الأربعاء، 30 يونيو 2010

الرحيل والهجرة العربية .. لجميع قارات العالم .. فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ

الرحيل والهجرة العربية ..

لجميع قارات العالم ..
فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ






د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) }( القرآن المجيد – آل عمران ) . وجاء في صحيح البخاري - (ج 21 / ص 286) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ هَاجَرَ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ" .

استهلال

خلق الناس جميعهم من ذكر وأنثى ، هما آدم وحواء عليهما السلام ، ثم تناسل الجميع وفق مبدأ التكائر الإنساني الطبيعي ، وتوزع البشر على قارات العالم القديمة والجديدة ، تبعا لعدة عوامل وأسباب طبيعية وبشرية ، وتوفر سبل الحياة الكريمة ، في هذه البقعة أو تلك من بقاع الكرة الأرضية . ويبلغ عدد سكان العالم بجميع قاراته حوالي 7 مليارات نسمة ، بالعام الحالي 0210 ، يتركز السواد الأعظم منهم في قارة آسيا ، ثم في قارة إفريقيا ثم في قارة أوروبا فأمريكا الشمالية والوسطى فالجنوبية فقارة أستراليا .
ويعيش في الوطن العربي حوالي 350 مليون نسمة ، السواد الأعظم منهم من المسلمين ، ثم النصارى . ويمتلك الوطن العربي مقومات الدولة العظمى من جميع النواحي السكانية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والأيديولوجية والتقنية وغيرها ، باستثناء القيادة السياسية الواحدة الموحدة كبقية الأمم في العالم . وأصبحت الدول العربية تابعة لا متبوعة للأسف الشديد ، فهذه الدولة ميولها غربية وتلك ميولها صينية أو شرقية وهكذا . ولم تفلح جميع الجهود العربية التوفيقية في رأب الصدع على ساحة الوطن العربي الكبير ، لإعلان الوحدة الشاملة الجامعة ( الاتحاد العربي ) ، فنرى القيادات العربية تتمترس حول الكراسي الهلامية ، وتحارب الإسلام خفية وعلنا على حد سواء بأساليب شتى ، وتصر على المحميات الصغيرة التي تمتلكها الجماعات ذات المصالح السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو العلمانية أو القومية على حالات الشرذمة والإنقسام لتسرح وتمرح هذه الجماعات المتنفذة في الدول المصطعنة استعماريا بالحدود البينية الوهمية التي لا تستند للتضاريس الطبيعية بل تستند للأنانية والعصبية القبلية والجهوية والعشائرية والهلاميات السياسية المصطنعة وما إلى ذلك .
وفي ظل الصراعات السياسية العربية الداخلية بين الدول الشقيقة ، والقمع الفردي والحزبي والجماعي ، والإهانة النفسية والبطالة الاقتصادية وعدم توفر حرية الرأي والتعبير فإن نسبة لا يستهان بها من أبناء الأمة العربية ، هجرت الوطن العربي الكبير ، ورحلت بهجرة دائمة لا بزيارة سياحية أو دراسية أو تجارية مؤقتة ، وإلتحقت بقارة أخرى كأمريكا الجنوبية وهي المفضلة أو أمريكا الشمالية غير قارتي آسيا وإفريقيا ، هروبا وتهربا من حياة القهر وشظف العيش والملاحقة والابتذال العربي هنا وهناك ، وكونت هذه الجماعات العربية تجمعات سكانية عربية جديدة بجنسيات أجنبية متعددة ، وأنشات هذه الجماعات المهاجرة طوعا أو كرها ، المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والشاملة ، ونجحت في إختراق المجتمع الأجنبي الغريب عليها ، وأخذت تتبوأ منصة القيادة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية في موطنها الجديد في بعض الأحيان . والأمثلة الحية كثيرة في هذا المجال في قارة أمريكا الجنوبية ، بعيدا عن الأساليب الاستعمارية القديمة والجديدة القبيحة .
وغني عن القول ، إن الهجرة العربية للوطن العربي الكبير ، نتجت بفعل القهر السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والفكري ، بالدرجة الأولى ، فغادرت العقول والأدمغة العبقرية والكفاءات العربية وأصحاب الرساميل ورؤوس الأموال الوفيرة ، مواطنها الأصلية وأخذت تبحث عن مواطن جديدة تقيها الحر السياسي والبرد القارص الاقتصادي والزمهرير الاجتماعي والعواصف والأمزجة النفسية المتقلبة بين الحين والآخر . وأخذت الدول الأجنبية المستقطبة ، تنمو بنمو مشاريع الجماعات العربية في البلاد الجديدة ، وكثرت الأعمال والأشغال ، ولحق من تبقى من عائلات المهاجرين العرب الجدد بأولياء أمورهم ، وأخذوا أمتعتهم الخفيفة كالملابس وغيرها ، وتركوا المباني والعقارات والمصالح بالبيع أو بالتبرع ، لمن بقي من الأقارب والجيران والأصدقاء ، والكثير الكثير منهم باع بيته وأرضه ، وبادر لشراء العقارات والأراضي في الدولة الجديدة بعدما تمكن من الحصول على جنسيتها . وليس غريبا ، أن الكثير من المهاجرين العرب الجدد هجر أسرته وأخذ بإنشاء أسرة جديدة له ، من اهل تلك البلاد ، فعزز وجوده بالمصاهرة والأنساب ، وبقيت بقايا العائلات العربية تندب حظها العاثر ، بسبب السياسة غير الحكيمة التي هجرت هؤلاء وقمعتهم ولم تترك لهم مساحة من الهواء الطلق ليتنفسوا الصعداء ، شهيقا وزفيرا بعد خروجهم من أرض الآباء والأجداد .

أسباب الهجرة العربية

يقول الله الحي القيوم تبارك وتعالى : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)}( القرآن المبين – آل عمران ) .

هناك العديد من الأسباب والعوامل التي حدت بطائفة كبيرة من العرب لهجرة بيوتها وقراها ومدنها ، والرحيل الأبدي لقارة أخرى ، بعيدة بآلاف الأميال عن الوطن الأم ، لعل من أهمها الآتي :
أولا : القمع السياسي والعسكري ، وعدم السماح بحرية الرأي ، والملاحقة المستمرة من الأجهزة الأمنية ، وحظر الأحزاب السياسية الحقيقية ، ومحاولة النظام الحاكم الهيمنة الكاملة على مقدرات وثروات البلاد بشتى الطرق من الترغيب والترهيب وما بينهما .
ثانيا : فقدان الأمان الاقتصادي : فالمهاجرون العرب الجدد تركوا بلدانهم في الوطن العربي الكبير ، وبدأوا حياة اقتصادية جديدة في التجارة والزراعة والصناعة والخدمات وتسللوا للقطاع الحكومي والخاص في الوطن الجديد ، وكل ذلك بسبب التسهيلات الأجنبية لهؤلاء المهاجرين العرب الجدد في الأوطان الجديدة . وكانت البطالة أو تضييق فرص العمل على هؤلاء أحد الأسباب الهامة في هجرة مسقط الرأس والانتقال بهجرة دائمة ، لمواطن جديدة رحبت بهم تمام الترحيب ومكنتهم من ممارسة هواياتهم وإقامة مشاريعهم التطويرية والاستثمارية المتجددة .
ثالثا : السفر للدراسة : فالكثير من طلبة الثانوية العامة أو المتحصلين على شهادات جامعية أولى أو ثانية ، تركوا بلادهم والتحقوا بجامعة أجنبية لاستكمال مسيرة الدراسات العليا ، وعندما انخرطوا في ثنايا المجتمع الأوروبي أو الأمريكي أو الآسيوي لم يعودوا لمواطنهم الأصلية ، فالتحقوا بفرص عمل جديدة ، دون ملاحقة عسكرية أو أمنية أو خذلان اقتصادي ، وآثروا الهجرة على العودة . وبهذا شكل السفر والإغتراب عامل طرد سلبي لهم .
رابعا : عقود العمل : بسبب البطالة وحالة البؤس والشقاء في الوطن ، يسعى الكثير من الشباب لتوفير فرصة عمل مناسبة له في القطاعات الخاصة والتعاونية الجماعية ، تدر عليه دخلا وإيرادا عالى القيمة شهريا وسنويا لتكوين نفسه وأسرته وحياته المستقبلية المتعبة ، فيعمد هؤلاء الشباب للبحث عن فرصة عمل خارجية ، خارج الوطن العربي ، وعندما يمكثون سنة أو عدة سنوات ، تتراخى هممهم ويمهلون الخطى للبقاء في تلك البلاد التي فيها مصدر رزقهم ، ويتركوا أهلهم وأوطانهم الأصلية ويعملوا على تكوين أنفسهم وعائلات جديدة لهم في البلدان المستقبلة الجاذبة .
خامسا : التجارة : هناك الكثير من التجار والأثرياء العرب الذين يهاجرون طلبا للكسب والتجارة ، بين الدول فتعجبهم التجارة في هذا البلد أو ذاك ، ويمضوا بقية سني حياتهم فيه ، ويتركون مواطنهم إلى غير رجعة .
سادسا : الزيارات السياحية : الكثير من المهاجرين العرب تركوا أوطانهم الصغيرة ، وهاجروا لمواطن جديدة ، بعد أن زاروا تلك البلاد في زيارات سياحية مؤقتة فطابت لهم الحياة هناك ، وتركوا بلادهم بصورة مؤقتة ثم ما لبثوا أن قطعوا زيارتهم لأهاليهم وجغرافيتهم الطبيعية ، وفضلوا المكوث في تلك البلدان بعدما استقروا بها نفسيا بسبب عوامل الشد والجذب لهم .
سابعا : الإنفلات والانحلال الأخلاقي في الدول الأجنبية : هناك فئة عربية تتأثر سلبيا بالدعاية الأجنبية المغرضة ، فلا يعبجها العجب ولا الصيام في رجب ، فتهلك وتهلك من حولها ، فتحبذ الانقياد للرغبات والشهوات الجنسية المفتوحة المنفلته ، فتلجأ لقارة أو دولة أخرى ، وقارات أمريكا الشمالية والجنوبية وآسيا الشرقية خصوصا ، هي المرتع الخصب لهذا الإنحلال الأخلاقي والأسري .
ثامنا : البعثات الدبلوماسية : فالكثير من أعضاء البعثات الدبلوماسية ، يعيشون مع أهاليهم في هجرات رسمية أو شبه رسمية دائمة في العواصم والمدن التي تتواجد بها مقرات السفارات والقنصليات والمكاتب التجارية لدولهم . وفي كثير من الأحيان بعد الانتهاء من العمل الدبلوماسي يبقى هؤلاء الدبلوماسيون وعائلاتهم في البلدات التي مثلوا بها بلادهم في وقت من الأوقات وينتقلوا من العمل السياسي والدبلوماسي للعمل الاقتصادي الاستثماري وشراء العقارات والممتلكات والمتاجرة بها .
تاسعا : الزواج : يسافر ويهاجر آلاف العرب طمعا في الزواج من أجنبية أو قريبة يعمل أهلها في تلك الدولة ، في محاولة لصيد عصفورين بحجر واحد كما يقول المثل الشعبي العربي ( الزواج من فتاة أحلامه ، والعمل في مهنة تدر أموالا طائلة ) .
عاشرا : الخلاف العشائري : قد يسافر آلاف الناس بسبب خلافات أسرية أو عائلة أو عشائرية ، للهروب من الواقع المر الذي عايشوه لسبب أو لآخر ، فتأتي عملية الهجرة لبلاد الغربة والإغتراب للابتعاد عن مشاكل اجتماعية او خلافات عادية أو عميقة .
حادي عشر : الهجرة للعلاج وخاصة لذوي الأمراض المزمنة المستعصية التي لا يوجد لها معالجات أو عمليات جراحية في مستشفيات الوطن العربي ، وكثيرا ما يعود هؤلاء على نقالات الموتى أو يدفنون في مقابر أجنبية بالقرب من أقرباء لهم هنا أو هناك .
ثاني عشر : الهجرة لخدمة الوطن العربي : وهذه الفئة قليلة العدد ، حيث يسافر مئات الأفراد للعمل السياسي أو الاقتصادي أو العسكري أو الأمني لخدمة وطنهم . ويبقون مستقرين في تلك البلدان الأجنبية .
ثالث عشر : الهجرة للجهاد في سبيل الله : كما حصل في مقاومة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان سابقا طيلة 10 سنوات 1979 – 1989 ، ويحصل الآن في مقاومة الاحتلال الأمريكي والغربي للعراق ، وغيرها من الهجرات الجهادية .
رابع عشر : الهجرة لمعارضة الأنظمة العربية الحاكمة : كما يحصل في جبهات وحركات المعارضة للدول العربية مثل المعارضة العراقية سابقا ، والمعارضة المصرية والسورية والليبية والسودانية واليمنية والجزائرية وغيرها .

من أفضل قارة .. للهجرة العربية ؟؟؟

يقول الله الحليم العظيم جل جلاله : { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)}( القرآن العظيم – النحل ) . كما يقول الله الغني الحميد جل شأنه : { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)}( القرآن الحكيم – الحج ) .

تستقطب جميع قارات العالم العرب المهاجرين ، لتكوين الحياة الآمنة الجديدة ، وإنشاء الاستثمارات العديدة ، أو التمكن من الحوز على وظيفة براتب شهري مرتفع ، أو الدراسة بجامعة أجنبية مناسبة ، للذوق والتخصص المرغوب أو الرغبة في الدخول بحياة اجتماعية مفتوحة ومنفتحة دون الالتزام بضوابط أسرية أو عائلية عربية إسلامية أصيلة . وفيما يلي ترتيب قارات العالم المحببة للمهاجرين العرب الذين تركوا أوطانهم الصغيرة ووطنهم العربي الكبير :
أولا : أمريكا الشمالية :
ففي قارة أمريكا الشمالية وخاصة في الولايات المتحدة أولا ثم كندا ثانيا ، والابتعاد قدر الإمكان عن المكسيك بلد المافيا ثالثا . فالكثير من الناس يحاولون الحصول على جنسية الولايات المتحدة الأمريكية سواء بالإقامة أو الزواج من فتاة أمريكية ، عربية أو أمريكية ، نظريا أو فعليا . ويسعى هؤلاء للسفر المؤقت ثم الدائم بعد الاطلاع والتمكن من ذلك ، لكسب المزيد من المال والجاه . ولا بد من القول ، إن الولايات المتحدة أصبحت جحيما لا يطاق في الإجراءات والتعقيدات الأمنية وانتشار المافيا الإجرامية وغياب الأمن والاستقرار الداخلي وملاحقة العرب والمسلمين واعتبارهم كالطابور الخامس غير المخلص للبلاد . إلا أن الدولار الأمريكي يسيل له لعاب البعض من ذوي النفوس المالية التي تحب المال حبا جما وتفضله على جميع القيم والمثل العليا .
وتعتبر كندا من الدول السهلة للحصول على جنسيتها ، والبعض يرحل لها لأنها ذات مساحة شاسعة ، وإمكانية الهجرة والسفر لها متاحة بصورة أفضل من غيرها دون تعقيدات أمنية أو جغرافية أو عنصرية ، مع إمكانية البناء الاقتصادي بسهولة ويسر بقروض كندية ، وكذلك وجود مخصصات البطالة المرتفعة ، وتطبيق التقاعد المدني بمبالغ مالية عالية تصل إلى ألفي دولار شهريا أو أكثر . فكندا تحاول استقطاب ملايين الناس ما استطاعت إلى ذلك سبيلا لتكثير عدد سكانها بالاستيراد لأن نسبة التكاثر الطبيعي فيها منخفضة .
ثانيا : أمريكا الجنوبية :
لقد أضحت دول قارة أمريكا الجنوبية وخاصة البرازيل وفنزويلا والأرجنتين وتشيلي وغيرها من الدول محطة استقبال دائمة للجماعات العربية المهاجرة ، كونها واسعة المساحة ، وإمكانية الانطلاق والنجاح الاقتصادي واردة بفرص مؤاتية ، بسبب رخص العقارات من الأبنية والأراضي ، وتكاليف الحياة المعيشية اليومية المنخفضة وغياب الملاحقات الأمنية القمعية للوافدين الجدد . وكذلك الانحلال الاجتماعي وانتشار الزنا والمخدرات وعصابات المافيا بكثرة .
ثالثا : أوروبا :
وقارة أوروبا هي القارة الصناعية والمصرفية الأولى التي تستقطب أصحاب رؤوس الأموال العرب ، فالاستثمار العربي في المصارف وأجنحة الاقتصاد متصاعدة وخاصة في دول أوروبا الغربية . ويكثر بدول أوروبا الشمالية عملية اللجوء السياسي هربا من الأنظمة العربية ، وطلبا لمخصصات البطالة الشهرية ، فتجد المهاجرين العرب يلجأؤون سياسيا للسويد أو النرويج أو الدانمارك أو فنلندا ليقضوا بقية حياتهم هربا من الحرمان الرسمي العربي . في حين تستقطب البنوك الأوروبية في سويسرا والنمسا الأرصدة العربية الخيالية ، الساعية للثراء الاقتصادي السريع وفق مبادئ الربا الرأسمالية المحرمة إسلاميا . وأما بقية الدول الأوروبية كألمانيا وهولندا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وغيرها ، فتتمثل الهجرات العربية لها طلبا للدراسة أو التجارة أو السياحة أو الاستثمار وغيرها .
رابعا : آسيا :
تعتبر دول قارة آسيا من العوامل الجاذبة للعرب ، وخاصة في الدول الإسلامية كأندونيسيا وماليزيا وغيرها . وكذلك تعتبر الصين ، كتنين اقتصادي عالمي ، يجذب أصحاب رؤوس الأموال للتقدم الصناعي ورخص الأيدي العاملة وتوفر الكفاءات العلمية الرخيصة . فالهجرة العربية للصين ، احتلت مركزا مرموقا في هذا العصر ، فالصين عملاق اقتصادي كبير ، وبها يتم إنشاء الاستثمارات الصناعية والخدمية العربية المربحة التي تدر أرباحا طائلة . ويمكن القول إن الهجرة العربية للصين ، وكوريا الجنوبية ، تأتي للاستقرار الاقتصادي والسياسي إلى حد ما .
خامسا : أستراليا :
تعتبر أستراليا من المناطق الجاذبة للمواطنين العرب وتشجيعهم على الانتقال من الوطن العربي للمدن الاسترالية ، وتتمثل هذه الهجرات العربية المتتالية بسبب توفير العمل والشغل المنتظم ودفع مخصصات البطالة لجميع أفراد الأسرة البالغين ، وتوفر التقاعد المدني ، والتشجيع السياسي والاقتصادي الغربي للهجرة إلى أستراليا بحوافز مادية ومعنوية عالية .
سادسا : إفريقيا :
تعتبر قارة إفريقيا ، القارة العالمية الأخيرة التي تستقطب العرب للهجرة الدائمة ، ورغم وجود أعداد وأفواج كبيرة من المهاجرين العرب في إفريقيا إلا أن معظم هذه الهجرات موسمية ومؤقتة لا تصل لحد الانقطاع عن الوطن العربي الأم في هذه الدولة أو تلك . وتأتي قارة إفريقيا في المرتبة الأخيرة لهجرة العرب لعدة أسباب من أبرزها : المناخ الصعب والجو المرتفع الحراراة ، وضيق ذات اليد ، وصعوبة الاستثمار الاقتصادي المربح كثيرا . وكذلك رغبة العرب في الهجرة لمناطق اقتصادية متقدمة ، بوجود أعراق وسلالات بشرية بيضاء لا سمراء أو سوداء اللون .

كيفية الحد من الهجرة العربية

هناك العديد من الطرق والأساليب لتثبيت وصمود المواطن العربي في الوطن العربي الكبير ، والحيلولة دون هجرته ، هجرة مؤقتة أو دائمة ، ومن أهمها :
أولا : توفير البيئة السياسية الملائمة القائمة على التعددية وحرية الرأي وحرية تشكيل الأحزاب السياسية والمشاركة السياسية المفتوحة .
ثانيا : توفير البيئة الاقتصادية المناسبة بالإعفاء من الرسوم والجمارك والضرائب المتلاحقة الكبيرة التي تثقل كاهل المستثمرين العرب .
ثالثا : الحدود العربية المفتوحة : وعدم التقوقع في متاهات الحدود الاصطناعية الوهمية الحالية التي صنعها الاستعمار الأوروبي والغربي عموما . والسماح بالانتقال الحر بجواز سفر دون الحاجة لفيزا سفر من هذه السفارة أو تلك ، والاستثمار الاقتصادي الحر بين جميع الدول العربية بوجود ضمانات للحفاظ على الممتلكات الخاصة ومنع القمع .
رابعا : الانفتاح الجامعي العربي : بالتواصل والتكامل بين الجامعات العربية ، وزيادة البعثات والمنح الدراسية العربية للطلبة العرب ، وتخصيص ميزانيات مالية ملائمة في هذا المجال .
خامسا : تنظيم البعثات الدراسية للطلبة العرب مع اشتراط العودة للوطن مع تويع ضمانات مالية عالية .
سادسا : الدعاية الإعلامية المناسبة عبر جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة والانتر نت ، لمنع الهجرة العربية للخارج ، مما يلحق الأذى العلمي والتقني والاقتصادي والاجتماعي والنفسي الشامل بالمهاجرين والبلدان التي هجروا منها أو هاجروا بسببها .
سابعا : تنظيم حملات العفاف لتزويج الشباب العربي والحد من هجرته للخارج والزواج من أجنبيات مع ما يلحق ذلك من خسائر اجتماعية فادحة بالمجتمع العربي الكبير ، ويبقي نسبة كبيرة من بنات الوطن العرب عانسات بلا زواج مع خطورة هذا الأمر الاجتماعي المخيف .
ثامنا : تمكين العرب الراغبين بالهجرة من ديارهم للهجرة لديار عربية أخرى ، وتوفير فرص عمل ووظائف لهم تقيهم شر الفقر والفاقة . فنلاحظ دول الخليج العربي تستقطب ملايين الأشخاص من العمالة الأجنبية بينما تعيش ملايين العرب في بطالة وفقر مدقع .

متى يتم تطبيق مبادئ الهجرة العربية المضادة ؟؟؟

لقد آن الأوان ، لتطبيق مبادئ الهجرة العربية المضادة ، بمعنى تشجيع عودة المهاجرين العرب إلى ديارهم ومواطنهم الأصلية بضمانات وكفالات سياسية وأمنية واقتصادية بعدم التعرض لهم بالأذى ، وتجميع مدخراتهم للتنمية في الوطن العربي الكبير بعيدا عن المناكفات والحساسيات السياسية المقيتة . فهناك ملايين العرب الذين هجروا من ديارهم لأسباب شتى ، قهرية وطوعية ، أو مزيج بينهما ، وبدلوا مكان سكنهم من الوطن العربي إلى قارات العالم كافة ، وخاصة القارات ذات الشد والجذب الاجتماعي والاقتصادي المفتوح ، وهذه الفئة يفترض أن تخصص لها وزارات عربية خاصة لرعاية شؤون المغتربين وتشجيعهم على العودة لمواطنهم للاستفادة من تجاربهم وخبراتهم واستثمارتهم الجريئة والكلية .

الهجرة من الوطن العربي وليس إليه ؟؟

بالرغم من وجود الثروات الطبيعية من النفط والغاز الطبيعي والمواد الخام المكتشفة وغير المكتشفة حتى الآن ، فإن الوطن العربي كجغرافيا وتاريخ وسياسة واقتصاد ، يعتبر منطقة جغرافية وسياسية واقتصادية طاردة ودافعة وليست منطقة جذابة وجاذبة للمهاجرين الأجانب الجدد . فلا نرى هجرات أجنبية وافدة الهجرات المؤقتة للعمل ، سوى لمناطق الخليج العربية كدول مجلس التعاون الخليجي ( السعودية وعمان وقطر والبحرين والإمارات العربية والكويت ) . وعلى العكس من ذلك نرى هجرات عربية داخلية بين الدول متصاعدة كهجرة العمالة المصرية للخليج العربي ، وهجرة الشباب الفلسطيني من فلسطين المحتلة للوطن العربي أو الدول الأجنبية بفعل القمع والتسلط الصهيوني على مقدرات فلسطين الأرض المقدسة ، منذ عام 1948 حتى الآن ، وتهجير قرابة 6 ملايين فلسطيني لخارج وطنهم الأم فلسطين . وكذلك هجرة ملايين العراقيين بسبب سوء الأحوال السياسية ووجود الاحتلال الأمريكي المباشر في العراق منذ 2003 م ، وهجرة مئات آلاف اللبنانيين لقارة أمريكا الجنوبية والشمالية وأوروبا وهجرة المعارضة للأنظمة السياسية العربية .
ولا نجد هجرة أجنبية دائمة ، لعموم الوطن العربي الكبير ، باستثناء فلسطين المباركة التي يتوافد عليها عشرات آلاف اليهود سنويا للاستمرار في احتلالها وبناء المملكة اليهودية الخاطئة التي تحتل فلسطين بدواعي ومبررات استعمارية ودينية وعسكرية وسياسية واهية . وقد بلغ عدد اليهود الغرباء الطارئين بفلسطين المحتلة حتى الآن عام 2010 حوالي 5.6 مليون يهودي جاؤوا من 102 دولة أجنبية حسب الإحصاءات الرسمية الصهيونية بفلسطين المحتلة .

كلمة أخيرة



يقول الله العلي العظيم عز وجل : { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)}( القرآن المجيد – الحشر ) .
وختامه مسك ، إن الأمة العربية ، أمة إسلامية مجيدة ، خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر والبغي ، وهي أمة تحارب بجهادها الطواغيت الداخليين والاستعماريين الخارجيين ، ولا تقبل القهر والذل والإهانة ، وتترك المناطق الباغية الطاغية ، لترتكز في المناطق المؤاتية نفسيا وجغرافيا وطبيعيا وبشريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، لحين من الدهر ، فكثيرا ما تشاهد اللاجئين السياسين العرب في الدول الأجنبية على اختلاف قاراتها الست ، وكثيرا ما تجد المستثمرين المهاجرين هربوا بأنفسهم وأهليهم وسبقتهم أموالهم ، ليستثمروا في البلدان الأجنبية بسبب توفر البيئة الاقتصادية المؤاتية ، أو البيئة السياسية المفتوحة والمنفتحة بعكس البيئة المنغلقة سياسيا في الكثير من بلدان الوطن العربي ، التي يجب على الأحزاب فيها الحاكمة والمعارضة على السواء ، مداهنة القيادة الحاكمة ، والتودد لها ، بمناسبة وبغير مناسبة ، مما يضطر الكثير من الأحرار العرب ، شد الرحال للهرب من الجحيم الرسمي ، والخروج من ثنايا الزجاجة المغلقة والانتقال للهواء الطلق ، لتنسم هواء الحرية ، بعيدا عن الملاحقات الأمنية والسياسية والعسكرية ، وطلبا للأمن والأمان والاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي والحفاظ على الممتلكات الخاصة دون التعرض لها أو مصادرتها أو إتلافها أو غير ذلك .
ويمكننا القول ، إنه في حالة توفر مقومات الحياة الطبيعية ، من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي فإن الكثير من المهاجرين العرب المترددين سيعودون لمواطنهم في الوطن العربي الكبير ، باستثمارات ومشاريع اقتصادية واجتماعية جديدة ، وسيعملون على التنمية والتطوير الاقتصادي بأموالهم الوفيرة التي اكتسبوها وهم في خارج الوطن العربي الكبير .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .




ليست هناك تعليقات: