الجمعة، 21 أغسطس 2009

صوموا تصحوا .. " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "

صوموا تصحوا ..

" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "

د. كمال إبراهيم علاونه
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
أستاذ العلوم السياسية
نابلس - الأرض المقدسة

توطئة

في أرض الله الواسعة فرض الله الحي القيوم شهر الصيام على جميع الأمم السابقة والحالية من فوق سبع سماوات طباقا ، والصيام أيام معدودات ( ما بين 29 - 30 يوما ) من السنة القمرية ( 354 يوما ) أو السنة الشمسية ( 365 يوم وربع اليوم ) ، وهي عبادة تهدف إلى التقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، والشعور بأوضاع المحتاجين والفقراء من الناس ، بإطعامهم والتصدق عليهم وكذلك تنقية الروح والجسد من الضغائن والدخول في عبادة نوعية مفيدة للإنسان عقلا وعاطفة وبدنا . وتكون نتيجة الصيام تكفير ذنوب المرء المسلم ذكرا أو أنثى قاطبة ، وجعل جزاءه يوم القيامة الدخول من باب في الجنة يدعى باب الريان كخلود أبدي في جنات النعيم الخالدة .
وقد عرف الصيام في الأمم الخالية كالصيام عن الكلام ، والصيام عن الطعام لفترة زمنية نهارية وجزء منها ليلية محدودة معلومة قبل أن يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ( من أذان الفجر حتى دخول أذان المغرب ) طيلة شهر فضيل باركه الله ذو الجلال والإكرام . والصيام يشتمل على الامتناع عن الأكل والشراب الحلال والجماع الحلال .
وشهر رمضان هو شهر التقوى والمغفرة والمسارعة في فعل الخيرات لدى المؤمنين من أبناء الأمة الإسلامية في جميع بقاع الكرة الأرضية .


فرض الصيام بالقرآن المجيد .. فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ

يقول الله الحميد المجيد عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185) وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187) }( القرآن الحكيم ، البقرة ) .


صوم رمضان من أركان الإسلام الخمسة

وصوم رمضان فرض وركن أساسي من أركان الإسلام الخمسة . فقد ورد في صحيح البخاري - (ج 1 / ص 11) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ " .

" مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ "

والجزاء الرباني من جنس العمل ، ومكافأة الصائم المسلم المؤمن بصيام رمضان طوعا لا كرها أن يغفر الله الغفور الشكور ما تقدم من ذنبه ، وبذلك تكون صحيفته بيضاء ناصعة من الذنوب والخطايا ، ليستحق دخول جنات النعيم بلا حساب أو مساءلة .
وورد بصحيح البخاري - (ج 1 / ص 67) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 7 / ص 140)
عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ " .
ومن فضل رمضان المبارك ، مضاعفة الحسنات ، ومحو السيئات ، وتعظيم الأجر والثواب الجزيل من خالق الخلق أجمعين .
جاء في صحيح البخاري - (ج 6 / ص 410) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ
لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَجَّتِهِ قَالَ لِأُمِّ سِنَانٍ الْأَنْصَارِيَّةِ : " مَا مَنَعَكِ مِنْ الْحَجِّ ؟ قَالَتْ : أَبُو فُلَانٍ تَعْنِي زَوْجَهَا كَانَ لَهُ نَاضِحَانِ حَجَّ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ يَسْقِي أَرْضًا لَنَا قَالَ : " فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي " .

شهر رمضان وتصفيد الشياطين

جاء في صحيح البخاري - (ج 3 / ص 231) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا مَا لَكُمْ فَقَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالُوا مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلَّا شَيْءٌ حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا يَا قَوْمَنَا { إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا }فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ } وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ .

وبهذا فإن شهر رمضان يشهد حبس الشياطين التي تؤز الكافرين والفاجرين أزا ، وتصاحب المنافقين في جميع تصرفاتهم ، وتبتعد كل البعد عن المؤمنين الذين هم في صيام وصلاة وقراءة قرآن وزيارة للأهل والأحبة ، وإعداد الأطعمة للصائمين والفقراء والمساكين ، ومساعدة المستضعفين في الأرض ، والإلتزام بالتعاليم الإلهية في الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس أو كليهما وارتياد بيوت الله ( المساجد ) في الأرض وغيرها من الأفعال والأعمال الصالحة .
وقد جاء في صحيح البخاري - (ج 6 / ص 465) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِينُ " .
وورد في صحيح البخاري - (ج 11 / ص 58) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا اسْتَجْنَحَ اللَّيْلُ أَوْ قَالَ جُنْحُ اللَّيْلِ فَكُفُّوا صِبْيَانَكُمْ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَنْتَشِرُ حِينَئِذٍ فَإِذَا ذَهَبَ سَاعَةٌ مِنْ الْعِشَاءِ فَخَلُّوهُمْ وَأَغْلِقْ بَابَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَأَطْفِئْ مِصْبَاحَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَأَوْكِ سِقَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَخَمِّرْ إِنَاءَكَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ وَلَوْ تَعْرُضُ عَلَيْهِ شَيْئًا " .

عيد الفطر السعيد

وبعد انتهاء شهر رمضان ، شهر القرآن العظيم ، يأتي مباشرة عيد الفطر السعيد في 1 شوال من العام القمري ، وفي يوم العيد يؤدي المسلمون سنة صلاة العيد ، وبعدها يزورون قبور الموتى لتذكيرهم بالحياة الآخرة ، ثم يجولون على الأرحام ، من الأبناء والبنات والزوجات والإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات والأجداد والجدات وما إلى ذلك ، وفي ذلك الأجر الجزيل والثواب العميم من رب العالمين ، وكذلك تقوية أواصر القربى والتكامل والتكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع المسلم ، وبذلك فإن المسلمين أمة واحدة ، هي خير أمة أخرجت للناس .

الصيام والجهاد في سبيل الله

بقي أن نقول إن الله سبحانه وتعالى قرن بين الصيام والجهاد في سبيل الله ، حيث حقق المسلمون معظم الانتصارات الحاسمة ضد الأمم الكافرة والمشركة في ايام رمضان الفضيل ، لفضله العظيم ، فهو شهر القرآن الحكيم ، وشهر تكثر فيه الطاعات وتصفد فيه شياطين الإنس والجن على السواء .
راجين لجميع المؤمنين الذين يصومون رمضان المبارك صياما مقبولا وإفطارا شهيا إن شاء الله تبارك وتعالى .
كل رمضان وأنتم بألف خير ، وبصحة وسلامة ، وحياة طيبة مليئة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والبغي .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: