السبت، 18 أغسطس 2012

تجربتي بالزحف الإسلامي الفلسطيني المقدس بإتجاه الأقصى بالقدس المحتلة ( 4 ) الجمعة 22 رمضان 1433 هـ / 10 آب 2012 م


المسجد الحرام والمسجد الأقصى المبارك
تجربتي بالزحف الإسلامي الفلسطيني المقدس
بإتجاه الأقصى بالقدس المحتلة ( 4 )
الجمعة 22 رمضان 1433 هـ /  10 آب 2012 م

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
رئيس مجلس إدارة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس – فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8) إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) }( القرآن المجيد - الإسراء ) .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 4 / ص 376) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى " .
المسجد الأقصى المبارك في البلدة القديمة من القدس المحتلة

إستهلال

في الجمعة الرمضانية الرابعة ( قبل الأخيرة ) بشهر الصيام المبارك ، 22 رمضان 1433 هـ / 10 آب 2012 م  ، ترددت في أي وسيلة مواصلات اذهب للصلاة بالمسجد الأقصى المبارك ، في ظل التداعيات اليهودية المتطرفة بطرح مشروع قانون عنصري جديد على جدول أعمال الكنيست الصهيوني ، الذي يقترح تقسيم المسجد الأقصى المبارك ، بين أتباع الديانتين الإسلامية واليهودية ، فانتابنا الخوف من وجود الحواجز العسكرية الصهيونية المكثفة ، على الطرقات والشوارع ما بين مدن نابلس ورام الله والقدس ، من الضفة الغربية المحتلة .
كنت أرغب في التنقل برا من خلال الباص ، كمركبة عمومية ، ولكن ابنتي الصغرى أمل ( الزهراء ) ، أصرت على الذهاب لمدينة البيرة لبيت أختها الكبرى ( المهندسة آية ) وزوجها المحاسب حماد ، وأنا ذاهب في طريقي للزحف الإسلامي المقدس تجاه المسجد الأقصى المبارك ، فلبيت طلب الابنة الصغرى ، وركبنا سيارة الأسرة من الصنع الكوري الجنوبي ( كيا فورتي موديل 2012 ) ، تناولنا طعام السحور المبكر من ساعات السحر ، وهو سحور خفيف ، تمثل بأكل 3 حبات صغيرة من الخيار ، وكوبين متوسطين من الماء ، لتحاشي الذهاب أكثر من مرة لتجديد الوضوء ، في المتوضأ بالأقصى ، وسط الكثافة الإيمانية المتوثبة من جماهير المصلين المسلمين ، وما لبث أن أذن المؤذن لصلاة الفجر ، فذهبت لأداء صلاة الفجر بمسجد قريتنا عزموط ( مسجد عمر بن الخطاب ) ، مجهزا نفسي بصورة كاملة ، بالملابس التي سأنتقل بها للصلاة الجماعية بالمسجد الأقصى المبارك ، وعدت بعد ذلك مسرعا ، وانطلقنا مسرعين ( إبنتي أمل وزوجتي عطاف وأنا ) باتجاه الجنوب نحو مدينة البيرة ثم مدينة رام الله فالقدس ( المدينة المقدسة ) . حاولت أن أبكر كثيرا ما استطعت في هذه الجمعة المباركة ، لتجنب الزحام عند معبر قلنديا ، وتحاشي الزحام عند قضاء الحاجة وتجديد الوضوء في متوضأ حمامات المسجد الأقصى المبارك بالبلدة القديمة من مدينة القدس الإسلامية العربية الفلسطينية الخالدة . وكما هي عادتي المعتادة اليومية لا أخرج من بيت الأسرة إلا على وضوء وطهارة إسلامية متجددة .
إنطلقنا ثلاثتنا ، ولا زال الليل يرخي بخيوطه السوداء في فضاء السماء الرحب الواسع ، فاضأت مصابيح السيارة من عزموط حتى البيرة ، وأثناء المسيرة الصباحية المبكرة ، كنا نلاحظ قوافل السيارات الخاصة بشكل كبير ، وعدم وجود المركبات والحافلات العمومية بكثرة نظرا لتبكير المسيرة المباركة . أوصلت زوجتي وابنتي إلى بيت ابنتنا وزوجها في أطراف مدينة البيرة الشمالية ( بسبب عدم التمكن من الذهاب معي للمسجد الأقصى المبارك لأسباب صحية ) ، في ساعة مبكرة قاربت السادسة صباحا إلا قليلا ، وقطعنا مسافة حوالي 40 كم ، واثناء مرورنا شاهدنا بعض الجيبات العسكرية اليهودية ، ومن عادتي عدم الإسراع في الطريق ، وتتراوح سرعة السيارة بما يتراوح ما بين 60 – 80 كم / ساعة ، وأحيانا تصل 90 أو 100 أو 110 كم / ساعة ، حسب الحاجة لتجاوز بعض الحافلات العمومية القديمة التي ينبعث من مؤخرتها الدخان بكثرة . وعادتي لا أحب السرعة بالسيارة مهما كنت مستعجلا ، ولا أحب التجاوز الآمن أو غير الأمن على المركبات أمامنا ، غلا في حالة الضرورة القصوى .
وقررت أن أبقي سيارتي بمدينة البيرة بالقرب من مسجد البيرة الكبير ، بعيدا عن معبر قلنديا الذي تشرف عليه قوات الاحتلال الصهيوني ، بسبب الاكتظاظ السكاني ، وحالة الاختناق المرورية الصباحية ، وتجنب التأخر في ذهابي لمسيرة الأقصى الرمضانية المباركة ، رغم وجود بعض دوريات الشرطة الفلسطينية التي تحاول جاهدة تنظيم حركة المرور وإنسيابها بسهولة . وكلمة لا بد منها ، وهي أنه لولا افراد الشرطة الفلسطينية شمالي معبر قلنديا لكان الوضع المروري مأساويا ، بكل معنى الكلمة في ظل التسابق والسباق بين المركبات العمومية والخاصة والحافلات الصغيرة والكبيرة ، وتدافع المواطنين المتوجهين نحو الحرم القدسي الشريف .
تواجد بعض الشرطيين والشرطيات الفلسطينيين ، شمالي معبر قلنديا ، وارشدوا الناس لمكان العبور للنساء أولا من الجهة الشمالية للمعبر ، ثم للرجال من الجهة الشرقية ، هرولت مسرعا باتجاه بوابة دخول المعبر العسكري الصهيوني ، وكل مواطن فلسطيني حاملا بيده بطاقة الهوية الشخصية ، لتسهيل عملية الولوج وتجنب الفوضى . وقفت في أحد الصفوف أمام جنود الاحتلال الصهيوني ،  وابرزت هويتي ونظر الجندي الأسود الصهيوني إلي ، ولم يلتفت لبطاقة الهوية الشخصية ، فالشيب الأبيض يغزو شعر رأسي ، وسمح لي بالمرور ، دون عناء ، لكبر سني ، بينما يفتش الشباب بأعمار متوسطة ، من ذوي الشعر الأسود ، فهرولت مسرها مخلفا ورائي عشرات بل مئات المواطنين . وأثناء مروري بالمعبر وجدت بعض المشادات والجدالات والاستعطافات من المواطنين الفلسطينيين المارين بالمعبر ، الذين يصطحبون ابنائهم الصغار فلذات أكبادهم للصلاة معهم بالأقصى ، يعترضون على طلبات جنود الاحتلال الصهيوني بضرورة وجود شهادات ميلاد ( كوشان ) للصغار ليسمحوا لهم باجتياز المعبر ، وبعد جدل عقيم ، يتمكن الطفل من العبور للجهة الجنوبية للمعبر بصحبة والده أو أحد أقربائه من الدرجة الأولى لينطلق برحلة العشرين كيلو مترا نحو المسجد الأقصى المبارك ، هي المسافة الجغرافية ما بين معبر قلنديا و البيت الإسلامي المقدس .
وقفت لبرهة من الوقت ليست بالطويلة ، وشاهدت الزحام الخفيف لركوب الباصات الصغيرة ( 20 راكبا ) أو الكبيرة ( 50 راكبا ) ، وسط حراسة أمنية عسكرية يهودية مشددة ، إلا أن كل باص بلوحتيه الأمامية والخلفية الصفراء ( لوحة القدس ) يحتضن عشرات الركاب الاضافيين زيادة عن مقاعده الثابتة ، فمثلا ركبت في حافلة صغيرة واقفا وسط الباص ، كغيري من الركاب الذين بلغ عددهم 13 راكبا عدا عن الحمولة العادية من الركاب الجالسين على المقاعد وبذلك أضحى عدد الركاب 34 فردا مع السائق في الضحى المبكر لتلك الجمعة المقدسة . فالباص ينقل أكثر من طاقته وسط تأفف الرجال والنساء على حد سواء . فمثلا رأيت بأمي عيني ، إكثر من 30 راكبا وسط حافلة تتسع فقط لخمسين راكبا ، ليبلغ عدد ركابها قرابة 80 شخصا فلسطينيا ؟؟؟ إنها ساعات النفير العام نحو الأقصى المبارك سعيا لمضاعفة العبادات والحسنات والبركات الطيبة من بقعة من بقاع الجنة في أرض الله الواسعة رغم جراح وأنين الأقصى الدائم ، ورغم خطورة الركوب بحافلة تنقل عددا مضاعفا من الأشخاص .
فبدأت لي الرحلة الإيمانية المقدسة ، في هذه الجمعة الرمضانية ، ميسرة إلى حد ما ، وخاصة في ظل سماح قوات الاحتلال الصهيوني للمواطنين الفلسطينيين الذكور لمن هم فوق سن 40 عاما ، ولجميع الفئات العمرية من النساء بلا استثناء ، باجتياز معبر قلنديا نحو القدس المحتلة ، وذلك لأسباب اقتصادية بحتة ، وللدعاية الإعلامية الصهيونية المبرمجة بالسماح للفلسطينيين بأداء الشعائر والطقوس الدينية في يوم الجمعة في المسجد الإسلامي الأول في فلسطين ( الأرض المقدسة ) في ظل الانتقادات الإقليمية والدولية للاعتداء الرسمي الصهيوني على حرية العقيدة والدين في فلسطين المحتلة .
بوابات المسجد الأقصى المبارك
أوصلتنا الحافلة الصغيرة لمحطة الباصات المركزية بالقدس الشرقية ، غربي باب العمود ، ودفع كل راكب الواقف والجالس 6.5 شيكل ( إسرائيلي ) لا فرق بينهما ، ثم انطلقنا سيرا على الأقدام في شوارع البلدة القديمة من القدس الشريف ، واستغرق الوقت قرابة 20 دقيقة ، وسط الزحام بدرجاته غير المكتظة كثيرا ، نظرت وإذا بأزمة مرورية بشرية شبه خانقة ، فمشينا ببطئ شديد ، زحف ميداني متأني ، وأوضاع مختلطة بين الرجال والنساء ، وكل فتاة أو إمرأة تمر بجانب قريبها أو محرمها ، أو برفقة مجموعة من النسوة حيث يمكن ملاحظة ذلك من خلال تشابك الأيدي للعبور البري المقدس . وجنود الاحتلال الصهيوني يراقبون الوضع عن كثب ، ثلاث ورباع وخماس وثمانية ، من الجنود والجنديات اليهود الصغار في السن ممن هم في مطالع العشرينات من العمر أو ممن لم يبلغوا سن العشرين من أعمارهم ، الذين يرتدون البزات العسكرية الخضراء والكحلية ، من شتى السحنات الأوروبية البيضاء والإفريقية السوداء والقمحاوية ، وكل يحمل رشاشه وهراوته ، وعيونهم ترقب المارة بالزحف الإسلامي المقدس ، ويحاول بعض الفتية من فلسطين ، من الكشافة تنظيم حركة المرور البشرية وإنسيابها بتوزيع الناس وإرشادهم لممرات وطرق ومسارات فرعية باتجاه المسجد الأقصى المبارك ، ما بين متعاطف وغير آبه لإرشاداتهم الصباحية . وكل ذلك على وقع المناداة التجارية ، للبيع وعرض الأسعار لهذه البضاعة أو تلك ، من أصحاب المحلات التجارية ، والنساء اللواتي يجلسن على جوانب الطرقات لبيع بعض أصناف الفواكه كالتمر والعنب والخوخ وغيرها ، و قمر الدين مع وجود الكثير من المتسولين ، من الأطفال والنساء ، وكذلك ممن يدعون المارة للتبرع لإنشاء مساجد في هذه المحافظة الفلسطينية أو تلك ، أو دفع جزء من زكاة أموالهم وصدقاتهم للجمعيات الخيرية التي ترعى الأيتام والمسنين وذوي الاحتياجات الخاصة . إنها حياة صباحية بالجمعة المباركة الرابعة من شهر رمضان الفضيل ، تعج بالحركة والأنفاس الإيمانية الطاهرة والتجارية الراضية أو المرضية في ظل المفاصلة في الأسعار ، على وقع تلاوة بعض آيات القرآن المجيد ، المنطلقة من ميكروفونات بعض المحلات التجارية المنتشرة بكثرة في أسواق القدس القديمة لبيع الأشرطة الإسلامية والوطنية على السواء التي تمجد فلسطين والأرض المقدسة .
المسجد الأقصى المبارك في البلدة القديمة من القدس المحتلة
وصلنا لأحد أبواب المسجد الأقصى المبارك الخارجية ( باب الحديد ) فوجدنا 8 حراس يهود من الشرطة الصهيونية والجيش العبري يجلسون يرقبون الداخلين والخارجين ، أمام الباب الأخضر اللون وسطة بوابة صغيرة ، خارج سور المسجد الأقصى المبارك ، ولا يتدخلون بمرور الناس الآتين من كل فج عميق من فلسطين ، للصلاة الجماعية بأقدس بقعة في أرض فلسطين ، إنها أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين الشريفين ، وأرض المحشر والمنشر ، ومسرى ومعراج رسول الله محمد بن عبد الله إلى السماوات العلى ، قبل فرض الصلاة على الأمة المسلمة قبل أكثر من 15 قرنا من الزمن .
سارعت لتجديد الوضوء ، في متوضأ حمامات خارجية خاصة بالمسجد الأقصى المبارك ، عند الساعة السابعة صباحا تقريبا ، ولم تكن هناك أزمة وضوئية حتى تلك اللحظة ، ووجدت أن الجهات الفلسطينية المختصة قد أنهت عملية صيانة أكثر من 50 حماما جديدا لاستيعاب المتوضئين المسلمين ، وذلك تمهيدا لصلاة الضحى ( صلاة الأوابين ) والإبقاء على الوضوء لصلاة الجمعة الجامعة .
المسجد الأقصى المبارك في البلدة القديمة من القدس المحتلة
تأدية صلاة الضحى بالمسجد الأقصى المبارك

صحيح البخاري - (ج 4 / ص 255)
عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ مَا أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ ذَكَرَتْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بَيْتِهَا فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ فَمَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلَاةً أَخَفَّ مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ
صحيح مسلم - (ج 4 / ص 47)
عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى
- صحيح مسلم - (ج 4 / ص 109)
عَنْ أَيُّوبَ عَنْ الْقَاسِمِ الشَّيْبَانِيِّ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ رَأَى قَوْمًا يُصَلُّونَ مِنْ الضُّحَى فَقَالَ أَمَا لَقَدْ عَلِمُوا أَنَّ الصَّلَاةَ فِي غَيْرِ هَذِهِ السَّاعَةِ أَفْضَلُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ " .
- سنن الترمذي - (ج 2 / ص 288)
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى الضُّحَى ثِنْتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً بَنَى اللَّهُ لَهُ قَصْرًا مِنْ ذَهَبٍ فِي الْجَنَّةِ

دخلت المسجد القديم من أبنية المسجد الأقصى المبارك ، وسط إقبال على الله سبحانه وتعالى ، من بين الجموع الإسلامية الغفيرة ، وأديت الكثير من الركعات لله تبارك وتعالى ، في الصفوف الأولى ، وهذا للتذكير الإسلامي والتأريخ وليس للمباهاة والتفاخر ، لأن الذكرى تنفع المؤمنين ، منها ركعتان تحية المسجد ، و8 ركعات لصلاة الضحى الطوعية ( النافلة السنة غير المفروضة ) . كما صليت 10 ركعات ضحى أخرى وأهديت ثوابتها لمن أحبهم في الله كثيرا ، على التوالي ، كالتالي :
- أهديت ثواب ركعتين لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، الفاتح الجوي الفضائي السماوي الحقيقي لبيت المقدس في رحلة الإسراء والمعراج ، من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس ، في سنة سابقة للهجرة النبوية الشريفة .
- وأهديت ثواب ركعتين للخليفة المسلم الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فاتح بيت المقدس ، عام 636 م / 15 هجرية ، حيث تسلم مفاتيحها من بطرك الروم صفرونيوس .
- وأهديت ثواب ركعتين للسلطان المسلم صلاح الدين الأيوبي ( يوسف بن ايوب ) مسترجع القدس والمسجد الأقصى المبارك من قذارة الصليبيين الأنجاس بعد معركة حطين عام 1187 م / 583 هـ .
- كما أهديث ثواب ركعتين لوالدتي سهيلة يحيى النادي ، وأهديت ثواب ركعتين لوالدي إبراهيم محمد شحادة طيب الله ثراهما ورحمهما وأدخلهما الفردوس الأعلى في جنات الخلود .
ثم صليت بعدها ، ركعتين صلاة الحاجة ، قرأت في أولاها الفاتحة وسورة يس ، وفي الثانية : سور الفاتحة والواقعة والملك . داعيا الله أن يعيد أمجاد الإسلام العظيم ، وأن يولي الصالحين في الأرض المقدسة وأن يرفع الظلم عنا في فلسطين ، وأن يحرر المسجد الأقصى المبارك من رجس ودنس الاحتلال والمحتلين ، فهو القاهر لعباده ذو القوة المتين .
راجيا من الله العلي القدير أن يتقبلها جميعها مني قبولا حسنا إنه هو الرحمن الرحيم الحي القيوم ذو الاجلال والإكرام ، والعفو الغفور ذو الرحمة الواسعة في الدنيا والآخرة .
وبعد ذلك تابعت السماع لبعض المحاضرات الدينية الإسلامية على يميني ، عن الصيام والصلاة ، والجهادية والتاريخية ، وتلاوة آيات من الذكر الحكيم ، وتكرار الأذكار الإسلامية المتعددة منها : لا إله إلا الله - محمد رسول الله ، سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، لا إله الا الله الملك الحق المبين ، استغفر الله العظيم الذي لا إله الا هو الحي القيوم وأتوب إليه ، وسبحان والحمد ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو حي لا يموت ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، واللهم صلى على محمد وعلى آل محمد وصحبه وسلم ، بالإضافة إلى الكثير من الأدعية العامة والأسرية والخاصة . راجيا أن يمن المولى علينا بالعفو والصفح والمغفرة وأن يبدل سيئاتنا حسنات ، وأن يلهمنا طرق الحق والسداد والصواب والرشاد وأن يبعدنا عن الفتن والفساد والمفسدين والظالمين إنه على كل شيء قدير .

صلاة الجمعة الجامعة بالمسجد الأقصى المبارك

إنتظرنا عدة ساعات داخل البناء المسقوف القديم ، لأداء صلاة الجمعة الجامعة ، مستمعين قبل ذلك لخطبة إمام الصلاة في المحراب ، وسط كثافة مصلين غير مسبوقة ، جاؤوا للصلاة بالمسجد الأقصى المبارك ، من كل حدب وصوب ، لتقديس الصلاة ومضاعفة الثواب مئات المرات ، بإعتبار المسجد الأقصى المبارك بقعة من بقاع الجنة في ارض الله الواسعة ، ومرابطة جهادية كفرض عين على كل مسلم من فروض الإسلام العظيم ، وحماية للمقدسات الإسلامية من رجس ودنس الحاقدين على رسالة الإسلام الحنيفة ، والوقوف أمام أطماع الغزاة اليهود الصهاينة ومواجهتها بأقل السبل المتاحة ، من أولئك الذين أتوا من وراء البحار ، لقهر العباد والبلاد على حد سواء .
وترى الجموع الإيمانية الغفيرة التي أتت من كل فج عميق لأداء صلاة الجمعة الرمضانية ، حيث بلغ عدد المصلين في الجمعة الرابعة من شهر رمضان الفضيل 22 رمضان 1433 هـ / 10 آب 2012 م قرابة نصف مليون مصل ومصلية في جميع أنحاء ساحات وباحات المسجد الأقصى المبارك حسب التقديرات الرسمية وشبه الرسمية والإعلامية الفلسطينية المطلعة على خفايا الأمور .
أذن المؤذن لصلاة الجمعة المباركة ، فبادر المصلون لصلاة ركعتين سنة صلاة قبلية ، ثم صعد الإمام المنبر ، قرب محراب المسجد الأقصى المبارك ، فخطب خطبة دينية - سياسية - اقتصادية - نفسية شاملة وجامعة دامت أكثر من 20 دقيقة ، ، جزاه الله خيرا ، ثم أقيمت الصلاة وصلى المصلون خلف الإمام ركعتين فرض ، ثم صلوا ركعتين سنة بعدية لصلاة الجمعة ( الظهر ) وسط زحام شديد وتراص في الصفوف . وهناك ميكروفونات وسماعات كثيرة ، تضخم الصوت وتعليه ، لإيصال خطبة الإمام لجميع المصلين في داخل المسجد بالأبنية المسقوفة أو الحديقة والشوارع بالهواء الطلق . وغني عن القول ، إن هناك عشرات المراوح الكهربائية المحركة والملطفة لحرارة الطقس خاصة المراوح الهوائية الشغالة أو تلك المعطلة التي يتذمر منها الناس وينظرون بعين الشك والريبة لعدم إصلاحها ، في جوانب أعمدة المسجد الأقصى المبارك بالبناء المسقوف القديم  . ويصطف المصلون المسلمون في باحات المسجد الأقصى المبارك للصلاة في ظلال الأشجار أو تحت أشعة الشمس الذهبية الملتهبة أو في ظل بعض الخيم السوداء أو البيضاء المنصوبة في الساحات العامة للمسجد الأقصى المبارك للرجال والنساء كل على حدة .
ركز الخطيب في صلاة الجمعة على الكثير من الشؤون الإسلامية العامة والخاصة ، وخاصة المرابطة في أرض الرباط بالأرض المقدسة ( فلسطين ) والاعتصام بحبل الله المتين . إنها خطبة شاملة وجامعة ومتينة ، تحض المسلمين على التمسك بالإسلام العظيم وعدم الاستسلام للأعداء والمعتدين بأي حال من الأحوال .
وتتم عملية تسجيل خطبة إمام المسجد المعتمد من الأوقاف الإسلامية الفلسطينية بالقدس المحتلة ، بالصوت والصورة ( الفيديو ) ، وتمت ملاحظة قيام بعض المصلين بتسجيل بعض مقاطع الخطبة عبر الأجهزة الخليوية النقالة ( موبايل ) للاحتفاظ بها .
وبالنسبة للمصلين غير المقيمين بالقدس المحتلة ، فيمكنهم تأدية صلاة العصر قصرا ( ركعتان فرض ) بعد أداء صلاة الجمعة مباشرة أو بوقت قصير ، بعد تأدية ركعتي السنة النافلة البعدية لصلاة الجمعة ( الظهر ) بصلاة جماعية ، وهذا ما يحدث في كل جمعة رمضانية وغيرها من الجمع العادية . وهناك من يصلى الركعتين كنافلة ، كما افعل أنا عادة ، في كل جمعة رمضانية ، لإحتساب الأجر والثواب من الله العزيز الوهاب .

ومما لفت إنتباهي ، في الجمعة الرابعة من رمضان الفضيل في 22 رمضان 1433 هـ / 10 آب 2012 م ، أن المصلين في الصف الأول بالمسجد الأقصى المبارك ، من الكبار في السن ، والشباب ايضا ، هم ذاتهم الذين صلوا في جمع سابقة في الصف الأول ، ويبدو لي ، وهو كذلك ، أن الكثير من هؤلاء المصلين يحجزون الصف الأول عبر وضع مصليات مصنوعة من القماش أو القش ، أو كراسي أو طربيزات بلاستيكية ، وكأن الأمر مبرمج ومخطط له ، وهذا الأمر بحاجة لمعالجة حثيثة ، وعدم حجز هذه الأمكنة لأناس مخصصين ومحددين ، فمن يأتي أولا له الحق في الصلاة بالصف الأول ، ولا يجوز تحت اي ظرف من الظروف أن يتم حجم أمكنة الصلاة بالصف الأول من المسجد الأقصى المبارك لفئة انتهجت هذا النهج من الحياة الدينية .
وإلى ذلك ، في خارج البناء المسقوف ( المسجد القديم ) يصلى الرجال في باحات المسجد الأقصى المبارك الواسعة ( 144 دونما - كل دونم يساوي 1000 م 2 ) وتصلى النساء في مسجد قبة الصخرة المشرفة والصحن العلوي المجاور لها ، وسط الزحام الإيماني العظيم ، من الرجال والنساء كل على حدة .
ويمكننا القول ، إن النساء في صلاة الجمعة الرمضانية الرابعة من هذا العام 1433 هـ / 2012 م ، هن أكثر عددا وعدة ، فلاحظت النساء اللواتي يصطحبن أبنائهن وبناتهن ، صغارا وكبارا ، برفقتها بعض الأمتعة للجلوس أو إحضار بعض الأطعمة والمعلبات لتناول طعام الإفطار بعد أذان المغرب بعد غياب شمس ذلك اليوم المبارك .
ويمكن أن تعزى مسألة زيادة النساء المصليات بالمسجد الأقصى المبارك ، على أعداد المصلين الشباب والرجال ، بسبب الإجراءات القمعية العسكرية الصهيونية ضد الشباب ومنعهم من القدوم للصلاة بالمسجد الأقصى المبارك عبر حظر دخول الشباب المسلم الفلسطيني للقدس المحتلة عموما والمسجد الأقصى المبارك خصوصا ، لمن هم دون سن الأربعين عاما ، إلا بتصريح صهيوني ، من مكاتب الارتباط المدنية الصهيونية - اليهودية - العبرية ( الإسرائيلية ) في مختلف المحافظات الفلسطينية في الضفة الغربية . وأما سكان قطاع غزة في الجنوب الغربي من فلسطين ، فتحرم قوات الاحتلال الصهيوني ، بقرارات حكومية عسكرية عليا من تل أبيب ، تنقلهم من قطاع غزة للضفة الغربية عامة ، والقدس المحتلة خاصة ، وأما بالنسبة لفلسطيني فلسطين المحتلة عام 1948 ، فيمكنهم الحضور في سن فوق الأربعين سنة بلا تصاريح مدنية .
على أي حال ، كل من يرى افواج المصلين المسلمين في المسجد الأقصى المبارك ، في صلاة الجمعة ، لا يظن أن هناك أناس خارجه ، وكل من ينظر خارج المسجد الأقصى المبارك لا يظن أن هناك أناسا داخله ، فالصحوة الإسلامية آخذة بالإتساع التدريجي ، بصورة متوالية ، سنة بعد أخرى ، لعبادة الله في الأرض المقدسة ، والدفاع الحتمي على قدسية وحرمة المسجد الأقصى المبارك ، في أرض الأنبياء والمرسلين .
على العموم ، إن كل من يؤدي الصلاة بالمسجد الأقصى المبارك ، يتذكر فرض الصلاة من رب العالمين على الأمة الإسلامية ، خير أمة أخرجت للناس في الأرض ، في رحلة الإسراء والمعراج التاريخية الدينية الأرضية السماوية العظمى ، في حالة فردية من نوعها ، بصعود نبي من أنبياء الله من الأرض إلى السماء الأولى حتى السابعة ، ثم العودة للأرض في وقت قصير ، هو نبي الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، فكانت أرض  المسجد الأقصى المبارك بوابة الأرض إلى السماء ، وكانت مصلى لإمام الأنبياء والمرسلين ، رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، حين أمهم بالصلاة الجامعة لمرة واحدة في صلاة الفجر المبكرة ، في إيذان رباني بنسخ جميع الأديان السابقة وبقاء الإسلام دين الله في الأرض لجميع الأمم والشعوب بكافة أعراقهم وأجناسهم وجنسياتهم وألوانهم وأصولهم ومنابتهم الجغرافية والتاريخية إلى يوم الدين يوم الحساب العظيم بأرض المحشر والمنشر في ساحات المسجد الأقصى المبارك أولى القبلتين لعبادة الله رب العالمين .

الشباب الفلسطيني .. وصلاة الجمعة بالمسجد الأقصى المبارك

بالرغم من الحظر العسكري الصهيوني ، دخول الشباب الفلسطيني ، للمدينة المقدسة والمسجد الأقصى المبارك ، فإن ثلة من الشباب المؤمن بالله عز وجل ربا ، وبالإسلام العظيم دينا ، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا ، فإنه يلجا للمسالك الوعرة والخطرة لدخول المسجد الأقصى المبارك ، وهناك جماعات فلسطينية مختصة لتهريب هؤلاء الشباب بأعمار مختلفة ، 17 عاما فأعلى ، أو في سنوات العقدين الثاني والثالث ( العشرينات والثلاثينات ) من طرق جانبية صعبة المسالك ، لتمكينهم من دخول القدس الشريف والمسجد الأقصى المبارك . ولقاء هذا التهريب يتقاضى المهربون أجرة مالية مرتفعة تتراوح ما بين 20 شيكل و30 شيكل و50 شيكل و100 شيكل أو أكثر من ذلك ( 4 شواكل إسرائيلية تساوي دولار أمريكي واحد ) ، حسب طريقة الإدخال المخططة . فبعض هؤلاء يدخل من طرق ومسارب قص فيها شباب فلسطيني الأسلاك الشائكة الصهيونية ، أو تسلقوا جدار الفصل العنصري عبر السلالم الخشبية أو المعدنية أو المصنوعة من الحبال الغليظة ، وأعمدة الكهرباء القريبه ، والنزول في حبال مخصصة لهذه الغاية وهناك من نقل للمشفى ولم يتمكن من أداء الصلاة بالمسجد الأقصى المبارك ، وهناك من اعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني عبر الدوريات ( الجيبات ) العسكرية اليهودية المتنقلة والحواجز الطيارة أو المشاة العسكريين أو المخبرين والعملاء والجواسيس السريين للاحتلال الصهيوني . وهي مسائل خطيرة وخطرة في الآن ذاته ، دفع فيها بعض الشباب الفلسطيني حياته ضحية لذلك أو جرح بالرصاص الصهيوني مباشرة أو لعدم تمكنه من النط والقفز عبر الأسوار العالية بالجدار العنصري الصهيوني المرتفع ما بين ( 3 - 6 أمتار ) ، وعدم الدراية والخبرة في ولوج هذه الطرق الوعرة ، ولكن الرحلة الإيمانية المقدسة تحتم على بعض الشباب الفلسطيني ، إجتياز المسالك الصعبة لعبادة الله بديع السماوات والأرض ، عالم الغيب والشهادة ، مع الجموع الغفيرة ، في تحد واضح للإجراءات العسكرية الوحشية الصهيونية التي تنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني وتعتدي على حياته الدينية الإسلامية .

المنطاد الأبيض وطائرة الهليكوبتر الصهيونية لمراقبة المصلين بالمسجد الأقصى المبارك

تعمل قوات الاحتلال الصهيوني ، على إطلاق منطاد جوي خاص لمراقبة تحركات المواطنين المسلمين الفلسطينيين ، داخل باحات المسجد الأقصى المبارك ، ويظهر هذا المنطاد على علو منخفض ، يمكن للإنسان أن يشاهده بالعين المجردة . وكذلك تحوم طائرة عمودية ( هليوكبتر ) في سماء ميدنة القدس المحتلة ، مع التركيز على البلدة القديمة ، والمسجد الأقصى المبارك . هذا عدا عن المراقبة الأمنية والشرطية الداخلية والخارجية ، من المستعربين ، والوحدات الخاصة وبعض وحدات الشرطة اليهودية التي تجوب ساحات المسجد الأقصى المبارك ، قبل وأثناء وبعد صلاة الجمعة وغيرها من الصلوات الإسلامية الخمس .
وبهذا تعمل قوات الاحتلال الصهيوني ، على إتباع اسلوبي المراقبة البرية والجوية لرواد المسجد الأقصى المبارك ، بدعاوى الحيلولة دون إحتجاج المصلين في مسيرات ومظاهرات داخل ساحات المسجد الأقصى المبارك أو في أزقة البلدة القديمة من القدس التي تنتشر على نحو 1 كم2 .

أعداد فيلم مصور عن الحياة الإسلامية في المسجد الأقصى المبارك

لقد قمت بإعداد فلم عبر الجهاز الهاتف الجوال ، عن الحياة الإسلامية داخل أروقة المسجد الأقصى المبارك ، والنشاطات الدعوية والمحاضرات السياسية ، والتجوال الكثيف ، وتبلغ مدته حوالي 50 دقيقة ، قمت بإعدادها بنفسي ، لتأريخ وتسجيل معالم المسجد الأقصى المبارك ، وسط الحشود الإيمانية المقدسة ، على طبيعتها . وهذه الفترة غطت ما بين صلاتي الجمعة ( الظهر والعصر ) وقد استنفذت البطارية الخاصة بالهاتف النقال ( بلاك بيري )  ، رغم وجود هاتفين جوالين معي ، كلاهما لشركة جوال فلسطين .

صعوبة الإتصال والتواصل عبر الهاتف النقال

بعد أداء صلاة الجمعة الجامعة ، يبادر عشرات آلاف المصلين والمصليات للاتصال ببعضهم البعض للالتقاء ، كل أسرة أو مجموعة إيمانية ، رجالية أو نسائية على حدة ، وبالتالي تتعطل الشبكة كليا أو بصورة شبه كلية ، وخاصة لشبكة شركة جوال فلسطين ، وأما ممن يمتلك شرحة من الشركة الوطنية موبايل فإنه يتمكن من إجراء بعض المهاتفات مع الآخرين ، لأسباب فنية بحتة . وبهذه العجالة نؤكد على ضرورة تفاهم وإتفاق الأسرة الواحدة أو المجموعات على مكان للاتقاء بعد الصلوات ، صلاة الجمعة ، وصلاة العصر وصلاة العشاء إذا تاهوا عن بعضهم البعض ، وأن يتم تزويد الأطفال بأرقام هواتف الكبار في أوراق صغيرة ووضعها في جيبوبهم لتجنيب الصغار الضياع وسط الجموع الإيمانية المكتظة .

صلاة العصر بالمسجد الأقصى المبارك

بعد رفع أذان العصر تتقاطر الجموع المؤمنة ، لدخول مباني المسجد القديم ، والمصلى المرواني ( تحت الأرض ) شمالي شرقي البناء القديم ، ومسجد قبة الصخرة المشرفة ، والقدوم من أحد أبواب المسجد الأقصى المبارك المفتوحة من البلدة القديمة ، ممن خرجوا للتسوق ، فتصطف الصفوف ، في صفوف دينية إسلامية منقطعة النظير ، في تراص بدني ، المصلي جنب المصلي عن اليمين وعن الشمال ، والمصلية بجانب المصلية يمينا وشمالا ، في تميز إسلامي لا شبيه له في جميع الأديان في العالم . فالصلاة الإسلامية ، صلاة مميزة ومتميزة بكل السمات والصفات ، ولا مثيل لها في جميع الجهات .
فتتم تأدية صلاة ركعتين نافلة ، تحية المسجد لمن كان خارجه ، وصلاة ركعتين أو اربع ركعات نافلة ، تصلى فرادى وليس جماعات ، قبل صلاة العصر المفروضة ، ثم تقام الصلاة بأذان مقتضب لأداء صلاة أربع ركعات فرض خلف الأمام ، صلاة جماعية ترص فيها الصفوف تلو الصفوف في متوالية عددية حسابية وهندسية متعاظمة .

صلاة المغرب الرمضانية بالمسجد الأقصى المبارك

رفع أذان المغرب ، واستراح الناس لبرهة قصيرة من الوقت أقل من 15 دقيقة ، تناولوا أثناءها طعام الإفطار الخفيف ، من كاس ماء أو حبات تمر أو وجبات طعام خفيفة ، أعدت مسبقا ، من الأهالي أنفسهم أو من الجمعيات والجهات الفلسطينية والعربية المختصة لتقديم وجبات الطعام لإفطار الصائمين ، في المسجد الأقصى المبارك كالحركة الإسلامية في فلسطين المحتلة 1948 ، وهيئة الأعمال الخيرية الإماراتية وغيرها . صلى البعض في الأبنية المشيدة والكثير من الناس في الساحات المفتوحة ، وأعداد المؤمنين المصلين في صلاة المغرب أقل قليلا من المصلين في صلاة العصر ، والمصلون في صلاة الجمعة الجامعة أضعاف مضاعفة للمصلين في صلاة الجمعة ( الظهر ) من بقية الصلوات في اليوم والليلة .
رفع الأذان لإقامة صلاة المغرب ، فاصطف المصلون كل حسب رغبته ، ومكان الفراغ المتوفر ، فاصطف الذكور في المسجد القديم والساحات العامة ، واصطفت النساء في مسجد قبة الصخرة المشرفة ، والدرج يفصل بينهم ، وصلى المسلمون صلاة المغرب ( 3 ركعات فرض ) ثم ركعتين سنة نافلة ، ثم بدأت الصفوف تتقاطر للخروج من الأبواب الداخلية والخارجية على السواء ، وجلس الناس لاستكمال طعام الافطار ، مما حضر من رزق الله الواسع .
ومن الملاحظ أن الكثير من الناس لا يتمكنون من إحضار وجبة الإفطار لعدة أسباب منها البعد الجغرافي عن الأقصى المبارك ، والبعد الزماني ما بين فترة خروج المصلين حتى ساسة الإفطار المسائية الرمضانية ، وتجنب تلف المواد الغذائية .
رعاية شؤون المسجد الأقصى المبارك .. ووجبات إفطار الصائم من فلسطين والجمعيات العربية

جاء في سنن الترمذي - (ج 3 / ص 301) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا " .
تعمل بعض الجهات العربية والإسلامية ، الداخلية والخارجية ، مثل الحركة الإسلامية والأوقاف الإسلامية والهيئة الأعمال الخيرية الإماراتية ، على تقديم وجبات إفطار للصائمين المسلمين من وفود الرحمن التي تؤم المسجد الأقصى المبارك لعبادة الله وحده ، من شتى المحافظات والمدن والقرى والمخيمات الفلسطيني من فلسطين الكبرى ، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا . وهذه الاستطاعة مرتبطة بالمقدرة المالية والإدارية والعددية الطارئة أو الاستراتيجية ، والرغبة في إكرام وفود الرحمن قدر الإمكان . ورضا الناس غاية لا ولم ولن تدرك ، ولكن لكل مجتهد نصيب . وخلال ملاحظاتي الرمضانية ، لتجهيز إطارات الصائمين ، أقول ما يلي :
أولا : لا بد من زيادة كميات الوجبات الغذائية المقدمة للصائمين . فما يقدم من وجبات وطرود غذائية في الأيام الرمضانية الممتدة ما بين السبت والخميس تختلف عن الوجبات الرمضانية المقدنة في أيام الجمع ، حيث يتقاطر مئات آلاف المصلين للصلاة بالمسجد الأقصى المبارك في أيام الجمع الرمضانية . وتقدر الحاجة لحوالي 100 ألف وجبة غذائية كاملة في كل جمعة من أيام الجمع الرمضانية لمن يبقون لأداء الصلوات بعد صلاة الجمعة ، للزحف الإسلامي الكثيف في أيام الجمع بسبب تحكم الاحتلال اليهودي – الصهيوني ( أصحاب السبت ) في المداخل والمعابر المؤدية للقدس المحتلة عامة والمسجد الأقصى المبارك خاصة . ويجب أن يسود النظام والضبط والربط في توزيع وجبات الإفطار الرمضانية ، وعدم حرمان الناس الكثيرين من هذه الخدمة خدمات السقاية والرفادة .
ثانيا : ضرورة التنسيق المسبق بين المتبرعين سواء أكانوا جهات خيرية أو أشخاص خيريين ، ممن يرغبون في تكريم الصائمين وجني الحسنات الكثيرة الوفيرة وإدخارها ليوم القيامة يوم الحساب العظيم .
ثالثا : ضرورة وجود هيئة عليا مشتركة من الشخصيات والهيئات الإسلامية فقط لإدارة الشؤون العامة للمسجد الأقصى المبارك ، تتعاون بصورة وثيقة ، مع بعضها البعض مثل الهيئة الإسلامية العليا ، والأوقاف الإسلامية ، والحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني ، والنواب المسلمين بالكنيست العبري ، والكشافة الفلسطينية ، وإتحاد الجمعيات الخيرية ، ووسائل إعلام إسلامية فلسطينية وسواها .
رابعا : ضرورة مضاعفة أعداد الحراس العلنيين والسريين ، من المتدينين المسلمين للمسجد الأقصى المبارك .
خامسا : زيادة الرعاية الطبية للمصلين وخاصة في الأيام الرمضانية وأيام على وجه الخصوص .
سادسا : تكثيف زيارات الوفود الرسمية العربية والإسلامية ، ليس من أجل التطبيع مع الجاليات اليهودية بفلسطين ، بل من أجل تعزيز حماية المسجد الأقصى المبارك .
سابعا : تخصيص موازنة مالية سنوية مفتوحة للإنفاق على شؤون المسجد الأقصى المبارك .
ثامنا : تكثيف الندوات والمؤتمرات والمهرجانات والمسابقات الإسلامية من رحاب المسجد الأقصى المبارك .
ومن نافلة القول ، إن بعض الفوضى في توزيع وجبات الإفطار الرمضانية في ايام الجمع ، كما شاهدتها بأم عيني ، شيء مخجل ، يندى له الجبين ، فهناك خلل في توزيع وجبات الأطعمة والأشربة ، وسوء إدارة في الموزعين الميدانيين في ساحات المسجد الأقصى المبارك ، من الشباب المتطوعين ، بشعارات الهيئة المنظمة لحفل الإفطار الجماعي . فينبغي أن يتقي الصائمون ويبتعدون عن الفوضى ، ويؤثرون على أنفسهم ولو بهم خصاصة . ففي الجمعة الرابعة الرمضانية لعام 1433 هـ / 2012 م ، رأيت كيف يعبث البعض بالقيم العليا والأخلاق الحضارية الإسلامية المثلى ، من بعض المصلين الصائمين ، ويتسابقون في الحصول على طرود مائية أو غذائية من هذه الجهة أو تلك . وتكتفي بعض الجهات بالتصوير عبر الفيديو بداية عملية توزيع وجبات الإفطار الموضوعة في شراشف بلاستيكية ، ولو قامت بتصوير ما يتبعها من فوضى لقيمت نفسها بنفسها ، ولكنها أخطاء متراكمة ، فهل من مخلص لهذه الفوضى غير المقبولة ؟؟؟ وهي مظهر غير حضاري ، ويمكن أن يستوعب المرء المعاناة من الجوع والعطش أثناء الصيام ، ولا يمكن أن يقبل التهالك على وجبات الطعام . فمثلا ، حصلت على وجبة طعام من أحدى الجهات المتبرعة ، كغير يمن الصائمين ، الآتين من منطقة نائية ، وحصل نقص شديد في عدد الوجبات الغذائية للصائمين الجالسين على مائدة الإفطار بساحة الأقصى الشرقية ، فتقاسمت الوجبة التي حصلت عليها  مع أحد الصائمين الآخرين بالقرب مني ، ممن لا أعرفهم ، ولكن يجمعنا الإسلام والصيام والصلاة ببقعة مقدسة ، هي بقعة من بقاع الجنة ، فنحن لم نأتي لتناول الطعام بل للعبادة والصلاة والذود عن الأقصى المبارك بالتواجد أطول فترة زمنية فيه ، وعملية الإفطار تأتي لتمكين الإنسان من عبادة الله عز وجل بروية وخشوع ، وليس لملء المعدة . ولا بد من التنبه لوجود فئات ضالة مضلة تريد تشويه سمعة الصائمين عبر نشر الفوضى ، ويجب على الجهات الممولة أن تتدارك الأخطاء السابقة ، وكذلك ينبغي أولا وقبل كل شيء على الصائمين المصلين أن يتيقنوا أنه لا بد من الاعتماد على الذات قدر الإمكان في الإفطار ، ولو على شربة ماء أو حبات تمر ، وليس ملء البطن . . وليتذكر الجميع أنه للعبادة وذكر الله وليس لمقارعة ومسابقة الآخرين بالحصول على طرد غذائي صغير .

صلاة العشاء الرمضانية بالمسجد الأقصى المبارك

يفصل صلاة المغرب عن صلاة العشاء يوميا أقل من 100 دقيقة تقريبا ، إذ يجلس الناس خلال للاستراحة البدنية والنفسية ، في أروقة المسجد الأقصى المبارك ، ويقوم البعض منها بمتابعة تناول الأطعمة والأشربة الإسلامية ، المتنوعة ، ما لذ وطاب مما يتوفر منها ، والكثير من المدخنين يرهقون جيرانهم بتدخين سجائر بعد الإفطار ، ويذهب بعضهم لتناول أكواب الشاب والقهوة ، والتجول في باحات المسجد الأقصى المبارك . وبعد رفع أذان صلاة العشاء ، ترى أفواج المصلين يتقاطرون لدخول المسجد القديم ، والبعض يفضل أداء صلاة العشاء والتراويح في الهواء الطلق نظرا لارتفاع درجات الحرارة في هذا الصيف القائظ .
وتستمر الصلوات المفروضة والنافلة حتى الساعة الحادية عشرة ليلا بالتوقيت الصيفي ، وبعض المتدين من المشايخ كبارا وشبابا يعتكفون في المسجد للعبادة والأذكار وتلاوة القرآن المجيد ، وتناول أطراف الأحاديث النبوية الشريفة . وتذاكر التجارب الشخصية في الحياة العامة والخاصة ، وإرتياد الأقصى ، بيت الله المقدس . وهناك القليل من المصلين الذين يبقون في المسجد القصى المبارك لصلاة الفجر ن وذلك لإجبار قوات الاحتلال الصهيوني وتدخل الشرطة اليهودية لإخراج المصلين المسلمين عنوة إلى مسجد قريب خارج أسوار المسجد الأقصى المبارك .
وشخصيا ، وبسبب البعد الجغرافي لمنزلي في قرية عزموط بمحافظة نابلس شمالا ، وعدم وجود الأمان على الشوارع العامة بين نابلس ورام الله ، بسبب سرطان المستوطنات اليهودية المنتشرة بالقرب من الشوارع العامة ، ورغبة مني في عدم إرهاق ابنتي الصغرى في السهر الطويل لتناول طعام السحور في فجر اليوم التالي ، فإنني أضطر للعودة بعد أداء تناول طعام الإفطار حسب الشريعة الإسلامية ، مما قسمه الله لنا من رزق ، ثم أداء صلاة المغرب جماعة بالمسجد الأقصى المبارك ، وجمعتها جمع تقديم مع صلاة العشاء ، وصلاة النوافل كملحقات نافلية لها قفلت عائدا إلى بيتنا متجها شمال الضفة الغربية ، فعرجت في الجمعة الرابعة بشهر رمضان المبارك ، أثناء الرجوع المسائي ، بدرجات حرارة وطقس ليلي ممتع ، لبيت ابنتي آية وزوجها حماد في مدينة البيرة ، وتناولت بعض الطعام ولكن معدتي كانت متخمة ومثقلة بالماء ، لما شربته من الماء قرابة 2 لتر ، نظرا للعطش الشديد ، لارتفاع درجات حرارة ذلك اليوم الآبي ( نسبة لشهر آب ) من الصيف الفلسطيني الحار ، فاصطحبت زوجتي وابنتي الصغرى أمل وعودنا بيمن الله ورعايته لمكان السكن في عزموط ، حيث وصلنا عند الساعة 12 منتصف الليل .

شد الرحال الإسلامي للصلاة بالمسجد الأقصى هل هي عبادة أم سياحة دينية ؟
تعتبر مسيرة الزحف الإسلامي العربي الفلسطيني المقدس تجاه المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس المحتلة في قلب فلسطين ، مسيرة دينية بإمتياز ، ولكنها تحمل صفة السياحة الاقتصادية التي تدر الدخل الوفير على شركات الباصات والمركبات العمومية وأصحاب المحلات التجارية ومحطات الوقود في الضفة الغربية عموما وفي مدينة القدس حاضرة فلسطين الأبدية خصوصا ، لما ينفقه المؤمنون خلال هذه الرحلة الإيمانية المقدسة ، وقضاء أوقات سعيدة في جنبات المسجد الأقصى المبارك . وإذا كانت قوات الاحتلال الصهيوني تريد تسخير هذه المسيرة الدينية الإسلامية لصالحا سياسيا وإعلاميا ودعائيا واقتصاديا ، فإنها تحمل في ثناياها الإخلاص لفلسطين ، وحضور قدسية المسجد الأقصى المبارك في أذهان جميع المسلمين في الديار الفلسطينية ، من الناقورة شمالا ، حتى إيلة بالنقب جنوبا ، وحتى أريحا شرقا وعكا وحيفا ويافا وعسقلان وغزة ورفح غربا ، إذ يلتقى ابناء الشعب العربي الفلسطيني المسلم في المسجد الأقصى المبارك ، في أيام عابرة من شهر الخير والبركة ، فيتناقشون في بعض شؤون حياتهم العمومية والخصوصية .
وإقتصاديا ، يبلغ متوسط الإنفاق الفردي الفلسطيني على النقل والمواصلات ، يوميا في كل جمعة ، على رحلة شد الرحال للمسجد الأقصى المبارك ، في شهر رمضان المبارك لعام 1433 هـ / 2012 م ، بما يعادل 20 دولارا ، ليتضاعف الرقم جماعيا لمليوني دولار في الجمعة الأولى بواقع ( 20 دولار × 100 الف مصل ) ، وخمسة ملايين دولار بالجمعة الرمضانية الثانية بواقع (  20 دولار × 250 ألف مصل مسلم ) وسبعة ملايين دولار بالجمعة الرمضانية الثالثة بواقع ( 20 دولار  × 350 الف مصل ) ، و 10 ملايين دولار بالجمعة الرابعة بواقع ( 20 دولار ×  500 ألف مصل ) ومثلها بليلة القدر والجمعة الرمضانية الخامسة قبل يوم عيد الفطر السعيد . هذا عدا عن التكاليف المالية التي يدفعها المصلون في حالتي الذهاب والإياب إلى المسجد الأقصى المبارك من محافظة القدس والقرى والمخيمات المجاورة في أيام شهر رمضان الأخرى .
وبلغة الأرقام فإن تكاليف النقل المتوقعة في رحلة شد الرحال الإسلامي الفلسطيني الداخلي من فلسطين الكبرى ( الزحف الإسلامي المقدس ) ، صوب المدينة المقدسة وخاصة المسجد الأقصى المبارك يصل إلى أكثر من 100 مليون دولار خلال شهر واحد ، هذا عدا عن التكاليف الشرائية من الأطعمة والأغذية ، من الأفراد والجماعات ، التي تقدر بمائة مليون دولار أخرى ، وما تحمله معها من تنشيط الاقتصاد الفلسطيني بصورة مباشرة ، وتعظيم الاقتصاد اليهودي في فلسطين المحتلة من الجانب الآخر بسبب تبعية الاقتصاد الفلسطيني للاقتصاد الصهيوني .
ودينيا وسياسيا ، فلا ننسى ، إن الحملة الدينية الإسلامية الفلسطينية المتعاظمة لرعاية المسجد الأقصى المبارك وزيارته وعبادة الله فيه ، تعمل على زيادة الترابط الروحي والبدني بأرض الإسراء والمعراج ، فتعطي البرهان تلو الآخر ، أن القدس هي حاضرة فلسطين الأبدية الخالدة ، في الماضي والحاضر والمستقبل ، مهما اتخذت قوات الاحتلال الصهيوني من إجراءات مدنية وعسكرية لفصل القدس المحتلة عن الجسد الجغرافي والبشري الفلسطيني .

أسباب سماح الاحتلال الصهيوني بالصلاة بالمسجد الأقصى المبارك

لجأت قوات الاحتلال الصهيوني ، بزعامة حكومة تل أبيب ، إلى فتح المجال أمام فئات عمرية مفتوحة للنساء ( جميع الفئا العمرية بعد الجمعة الرمضانية الثانية ) وفئات معينة للرجال فوق الخمسين عاما بلا تصاريح دخول ، وفوق سن الأربعين عاما بتصاريح دخول عبرية ، في أيام الجمع الرمضانية ، بشهر رمضان المبارك 1433 هـ / 2012 م ، لعدة أسباب من أهمها :
أولا : التغني بالمظاهر الدعائية الإعلامية الصهيونية لتقليل الانتقادات الدولية للإجراءات اليهودية ضد المسلمين من أهل فلسطين المباركة .
ثانيا : تفريغ الاحتقان الديني والاجتماعي والسياسي والثقافي الإسلامي والوطني ضد الاحتلال الصهيوني الذي يعيث فسادا وإفسادا ضد المواطنين الأصليين في فلسطين .
ثالثا : محاولة فك المقاطعة الوطنية والإسلامية للانتاج الصهيوني ، وخاصة أن مدينة القدس بعيدة عن التحكم الفلسطيني المؤثر ، وبالتالي تنظر حكومة تل أبيب لتنشيط السياحة لمدينة القدس المخنوقة من جميع الجهات .
رابعا : الإعداد الاستراتيجي لإدخال سوائب وقطعان المتطرفين اليهود لساحات المسجد الأقصى المبارك ، والترويج لخطط تقسيم الحرم القدسي الشريف بين المسلمين واليهود كما حصل في التقسيم العسكري اليهودي للحرم الإبراهيمي الشريفي في مدينة الخليل جنوبي الضفة الغربية المحتلة منذ مجزرة 25 شباط عام 1994 .
خامسا : جس نبض الشعب الفلسطيني ، بمدى تمسك الفلسطينيين بالمسجد الأقصى المبارك ، من ناحية ، ومعرفة التوجهات الدينية الإسلامية الفلسطينية ، قبل التوجهات الجهنمية الصهيونية الخبيثة لتنفيذ مسألة تقسيم المسجد الأقصى المبارك .

كلمة أخيرة .. تعاظم حب الله ثم رسول الله والأقصى في نفوس المسلمين الفلسطينيين
إن إجراءات ذهاب المؤمنين من المسلمين ، للصلاة في المسجد الأقصى المبارك ، فرادى وجماعات ، وخاصة في أيام الجمع ، هي إجراءات عسكرية تتحكم بها قوات الاحتلال الصهيوني ، فلا يستطيع أهل فلسطين شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك ، إلا وفق ما تقرره قوات الاحتلال اليهودي ، التي تبتز وتستفز المواطنين الفلسطينيين حتى في عباداتهم وصلواتهم وأداء الشعائر والطقوس الدينية ، عبر التحكم بالمعابر ونقاط التفتيش الثابتة والطارئة ، والوقوف المحكم على بوابات المسجد الأقصى المبارك والإنتشار الأمني والعسكري المكثف في شوارع البلدة القديمة ، من المدينة المقدسة . ولا يمتلك المصلي المسلم الفلسطيني ، الحرية الكاملة في الذهاب والإياب من وإلى البيت الإسلامي المقدس بالقدس الشريف .
وغني عن القول ، إن قوافل المسلمين الصباحية المتجهة صوب المسجد الأقصى المبارك ، والقوافل المسائية الراجعة إلى بيوتها ، تدلل على مدى إتساع الصحوة الإسلامية في الأرض المقدسة ، والعودة لدين الله القويم ، وهو الإسلام العظيم ، من أفراد الطائفة المنصورة في الديار الفلسطينية ، وكذلك مدى حب أهل فلسطين العظيم  لله سبحانه وتعالى خالق الخلق أجمعين ، وحبهم الكبير لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، ورغبة منهم في التقرب إلى الله ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا رغم المشكلات والمعوقات والمنغصات والإجراءات القمعية اليهودية الصلفة .
ويبرز مدى الاهتمام الإسلامي الفلسطيني بالزحف المقدس ، بالمركبات الخصوصية والعمومية والحافلات الصغيرة والكبيرة ، تجاه المسجد الأقصى المبارك ، كيوم من أيام الجمع الشاهدة والمشهودة ، عبر القوافل الآتية والذاهبة ، وتكبد مشاق السفر في شهر رمضان الفضيل ، شهر العفو والرحمة والمغفرة ، لتسجيل صفحات تاريخية ناصعة البياض في سجل شد الرحال المقدس نحو البيت المقدس .
والله نسأل أن يحرر فلسطين من ربقة الاحتلال اليهودي الصهيوني العبري البغيض وأن ينصر المستضعفين الفلسطينيين في الأرض ، أرض آبائهم وأجدادهم ، وأن يخرج الطارئين الظالمين الطغاة البغاة من ارض فلسطين وأن يجعلها خالصة للعرب والمسلمين وأصحابها الحقيقيين الأصليين ليتمكنوا من مواصلة الرباط والمرابطة على ثغور الإسلام العظيم ، في أرض الخلافة الإسلامية الراشدة الثانية ، المقبلة إن شاء الله العزيز الحكيم العلي العظيم ، في هذه الحياة الدنيا الفانية للانتقال للحياة الأخرى الباقية ، إنه على كل شيء قدير وإذا أردا شيئا أن يقول له كن فيكون .
وتعالوا بنا ندعو الله القريب مجيب الدعاء كما دعا إبراهيم الخليل عليه السلام :{ رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41) }( القرآن المجيد - إبراهيم ) .
وفي هذا الصدد ، لا بد من الإكثار من ترديد دعاء نبي الله نوح عليه السلام : { وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) } ( القرآن المجيد - نوح ) .
وندعو ونقول كما جاء بكتاب الله العزيز : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)}( القرآن المجيد – البقرة ) .
كما ندعو ونقول والله المستعان ، كما قال نبي الله شعيب عليه السلام ، كما نطقت الآيات القرآنية الكريمة : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد – هود ) .
نترككم في أمان الله ورعايته ، والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: