الجمعة، 11 يونيو 2010

إجراء الانتخابات المحلية الفلسطينية 2010 .. بين النظرية والتطبيق

إجراء الانتخابات المحلية الفلسطينية 2010 ..
بين النظرية والتطبيق
د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)}( القرآن المجيد – آل عمران ) .
وجاء في صحيح مسلم - (ج 13 / ص 212) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ " .

استهلال

كان من المفترض أن يتم تنظيم الانتخابات المحلية الفلسطينية في الضفة الغربية يوم السبت 17 تموز – يوليو 2010 ، في 302 هيئة محلية وأن يشارك بها 862.773 ناخبا وناخبة في المدن والقرى الفلسطينية ، لانتخاب 3.098 رئيسا وعضوا بالهيئات المحلية التي يتراوح عدد مقاعدها ما بين 9 – 15 مقعدا لكل هيئة محلية حسب تعداد عدد السكان .
وبقرار مفاجئ للبعض ، وبعد صلاة عصر يوم الخميس 10 حزيران - يونيو 2010 ، مع بقاء فرصة حوالي 7 ساعات لتقديم القوائم الانتخابية القانونية لمكاتب لجنة الانتخابات المركزية ، باليوم الأخير لتقديم القوائم الانتخابية المرشحة لخوض غمار الانتخابات البلدية والقروية المقبلة ، حيث كانت الفترة القانونية لتقديم قوائم المرحشين وفق نظام التمثيل النسبي ما بين 1 – 10 / 6 / 2010 ، أصدرت الحكومة الفلسطينية في رام الله برئاسة د. سلام فياض قرارا بتأجيل تنظيم الانتخابات المحلية حتى إشعار آخر دون إبداء أسباب التأجيل ، مما ساهم في خلط الأوراق الانتخابية الشخصية والعشائرية والفصائلية بين مؤيد ومندد .
ووقع السواد الأعظم الناس في حيص بيص ، وهرج ومرج حول أسباب هذه القرار المفاجئ لهم ، بينما تنبأ غيرهم بأن عقد الانتخابات المحلية في الضفة الغربية التي تضم 11 محافظة فلسطينية ، غير منصف قانونيا سياسيا وتنظيميا وشعبيا ، وخاصة في ظل الانقسام والتشرذم ، بين الضفة الغربية وقطاع غزة ، وعدم إمكانيه عقدها في قطاع غزة ، التي تضم 5 محافظات فلسطينية ومقاطعة حركات فلسطينية فاعلة على الساحة الخدمية والنضالية العامة كحركتي حماس والجهاد الإسلامي .

أسباب تأجيل الانتخابات المحلية بالضفة الغربية

ورد في صحيح البخاري - (ج 20 / ص 440) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إِنْ أُعْطِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا وَإِنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ " .
تم تأجيل عملية عقد الانتخابات المحلية الفلسطينية في الضفة الغربية التي كانت مقررة من الحكومة الفلسطينية برام الله ، في 17 تموز 2010 ورفضتها الحكومة الفلسطينية بغزة ، فنال هذا القرار المتوقع والمفاجئ في الآن ذاته ، الرضى والقبول والنقض والمعارضة والانتقاد الديد ، وجاء ليشكل فرحة عارمة للبعض ونكسة وإحباط ويأس مدوي للبعض الآخر ، وكل له أسبابه ومبراراته ، وذلك لعدة عوامل وأسباب رسمية وشعبية ، سياسية وتنظيمية عامة وخاصة في الآن ذاته .
وعلم أن اللجنة المركزية لحركة فتح كانت قد رفعت توصية للرئيس الفلسطيني محمود عباس ( أبو مازن ) صباح يوم الخميس 10 حزيران 2010 ، لإرجاء تنظيم الانتخابات المحلية فصادق عليها الرئيس الفلسطيني وطلب من الحكومة الفلسطينية برام الله إصدار قرار بتأجيل الانتخابات لأجل غير مسمى وهذا ما تم فعليا حسب زعم مصادر فلسطينية مطلعة .
وبرأينا ، هناك العديد من العوامل والأسباب التي حدت لتأجيل هذه الانتخابات المحلية لأجل غير مسمى ، لعل من أهمها :
أولا : الوساطات العربية والإقليمية والدولية المطالبة بتأجيل الانتخابات المحلية ريثما تتم المصالحة الوطنية الفلسطينية بين حركتي فتح وحماس ، وبقية الفصائل والحركات الوطنية والإسلامية ، وإعادة اللحمة الجغرافية والسياسية والقانونية بين الضفة الغربية وقطاع غزة برعاية عربية وإسلامية وإقليمية .
ثانيا : الضغوط الحركية الداخلية الفتحاوية من قدامى السياسيين والمحاربين الفلسطينيين ، جراء الفشل والإخفاق في تشكيل قوائم انتخابية وطنية عامة ، واللجوء لفرض الأسماء بالقوائم الانتخابية التي لا تضم شخصيات فتحاوية فعالة ، وإنما جرى تطعيمها من أناس من خارج فتح وهم ليسوا كذلك والبعض منهم كانت سيرته النضالية غير سوية .
ثالثا : وجود تذمر في القواعد الشعبية لشتى الفصائل الفلسطينية حول مسألة التوافق الوطني الفصائلي الداخلي . مما ساهم في توتير الساحة الداخلية الفلسطينية بلا دواع حقيقية .
رابعا : توصية الشخصيات المستقلة لتأجيل الانتخابات ليتسنى للجميع المشاركة فيها .
خامسا : مبادرة الكثير من الفصائل والحركات الوطنية وخاصة حركة فتح لتشكيل قوائم بالتزكية في عشرات الهيئات المحلية الفلسطينية ، وخوف حركة فتح من المصير المجهول في البلديات التي ستتم فيها الانتخابات الحقيقية بلا تزكية ، أو حسم مبدئي لمقاعد الهيئة المحلية .
سادسا : عدم الاستعداد السياسي والقانوني والإداري الكافي لإجراء هذه الانتخابات المحلية ، سواء من لجنة الانتخابات المركزية في فلسطين أو المراقبين أو وجود الهيئات المحلية للمراقبة في ظل الانقسام بين جناحي الوطن ( الضفة الغربية وقطاع غزة ) .
سابعا : التخوف من ثورة أو تمرد القواعد الشعبية لحركة فتح إثر استثناء مئات الكوادر الفتحاوية الحقيقية والزج بأناس غير منتمين لفتح في صدارة قوائمها الانتخابية ، مما شكل امتعاضا شديدا ، وتهديد هؤلاء المستثنيين من جعل حركة فتح تسدد فاتورة فشل ثانية كما كانت سابقتها في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية في 25 كانون الثاني 2006 .
ثامنا : بروز العشائرية والعائلية والشللية والقبلية وغياب الحركات والأحزاب السياسية الحقيقية في ترشيح القوائم الانتخابية .
تاسعا : تمكين عشرات آلاف المواطنين الفلسطينيين لتسوية أوضاعهم القانونية سواء بالنسبة للتسجيل أو دفع فواتير الماء والكهرباء وضريبة النفايات وغير المترتبة عليهم ممن كانوا مستنكفين عن التسجيل بالسجل الانتخابي لإضافة أسمائهم ، وبالتالي تمكينهم من ترشيح أنفسهم .

حكمة التأجيل لأجل غير مسمى

رغم استنزاف الجهود المبذولة من لجنة الانتخابات المركزية بفلسطين ، وجهود الحركات والفصائل والأحزاب ، المؤيدة والمعارضة على السواء ، منذ المطالبة بتنظيم الانتخابات المحلية والتمحيص والدراسة الرسمية الحكومية برام الله ، ثم الإعلان عن البدء بفتح التسجيل للسجل الانتخابي في آذار 2010 حتى الآن ، فإنها كانت تجربة مريرة وبطيئة ومفيدة ودورة تطبيقية تدريبية طويلة للجميع مرشحين وناخبين ، مؤيدين ومعارضين ، وصناع القرار الرسمي الحكومي والشعبي والفصائلي ، حول حيثيات الانتخابات المحلية وخفاياها وخباياها ، ومزاياها وسلبياتها ويمكن أن يشكل رافعة لتطوير وتفعيل القوائم الانتخابية المحلية القادمة وتصحيح الأخطاء والتركيز على الإيجابيات لزيادة الاهتمام بالخدمات لحوالي أربعة ملايين فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بدلا من اقتصارها على مليون ونصف مليون فلسطيني في الضفة الغربية .
وبرأينا ، فإن قرار تأجيل وعدم إلغاء ، عقد الانتخابات المحلية الفلسطينية في الضفة الغربية يصب في الاتجاه الصحيح لتصحيح الأوضاع غير السليمة ، فكان قرارا حكيما ومطلبا شعبيا ضمنيا ، للسواد الأعظم من الناس ، فهو قرار جامع ومانع في الوقت ذاته ، لعدة أسباب من أبرزها :
أولا : إتاحة المجال للوحدة الوطنية الفلسطينية ، لتأخذ طريقها الفعلي ، وتفضيل المصلحة الفلسطينية العليا على المصالح الحزبية والفئوية والمطامع الشخصية الضيقة . خاصة بعد معارضة حركة حماس إجراء الانتخابات المحلية في قطاع غزة الذي تهيمن عيله منذ حزيران 2007 وإنضمام حركة الجهاد الإسلامي لها بمقاطعة الانتخابات المحلية .
ثانيا : إتاحة الفرصة لانتخابات محلية فلسطينية حقيقية لا شكلية متزامنة بيوم واحد في الضفة الغربية وقطاع غزة وعدم استثناء قطاع غزة من هذا الأمر .
ثالثا : وضع حد للإبتزازات العشائرية والعائلية التي تحكمت في مجملها في سير الترشيحات للقوائم الانتخابية .
رابعا : التفرغ لقضايا فلسطينية حيوية ، كالمفاوضات غير المباشرة ، ورفع الحصار الظالم على غزة ، والاستعداد لإقامة دولة فلسطينية مستقلة ، وعدم الالتهاء في أمور جانبية ، خاصة وأن الانتخابات المحلية ملهية وتولد الضغائن والأحقاد والحسد ، علما بأنها انتخابات خدمية لا سياسية وإن كانت تدلل على التيارات السياسية السائدة كباروميتر لتفقد أحوالها .
خامسا : التخلص والتهرب من التبعات السلبية للانتخابات المحلية ، فالقوائم الفائزة والتي ستخفق في خوض الانتخابات المحلية ستحتاح فترة زمنية لإعادة التقاط الأنفاس وتصفية وتناسي الكراهية والحقد والابتعاد عن الحياة العامة للنفوس المكلومة ليحل الوئام محل الخصام التي تنجم عن سير الانتخابات .

المعارضون لتأجيل الانتخابات المحلية

تبارى الكثير من القياديين في الفصائل والأحزاب والحركات الوطنية والإسلامية ، في التعقيب على تنظيم الانتخابات المحلية الفلسطينية ، منذ ربيع 2010 ، وكذلك حالهم في صيف 2010 ، فمنهم من يؤيد بشدة ومنهم من يدين ومنهم من يستنكر ، ومنهم اللامبالي حيال ما يجري ، ومنهم من يطالب بممارسة الضغوط الشعبية على الحكومة الفلسطينية رام الله ، للتأجيل أو تنظيم الانتخابات أو إلغاءها ، وفي ظل هذا السيل الهلامي الكلامي ، بين التأييد والتنديد والتبديد ، يفرض القرار الرسمي نفسه فرضا على الجميع بلا استثناء ، وهو قرار سياسي بالدرجة الأولى للتنفيذ ثم المناقشة ، لا العكس . فقد قضى الأمر ، ولا بد من الطاعة ولو كانت مستساغة أو مذاقها علقم ، فصناعة القرار الوطني بالمستويات العليا هي مسألة محفوفة بالمخاطر والمظاهر السياسية والسيادية على حد سواء ، ومن يدرك بواطن الأمور وخفاياها وراء الكواليس لا بد له من وقفة صادقة مع ربه ثم مع نفسه ثم مع الآخرين لتقديم المصلحة الفلسطينية الاستراتيجية العليا على المصالح الآنية الضيقة .
على العموم ، هناك الكثير ممن يعارضون تأجيل إجراء الانتخابات المحلية ، ويطالبون بضرورة تنظيمها في موعدها المضروب السابق في 17 تموز 2010 ، وفوجئوا بالتأجيل والتأخير لموعد غير محدد ، وهؤلاء هم ممن يتغنون بالنزاهة والقانونية والشفافية ، ولهم أهداف شخصية وحزبية وفئوية وفصائلية ضيقة ، فنلاحظ أنه ارتفعت أصوات الجبهات الماركسية والقومية المعارضة للانتخابات والتي ستاخذ حجما أكبر من ثقلها الشعبي الحقيقي ، وهو غير حجمها الطبيعي ، وذلك بعد مقاطعة حركة حماس وعزوفها عن خوض معركة المنافسة والمناكفة الانتخابية الايجابية والسلبية والفرقة المرة المستشرية داخل حركة فتح . فقد أيد إجراء الانتخابات معظم الجبهات والأحزاب الصغيرة مثل حزب الشعب ، وحزب فدا ، والجبهة الشعبية ، والمبادرة الفلسطينية وغيرها ، كونها المستفيدة من غياب حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي والكثير من أنصار وأعضاء حركة فتح والمستقلين عن الانتخابات .
وكل هذه القوى اليسارية الصغيرة حصلت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية عام 2006 على أقل من 10 مقاعد من عضوية مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني . وبالتالي فإن هذه فرصتها للسيطرة على عضويات جديدة في الهيئات المحلية التي لم ولا ولن تحلم بدخول عضويتها في حال احتدت المنافسة الانتخابية بين جميع الكتل والقوائم الانتخابية الإسلامية والوطنية والماركسية اليسارية وما بينها .

رؤيتي الشخصية للانتخابات المحلية

بحكم خبرتي الطويلة النظرية والعملية ، بالإشراف على شؤون الهيئات المحلية الفلسطينية ، من الناحية الإعلامية الشاملة والكاملة عبر إذاعة ( صوت فلسطين ) وإعداد وتقديم برنامج ( شوؤن بلدية قروية ) لمدة سبع سنوات تقريبا ، 1994 – 2001 ، والإطلاع على قانون الانتخابات للهيئات المحلية الفلسطينية رقم 10 لسنة 2005 ، وتعديلاته بالقاون رقم 12 لسنة 2005 ، وإعداد العديد من الأبحاث والمقالات المتعلقة بالهيئات المحلية الفلسطينية ، فقد توقعت شخصيا ، أن لا تجري الانتخابات المحلية الفلسطينية ، في أحد أجنحة الوطن الواحد ، في الموعد المحدد ب 17 تموز 2010 ، وطالبت بتأجيلها مرارا وتكرارا ، لعدة أسباب وعوامل بسيطة ومركبة ومعقدة ، رسمية وجماهيرية ، سياسية واقتصادية وأمنية وفكرية ونفسية ، لأنها :
أولا : مزقت العائلات والعشائر اجتماعيا ونفسيا وسادت العصبية القبلية طيلة الشهر الماضي والاستزلام وتكوين الشلل الانتخابية والكوتات الصغيرة والكبيرة .
ثانيا : طغت المطامع والمنافع الشخصية عليها ، كما يقو لالمثل الشعبي ( كل من يريد إدارة النار على قرصه ) .
ثالثا : سياسة فرض قوائم المرشحين من أعلى بقوة دون الرجوع لمرجعيات حقيقية فاعلة على الساحة المحلية .
فما كان يجري على أرض الواقع لا يدل على حمى الانتخابات المحلية أو البرلمانية المعهودة في فلسطين ، وتقبل الناخبين والذين ينوون ترشيح أنفسهم ، لم يكن على المستوى المطلوب وكانت وتيرة تشكيلات القوائم الانتخابية تسير بخطى وئيدة متضاربة ومتناقضة وكل عائلة وعشيرة وحزب وحركة وجبهة بما لديهم فرحون . وسمعت من العديد من الشخصيات النقابية والتنظيمية والأكاديمية والثورية والاقتصادية والاجتماعية المؤثرة التي كانت متحمسة لإجراء الانتخابات المحلية ، أنها لا مبالية حيال ما يجري من هرطقات هنا وهناك ، وكان التذمر على أشده في صفوف حركة فتح ، وكذلك الحال في صفوف حركة حماس التي دعت لمقاطعة الانتخابات سياسيا وإعلاميا ورسميا ، لظروفها الخاصة والذاتية والموضوعية . ولو قدر للانتخابات المحلية أن تجرى بمقاطعة حركة حماس ، واستنكاف الكثير من كوادر حركة فتح ، وطغيان العشائرية والعائلية وذوبان الفصائلية في أتون هذه العائلات ، فإن نسبة المشاركين ستتجاوز نصف الناخبين المسجلين بالسجل الانتخابي بقليل لتنخفض المشاركة في صناديق الاقتراع بصورة لافتة للنظر . وهذا بدوره سينعكس على أشكال صور التنمية الاجتماعية والاقتصادية والشاملة والمشاركة الجماهيرية في شؤون الهيئات المحلية الفلسطينية ، وحدوث شرخ مجتمعي وصدامات اجتماعية وخدمية جديدة بين أهالي الهيئة المحلية الواحدة مما يلحق الضرر البالغ بالقضية الفلسطينية على المستويين القصير والمتوسط . وبهذا فإن تأجيل الانتخابات كان حكيما جدا ، ويناسب المصلحة الفلسطينية العليا ، لتلافي كل الأخطاء السابقة ، والبدء من حيث انتهى الآخرون ، وعدم البداية من الصفر .
وقد اختلفت فكريا مع بعض أصدقائي المقربين وغيرهم ، في آلية وكيفية التصويت بالانتخابات المحلية الفلسطينية ، وكل منا لديه ، من يؤيده ويعارضه ، وكنت أؤيد الأيدي المتوضئة ونظيفة اليد في العمل معها ولها لتفوز بالانتخابات المحلية ولكن الأمور كانت تجري بالاتجاه المعاكس للأسف الشديد وتقدم صفوف الترشيح من القبليين ودعاة العصبية والنعرات العائلية والعشائرية . وكنت محتارا ومترددا لمن أنظر وأصوت بالحملة الانتخابية ، وخاصة في مدينة نابلس ، إذا ما ترشحت عدة قوائم انتخابية ، أعرف معظم المشاركين فيها ، وكان شعاري دائما : التصويت للمرشحين الجدد لا القدامى لتجريب إدارتهم ، ولسان حالي يقول كما يقول المثل الشعبي الفلسطيني : ( الذي يجرب المجرب عقله مخرب ) ، وكذلك تشجيع الناخبين على التصويت للمتقين والمصلين والصائمين والمزكين والمتصدقين والمجاهدين والأسرى الذين عانوا من ويلات ظلم السجون الصهيونية ، والأكاديميين من حملة الشهادات العليا ، والشعبيين المتواضعين غير المتكبرين ، والذين يشاركون الناس في أفراحهم وأتراحهم ، والذين لا يسعون لمطامح شخصية أو مناصب إدارية ووجاهات عشائرية ومخترة فارغة بل يقدمون أنفسهم لخدمة الشعب والوطن والقضية المقدسة ، وكذلك التصويت لكل من يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن غير الفاسدين والمفسدين أخلاقيا .

إنتخابات محلية .. تزكية بالانتخابات ولا إقتراع انتخابي

إن عملية الضبط والربط والإلزام والإلتزام التنظيمي مسألة خلافية بين الجميع ، وإن فرض قوائم انتخابية بالتزكية مهمة ضمن حدود مغلقة لا مفتوحة أو على نطاق واسع ، ولكنها لا تلبي طموحات الناخبين في مناطق الهيئات الانتخابية ، وعملية سد الطرق على ترشيح من يرى في نفسه مناسبا ، ليس بالأمر السهل فتتولد لديه ردة فعل سلبية تجاه حركته أو حزبه أو تنظيمه أو جماعته أو عشيرته الأقربين ، وبالتالي فيمكن أن تكون سياسة فرض التزكية بمعنى نزول وتسجيل قائمة واحدة موحدة للانتخابات وفوزها بلا تبعات انتخابية من دعاية وترويج للبرامج الانتخابية ، وتظهر هذه السياسة وكأنه المنقذ من الفشل في الانتخابات ، وهي سياسة فاشلة لا شك ، تحرم الناخبين من حق الإدلاء باصواتهم الانتخابية والمشاركة السياسية والمحلية العامة . وقد أرتكبت خلال الفترة الأخيرة بتشكل قوائم الانتخابات بالتزكية وخاصة في الريف الفلسطين ، أخطاء قاتلة بل خطايا فادحة في عملية لملمة شمل بعض الفصائل والحركات الوطنية لخوض الانتخابات بقائمة واحدة وفرضها فرضا لتحصل على التزكية ، وكأن القائمين على تشكيل قوائم التزكية هم من يعرف مصلحة الهيئة المحلية ، وهذا ليس حكيما ولا يمت للصواب بشيء ، فهو ينصب نفسه آمرا ناهيا بحجة الحفاظ على حيوية ونصيب الحركة أو الحزب أو العائلة في تحقيق النجاح الانتخابي وتحصيل أكبر عدد ممكن من المقاعد ويفر نفسه وصيا على الآخرين بلا وجه حق .

استحقاقات تأجيل الانتخابات المحلية في فلسطين

هناك العديد من الاستحقاقات لتأجيل العملية الانتخابية للهيئات المحلية الفلسطينية ، تتمثل في عدة أمور :
أولا : التمعن في القانون الانتخابي والالتزام به ، وتصحيح الأخطاء السابقة ، وتكرار الذهاب والعودة لمكتب لجنة الانتخابات المركزية .
ثانيا : إعادة فتح القوائم الانتخابية من جديد بالإضافة والسحب والتمثيل الأقرب للواقعية .
ثالثا : إعادة تسجيل المواطنين الذين لم يسجلوا بالسجل الانتخابي ، وذلك لا تاحة المجال أمامهم للترشح والانتخاب في الآن ذاته .
رابعا : دخول قوائم انتخابية جديدة منافسة بوجوه جديدة وخروج مرشحين حاليين .
خامسا : تشكيل إئتلافات جديدة لم تكن موجودة منافسة للقوائم التي شكلت .
سادسا : عودة أعضاء الهيئات المحلية المستقيلين لمزاولة إدارتهم المؤقتة لهيئاتهم المحلية كما كان عليه الأمر قبل تقديم الاستقالات لوزارة الحكم المحلي .
سابعا : عدم التلاعب مرة أخرى بأعصاب الذين كانت ترد أسمائهم للترشح لعضوية القوائم الانتخابية ثم يتم حذفها لسبب أو لآخر حسب طبيعة الولاءات والتفاهمات والإبتزازات والسياسية المفروضة من أعلى قمة الهرم السياسي على القوائم الانتخابية .
ثامنا : الخبرة والدراية واكتساب الوقت للمزيد من المشاورات لتشكيلات القوائم الانتخابية ، والاستعداد للحملات الانتخابية القادمة .
تاسعا : هدوء المشاحنات والمشاجرات الانتخابية العلنية والخفية ، والتزام السكينة والاستقرار النفسي .
عاشرا : التفتيش الأمني الفلسطيني على قوائم المرشحين وأستبعاد المشبوهين .

ففي حالة السكون السري والتصريح والتلميح العلني ، ومقاطعة حركتي حماس والجهاد الإسلامي والكثير من أنصار حركة فتح والمستقلين ، للانتخابات المحلية التي كان من المقرر إجراؤها في 17 تموز ا2010 لم يبادر أو يكترث عشرات آلاف المواطنين بالتوجه لتسجيل أسمائهم للمشاركة في عملية الاقتراع وقت الحاجة . وبهذا فعلى لجنة الانتخابات المركزية في فلسطين إعادة الكرة مرة أخرى لتمكين من لم يسجل ولم يكن مقتنعا بالتسجيل لإضافة أسمه للسجل المدني الانتخابي . وكذلك فإن لجنة الانتخابات المركزية ستبدأ التسجيل للمواطنين في قطاع غزة الذين لم تتمكن من تمكينهم من إضافة أسمائهم بعد عام 2005 ، لأسباب خارجة عن إرادتها ، وهم نسبة ناخبين كبيرة إلى حد ما ، لتمكينهم من حق الترشيح والاقتراع في الانتخابات المحلية أو الرئاسية أو البرلمانية المقبلة في حالة الاتفاق والتوافق والوفاق الوطني الفلسطيني الشامل .

الخلاصة

ورد في سنن ابن ماجه - (ج 11 / ص 442) حَدَّثَنَا مُعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ السَّلَامِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو خَلَفٍ الْأَعْمَى قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " إِنَّ أُمَّتِي لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ فَإِذَا رَأَيْتُمْ اخْتِلَافًا فَعَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ " .
على أي حال ، لا بد من الاستحقاق الانتخابي المحلي والبرلماني الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بعد انتهاء الولاية القانونية والإدارية الممتدة لأربع سنوات ، للهيئات المحلية الفلسطينية وتأجيلها لسنة أو أكثر أو أقل في المدن والريف الفلسطيني . ويفترض إتاحة المجال أمام الجميع للترشح وخوض غمار المعركة الانتخابية بحرية ونزاهة بعيدا عن الضغوط السياسية والقبلية وغيرها ، مهما كانت النتائج فلا يجوز إجراء الانتخابات المحلية في ظل خوف وتخوف حركتي حماس والجهاد الإسلامي من خوضها لأن أفرادهما ملاحقون من الأجهزة الأمنية الفلسطينية بالضفة الغربية والخوف من حملة الاعتقالات في صفوف مرشحيها . وقد كانت عملية فرز القوائم الانتخابية غير موفقة لجميع الفصائل والحركات الفلسطينية ، سواء لحركة فتح أو للفصائل الوطنية الأخرى ولبعض قوائم المستقلين . فالتحالفات كما أفاد العالمين ببواطن الأمور ، كانت هشة وضعيفة في الكثير منها ، والجميع يترقب الجميع ، للانتقام والتحسر وإلحاق الخسران المبين .
ولو أجريت هذه الانتخابات المحلية في 17 توز 2010 ، فإن حركة فتح عليها تسديد فاتورتين سياسيتين جديدتين من الناخبين العاديين والفتحاويين خاصة وتأثيراتهم العمودية والهرمية ، وهما :
الأولى : فاتورة الأخطاء في المؤتمر السادس في بيت لحم في آب 2009 .
والثانية : فاتورة استثناء المئات من كوادر حركة فتح الحقيقيين وإدخال شخصيات غير فتحاوية في قوائم حركة فتح لتمثيلها في الانتخابات المحلية .
ونعني بتسديد الفاتورة هو عدم التصويت لقوائم فتح الانتخابية ، بعدة طرق وهي : الامتناع عن الذهاب لصناديقا لاقتراع ، وترك الأوراق بيضاء في صناديق الاقتراع ، والتصويت لقوائم انتخابية غير قوائم حركة فتح سواء للمستقلين أو للجبهات الماركسية ، أو قوائم الوحدة التي تجمع فصائليين ومستقلين ، ليس حبا بها وإنما نكاية في قوائم حركة فتح التي ضمت في صفوفها مرشحين غير فتحاويين ولا يمتون للعمل الوطني بصلة .
ولو أجريت الانتخابات المحلية في الضفة الغربية في 17 تموز 2010 ، لخسرت حركة حماس خسرانا مبينا ، وحرمت من دخول أعضائها ومناصريها لحلبة الهيئات المحلية من بلديات ومجالس قروية ، وهي ضرورة شعبية ، فعملية الابتعاد الذاتي والإبعاد القسري الفعلي على أرض الواقع ، يلحق هزيمة مدوية يمكن أن تخسر بموجبها الحركة المقاطعة للانتخابات خسارة واضحة ، كونها إبتعدت ، طوعيا أو قهريا ، عن هموم وغموم المواطنين . وبالتالي فإن تأجيل الانتخابات المحلية جاء لصالحها وصالح مناصريها في الضفة الغربية .

كلمة أخيرة

جاء في صحيح البخاري - (ج 8 / ص 489) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " .
لا بد من تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية بكل معنى الكلمة ، والخروج من متاهات الانقسام والخصام بأسرع وقت ممكن ، ولا بد من توحيد فلسطين الصغرى ( الضفة الغربية وقطاع غزة ) في ظل حكومة وحدة واحدة ، فالوفاق والتوافق الوطني الفلسطيني خير لا بد منه ، والانقسام شر لا بد من إزاحته والابتعاد عنه بجميع الوسائل والطرق الحكيمة والطاهرة . ولتشارك في الانتخابات المحلية جميع الحركات والفصائل والأحزاب السياسية والمستقلين وفي مقدمتها توأم فلسطين : حركة فتح وحركة حماس . فلا انتخابات حقيقية في غياب أي من هذين الفصليين الكبيرين في الساحة الفلسطينية وليتم تحديد موعد جديد للانتخابات المحلية وكذلك للانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية لتسير فلسطين في دورة انتخابية منتظمة ومستمرة دون توقف حسب الأصول والقوانين الفلسطينية المعمول بها في البلاد لراحة العباد . ولا بد من إبعاد شبح الخوف والتخويف والإبتزاز والترقيع في الانتخابات المحلية الفلسطينية .

وختامه مسك ، فندعو ونقول والله المستعان ، كما قال نبي الله شعيب عليه السلام ، كما نطقت الآيات القرآنية الكريمة : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد – هود ) .

نترككم في أمان الله ورعايته . والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .




ليست هناك تعليقات: