الجمعة، 21 يونيو 2013

يعجبني ولا يعجبني .. التسوق والشراء والاتفاقات التجارية د. كمال إبراهيم علاونه



يعجبني ولا يعجبني .. التسوق والشراء والاتفاقات التجارية

د. كمال إبراهيم علاونه
 
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
رئيس مجلس إدارة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)  وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283)}( القرآن المجيد - البقرة ) .
جاء في سنن الترمذي - (ج 4 / ص 471) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ " .

بعد انتقال أسرتنا لشقة جديدة ، في الطابق الثاني ، بفضل الله ومنه ، في قرية عزموط بمحافظة نابلس ، ذهبنا للتسوق خلال شهر حزيران 2013 ، ومررنا نفتش عن برادي للشبابيك ، 12 شباكا عاديا ، وشباك مطبخ ، ووقع اختيارنا على تفصيلة ونوعية قماش معينة ، في السوق التجاري بنابلس قرب سوق الذهب ، وتبين أن المتجر لا يتوفر لديه كمية القماش المطلوبة بالوانها المختارة ، واتفقنا على سعر معين ، لقماش شعبي مقبول ، مستخدم في البيوت النابلسية الفلسطينية ، مريح للنظر ويؤدي الغرض المطلوب منه في تغطية أفواه الشبابيك المفتوحة بعد سحب سحاب الاولمنيوم البني حسب الطراز الإسلامي . في ظل الأشجار العالية من اللوز والتين والعنب ، بحديقة المنزل التي ترتفع لمستوى الطابق الثاني ، من السكن .
اتفقنا على سعر المتر الواحد من القماش وحمالات البرادي ، والتكلفة الاجمالية للبرداية الواحدة ، ووعدنا صاحب محل الستائر ، أن يقوم بتفصيلها حسب الطلب ( توصية مخيطة ) ، وليس بشكل تجاري كما هو حال البرادي الجاهزة ، بعد شرائه نوعية قماش مشابه للقماش المختار ، لتكملة بقية البرادي على الشبابيك لفترة تتراوح ما بين العشرة أيام والاسبوعين ، طالبا منا الانتظار ، فوافقت على طلبه ..

وبعد مضي الفترة الزمنية المتفق عليها ، ركبنا في سيارتنا ، وعدنا للمتجر ، ونزلنا عند صاحب المحل ، وأخبرناه بأننا ها قد عدنا ، وأحضرنا مقاسات الشبابيك ، طول وعرض كل شباك . وقلت له أن ارتفاع الجدران يتراوح ما بين 290 سم و270 سم ، علما بأن ارتفاع البرداية من أرضية الشقة حتى السقف هو  280 سم ، فقال لا مشكلة سنفصل لكم الستائر حسب المواصفات الطولية والعرضية التي تريدونها .
وتفاجئنا أن هذا التاجر لم يكن صادقا في وعوده ، فلم يحضر لنا بقية القماش المطلوب ، فقلنا لا نريد التأخر في تركيب الستائر على الشبابيك فنحن الان في فصل الصيف . واقترحنا ان يتمم لنا القماش الباقي وهو 6 ستائر ل 6 شبابيك من القماش الموجود من نفس الماركة والنوعية ولكن بلون مختلف ، تمهيدا لخياطها وتجهيزها .
وقلت للتاجر الخياط احسب لنا التكلفة الاجمالية للبرادي ، فبدأ بالحساب اليدوي ، وقفت بالقرب من حاسب فاتورة الحساب ، واذا به يضاعف السعر بشكل غير متفق عليه ، ( من 15 شيكل الى 30 شيكل ) ويؤكد لنا أن البرادي تحتاج لاسبوع لتجهيزها .
قلت للتاجر ماذا تحسب يا حاج ؟ اضرب عدد الستائر بالسعر الاجمالي للبرداية الواحدة المتفق عليه سابقا ، فلم يعجبه الامر ، وتردد بادئ الرأي ، فقلت له اتفقنا سابقا على السعر الكلي للبرداية الواحدة ( 90 شيكل ) وليس 180 شيكل كما حسبت الان ، فقد طلبت بنفسك منا سابقا سعر البرداية 100 شيكل ، وخفضت لنا السعر ب 10 شيكل ليصبح ثمن الستارة الجاهرة 90 شيكل ، وجئنا عصر اليوم ( الخميس 20 حزيران 2013 ) لدفع جزء من الحساب للبدء بخياطة البرادي واعدادها . نظر الي من تحت نظارته ، وقال لي لا أذكر السعر المتفق عليه ، فقلت له أنا سجلت الاتفاق ، بشأن السعر ، ونوعية القماش والمقاسات وأخذت منك كرت بعنوان المحل والهاتف ( كرت صغير ) ولكن التاجر لا يريد التذكر فيمكن أن يكون نسي أو تناسى لا فرق ، وبعد نقاش بسيط اعترف وتذكر الاتفاق ، وحاول التملص من إكمال جميع الستائر ، فهو يريد تجهيز خمس برادي فقط من اصل 12 برداية ، فقلت له ، وماذا افعل ببقية البرادي ؟ فلم يجبني على ذلك ، فقال لي هذا ما يمكنني تجهيزه . صبرت وكظمت غيظي ولجمت غضبي ، وطلبت من افراد اسرتي المرافقين لي النهوض وترك المحل ، وهذا ما حصل . فلا اشترينا وضيعنا وقتا من وقتنا بسبب ثقتنا في ذلك التاجر الذي لا يلتزم بما يقوله بلسانه ، فتلك وسوسة شيطانية ، ونفس طماعة ، هدانا الله جميعا للخير .
وبناء عليه ، نقول والله المستعان ، إذا اتفقت مع شخص معين تاجر أو مهني أو غيره فاكتب الاتفاق ، وبين التفاصيل والمواعيد المقدسة ، ولا داعي للمحاورة التجارية مرة ثانية من جديد وإضاعة الوقت ، فالانسان بطبعه ينسى أو يتراجع عن اتفاقه ، لأن النفس أمارة بالسوء . ووفر وقتك وجهدك وأموالك ، ولا تؤجل عمل الآن لساعة ، فلم يعد يجدي المبدأ القائل ( لا تؤجل عمل اليوم الى الغد ) . ومصلحتك كل شيء ، ولا تثق باي تاجر لاحضار بضاعة بعد اسبوع أو اسبوعين ، بل فاشتر ما تريد عندما تريد لا عندما يرغب التاجر ، فمصلحتك التجارية هي الأساس ، قبل مصالح الآخرين ، وأنت صاحب القرار ولا تغتر بالوعود المعسولة من التجار ، فوعود السواد الاعظم منهم وعود كاذبة غير صادقة ، ولا نعني جميع التجار ، فبعضهم صادق في قوله وفعله ، وقليل ما هم إلا من رحم ربي .
ولنا جولة أخرى ، للبحث عن برادي مناسبة نوعا وكما وسعرا خلال الاسبوع المقبل إن شاء الله لتركيب برادي الشقة قبل شهر رمضان المبارك ، وقبل ارتفاع درجات الحرارة في طقس فلسطين .
ونستطيع القول ، إن ما ينطبق على التجارة الصغيرة ينطبق على التجارة الضخمة ، فكتابة الاتفاقية التجارية بشاهدين مستحسنة بل هي واجبة لتجنب النزاعات التجارية بين المشتري والبائع ، بعد مضي الوقت . والمجتمع السوي هو الذي يأخذ فيه كل ذي حق حقه ، لتوفير الوقت والجهد والتطابق المالي القويم بين الناس ، فلا بد من أخذ الحيطة والحذر ، والابقاء على علاقات الود والاحترام بين الجميع .

فيعجبني ، ويعجب الجميع الالتزام بالمواعيد المقدسة والاتفاقات الشفهية والكتابية المبرمة ، دون لف أو دوران أو مواربة أو مماطلة وتسويف .. ولا يعجبني النكوص والتراجع عن التعهدات والأقوال السابقة ، سواء أكان ذلك في اتفاق بين طرفين أو فريقين لصناعة الخير العام ، وقضاء مصالح ، وتبادل منافع معينة على الصراط المستقيم ، بعيدا عن التطفيف في المكاييل والأوزان والمقاييس والأسعار .

كلمة أخيرة

ورد في صحيح البخاري - (ج 1 / ص 21) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " . وكما جاء في سنن ابن ماجه - (ج 6 / ص 356) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" التَّاجِرُ الْأَمِينُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ مَعَ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " .
وجاء بسنن الترمذي - (ج 9 / ص 386) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :" لِلْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ بِالْمَعْرُوفِ يُسَلِّمُ عَلَيْهِ إِذَا لَقِيَهُ وَيُجِيبُهُ إِذَا دَعَاهُ وَيُشَمِّتُهُ إِذَا عَطَسَ وَيَعُودُهُ إِذَا مَرِضَ وَيَتْبَعُ جَنَازَتَهُ إِذَا مَاتَ وَيُحِبُّ لَهُ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ " .
وأخيرا ندعو ونقول والله المستعان ، بالقول النبوي السديد الوارد على لسان نبي الله شعيب عليه السلام ، كما نطقت الآيات القرآنية الكريمة بذلك : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد – هود ) .  { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)}( القرآن المجيد – الصافات ) .

نترككم في أمان الله ورعايته ، والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: