الجمعة، 24 أغسطس 2012

تجربتي بالزحف الإسلامي الفلسطيني المقدس بإتجاه الأقصى بالقدس المحتلة ( 2 - 5 ) الجمعة 8 رمضان 1433 هـ / 27 تموز 2012 م د. كمال إبراهيم علاونه


المسجد الأقصى المبارك في البلدة القديمة من القدس المحتلة
تجربتي بالزحف الإسلامي الفلسطيني المقدس
بإتجاه الأقصى بالقدس المحتلة ( 2 - 5  )
الجمعة 8 رمضان 1433 هـ / 27 تموز 2012 م
د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
رئيس مجلس إدارة شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس – فلسطين العربية المسلمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ : { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1) وَآَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا (2) ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا (3) وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآَخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8) إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) }( القرآن المجيد ، الإسراء ) .
المسجد الحرام والمسجد الأقصى المبارك
ويقول الله العلي العظيم عز وجل : { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (32) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (33) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ (35)}( القرآن المجيد – التوبة ) .
وجاء بصحيح البخاري - (ج 4 / ص 376) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى " .
إستهلال
بعد مشاورات سريعة بسيطة ، والاطلاع على شؤون الطريق العام والسفر نحو المسجد الأقصى المبارك ، بالقدس الشريف في الجمعة الرمضانية الماضية ، قررت أسرتنا الصغيرة ، أنا وزوجتي عطاف وابنتنا الصغرى امل الزهراء وشقيقتي الثانية فاطمة ( أم معتصم ) ، مساء يوم الخميس 7 رمضان 1433 هـ / 26 تموز 2012 م ، شد الرحال سوية نحو المسجد الأقصى المبارك بمدينة القدس العربية الفلسطينية المسلمة المحتلة بسيارة الأسرة الخاصة من صنع كوريا الجنوبية اشتريناها في 8 نيسان 2012 م وهي من طراز ( كيا فورتي موديل 2012 ) لأداء العبادة والطقوس والصلوات الإسلامية للجمع بين فريضتي الصوم والصلاة ، في الجمعة الرمضانية الثانية 8 رمضان 1433 هـ / 27 تموز 2012 م ، وأما الابن البكر هلال فإنه قرر البقاء في البيت بقريتنا عزموط بمحافظة نابلس ، لعدم تمكنه من دخول القدس المحتلة والصلاة بالمسجد الأقصى المبارك بسبب إجراءات الاحتلال اليهودي - الصهيوني الذي يمنع الشاب من سن ما دون 40 عاما من دخول القدس المحتلة والصلاة بالمسجد الإسلامي المقدس ( الحرم القدسي الشريف ) .
استيقظنا مبكرا في فجر ذلك اليوم المبارك من أيام رمضان الفضيل ، فقد تعودنا على الاستيقاظ عند الساعة الثالثة والنصف فجرا ، للاغتسال أولا ، كسنة من سنن يوم الجمعة حسب الشريعة الإسلامية الحنيفة ، ثم تناولنا طعام السحور الخفيف ، وكل واحد فينا له طلبات خاصة ومزاج مختلف عن الأخر في طعام السحور ، في ساعات السحر . فتناولت بعض حبات الفواكه ، من الخيار والآجاص والمانجو وحبة قطايف ، وقطعة من الكعك المسمسم و3 أكواب من الماء ، وتناولت زوجتي بعض أصناف الفاكهة ، وكوبا من الشاي وبعض أكواب الماء ، وكذلك حال ابنتي الصغرى أمل الزهراء ، التي تصوم شهر رمضان للمرة الثالثة على التوالي رغم أن عمرها صغيرا ( فهي من مواليد كانون الثاني 2004 ) . وهي تصوم وتصلي كالكبار بصورة فردية وجماعيا معي أو مع والدتها أو مع شقيقها الأكبر هلال . فهي الفتاة الصغيرة المؤمنة في البيت ، والتي نلقبها بأميرة البيت ، لصغر سنها ولطفها وذكائها وحبنا الكبير لها ، حيث نحبها حبا جما فهي تملأ علينا المنزل فرحا وسرورا بأحاديثها الطيبة وضحكاتها وطلباتها المتعددة وأوامرها وتعليماتها المبجلة .
استيقظت الطفلة النجيبة الناهضة أمل الزهراء ، التي حازت على مرتية ممتاز ( إمتياز ) بشهادتها المدرسية ، في جميع دروسها في الصف الثالث الأساسي العام الدراسي الماضي 2012 / 2012 م ، دون عناء يذكر ، لتناول طعام السحور كالغذاء المبارك ، فقد جهزت أغراضها ولباسها العام ولباس الصلاة الخاصة بالفتاة ( القطعتين العلوية والسفلية الفضفاضتين ) منذ ساعات مساء يوم الخميس ، وهذه فرصتها للعبادة والصلاة بالمسجد الأقصى المبارك والسياحة الدينية وشراء مستلزماتها الجديدة من أسواق القدس القديمة للمرة الثانية خلال عامين .
إقترب موعد أذان الفجر فأعددت نفسي للذهاب لمسجد قريتنا عزموط ( مسجد عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه ، لصلاة الفجر الجماعية ، خرجت من البيت مسرعا مرددا الأدعية النبوية الإسلامية ، وصليت ركعات النوافل ، 6 ركعات ( ركعتين تحية المسجد وركعتين سنة قبلية وركعتين صلاة الشكر اليومي التي أؤديها يوميا كالمعتاد ) ، ثم صلينا صلاة الفجر جماعية خلف إمام المسجد الشيخ جمال اشتية ، وسط حضور حاشد من المصلين من قرية عزموط كأيام الفجر والجمع الرمضانية بالشهر الكريم . وأمتلأ المسجد الجامع تقريبا ، على غير عادته في أيام الشهور العادية التي تسبق أو تلي شهر رمضان المبارك . بينما استقرت زوجتي عطاف وابنتنا أمل الزهراء في البيت حيث أديتا صلاة الفجر في الشقة العلوية من المنزل .
عدت مسرعا من صلاة الفجر بمسجد القرية ، واتجهت نحو المنزل ، وأثناء مروري بطريق العودة لحقني ابن شقيقي الكبير ( محمد جميل ) وسألني هل يوجد مكان لاثنين ( له ولوالدته ) بالسيارة فقلت له لا يوجد فالسيارة مكتملة العدد ( أنا وزوجتي عطاف وشقيقتي فاطمة وأمل الزهراء ) ولا يوجد سوى متسع لواحد وليس اثنين . كانت أمل تنتظرني وتفتش علي في ثنايا المنزل ، في الشقة العلوية والدرج والشقة السفلية ، وترقب عودتي بشغف كبير ، ناديتها من خلف البوابة الخارجية للبيت ، ونادتني بابا اين أنت ؟ فأنا أبحث عنك في جميع الغرف بالشقة الثانية وسطح المنزل ، فقلت لها كنت في المسجد وها أنا قد عدت ، فجهزي نفسك بسرعة للانطلاق نحو الأقصى العظيم . جددت وضوئي قبل الانطلاق ، ثم فتحت باب مرآب السيارة الخاصة تحت المنزل ، وشغلت السيارة ، ونزلت أمل ووالدتها وركبتا في السيارة وقبل ذلك اتصلت عبر الهاتف الجوال بشقيقتي الأصغر سنا مني وهي فاطمة ( أم معتصم ) التي تسكن بمخيم عسكر الجديد مع زوجها وأولاودها ، لتنتظرنا أمام مدخل المخيم الجنوبي ، جنوبي قرية عزموط على بعد 2 كم من منزلنا . قرأت دعاء السفر وبعض الآيات القرآنية المجيدة ، وخرجنا على بركة الله العزيز الحكيم ، في سبيل الله ، نحو القدس المقدسة والصلاة بأولى القبلتين ، بالمسجد الأقصى المبارك ، وكلنا أمل بأن المولى سيوفقنا . كانت الدنيا معتمة ، بظلام الليل ، فأضأت مصابيح السيارة ، وفتحت على القرآن الكريم بالسيارة من إذاعة القرآن الكريم ، ودعونا الله أن يسهل طريقنا للعبادة والصلاة وأن يسهل علينا جميعا صيام هذا اليوم المرتفع الحرارة .
وخلال مرورنا بالشارع العام ما بين محافظتي نابلس ورام الله ثم القدس ، وجدنا قوافل السيارات الخصوصية والعمومية والحافلات المضيئة ، التي تسابق بعضها البعض ، فقررت أن لا أجتاز عن اي سيارة إلا للضرورة القصوى ، وعدم الدخول في سباق السيارات الصباحي ، وحاولت الحفاظ على مسافة طويلة بيني وبين السيارة التي أمامي وتلك التي خلفي أيضا ، وكان من نصيبي حافلة كبيرة تسير أمامنا ، تنفث دخانها الكريه المتمثل بأول وثاني أكسيد الكربون المنبعث من احتراق الديزل ( السولار ) المؤذي ولكن سرب السيارات الأمامي المنظور لم يمكنني من التجاوز الآمن فقررت أن لا أتجاوز عن هذه الحافلة ذت الدخان النتن الرائحة ؟ وصلنا لمنطقة عيون الحرامية ، قبل مفرق جامعة بير زيت بعدة كيلو مترات ، غربي بلدة سلواد بمحافظة رام الله ، وما أدهشي وشدني كثيرا ، هو تجاوز السيارات العمومية والباصات الكبيرة عن بعضها البعض بصورة جنونية ، غير آمنة وغير محمودة العواقب ، فقد شاهدت ثلاثة اسرب من السيارات تتجاوز عن بعضها البعض في طلعة عيون الحرامية الجنوبية باتجاه مدينة رام الله ، قبل المستوطنة اليهودية التي تقبع على يسار الشارع الرئيسي ، فقررت تخفيف السرعة بشكل كبير ، والسماح لمن يريد التجازو أن يسابق غيره ، ونأيت بنفسي عن هذا السباق الصباحي غير المحمود ، مع تخوفي من حدوث تصادم بين السيارات القادمة شمالا والمتجهة جنوبا ، ولكن الله سلم في هذه المرة . لم يكن الوقت يتجاوز في ذلك الأوان الساعة السادسة والنصف من صباح يوم الجمعة المبارك 8 رمضان 1433 هـ / 27 تموز 2012 م .
واصلت السير بمركبتنا الحديثة ، بيمن الله ورعايته ، حتى وصلنا معبر قلنديا ، من الجهة الشرقية الجنوبية ، وبحثت عن مكان لإيقاف المركبة ، فوجدت مكانا نائيا عن المعبر العسكري الصهيوني . ونزلنا أربعنتا ( 3 نساء - زوجتي وشقيقتي وابنتي وأنا . أقفلت شبابيك وأبواب السيارة الأربعة إلكترونيا ، وسرنا باتجاه المعبر ، فشككت أنني أغلقت جميع شبابيك السيارة ، وذلك على بعد 1 كم ، ثم عدت أدراجي ، نحو السيارة للتأكد من إغلاقها ، فالمنطقة التي تتوقف بها جميع السيارات معرضة للسرقة الكلية أو الجزئية حسب ما هو متعارف عليه بين الجميع لوجود عصابات المافيا التي تعتدي على حرمة بعض السيارات في ظل حماية الاحتلال الصهيوني قرب معبر قلنديا . فلاقانا أحد معارفي المتدينين ، وقال لي يا د. كمال الجميع متجه صوب المعبر ، وأنت متجهة خارج المعبر ، ماذا جرى ، فقلت له لقد شككت بإغلاق ابواب وشبابيك السيارة الإلكتروني وسالحق بكم ، إن شاء الله تعالى ، بعد التأكد من ذلك . فقال خيرا إن شاء الله .
تأكدت من إغلاق جميع أبواب وشبابيك المركبة ، ثم عدت متجها نحو قسم المعبر المخصص للرجال ، فوجدت الأمر سهلا ، وخاصة أن الساعة لم تكن وصلت السابعة صباحا .
اجتزت حواجز وأسلاك ومعاطات المعبر الصهيونية اليدوية والإلكترونية ، وذلك بعد إبراز بطاقة هويتي ، أمام جنود ومجندات جيش الاحتلال الصهيوني ، في ظاهرة أثارت اشمئزازي واستفزازي ، فهؤلاء الغرباء الطارئين هم من يتحكمون بدخولنا للقدس المحتلة ، بأوامر عسكرية ورسمية عليا من حكومة الاحتلال الصهيوني في تل أبيب .
قرفت من رائحة المعبر المليئة بالقاذورات والأوساخ من فضلات بشرية سابقة ، ومن الأسلاك الشائكة ، ومن كثرة المداخل الفرعية والجانبية ، ومن كثرة جنود الاحتلال اليهودي من ذوي الأعمار المختلفة : الشباب والكهول ، الذكور والإناث ، ، المدججين بالأسلحة الرشاشة ، وآلات التفتيش الإلكترونية المتنقلة والثابتة ، فبدت منطقة معبر قلنديا المحاطة بسور أو جدار اسمنتي يهودي مرتفع لحوالي 6 أمتار ، بؤرة عسكرية ممتلئة بميسرة المصلين . إجتزت معبر قنلديا ذاكرا الله عز وجل كثيرا ، مستخدما مسبحتي الخاصة ذات أل 99 حبة صغيرة خضراء مضيئة ، فرن هاتفي الجوال ، بمكالمة هاتفية من زوجتي ، اين أنت يا ابو هلال ؟ أخبرتها أنني سأصل عندها خلال دقائق معدودة ، وطلبت منهن انتظاري من الجهة الجنوبية من المعبر . وبالفعل بعد نحو خمس دقائق وصلت لعند زوجتي واختي وابنتي ، حيث استغرقت عملية إجتياز المعبر 15 دقيقة تقريبا ، لأنه لا يوجد زحام شديد على الدخول في ساعات الصباح الباكر .
فوجئت بوجود اكتظاظ بشري كبير في الجهة الجنوبية من معبر قلنديا ، فالناس يعدون بالآلاف ولا يوجد حافلات مقدسية ذات لوحات صفراء لتوصلهم وسط المدينة المقدسة بالقرب من المسجد الأقصى المبارك . فقلت في نفسي ساق الله على ايام زمان حيث كنت وأسرتي أذهب للصلاة بالمسجد الأقصى ونوقف السيارة غير بعيد على بعد مئات الأمتار فقط ، عن بوابات الأقصى الشمالية . إنتظرنا نحو 30 دقيقة لنتمكن من دخول إحدى الحافلات الكبيرة وسط تدافع الناس ، للصعود بالباص ، ثم تمكنا اربعتنا من الركوب بحافلة واحدة ، بعد جهد جهيد ، ولكن وقوفا ، فلما صعدنا الباص ، قام راكبين وأجلسوا زوجتي واختي في مقعدين متقاربين ، وجلست أمل الزهراء على حضن أمها وبقيت أنا واقفا لمتابعة الرحلة الإيمانية المقدسة . وأسرع الباص بنا ، ليتمكن من نقل ركاب جدد أخرين ، وطلب السائق من بعض الشباب التبرع وجمع أجرة الركوب 6.5 شيكل أو 7 شيكل إسرائيلي ، فدفعنا لأحد الشباب الأجرة ، وأثناء ذلك سقطت مسبحتي من يدي ، ولم أتمكن من تناولها بسبب الاكتظاظ الشديد في الحافلة ، حيث استوعبت في داخلها أكثر من 80 راكبا ، علما بأن الحمولة الطبيعية القانونية المسموحة 50 راكبا ، وذلك وسط مراقبة شرطة الاحتلال اليهودي ، ويبدو ان الأمر طبيعي في مثل هذه المناسبات الدينية الخاصة ، خاصة في شهر رمضان المبارك ، وتوجه عشرات الالاف من المصلين الصائمين المسلمين في مسيرة القدس الدينية الرمضانية في ايام الجمع فقط بوقت متقارب ، وفقا لما تقرره قيادة قوات الاحتلال اليهودي ، وتتحكم بشؤون المسلمين بالمدينة المقدسة والمسجد الأقصى المبارك ، إن الوضع غير طبيعي ، فالصهاينة يتحكمون بعملية الدخو لوالخروج من ,إلى القدس الفلسطينية العربية المسلمة .
نزلنا من الباص كبقية الركاب ، في محطة الباصات المركزية بوسط القدس الشرقية ، المحتلة عام 1967 ، واتجهنا شرقا صوب المسجد الأقصى المبارك ، بالبلدة القديمة ، على بعد عدة كيلو مترات من محطة الباصات ، فالحافلات لا يمكنها الاقتراب من المسجد لصعوبة ذلك ، وأوامر قوات الشرطة الصهيونية تقضي بالنزول بعيدا عن أبواب المسجد الأقصى المبارك . لقدكانت مسيرة صباحية مليئة بالهمة والنشاط والحيوية الإيماني ، إلا أنها بعيدة متعبة وخاصة على النساء ، وسالت طفلتي أمل الزهراء البالغ عمرها ثماني سنوات ونصف ، هل تعبت يا ابنتي ؟ فأجابت نعم تعبت ، فقلت لها هل أحملك بين يدي ؟ فرفضت ذلك .
مشينا وسط فرحة وحزن متناقضين :فرح وسرور لقدوم أربعتنا للصلاة والعبادة بالمسجد الأقصى المبارك ، وحزن لعدم تمكننا من اصطحاب ابني البكر الصحفي هلال للصلاة معنا بهذا المسجد الإسلامي العالمي الثالث في ارض وطننا فلسطين ، ارض الآباء والأجداد ، وذلك بسب حظر قوات الاحتلال الصهيوني لفئات الشباب من دخول القدس عامة والمسجد الأقصى خاصة ، رغم التصريحات والإذونات والتسهيلات اليهودية المزعومة ، إنها سياسة الاحتلال الصهيوني في تعذيب ابناء شعب فلسطين وحرمانهم من أرضهم وحرية ممارسة العقيدة الدينية . بعد مسيرة استمرت نحو 30 دقيقة ، ما بين محطة الباصات المركزية وسط القدس الشرقية ، وبوابات المسجد الأقصى الشمالية ( باب فيصل ) ، ولجنا للساحة الشمالية للبيت المقدس ، واتجهنا لتجديد الوضوء كل على حدة ، واتفقنا على اللقاء في صحن قبة الصخرة المشرفة بعد الانتهاء من الوضوء ، ثم اتفقنا لاحقا على الالتقاء بعد صلاة الجمعة في المكان ذاته ، في ظل إحدى الخيم السوداء المنصوبة شمالي مسجد قبة الصخرة المشرفة .
اتجهت للعبادة والصلاة في المسجد القبلي ، وهو البناء القديم المسقوف ، بالمسجد الأقصى المبارك ، وبقيت قريباتي الثلاث ( زوجتي وابنتي وشقيقتي ) للصلاة والعبادة في صحن قبة الصخرة المشرفة . لقد تحققت أمنية من أمنياتنا في الصلاة بالمسجد الأقصى المبارك ، في شهر رمضان الفضيل ، شهر الخير والبركة والعفو الرباني والغفران ، ومحو الذنوب والسيئات ، ومضاعفة الحسنات بأضعاف مضاعفة بإذن المولى عز وجل .
بوابات المسجد الأقصى المبارك
دخلت المسجد الأقصى المبارك ، الذي أحبه كثيرا ، وأتردد عليه كثيرا كلما سنحت لي الفرصة بذلك ، وقلبي مطمئن بالإيمان ، الذي رزقنيه الله إياه منذ عشرات السنين ، منذ جئت ووعيت على هذه الدنيا الفانية ، ومصمم على متابعة العبادة ، في أقدم بقعة مقدسة ، بفلسطين المباركة . وفقا للآية القرآنية المجيدة : { وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ }( القرآن المجيد - القصص ) .
لماذا نفضل كمؤمنين العبادة والصلاة بالمسجد الأقصى المبارك ؟
يقول الله الحي القيوم جل شأنه : { { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (1)}( القرآن المجيد – الإسراء ) . وجاء في سنن أبي داود - (ج 2 / ص 44) عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ : " ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ وَكَانَتْ الْبِلَادُ إِذْ ذَاكَ حَرْبًا فَإِنْ لَمْ تَأْتُوهُ وَتُصَلُّوا فِيهِ فَابْعَثُوا بِزَيْتٍ يُسْرَجُ فِي قَنَادِيلِهِ " .
وورد في رواية أخرى ، بمسند أحمد - (ج 56 / ص 159) أَنَّ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ : " أَرْضُ الْمَنْشَرِ وَالْمَحْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ قَالَتْ أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَهُ قَالَ فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ " .
مهما يكن من أمر ، هناك العديد من الأسباب والعوامل التي تجعلنا ، معشر المسلمين في فلسطين ، أن نتجه من جميع الجهات الفلسطينية الشماليةوالجنوبية ، الشرقية والغربية ، من المدن والقرى والمخيمات والمنافي والشتات والمهاجر ، للصلاة بالمسجد الأقصى المبارك ، لعل من ابرزها وأدقها :
أولا : إرتياد مكان الإسراء والمعراج النبوي ( محمد صلى الله عليه وسلم ) على دابة البراق الأبيض ، بصحبة أمين وحي السماء جبريل عليه السلام ، وإمامة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، بجميع الأنبياء والمرسلين ، بالمسجد الأقصى المبارك بالقدس المقدسة ، في أولى القبلتين .
جاء بصحيح مسلم - (ج 1 / ص 385) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ قَالَ فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ قَالَ فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِطُ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ قَالَ ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ بِي وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِابْنَيْ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِي إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِيَ شَطْرَ الْحُسْنِ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قَالَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ { وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِي بِخَيْرٍ ثُمَّ عَرَجَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِي إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلَالِ قَالَ فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِيَ تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلَاةً قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَإِنِّي قَدْ بَلَوْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّي فَقُلْتُ يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِي فَحَطَّ عَنِّي خَمْسًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ حَطَّ عَنِّي خَمْسًا قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لَا يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ قَالَ فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَام حَتَّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلَاةٍ عَشْرٌ فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلَاةً وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً قَالَ فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّي حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ " .
ثانيا : تلبية لدعوة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم لزيارة المسجد الأقصى المبارك والصلاة فيه ، صلوات الفرائض والنوافل على السواء ما أستطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا . جاء في صحيح البخاري - (ج 4 / ص 376) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى " .
كما جاء بصحيح البخاري - (ج 4 / ص 388) عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ سَمِعْتُ قَزَعَةَ مَوْلَى زِيَادٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُحَدِّثُ بِأَرْبَعٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَعْجَبْنَنِي وَآنَقْنَنِي قَالَ : " لَا تُسَافِرْ الْمَرْأَةُ يَوْمَيْنِ إِلَّا مَعَهَا زَوْجُهَا أَوْ ذُو مَحْرَمٍ وَلَا صَوْمَ فِي يَوْمَيْنِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ وَلَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي " .
ثالثا : إحياء سنن الأنبياء والمرسلين في عمارة المسجد الأقصى المبارك ، أولى القبلتين وثاني المسجدين ( المسجد الحرام والمسجد الأقصى ) . ورد بصحيح مسلم - (ج 1 / ص 403) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْرَايَ فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لَمْ أُثْبِتْهَا فَكُرِبْتُ كُرْبَةً مَا كُرِبْتُ مِثْلَهُ قَطُّ قَالَ فَرَفَعَهُ اللَّهُ لِي أَنْظُرُ إِلَيْهِ مَا يَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُهُمْ بِهِ وَقَدْ رَأَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَإِذَا مُوسَى قَائِمٌ يُصَلِّي فَإِذَا رَجُلٌ ضَرْبٌ جَعْدٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ وَإِذَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَام قَائِمٌ يُصَلِّي أَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِيُّ وَإِذَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام قَائِمٌ يُصَلِّي أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفْسَهُ فَحَانَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَمْتُهُمْ فَلَمَّا فَرَغْتُ مِنْ الصَّلَاةِ قَالَ قَائِلٌ يَا مُحَمَّدُ هَذَا مَالِكٌ صَاحِبُ النَّارِ فَسَلِّمْ عَلَيْهِ فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ فَبَدَأَنِي بِالسَّلَامِ " .
رابعا : مضاعة الأجر والثواب الرباني للعبادة والصلاة لرب العالمين . فأجر الصلاة والعبادة بالمسجد الأقصى المبارك بمئات وآلاف الأضعاف المضاعفة ، وذلك حسب تعدد روايات الأحاديث النبوية الشريفة ، فكل ركعة أو صلاة أو عبادة يتم مضاعفة أجرها وثوابها عند الله الغني الحميد بما يتراوح ما بين 500 مرة و750 مرة ، و1000 مرة ، و50 ألف مرة والحسنة بعشر أمثالها ، إلى سبعمائة ضعف لهذه المضاعفات الثوابية السابقة .
يقول الله الواحد القهار : { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264) }( القرآن المجيد - البقرة ) .
جاء بسنن ابن ماجه - (ج 4 / ص 328) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا " . وجاء سنن ابن ماجه - (ج 4 / ص 333) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجَمَّعُ فِيهِ بِخَمْسِ مِائَةِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِي بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ " .
خامسا : الدفاع والذود عن حمى الأقصى الأسير الحزين ، الذي يئن أنين الجريح المثخن بالجراح ، تحت حراب المحتلين اليهود الصهاينة . فهناك خطط وبرامج حزبية ورسمية صهيونية للاستيلاء على المسجد الأقصى المبارك ، ويعتدي المتطرفون اليهود على حرمة هذا المسجد الإسلامي الثالث بالقداسة على المستوى العالمي ، بين الحين والآخر بحراسة عسكرية وأمنية مشددة . ويمارس هؤلاء المتطرفين في أعيادهم ومناسباتهم الرقص واللعب ومماارسة الشعائر والطقوس الدينية اليهودية التوراتية والتلمودية في باحات المسجد الأقصى المبارك ، حيث يعتبر ذلك إعتداء صارخا على أماكن العبادة الإسلامية في فلسطين المباركة . فالرعب الإسلامي الذي يحققه الزحف المقدس في مسيرة النفير الإسلامي الرمضاني العظيم يثبت للمحتلين اليهود الصهاينة وأمثالهمن الكفار والمنافقين ، الجمعة تلو الجمعة ، ورمضان تلو رمضان ، حينما يتمكن المسلمون من تحقيق أمنياتهم في زيارة المسجد الأقصى المبارك ، أن للمسجد الأقصى المبارك رب يحميه ، وأن الشعب الفلسطيني بالجموع الإيمانية الزاحفة فجرا حتى ساعات ما قبل الظهيرة لن يتوانى عن دك حصون وأسوار الجدران الاسمنتية اليهودية إذا لزم الأمر ، مهما غلت وارتفع عدد الضحايا والتضحيات النفسية والعينية والمالية .
يقول الله السميع البصير جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152) إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) }( القرآن المجيد - آل عمران ) .
وفي هذا المجال جاء في صحيح البخاري - (ج 2 / ص 58) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ وَأُحِلَّتْ لِي الْمَغَانِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ وَكَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ عَامَّةً " .
وفي رواية أخرى ، جاء بصحيح مسلم - (ج 3 / ص 107) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَلَمْ تُحَلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ " . وفي رواية غيرها بمسند أحمد - (ج 6 / ص 138) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ نَبِيٌّ قَبْلِي وَلَا أَقُولُهُنَّ فَخْرًا بُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً الْأَحْمَرِ وَالْأَسْوَدِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ وَلَمْ تَحِلَّ لِأَحَدٍ قَبْلِي وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ فَأَخَّرْتُهَا لِأُمَّتِي فَهِيَ لِمَنْ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا " .
وفي رواية سواها ، مسند أحمد - (ج 14 / ص 309) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ غَزْوَةِ تَبُوكَ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يُصَلِّي فَاجْتَمَعَ وَرَاءَهُ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَحْرُسُونَهُ حَتَّى إِذَا صَلَّى وَانْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ لَهُمْ : " لَقَدْ أُعْطِيتُ اللَّيْلَةَ خَمْسًا مَا أُعْطِيَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي أَمَّا أَنَا فَأُرْسِلْتُ إِلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ عَامَّةً وَكَانَ مَنْ قَبْلِي إِنَّمَا يُرْسَلُ إِلَى قَوْمِهِ وَنُصِرْتُ عَلَى الْعَدُوِّ بِالرُّعْبِ وَلَوْ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ مَسِيرَةُ شَهْرٍ لَمُلِئَ مِنْهُ رُعْبًا وَأُحِلَّتْ لِي الْغَنَائِمُ آكُلُهَا وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ أَكْلَهَا كَانُوا يُحْرِقُونَهَا وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسَاجِدَ وَطَهُورًا أَيْنَمَا أَدْرَكَتْنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ وَكَانَ مَنْ قَبْلِي يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانُوا يُصَلُّونَ فِي كَنَائِسِهِمْ وَبِيَعِهِمْ وَالْخَامِسَةُ هِيَ مَا هِيَ قِيلَ لِي سَلْ فَإِنَّ كُلَّ نَبِيٍّ قَدْ سَأَلَ فَأَخَّرْتُ مَسْأَلَتِي إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَهِيَ لَكُمْ وَلِمَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " .
المسجد الأقصى المبارك في البلدة القديمة من القدس المحتلة
فبمسيرة الشهر الرمضاني الإسلامي المقدس يحسب الأعداء ألف حساب وحساب لحالة النفير الإسلامي الفلسطيني في حالاته الدنيا والوسطى والقصوى . وبهذا ينتصر المسلمين في شهر رمضان بالسنة كلها مسيرة شهر بل مسيرة زمنية تمتد لسنة لاحقة ، لترهيب الأعداء من تنفيذ المكائد والمؤامرات الخبيثة الدنيئة ضد المسجد الأقصى المبارك .
سادسا : تحقيق والأمن والاستقرار النفسي والاجتماعي للنفس والأسرة . يقول الله السلام المؤمن المهيمن عز وجل : { الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) }( القرآن المجيد - الرعد ) .
سابعا : تحبيب الأجيال الصغيرة من الأطفال والغلمان والفتيان والفتيات في زيارة المسجد الأقصى المبارك ، وزرع بذور الحب الإسلامي لهذه البقعة المباركة ، لتجديد المسيرة الإسلامية المباركة في الديار الفلسطينية .
ثامنا : الإيمان باليوم الآخر ( يوم الدين ) : زيارة المنطقة الربانية التي ستتم فيها محاسبة الله لجميع الخلائق من الأمم السابقة والحالية واللاحقة ، فبقعة المسجد الأقصى المبارك هي أرض المحشر والمنشر ، ومحاسبة جميع الخلائق من الكائنات الحية لأن الله العزيز القادر القدير مالك يوم الدين . يقول الله الواحد الأحد عز وجل : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }( القرآن المجيد - الفاتحة ) .
ويقول الله ذو الجلال والإكرام جل جلاله : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)}( القرآن المجيد - البقرة ) .
وورد في سنن ابن ماجه - (ج 4 / ص 325) عَنْ مَيْمُونَةَ مَوْلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَالَ : " أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِي غَيْرِهِ قُلْتُ أَرَأَيْتَ إِنْ لَمْ أَسْتَطِعْ أَنْ أَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ قَالَ فَتُهْدِي لَهُ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ كَمَنْ أَتَاهُ " .
تاسعا : السياحة الدينية بإتجاه الأماكن الإسلامية المقدسة ، وتفضليها على المناطق السياحية الأثرية والطبيعية في البلاد .
عاشرا : التأكيد الإيماني الإسلامي الراسخ عبر النفير العظيم بأن الرسالة الإسلامية هي خاتمة الرسالات السماوية قاطبة .
يقول الله السميع العليم جل جلاله : { قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91)} ( القرآن المجيد - آل عمران ) .
وورد في صحيح مسلم - (ج 3 / ص 109) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " فُضِّلْتُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بِيَ النَّبِيُّونَ " .
حادي عشر : إستعراض قوة الطائفة المنصورة في فلسطين ، في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس أمام الأعداء المتربصين بالمسجد الأقصى الدوائر عليهم دائرة السوء .
يقول الله الحي القيوم جل جلاله ، ناصر المستضعفين في الأرض المقدسة : { وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ (6) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (7) يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12) وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (13)}( القرآن المجيد - الصف ) .
كما ورد بمسند أحمد - (ج 45 / ص 281) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ ، وَهُمْ كَذَلِكَ . قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَأَيْنَ هُمْ ؟ قَالَ : بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ " .
الجمع بين الرباعية الإسلامية المقدسة
عندما يتوجه المسلم أو المسلمة لزيارة بالمسجد الأقصى المبارك ، في الأيام العادية ، فهو يستجيب لدعوة الله سبحانه وتعالى لتقديس البيت المقدس ببيت المقدس ( المدينة المقدسة - قدس الأقداس ) بالأرض المقدسة ( فلسطين ) . وعندما يصلي المسلم أو المسلمة بالمسجد الإسلامي العالمي الثالث بالأجر والثواب ، والمسجد الثاني بناء ، والمسجد الأول كقبلة أولى للأمة المسلمة قبل أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وخاتمة الرسالات السماوية ، فإنه ينال ثواب الصلاة المضاعف إلى سبعمائة ضعف ، فألف ضعف ، فخمسين آلف ضعف من الثواب . وحالما يصلي المسلم أو المسلمة بالمسجد الأقصى المبارك ، في شهر رمضان الفضيل ، فإن الثواب يتضاعف مئات بل عشرات آلاف المرات . والمشي أو التنقل البري للمسجد الأقصى المبارك ، مثلما هو حال جميع الفلسطينيين المسلمين المصلين بالمسجد الأقصى المبارك من شتى بقاع الأرض المقدسة ( فلسطين ) فإن هذا الانفاق في الجهد والمال هو إنفاق في سبيل الله لنيل رضى الله سبحانه وتعالى . وعندما يتوجه المسلمون للمسجد الأقصى المبارك ، بالمدينة المقدسة فإنهم يعملون على حماية بيت الله المقدس ، كنوع من أنواع المرابطة على الثغور ، والجهاد في سبيل الله ، وذلك لأن ذورة سنام الإسلام هو الجهاد في سبيل الله العلي العظيم لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى . وبالتالي يجمع المرء المسلم ، ذكرا أو أنثى ، ثواب الرباعية الإسلامية المقدسة ( الصلاة والصيام والإنفاق والجهاد في سبيل الله ) في مضاعفات ربانية كثيرة لجميع الخلائق الذين يرتادون هذه البقعة المقدسة من العالم .
وغني عن القول ، إن الجمع بين العبادات الأربع ( الصلاة والصيام والإنفاق الحلال للتنقل والصدقات والجهاد في سبيل الله ) هو توفيق وتيسير وتسهيل من الله العلي العظيم عز وجل ، لعباده المؤمنين المتقين الأبرار الأخيار ، وهو تحد لقوات الاحتلال الصهيوني ، وإبراز لمظاهر المنعة والشوكة الإسلامية المدنية والعسكرية والأمنية الفلسطينية أمام الأعداء المحتلين .
لماذا لا نصلي صلاة الفجر بالمسجد الأقصى المبارك ؟
يتوق معشر المصلين المسلمين في الأرض المقدسة ومشارق الأر ضومغاربها ، لتأدية أكبر عدد ممكن من الصلوات اليومية أو الموسمية في المسجد الأقصى المبارك بالأرض المقدسة ، ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا ، وخاصة في أيام الجمع المباركة ، ولكن الاحتلال الصهيوني يضع الحواجز والعراقيل العسكرية والأمنية المنتشرة في جميع المحافظات الفلسطينية بفلسطين الكبرى .
ففي ايام الجمع الرمضانية مثلا لا يتمكن السواد الأعظم من المسلمين الفلسطينين الراغبين في أداء الصلاة بالمسجد الأقصى من دخول المدينة المقدسة في ساعات الفجر الأولى ، وخاصة البلدة القديمة التي تحتضن المسجد الأقصى المبارك .
ويفتتح الاحتلال الصهيوني معبر قلنديا العسكري وسط الضفة الغربية المحتلة ، بعد صلاة الفجر ، ثم يغله ثم يفتحه حتب المزاج اللعين ، وبذلك لا يتمكن المصلون المسلمون ممن أتوا في الهزيع الأخير من الليل من دخول القدس الشريف ، قبل رفع أذان الفجر حسبما افاد الكثير من المواطنين الذين جاؤوا من محافظة نابلس أو رام الله .
وقال لي أحدهم من إحدى قرى نابلس وعمره نحو خمسين عاما : أتيت عند الساعة الثانية فجر يوم الجمعة لتناول السحور وأداء صلاة الفجر بالمسجد الأقصى المبارك فرفض جنود الاحتلال اليهودي فتح معبر قلنديا وإدخالنا إلا بعد إقتراب بزوغ أشعة الشمس ، وكذلك الحال تبقى بوابات القدس الكبرى مقفلة حتى ساعات الضحى من أيام الجمع للحيلولة دون دخول المصلين المسلمين من مختلف فئات الأعمار .
إنه الحرص الإسلامي على صلاة الفجر ، والعناد اليهودي في حظر دخول المؤمنين من الطائفة المسلمة المنصورة لباحات المسجد الأقصى المبارك ببيت المقدس .
4 صلوات في المسجد الأقصى المبارك ( الظهر والعصر والمغرب والعشاء )
يقول الله رب العالمين عز وجل : { مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (160) قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (161) قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163) قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (164) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)}( القرآن المجيد - آل عمران ) .
على أي حال ، يتمكن المسلمون الذين أتوا من مختلف محافظات فلسطين الكبرى ( الجليل والمثلث والنقب والساحل ، والضفة الغربية ما عدا قطاع غزة ) من أداء 4 صلوات بالمسجد الأقصى المبارك هي صلوات : الظهر والعصر والمغرب والعشاء ، في أيام الجمع الرمضانية وليلة القدر فقط وفق ما تحدده أجندة الاحتلال الصهيوني - اليهودي .
وهذه الصلوات الإسلامية تتم في جميع مساحة المسجد الأقصى المبارك البالغة 144 دونما ( الدونم 1000 م2 ) ، من المباني المسقوفة : المسجد القبلي ومسجد قبة الصخرة المشرفة ، والمصلى المرواني ، وفي ظلال الخيم المنصوبة في الأفنية والباحات العامة ، والحدائق الدينية الإسلامية المليئة بالأشجار كاشجار الزيتون والسرو الكينا وغيرها .
وشخصيا أديت الصلوات الأربع ، في الجمعة الرمضانية الثانية ، 8 رمضان 1433 هـ / 27 تموز 2012 م ، في الصفوف الأولى بالمسجد القبلي ، حيث دخلت المسجد بعد الساعة السابعة بقليل ، وأخذت بتلاوة آيات من القرآن المجيد من جوالي الصغير الذي أضعه على جانبي الأيمن من نوع نوكيا ن 73 ، حيث كنت وضعت به جميع سور القرآن العظيم ولكن بخط صغير . ثم صليت ركعتي تحية المسجد ثم العديد من ركعات صلاة الضحى ( صلاة الأوابين ) على النحو التالي :
- أهديت ثواب صلاة ركعتين لرسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، صاحب معجزتي الإسراء والمعراج ، بالبقاع المقدسة الجنوبية والشمالية ، من أرض الجزيرة العربية وبلاد الشام ، من المسجد الحرام بمكة المكرمة إلى المسجد الأقصى ببيت المقدس ، في سنة سابقة للهجرة النبوية الشريفة .
- وأهديت ثواب صلاة ركعتين للخليفة المسلم الثاني أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، فاتح بيت المقدس ، عام 636 م / 15 هجرية ، حيث تسلم مفاتيحها من بطرك الروم صفرونيوس .
- وأهديت ثواب صلاة ركعتين للسلطان المسلم صلاح الدين الأيوبي ( يوسف بن ايوب ) مسترجع القدس والمسجد الأقصى المبارك من قذارة الصليبيين الأنجاس بعد معركة حطين عام 1187 م / 583 هـ .
- كما أهديث ثواب صلاة ركعتين لوالدتي سهيلة يحيى النادي ، وأهديت ثواب صلاة ركعتين لوالدي إبراهيم محمد شحادة طيب الله ثراهما ورحمهما وأدخلهما الفردوس الأعلى في جنات الخلود .
ثم صليت بعدها ، ركعتين صلاة الحاجة ، ودعوت الله الحي القيوم ذو الاجلال والإكرام أن يفرج كربنا وهمنا كافراد وجماعات وشعب وأمة إسلامية واحدة ، داعيا الله أن يعيد الأمجاد الإسلامية الكبرى ، وأن يولي الصالحين المتقين الأخيار الأبرار في الأرض المقدسة وأن يرفع الظلم عنا في فلسطين ، وأن يحرر المسجد الأقصى المبارك من رجس ودنس الاحتلال والمحتلين ، فهو القاهر لعباده ذو القوة المتين .
ثم واصلت التسابيح والأذكار الإسلامية التوحيدية والاستغفار والصلاة على النبي محمد صلى الله عليه وسلم . صلاة الجمعة الرمضانية الثانية أديت صلاة الجمعة الرمضانية الثانية 8 رمضان 1433 هـ / 27 تموز 2012 م ، في الصفوف العشر الأولى ، وتحديدا في الصف الثاني ، بالمبني القبلي بالمسجد الأقصى المبارك . وخطب خطبة صلاة الجمعة الشيخ الدكتور عكرمة صبري ( ابو عمار ) رئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس المحتلة ، ومفتي القدس والديار الفلسطينية السابق ، وكانت خطبته شاملة وجامعة طويلة إلى حد ما ، حول شتى المسائل الفلسطينية والعربية والإسلامية العامة ، مذكرا بفضائل المسجد الأقصى المبارك وأهمية الصلاة ، وعظيم أجر الصائم لله تعالى وعرج على معالجة شؤون الفلسطينيين في البلاد ومرابطتهم في أرض الرباط الفلسطيني المقدس . وهي خطبة جهادية إسلامية بامتياز ، نالت إعجاب الحاضرين من سألتهم وقابلتهم ، وعلقت عليها زوجتي لاحقا ، طالبة من المولى أن يحمي هذا الشيخ المسلم الفلسطيني الجليل من الاحتلال اليهودي الظالم لفلسطين .
وكنت تعرفت على الشيخ عكرمة صبري قبل سنوات سنوات عندما كنت أعمل بهيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية الحكومية باريحا ورام الله ( صوت فلسطين ) ما بين 1994 - 2001 م ، واستضفته في استوديوهات الإذاعة الحكومية الرسمية الفلسطينية ( صوت فلسطين ) بحي أم الشرايط بمدينة البيرة وسط الضفة الغربية ، في العديد من البرامج الاخبارية والبرامج الإسلامية ( مجلة آفاق إيمانية ) في عدة حلقات حول مواضيع إسلامية متنوعة ومتعددة .
وبعد إنتهاء الصلاة إقتربت وسلمت على الشيخ د. عكرمة صبري ، للحظات كبعض المصلين ، فبادلني التحية والسلام مبتسما ، فقلت له ( أحسنت يا شيخ عكرمة .. خطبة طيبة مباركة ) ثم خرج خارج المسجد الأقصى المبارك .ثم صليت 4 ركعات سنة نافلة بعد صلاة الظهر ( الجمعة ) الجامعة ، ثم صليت مع آلاف المسلمين الآخرين ، من سكان البقاع الجغرافية البعيدة عن الأقصى ، صلاة فريضة العصر قصرا ( ركعتين ) . وإلتقيت بعد صلاة الجمعة ممن أذكر : د. عاطف علاونه ، ود. جبر خضير ، وغيرهما الكثير من المحاضرين بجامعة النجاح الوطنية بنابلس ، والأصدقاء والأصحاب والأحباب .
ثم خرجت من المسجد القبلي متجها شمالا فشاهدت الأصوات المنادية بالتبرع بالزكاة والصدقات لتقديم يد العون للمحتاجين والفقراء والمساكين ، وبناء بيوت الله في العديد من مناطق الضفة الغربية المحتلة . كما لاحظت خيمة حزب التحرير الإسلامي المعتادة ، وخطباء المهرجان يتناوبون على الخطابة مستذكرين شخصيات وتواريخ ومناسبات تاريخية إسلامية قديمة حقق فيها الجيش الإسلامي الانتصارات العظيمة على جيوش الأمم الكافرة .
ثم سار بي المسير بإتجاه آخر خيمة قماشية منصوبة في صحن قبة الصخرة المشرفة ، لزيارة زوجتي وابنتي وشقيقتي ، حاولت الاتصال مع اختي التي كانت برفقة بعض قريباتنا بمسجد قبة الصخرة المشرفة ، ولكن عبثا ، فالاتصال عبر شبكة جوال فلسطين مستحيلة في ساعة الذروة بعد صلاة الجمعة العظيمة ، بينما تمتع من يمتلك شرائح نقالة لشركة الوطنية موبايل الفلسطينية وشركة سيليكوم اليهودية ، برغباتهم في الاتصال بذويهم ومعارفهم .
على كل حال ، وجدت زوجتي وابنتي أمل الزهراء وقد إنتهتا من صلاة النافلة بعد صلاة فريضة الجمعة ، فجلست بالقرب منهن ، وقبلت رأس ابنتي أمل شكرا لله تعالى ، على وصولنا سالمين غانمين للمسجد الأقصى المبارك ، على صبرها وصيامها وصلاتها بأرض الأنبياء والمرسلين ، وحبا لها لما بذلته من جهد ومشقة في العبادة والصلاة والصيام ، وهي في سن صغيرة ، قائلا : { رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74){ القرآن المجيد - الفرقان ) .ودعوت الرب ليبارك اسرتي ، وأملي الصغيرة ، التي كانت تسكب الماء بكثرة على رأسها وجسدها لتنال التبريد من حرارة الشمس الذهبية الملتهبة ، وشجعتها على حب المسجد الأقصى المبارك ، فأبدت إعجابها الشديد ، وسألتني عن وقت شراء مستلزماتها ، فقلت لها بعد قليل .
وسألت ابنتي الصغرى أمل الزهراء عن إنطباعها العام خلال وجودها بالمسجد الأقصى المبارك بالجمعة الرمضانية الثانية 8 رمضان لعام 1433 هـ / 27 تموز 2012 م ، فأجابت : شاهدت أعمدة الأقصى المذهبة ، ورأيت أن المسجد الأقصى كبير جدا ، أكثر مما كنت أتوقع ، وأديت صلوات حلوة وأتبعتها بتسبيحات ، وبقيت حتى ساعات ما بعد المغرب ، حيث تناولنا طعام الإفطار في الهواء الطلق والجو البارد بعد غروب الشمس . وكنت دخلت صباحا على المسجد الأقصى المبارك مع أبي وأمي ، ورأيت قبة الصخرة التي صعد منها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى السماوات العلى . ثم فرحت بدخول أحد بوابات الأقصى حيث نزلنا لأحد اسواقها ، واشترينا خارطة فلسطين ، التي أعلقها برقبتي . وشاهدت الضوء الإلهي الكبير للقرآن الكريم والمسبحة الخضراء المضيئة . وقد فرحت للصلاة الجماعية خلف الإمام في صحن قبة الصخرة المشرفة ، مع صف نسائي طويل . وأضافت أمل أنها نامت بعد صلاة الظهر ، واستيقظت مع صلاة العصر ، ثم ألتقطت بعض الصور مع ابي وأمي للذكرى .
وبالفعل انطلقنا بعد ذلك بساعة ، بإتجاه أحد الأبواب الغربية الخارجية للمسجد الأقصى المبارك ، فشاهدت في أحد المحلات التجارية المضيئة وسط رابعة ذلك النهار ، خريطة فلسطين ، فاتجهت صوب المحل التجاري ، وتفقدت هذه القطعة المعدنية ، وإذا مكتوب علي خريطة فلسطين المعدنية الصغيرة ( فلسطين عربية .. يتوسطها علم فلسطين رباعي الألوان : الأسود والأبيض والأخضر والأحمر ) في أحد جوانب القطعة المعدنية ، وفي الجانب الأخر ثبتت عليها عدة مدن فلسطينية : عكا وحيفا ويافا وجنين وأريحا ونابلس والقدس وبيت لحم والخليل وبئر السبع وغزة ، وسألت صاحب المحل عن ثمن القطعة الواحدة ، فقال 10 شواكل ، فاشترينا 7 خرائط لفلسطين الكبرى بسعر 7 شواكل للقطعة الواحدة بواقع 3 خرائط لي ولأمل ولاختها المهندسة آية و 4 خرائط : اثنتين لشقيقتي فاطمة ( أم معتصم ) واثنتين لشقيقتي سحر ( أم جهاد ) ، التي إنضمت لنا بعد صلاة الجمعة ، والتقينا بها لاحقا ، فارادت الخروج والعودة لمدينة نابلس ، مكان سكنها ، وطلبت منها مرافقتنا والبقاء معنا لما بعد صلاة المغرب لتعود معنا بسيارتنا فرحبت بالفكرة وبقيت معنا .
كما اشتريت ثلاث كرات زرقاء قماشية كبيرة ومتوسطة وصغيرة الحجم ، متحركة كتب عليها اسم الله ( لفظ الجلالة ) وآية الكرسي لتعليقها بالسيارة بالإضافة لمسبحة خمرية اللون قريبة من لون السيارة البرونزي . صلاة العصر بالمسجد الأقصى المبارك حان موعد أذان العصر بالجمعة الرمضانية الثانية ، وكنت عملت على تجديد وضوئي وسط إزدحام شديد على متوضأ الرجال ، غربي المسجد الأقصى المبارك ، خارج أحد الأبواب ، ثم رجعت للمسجد القبلي ، لأداء صلاة العصر فصليت ركعتين تحية المسجد ، وبعد رفع أذان العصر ، صليت أربع ركعات نافلة ، وصليت صلاة العصر بالصفوف العشر الأولى ، حسب ما تمكنت من ذلك .
ثم رجعت لطرف الخيمة التي تجلس بها قريباتي الأربع ( زوجتي عطاف وابنتي أمل الزهراء وشقيقتي فاطمة وسحر ) وهي شمالي صحن قبة الصخرة المشرفة ، وكان الجو حارا جدا ، حيث تسكب النساء قطرات ورذاذ الماء البارد من صنابير مياه المسجد الأقصى المبارك بعد تعبئتها بقناني مياه ذات أحجام مختلفة 1 لتر و 1.5 لتر و 2 لتر ، على رؤوسهن وهن مرتديات المناديل ( أغطية الراس النسائية ) للتبريد . شاهدت زوجتي بعص صديقاتها من نابلس ، فشجعتها للتواصل معهن ، فسلمن على بعضهن بحرارة تفوق حرارة الشمس الملتهبة في البقعة المقدسة من أرض فلسطين المباركة .
وبعد حديث جانبي بين زوجتي وبعض النساء المسلمات القياديات بنابلس ، ممن تتبوأ مراكز هامة بالقطاع النسوي والأهلي بمدينة نابلس ، حضرت زوجتي ومعها بعض هذه القياديات ، وتعرفت علي ، وشرحت لي زوجتي عن النشاطات والفعاليات النسوية لهذه القيادية النسوية النابلسية الفلسطينية الفعالة ، فعرضت عليها نشر نشاطات جمعيتها الخيرية عبر صفحة شبكتنا لإلكترونية التي أسستها وأديرها منذ اربع سنوات - شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) فوافقت على ذلك ، وقالت إن الجميعات التي لا تعمل تنشر الكثير من نشاطاتها الشكلية عبر وسائل الإعلام المختلفة ولكن جمعيتها لا تمارس فن النشر بوسائل الإعلام الجماهيري الفلسطينية ، فقلت لها إن عملية النشر تصب في مصب الإعلام الملتزم وتبليغ الناس بما تفعله هذه الجمعية أو تلك من نشاطات وفعاليات هادفة نسوية أو عامة ، وأنه يجب تفعيل قسم العلاقات العامة والإعلام لدى جميع الجمعيات الخيرية وخاصة في رمضان المبارك .
وبقينا ننتظر قدوم صلاة المغرب ، انتقلنا وجلسنا هذه المرة على الزاوية الأمامية الشرقية لقبة الصخرة المشرفة ، بالخيم بانتظار أذان الإفطار الرمضاني المبارك وصلاة المغرب بعدغياب قرص الشمس عن فلسطين . وأثناء جلوسنا ، في هذه الخيم الجانبية المفتوحة المشتركة بين الرجال والنساء ، كل يجلس بجانب محارمه وقريباته ، بعيدا عن خيم النساء البحتة ، جاءت إحدى الجمعيات المشرفة على توزيع وجبات طعام الإفطار ، وتم نصب حبل على شكل مستطيل ، بمساحة متوسطة لتفريغ حمولة السيارة من وجبات الطعام الرمضانية الجاهزة من هيئة الأعمال الخيرية الاماراتية .
لفت إنتباهي أنه يقوم على توزيع هذه الوجبة 3 نساء ، منهن واحدة تعتمر الكوفية الفلسطينية ( البيضاء والسوداء ) على أكتافها ، ويناهز عمرها قرابة الستين عاما ، ففتحت حوارا إعلاميا معها ، من هي ؟ ولماذا تقوم بهذا العمل الطوعي الرمضاني ، لتوزيع وجبات الغذاء ؟ فأخبرتنا أنها إمرأة مسلمة فلسطينية فتحاوية ، والإسلام أولا ، وتعمل لوجه الله تعالى ، ثم من أجل فلسطين ، وقد اعتقلتها قوات الاحتلال الصهيوني عدة مرات في معتقل المسكوبية بالقدس المحتلة لعدة أسابيع ، و لا زال ابنها الوحيد قيد الحبس لدى زنازين وسجون الاحتلال الصهيوني ، فك الله أسره .
فرحت من حديثنا معها ، وابلغتها أنني أسير سياسي ومعتقل إداري سابق مثلها ، في زنازين وسجون الاحتلال الصهيوني ن وهذا شرف جهادي للرجل الفلسطيني والمرأة الفلسطينية التي تقاوم الاحتلال الصهيوني بشتى الوسائل المتاحة ، وإن الإسلام هو الحل الوحيد لتحرير وتطهير فلسطين من دنس ورجس الاحتلال اليهودي الظالم . وسط استماع عام لمن في الخيم جميعا ذكورا وإناثا ، لما نتداوله من حديث عالي الصوت ، وشاركت زوجتي في إدارة دفة الحديث المسائي الرمضاني الإسلامي المختصر .
إقترب أذان المغرب ، فسارعت للذهاب للمسجد القبلي الجنوبي من المسجد الأقصى العظيم ، المخصص لصلاة الرجال دون النساء ، حيث يجرى تخصيص المسجد القبلي القديم المسقوف لصلاة الرجال في أيام رمضان وايام الجمع الرمضانية وغيرها ، وتخصيص مسجد قبة الصخرة المشرفة لصلاة النساء بأيام الجمع العادية والرمضانية وايام رمضان لصلاة النساء ( مصلى النساء المسقوف ) . رفع أذان المغرب ، وأفطر الصائمون ، وافطرت على عدة حبات تمر وكوب بلاستيكي صغير من الماء ، وصليت صلاة العشاء جمع تقديم مع المغرب ثم صليت ركعتي سنة نافلة المغرب ، ثم خرجت لخيمة وجود قريباتي ( زوجتي وابنتي وشقيقتاي ) فوجدتهن صلين هن الأخريات بصلاة الجماعة ، وبدأن بمتابعة عملية الإفطار الرمضاني ، فأفطرنا على ما رزقنا الله ، إذ تم توزيع وجبات من الطعام الجاهز ( تحتوي كل وجبة على قطعة دجاج مطبوخة وبعض الأرز وقطعة خبر وعلبة شراب فواكه صغيرة ، وحبة فواكه وقنينة ماء صغيرة ) . وأثناء تناولنا طعام الإفطار وإذا بالمرأة التي كنا نتحدث معها قبل أذان المغرب ، وقد أحضرت لنا مشكورة جزاها الله خيرا ، 3 وجبات طعام ، معلنة اسفها عن تأخر عملية التوزيع بسبب حجز إحدى السيارات التي تنقل الطعام للصائمين داخل المسجد الأقصى المبارك ، لدى بوابة الأقصى من جنود الاحتلال اليهودي البغيض ، فقلنا لها لا ضير بارك الله فيك وجزاك خيرا كثير ، وعرضنا عليها الإفطار معنا فأبت وقالت سافطر مع نساء أخريات .
فقلنا للجميع : إفطارا هنيئا وصلاة وصياما مقبولين وعملا متقبلا إن شاء الله تبارك وتعالى . وبعد تناولي الطعام سارعت لصلاة نوافل صلاة العشاء والوتر ، ثم طلبت من قريباتي بعد إنتهاء تناول وجبة الفطور المسائية الرمضانية ، الاستعداد للرجوع إلى قريتنا عزموط بمحافظة نابلس ، وقبل ذلك سنعرج على بيت ابنتي المهندسة آية وزوجها المحاسب حماد علاونه ، كزيارة ( فقدة ) رمضانية ، وهذا ما كان بعون الله تعالى .
إتجهنا باتجاه أحد الأبواب الغربية للمسجد الأقصى المبارك ، وواصلنا المسير سيرا على الأقدام ، حتى وصلنا محطة الباصات المركزية غربي باب العامود ، فوجدنا مركبة فورد بيضاء تنتظر الركاب ، فركبنا خمستنا ( أنا وقريباتي ) جملة واحدة في المقعد الخلفي ، بحشر أنفسنا ، حيث قال لي السائق لا يوجد متسع فقلت له أنا مع النساء الأربع ، ,إذا لم أركب معهن فسينزلن جميعهن ، فوافق على ركوبي معهن بالسيارة ذاتها ، واثناء جلوسي وجدت أن المقعد الجماعي الأخير به نتواءات وأسلاك ، فتمزق بنطال بدلتي السفاري من الخلف ولكلن الليل معتم ولا يرى أحد شيئا ، حيث لاحظت ذلك فيما بعد .
نزلنا من المركبة بالجهة الجنوبية من معبر قلنديا اللعين ، ثم سرنا بإتجاه بوابة الخروج ، واضطررنا المرور عبر المعاطات الكهربائية ، لتفتيش المارين الفلسطينيين ، بالنقطة العسكرية الصهيونية ، ثم اتجهت نحو سيارتي وأحضرتها ثم ركبت معي قريباتي الأربع ، واتجهنا شمالا نحو مدينة البيرة توأم مدينة رام الله وسط الضفة الغربية ، ووصلنا لبيت ابنتنا آية وابن أخي حماد علاونه ، ومكثنا عندهم قرابة نصف ساعة ، ثم قفلنا راجعين لقرية عزموط شرقي مدينة نابلس . وأوصلت شقيقتاي كل لبيتها في البلدة القديمة بنابلس ، وبمخيم عسكر الجديد . إنها رحلة إيمانية دامت 17 ساعة متواصلة ، بدأت عند الخامسة صباحا وإنتهت عند الثانية عشرة مساء منتصف الليل . والحمد لله رب العالمين الذي مكننا من الصيام والصلاة بالمسجد الأقصى المبارك .
المسجد الأقصى المبارك في البلدة القديمة من القدس المحتلة
كلمة أخيرة .. ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
يقول الله القوي العزيز جل جلاله : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) }( القرآن العظيم - التوبة ) .
إن مسيرة شد الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك ، بمئات آلاف المواطنين المصلين المسلمين الفلسطينيين ، في أيام الجمع الرمضانية ، له أهمية وخصوصية إسلامية عربية فلسطينية في الأرض المقدسة . فهذه المسيرات الإيمانية والزحف المقدس يشكل النفير المدني الفلسطيني ، والاستفتاء الشعبي الفلسطيني الداخلي للقاصي والداني ، القريب والبعيد ، من الأقارب والأباعد ، للإخوة والأصدقاء والأعداء على حد سواء ، بأن القدس هي مدينة وحاضرة فلسطينية عربية مسلمة للأبد ، مهما تعالى زعيق الزاعقين وصياح الصائحين من غلاة المتطرفين اليهود ، وأن المسجد الأقصى المبارك هو مسجد إسلامي فقط ، ولا لوجود الأوهام والأباطيل والدعاوى والمزاعم اليهودية الصهيونية المتطرفة ، وهذا يدلل أيضا على أن الزحف الإسلامي لحماية الأقصى المبارك سيكون حتميا إذا ما جد الجد الحقيقي ، وتمادى الأعداء في تدنيس حرمات هذا البيت الإسلامي المقدس . فالمسيرات الإيمانية المتواصلة من الكبار والصغار ، من الذكور والإناث ، هي خير رباط ومرابطة لحماية حياض الإسلام بالأرض المقدسة ، ولو كره الكارهون ، وحقد الحاقدون ، وغضب الغاضبون ، ونافق المنافقون ، وتكالب الكافرون ، وفسق الفاسون ، ونادى بعض المهووسين اليهود بالتقسيم للحرم القدسي الواحد الموحد ، فللأقصى رب يحميه .. ثم للأقصى شعب يفديه .. وللأقصى أمة مسلمة ترتضيه ...
يقول الله العزيز العليم جل في علاه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) }( القرآن المجيد - الحج ) .
وفي هذا الصدد ، لا بد من الإكثار من ترديد دعاء نبي الله نوح عليه السلام : { وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) } ( القرآن المجيد - نوح ) .
وندعو ونقول كما جاء بكتاب الله العزيز : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286)}( القرآن المجيد – البقرة ) .
كما ندعو ونقول والله المستعان ، كما قال نبي الله شعيب عليه السلام ، كما نطقت الآيات القرآنية الكريمة : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد – هود ) .
نترككم في أمان الله ورعايته ، والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
معالم في المسجد الأقصى

ليست هناك تعليقات: