإنما كانت إجاباتي لإقناع اللجنة بتوفر مصدر دخل مالي إضافي للأسرة زيادة في طمأنتهم لا أكثر !! طمأنتهم وطمأنت زوجتي كذلك .
ثالثا : البدء في التدريب في مديني رام الله والقدس الشريف ( نيسان – أول تموز 1994 )
بعد يومين جاء الرد على هاتف صهري في نابلس ، أنا باسم أبو سمية أن تعالى وشارك في الدورة التدريبية الصحافية الإذاعية في مدينة رام الله . سررت بالنبأ الجديد وسر من كان حولي ، وعلمت أنني قد حصلت على إجماع جميع أعضاء اللجنة الفلسطينيين والألمان في المقابلة المهنية النظرية والعملية ، ولكن المشكلة الجديدة تمثلت في الذهاب والإياب اليومي لمكان التدريب في مدينة رام الله التي تبعد عن نابلس 55 كم ، وبالتالي كان علينا أن نذهب يوميا وقطع مسافة 110 كم لتلقي التدريب الإعلامي على الصحافة الإذاعية باللغة الانجليزية لنذيع لاحقا باللغة العربية .
بدأت عملية التدريب بالتعارف ، وتلقي المعلومات باللغتين الانجليزية والعربية مع تركيز على التدريب باللغة الانجليزية من قبل المدربين الألمان . وبعد أسبوع من التدريب في رام الله انتقلنا لشقة تدريب جديدة في القدس الشريف بالقرب من المسجد الأقصى المبارك حيث كان أصلي كثيرا صلاة الظهر في المسجد الأقصى المبارك واستمرت عملية التدريب بالقدس حتى 1 تموز 1994 . وأول لقاء إذاعي أجريته مع مدير المسجد الأقصى وهو الآن مفتي القدس والديار الفلسطينية ( فلسطين ) . وتبعد القدس عن نابلس 81 كم بواقع 162 كم ذهابا وإيابا وكنا نتلقى الدورة المهنية الإعلامية يوميا وأعود لبيتي في عزموط وهي مرحلة شاقة علينا .
رابعا : نقل المعدات والآلات الالكترونية الإذاعية من القدس الشريف على أريحا
تسارعت الأحداث في فلسطين بعيد توقيع اتفاقية أوسلو في 13 أيلول عام 1993 ، وتوقيع اتفاقية القاهرة في 4 أيار 1994 ، فعلمان أن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات عاد من المنفى على غزة في 1 تموز 1994 ، وكان يوم سبت ، وأعلنت حكومة الاحتلال الصهيوني – اليهودي جميع فلسطين منطقة عسكرية وأمنية مغلقة ، وليس من السهل الدخول والخروج من محافظة فلسطينية لأخرى . لقد دخلنا القدس من نابلس بصعوبة بالغة وشديدة ولولا أنني كنت متمكنا من مداخل ومخارج القدس ولدينا التصاريح اللازمة التي استخرجها لنا الألمان من سلطات الاحتلال اليهودي لدخول القدس ولم نكن نلجأ إلها بتاتا بل كنت ممن يلف خلف الحواجز ويخترق المناطق المغلقة عن الجبال للوصول إلى المكان الذي أريد وهو شقة التدريب في وادي الجوز بمدينة القدس الشريف . وصلت لمكان التدريب الإذاعي بشق الأنفس ، وكذلك غير من المتدربين من خارج القدس . طلب منا أن نعد أنفسنا على عجل سريع ، وان نصطحب المعدات والآلات الالكترونية ، وكنت مع المهندس الألماني الذي سيخرجها ، اتجهنا باتجاه الشمال الشرقي لمدينة القدس باتجاه أريحا فوجدنا جميع المداخل موصدة ممنوع الدخول والخروج ، فاضطر المهندس الألماني أن يخرجها بنفسه وهي في سيارته الخصوصية ، فأخرجها بطريقة ما رغم توقيفه من الحواجز العسكرية الصهيونية . لقد أوصلها قبلنا إلى مدينة أريحا ، وهي مدينة القمر ، أقدم مدينة تاريخية فلسطينية ، ثم وصلنا في سعات متأخرة من العصر ، منهكين خائري القوى بسبب اللف والدوران ونشفت أرياقنا قبل أن نغادر مدينة القدس الفلسطينية المحتلة . كان يوما مشهودا ، متعبا ومنغصا ، ورغم ذلك كان لا بد لنا من مواصلة المسيرة الإذاعية ، وإعداد مبنى الإذاعة على عجل .
خامسا : إعداد مبنى إذاعة صوت فلسطين في أريحا
بعد وصولنا لمبنى إذاعة صوت فلسطين الذي تم استئجاره بأكثر من 10 آلاف دولار سنويا ، وهو عبارة عن شقية صغيرة تتألف من طابقين مساحتهما 100 م 2 ، كل واحد منها مساحته 50 م2 ، وهي مساحة صغيرة جدا لا تتسع إلا لغرفة بث واحدة وأستوديو بث إذاعي صغير واحد ، الا أنه جرى تدبر الأمر ونصبت خيمة في ساحة المبني للإستراحة ، وتدقيق المواد الإعلامية للبرامج .
سادسا : إنطلاقة البث الإذاعي الفلسطيني من أريحا
شارك معظمنا من الصحفيين والمهندسين الذين كنا نتدرب في رام الله والقدس الشريف ، في عملية العزل ، ووضع الصوف الصخري لعزل الكلام وتحاشي انطلاق الصدى من الغرف التي كانت معدة للسكن سلفا ، وبقدرة قادر تحولت لإستوديوهات الإذاعة الفلسطينية في أريحا ( إذاعة صوت فلسطين ) انتهينا مؤقتا بصورة بسيطة من إعداد الأستوديو في 1 تموز 1994 ، ويفترض البدء بالبث التجريبي ن الذي استمر ثلاثة شهور متواصلة . وفي منتصف ليلة 1 و2 تموز 1994 إنطلقت أولى كلمات البث الإذاعي التجريبي الفلسطيني من أرض الوطن الفلسطيني ( هنا صوت فلسطين ) هادرة باسم فلسطين وأهل فلسطين وشعب فلسطين الأصليين الذي يتوقون للحرية والاستقلال الوطني والتخلص من الاحتلال الأجنبي الصهيوني – اليهودي .
المخاض والولادة ل ( صوت فلسطين )
وبالنسبة للمخاض والولادة ، في البداية ، كان هناك طرحان أو رأيان لتسمية إذاعة فلسطين في ارض الوطن ، الرأي الأول اقترح أن تسمى صوت فلسطين والرأي الآخر اقترح أن تسمى الإذاعة الفلسطينية ، ولكن حسم الأمر بالتشاور مع الزملاء وتقرر أن يكون اسم الإذاعة الفلسطينية الجديدة التي تنطلق من ارض الوطن الفلسطيني بشخصية فلسطينية هي صوت فلسطين وقد جرت محاولات للبث من استوديوهات التدريب الإذاعي التي كان يشرف عليها المدربون الإذاعيون الألمان وخاصة مؤسسة بوندشفت في منطقة وادي الجوز في قلب مدينة القدس ، إلا أن الجانب الإسرائيلي رفض ذلك ، وقال : إن الأراضي التي سيتم إعادتها للشعب الفلسطيني في بداية الأمر وفق اتفاق أوسلو ( أ ) هي مناطق غزة وأريحا ، وبما إن أريحا هي المنطقة الأقرب إلى القدس التي ينادي بها الشعب الفلسطيني عاصمة لدولته فانه استقر الأمر أن يكون عمل خلية البث الإذاعي الأولى ل صوت فلسطين في قلب فلسطين من مدينة أريحا ، أقدم مدينة في العالم واخفض بقعة تحت سطح البحر . وقد استأجرت هيئة الإذاعة والتلفزيون مبنى مكون من طابقين كل طابق لا يتجاوز 100 م للانطلاق الإذاعي عبر الأثير في سماء فلسطين والمناطق . وفي 1 تموز 1994 ، وفور نبأ تردد في الأوساط الرسمية والشعبية الفلسطينية عن قرب عودة السيد الرئيس ياسر عرفات رئيس دولة فلسطين إلى أرض الوطن ، قررت هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية البدء في البث فورا من مبنى الإذاعة في أريحا الذي جرى الترتيب له على عجل ، وقد كلف طاقم المدربين الألمان ( ثلاثة مدربين ) والمتدربين الفلسطينيين المكون من الفوج الإذاعي الأول الذي ضم 15 متدربا وثلاثة إداريين ، بنقل المعدات والأجهزة الفنية الإذاعية من استوديوهات التدريب من القدس إلى أريحا .
وضم الطاقم الإذاعي الأول لإذاعة صوت فلسطين ، مجموعتين : الأولى إدارية وشملت : رضوان أبو عياش رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية ، باسم أبو سمية مدير عام الإذاعة ، مصطفى الكرد مسئول دائرة الموسيقى ( انسحب بعد حوالي سنة ) . إما المجموعة الثانية : مجموعة المتدربين الأوائل في استوديوهات القدس ( وادي الجوز ) ، وتألفت من الصحفيين : كمال إبراهيم علاونة من قرية عزموط قضاء نابلس ، احمد رفيق عوض من بلدة يعبد قضاء جنين ، محمد السعدي من مدينة جنين ، شيرين أبو عاقلة من بيت حنينا من القدس ، وفاء البحر من القدس ، رزان أبو زنط من نابلس ولميس عنبتاوي من نابلس ( انسحبت فيما بعد ) ، باسمة عدوين من القدس ( انسحبت فيما بعد ) . ومن الفنيين : هادية مسعود ، ورنا حمامي وكلاهما من نابلس ، جلال حسن علي من قلنديا قرب القدس ، إسماعيل البرغوثي من قرية عابود قضاء رام الله ، وكان تم انتقاء أو اختيار هؤلاء الصحفيين والفنيين من بين حوالي ألفي طلب تقدموا للالتحاق بالدورة التدريبية الإذاعية الأولى ، إذ تم فرز نحو 55 صحفيا وفنيا في خطوة أولى ثم أجريت لهم مقابلات شخصية في مدينة رام الله شارك فيها مجموعة الألمان من مؤسسة بوندشتفت وباسم أبو سمية ( مدير عام الإذاعة فيما بعد ) وعمر الجلاد ونبهان خريشة . يقول باسم أبو سمية ، مدير عام إذاعة صوت فلسطين عن كيفية فرز الفوج الأول للعمل على انطلاقة البث الإذاعي لأول مرة من قلب الوطن الفلسطيني : قمنا بمسح شامل للكفاءات ذات العلاقة بمجال الإذاعة ، وهذا الجرد شمل الإعلاميين والفنيين في الداخل والخارج والتي أبدت استعدادها للمساهمة في بناء وتكوين نواة الإذاعة ... ومن ثم تم الإعداد لدورات تدريبية وتأهيلية في الخارج ، اخترنا المشاركين في هذه الدورات ( دورتين ) من بين ألفي طلب قدمت لهيئة الإذاعة والتلفزيون من قبل متخصصين في المجال ،معظمهم من الفنيين ومن خلال هذه المجموعات المتدربة استطعنا أن نبدأ بالخطوة الأولى للإذاعة . ثم انضم إلى الكادر الإذاعي من الصحفيين : عبد الطيف سليمان ، وفضل سليمان ، وإبراهيم ملحم ، يوسف المحمود وجمال ميعاري ، ومن المدققين اللغويين : نصير فالح وعبد السلام العابد . ثم توالى انضمام الصحفيين الفلسطينيين العائدين من الخارج منهم : يوسف القزاز ، فتحي البرقاوي زعل أبو رقطي وعارف سليم وغيرهم .
ولا بد من الإشارة إلى أن الطاقم الإذاعي الأول الذي تولى عملية نقل المعدات والأجهزة الإذاعية إلى أريحا استمر منذ ساعات الصباح الباكر وحتى ساعات ما بعد العصر من يوم 1 تموز 1994 وهو يبحث عن مخرج من مدينة القدس جراء فرض سلطات الاحتلال الإسرائيلي طوقا عسكريا محكما على المدينة المقدسة ومنع المواطنين من الدخول والخروج لخارج القدس الشريف حيث نصبت الحواجز العسكرية اليهودية الثابتة والطيارة المتنقلة بشكل كثيف جدا ، فيما بدا للحيلولة دون اندلاع المظاهرات والمسيرات المؤيدة لعودة القادة الفلسطينيين وفي مقدمتهم الرئيس ياسر عرفات إلى الوطن الفلسطيني ، وطن الآباء والأجداد ، ولولا جهود الطاقم الألماني وتدخله لاستمرت عملية الدوران في الحلقة المفرغة أكثر من ذلك ، رغم انه كان بحوزتهم تصاريح تنقل سارية المفعول بترتيب من السفارة الألمانية .
. وفي عصر 1 تموز وصلت المعدات والأجهزة الإذاعية إلى مدينة أريحا بعد جهد جهيد ، وكانت أجهزة الأمن الفلسطينية في حراسة مبنى الإذاعة المنتظر ، وجرى تركيبها بمشاركة الصحفيين والفنيين والإداريين الفلسطينيين وطاقم التدريب الألماني ، فكانت هذه العملية سباقا مع الزمن من اجل انطلاقة البث الإذاعي الفلسطيني من فوق ثرى الوطن لأول مرة التاريخ الإذاعي الفلسطيني ، فالبعض عمل على تركيب الأجهزة والمعدات الالكترونية والبعض الآخر ساهم في تركيب الطاولات أو في تركيب الصوف الصخري على الجدران الداخلية للاستوديوهات أو في تمديد فرش الإذاعة الأرضي وغيرها فكان انهماكا متواصلا استمر بضعة ساعات حتى ساعات ما بعد منتصف الليل ، وكانت الفرحة والبهجة تغمر الجميع أثناء الانهماك في العمل وما بعده .
وعن ربط المعدات والأجهزة الإذاعية في مبنى الإذاعة في أريحا في 1 تموز 1994 ، يقول رضوان أبو عياش رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية سابقا : عندما واجهنا التحدي ، كان علينا أن ننطلق من أقدم مدينة في التاريخ ، وان ننطلق من تحت سطح البحر ، وكان علينا أن ننطلق في ظروف لا يمكن أن يصدقها أحد فيما بعد ، هذه التحديات هي المحرك الوحيد التي كانت سببا في الانطلاقة القوية لهذا الصوت ، إنا نذكر عندما منعنا عمال شركة بيزك الإسرائيلية من المهندسين ( لان شبكة الاتصالات والهواتف بأيديهم ) منعناهم من الخروج من أريحا قبل ربط الأستوديو بالمرسلات الهوائية قبل الساعة الواحدة إلا ربعا من صبيحة وصول القيادة الفلسطينية وعلى رأسها ( أبو عمار ) وجماهير شعبنا الفلسطيني في الشتات ، تأكدنا انه تم الربط ، وكانت خمس دقائق على إغلاق المرسلات في رام الله ، وفي الغرفة المعزولة بدائيا والتي لا يوجد بها اثر للهواء بسبب عدم وجود مكيف ، وفي مدينة أريحا في عز الصيف وفي الثاني من تموز 1994 ، مجموعة من المهندسين في غرفة أطلق عليها غرفة التحكم ، وخلف الزجاج العريضة التي بنيت بسرعة تفوق سرعة الصوت ، انطلق صوت فلسطين وكانت آذاننا على المذياع إلى أن وصلت الإشارة ، وعندما انطلق انهمرت الدموع من عيون جميع المهندسين والعاملين ، لا يمكن أن تصدق كم كانت لذة الانتصار ومذاقها ، لأنه عندها فقط أكدنا أيضا أن لا مستحيل إن كانت هناك إرادة وان كانت هذه الإرادة مغلفة بالإيمان ، الزملاء المغروسون في رمال غزة وأريحا هم المشاعل التي سنبني بها مؤسسة الهيئة الفلسطينية . وبعد تركيب الأجهزة آليا واتوماتيكيا ، وفي منتصف الليل وحوالي الواحدة ليلا جرى تجريب البث الإذاعي للشروع به في اليوم التالي معلنا عن ولادة إذاعة فلسطين من مدينة أريحا التي أعيدت للسيادة الوطنية الفلسطينية قبل فترة وجيزة .
هنا صوت فلسطين
وفي 2 تموز 1994 ، انطلق البث الإذاعي الفلسطيني الوطني التجريبي من قلب الوطن على الموجة المتوسطة وطولها 427 مترا بتردد قدره 702 كيلو هيرتز ، صادحا هنا صوت فلسطين ، هنا صوت الشعب الفلسطيني ، صوت الحق والحرية ، صوت الشعب المكافح من اجل الحرية والاستقلال الوطني ، وما إلى ذلك من العبارات والمصطلحات التي تؤكد على الهوية والشخصية الوطنية الفلسطينية . حيث استهل المذيع بهذه العبارات عملية افتتاح البث الإذاعي الفلسطيني بعد عزف النشيد الوطني الفلسطيني ، بلادي ... بلادي . وكانت فترة البث التجريبي الأولى قسمت على نوبتين أو فترتين مدتهما خمسة ساعات ونصف : الفترة الصباحية ، وتبدأ من الساعة السابعة صباحا وحتى العاشرة والنصف عند الضحى ، والفترة الثانية المسائية من الساعة الثالثة عصرا وحتى الخامسة مساء . وقد تبين أن هذه الموجة المتوسطة 427 مترا بتردد مقداره 702 كيلو هيرتز كانت تبث عليها إذاعة القدس التابعة للجبهة الشعبية - القيادة العامة بزعامة احمد جبريل الموالية لدمشق ، التي تبث برامجها من سوريا ، مما شوش البث الإذاعي في كثير من الأحيان على المحطتين ، وتظهر هنا السياسة الإسرائيلية التي تحاول التملص من اتفاقياتها المبرمة مع منظمة التحرير الفلسطينية . واستمر البث التجريبي الإذاعي من محطة الإذاعة في أريحا على تلك الموجة المشوشة حتى 12 / 7 / 1994 ، أي لمدة عشرة أيام ، ثم جرى التفاوض مع الجانب الإسرائيلي والاتفاق معه على أن تخصص الموجة المتوسطة وطولها 440 مترا بذبذبة قدرها 675 كيلو هيرتز ل صوت فلسطين وسجلت تحت اسم هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية ، وهي الموجة التي بقي البث يتم من خلالها حتى تدمير مبنى الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني وإرساليات البث في نهاية 2001 وانتقل البث منذ ذلك الحين حتى الآن للبث على الموجة الطويلة .
وتم العمل على زيادة ساعات البث التجريبي بشكل متسلسل ومتصاعد إلى أن تم الإعلان عن البث الإذاعي الرسمي في 1 تشرين الأول عام 1994 ، أي أن البث التجريبي استمر مدة ثلاثة أشهر ، اكتسبت خلالها الكوادر الإذاعية الجديدة مهارات وخبرات عن طريق التدريب المتواصل وعن طريق التجربة والخطأ ، في شتى الميادين الإذاعية الإخبارية والبرنامجية والموسيقية وغيرها . وفي الذكرى السادسة لإعلان وثيقة الاستقلال الفلسطيني ( 15 تشرين الثاني عام 1994 ) تم تمديد فترة البث الإذاعي من إذاعة صوت فلسطين لتصبح من الساعة السادسة والنصف صباحا وحتى الثالثة عصرا ومن الساعة الخامسة مساء حتى العاشرة ليلا ، أي لمدة عشر ساعات ونصف يوميا ، وفي أواخر شهر كانون الثاني عام 1995 ، أي بعد شهرين ونصف مدد البث الإذاعي ليكون من الساعة السادسة والنصف صباحا وحتى الثانية عشرة منتصف الليل .ثم مدة أخرى فيما بعد في 1 حزيران 1996 ليبدأ من الساعة السادسة صباحا ولغاية الواحدة بعد منتصف الليل ، ولا زال البث مستمرا لغاية كتابة هذه السطور كذلك أي لمدة ( 19 ساعة ) من ساعات اليوم الأربع والعشرين ، ثم جرى التخطيط والتنفيذ لاستمرار البث الإذاعي الفلسطيني طيلة ساعات اليوم والليلة .
على أي حال ، إن البث الإذاعي الأول من صوت فلسطين تم بوساطة قدرات ومهارات وكوادر فلسطينية 100 % ، وبظروف قاسية جدا ، فكان العمل الإذاعي اليومي شاق للمذيعين ومعدي ومقدمي البرامج والفنيين واصلوا خلاله العمل الليل بالنهار رغم ظروف الجو الشديدة الحرارة وخاصة في مدينة كأريحا معروف عن شدة حرها في فصل الصيف من كل عام وفي ظل عدم توفر المكيفات لتبريد حرارة الشمس الملتهبة ، وحتى عدم توفر المقاعد المناسبة من الكراسي أو الطاولات للجلوس عليها في صالة التحرير أو البرامج لعدة أيام ، ونستطيع القول إن هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية بدأت من الصفر من الناحية العملية ، وبالرغم من ذلك كان التحدي والإرادة والتصميم هما الملازمان لكافة العاملين لمواصلة مسيرة البناء الوطني الإذاعي ، فمع أن حرارة الشمس كانت تسيل العرق من على أجسام العاملين إلا أن طعم الحرية وانبلاج شمس الحرية كان له مذاق خاص ونكهة فريدة من نوعها زادت من قبول تحدي البناء الصعب . وبما أن العاملين من إذاعيين وإداريين وفنيين كانوا من خارج مدينة أريحا فان الغالبية العظمى منهم كانت تضطر إلى المبيت في مبنى الإذاعة أو حتى في استوديوهات الإذاعة أو فوق السطح ، وفيما بعد تم ترتيب المنامة للعاملين في فندق قصر هشام القريب من الإذاعة في أريحا . وإما بالنسبة إلى أوضاع العاملين في الإذاعة فلم يكونوا يتقاضون أي راتب شهري وإنما كان يتم دفع سلف مالية شهرية ، وهي زهيدة لا تكاد تكفي بدل التنقلات أو المواصلات ذهابا وإيابا إلى مبنى الإذاعة ، وتراوحت قيمة السلف ما بين ( 50 - 120 دينارا أردنيا ( دفع ما يعادلها بالشيكل الإسرائيلي ) عن أشهر تموز ، آب وأيلول عام 1994 ، أي طيلة مدة البث التجريبي . وفيما يتعلق باستوديوهات البث الإذاعي ل صوت فلسطين فقد انشأ أول أستوديو للبث الإذاعي في الطابق الثاني من مبنى الإذاعة في أريحا ، وكان يتم البث المباشر منه وكذلك تسجيل اللقاءات الإخبارية والبرنامجية المتنوعة ، الهاتفية والمسجلة ميدانيا عبر الأجهزة الالكترونية المخصصة التي تبرع بها الألمان ضمن المعدات الإذاعية ( أربع مسجلات ومكبرات وميكروفونات مرفقة بها ) ، ثم تبرع الألمان بأستوديو إذاعي ثاني للتدريب ، وكان يتم أحيانا البث المباشر منه في حالات الصيانة أو ارتفاع درجة حرارة الأستوديو الأول جراء عدم توفر أجهزة التكييف في أشهر البث الأولى ، ولاحقا لذلك تم إنشاء أستوديو إذاعي في مدينة غزة وتم الربط بين أستوديو أريحا وأستوديو غزة عبر دائرتي ( تي - هايبرد ) بوساطة خط هاتفي لبث بعض نشرات الأخبار الموجزة أو المفصلة .
المبنى الجديد لهيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية
وقعت هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية عام 1995 م على عقد إيجار واستئجار لمبنى جديد في أم الشرايط في مدينة رام الله مؤلف من خمسة طوابق يضم عشرة شقق بمساحة إجمالية تقدر ب 750 مترا مربعا . وفي 3نيسان 1996 بث صوت فلسطين خدماته الإخبارية والبرنامجية من الاستوديوهات المركزية من أم الشرايط في رام الله ، وانتقل قسم كبير من الطواقم الفنية والإدارية من أريحا مشتى فلسطين الدافئ إلى مدينة رام الله مصيف فلسطين الجميل والرحب ، وبعد الانتقال أصبحت الإشارة الإذاعية تنقل من أريحا إلى محطة الإرسال بوساطة الميكروويف إلى رام الله وكانت هذه الإشارة تنقل سابقا من أريحا إلى الإرسال في رام الله بوساطة خطوط ( فايبر - اوبتك ) وقد استمر البث الإذاعي من محطة أريحا يتواصل مع المستمعين منذ 2تموز ولغاية 3 نيسان 1996 أي 21شهرا وان كان يتم التناوب بين استوديوهات أريحا ورام الله عند الضرورة .
مميزات الإذاعة
الإذاعة هي من أسهل وسائل الاتصال الجماهيري الأخرى وصولا إلى المستمع أينما كان وحيثما وجد ، في الشارع ، في البيت ، في السيارة ، في موقع العمل ، فالمستمع يستطيع أن يدير قرص المذياع إلى أية محطة يريد وفي أي وقت يشاء ، ولا يكلفه ذلك الكثير من الجهد أو المال ، فالسائق يستطيع الاستماع للإذاعة أثناء سياقته وكذلك ربة البيت والعامل في مصنعه والموظف في مكتبة والجندي في سريته إلى غير ذلك من أصحاب المهن والحرف . والإذاعة المسموعة ( الراديو ) وسيلة من وسائل الثقافة العامة غير المكلفة ماليا ، فانك تستطيع أن تحمل جهاز مذياع صغير أو ما يعرف بالترانزستور وتنقله إلى أي جهة تريد الذهاب إليها ، وبوساطة هذا الجهاز الالكتروني الصغير الذي لا يتجاوز وزنه نصف كيلو غرام تستطيع التقاط عشرات المحطات الإذاعية المختلفة المشارب والسياسات والأهواء من شتى دول العالم ، عبر الموجات المتوسطة أو القصيرة أو حتى الطويلة . وأجهزة الاستقبال الإذاعي ارخص واقل ثمنا من أجهزة الاستقبال التلفزيوني . والإذاعة لها تأثير مباشر وفوري على ذهن المستمع من خلال البرامج الإذاعية المتنوعة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفنية وغيرها ، وتتبع الإذاعة الديمقراطية والتعددية السياسية من خلال تبني فكرة إذاعة الرأي والرأي الآخر ، وهذا ما يلاحظ عبر البرامج اليومية المختلفة في ساعات الصباح والمساء والليل ، والرقابة الإذاعية شبه معدومة في إذاعة صوت فلسطين ، اللهم إلا لتحسين الأداء المهني وتطويره نحو الأفضل ، إذ أن الرقابة تحد من الإبداع المهني ، إلا انه لا بد من وجود رقابة فنية لغوية أو موضوعية للارتقاء بمستويات البث الإذاعي والوصول به إلى مصاف الإذاعات العالمية المتقدمة المحترفة . وقد استطاع صوت فلسطين أن يكون منارة للفكر ومشاعل للعلم والمعرفة خلال فترة زمنية قصيرة ، امتدت منذ تموز عام 1994 ولغاية تموز 1997 ، وهو عمر قصير إذا ما قيس بعمر الإذاعات العربية والدولية ، حيث استطاعت الإذاعة أن تتبوأ المركز الأول بالنسبة للمستمعين في المنطقة ، ففي استطلاع أجرته وحدة البحوث المسحية في مركز البحوث والدراسات الفلسطينية بنابلس في الفترة الواقعة بين 18- 20 أيار 1995 ، أظهرت نتائج استطلاع الرأي العام الفلسطيني رقم 17 حول سؤال أي الإذاعات التي يستمع إليها الجمهور الفلسطيني أكثر من الإذاعات الأخرى فكانت الإجابة هي إذاعة صوت فلسطين حيث حازت على 4ر37 % ، تلتها الإذاعة الإسرائيلية ( صوت إسرائيل ) بنسبة 6 ر 25 % ، ثم إذاعة مونت كارلو بنسبة 2 ر 13 % ثم الإذاعات المصرية 1 ر 6 % ثم الإذاعات الأخرى 8 ر 3 % .
نلاحظ من نتائج استطلاع الرأي العام الفلسطيني في تلك الفترة ، حيث مر على إنشاء الإذاعة اقل من عام ، أنها استطاعت أن تكسب ثقة المستمعين الفلسطينيين خلال فترة وجيزة ، فتفوقت على الإذاعات الأخرى التي يلتقط بثها في فلسطين ، وكانت نسبة الاستماع للإذاعة في الضفة الغربية أكثر من قطاع غزة ، ويمكن أن يعزى ذلك لعدة أسباب من أبرزها أن الإذاعة تغطي الإحداث والفعاليات السياسية والاجتماعية في الضفة أكثر من غزة نظرا لوجود الإذاعة في أريحا ( في تلك الفترة ) ، ولعدم وجود مراسلين للإذاعة في محافظات غزة ( يوجد مراسل واحد فقط ) والسلطات الإسرائيلية لا تسمح لموظفي الإذاعة والتلفزيون من العبور من والى قطاع غزة إلا بتصريح مرور ، وكذلك استطاعت إذاعة صوت فلسطين أن تتبوأ الدرجة الأولى بين الإذاعات العربية والإسرائيلية والدولية كونها تعبر عن هموم وتطلعات الشعب الفلسطيني .
الدورات البرامجية الإذاعية الأولى
في الفترة التجريبية التي بدأت في 2 تموز 1994 كانت المبادرات الإذاعية المهنية تأتي من الكوادر المتدربة التي تلقت دورات تدريبية في دورتي القدس التي اشرف عليها الألمان ، وعمان حيث يتقدم الصحفي بعدة اقتراحات برامجية أو لقاءات إخبارية لتنفيذها على الهاتف أو في الميدان ومن ثم بثها أو إجراء لقاءات مباشرة من الأستوديو ( وهي محدودة ) وكانت الفكرة تعرض على المسئولين في الإدارة ويتم الموافقة عليها ن ولم تكن هناك برامج ثابتة يومية أو أسبوعية إلا ما ندر اللهم إلا النشرات الإخبارية المتعاقبة التي كانت تعد عن طريق إعادة صياغة الأخبار الفلسطينية الرئيسية إما عن طريق الاتصال مع المسئولين في المؤسسات الاجتماعية أو الاقتصادية أو التعليمية أو التنظيمات السياسية المختلفة أو استقائها، وكان يجري إعادة نشرة الأخبار ذاتها لعدة مرات تتراوح ما بين ثلاثة وسبعة مرات على شكل موجز أنباء أو نشرات موجزة أو نشرات إخبارية مفصلة ، وكانت تتم الإعادة نظرا لعدم توفير مصادر إخبارية ثابتة وكان ذلك يتم عن طريق التطوع لإجراء اللقاءات أو المقابلات الإذاعية عن طريق المحررين أو معدي البرامج ولم يكن هناك تخصص إذاعي مثلا، في الإعداد أو التحرير أو المراسلة الخارجية وإنما كانت الأوضاع عائمة الجميع يجري اللقاءات الهاتفية والميدانية إما قراءة النشرات الإخبارية فكانت مقتصرة على عدد محدد اثنين أو ثلاثة . بدأت أول دورة برامجية ثابتة بشكل رسمي في إذاعة صوت فلسطين في 1 تشرين الأول عام 1994 لمدة شهرين حتى أوائل عام 1995 ، اشتملت على البرامج السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية وغيرها . وبلغ عددها 20 برنامجا ، ثم تزايدت إعداد البرامج لتصل إلى 59 برنامجا حتى أول أيار 1995 ، كان يبث منها على الهواء 12 برنامجا ويسجل في الأستوديو بشكل مسبق 40 برنامجا مختلفا ، وبلغ عدد البرامج المسجلة المعادة 8 برامج ، إما البرامج التي تم استيرادها فوصل إلى 6 برامج فقط ، وهذا يدلل على أن البرامج المنتجة محليا بلغت 53 برنامجا منوعا من إنتاج الطواقم الإذاعية الفلسطينية الذاتية وهي نسبة مرتفعة قياسا لعمر الإذاعة . وفي المرحلة الثانية من الدورات البرامجية والتي امتدت من 1 أيار إلى 31 تموز 1995 ارتفع عدد البرامج إلى 67 برنامجا أسبوعيا يوميا وأسبوعيا بزيادة 15 برنامج عن الدورة البرامجية التي سبقتها ، وكان عدد البرامج التي تسجل في الاستوديوهات 48 برنامجا ويبث على الهواء 13 برنامجا في حين بلغت البرامج المستوردة 5 برامج ، وبلغ عدد البرامج التي لم يعد إذاعتها وتوقفت في هذه الدورة 7 برامج حيث أضيف للدورة برامج أخرى غيرها 0 وتتابعت عملية التطوير البرامجي فزاد عدد البرامج في الدورة إلى 77 برنامجا يوميا وأسبوعيا . وفي الدورة البرامجية التي بدأت في 1 آذار 1997 وانتهت في 31 أيار 1997 اشتملت على البرامج الإذاعية كالتالي : القرآن الكريم ، من هدي النبوة ، محطات زراعية ، نهار جديد ( الجولة الإخبارية ) قضية للحوار ، مشوار الصباح ، كلمات إلى فلسطين ، نافذة الصباح ، مسابقات وجوائز ، صحابة الرسول ، شعائر خطبة وصلاة الجمعة ، المجلة الاقتصادية ، جنة الصغار ، مع الطلبة ، شؤون عمالية ، المرأة الفلسطينية ، كان ياما كان ، جولة المساء ، من هنا وهناك ، رسم بالكلمات ، أعلام من فلسطين ، زهرة المدائن ، قصة موقع ، القدس حاضرة فلسطين ، فلسطين صباح الخير ، حماة الوطن ، مزبوط وإلا لأ ، مجلة الأسرة ، بيئتنا حياتنا ، يسألونك في الدين ، منسيون ولكن ، الميكرفون والناس ، صحة وجمال ، لا بد للقيد أن ينكسر ، من بيدر الحياة ، شؤون إسرائيلية ، براعم المستقبل ، صوت الشباب ، مع الناس ، أرضنا لنا ، ساعة مع فنان ، ناس وأذواق ، جامعاتنا ، شؤون بلدية وقروية ، المجلة الزراعية ، معارف في سطور ، بريد المستمع ، المجلة الرياضية ، عالم الرياضة ، أحداث اليوم ، ضيف على الهواء ، طائر المساء ، الندوة الثقافية ، من أيامنا ، علامات مضيئة قراءة في كتاب ، البرنامج الأجنبي ( الانجليزي والفرنسي والعبري ) منارات فلسطينية ، حول العالم ، ساق الله على أيام زمان ، من تراثنا ، نغم على الهواء ، حوار مع التاريخ ، فرسان الشعر ، اضاءات أدبية ، درس الأحد الديني ، سهرة الخميس ، الحان من بلادي ، بعد منتصف الليل . إضافة إلى السلام الوطني والنشيد الوطني الفلسطيني والخدمات الإخبارية الموجزة والنشرات الإخبارية المفصلة والأغاني المنوعة التي تفصل البرامج عن بعضها والأناشيد الدينية .
ومما يذكر أنني كنت أعد وأقدم ثلاثة برامج أسبوعية مدة كل منها 30 دقيقة ، وهو حمل كبير إلى حد ما . هذا عدا عن المشاركة في إعداد الأخبار والتقارير الإخبارية وإذاعتها بصوتي في النشرات الإخبارية العادية والمطولة . وكانت أفضل البرامج المفضلة لدي هي البرامج الإسلامية : حديث الروح ، مع الأنبياء ، برامج رمضانية خاصة ، المجلة الإسلامية ( آفاق إيمانية ) الثابتة في الدورات البرامجية . وكل برامجي الإذاعية كانت ذات طابع إسلامي بارز للعيان كوني من المتدينين . إنها ذكريات سابقة يتذكرها الإنسان كي يستفيد من تجربته ويستفيد منها الآخرون . لقد عملت في ( صوت فلسطين ) منذ نشأته في فلسطين في 1 تموز 1994 - 4 تموز 2000 كمعد ومقدم برامج متعددة ، حيث انتقلت مديرا للعلاقات العامة بوزارة التعليم العالي بناء على طلب الأستاذ الدكتور منذر صلاح وزير التعليم العالي في ذلك الوقت . وبقيت معدا ومقدما للبرامج بشكل طوعي بعد ذلك حتى أيلول 2001 .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ملاحظة : يتبع ( تجربتي بإذاعة صوت فلسطين ) ( 2 ) .

ليست هناك تعليقات: