الخميس، 3 يوليو 2008

تجربتي بإذاعة صوت فلسطين ( 3 )

تجربتي بإذاعة صوت فلسطين
( 3 )

د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71) إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73)}( القرآن المجيد ، الأحزاب ) . وجاء بصحيح مسلم - (ج 1 / ص 167) كان رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) . هذه التجربة الإذاعية الخاصة خلال فترة عملي في هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية بين الأعوام 1994 – 2001 فقط .

أحاديث إذاعية محرجة
حوار مع الوزير عبد ربه والسياسية الأمريكية أولبرايت

كنت في مبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية في أريحا ، وكان الوقت صباحا في ذات صيف غوري صاخب ، أعددت مع بعض زملائي باقة من الأخبار التي تذاع في النشرات الإخبارية الرئيسية والموجزة ونشرة الأخبار المحلية الساعة الواحدة ظهرا ، ويبقى الأمر مفتوحا لإضافة أخبار وتقارير سياسية ومحلية جديدة كلما استجد جديد . كنت في ذلك اليوم مريضا إلى حد ما ومتعبا جدا ، فإذا بلقاء سياسي مرتقب سيجمع بين ممثل منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه ، وكان عضوا باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ، ووزيرا للثقافة والإعلام في الحكومة الفلسطينية ومادلين أولبرايت ممثلة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة . وقد طلبت وزارة الإعلام من صوت فلسطين تغطية الحدث بما يليق به ، والاهتمام الكافي بمثل هكذا لقاءات سياسية . رن جرس الهاتف في الإذاعة لطلب مدير عام الإذاعة باسم أبو سمية ، أن تولوا عملية التغطية الإعلامية لهذه الزيارة واللقاء التاريخي المنتظر هذا اليوم ، كنت واضعا رأسي على يدي ونعسان وتعبان ، فإذا بصوت مدير الإذاعة ينادي : أخ كمال ، أين كمال ؟ كنت في صالة تحرير الأخبار الصغيرة المساحة المتواضعة ، فحضر وناداني مرة أخرى ، هناك لقاء سياسي بين أولبرايت وعبد ربه جهز نفسك ، بعض الإخوة أراد الذهاب لإجراء اللقاءات فرفض مدير الإذاعة وقال لا بل كمال سيذهب ؟ قلت له أنا مريض اليوم ، وابعث أحدا غيري ؟ فقال : لا ، أنت الذي تتقن هذه اللقاءات والحوارات أكثر من غيرك ؟ سررت لاختياري ، ولكنني كنت متعبا ؟ قال لي الله يعينك ، جهز حالك حالا والسيارة تنتظرك بمدخل الإذاعة ، قمت متثاقلا ، وذهبت لإجراء اللقاء الإعلامي السياسي المنتظر ، وذهبنا لمكان الاستقبال والاجتماع السياسي المرتقب ، وقوبلت في طريقي في مكان اللقاء بحاجز بشري ، إلى أين أنت ذاهب ؟ ممنوع الدخول ؟ عرفت على نفسي الصحفي كمال علاونه ، ممثل إذاعة صوت فلسطين ، ووزارة الإعلام هي التي طلبت منا القدوم ، لقد تحدثت مع الطاقم المرافق لممثلة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة باللغتين العربية والإنجليزية ، لترتيب لقاء معها للإذاعة ، فرفضوا رفضا باتا ، فلمست التمييز العنصري والفوقية الأمريكية على الفلسطينيين ، وتركتهم بلا جدوى ، وقلت في نفسي ، ليس مهما إلى هذه الدرجة ، لا يريدون لقاء مع صوت فلسطين ، وأنا جئت متثاقلا أصلا ، ولكنهم لن ينتصروا علي ، توجهت نحو مرافقي الوزير الفلسطيني ياسر عبد ربه وقلت لهم القصة ، وقالوا نعم نحن من طلب من صوت فلسطين الحضور لتغطية الحدث السياسي هذا ؟ فرحت لتعاونهم ، وقالوا لي ، عليك بالإسراع للحديث مع الوزير ، تفهمت الرسالة ، أنهم هم أيضا ممنوعون من الاقتراب من أولبرايت ؟ لم استغرب الأمر ، فأنا اعرف المواقف الأمريكية العنصرية المنحازة للجانب اليهودي في فلسطين ؟ غافلت مرافقي أولبرايت وحراس الاجتماع الأمريكان وانتهزت نهاية اللقاء بين الجانبين الفلسطيني والأمريكي ، وعدوت مسرعا إلى الوزير عبد ربه ، وقلت له الصحفي كمال علاونه ممثل صوت فلسطين ، سر وفرح كثيرا وضحك ، وأخذ يعرفني على أولبرايت فسلمت علي ، خاطبها باللغة الانجليزية وقال لها سيجري معك لقاء إذاعيا ، فأبدت موافقتها حالا ، سألتها باللغة الإنجليزية سؤالين أجابت عليهما بنحو ثلاثة دقائق ونحن نمشي معا ثلاثتنا ، الوزير عبد ربه وأنا وهو ممسك بيدي ، وأولبرايت ، كيف ترين طبيعة العلاقات الفلسطينية الأمريكية ؟ وما هو مستقبل السلام في البلاد بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ؟ أجابت عن السؤالين بإيجاز ؟ وسط ذهول واستغراب الطاقم الأمريكي المرافق من السفارة الأمريكية بتل أبيب ، وأعضاء القنصلية الأمريكية في القدس العربية المحتلة ؟ لقد أحرجوني ورفضوا الانصياع لطلبي ، فرفضت الالتزام برفضهم ، وهجمت هجوما إعلاميا مباشرا وصاعقا ؟ وكان يمكن ذلك أن يؤذيني جسديا ، لولا سرعتي الفائقة والوصول لياسر عبد ربه ؟ لقد صممت على أن لا أرجع إلا بحوارين : حوار مع ممثلة الولايات المتحدة التي أصبحت لاحقا وزيرة الخارجية الأمريكية ، وحوار مع الوزير الفلسطيني عبد ربه ، وهذا ما كان ؟
اتفقت مع الوزير عبد ربه على إجراء اللقاء الصحفي الإذاعي معه بعدما تغادر السياسية الأمريكية لمكان الاجتماع ، وضع يده بيدي وكأننا زملاء مهنة ، وقال لي بعدما ذهبت العجوز الأمريكية خذ الوقت الذي تريد ؟ سألته بضعة أسئلة بداية عن المسائل التي تم التباحث حولها في ذلك الاجتماع الثنائي الفلسطيني – الأمريكي ؟ وسبب الاجتماع في أريحا بالذات ؟ وعن علاقة منظمة التحرير الفلسطينية مع الإدارة الأمريكية ، وعن الحل السياسي المنشود حاليا ، ومسألة التأييد الأمريكي لإقامة دولة فلسطين في ارض فلسطين لشعب فلسطين ؟ وعن مستقبل العلاقات الفلسطينية الأمريكية وغيرها ؟ فأجاب عن جميع الأسئلة بصدر رحب ، واستغرق الحوار 12 دقيقة سجلتها بحوار إذاعي جديد لصوت فلسطين الفتي . ثم ذهبت لمبنى الإذاعة وقصصت قصتي على زملائي الحاضرين في صالة الأخبار ، وأبلغت مدير عام الإذاعة بما حصل معي ، فشد من أزري ، وشجعني ومدح تصرفي اللائق في مثل هذه الأحوال وقال ( هيك الصحافة وإلا بلاش ؟ ) . وتولى قسم الهندسة تفريغ الشريط الإخباري العادي إلى شريط إذاعي خاص ، وترجمت ما قالته السياسية الأمريكية فكان صوتي إلى جانب صوتها في الحديث والترجمة الإذاعية ، ثم بث اللقاء كاملا على أثير صوت فلسطين لينطلق للعالم ويصعد من أخفض بقعة في العالم ليصل إلى أسماع شعبي الفلسطيني المجاهد من أجل الحق والحرية والاستقلال والانعتاق الوطني .
وأستذكر أمرا في مثل هذه المواقف وهو أنه لا بد من المغامرة الصحفية وعدم الخوف أو الوجل ؟ كانت الحراسات مشددة على الاجتماع ، وكنت معرضا للخطر لولا أني كنت معرفا على نفسي سابقا لدى الجانب الأمريكي والجانب الفلسطيني من الطاقم المرافق للوزير ، الذين تدخلوا هم أيضا للتعريف بأنني صحفي من صوت فلسطين ؟ عدت لمبنى الإذاعة بأريحا ، بسيارتي الخاصة التي كانت معي ، وكنت أستخدمها كثير لقضاء مصالح وطلبات الإذاعة لوجه الله تعالى ، فقد كنت أحضر بها طعام الإفطار والغداء وأحيانا العشاء للعاملين في الإذاعة من المطبخ العسكري للأمن الفلسطيني في أريحا كونها منطقة فلسطينية محررة .
حوار محرج في وزارة العمل
ومرة غيرها طلبتني وزارة العمل ، للمشاركة في ورشة عمل للوزارة والتعاونيات والتفتيش عن العمل ، في مدينة اريحا ، فلبيت الدعوة بعدما أبلغت الإدارة بخروجي للورشة المهنية المختصة من صلب عملي ، فوافقت الإدارة ، وحضرت الورشة وطلبت عقد لقاء مع أحد مسئولي الوزارة الكبار ، للحصول على حوار من 10 دقائق ، ففوجئت بأن هذا المسئول يخاف الحديث للإذاعة كونه جديدا ، فكتبت له الأسئلة كتابة على غير عادتي في الحوارات ؟ وتلكأ في الإجابة عليها ، والجميع ينتظر بالخارج اللقاء مع هذا المسئول للخروج إلى ورشة العمل والمشاركة فيها فهو رئيسها ، وكلما دق الباب يقول لهم عندي مؤتمر صحفي ، والواقع لا مؤتمر صحفي ولا هم يحزنون بل هو حوار صحفي عادي عابر واستمر الوضع ساعتين ولم أحصل على دقيقة حوار واحدة !! فقلت له ما رأيك أن أكتب الأسئلة وتجيب عليها براحتك ؟ فوافق ، ثم تباطئ في الإجابة خوفا ورهبا . وبعدما زهقت من مماطلته وخوفه ، قلت له ما رايك أكتب لك الأسئلة والأجوبة وتقرأها معا ؟ ففعل ، وقد أرهقت كثيرا ، وقد أحرجت كثيرا أمام الله ثم أمام نفسي وأمام ذلك المسئول الذي لا يستحق منصبه إطلاقا ، وتصبب عرقي غزيرا وكذلك تصبب عرقه غزيرا ؟؟ فقد تأخرت على الإذاعة ، فقال لي بعض زملائي ما بك ؟ لقد تأخرت على غير عادتك في الخروج لمثل هذه الورش الدراسية ، فاسررت لهم بالحقيقة وضحكت وضحكوا مليا ، وكلما لاقوني يقولون لي متى ستذهب لورشة وزارة العمل الجديدة ؟ فأقول لهم تعالوا معي الدعوة في جيبي ، وسنذهب بعد قليل اطلبوا السيارة وهاتوا عدة التسجيل الإذاعي ؟! لقد كانت مهزلة فكاهية بحق وحقيق ؟؟ لقد كانت هذه من أخطاء التعيينات الوزارية الحزبية بالواسطة والسقوط بالباراشوت كالطائرة من أعلى للأسفل دون وجه حق . ولم أعد للقاء ذلك المسئول بتاتا طيلة عملي بالإذاعة خوفا من تكرار المهزلة السابقة ، والمؤمن لا يلدغ من جحر واحد مرتين . لقد لدغت مرة واحدة وتكفي ، قلت في نفسي .

كيف تعد برنامجا إذاعيا

هناك نوعان من البرامج الإذاعية من حيث تسجيلها وبثها عبر أثير الإذاعة المسموعة كإذاعة صوت فلسطين الحكومية ، وهما :
1 - البرنامج الذي يبث على الهواء مباشرة .
2 - البرنامج الذي يسجل مسبقا ويكون معدا للبث إما بشكل يومي أو أسبوعي ضمن فترة زمنية معينة صباحية أو في رابعة النهار أو مساء .
ويتألف البرنامج من : الشكل أو المظهر الأولي والختامي والمضمون ، ومهما كان نوع البرنامج وزمنه فان هناك عدة قواعد لإعداد البرنامج الإذاعي المسموع ، من أبرزها :
1 - إعداد اسم البرنامج - لتلبية احتياجات أو إشباع رغبات شريحة أو قطاع معين من المجتمع الفلسطيني ، مثل برنامج يعالج شؤون التعليم العالي الفلسطيني ( في رحاب الجامعة أو جامعاتنا ) ، أو ( مؤسساتنا ) وتجرى دراسة لاختيار الاسم المناسب للبرنامج وفق اختيارات أو بدائل معينة مع الأخذ بعين الاعتبار عدم تشابهه أو تطابقه مع برنامج آخر يومي أو أسبوعي في الإذاعة أو إذاعات مشابهة أو منافسة .
2 - تحديد مدة البرنامج : 5 دقائق ، 10 دقائق ، 15 دقيقة ، 30 دقيقة ، 60 دقيقة ، ساعتين أو ثلاث ساعات ، وذلك حسب الموضوع المطروق ، وهذا يعتمد على زخم البرنامج وأهميته لقطاع معين .
3 - اختيار موسيقى خاصة بالبرنامج ، شرط أن لا تكون محددة لبرنامج آخر مشابه أو مماثل ، والمستمع يستطيع مع مرور الوقت أن يميز موضوع البرنامج وفي أي إذاعة يذاع ومن هو معده ومقدمه من خلال الموسيقى التي تلازم البرنامج .
4 - إعداد المادة أو النص المناسب للحلقة الإذاعية ، ويراعى فيها الدقة ومواكبة الحدث أو استباقه .
5 - اقتراحات لإجراء مقابلات إذاعية للبرنامج ، هاتفية أو ميدانية أو كليهما . يتم تنفيذها لاحقا ،ويفترض أن يكون هناك اقتراحات احتياطية للشخصيات التي ستجرى معها اللقاءات والحوارات الإذاعية الميدانية أو الهاتفية أو في الاستوديو .
6 - تجهيز المادة الإذاعية للبث المباشر أو لتسجيلها في وقت لاحق من نفس اليوم أو خلال الأسبوع ( إذا كان برنامجا أسبوعيا ) .
7 - الإلقاء الإذاعي بلغة البرنامج ( عربية ، انجليزية ، فرنسية أو عبرية أو غيرها ) ، ويلقى نص البرنامج أم باللغة الفصيحة وهي الأفضل أو بلغة محكية وذلك حسب الخطة المرسومة للبرنامج ، مع مراعاة العمل على مخاطبة المستمعين بلطف وتحبب في محاولة لجلب انتباه المستمعين المواظبين على الاستماع للبرنامج أو الذين انضموا بعد لحظات من بدء البرنامج .

مشكلات وعقبات عامة لصوت فلسطين

تعددت المشكلات والعقبات التي واجهتنا في إذاعة صوت فلسطين ، كمعدين ومقدمين للبرامج ، ومن أهم هذه المشكلات :
أولا : المشكلة السياسية من الاحتلال الصهيوني ، في عملية الدخول والخروج لمحافظة أريحا ، ومحافظة القدس أو محافظة رام الله لاحقا المقر الرئيس لهيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية .
ثانيا : المشكلة الفنية : وهي وجود استوديوهات وآلات تسجيل وبث إلكترونية متواضعة وقليلة في مدينة أريحا فقط وعدم توفرها بداية في مدينة رام الله . وكذلك ضعف الإرسال الإذاعي فلم يكن يشمل كل أجزاء فلسطين . فالبث الإذاعي يصل إى الأردن وجنوب سوريا وجنوب مصر ولا يصل لمحافظات قطاع غزة مثلا لفترة طويلة .
ثالثا : عدم انتظام الرواتب للعاملين في هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية ، وعدم أخذ الموظفين حقوقهم الحقيقية في التشكيلات الإدارية والمهنية ، فكثير من الموظفين الجدد نزلوا في درجات وظيفية أعلى من المؤسسين الذي كنت أحدهم .
رابعا : المنافسة غير الشريفة والتعويقات من بعض العائدين لاختلال الرؤى والمشارب السياسية ، فقد كانت الإذاعة مرتعا حزبيا ومحوريا بين أهل الداخل والعائدين من المنفى ، ومحاولة العائدين الاستئثار بكل شيء وحرمان أهل الداخل من حقوقهم التأسيسية ، وهذا ما كان يلمسه جميع الموظفين الجدد والقدامى . وكنت شخصيا ممن لا يلقي بالا لهذه النزاعات والهرطقات فلم ألتزم بمحور حزبي أو زمري معين وبالتالي كنت محبوبا ومحترما لدى السواد الأعظم من الإداريين والصحافيين والمهندسين الإذاعيين ، فليست لدي طموحات شخصية أو إدارية معينة . وفي بعض الأحيان كنت ألمس المقاطعة الكلامية من البعض للبعض الآخر ، وكانت علاقاتي طيبة مع الجميع إلا ما ندر ولم أكن أنا المبادر لافتعال المشكلة الصغيرة أو غيرها .
رابعا : المزاجية لدى بعض الإداريين مثل مدير عام البرامج الذي كان أحيانا يسب الذات الإلهية ويشتم الدين لكل من يخالفه من صغار الموظفين ، ويكيد للآخرين دون وجه حق . فقد كان يطلب الجلوس معي أحيانا ويرغبني ويرهبني ويقول لي لا تتحدث مع فلان أو علان من الشخصيات السياسية أو الدينية ، وكنت لا ألتزم بمزاجيته المتقلبة ، فمن كان يحذرني من الحديث معه ، أقول له أعطني رقمه الهاتفي لأجري معه لقاء الآن مازحا وجادا في الوقت ذاته ، وهذا كان يقض مضاجعه فأنا كنت دائما أرفض الممنوعات ، وأقول له ليتحدث جميع الفلسطينيين الوطنيين والإسلاميين عبر أثير صوت فلسطين ، ورئة فلسطين الحية ، لا من رئة محطات الإذاعة والتلفزة الصهيونية والأجنبية . وفي أحدى المرات أجريت لقاء هاتفيا مطولا مع د. ذياب عيوش رئيس جامعة القدس المفتوحة في ذلك الوقت ، لمدة 30 دقيقة عن كل ما يتعلق بالجامعة لبرنامج في رحاب الجامعة الأسبوعي في صوت فلسطين ، وذهبت لفترة بسيطة لا تتعدى دقيقتين لمكتبة الإذاعة الموسيقية ، ورجعت فلم أجد اللقاء ، في غرفة تسجيل البرامج لقد اختفى بسرعة من شخص تناوله ، لمنعي من بثه على الهواء ، بسبب خلاف شخصي بين الذي تناول الشريط الإذاعي ورئيس الجامعة . قلت إنا لله وإنا إليه راجعون ، وصممت على إجراء لقاء جامعي آخر مع نفس رئيس الجامعة وشرحت له الوضع وتقبل الأمر بصدر رحب ، وقال لي ولو أنني مشغول ولكنني سأستجيب لرغبتك ، وشكرته كثيرا على الاستجابة السريعة والتفهم المناسب في الوقت المناسب ، وكان ذلك البرنامج خدمة للطلبة الجامعيين ، ولجامعة القدس المفتوحة في الوقت ذاته ، وهو الأول من نوعه . وحادثة أخرى ، تحدثت فيها مع الشيخ حامد البيتاوي ( كان وقتها رئيس المحاكم الشرعية الفلسطينية في الضفة الغربية ) وقاضي آخر من نابلس بموضوع عن الشباب والمرأة وأبدى رأي الإسلام في ذلك ولم يعجب مدير عام البرامج الحديث مع الشيخ البيتاوي ، بث البرنامج الإسلامي عبر الإذاعة ، وصار يزمجر في الإذاعة ولم أكن موجودا في ذلك الوقت ، لماذا علاونه يجري لقاءات مع شيوخ يعارضون السلطة ؟ جئت في صباح اليوم التالي وقد اتصل بي بعض زملائي يخبرونني بما حصل لأعد نفسي للدفاع وما أن جئت حتى بادرت بالحديث بمجرد دخولي مبنى الإذاعة أين مدير البرامج المنصان ؟ صادفته عند باب مكتبه وكان هادئا ، فقلت له لماذا كنت تصيح البارحة ؟ هل من داعي لذلك ؟ وهل سمعت البرنامج بنفسك ؟ فقال لي لا ولكن أحدهم ابلغني بذلك ؟ فقلت له لا تتهجم على الآخرين بشيء فهو شيخ فلسطيني جليل أردت أن يتحدث عبر اثير صوت فلسطين ، والإذاعة للجميع ، لا فرق بين هذا وذاك ؟ هدأ من روعي وطلب لي فنجان قهوة وقلت له لا أريد شرب قهوتك ! فأنا لا أشرب القهوة أصلا ؟ قال لي لا عليك لا شيء ، كنت بالأمس متوترا ولا تقلق من هذه الناحية . انتهى الأمر وقضى الأمر الذي فيه تستفتيان ، قلت له لا تعيد هذه الكرة مرة أخرى ، عندما تريد شيئا وتعليقا علق عليه وأنا موجود فيما يتعلق بي ولا تبقى تسب وتشتم في غيابي قال لي حقك علي وخلاص ، وانتهى الأمر بسلام .
خامسا : البيروقراطية الإدارية في الهيئة : فقد كانت هناك بيروقراطية في التعامل مع الموظفين ، وخاصة الصحفيين في توفير مستلزمات التنقل والهواتف وآلات التسجيل والوقت المخصص لإعداد وتقديم البرامج الإذاعية اليومية والأسبوعية على السواء . وكثيرا ما كنت استعين بممتلكاتي الخاصة لقضاء مهام إذاعية مثل الجهاز الخلوي النقال الخاص بي ، وسيارتي الخاصة ، وآلات التسجيل الخاصة من مسجل وبطاريات وأشرطة تسجيل وما إليها تجنبا للمركزية الإدارية وكذلك لزوم وقت إضافي للعمل الإذاعي دون احتسابه للصحفيين .
سادسا : عدم التزام عشرات الموظفين بالدوام الفعلي وخاصة الإداريين في الهيئة وتأخرهم عن مواعيد الدوام الصباحية ، وكذلك إلزام الصحافيين بيوم دوام كامل ، علما بأنهم يحتاجون لأوقات زمنية مفتوحة ، فقد يتأخرون في الإعداد والتقديم للبرامج وخاصة الميدانية والمواعيد التي يحددها الأشخاص المعنيون بالحوارات والمقابلات .

تسجيل البرامج في استوديوهات رام الله
وتوصيلها لمبنى الإذاعة بأريحا

تسارعت الأحداث السياسية في فلسطين بين السلطة الوطنية الفلسطينية وقوات الاحتلال اليهودي لفلسطين ، ذات يوم ، فقد قتل أحد الفدائيين جنودا يهودا بالقرب من محافظة أريحا ، ففرضت قوات الاحتلال الصهيوني حصارا مشددا على أريحا ومنعت الدخول والخروج إلا لحالات نادرة ، كنا نداوم في مبنى الإذاعة في أريحا ، وهناك برامج وأخبار لا بد من تسجيلها لتبث عبر أثير صوت فلسطين ، ولكن يجب أن تدار من أريحا ، لم نتمكن من الوصول إلى مبنى الإذاعة في أريحا وكان لدي أربع برامج إذاعية ، واحد منها يومي وهو ( محطات عمالية ) تتراوح مدته ما بين 7 – 10 دقائق يوميا يذاع قبل الساعة السابعة صباحا من كل يوم ، وثلاثة برامج إذاعية موجهة لقطاعات فلسطينية وهي : ( في رحاب الجامعة ) و( شؤون بلدية وقروية ) ، و( شئون عمالية ) . ترى ماذا عسانا أن نفعل ؟ من جانبي قررت أن أسجل تلك المواد الإعلامية للبرامج المذكورة ، في استوديوهات رام الله وتوصيلها لمبنى الإذاعة في أريحا ؟ وكنت أحب التحدي والتصدي والمواجهة ، لا بد من إرادة قوية لا تستسلم لجبروت الاحتلال ، قلت لإدارة الإذاعة سأقوم بواجبي كاملا ، سأسجل كل المواد اللازمة لبرامجي الأسبوعية واليومية ، وعليكم طريقة توصيلها للبث ، وافقوني على ذلك ، أعددت عدة حلقات إذاعية لبرامجي المعهودة ، ودفعت بها لإدارة البرامج الإذاعية ، فطلبوا من سائق سيارة الإذاعة وهو من أريحا توصيلها فذهب لإيصال مواد إعلامية لي ولغيري ووصل الحاجز الصهيوني الجنوبي لمدينة أريحا ، وتم التنسيق مع هيئة الصليب الأحمر لنقلها للجانب الآخر فجاء سائق فلسطيني آخر تابع لصوت فلسطين وتسلمها من الصليب الأحمر عند الحاجز الصهيوني ، بعد ترتيب مسبق من وزارة الشؤون المدنية الفلسطينية والارتباط الفلسطيني – الإسرائيلي .
وكانت إذاعة صوت فلسطين ليس لديها إلا أستوديو بث مباشر واحد من أريحا ، ولم تكن أستوديوهات رام الله جاهزة للبث الإذاعي المباشر لأسباب تقنية ومادية ، فلم يكن هناك أجهزة كافية للبث من مدينة رام الله مصيف فلسطين الجميل ، وكان الاعتماد الكلي على أريحا .
لقد كانت إذاعة صوت فلسطين هي الرئة التي يتنفس منها الصحفيون الفلسطينيون لإيصال الرسالة الإعلامية الفلسطينية للشعب الفلسطيني ، منه وإليه ، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك محطات إذاعية أو تلفزيونية خاصة والجميع مضطر للاستماع لإذاعة صوت فلسطين لمعرفة ما يجري على ساحة فلسطين السياسية والمحلية أولا بأول . لقد تم إيصال مواد البرامج الإذاعية ، وبث أحد برامجي في مساء ذلك اليوم ، وكم كانت فرحة لا توصف لقد انتصرنا ونجحنا ولو بالقليل القليل لإبقاء صوت فلسطين شعلة إعلامية نابضة بالحياة الطبيعية ، وكان من بين المواد الإعلامية هجوما إعلاميا شديد اللهجة على الحواجز الصهيونية وتوضيح للمستمعين كيفية معاناتنا وبثنا لإيصال الكلمة المسموعة لشعبنا الفلسطيني المجاهد .

عدم الالتزام بالوقت الإذاعي

في البث الإذاعي الفلسطيني عبر أثير صوت فلسطين ، معظم المواد الإعلامية مسجلة مسبقا حيث كانت تبلغ نسبتها أكثر من الثلثين ، والثلث الباقي على الهواء مباشرة ، من نشرات أخبار ، وأغاني ، وفلسطين صباح الخير وحوارات مباشرة طويلة وسواها . وكنا نقوم بتسجيل المواد الإعلامية اللازمة للبث بعد تدقيقها ومنتجتها لتخرج على الهواء مباشرة لتصل إلى أذان المستمعين الفلسطينيين في ارض الوطن ، حيث كان يغطي بث الإذاعة معظم أرجاء فلسطين فالبث وقتها كان يتم على الموجة المتوسطة لا الطويلة كما هو الآن بعد تدمير قوات الاحتلال الصهيوني لمبنى الإذاعة والإرساليات الهوائية الطويلة إبان انتفاضة الأقصى المجيدة في خريف عام 2001 .
هناك برامج كثيرة في الدورات البرامجية الإذاعية لصوت فلسطين من داخل الوطن ، كنت أتجول فيها في عالم فلسطين العام والخاص ، منها ما هو سياسي أو اجتماعي أو ديني أو اقتصادي أو موجه عام ، وكنت أتقيد بصورة كبيرة في الوقت المحدد لهذه البرامج ، وجل برامجي كانت مسجلة تسجيلا في الأستوديو فهي برامج طويلة إلى حد ما وتحتاج تعبا وجهدا شاقا ، وكنت أنا المعد والمقدم والمخرج والموسيقي في الآن ذاته ، ويقوم بالتسجيل للسواد الأعظم ومن ضمنها برامجي مشرف أو مهندس الكتروني مختص بالاتصالات ، ومن خلال التدريب أصبحنا نتقن هذا الأسلوب وكأنه أصبح مأكلنا ومشربنا وملبسنا ، لقد أصبح طبعا لا تطبعا مع مرور الوقت والتجربة المهنية الغنية . ولقد كنت أكره وأمل من العمل الإداري وأتجنبه ومهنتي وهوايتي هو العمل الإذاعي المهني المتخصص ، إعداد وتقديم وإخراج ، وكما يقول المثل إلعب وحدك ترجع راضي ؟ كنت أتحكم وأبرمج وقتي ، وأقدس الوقت في المواعيد والتسجيل والبث وما إلى ذلك . وكانت لدي برامج متنقلة في كل دورة برامجية تمتد لأربع شهور ، أو دورة طارئة مثل دورة شهر رمضان المبارك لشهر واحد فقط ؟ وهناك برامج موسمية خاصة لذكرى إسلامية أو قومية أو وطنية عامة . منها معجزة الإسراء والمعراج ورأس السنة الهجرية ، وذكرى المولد النبوي الشريف ، وعيد الفطر السعيد وعيد الأضحى المبارك ، والمناسبات الوطنية منها : ذكرى انطلاقة الثورة الفلسطينية ، ويوم الشهيد ويوم الأسير ويوم العمال العالمي ويوم الطفل العالمي ويوم المرأة العالمي ، ويوم الأم ، ويوم الكرامة ، ويوم الاستقلال الفلسطيني وبداية العام الدراسي للطلبة المدرسيين وبداية العام الأكاديمي للطلبة الجامعيين وغيرها . كنت أعد برامج خاصة في مثل هذه المناسبات بالتنسيق مع دائرة البرامج ، وكنت نشيطا جدا في مثل هذه الحالات ، فأعد مادة دسمة ، ولقاء أو لقاءات متعددة ونتفق على الوقت المحدد لكل برنامج مع دائرة التنسيق البرامجية بالإذاعة ، مثلا 30 دقيقة أو 45 دقيقة ساعة ، وكنت أطلب دائما الوقت الأطول وكانت موافقة كاملة على طلباتي ، فأن لا أعمل لنفسي بل أعمل بصورة مهنية للإذاعة ولشعبي الفلسطيني ، وتعبئته الإسلامية والقومية والوطنية العامة في شتى المناسبات والظروف .
وعلى الجانب الآخر ، هناك دائرة الأخبار في الإذاعة ، فهناك نشرات إخبارية مطولة ورئيسية وموجزة ، فمثلا برنامج نهار جديد من السابعة صباحا حتى الثامنة والنصف وبرنامج فلسطين صباح الخير له مدة زمنية طويلة إلى حد ما تبدأ من التاسعة حتى العاشرة أو الحادية عشرة حسب الدورة البرامجية ، ويتخلله النشرات الإخبارية والدعائية المتنوعة .
كنا نسجل البرامج المتعددة بأوقات زمنية أقل من الوقت المحدد لها بدقائق وأحيانا بدقائق زائدة عن المطلوب ، وهذا كان من الأمور التي تسبب إرباكا في مواعيد البث الإذاعي لصوت فلسطين ، وأحيانا يتم قطع البرنامج من آخره بسبب تمدد نشرة الأخبار عن الزمن المحدد لها ، 5 دقائق أو 10 دقائق أو 15 دقيقة . وأحيانا كان لا يبث البرنامج في وقته وخاصة في ظل حدوث أحداث طارئة على الساحة الفلسطينية فتأتي الموجة المفتوحة لمعالجة الوضع الفلسطيني العام على مدار اليوم ، وتلغى البرامج المعتادة تماشيا مع الحاجات الإذاعية والرسالة الإعلامية المستجدة وخاصة الميادين السياسية كحدوث صدام أو انتفاضة ضد الاحتلال واستشهاد شهداء في أرض الوطن ، أو محاولات اقتحام المتطرفين اليهود لباحات المسجد الأقصى المبارك . وكان ينتابني الضيق والضجر من قطع مؤخرة برامجي ، كغيري من معدي ومقدمي البرامج ، وهذا الخلل كان بسبب سوء إدارة دائرة الأخبار التي تضع ملفا طويلا من الأخبار الفلسطينية والعربية والعالمية العائمة ، وكثيرا ما يختصر مذيع النشرة الإخبارية أخبار النشرة ليتقيد بالوقت المحدد للنشرة تلك ، وأحيانا يتجاوز الفترة الزمنية المتاحة أمامه مما يسبب إرباكا وقطعا لنهاية البرنامج المسجل ، وهذا الأمر كان يضايق الشخص الذي كان الحوار يجري معه . وحدث الكثير من مرات قطع نهاية برامجي علما بأنني كنت ملتزما بالوقت المحدد لي ، بينما الخلل يأتي من مذيع نشرة الأخبار الذي كنت أوضح له لا بد من الالتزام بمواعيد النشرة ، وكنت أناقش هذا الكلام مع مدير عام البرامج وأحيانا مع مدير عام الإذاعة ، ومدير عام دائرة الأخبار ، فتصدر التعميمات الإدارية ويتم الالتزام بها لفترة محددة ثم تعود الأمور لسابق عهدها . وكنت أحاول تقصير الوقت المحدد لبرنامجي ليكون للبرنامج المحدد ب 45 دقيقه أجعله 43 أو 42 دقيقة ، وكان يكتب على شريط البرنامج أسم البرنامج ومدته ومواعيد بثه اليومية أو الأسبوعية لتلافي قطعه وبتره في نهايته . لقد أعددت وقدمت وأخرجت أكثر من 1000 حلقة إذاعية طيلة عملي في صوت فلسطين ما بين تموز 1994 – أيلول 2001 ، عدا عن مئات التقارير والحوارات التي بثت عبر أثير صوت فلسطين في النشرات الإخبارية اليومية الصباحية أو وقت الظهيرة أو المسائية أو الليلية .

من يسمح له بالحديث في صوت فلسطين
صوت فلسطين لجميع الفلسطينيين

كانت سياسة هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية تسمح لجميع الفلسطينيين من الموالاة والمعارضة للسلطة الوطنية الفلسطينية بالحديث عبر أثير صوت فلسطين ، سواء في النشرات الإخبارية أو البرامج السياسية أو القطاعية الموجهة أو البرامج الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو الفنية وسواها . والشرط الوحيد لمن يريد الحديث أو التنفس عبر رئة صوت فلسطين هو عدم التجريح الشخصي وإبداء الرأي السياسي بغض النظر سواء أكان مواليا للنظام السياسي الفلسطيني الفتي أو معارضا له لا فرق . وهذا الأمر يخضع بالدرجة الأولى لمزاجية المذيع أو معد ومقدم البرنامج المعين . لقد زرت جميع المدن الفلسطينية في الضفة الغربية دون استثناء لإجراء حوارات ولقاءات ميدانية ولتعميق ثقة الناس بصوت فلسطين ، لبرامجي التي كنت أعدها وأقدمها ، وفي الآن ذاته كنت متطوعا أوجزها وأبعث تقريرا إذاعيا عنها بصوتي لدائرة الأخبار التي تبثها حالا ، بعد تجهيزها بصورة متقنة مما كان يضايق بعض المراسلين في هذه المحافظة الفلسطينية أو تلك أحيانا فأنا لست مراسلا إذاعيا أصلا ، ولكن تطوعي وطلب دائرة الأخبار كانت تأمل مني المزيد من الأخبار المحلية والسياسية لعلاقاتي وجولاتي الميدانية المفيدة للإذاعة .
فأنا شخصيا كنت أبادر وأدعو قيادات من حركة فتح وحركة حماس وغيرهما من الحركات والأحزاب والفصائل الوطنية والإسلامية إضافة للمستقلين ممن يرغب في الحديث عبر صوت فلسطين لبرامج سياسية أو غيرها . وكنت ممن يدعو للتجديد والإصلاح في الإذاعة وفق النهج الإسلامي القويم . وكثيرا ما طرحت في الاجتماعات العامة لدوائر الإذاعة ، أو دائرة البرامج رأيي بصراحة بضرورة أن يتنفس الفلسطيني من الرئة الفلسطينية التي هي صوت فلسطين ، وسحبهم من الحديث عبر الإذاعة الصهيونية ( صوت إسرائيل ) ودعوت لذلك بصورة واضحة في جميع برامجي بأن صوت فلسطين هو لكل الفلسطينيين ، أينما كانوا وحيثما حلوا والفئة التي لا أسمح لها بالحديث عبر صوت فلسطين من خلال برامجي ومساهمتي في التقارير الإخبارية هي فئة الضالين من أبناء شعبنا وهي الفئة المأجورة العميلة للاحتلال الصهيوني . فقد تحدثت ميدانيا مع أعضاء قياديين من شتى الحركات والجبهات والأحزاب الوطنية والإسلامية ، ووزراء في الحكومة الفلسطينية ومعارضين لها من حركة حماس ، كما استضفت في أستوديو الإذاعة في مدينتي أريحا ورام الله ، وهاتفيا وميدانيا مئات الأشخاص منهم أكثر من 30 شخصية إسلامية من حركة حماس ، سواء في البرامج السياسية أو الإسلامية أو الاقتصادية أو الجامعية أو العمالية أو المؤسسية وسواها . وجميع الشخصيات من قطاع غزة تحدثت معها عبر الهاتف لإجراء لقاءات وحوارات عامة للأخبار والبرامج التي أعدها وأقدمها وأخرجها . فمثلا استضفت من حركة فتح صخر حبش وعباس زكي وهما عضوان في اللجنة المركزية لحركة فتح ، ورفيق النتشة رئيس المجلس التشريعي الفلسطيني السابق ، وعبد العزيز شاهين ، ومروان البرغوثي أمين سر حركة فتح في الضفة الغربية ، وأمين مقبول أمين سر حركة فتح في نابلس سابقا ، ، وأمناء سر حركة فتح في كل من جنين وقلقيلية وبيت لحم وأريحا . وكما استضفت العديد من الوزراء مثل د. صائب عريقات وزير الحكم المحلي ، وفريح أبو مدين وزير العدل ، وأبو علي شاهين وزير التموين ، ووزير التخطيط والتعاون الدولي د. نبيل شعث ، ووزراء النقل والمواصلات ، وجميع وزراء التعليم العالي ياسر عمرو ، ود. حنان عشراوي ، ود. منذر صلاح . وأعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية مثل غسان الشكعة ، ود. رياض الخضري ، وياسر عبد ربه ( فدا ) ود. سمير غوشة عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ، ووزير العمل ( من جبهة النضال الشعبي ) . وجميع رؤساء الجامعات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وجميع رؤساء البلديات الفلسطينية الكبرى والوسطى وعشرات رؤساء المجالس القروية في الضفة الغربية وقطاع غزة . ومن المجلس الاقتصادي الفلسطيني د. محمد اشتيه ، ومن الجهاز المركزي للإحصاء د. حسن أبو لبده ، وجميع وزراء العمل وغيرهم . ومن حركة حماس ، استضفت المهندس حسن القيق ، عندما كان مديرا لجمعية اليتيم العربي بالقدس ، ومدير المدرسة الصناعية الثانوية فيها حيث كان صديقا شخصيا لي ، وتبين لاحقا بعد وفاته بإعلان نشره أهله فيما بعد ، أنه هو الذي أختار اسم حماس من القاموس المحيط وهو الاسم الفعال لحركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) فكنت أستضيفه في برنامج ( في رحاب الجامعة ) عدة مرات كونه أمين سر اللجنة العليا في فلسطين لمساعدة الطلبة العرب وهي لجنة سعودية بتعاون فلسطيني ، وكذلك استضفت النقابي حسين أبو كويك رئيس النقابة الإسلامية في فلسطين ، ود. خضر سوندك عميد كلية الشريعة بجامعة النجاح الوطنية ي نابلس ، وهو عضو مجلس الفتوى الأعلى في فلسطين ، ود. عمر عبد الرازق أستاذ الاقتصاد بجامعة النجاح الوطنية ، وأصبح لاحقا وزير المالية الفلسطيني في حكومة فلسطين التي شكلتها حركة حماس عام 2006 ، وذلك في برنامجي في رحاب الجامعة وشئون عمالية ، ود. علي السرطاوي ، الذي أصبح وزيرا للعدل في حكومة الوحدة الوطنية عن حركة حماس ، في برنامج ( آفاق إيمانية ) ود. فريد أبو ضهير ، ود. حسن خضر . ومن الجبهة الشعبية استضفت د. يوسف عبد الحق ، وبعض أعضاء المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية مثل عمر عساف، والنقابية آمنة الريماوي وسواها . هذا بالإضافة إلى فعاليات طلابية ونقابية عمالية وبلدية ومؤسساتية وشعبية عامة . لقد أتحت المجال لأي فلسطيني يريد الحديث كل باختصاصه عبر إذاعة صوت فلسطين وطبقت النهج الذي كنت أدعو إليه نظريا وعمليا ( صوت فلسطين لجميع الفلسطينيين ) .
ومن المسئولين العرب والأجانب تحدثت ميدانيا مع عشرات الشخصيات مثل وزير العدل القطري الذي حضر لأريحا ، ومسئولين مصريين كبار حضروا لرام الله ، ومسئولين بريطانيين وأمريكيين وكنديين وغيرهم .

برامجي وخدمات الجمهور الفلسطيني

كانت برامجي الإذاعية في إذاعة صوت فلسطين ، كلها برامج شعبية جماهيرية موجهة ، هكذا جعلتها وأخترتها ، فقد كنت ألاحق الحدث أحيانا واستبقه أحيانا أخرى وأتابعه في أطوار تالية . وكنت أحاول خدمة الجميع فيها ، فقد كنت خبيرا في الحكم المحلي المتمثل ببرنامج شؤون بلدية وقروية ، وخبيرا في شؤون التعليم العالي من وزارة التعليم العالي والجامعات والهيئات الأكاديمية والإدارية والهيئات النقابية للعاملين في الجامعات ، والكتل والحركات والمجالس الطلابية في الجامعات الفلسطينية كافة ، وخبيرا في الشؤون العمالية العامة للعاملين في القطاعين العام والخاص ، من وزارة العمل ، والحركات النقابية العمالية والعمال . وكنت خبيرا في شؤون المؤسسات العامة عبر برنامج ( مؤسساتنا ) الذي كان يذاع ثلاث مرات أسبوعيا في أكثر من دورة برامجية ، وخبيرا في الشؤون الإسلامية عبر البرامج الإسلامية المتعددة . وكنت مرجعية في الشؤون البرامجية التي أشرفت عليها طيلة فترة طويلة ، لا أقول ذلك فخرا ومخيلة وخيلاء ، معاذ الله أن يكون ذلك ، بل تواضعا وببساطة متناهية ، وهي خبرة وتجربة أعتز بها أنني خدمت بها قطاعات واسعة من شعبي الفلسطيني . وهي قطاعات تهم جميع أبناء شعب فلسطين مثل قضايا الاقتصاد والعمل والتربية والتعليم العالي ، والوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية ، وقضايا الحكم المحلي ، وكنت أجهز بعض المواد الإعلامية المعدة بشكل مختصر وموجز لنشرها وإذاعتها في النشرات الإخبارية لصوت فلسطين مما كان يكسب برامجي منهجية جماهيرية وشعبية عامة .
ومن ضمن الخدمات الإذاعية ما كنت أحل مشكلات عامة وخاصة لبعض المواطنين ، فمثلا ، حللت مشكلات كانت عالقة لدى ديوان الموظفين العام لعدد كبير من موظفي هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية عبر الاتصال المباشر مع رئيس ديوان الموظفين العام بغزة وفي الضفة الغربية ، في مجال المعاشات الشهرية المنتظمة المتأخرة ، وصرف بدل المواصلات ، وبعض الترقيات الإدارية . وكذلك تزكية طلبة لدخول الجامعات ممن تنطبق عليهم شروط ومعايير القبول والتسجيل وخاصة في جامعة القدس المفتوحة ، والدراسات العليا في بعض الجامعات الفلسطينية ، وكذلك حل بعض المشكلات الطلابية الإدارية والمالية ، عبر توفير منح دراسية لطلبة محتاجين من مؤسسات فلسطينية وعربية . وفي أحد المرات الملفتة للنظر ، هي تقدم طالبة فلسطينية خريجة درجة البكالوريوس بتقدير 92 % من جامعة القدس المفتوحة ، للتسجيل في جامعة بير زيت ، وهي زميلة لي في الإذاعة ، فرفضت دائرة القبول والتسجيل قبول طلبها فاستنجدت بي ، فهاتفت عمادة الدراسات العليا بجامعة بير زيت أمامها ، وتم حل المشكلة حالا بالتنسيق مع عميد كلية الدراسات العليا بالجامعة وهو د. جورج وتم تسجيلها وقبلت لإكمال درجة الماجستير في بير زيت ، جامعة فلسطين الأولى علميا .
وفي ذات مرة ، ذهبت لتغطية إجراء انتخابات نقابية لنقابة الطب المخبري في فلسطين نظمت في مدينة أريحا ، فطلب مني أعضاء الهيئة العامة كوني محايدا ، أن أكون رئيسا للجنة الانتخابات والفرز فدهشت لهذا الطلب ولكنني لم أتخلى عنهم فلبيت لهم الطلب وبقيت معهم منذ ساعات الصباح الباكر حتى ساعات ما بعد العصر ، حتى نهاية التصويت والفرز وأعلنت نتيجة الانتخابات النقابية وذهبت للإذاعة وسجلت تقريرا وافيا عنها وحوارا نقابيا وأذعته بصوتي في نشرة الأخبار الرئيسية .
وقد كان لعملي الإذاعي وإشرافي على شؤون التعليم العالي بالإذاعة السبب المباشر في عملي كاستاذ غير متفرغ بجامعة القدس المفتوحة ، فقد ذهبت للتنسيق مع د. محمود عواد مدير منطقة نابلس التعليمية في جامعة القدس المفتوحة لإجراء حوار حول المنطقة التعليمية بالجامعة فعرض علي التدريس في الجامعة لمساق الإتصال والعلاقات العامة ولما أكن بعد قد أنهيت درجتي الجامعية الثانية الماجستير ، كان ذلك عام 1998 ، فقلت له أنا لم آتي لذلك ، ولكن طالما أنت تثق بي فسأكون عن حسن ظنك ، وبالفعل بدأت حياتي التدريسية بالجامعة منذ تلك الفترة حتى الآن .
وفي إحدى المرات التي طلبت من رئيس جامعة القدس المفتوحة د. سفيان كمال ، ومدير منطقة رام الله التعليمية د. جمال نوح الحضور لاستوديو الإذاعة بمنطقة أم الشرايط بمدينة رام الله لتسليط الأضواء على جامعة القدس المفتوحة ، فوجئت بطلبهم لي لأكون مديرا لدائرة العلاقات العامة في الجامعة فاعتذرت بأدب كوني لا أريد الدوام في القدس الشريف لأنها ابعد من رام الله عن سكني في محافظة نابلس ، وترهقني أكثر ، بالإضافة إلى رغبتي في الاحتفاظ بعملي المهني الإذاعي في صوت فلسطين . وكذلك لقد كان لعملي في صوت فلسطين الأثر البالغ في تحولي من متفرغ في صوت فلسطين والانتقال لمنصب مدير العلاقات العامة بوزارة التعليم العالي بناء على طلب الأستاذ الدكتور منذر صلاح أكرمه الله ، في 18 حزيران 2000 م ، وبدء عملي الفعلي بالوزارة في 4 تموز من العام ذاته ، حيث جاءت عملية النقل والترقية في آن واحد من الرئيس ياسر عرفات رحمه الله لدرجة مدير ( أ ) بناء على توصية وزير التعليم العالي ، مع استمراري بالعمل متطوعا بصوت فلسطين كما اشترط علي زميلي مدير عام الإذاعة آنذاك السيد باسم أبو سمية لخدمة التعليم العالي والجماهير الطلابية والعاملين فيها ، وعدم ترك فراغ فيما يتعلق بالمسائل الجامعية العليا وهذا ما طلبه مني أيضا الدكتور منذر صلاح إذ طلب مني البقاء معدا ومقدما لبرنامج في رحاب الجامعة مع أنني كنت مديرا لدائرة العلاقات العامة بوزارة التعليم العالي ، وبقيت إلى أن خرجت لإتمام دراستي للدكتوراه في مطلع تشرين الأول عام 2001 حيث ذهبت للعاصمة السودانية الخرطوم .

نشر وإلقاء جزء من مواد برنامجي في صوت فلسطين
في المجلات والصحف الفلسطينية
والدورات والمحاضرات التدريبية

هناك العديد من المواد الإعلامية التي كنت أعدها وأقدمها لصوت فلسطين أولا ، أعيد نشرها في مجلات وصحف فلسطينية ، مثل مجلة الميلاد ، التي تصدر عن أمانة سر المؤسسات في السلطة الوطنية الفلسطينية ، ومجلة الإسراء التي تصدرها دائرة البحوث في المجلس الفلسطيني الأعلى للفتوى ، وكانت هاتان المجلتان تبعثان بدلا ماليا رمزيا عن كل مادة إعلامية ، وكنت أنشر مواضيع متعددة بها بشكل متواصل في كل عدد تقريبا لا تقل عن سبع صفحات من الحجم الكبير ، وكذلك نشرها في صحيفة الحياة الجديدة وهي الصحيفة الرسمية للحكومة الفلسطينية ، فقد كنت أنشر معظم هذه المواد مجانية طبعا ، وبعض تلك المواد ينشر على صفحة كاملة مثل ذكرى المولد النبوي الشريف الذي نشرته مرة على صفحة كاملة في صحيفة الحياة الجديدة . وكذلك كنت أضيف أو أغير في بعض المواد لنشرها في مجلة صوت النساء التي كانت تدفع على كل موضوع مبلغا يتراوح ما بين 150 – 200 دولار أمريكي .
بالإضافة لذلك ، فقد كانت بعض المؤسسات الفلسطينية تطلبني للعمل معها وقت إجازاتي كمنسق أو ناطق إعلامي لبعض مؤتمراتها مثل وزارة التخطيط والتعاون الدولي ، وتدفع لي شيكا رمزيا يتراوح ما بين 150 – 200 دولار لليوم الواحد ، وكان هذا الاتصال يأتي وأنا في البيت وليس على حساب عملي الإذاعي طبعا . وقد تعاقدت مرة كمدرب غير متفرغ مع طاقم شؤون المرأة برام الله ، لإعطاء دورات تدريبية للنساء القياديات في العلاقات العامة والتشبيك مقابل نحو 800 دولار لكل دورة تستمر ثلاثة أيام متواصلة من وقت إجازتي كذلك . وإعطاء محاضرات تختص بالشؤون النسائية المتعددة ، وكانت صحيفة ( صوت النساء ) عبر مركز شؤون المرأة والأسرة في نابلس ، تطلب مني إعداد تقارير ومواضيع حية عن المرأة وتدفع عن كل موضوع مبلغ قدره 200 دولار أكتبها وأعدها وأنا في البيت ليلا أو أيام الإجازة .

تجربتي في تلفزيون فلسطين

تلفزيون فلسطين هو أحد جناحي هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية التي نشأت ومارست عملها رسميا في 1 تموز 1994 ، ولكن نشأة وتطور التلفاز جاءت بطيئة ومتأخرة مقارنة بإذاعة صوت فلسطين . وان الفوج الأول يركز على صوت فلسطين لعدة أسباب وعوامل من أهمها :
أولا : فوج المتدربين الأوائل كان من الصحافة الإذاعية والمطبوعة .
ثانيا : الكوادر الإعلاميون العائدون من خارج فلسطين جاؤوا من صوت فلسطين في خارج البلاد من إذاعات فلسطين في بيروت وبغداد والقاهرة وصنعاء والجزائر وغيرها .
ثالثا : توفر المعدات والآلات الالكترونية اللازمة للبث كانت مخصصة لإذاعة فلسطين دون التلفاز . وقد احتجزت قوات الاحتلال الصهيوني معدات التلفزيون لفترة طويلة أخرت عملية تطور التلفاز بصورة مواكبة للإذاعة .
رابعا : عدم وجود مكان كبير يتسع لأعداد المتدربين في التلفاز بعكس الإذاعة التي مارست عملها بشقة صغيرة في أريحا أولا ، وسبق ذلك دورة تدريب ألمانية باللغتين الإنجليزية والعربية .
خامسا : المواد الإعلامية الصالحة للإذاعة والبث المباشر تختلف عن المواد الإعلامية المخصصة للتلفاز فمواد الإذاعة أسهل وأيسر إعدادا وتقديما وإخراجا واقل كلفة مادية .
سادسا : الاتجاه كان بأن تكون الإذاعة للضفة الغربية والتلفاز لقطاع غزة لتوزيع النشاط الإعلامي بين جناحي الوطن .
وغني عن القول ، إن كل من كان موظفا في هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية هو موظف في صوت فلسطين وتلفزيون فلسطين في الآن ذاته . وشخصيا تدربت على الإعلام الإذاعي لصوت فلسطين في الدورة التدريبية الأولى للفوج الإذاعي الأول المؤسس في ربيع عام 1994 ، في مدينتي رام الله والقدس الشريف ، وكانت بداية عملي في صوت فلسطين كزملائي المتدربين الآخرين ، وبعد إنشاء الإذاعة وبثها لعدة شهور جرت عملية الإعداد لتلفزيون فلسطين . وبما أنني كنت أرفض معظم طلبات وتعليمات أوامر الإعلاميين العائدين من الخارج ، والإداريين في الإذاعة كالمدير الإداري للهيئة ، الذي عرض علي أن أكون من زمرته وشلته غير السوية إسلاميا ، ووعدني بأن أحصل على رتبة مدير عام في الهيئة إذا وافقتهم ونفذت مخططاتهم ، فرفضت ذلك رفضا قاطعا ، فلقد خبرته ، مرة واحدة عندما احتفلت مؤسسة بوندتشفت الألمانية بتخريجنا في أحد مطاعم مدينة أريحا الفلسطينية ، ونظمت لنا غذاء مشتركا ، فبادر ذلك الشخص لاحتساء المشروبات الكحولية وشرب الخمر أمام الجميع ، علما بأن هناك نصارى من المتدربين والمشاركين في تنظيم الاحتفال من الألمان وغيرهم ولم يتجرؤا لطلب المشروبات الكحولية إلا ذلك الشخص الذي اتخذت منه موقفي من تلك الحادثة ، إضافة لسلوكه غير المستقيم ، والابتذال الذي كان يمارسه ومسح الجوخ لبعض الإداريين ، وقال لي لن نعمل على ترقيتك وتطويرك إداريا ومهنيا ، ولا تحلم بمنصب إداري رفيع في الهيئة طالما لا توافقنا ؟ فقلت له إفعل ما بدا لك ، فأنا مصر على موقفي ، وراجعني عدة مرات وقال لي فكر مليا في الأمر ، منصب مدير عام وهو منصب ممتاز ، علما بأن درجتي الوظيفة هي الدرجة السادسة ، وهذا إغراء أولي ، رفضت المناصب والسلوك غير السوي والدخول في محور ضد محور آخر ، فآثرت الحياد بين الجماعتين المتنافستين في الهيئة ، الداخل والخارج ، وآثرت وفضلت العمل المهني الإعلامي والابتعاد عن العمل الإداري المقيت حسب ما أنظر إليه دائما ، فهم يريدونني كغيري معد فقط لا معد ومقدم للبرامج والأحاديث الإذاعية ، فقد سهلت مهام بعضهم ودربته على كيفية إعداد البرامج الإذاعية وتقديمها والتنسيق بشأنها مع الفعاليات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وكنت ارغب في الخروج من مبنى الإذاعة في أريحا ، ذو الجو الحار فهو مناخ صحراوي وخاصة في فصل الصيف ، ورغبتي في الصعود لمبنى هيئة الإذاعة والتلفزيون في رام الله مصيف فلسطين الجميل ، وكذلك تسجيلي في جامعة بير زيت القريبة من رام الله للالتحاق ببرنامج الماجستير في الدراسات العربية المعاصرة عام 1996 ، كل ذلك جعلني أرفض معظم توجيهات العائدين ، فأخذوا يكيدون لي الكيد ، وكنت أنا أخطط فعليا للذهاب لرام الله ، وكنت ألمح لهم بذلك خوفا من رفض صعودي لرام الله ، وما كان من الأمر إلا أن وافقوا على خروجي من مبنى أريحا على رام الله ، للتخلص من تحريضي للصحافيين بعدم الانصياع لطلبات بعضهم المضللة ، فرحت كثيرا ، لابتعادي عن مركز المنافسة أولا ، ولقربي من جامعتي التي سجلت للدراسة بها لنيل درجة الماجستير ثانيا ، وكنت سألت ربي التسهيل فسهل لي كل شيء ، القبول في جامعة بير زيت والانتقال لمبنى الإذاعة والتلفزيون في رام الله المركز الرئيسي . والحمد لله رب العالمين ، كان صراعا خفيا بين أهل الداخل وأهل الخارج وكل جانب يحاول الاستئثار بمواقعه الإدارية ، وشخصيا لم يكن لدي طموحات إدارية كليا . نلت ما طلبت من ربي العزيز الحكيم ، وحمدته آلاف المرات على نقلي من أريحا إلى رام الله بعد سنتين من المرار والعذاب ذهابا وإيابا لأريحا حيث تبعد أريحا عن مكان سكني في نابلس 80 كم ذهابا و80 كم إيابا .
ففي رام الله ، الأقرب على جامعتي التي التحقت بها ، والأقرب جغرافيا كذلك على سكني في قرية عزموط بمحافظة نابلس جبال النار ، إذ تبعد نابلس عن رام الله 55 كم تقريبا . هناك رتبت أموري بشكل أفضل وأحسن ، بقيت برامجي الإذاعية معي كما كانت ، وأضفت عليها الإعداد لبرنامج تلفزيوني عن العمل ، وبنيت علاقات طيبة مع زملائي الجدد في مبنى الهيئة في رام الله ، واتفقت معهم على أن أقوم بإعداد وتقديم برنامج تلفزيوني بنفسي ، فوافقوا لي على ذلك ، كوني لدي خبرة طويلة في إعداد وتقديم برنامج شئون عمالية في إذاعة صوت فلسطين توأم تلفزيون فلسطين . أعددت العديد من الحلقات التلفزيونية ، ومكثت أعد وأقدم برامج تلفزيونية ستة شهور في التلفزيون بالإضافة إلى الإذاعة . وذات مرة تم تعيين أحد الموظفين العائدين الذين دربتهم على كيفية الإعداد والتقديم بمنصب مدير عام الأخبار في الإذاعة والتلفزيون ، وعقدنا جلسة جماعية لمناقشة شئون تحرير الأخبار والبرامج التلفزيونية ، وكان شخص آخر ممن قابلوني في برنامج التدريب الأولي في نيسان 1994 ، حيث أغدق عليه منصب رئيس تحرير أخبار التلفزيون ، تحدث بعض الموظفين وعندما جاء دوري وجه لي المدير العام الجديد الذي ساعدته ودربته على الإعداد والتقديم الإذاعي ، كلاما لم استسيغه ، وقال لي يا أخ كمال أنت تعمل في الإذاعة ولديك برامجك التي تعدها وتقدمها بنفسك ، فلا يجوز أن تعمل في التلفزيون كذلك ، فرفضت قوله وناقشته بحده ، وقلت له أنت أكثر من غيرك تعرف من هو كمال ، لا تنسى ذلك ، فلكل إنسان رجلين ويدين ، وكذلك حال عملي في هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية سأستمر في العمل في كلا الجناحين ؟ اختصر الطريق والنقاش عندما رآني محتدا وجادا فيما أقوله وسأكشف أوراقه أمام الجميع التي لا يعرفونها من الحاضرين الجدد ، فقال له خلاص ابق كما أنت ، وهذا يتعبك ويرهقك ؟ قلت له مالك ومالي أنا أحب التعب والمشقة . وذات مرة ، طلب مني مدير البرامج في التلفزيون ( أبو فادي ) تدريب فتاة فلسطينية على إعداد وتقديم البرامج التلفزيونية ، وجاءت الفتاة وجلست معها ، أمام زملائي الحاضرين فرايتها من الكاسيات العاريات تقريبا فتملصت من التدريب حيث وجدت تخصصها العلمي تربية ابتدائية وليس صحافة أو علوم سياسية أو لغة إنجليزية كما هو معمول به في الهيئة ، فلقيت مخرجا وانسحبت من تلك الورطة .
وبالنسبة لإعداد البرنامج التلفزيوني كان الوضع في بدايته ، وهناك كاميرا تلفزيونية واحدة تسجل ما نقوله للمشاهدين ، فقد كنت أجرى اللقاءات الميدانية بمرافقة مصورين اثنين ، وكان التركيز على المقابلات مع وزير العمل آنذاك د. سمير غوشه ، ولقاءات وحوارات مع نقابيين ، ومواد إعلامية عن عمل الأطفال في الصيف ، وطبيعية الحقوق والمطالب العمالية وتجاوب اصحاب العمل مع هذه المطالب والحقوق القانونية . وهناك حلقات تلفزيونية عديدة سجلتها في أستوديو التلفزيون في مدينة رام الله وبثت على أثير تلفزيون فلسطين عدة مرات متتالية .
وما لبثت فترة قصيرة حتى نقل بقرار رئاسي إرسال تلفزيون فلسطين إلى مدينة غزة كون الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كان مركز إقامته بمدينة غزة . وطلبت إدارة هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية من كل صحفي أو موظف يريد العمل في التلفزيون الانتقال لمدينة غزة ، عبر تعبئة نموذج خاص لذلك ، رفضت الانتقال لمدينة غزة ، وفضلت البقاء في رام الله بالقرب من سكني ودراستي وعملي ، وهذا ما كان تركت العمل الإعلامي في التلفزيون ، وللحقيقة كان بعض الشباب يعدون بعض التقارير المتلفزة لبعض أخبار الضفة الغربية ويرسلونها لتلفزيون فلسطين في غزة ، ولم أكن أشاركهم في ذلك العمل لأنني مشغول بكثافة في الإعلام الإذاعي المحبب لدي . لقد كانت تجربة ممتعة وشيقة ومتعبة في الآن ذاته .
والله ولي التوفيق .
سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ملاحظة : يتبع .. ( تجربتي بإذاعة صوت فلسطين ) ( 4 ) .

ليست هناك تعليقات: