الأحد، 25 أبريل 2010

اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ .. الإمارة والوزارة في الإسلام والعالم

اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ..

الإمارة والوزارة في الإسلام والعالم

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54) قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56) وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)}( القرآن المجيد – يوسف ) .
هذه الآيات القرآنية المجيدة ، جاءت في سورة يوسف على لسان نبي الله يوسف عليه السلام ، الذي ابتلاه الله سبحانه وتعالى في صغره ، فالقاه إخوته في غيابت الجب والتقطه بعض السيارة وباعوه بمصر ببخس دراهم معدودة ، ثم مكنه الله عز وجل لتكريمه وجعله على خزائن الأرض في الحكم المصري القديم .
وقد وصف رسول الله المصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم نبي الله يوسف بحديث نبوي جامع جاء في صحيح البخاري - (ج 11 / ص 183) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الْكَرِيمُ ابْنُ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمْ السَّلَام " .
فهذا هو يوسف الذي مكنه الله تبارك وتعالى في الوزارة في الحياة الدنيا فجعله الله على خزائن الأرض ، فهو حفيظ عليم ، ليساعد في نشر دين الله في الأرض ، بالدعوة الإسلامية العظيمة ، في ذرية نبي الله إبراهيم عليه السلام ولا يريد علوا في العالمين .

كليم الله موسى ووزيره هارون

جاء ذكر كلمة ( وزيرا ) في كتاب الله العزيز المقدس ( القرآن المجيد ) مرتين كالتالي :
يقول الله الحميد المجيد جل ثناؤه : { قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي (27) يَفْقَهُوا قَوْلِي (28) وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32) كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا (33) وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا (34) إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا (35) قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى (36) وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَى (37)}( القرآن المبين – طه . ويقول الله تبارك وتعالى : { وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيرًا (35) فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيرًا (36)}( القرآن الكريم – الفرقان ) .
وبهذا نرى أن مهمة الوزير بالوزارة في الإسلام هي مهمة دينية ودنيوية في الآن ذاته ، يقوم فيها أحد الأشخاص بمساعدة الآخر لنشر الدعوة الإسلامية بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ، وتسيير شؤون الناس العامة وفق تعاليم الرسالة الإسلامية السمحة . ففي حالة موسى وهارون عليهما السلام ، كانت مهمة الوزير ( هارون ) شد الأزر ، والإشراك في الأمر ، والتسبيح الكثير ، وذكر الله كثيرا ، فاستجاب الله لكليمه موسى بن عمران عليه السلام ولبى له طلبه في جعل أخيه هارون وزيرا له .

الإمارة والتأمير في الإسلام والعالم

جاء في صحيح البخاري - (ج 8 / ص 489) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " .

على العموم ، يبادر الكثير من الناس من الخواص أو خواص الخواص أو ممن يرون في أنفسهم أنهم أحق بغيرهم من الإمارة أو الوزارة أو الولاية ، فيتراكضون ويتهافتون ويتنافسون في سباق ماراثوني ، لطلب الإمارة أي التأمير أو تولية شؤون الناس الدنيوية ، والسعي الحثيث لعضوية الحكومة أو الوزارة ( فيما يعرف بالتوزير أو الاستوزار ) ، سواء بحقيبة وزارية أو وزير دولة ( بلا حقيبة ) ليحكم ويرسم الواحد منهم ويقضي بين الناس ، ويحقق مصالحه الآنية العاجلة والآجلة ، ومصالحهم الحزبية والعائلية والعشائرية والقبلية ، بقدر خدمتهم له أو موالاتهم لجنابه . وقليل منهم من يبغي وجه الله في طلب الإمارة وتوليها فعليا ، فيحوز أكبر كمية ممكنة من المعاشات الشهرية والموسمية والسنوية وتسوية الحال والسفريات الداخلية والخارجية وبدل المهمات المتعددة ، والهدايا والامتيازات الحكومية والشعبية من الناس ، على اختلاف مشاربهم وميولهم ومنافعهم ومصالحهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والعسكرية والإعلامية والثقافية وسواها . وأحيانا يظهر الفساد جهارا عيانا ، على بعض الوزراء أو الولاة فيمعنون في تقاضي الرشاوى بالتصريح والتلميح ، أو بالطريقتين معا ، فيصور هذا المسؤول أو الوزير أو الأمير نفسه وكأنه الآمر الناهي وما على الآخرين إلا إلقاء التحية والسلام عليه والطاعة العمياء والإذعان المباشر دون مناقشة أو مناكفة وكأن قراراته ( نفذ ثم ناقش ) كما هو حال الأوامر العسكرية .
على أي حال ، إن طلب الإمارة أو الوزارة ليس بالشيء السهل في الشريعة الإسلامية السمحة ، فطالبها لا يعطاها في كثير من الأحيان إلا إذا كان على قدر المسؤولية والتأهيل الإيماني والزهد والتقوى ورشحه أو زكاه أناس من أولي الأمر والأبصار وأولي النهى من العادلين والمتقين الأخيار . وفي حالة طلب الإمارة أو الوزارة فإن الإنسان يتعرض لحالتين : الأولى : الإعانة الربانية عليها . والثانية : التوكل بها إذا أخذها الإنسان بطلب من نفسه وسعي لها على قدم وساق . عن ذلك جاء في صحيح البخاري - (ج 20 / ص 302) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سَمُرَةَ لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُوتِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِنْ أُوتِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ وَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ " .
ويتنافس بعض الناس في الحصول على الجاه والمناصب ليكون وجيها في الحياة الدنيا ، وينسى الآخرة ، علما بأن الآخرة خير وأبقى ، فيحاول تقدم الصفوف لينال العزة والكرامة والعزوة والشهرة ، فمن يأخذها بحقها الواجب لها وعليها ، تكون جسرا وصراطا مستقيما يمر من خلاله كالبرق إلى جنات النعيم ، وإذا أخذها للترفيه والجاه واقتناص الفرص والفخر والتعالي على الآخرين والحصول على المال والثراء الفاحش ، بشتى الطرق ، فستكون له أو لها جسرا نحو نار جهنم وبئس المصر والعياذ بالله رب العالمين من وساوس الشياطين . فيندم أهل الإمارة أو الوزارة الذين تبووأ الجاه والمناصب العليا دون وجه حق ودون تأدية الحقوق الإلهية والبشرية ، ويأتي آخذها بغير حقها ، يوم القيامة يعض على أصابعه من الحسرة والندامة ، لما فرط في الحقوق العامة والخاصة . وقد تطرق الإسلام العظيم إلى هذا الأمر بصورة واضحة وجلية ، كما ورد في صحيح البخاري - (ج 22 / ص 59) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الْإِمَارَةِ وَسَتَكُونُ نَدَامَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَنِعْمَ الْمُرْضِعَةُ وَبِئْسَتْ الْفَاطِمَةُ " .
وهناك بعض الأمثلة في الحياة النبوية الشريفة وحياة الصحابة رضوان الله عليهم ، في تولي الإمارة لنشر التعاليم الإسلامية العظيمة .
أولا : رغبة بعض المسلمين القادرين في تولي الإمارة : لمنازلة المشركين والكفار والغلظة عليهم ودعوتهم للدخول في دين الله أفواجا .
فقد ورد في صحيح مسلم - (ج 12 / ص 131) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ : " لَأُعْطِيَنَّ هَذِهِ الرَّايَةَ رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ مَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ إِلَّا يَوْمَئِذٍ قَالَ فَتَسَاوَرْتُ لَهَا رَجَاءَ أَنْ أُدْعَى لَهَا قَالَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا وَقَالَ امْشِ وَلَا تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ قَالَ فَسَارَ عَلِيٌّ شَيْئًا ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ فَصَرَخَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ قَالَ قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ " .
وفي رواية أخرى ، جاءت بمسند أحمد - (ج 18 / ص 172) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ : " لَأَدْفَعَنَّ الرَّايَةَ إِلَى رَجُلٍ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ فَمَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ فَتَطَاوَلْتُ لَهَا وَاسْتَشْرَفْتُ رَجَاءَ أَنْ يَدْفَعَهَا إِلَيَّ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ دَعَا عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَام فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ فَقَالَ قَاتِلْ وَلَا تَلْتَفِتْ حَتَّى يُفْتَحَ عَلَيْكَ فَسَارَ قَرِيبًا ثُمَّ نَادَى يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَامَ أُقَاتِلُ قَالَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " .
ثانيا : رفض تولية أو بيعة المسلمين الضعفاء غير القادرين على تولي الإمارة أو الوزارة . فقد ورد في صحيح مسلم - (ج 9 / ص 347) عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي قَالَ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبِي ثُمَّ قَالَ : " يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا أَمَانَةُ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا " .
وفي رواية أخرى ، جاءت في مسند أحمد - (ج 44 / ص 2) حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ حُجَيْرَةَ الشَّيْخَ يَقُولُ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ أَبَا ذَرٍّ يَقُولُ : نَاجَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً إِلَى الصُّبْحِ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِّرْنِي فَقَالَ إِنَّهَا أَمَانَةٌ وَخِزْيٌ وَنَدَامَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا مَنْ أَخَذَهَا بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا " .

تشكيل الإمارة أو الوزارة في العالم

ينقسم العالم إلى نظامين في توليه زمام الحكم : ملكي وجمهوري . فالنظام الملكي يكون بالوراثة أبا عن جد أو أخا عن أخ . والنظام الجمهوري يكون بالانتخاب لاختيار رئيس الدولة رسميا فعليا أو شكليا أو اختيار البرلمان ( المجلس الوطني أو مجلس النواب أو المجلس التشريعي ) . وفي النظام الإسلامي هناك نظام مميز كان عبر التاريخ حتى عام 1924 ، وهو نظام الخلافة الإسلامية ، وانتهى العمل بهذا النظام الفريد من نوعه في تركيا العثمانية .
وفي العصر الحاضر ، عالميا ، في معظم قارات العالم ، يتم إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وحزبية ، كل أربع سنوات غالبا أو خمس أو ست سنوات أحيانا أخرى ، في عشرات الدول في العالم ، بإشراف لجنة انتخابات قومية أو فيدرالية أو مركزية ، يعينها الملك للانتخابات البرلمانية والمحلية أو الرئيس للانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية . وبعض هذه الانتخابات العامة تكون حقيقية صحيحة ، وفي بعض الأحيان تكون خيالية مزورة ، لا تقوم لها قائمة على الحق والحقيقة . ويتم إجراء المنافسة بين المرشحين الحزبيين أو المستقلين لشغل المناصب الرئاسية ، أو رئاسة الحكومة أو العضوية في الحكومة . ويتم تكليف القائمة الانتخابية أو الحزبية أو الائتلافية الفائزة لتشكيل الحكومة العتيدة . وتتبارى الأحزاب في طرح برامجها الانتخابية العامة بالتركيز على مصالح ومنافع معينة ترتأي أنها الأصلح والأجدى والأمثل للشعب والأمة .

صفات الأمير أو الوزير أو الوالي الصالح

يقول الله الحي القيوم جل شانه : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59)}( القرآن العظيم – النساء ) .
من نافلة القول ، إن هناك بعض الصفات والسمات التي ينبغي توفرها في الشخص الذي يتولى الشؤون العامة ، كالأمير في الإمارة أو رئيس الوزراء أو الوزير الأول أو الوزير في الوزارة أو الوالي في الولاية ، ومن أبرز هذه الصفات ما يلي :
أولا : الإيمان والتقوى والورع والزهد . والحكم بما أنزل الله ثم ما جاء بالحديث النبوي الشريف أو القياس والاجتهاد .
ثانيا : العلم والدراية والخبرة : من ذوي المؤهلات والاختصاص ، العلمي والعملي في الآن ذاته أو ما يطلق عليه في العصر الحاضر ( التكنوقراط ) وخاصة فيما يتعلق بالأمور السياسية والدبلوماسية والاقتصادية والإعلامية واللباقة في الحديث وغيرها .
ثالثا : حفظ الأمانة والتفاني في خدمة الآخرين . فالأمير أو الوزير عليه المبادرة لخدمة الأمة في جميع الأوقات والمناسبات دون تلكؤ أو مماطلة أو تسويف .
رابعا : السن الراشدة المناسبة . وهناك بعض الدول التي تشترط السن البالغة ما بعد الثلاثين عاما ، لتولي أي منصب من المناصب العامة الحساسة في البلاد .
خامسا : التواضع وعدم التعالي على الآخرين والإيثار .
سادسا : الطاعة للخليفة أو رئيس الدولة .
سابعا : العدل والعدالة الاجتماعية وعدم التمييز بين البشر ، وتأدية ورد المظالم إلى أصحابها .
ثامنا : الذكورة أو الإنوثة : من الدارج إسلاميا وعالميا تولية الذكور للمناصب الوزارية الكبرى ، مع السماح لبعض النساء في تولي بعض الشؤون العامة .
تاسعا : الشعبية والجماهيرية : فلا يتأتي نجاح الوزارة أن لم تكن مسنودة لقاعدة جماهيرية عريضة . وتسند عادة عملية تشكيل الحكومة للقائمة الانتخابية أو الحزبية التي تمتلك أكبر عدد من المقاعد البرلمانية لتشكيل الحكومة العتيدة .
عاشرا : تحقيق مصالح الشعب العامة وتقديمها على المصالح الحزبية والشخصية والقبلية والعشائرية الضيقة .
حادي عشر : معرفة باللغة الأجنبية ( إنجليزي ، فرنسي .. الخ ) .
ثاني عشر : التاريخ الجهادي أو النضالي للشخصي المعني أو العائلة .

وقد أثبتت بعض التجارب والنماذج السياسية عبر التاريخ البشري ، على أحقية الرجال دون النساء في تولي المناصب السيادية أو السياسية العليا وخاصة في الحكومة أو الولاة أو الجيش ، لعدة أسباب دينية وسياسية واجتماعية واقتصادية وفكرية ونفسية عامة ، وخاصة أن المناصب الوزارية السيادية الهامة تستدعي استقبال وزراء رجال أجانب للتعاون والتنسيق الثنائي أو الإقليمي أو الدولي .
بل أنتم بهديتكم تفرحون .. قبول رسول الله الهدية ورد الصدقة

جاء في مسند أحمد - (ج 11 / ص 482) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ سَأَلَكُمْ بِاللَّهِ فَأَعْطُوهُ وَمَنْ دَعَاكُمْ فَأَجِيبُوهُ وَمَنْ أَهْدَى لَكُمْ فَكَافِئُوهُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوهُ فَادْعُوا لَهُ " . ونستشف من هذا الحديث النبوي الشريف ، أنه ينبغي على الأمير أو الوزير أو الوالي تلبية احتياجات الناس ، وتحقيق منافعهم قدر الإمكان ، وعدم التهرب من مساعدتهم وخدمتهم ، وتقديم الأمور الواجبة في هذا المجال . فالسائل يجب أن يعطى ، والداعي يجب أن يجاب ، والهادي يجب أن يكافئ بالمال النقدي والعيني والدعاء .
وفي رواية أخرى ، وردت في مسند أحمد - (ج 5 / ص 268) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : أُهْدِيَ لِرَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ سَمْنٌ وَأَقِطٌ وَضَبٌّ فَأَكَلَ السَّمْنَ وَالْأَقِطَ ثُمَّ قَالَ لِلضَّبِّ إِنَّ هَذَا الشَّيْءَ مَا أَكَلْتُهُ قَطُّ فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَأْكُلَهُ فَلْيَأْكُلْهُ قَالَ فَأَكَلَ عَلَى خِوَانِهِ " .
وجاء أيضا في مسند أحمد - (ج 3 / ص 178) عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : أَهْدَى كِسْرَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَ مِنْهُ وَأَهْدَى قَيْصَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَبِلَ مِنْهُ وَأَهْدَتْ الْمُلُوكُ فَقَبِلَ مِنْهُمْ " .
وجاء في صحيح مسلم - (ج 10 / ص 417) لَبِسَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا قَبَاءً مِنْ دِيبَاجٍ أُهْدِيَ لَهُ ثُمَّ أَوْشَكَ أَنْ نَزَعَهُ فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقِيلَ لَهُ قَدْ أَوْشَكَ مَا نَزَعْتَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ نَهَانِي عَنْهُ جِبْرِيلُ فَجَاءَهُ عُمَرُ يَبْكِي فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَرِهْتَ أَمْرًا وَأَعْطَيْتَنِيهِ فَمَا لِي قَالَ إِنِّي لَمْ أُعْطِكَهُ لِتَلْبَسَهُ إِنَّمَا أَعْطَيْتُكَهُ تَبِيعُهُ فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ " .
وورد في صحيح البخاري - (ج 6 / ص 356) عَنْ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ اللَّيْثِيِّ : أَنَّهُ أَهْدَى لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا وَهُوَ بِالْأَبْوَاءِ أَوْ بِوَدَّانَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ إِنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْكَ إِلَّا أَنَّا حُرُمٌ " .

يوم الحساب بين الخلائق

جاء في مسند أحمد - (ج 22 / ص 218) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقْتَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَحَدُهُمْ أَهْدَى لِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا " .

الإمارة والهدايا

يتودد الكثير من الناس للأمراء والوزراء والولاة فيبادرون إلى بعث الهدايا السخية لهم ، وهناك بعض الشركات أو الجماعات ذات المصالح أو حكومات الدول تبادر للتقرب من ولاة أمر الناس في دولة من الدول ، فتخصص المخصصات العينية أو النقدية لبعض الوزراء أو الولاة لشراء ذممهم وإلحاقهم بمواطنيها والتجسس على قيادة أمة أو شعب من الشعوب ، وهذا الأمر منكر يجب محاربته من أولي الأمر ، فالهدايا يجب أن لا تكون مشروطة ، وينبغي ألا تكون نقدية أو غالية الثمن ، وإلا اعتبرت رشاوى أو شراء ذمم وهو نوع من أنواع الفساد المالي المتعارف عليه حاليا في العالم .
وإسلاميا ، كل ما يهدى للأمير أو الوزير في مكان أو مقر العمل هو ملك لبيت مال المسلمين ( وزارة المالية ) ، وإذا زادت الهدية عن حدها المألوف فإنها ترد إلى خزينة الدولة لئلا تعتبر نوعا من أنواع الفساد المالي أو الرشاوى . حول الموقف الإسلامي من الهدايا المبعوثة لعمال المسلمين أو ولاتهم ، جاء في صحيح البخاري - (ج 9 / ص 53) عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مِنْ الْأَزْدِ يُقَالُ لَهُ ابْنُ الْأُتْبِيَّةِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي ؟ قَالَ : فَهَلَّا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ أَوْ بَيْتِ أُمِّهِ فَيَنْظُرَ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا . وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَأْخُذُ أَحَدٌ مِنْهُ شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ثُمَّ رَفَعَ بِيَدِهِ حَتَّى رَأَيْنَا عُفْرَةَ إِبْطَيْهِ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ثَلَاثًا " .
وفي رواية أخرى ، جاء في صحيح البخاري - (ج 20 / ص 317) عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعْمَلَ عَامِلًا فَجَاءَهُ الْعَامِلُ حِينَ فَرَغَ مِنْ عَمَلِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَالَ لَهُ أَفَلَا قَعَدْتَ فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ فَنَظَرْتَ أَيُهْدَى لَكَ أَمْ لَا ؟؟ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشِيَّةً بَعْدَ الصَّلَاةِ فَتَشَهَّدَ وَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ : أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ الْعَامِلِ نَسْتَعْمِلُهُ فَيَأْتِينَا فَيَقُولُ هَذَا مِنْ عَمَلِكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي أَفَلَا قَعَدَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَنَظَرَ هَلْ يُهْدَى لَهُ أَمْ لَا فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَغُلُّ أَحَدُكُمْ مِنْهَا شَيْئًا إِلَّا جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى عُنُقِهِ إِنْ كَانَ بَعِيرًا جَاءَ بِهِ لَهُ رُغَاءٌ وَإِنْ كَانَتْ بَقَرَةً جَاءَ بِهَا لَهَا خُوَارٌ وَإِنْ كَانَتْ شَاةً جَاءَ بِهَا تَيْعَرُ فَقَدْ بَلَّغْتُ فَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ ثُمَّ رَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ حَتَّى إِنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى عُفْرَةِ إِبْطَيْهِ " . قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ وَقَدْ سَمِعَ ذَلِكَ مَعِي زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلُوهُ .
وهناك رشاوى مالية ورشاوى عقارية أو جنسية لبعض ضعاف العقول والقلوب ، من ذوي النفسيات المريضة ، من الوزراء أو الولاة ، فيقعون في المصيدة الفاسدة فيتم ملاحقتهم في الأنظمة العفيفة الشريفة . ويجب أن تلاحق هذه المفاسد الاقتصادية والبشرية .
وهناك هدايا بين ولاة أمر المسلمين ، والملوك والرؤساء الأجانب ، وهي نوع مقبول من الهدايا ، ولكن من مبادئ الحيطة والحذر لدى المسلمين ينبغي أن يتنبه الأمير أو الوزير أو الوالي لنوعية الهدية ، لتجنب المكر والخداع والمكائد كما حدث في ( حصان طروادة ) بين طروادة واسبارطا زمن الإغريق ، أو وضع السم في الأطعمة أو الأشربة المهداة أو وضع الديناميت أو البودرة الكيماوية لتحرق وجه فاتح رسالة الهدية .
جاء في صحيح البخاري - (ج 9 / ص 79) وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَاجَرَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام بِسَارَةَ فَدَخَلَ قَرْيَةً فِيهَا مَلِكٌ أَوْ جَبَّارٌ فَقَالَ أَعْطُوهَا آجَرَ وَأُهْدِيَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ وَقَالَ أَبُو حُمَيْدٍ أَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَغْلَةً بَيْضَاءَ وَكَسَاهُ بُرْدًا وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ " .

السرقة والفساد المالي .. والعقاب الإسلامي

هناك بعض من يتولى شؤون العامة ، من الأمراء والوزراء والولاة من يستغل منصبه ووجاهته ، فيميل بعض أو كل الميل للحياة الدنيا وزينتها ومفاتنها ومفاسدها ، فيحاول الهيمنة على أكبر كمية ممكنة من المال النقدي أو العيني أو حوز العقارات والأطيان والأراضي أو جميعها ، وفق سياسة ( الهبش والتخزين ) ، ومنهم من يلجأ لسرقة المال العام ، المختص بالجماعة أو بالشعب أو الأمة ، ظنا منه أن يراه أحد ، وينسى أو يتناسى ويتغابي ، أن الله هو السميع العليم البصير لكل شاردة وواردة ، وهناك كراما كاتبين ، يكتبون كل شيء حتى لو كانت مثقال حبة من خردل يأتي به الله يوم القيامة . وقد وضع الإسلام عقابا للسارقين واللصوص وأكلة المال العام دون وجه حق أو تقنين وتسنين ، بقطع اليد أو الأيدي نكالا بما صنعوا . يقول الله الواحد القهار : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40)}( القرآن الحكيم - المائدة ) .
وجاء في سنن النسائي - (ج 15 / ص 151) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلِصٍّ فَقَالَ اقْتُلُوهُ فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا سَرَقَ فَقَالَ : " اقْتُلُوهُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا سَرَقَ قَالَ اقْطَعُوا يَدَهُ قَالَ ثُمَّ سَرَقَ فَقُطِعَتْ رِجْلُهُ ثُمَّ سَرَقَ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَتَّى قُطِعَتْ قَوَائِمُهُ كُلُّهَا ثُمَّ سَرَقَ أَيْضًا الْخَامِسَةَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَ بِهَذَا حِينَ قَالَ اقْتُلُوهُ ثُمَّ دَفَعَهُ إِلَى فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ لِيَقْتُلُوهُ مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ وَكَانَ يُحِبُّ الْإِمَارَةَ فَقَالَ أَمِّرُونِي عَلَيْكُمْ فَأَمَّرُوهُ عَلَيْهِمْ فَكَانَ إِذَا ضَرَبَ ضَرَبُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ " .

تجربة التوزير وطلب الإمارة في فلسطين

تأسست السلطة الوطنية الفلسطينية فعليا على جزء من أرض الوطن الفلسطيني ، الأرض المقدسة في 1 تموز 1994 ، ثم تبعها إنشاء حكومة فلسطينية ( سلطة الحكم الذاتي في غزة وأريحا أولا ) فجيء بالوزراء ، والوكلاء والوكلاء المساعدين والمدراء العامين والمدراء ورؤساء الأقسام ورؤساء الشعب والموظفين في هيكلية إدارية غير منتظمة ، وغير دقيقة ، هنا وهناك ، ونشأ التضارب الوزاري بين بعض الوزارات الفلسطينية المفترضة فدمجت أو ألغيت .
وقد أجريت الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية مرتين حتى الآن ، الانتخابات الرئاسية والتشريعية الأولى 1996 ، والرئاسية الثانية 2005 ، والتشريعية الثانية 2006 . وأعقب ذلك تشكيل حكومات جديدة .
ودخل الحكومة الفلسطينية شخصيات فلسطينية من الخارج والداخل ، وكل وزير بحقيبته فرح أو لديه غصه وعينه على الوزارة أحيانا ، بدعاوى أنه الأكفأ والأجدى والأمثل ، ولبث بعض الوزراء عتيا في وزارته ، وتذمر الكثير من الكوادر الإسلامية أو الوطنية التنظيمية لتهميشهم وإسناد حقائب وزارية لشخصيات في بعض الوزارات غير مرغوب بها وطنيا ، كونها غير نظيفة اليد وطنيا وعقليا ونفسيا ، أو على الأقل كانت مهادنة للواقع القائم بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، ولم تدخل معترك المقاومة ضد المحتلين اليهود لأرض فلسطين الكبرى ، وتسعى لتحقيق مصالحها ومنافعها الذاتية دون الاكتراث بواقع الاحتلال المرير عبر أجهزته المدنية والعسكرية ، المنتشرة في ربوع فلسطين المحتلة ، الأرض المقدسة التي تئن أنين المتألم الجريح بجراح غائرة في الجسد الفلسطيني .
ولبث بعض الوزراء ( مسؤول الحقيبة الوزارية المفترضة ) بضع سنين ( 3 – 9 سنين ) أو أكثر أو أقل علما بأنه يمارس أعمالا سياسية لا تمت للوزارة بصلة . وفي كل تشكيلة وزارية تتفتح النفوس وتستجلب بعض الشخصيات الأصداء والمنابر الإعلامية لعلها تحظى بحقيبة وزارية معينة ، ولا يهم نوعية وشكلية تلك الحقيبة الوزارية لأن الواقع الفلسطيني تحت الاحتلال والحصار والإغلاق الصهيوني وضع هش يرثى له لا يسر الأخ والصديق .
وبعد الإنقسام بين جناحي الوطن الفلسطيني ( الضفة الغربية وقطاع غزة ) نشأت حكومتان : الأولى بغزة لحركة حماس والثانية برام الله بقيادة الطريق الثالث المتحالفة مع حركة فتح . وتتسابق حركتا فتح وحماس والجبهات والفصائل الوطنية والقوائم الفلسطينية ، في الحصول على مقاعد وزارية ، ولكن حركة الجهاد الإسلامي لم تشارك في أي تشكيلة وزارية منذ عام 1994 حتى 2010 .

نماذج نسوية الحكم في العالم

رئيسات أو ملكات دول

أحيانا ، تدير ملكات شؤون البلاد بالوراثة مثل ملكة بريطانيا ، اليزابيث . كما تلجا بعض الدول لترشيح نساء لرئاسة جمهورياتها ، وتسيير شؤون الدولة ، مثل انتخاب رئيسة لتشيلي ( ميشيل باشلي ) بقارة أمريكا الجنوبية ، ورئيسة للارجنتين ( كريستينا كيرشنر ) . وقادت بعض النساء رئاسة الوزراء في بعض الدول الآسيوية مثل كوريا الجنوبية ( هان ميونغ – سوك ) . ورئيسة الوزراء الهندية السابقة ( أنديرا غاندي ) .

الوزارة مناصفة بين الرجال والنساء .. فرنسا وبوليفيا نموذجا

في بعض الحالات الإستثنائية ، درجت بعض الدول الاشتراكية أو الرأسمالية ، في بعض تشكيلاتها الوزارية لتعيين وزارة رجالية - نسائية مناصفة بين الجنسين ، كما هو حال الحكومة الفرنسية بقارة أوروبا في عهد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي ، وحكومة بوليفيا بقارة أمريكا الجنوبية في 10 كانون الثاني 2010 .

وزيرات خارجية للولايات المتحدة

وهناك بعض الدول تتجنب تولية بعض النساء للمناصب العليا ، والبعض الآخر يفضل أن تكون المرأة في وزارة الخارجية كالولايات المتحدة الأمريكية ، والأمثلة حية كثيرة في هذا المجال للحزبين الديموقراطي والجمهوري ، فهناك ثلاث وزيرات خارجية على فترات زمنية متتالية أو متقاربة ، هن : مادلين أولبرايت ، وكونداليزا رايس ، وهيلاري كلينتون ( وزيرة الخارجية الأمريكية الحالية – زوجة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون ) .

رئيسات وزارة في الوطن الإسلامي
رغم الاختلاف الديني الإسلامي حول مسالة تولية نساء لرئاسة الحكومة في إحدى الدول الإسلامية رسميا ( ذات النمط العلماني رسميا وفعليا ) فقد ترأست شخصيات نسائية رئاسة الحكومة في بلاد المسلمين ، مثل رئيسة وزراء في باكستان ( بنازير بوتو ) سابقا ، ورئيسة وزراء في بنغلادش ( حسينة واجد ) عام 2009 .
وفي الوقت الراهن ، كانت أول وزيرة خارجية في الوطن العربي في موريتانيا ( ناهة بنت مكناس ) 2009 .

5 وزيرات في فلسطين 2009

عمدت الرئاسة الفلسطينية إلى تشكيل عدة حكومات متعاقبة ، سواء بالتعديل أو التوافق الفصائلي أو في أعقاب الانتخابات البرلمانية ، وبرزت من بين التشكيلات الوزارية بعض الوزيرات اللواتي تولين وزارات شؤون المرأة ، الشؤون الاجتماعية ، السياحة والآثار ، التربية والتعليم العالي ، والثقافة وغيرها على مدار التغييرات الوزارية منذ نشأة السلطة الوطنية الفلسطينية في جزء من أرض الوطن الفلسطيني ، الأرض المقدسة ، حتى الآن ( 1994 – 2010 ) . وفي التشكيلة الوزارية للحكومة الفلسطينية بمركزها في مدينة رام الله في أيار 2009 جاءت تسمية الوزيرات الخمس التالية أسمائهن : التربية والتعليم العالي ( لميس العلمي ) ، شؤون المرأة ( ربيحة ذياب ) ، الثقافة ( سهام البرغوثي ) ، الشؤون الاجتماعية ( ماجدة المصري ) ، السياحة والآثار ( خلود دعيبس ) .

كلمة أخيرة

إن الإمارة والوزارة في جميع أنحاء العالم ، هم وغم ، وتعب ومشقة ، فهي تكليف وليست تشريف ، بأي حال من الأحوال ، وهناك تهافت للاطلاع بمهامها ، لأسباب شتى ، وهناك من يقوم بواجبها خير قيام ، والبعض الآخر يتخذها جسرا للمرور لتنفيذ مآربه ومنافعه الشخصية والحزبية والرسمية ، فتبوء وزارته بالفشل ، وتحجب عنه أو عن حكومته بصورة جماعية الثقة ، وتجرى انتخابات مبكرة أو عادية ، ويتم إعادة تشكيل الحكومة وتمر بعدة أسابيع في حالة حيص بيص ، وكل عائلة أو عشيرة أو قبيلة أو حزب سياسي أو جماعة مصالح ، تسعى للاحتفاظ بوزارة أو أكثر ضمن البوتقة السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية الخاصة ، والكل يترقب ويتطلع لعل وعسى أن يحوز ويفوز بحقيبة وزارية ، يمارس فيها نفوذه ونفوذ حزبه أو قائمته الانتخابية أو الاقتصادية أو العشائرية وغيرها .
وتكثر الاشاعات الاجتماعية والدعايات الإعلامية وسط العائلات ، ويتردد بعض المستوزرين نحو الإدارة السياسية العليا في البلاد ، ويحومون حول مراكز صنع القرار ، باحثين حول الوزارة والاستوزار والتوزير ، سعيا للحصول على حقيبة وزارية لامعة أو باهتة لا فرق وعندما يتم تشكيل الوزارة تتبدد هذه الإشاعات العمدية المفبركة أو العفوية الطارئة ، وتتردد بعض الأسماء هنا وهناك ، وسرعان ما تنقشع سحابة الصيف بلا مطر وتظهر الأسماء الحقيقية لهذه الحكومة أو تلك عند أداء اليمين الدستورية ونيل الثقة من البرلمان أمام الملك أو الرئيس فيصاب البعض بالغثيان ويرتفع عنده داء السكري أو الضغط الدموي أو يلقى طريح الفراش آسفا وحسرة على هذا الاستثناء الوزاري له ، والبعض الآخر تعمه الفرحة العارمة وكأنه إمتلك الدنيا برمتها ولم يعلم أن الدنيا لا تعدل عند الله جناح بعوضة . وينسحب أهل الدعاية والإعلام إلى الوراء أو إلى الأمام وكأن الحدث الوزاري شيئا لم يكن ، فيصبح نسيا منسيا . وكل انتخابات برلمانية وتشكيل وزاري وأنتم بألف خير .
وختاما ، ندعو فنقول والله المستعان ، كما قال نبي الله شعيب عليه السلام ، كما نطقت الآيات القرآنية الكريمة : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد – هود ) .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ليست هناك تعليقات: