الأربعاء، 30 يونيو 2010

الرحيل والهجرة العربية .. لجميع قارات العالم .. فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ

الرحيل والهجرة العربية ..

لجميع قارات العالم ..
فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ






د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109) كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112) لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115) }( القرآن المجيد – آل عمران ) . وجاء في صحيح البخاري - (ج 21 / ص 286) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ ، وَإِنَّمَا لِامْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَنْ هَاجَرَ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ" .

استهلال

خلق الناس جميعهم من ذكر وأنثى ، هما آدم وحواء عليهما السلام ، ثم تناسل الجميع وفق مبدأ التكائر الإنساني الطبيعي ، وتوزع البشر على قارات العالم القديمة والجديدة ، تبعا لعدة عوامل وأسباب طبيعية وبشرية ، وتوفر سبل الحياة الكريمة ، في هذه البقعة أو تلك من بقاع الكرة الأرضية . ويبلغ عدد سكان العالم بجميع قاراته حوالي 7 مليارات نسمة ، بالعام الحالي 0210 ، يتركز السواد الأعظم منهم في قارة آسيا ، ثم في قارة إفريقيا ثم في قارة أوروبا فأمريكا الشمالية والوسطى فالجنوبية فقارة أستراليا .
ويعيش في الوطن العربي حوالي 350 مليون نسمة ، السواد الأعظم منهم من المسلمين ، ثم النصارى . ويمتلك الوطن العربي مقومات الدولة العظمى من جميع النواحي السكانية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والأيديولوجية والتقنية وغيرها ، باستثناء القيادة السياسية الواحدة الموحدة كبقية الأمم في العالم . وأصبحت الدول العربية تابعة لا متبوعة للأسف الشديد ، فهذه الدولة ميولها غربية وتلك ميولها صينية أو شرقية وهكذا . ولم تفلح جميع الجهود العربية التوفيقية في رأب الصدع على ساحة الوطن العربي الكبير ، لإعلان الوحدة الشاملة الجامعة ( الاتحاد العربي ) ، فنرى القيادات العربية تتمترس حول الكراسي الهلامية ، وتحارب الإسلام خفية وعلنا على حد سواء بأساليب شتى ، وتصر على المحميات الصغيرة التي تمتلكها الجماعات ذات المصالح السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية أو العلمانية أو القومية على حالات الشرذمة والإنقسام لتسرح وتمرح هذه الجماعات المتنفذة في الدول المصطعنة استعماريا بالحدود البينية الوهمية التي لا تستند للتضاريس الطبيعية بل تستند للأنانية والعصبية القبلية والجهوية والعشائرية والهلاميات السياسية المصطنعة وما إلى ذلك .
وفي ظل الصراعات السياسية العربية الداخلية بين الدول الشقيقة ، والقمع الفردي والحزبي والجماعي ، والإهانة النفسية والبطالة الاقتصادية وعدم توفر حرية الرأي والتعبير فإن نسبة لا يستهان بها من أبناء الأمة العربية ، هجرت الوطن العربي الكبير ، ورحلت بهجرة دائمة لا بزيارة سياحية أو دراسية أو تجارية مؤقتة ، وإلتحقت بقارة أخرى كأمريكا الجنوبية وهي المفضلة أو أمريكا الشمالية غير قارتي آسيا وإفريقيا ، هروبا وتهربا من حياة القهر وشظف العيش والملاحقة والابتذال العربي هنا وهناك ، وكونت هذه الجماعات العربية تجمعات سكانية عربية جديدة بجنسيات أجنبية متعددة ، وأنشات هذه الجماعات المهاجرة طوعا أو كرها ، المشاريع الاقتصادية والاجتماعية والشاملة ، ونجحت في إختراق المجتمع الأجنبي الغريب عليها ، وأخذت تتبوأ منصة القيادة الاقتصادية أو السياسية أو الاجتماعية في موطنها الجديد في بعض الأحيان . والأمثلة الحية كثيرة في هذا المجال في قارة أمريكا الجنوبية ، بعيدا عن الأساليب الاستعمارية القديمة والجديدة القبيحة .
وغني عن القول ، إن الهجرة العربية للوطن العربي الكبير ، نتجت بفعل القهر السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي والفكري ، بالدرجة الأولى ، فغادرت العقول والأدمغة العبقرية والكفاءات العربية وأصحاب الرساميل ورؤوس الأموال الوفيرة ، مواطنها الأصلية وأخذت تبحث عن مواطن جديدة تقيها الحر السياسي والبرد القارص الاقتصادي والزمهرير الاجتماعي والعواصف والأمزجة النفسية المتقلبة بين الحين والآخر . وأخذت الدول الأجنبية المستقطبة ، تنمو بنمو مشاريع الجماعات العربية في البلاد الجديدة ، وكثرت الأعمال والأشغال ، ولحق من تبقى من عائلات المهاجرين العرب الجدد بأولياء أمورهم ، وأخذوا أمتعتهم الخفيفة كالملابس وغيرها ، وتركوا المباني والعقارات والمصالح بالبيع أو بالتبرع ، لمن بقي من الأقارب والجيران والأصدقاء ، والكثير الكثير منهم باع بيته وأرضه ، وبادر لشراء العقارات والأراضي في الدولة الجديدة بعدما تمكن من الحصول على جنسيتها . وليس غريبا ، أن الكثير من المهاجرين العرب الجدد هجر أسرته وأخذ بإنشاء أسرة جديدة له ، من اهل تلك البلاد ، فعزز وجوده بالمصاهرة والأنساب ، وبقيت بقايا العائلات العربية تندب حظها العاثر ، بسبب السياسة غير الحكيمة التي هجرت هؤلاء وقمعتهم ولم تترك لهم مساحة من الهواء الطلق ليتنفسوا الصعداء ، شهيقا وزفيرا بعد خروجهم من أرض الآباء والأجداد .

أسباب الهجرة العربية

يقول الله الحي القيوم تبارك وتعالى : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195) لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)}( القرآن المبين – آل عمران ) .

هناك العديد من الأسباب والعوامل التي حدت بطائفة كبيرة من العرب لهجرة بيوتها وقراها ومدنها ، والرحيل الأبدي لقارة أخرى ، بعيدة بآلاف الأميال عن الوطن الأم ، لعل من أهمها الآتي :
أولا : القمع السياسي والعسكري ، وعدم السماح بحرية الرأي ، والملاحقة المستمرة من الأجهزة الأمنية ، وحظر الأحزاب السياسية الحقيقية ، ومحاولة النظام الحاكم الهيمنة الكاملة على مقدرات وثروات البلاد بشتى الطرق من الترغيب والترهيب وما بينهما .
ثانيا : فقدان الأمان الاقتصادي : فالمهاجرون العرب الجدد تركوا بلدانهم في الوطن العربي الكبير ، وبدأوا حياة اقتصادية جديدة في التجارة والزراعة والصناعة والخدمات وتسللوا للقطاع الحكومي والخاص في الوطن الجديد ، وكل ذلك بسبب التسهيلات الأجنبية لهؤلاء المهاجرين العرب الجدد في الأوطان الجديدة . وكانت البطالة أو تضييق فرص العمل على هؤلاء أحد الأسباب الهامة في هجرة مسقط الرأس والانتقال بهجرة دائمة ، لمواطن جديدة رحبت بهم تمام الترحيب ومكنتهم من ممارسة هواياتهم وإقامة مشاريعهم التطويرية والاستثمارية المتجددة .
ثالثا : السفر للدراسة : فالكثير من طلبة الثانوية العامة أو المتحصلين على شهادات جامعية أولى أو ثانية ، تركوا بلادهم والتحقوا بجامعة أجنبية لاستكمال مسيرة الدراسات العليا ، وعندما انخرطوا في ثنايا المجتمع الأوروبي أو الأمريكي أو الآسيوي لم يعودوا لمواطنهم الأصلية ، فالتحقوا بفرص عمل جديدة ، دون ملاحقة عسكرية أو أمنية أو خذلان اقتصادي ، وآثروا الهجرة على العودة . وبهذا شكل السفر والإغتراب عامل طرد سلبي لهم .
رابعا : عقود العمل : بسبب البطالة وحالة البؤس والشقاء في الوطن ، يسعى الكثير من الشباب لتوفير فرصة عمل مناسبة له في القطاعات الخاصة والتعاونية الجماعية ، تدر عليه دخلا وإيرادا عالى القيمة شهريا وسنويا لتكوين نفسه وأسرته وحياته المستقبلية المتعبة ، فيعمد هؤلاء الشباب للبحث عن فرصة عمل خارجية ، خارج الوطن العربي ، وعندما يمكثون سنة أو عدة سنوات ، تتراخى هممهم ويمهلون الخطى للبقاء في تلك البلاد التي فيها مصدر رزقهم ، ويتركوا أهلهم وأوطانهم الأصلية ويعملوا على تكوين أنفسهم وعائلات جديدة لهم في البلدان المستقبلة الجاذبة .
خامسا : التجارة : هناك الكثير من التجار والأثرياء العرب الذين يهاجرون طلبا للكسب والتجارة ، بين الدول فتعجبهم التجارة في هذا البلد أو ذاك ، ويمضوا بقية سني حياتهم فيه ، ويتركون مواطنهم إلى غير رجعة .
سادسا : الزيارات السياحية : الكثير من المهاجرين العرب تركوا أوطانهم الصغيرة ، وهاجروا لمواطن جديدة ، بعد أن زاروا تلك البلاد في زيارات سياحية مؤقتة فطابت لهم الحياة هناك ، وتركوا بلادهم بصورة مؤقتة ثم ما لبثوا أن قطعوا زيارتهم لأهاليهم وجغرافيتهم الطبيعية ، وفضلوا المكوث في تلك البلدان بعدما استقروا بها نفسيا بسبب عوامل الشد والجذب لهم .
سابعا : الإنفلات والانحلال الأخلاقي في الدول الأجنبية : هناك فئة عربية تتأثر سلبيا بالدعاية الأجنبية المغرضة ، فلا يعبجها العجب ولا الصيام في رجب ، فتهلك وتهلك من حولها ، فتحبذ الانقياد للرغبات والشهوات الجنسية المفتوحة المنفلته ، فتلجأ لقارة أو دولة أخرى ، وقارات أمريكا الشمالية والجنوبية وآسيا الشرقية خصوصا ، هي المرتع الخصب لهذا الإنحلال الأخلاقي والأسري .
ثامنا : البعثات الدبلوماسية : فالكثير من أعضاء البعثات الدبلوماسية ، يعيشون مع أهاليهم في هجرات رسمية أو شبه رسمية دائمة في العواصم والمدن التي تتواجد بها مقرات السفارات والقنصليات والمكاتب التجارية لدولهم . وفي كثير من الأحيان بعد الانتهاء من العمل الدبلوماسي يبقى هؤلاء الدبلوماسيون وعائلاتهم في البلدات التي مثلوا بها بلادهم في وقت من الأوقات وينتقلوا من العمل السياسي والدبلوماسي للعمل الاقتصادي الاستثماري وشراء العقارات والممتلكات والمتاجرة بها .
تاسعا : الزواج : يسافر ويهاجر آلاف العرب طمعا في الزواج من أجنبية أو قريبة يعمل أهلها في تلك الدولة ، في محاولة لصيد عصفورين بحجر واحد كما يقول المثل الشعبي العربي ( الزواج من فتاة أحلامه ، والعمل في مهنة تدر أموالا طائلة ) .
عاشرا : الخلاف العشائري : قد يسافر آلاف الناس بسبب خلافات أسرية أو عائلة أو عشائرية ، للهروب من الواقع المر الذي عايشوه لسبب أو لآخر ، فتأتي عملية الهجرة لبلاد الغربة والإغتراب للابتعاد عن مشاكل اجتماعية او خلافات عادية أو عميقة .
حادي عشر : الهجرة للعلاج وخاصة لذوي الأمراض المزمنة المستعصية التي لا يوجد لها معالجات أو عمليات جراحية في مستشفيات الوطن العربي ، وكثيرا ما يعود هؤلاء على نقالات الموتى أو يدفنون في مقابر أجنبية بالقرب من أقرباء لهم هنا أو هناك .
ثاني عشر : الهجرة لخدمة الوطن العربي : وهذه الفئة قليلة العدد ، حيث يسافر مئات الأفراد للعمل السياسي أو الاقتصادي أو العسكري أو الأمني لخدمة وطنهم . ويبقون مستقرين في تلك البلدان الأجنبية .
ثالث عشر : الهجرة للجهاد في سبيل الله : كما حصل في مقاومة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان سابقا طيلة 10 سنوات 1979 – 1989 ، ويحصل الآن في مقاومة الاحتلال الأمريكي والغربي للعراق ، وغيرها من الهجرات الجهادية .
رابع عشر : الهجرة لمعارضة الأنظمة العربية الحاكمة : كما يحصل في جبهات وحركات المعارضة للدول العربية مثل المعارضة العراقية سابقا ، والمعارضة المصرية والسورية والليبية والسودانية واليمنية والجزائرية وغيرها .

من أفضل قارة .. للهجرة العربية ؟؟؟

يقول الله الحليم العظيم جل جلاله : { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَلَأَجْرُ الْآَخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (42)}( القرآن العظيم – النحل ) . كما يقول الله الغني الحميد جل شأنه : { وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (58) لَيُدْخِلَنَّهُمْ مُدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ (59) ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنْصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ (60)}( القرآن الحكيم – الحج ) .

تستقطب جميع قارات العالم العرب المهاجرين ، لتكوين الحياة الآمنة الجديدة ، وإنشاء الاستثمارات العديدة ، أو التمكن من الحوز على وظيفة براتب شهري مرتفع ، أو الدراسة بجامعة أجنبية مناسبة ، للذوق والتخصص المرغوب أو الرغبة في الدخول بحياة اجتماعية مفتوحة ومنفتحة دون الالتزام بضوابط أسرية أو عائلية عربية إسلامية أصيلة . وفيما يلي ترتيب قارات العالم المحببة للمهاجرين العرب الذين تركوا أوطانهم الصغيرة ووطنهم العربي الكبير :
أولا : أمريكا الشمالية :
ففي قارة أمريكا الشمالية وخاصة في الولايات المتحدة أولا ثم كندا ثانيا ، والابتعاد قدر الإمكان عن المكسيك بلد المافيا ثالثا . فالكثير من الناس يحاولون الحصول على جنسية الولايات المتحدة الأمريكية سواء بالإقامة أو الزواج من فتاة أمريكية ، عربية أو أمريكية ، نظريا أو فعليا . ويسعى هؤلاء للسفر المؤقت ثم الدائم بعد الاطلاع والتمكن من ذلك ، لكسب المزيد من المال والجاه . ولا بد من القول ، إن الولايات المتحدة أصبحت جحيما لا يطاق في الإجراءات والتعقيدات الأمنية وانتشار المافيا الإجرامية وغياب الأمن والاستقرار الداخلي وملاحقة العرب والمسلمين واعتبارهم كالطابور الخامس غير المخلص للبلاد . إلا أن الدولار الأمريكي يسيل له لعاب البعض من ذوي النفوس المالية التي تحب المال حبا جما وتفضله على جميع القيم والمثل العليا .
وتعتبر كندا من الدول السهلة للحصول على جنسيتها ، والبعض يرحل لها لأنها ذات مساحة شاسعة ، وإمكانية الهجرة والسفر لها متاحة بصورة أفضل من غيرها دون تعقيدات أمنية أو جغرافية أو عنصرية ، مع إمكانية البناء الاقتصادي بسهولة ويسر بقروض كندية ، وكذلك وجود مخصصات البطالة المرتفعة ، وتطبيق التقاعد المدني بمبالغ مالية عالية تصل إلى ألفي دولار شهريا أو أكثر . فكندا تحاول استقطاب ملايين الناس ما استطاعت إلى ذلك سبيلا لتكثير عدد سكانها بالاستيراد لأن نسبة التكاثر الطبيعي فيها منخفضة .
ثانيا : أمريكا الجنوبية :
لقد أضحت دول قارة أمريكا الجنوبية وخاصة البرازيل وفنزويلا والأرجنتين وتشيلي وغيرها من الدول محطة استقبال دائمة للجماعات العربية المهاجرة ، كونها واسعة المساحة ، وإمكانية الانطلاق والنجاح الاقتصادي واردة بفرص مؤاتية ، بسبب رخص العقارات من الأبنية والأراضي ، وتكاليف الحياة المعيشية اليومية المنخفضة وغياب الملاحقات الأمنية القمعية للوافدين الجدد . وكذلك الانحلال الاجتماعي وانتشار الزنا والمخدرات وعصابات المافيا بكثرة .
ثالثا : أوروبا :
وقارة أوروبا هي القارة الصناعية والمصرفية الأولى التي تستقطب أصحاب رؤوس الأموال العرب ، فالاستثمار العربي في المصارف وأجنحة الاقتصاد متصاعدة وخاصة في دول أوروبا الغربية . ويكثر بدول أوروبا الشمالية عملية اللجوء السياسي هربا من الأنظمة العربية ، وطلبا لمخصصات البطالة الشهرية ، فتجد المهاجرين العرب يلجأؤون سياسيا للسويد أو النرويج أو الدانمارك أو فنلندا ليقضوا بقية حياتهم هربا من الحرمان الرسمي العربي . في حين تستقطب البنوك الأوروبية في سويسرا والنمسا الأرصدة العربية الخيالية ، الساعية للثراء الاقتصادي السريع وفق مبادئ الربا الرأسمالية المحرمة إسلاميا . وأما بقية الدول الأوروبية كألمانيا وهولندا وفرنسا وبريطانيا وإسبانيا وإيطاليا وبلجيكا وغيرها ، فتتمثل الهجرات العربية لها طلبا للدراسة أو التجارة أو السياحة أو الاستثمار وغيرها .
رابعا : آسيا :
تعتبر دول قارة آسيا من العوامل الجاذبة للعرب ، وخاصة في الدول الإسلامية كأندونيسيا وماليزيا وغيرها . وكذلك تعتبر الصين ، كتنين اقتصادي عالمي ، يجذب أصحاب رؤوس الأموال للتقدم الصناعي ورخص الأيدي العاملة وتوفر الكفاءات العلمية الرخيصة . فالهجرة العربية للصين ، احتلت مركزا مرموقا في هذا العصر ، فالصين عملاق اقتصادي كبير ، وبها يتم إنشاء الاستثمارات الصناعية والخدمية العربية المربحة التي تدر أرباحا طائلة . ويمكن القول إن الهجرة العربية للصين ، وكوريا الجنوبية ، تأتي للاستقرار الاقتصادي والسياسي إلى حد ما .
خامسا : أستراليا :
تعتبر أستراليا من المناطق الجاذبة للمواطنين العرب وتشجيعهم على الانتقال من الوطن العربي للمدن الاسترالية ، وتتمثل هذه الهجرات العربية المتتالية بسبب توفير العمل والشغل المنتظم ودفع مخصصات البطالة لجميع أفراد الأسرة البالغين ، وتوفر التقاعد المدني ، والتشجيع السياسي والاقتصادي الغربي للهجرة إلى أستراليا بحوافز مادية ومعنوية عالية .
سادسا : إفريقيا :
تعتبر قارة إفريقيا ، القارة العالمية الأخيرة التي تستقطب العرب للهجرة الدائمة ، ورغم وجود أعداد وأفواج كبيرة من المهاجرين العرب في إفريقيا إلا أن معظم هذه الهجرات موسمية ومؤقتة لا تصل لحد الانقطاع عن الوطن العربي الأم في هذه الدولة أو تلك . وتأتي قارة إفريقيا في المرتبة الأخيرة لهجرة العرب لعدة أسباب من أبرزها : المناخ الصعب والجو المرتفع الحراراة ، وضيق ذات اليد ، وصعوبة الاستثمار الاقتصادي المربح كثيرا . وكذلك رغبة العرب في الهجرة لمناطق اقتصادية متقدمة ، بوجود أعراق وسلالات بشرية بيضاء لا سمراء أو سوداء اللون .

كيفية الحد من الهجرة العربية

هناك العديد من الطرق والأساليب لتثبيت وصمود المواطن العربي في الوطن العربي الكبير ، والحيلولة دون هجرته ، هجرة مؤقتة أو دائمة ، ومن أهمها :
أولا : توفير البيئة السياسية الملائمة القائمة على التعددية وحرية الرأي وحرية تشكيل الأحزاب السياسية والمشاركة السياسية المفتوحة .
ثانيا : توفير البيئة الاقتصادية المناسبة بالإعفاء من الرسوم والجمارك والضرائب المتلاحقة الكبيرة التي تثقل كاهل المستثمرين العرب .
ثالثا : الحدود العربية المفتوحة : وعدم التقوقع في متاهات الحدود الاصطناعية الوهمية الحالية التي صنعها الاستعمار الأوروبي والغربي عموما . والسماح بالانتقال الحر بجواز سفر دون الحاجة لفيزا سفر من هذه السفارة أو تلك ، والاستثمار الاقتصادي الحر بين جميع الدول العربية بوجود ضمانات للحفاظ على الممتلكات الخاصة ومنع القمع .
رابعا : الانفتاح الجامعي العربي : بالتواصل والتكامل بين الجامعات العربية ، وزيادة البعثات والمنح الدراسية العربية للطلبة العرب ، وتخصيص ميزانيات مالية ملائمة في هذا المجال .
خامسا : تنظيم البعثات الدراسية للطلبة العرب مع اشتراط العودة للوطن مع تويع ضمانات مالية عالية .
سادسا : الدعاية الإعلامية المناسبة عبر جميع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة والانتر نت ، لمنع الهجرة العربية للخارج ، مما يلحق الأذى العلمي والتقني والاقتصادي والاجتماعي والنفسي الشامل بالمهاجرين والبلدان التي هجروا منها أو هاجروا بسببها .
سابعا : تنظيم حملات العفاف لتزويج الشباب العربي والحد من هجرته للخارج والزواج من أجنبيات مع ما يلحق ذلك من خسائر اجتماعية فادحة بالمجتمع العربي الكبير ، ويبقي نسبة كبيرة من بنات الوطن العرب عانسات بلا زواج مع خطورة هذا الأمر الاجتماعي المخيف .
ثامنا : تمكين العرب الراغبين بالهجرة من ديارهم للهجرة لديار عربية أخرى ، وتوفير فرص عمل ووظائف لهم تقيهم شر الفقر والفاقة . فنلاحظ دول الخليج العربي تستقطب ملايين الأشخاص من العمالة الأجنبية بينما تعيش ملايين العرب في بطالة وفقر مدقع .

متى يتم تطبيق مبادئ الهجرة العربية المضادة ؟؟؟

لقد آن الأوان ، لتطبيق مبادئ الهجرة العربية المضادة ، بمعنى تشجيع عودة المهاجرين العرب إلى ديارهم ومواطنهم الأصلية بضمانات وكفالات سياسية وأمنية واقتصادية بعدم التعرض لهم بالأذى ، وتجميع مدخراتهم للتنمية في الوطن العربي الكبير بعيدا عن المناكفات والحساسيات السياسية المقيتة . فهناك ملايين العرب الذين هجروا من ديارهم لأسباب شتى ، قهرية وطوعية ، أو مزيج بينهما ، وبدلوا مكان سكنهم من الوطن العربي إلى قارات العالم كافة ، وخاصة القارات ذات الشد والجذب الاجتماعي والاقتصادي المفتوح ، وهذه الفئة يفترض أن تخصص لها وزارات عربية خاصة لرعاية شؤون المغتربين وتشجيعهم على العودة لمواطنهم للاستفادة من تجاربهم وخبراتهم واستثمارتهم الجريئة والكلية .

الهجرة من الوطن العربي وليس إليه ؟؟

بالرغم من وجود الثروات الطبيعية من النفط والغاز الطبيعي والمواد الخام المكتشفة وغير المكتشفة حتى الآن ، فإن الوطن العربي كجغرافيا وتاريخ وسياسة واقتصاد ، يعتبر منطقة جغرافية وسياسية واقتصادية طاردة ودافعة وليست منطقة جذابة وجاذبة للمهاجرين الأجانب الجدد . فلا نرى هجرات أجنبية وافدة الهجرات المؤقتة للعمل ، سوى لمناطق الخليج العربية كدول مجلس التعاون الخليجي ( السعودية وعمان وقطر والبحرين والإمارات العربية والكويت ) . وعلى العكس من ذلك نرى هجرات عربية داخلية بين الدول متصاعدة كهجرة العمالة المصرية للخليج العربي ، وهجرة الشباب الفلسطيني من فلسطين المحتلة للوطن العربي أو الدول الأجنبية بفعل القمع والتسلط الصهيوني على مقدرات فلسطين الأرض المقدسة ، منذ عام 1948 حتى الآن ، وتهجير قرابة 6 ملايين فلسطيني لخارج وطنهم الأم فلسطين . وكذلك هجرة ملايين العراقيين بسبب سوء الأحوال السياسية ووجود الاحتلال الأمريكي المباشر في العراق منذ 2003 م ، وهجرة مئات آلاف اللبنانيين لقارة أمريكا الجنوبية والشمالية وأوروبا وهجرة المعارضة للأنظمة السياسية العربية .
ولا نجد هجرة أجنبية دائمة ، لعموم الوطن العربي الكبير ، باستثناء فلسطين المباركة التي يتوافد عليها عشرات آلاف اليهود سنويا للاستمرار في احتلالها وبناء المملكة اليهودية الخاطئة التي تحتل فلسطين بدواعي ومبررات استعمارية ودينية وعسكرية وسياسية واهية . وقد بلغ عدد اليهود الغرباء الطارئين بفلسطين المحتلة حتى الآن عام 2010 حوالي 5.6 مليون يهودي جاؤوا من 102 دولة أجنبية حسب الإحصاءات الرسمية الصهيونية بفلسطين المحتلة .

كلمة أخيرة



يقول الله العلي العظيم عز وجل : { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9)}( القرآن المجيد – الحشر ) .
وختامه مسك ، إن الأمة العربية ، أمة إسلامية مجيدة ، خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر والبغي ، وهي أمة تحارب بجهادها الطواغيت الداخليين والاستعماريين الخارجيين ، ولا تقبل القهر والذل والإهانة ، وتترك المناطق الباغية الطاغية ، لترتكز في المناطق المؤاتية نفسيا وجغرافيا وطبيعيا وبشريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، لحين من الدهر ، فكثيرا ما تشاهد اللاجئين السياسين العرب في الدول الأجنبية على اختلاف قاراتها الست ، وكثيرا ما تجد المستثمرين المهاجرين هربوا بأنفسهم وأهليهم وسبقتهم أموالهم ، ليستثمروا في البلدان الأجنبية بسبب توفر البيئة الاقتصادية المؤاتية ، أو البيئة السياسية المفتوحة والمنفتحة بعكس البيئة المنغلقة سياسيا في الكثير من بلدان الوطن العربي ، التي يجب على الأحزاب فيها الحاكمة والمعارضة على السواء ، مداهنة القيادة الحاكمة ، والتودد لها ، بمناسبة وبغير مناسبة ، مما يضطر الكثير من الأحرار العرب ، شد الرحال للهرب من الجحيم الرسمي ، والخروج من ثنايا الزجاجة المغلقة والانتقال للهواء الطلق ، لتنسم هواء الحرية ، بعيدا عن الملاحقات الأمنية والسياسية والعسكرية ، وطلبا للأمن والأمان والاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي والحفاظ على الممتلكات الخاصة دون التعرض لها أو مصادرتها أو إتلافها أو غير ذلك .
ويمكننا القول ، إنه في حالة توفر مقومات الحياة الطبيعية ، من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي فإن الكثير من المهاجرين العرب المترددين سيعودون لمواطنهم في الوطن العربي الكبير ، باستثمارات ومشاريع اقتصادية واجتماعية جديدة ، وسيعملون على التنمية والتطوير الاقتصادي بأموالهم الوفيرة التي اكتسبوها وهم في خارج الوطن العربي الكبير .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .




السبت، 26 يونيو 2010

قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ - سيرة حياة مهنية وأكاديمية .. د. كمال إبراهيم علاونه

قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

سيرة حياة مهنية وأكاديمية ..
د. كمال إبراهيم علاونه




الولادة والإقامة

الدكتور كمال إبراهيم محمد شحادة علاونه ، مواطن مسلم عربي من فلسطين ، من مواليد صيف 1961 في قرية عزموط على بعد 5 كم شمال شرق مدينة نابلس ، جبال النار في الأرض المقدسة ( فلسطين ) . تلقى تعليمه الأساسي من الصف الأول حتى السادس الابتدائي ، في مدرسة ذكور عزموط الأساسية في القرية ، ثم التحق من الصف السابع حتى الثاني الثانوي في مدارس مدينة نابلس ، حيث إلتحق بالمدرسة العامرية من الصف السابع حتى العاشر .

ثم التحق بمدرسة قدري طوقان الثانوية للصف الحادي عشر ثم التحق بمدرسة الصلاحية فمعزوز المصري في مدينة نابلس في الصف المدرسي الأخير وهو الثاني الثانوي للفرع الأدبي ( التوجيهي – البكالوريا ) ، حيث حصل على المرتبة الأولى في المدرسة بمعدل 83.4 % .






الحياة الجامعية والاعتقال في سجون الاحتلال الصهيوني

التحق الطالب كمال في جامعة النجاح الوطنية بنابلس في كلية الاقتصاد والعلوم الإدارية على بعد 8 كم عن منزل الأسرة ، حيث حصل على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية والصحافة كتخصص رئيسي واللغة الإنجليزية كتخصص فرعي بمعدل 75.2 % في نيسان 1986 ، حيث تأخر عن التخرج بسبب اعتقاله لدى قوات الاحتلال الصهيوني حيث اعتقل ثلاث مرات أثناء دراسته الجامعية ، من بينها اعتقاله اعتقالا إداريا لمدة ستة شهور في 28 آب – أغسطس 1985 ، إذ تزامن هذا الاعتقال مع إغلاق قوات الاحتلال الصهيوني لجامعة النجاح الوطنية لمدة أربعة أشهر بتهم أنها جامعة تحرض ضد الاحتلال الصهيوني .



وأثناء دراسته الجامعية كان نشيطا في الحياة الطلابية النقابية الجامعية والحياة السياسية العامة ، حيث انتخب رئيسا للجنة اللوائية للجان الشبيبة للعمل الاجتماعي في محافظة نابلس ، ونائبا للأمين العام للاتحاد العام للجان الشبيبة في الأرض المحتلة ( الضفة الغربية وقطاع غزة ) . وأعد مجلة ( صوت الشبيبة ) وهي مجلة سياسية اجتماعية وثقافية ، تخص الشبيبة الفلسطينية .




وبعد تخرجه في جامعة النجاح الوطنية بشهرين ، في تموز – يوليو 1986 ، التحق بصحيفة الفجر المقدسية حيث عمل كاتبا ومحققا صحفيا ومراسلا في الآن ذاته ، واستطاع خلال شهرين من عمله أن يحتل المرتبة أولى في النشاط الصحفي بالصحيفة في كتابة وإعداد المواد الصحفية في شتى المواضيع ، مما جعل المحرر المسؤول وهيئة تحرير الصحيفة يطرح قضية فعاليته الجديدة للاستفادة منه ومن تجربته العلمية والعملية لدى جميع العاملين في الفجر المقدسية .
وأثناء عمله الصحفي بصحيفة الفجر ، اعتقلته قوات الاحتلال الصهيوني اعتقالا إداريا لمدة ستة شهور ، إبان انتفاضة فلسطين الكبرى الأولى 1988 ، وألزمته قوات الاحتلال الصهيوني ببطاقة هوية خضراء وهي مخصصة ( للمحرضين ) من الأسرى السياسيين الفلسطينيين لمدة سنة ، منع بموجبها من الخروج من محافظة نابلس ، وإعتباره من ( الفئة الأولى ) المحرضة ضد الاحتلال الصهيوني ، وبالتالي فقد عمله في مدينة القدس مركز صدور صحيفة الفجر الفلسطينية . ثم اعتقل مرة ثالثة اعتقالا إداريا عام 1989 ، لمدة أربعة شهور .



وقد ساهم كمال علاونه ساهم في تأسيس الاتحاد العام للفلاحين الفلسطينيين في الأرض المحتلة ، وتبوأ رئاسة اللجنة التنفيذية في الاتحاد لعدة سنوات .




الحياة الأسرية والاجتماعية




بالنسبة لحياته الاجتماعية ، كمال هو أحد الأبناء العشره لأبيه وأمه ، ( إبراهيم وسهيلة ) والأب من عزموط والأم من ساقية قرب يافا ، فكانت أسرته من الأنصار والمهاجرين بفلسطين ، حيث كمال يعتبر الإبن الأوسط لخمسة أبناء ، بالإضافة إلى خمس أخوات واحدة أكبر منه ، والباقيات أصغر منه . وتزوج كمال علاونه عندما كان في الخامسة والعشرين من عمره ، بعد تخرجه بشهر واحد تقريبا في جامعة النجاح الوطنية في نابلس ، من زميلته في قسم العلوم السياسية بجامعة النجاح الوطنية بنابلس ( عطاف أبو غضيب ) في أيار 1986 ، وأنجبا أربعة أبناء : الابن البكر هلال ، وهو الآن على أبواب التخرج من الجامعة بقسم الصحافة نهاية 2009 إن شاء الله ، وحازم ( خريج قسم المحاسبة 2009 ) ، وآية ، طالبة بكلية الهندسة بالسنة الثالثة ، وأمل الزهراء ( الصغرى ) في الصف الأول الأساسي .







أمل الزهراء تلبس زي التخرج من الروضة 2009

أمل الزهراء الأبنة الصغرى للدكتور كمال علاونه أنهت الصف الأول الأساسي بمدرسة بنات عزموط الأساسية 2010





العمل المهني .. في هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية

نشط كمال علاونه ، في كتابة المقالات والدراسات منذ سنواته الجامعية الأولى ، حيث كتب دراسة عن الفاشية ، ودراسة أخرى عن النازية ، وثالثة عن القومية العربية ، وعن قريته عزموط ، وكتب عن الشبيبة الفلسطينية ، في مجلة البيادر السياسي ، ومجلة العودة المقدسية . وكان أول عمل صحفي وظيفي التحق به د. كمال علاونه ، في صحيفة الفجر المقدسية في تموز 1986 ، ثم في صحيفة كل العرب التي تصدر بالناصرة حيث عمل مراسلا صحافيا .
وفي نيسان 1994 أختير مع 15 صحفيا ومهندسا ، من بين ألفي صحفي ومهندس ، ليكون في من الفوج الأول لنواة هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية ، وعند إنطلاق بث الإذاعة والتلفزيون الفلسطيني في 1 تموز 1994 ، عند قيام السلطة الوطنية الفلسطينية ، في مدينة أريحا ، كان من أوائل المعدين والمقدمين للبرامج في جناحي الهيئة في ( صوت فلسطين ) و( تلفزيون فلسطين ) بأريحا ورام الله . حيث أعد وقدم وأخرج عدة برامج إذاعية وتلفزيونية من أهمها : ( حديث الروح ) ، مع الأنبياء ، ( آفاق إيمانية ) ، شؤون بلدية وقروية ، شؤون عمالية ، مؤسساتنا ، نافذة على الوطن العربي ، في رحاب الجامعة ، وبرنامج يومي ( محطات عمالية ما بين 7 – 10 دقائق صباحية ) وغيرها من البرامج الإذاعية بالإضافة إلى مشاركته في دائرة تحرير الأخبار الفلسطينية والعربية والدولية ، وإعداد التقارير والحوارات مع كبار المسؤولين الفلسطينيين والعرب والأجانب . وبلغ عدد البرامج المذاعة من إعداده وتقديمه وإخراجه أكثر من ألف حلقة إذاعية وتلفزيونية . بواقع زمني يتراوح ما بين 30 – 40 دقيقة أسبوعيا لكل برنامج .

المقالات والدراسات والتدريب

للكاتب والصحفي والأستاذ الجامعي د. كمال علاونه عشرات المقالات والدراسات منذ أن كان طالبا بالسنة الأولى بجامعة النجاح الوطنية بنابلس وقد نشرت في : مجلة العودة المقدسية ، ومجلة الميلاد الفلسطينية ، ومجلة الإسراء التابعة لدار الفتوى والبحوث الإسلامية الفلسطينية ، وصحيفة الحياة الجديدة ، وصحيفة القدس ، وصحيفة النساء التي تصدر عن طاقم شؤون المرأة ، وغيرها ، بين الأعوام 1997 – 2000 . وحاضر في العديد من الدورات التدريبية ، في طاقم شؤون المرأة برام الله ، ومركز شؤون المرأة والأسرة في نابلس ، كمحاضر غير متفرغ . ومدرب مدربين في دائرة التعليم المستمر بجامعة فلسطين التقنية بطولكرم .

الحصول على الماجستير والدكتوراه

في خريف عام 1996 التحق بجامعة بير زيت بفلسطين ، في برنامج دراسات عربية معاصرة للماجستير ، حيث كثف دراسته واختصر الزمن اللازم للتخرج بحوالي النصف ، وكان من الفوج الأول من المتخرجين في صيف 1998 إذ نال درجة الماجستير خلال سنة ونصف ، بمعدل جيد جدا 85 % وهو من المعدلات العالية في الجامعة . وخلال دراسته كان يواصل عمله في الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية بأريحا ، ليجمع في تنقله بين ثلاث مدن في اليوم الواحد هي : نابلس ، مكان سكنه ، وأريحا مكان عمله ، وبير زيت قرب رام الله ، مكان دراسته ، فكان مثلثا سكنيا ووظيفيا ودراسيا فريدا من نوعه .



كمال علاونه يرفع شهادة الماجستير بالدراسات العربية المعاصرة بجامعة بير زيت 28 / 6 / 1998
وفي عام 1999 ، توجه مرتين بوفد رسمي فلسطيني عبر معبر رفح جنوب قطاع غزة ، لمتابعته دراسته العليا لدرجة الدكتوراه في جامعة الأزهر بالقاهرة في العلوم السياسية أو الإعلام إلا أن السلطات المصرية أعادته مرتين ، ومنعته من دخول مصر ، فاتجه لاستكمال الدراسة في العاصمة السودانية الخرطوم ملتحقا بجامعة النيلين ( جامعة القاهرة فرع الخرطوم سابقا ) إذ نال درجة الدكتوراه في العلوم السياسية ، في أيلول 2002 وكانت أطروحة الدكتوراه بعنوان ( سياسة التمييز الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ) .



الباحث كمال علاونه يناقش رسالة الدكتوراه بجامعة النيلين بالخرطوم بعنوان ( سياسة التمييز الإسرائيلية ضد الفلسطينيين ) 3 / 6 / 2002

وكان في 4 تموز 2000 قد انتقل من هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية بتنسيب من وزير التعليم العالي د. منذر صلاح فصدر قرار من الرئيس الفلسطيني بترقيته ونقله في الآن ذاته من هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية الحكومية إلى مدير دائرة العلاقات العامة بوزارة التعليم العالي في رام الله بدرجة مدير ( أ ) ، فاحتجت إدارة هيئة الإذاعة والتلفزيون على انتقاله ، وتم الاتفاق لاحقا على أن يبقى متطوعا لدى الهيئة معدا ومقدما لبرامجه وخاصة برنامج التعليم العالي ( في رحاب الجامعة ) وهذا ما كان لمدة سنة لاحقة إلى جانب عمله كمدير للعلاقات العامة بوزارة التعليم العالي .





التدريس الجامعي

وبعد نيله درجة الدكتوراه بأقل من عام ، انتقل د. كمال علاونه للتدريس الجامعي في ( كلية فلسطين التقنية بطولكرم ) الحكومية لدرجة البكالوريوس حيث عمل على تدريس مساق ( قضية فلسطين ) لطلبة البكالوريوس في الهندسة والتربية الرياضية وغيرها . وأثناء عمله في هذه الكلية قبل تحويلها لجامعة ، عمل على التدريس في ثلاث جامعات فلسطينية هي : جامعة النجاح الوطنية في نابلس ، وجامعة القدس المفتوحة في عدة فروع ، وجامعة فلسطين التقنية بطولكرم ، في حالة فريدة من نوعها .





د. كمال علاونه بالزي السوداني الأبيض 2002

وقد حاضر بعدة مساقات كأستاذ علوم سياسية غير متفرغ في جامعة القدس المفتوحة في مناطق : نابلس وطولكرم وطوباس ) ، منذ 1998 - 2009 ، وفق نظام التعلم عن بعد والتعليم المفتوح والإشراف الأكاديمي على مساقات جامعية حسب كل فصل دراسي وهي : فلسطين والقضية الفلسطينية ، مدخل إلى العلوم السياسية ، الوطن العربي والتحديات المعاصرة ، الاتصال والعلاقات العامة ، المدخل في التخطيط والتنمية ، المجتمع المحلي الفلسطيني ، التخطيط الإقليمي والريفي ، مشكلات إدارة التنمية ، نظام الحكم في الإسلام ، التربية الوطنية ، تاريخ القدس .
وكأستاذ علوم سياسية متفرغ في جامعة فلسطين التقنية الحكومية في طولكرم ، عمل على تدريس طلبة درجتي البكالوريوس والدبلوم ، منذ 25 آذار 2003 وحتى الآن . حيث حاضر في المواضيع التالية : الوطن العربي والتحديات المعاصرة . القضية الفلسطينية . مهارات الاتصال . إدارة الأفراد . مبادئ العلاقات العامة . مراسلات حكومية وتجارية باللغتين العربية والإنجليزية . أنظمة المعلومات الإدارية ، حل مشاكل . المعاملات المالية في الإسلام . أعمال السكرتاريا . مناهج البحث العلمي .
وكأستاذ علوم سياسية غير متفرغ في جامعة النجاح الوطنية - نابلس حاضر في الدراسات الفلسطينية ، في الأعوام الأكاديمية 2003 / 2005 .
وشغل منصب رئيس نقابة العاملين في جامعة فلسطين التقنية بطولكرم ، ومنسق اللجنة العليا لنقابات العاملين في الجامعات والكليات الحكومية بفلسطين منذ 26 أيار 2007 – 18 / 12 / 2008 ( استقالة ) . وشغل منصب نائب رئيس جامعة فلسطين التقنية للشؤون الإدارية والمالية منذ 31 تموز 2007 – 27 / 1 / 2008 ( استقالة ) .




مشاركات في المؤتمرات العلمية

وللدكتور كمال إبراهيم علاونه ، ابن جبل النار بفلسطين العربية المسلمة ، عدة مشاركات في مؤتمرات علمية وشعبية فلسطينية في نابلس وأريحا ورام الله والقدس ، ومؤتمرات نظمت في جامعات فلسطينية عديدة ، حول القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإعلامية ، وشؤون الأسرى الفلسطينيين والقضايا النسوية . وكان ناطقا إعلاميا لبعضها ومنسقا إداريا للبعض الآخر كباحث ومتحدث وخبير إعلامي وسياسي .

الكتب والمؤلفات المنشورة

وللدكتور كمال علاونه عدة مؤلفات من أهمها : خطة خريطة الطريق وانتفاضة الأقصى والسلام المفقود ، والأصول الإسلامية في العلاقات العامة والإعلام ، وفلسطين العربية المسلمة ، وهي كتب تدرس في جامعات فلسطينية لدرجتي البكالوريوس والماجستير والدبلوم المتوسط . وله عدة كتب بانتظار الطباعة من أهمها : نور الإسلام ، ومحطات عمالية ، الحكم المحلي في فلسطين ، رسائل مفتوحة ، الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأولى والثانية ، الإعلام الإذاعي والتفزيوني الفلسطيني .












الشبكة الإلكترونية .. شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )



عمل د. كمال علاونه على إنشاء مواقع إلكترونية خاصة وعامة ، وهي : مدونة فلسطين العربية المسلمة ( مدونات مكتوب ) منذ شباط 2008 ، ثم تلتها مدونة الأرض المقدسة . وفي 30 تموز – يوليو 2008 الموافق لذكرى الإسراء والمعراج 27 رجب 1429 هـ ، أنشأ شبكة إلكترونية ، بعنوان ( شبكة الإسراء والمعراج – إسراج ) وهي شبكة أنباء إسلامية عربية وفلسطينية ، يرتادها زوار من 157 دولة بلغ عددهم حتى الآن أكثر من 1.32 مليون زائر ، حيث يتبوأ موقع الرئيس التنفيذي للشبكة . ويعتبر د. كمال من الناشطين في المجالات البحثية والمقالية حيث يكتب بانتظام بما يتراوح ما بين 2 – 4 مقالات أسبوعية ، وأحيانا يكتب مقالات يومية ، تنشر تباعا على شبكة ( إسراج ) والمدونات ، وشبكات إلكترونية عالمية وفلسطينية مشهورة مثل : دنيا الوطن ، ووكالة قدس نت للأنباء ، وانتفاضة فلسطين ، ووكالة معا الإخبارية سابقا وغيرها ، وتنقل لها عشرات المواقع الإلكترونية العربية والإسلامية والعالمية مقالاته ودراساته بانتظام . وتتركز مقالاته حول الإسلام والسياسة والإعلام والاقتصاد والحياة الاجتماعية والمرأة .


نصيحة للطلبة الجامعيين

يقول د. كمال علاونه : بصفتي عملت 8 سنوات مرشدا للطلبة والجامعيين عموما في إذاعة ( صوت فلسطين ) بهيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية الحكومية ، ضمن برنامج في رحاب الجامعة ، ومديرا للعلاقات العامة بوزارة التعليم العالي الفلسطينية برام الله ، وأستاذا جامعيا ، في عدة جامعات فلسطينية ، النصيحة التي أقدمها للطلبة هي الاعتماد على الذات قدر الإمكان ، في الحياة الجامعية ، واحترام الآخرين ، الزملاء والأساتذة ، في الدراسة والعمل ، والسعي المتواصل لنيل الدرجات العلى ، والمطالعة المستمرة ، فالعلم مربوط بنواصيه الخير إلى يوم القيامة ، ومن لم يسرع به عمله لم يسرع به نسبه ، والعلماء ورثة الأنبياء . والاستزادة من العلم لا تتوقف عند نيل الإنسان للدرجات الجامعية الأولى ( البكالوريوس ) ، أو الثانية ( الماجستير ) أو الثالثة ( الدكتوراه ) . ويفترض أنه كلما زاد علم المرء زاد تواضعه وشعبيته ، وضرورة الابتعاد عن الأبراج العاجية ، والسعي الحثيث لمساعدة وخدمة الآخرين .
ولا بد للطالب الجامعي أن يبتعد عن سفاسف الأمور ، وأن يكون جادا ومجدا ، يحضر للمحاضرات قبل أن يلقيها الأستاذ الجامعي ، لإثراء النقاش ، والإيمان بالتعددية الفكرية والسياسية ، وفق منظومة الإسلام العظيم ، وأن يبتعد الإنسان عن التدخين والمخدرات والموبقات والكبائر بصورة قطعية ، وأن يعمل على تجنب صغائر السيئات كذلك ، والإكثار من الحسنات والأعمال الطيبة الخيرية ، وأن يكون مستقيما مؤمنا بالله راضيا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا .

الطموحات والأماني والآمال

وبالنسبة لطموحات وأماني وأمنيات د. كمال علاونه يقول : هناك طموحات إسلامية ووطنية عامة تتمثل في نشر دين الله في الأرض ، وتعزيز مكانة الأمتين العربية والإسلامية في العالم ، والاعتصام بحبل الله المتين ، وتحرير فلسطين المباركة ، وتمكن شعبنا العربي الفلسطيني المسلم من العيش بحرية وعزة وكرامة بعيدا عن الاحتلال والمحتلين الصهاينة ، والتمكن من عبادة الله في المسجد الأقصى المبارك بلا قيود يهودية كما يحصل الآن ، ويحرم مئات آلاف الفلسطينيين من شد الرحال لباحات المسجد الأقصى المبارك والصلاة فيه . وأن يأتي اليوم الذي تكون فيه فلسطين الأرض المقدسة ، والمدينة المقدسة ( القدس ) عاصمة لدولة المسلمين العظمى في العالم حسب البشرى النبوية الشريفة .



ويتابع د. علاونه : وأما بالنسبة لطموحاتي وأمنياتي الشخصية ، فهي أن أخدم أمتي المسلمة ، خير أمة أخرجت للناس ، وأن أعثر على دار نشر تطبع وتوزع لي كتبي التي تنتظر الطباعة في الرفوف والإدراج ، علما بأنني لا أبغي من طباعتها تحقيق المردود المادي بل أن تكون لي صدقة جارية في حياتي ومماتي على السواء ، ونشر العلم بين الناس ليستفيدوا منه . كما أنني أمارس هوايتي في الدعوة الإسلامية الوسطى والتبليغ ونشر الإسلام العظيم ، دين الله في الأرض ، بعيدا عن المغالاة والتنطع ، وأن استمر في إجراء الدراسات والأبحاث ، وأن أبقى مؤرخا حقيقيا للتاريخ الإسلامي والعربي والفلسطيني ، ولا تستهويني المناصب الإدارية والسياسية العليا .
ويردد دائما قول الله العزيز الحكيم تبارك وتعالى : { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}( القرآن المجيد ، الأنعام ) .

انتهى .












الجمعة، 25 يونيو 2010

العدل الإسلامي .. والقضاء المدني الفلسطيني .. وتأجيل حل النزاعات

العدل الإسلامي ..
والقضاء المدني الفلسطيني ..
وتأجيل حل النزاعات


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة



بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65) }( القرآن المجيد – النساء ) .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 21 / ص 307) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ وَأَقْضِيَ لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنْ النَّارِ" .

استهلال

ينقسم القضاء العالمي العصري ، في أي دولة من الدول إلى ثلاثة أجهزة :
الجهاز الأول : القضاء الديني لأتباع الديانات في البلاد ، فهناك المحاكم الشرعية الإسلامية ، ومحاكم النصارى ومحاكم الدروز ومحاكم اليهود ومحاكم الهندوس وأصحاب الديانات الأخرى وغيرهم .
والجهاز الثاني : القضاء المدني : محاكم البداية والصلح والتمييز والمحكمة العليا .
والثالث : القضاء العسكري الأمني ، حيث يتم إنشاء محاكم عسكرية تصدر أحكاما صارمة وسريعة .

الإسلام والقضاء بين الناس .. فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ

يقول الله تبارك وتعالى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (50)}( القرآن المجيد – المائدة ) .
ويقول الله الغني الحميد عز وجل : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَم لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (76) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلَّا كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (77)}( القرآن المجيد – النحل ) .
ويقول الله الحميد المجيد جل شأنه : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90) وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)}( القرآن المجيد – النحل ) .

القاضي المسلم في الجنة .. وإثنان في النار

أكد الإسلام العظيم على وجود ثلاثة أنواع من القضاة ، واحد من هؤلاء الأصناف في الجنة وهو القاضي الذي عرف الحق وقضى به ، وأما القاضيان الذين في النار فهما القاضي الذي يعرف الحق ولا يحكم به ، والقاضي الذي يحكم بأمور يجهلها . عن ذلك جاء في سنن أبي داود - (ج 9 / ص 463) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ وَاثْنَانِ فِي النَّارِ فَأَمَّا الَّذِي فِي الْجَنَّةِ فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بِهِ وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَجَارَ فِي الْحُكْمِ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ " .
على أي حال ، اهتم الإسلام العظيم بالقضاء بين الناس ، وفق أسس الشريعة الإسلامية ، وجعل الإنصاف والعدل والعدالة والسرعة في البت بالنزاعات من المبادئ العامة التي ترسم طريق الإسلام في المجتمع الإسلامي السوي . وتعتبر اسماء الحق والعدل من أسماء الله الحسنى سبحانه وتعالى وذلك لترسيخ وتعزيز العدل والعدالة والمساواة بين الناس .

رفض الإسلام شهادة الزور

قلد الإسلام القضاة للحكم بين الناس في منازعاتهم اليومية مهما كان نوعها أو شكلها ، ودعا إلى تحقيق الحقوق للعباد ورد المظالم إلى أصحابها ، وندد الإسلام بشهادة الزور واعتبرها من الكبائر المهلكة للإنسان والمجتمع على السواء .
وقد حذر الإسلام من شهاد الزور ، يقول الله العدل الحق تبارك وتعالى : { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) }( القرآن العظيم – الحج ) . ويقول الله الحليم العظيم : { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا (72) وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا (73)}( القرآن المبين – الفرقان ) .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 21 / ص 160) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ وَشَهَادَةُ الزُّورِ" .

العدل الإسلامي .. والإظلال بظل الله يوم القيامة

وقد حث الإسلام على إتباع طرق العدل والعدالة بين الجميع ، لا فرق في اللون والجنس والعرق ، والعشيرة والقبيلة ، والمنطقة الجغرافية ، فالكل سواسية كأسنان المشط . والقرآن المجيد هو المصدر الأول للتشريع الإسلامي فهو الدستور الإلهي الخالد بالخطوط العريضة ، ثم الأحاديث النبوية الشريفة ، فالاجتهاد ثم القياس . ولا اجتهاد بوجود نص إسلامي . فقد جاء في صحيح البخاري - (ج 3 / ص 51) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَشَابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ وَرَجُلٌ طَلَبَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ أَخْفَى حَتَّى لَا تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " .

فضل المقسطين في الإسلام .. إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ

يقول الله المقسط السميع العليم سبحانه وتعالى : { سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآَيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45) }( القرآن المجيد – المائدة ) .
ويقول الله الخبير العليم : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10)}( القرآن المجيد – الحجرات ) .
وَيُقَالُ الْقِسْطُ مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ وَهُوَ الْعَادِلُ وَأَمَّا الْقَاسِطُ فَهُوَ الْجَائِرُ ، فالله يحب المقسطين ، ولا يجب الجائرين ، جاء في صحيح مسلم - (ج 9 / ص 350) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا " .

استجابة الله لدعوة المظلوم .. لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ

الحاكم السوي ، والقاضي العادل ، هو من ينصف المظلوم ويأخذ حقه من ظالمه ، في جميع المجالات والميادين ، جاء في مسند أحمد - (ج 19 / ص 409) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " ثَلَاثَةٌ لَا يُرَدُّ دُعَاؤُهُمْ : الْإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ بِعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ " .





القضاء المدني الفلسطيني .. الواقع والتطلعات



في الأرض المقدسة ( فلسطين ) ورغم عدم وضوح الرؤية لإقامة دولة فلسطين العتيدة المنتظرة ، فإنه توجد السلطات الثلاث : التنفيذية والتشريعية والقضائية ، وإن كانت لا ترتقي لمستويات سلطات الدولة الثلاث المعهودة في الدول بالعالم ولكن تسميتها توحي بوجود دولة فلسطينية ببارقة الأمل المنشود .
وفي هذا المضمار ، فإننا نتطرق للقضاء المدني ، المنتشر في المحافظات الفلسطينية ، منذ عهود طويلة ولكنه لا يفي بالغرض المطلوب رغم قيام السلطة الوطنية الفلسطينية منذ عام 1994 . فمحاكم البداية ومحاكم الصلح موجودة نظريا ولكنها على أرض الواقع لا تبت في النزاعات فعليا بكثرة إلا بعد مرور عدة جلسات بل قل عدة سنوات في النزاعات الجزائية التي يفترض أن تأخذ طريقها للحكم بأقصى سرعة ممكنة لردع الظالمين والمعتدين على الغير ، ويحاولون أن يكون حكاما وجلادين في الآن ذاته . وكذلك فإن المحكمة العليا في فلسطين تؤجل البت بالقضايا لعدة جلسات متباعدة .



وهذا التأخير والمماطلة في إصدار الأحكام القانونية ، يرهق ويزعج ويؤرق المعتدى عليهم ، والفئات المستضعفة ، من الأطفال والنساء والرجال والمرضى والفقراء ، أو المواطنين الصالحين الذين لا يريدون أن يأخذوا حقوقهم بأيديهم من الجائرين عليهم ، فيولد نقمة وكراهية شديدة للنظام القضائي عموما ، ولأولي الأمر من القضاة في المحاكم المدنية الفلسطينية خصوصا . وبعملية التأخير العفوية أو المقصودة ، لغاية في نفس يعقوب ، تجلب الانتقام المضاد من المعتدى عليهم ، ليأخذوا ثأرهم وحقهم من غرمائهم في الخصام بطرقهم الخاصة ، مما يسبب عدم الاستقرار وغياب الأمن والأمان النفسي والاجتماعي ، في المجتمع ويزيد الطين بلة ، فالأولى أن تصدر الأحكام القانونية لردع المعتدين ومن يفكر بالاعتداء على غيره ليكون عبرة لمن يعتبر ، وتقليص الجنح والجرائم بين الناس .
وهناك الكثير من نتائج استطلاعات الرأي العام في الضفة الغربية وقطاع غزة ، التي تجرى وتنشر ، بين الفينة والفنية والأخرى ، مؤكدة استقلالية القضاء الفلسطيني ، وحياديته وموضوعيته ونزاهته وسرعته في البث بالقضايا ، ورضاء الناس عليه بنسب كبيرة عالية ، وهي بعيدة عن العلمية والموضوعية ، بل تمارس النفاق العام والمنافقة التي لا تستند للواقع المعاش فعليا ، وتكون موجهة سياسيا أو حزبيا ، التي تبث بين الحين والآخر ، وتدعي زورا وبهتانا ، أن القضاء المدني يقوم بدوره على الوجه الأمثل والأكمل والأجدى ، بعكس قناعات الشارع الفلسطيني ، على أرض الواقع ، تجاه المشرع والقاضي الفلسطيني على السواء وإن كانت بدرجات متفاوتة ، وتحاول إقناع الناس بأن القضاء الفلسطيني مستقل ، ومنفصل عن السلطتين التنفيذية والتشريعية ، علما بأن السلطة التشريعية ( المجلس التشريعي الفلسطيني ) غائبة أو مغيبة لا فرق منذ عام 2006 ، بفعل عوامل ذاتية وموضوعية ، داخلية وخارجية سياسية وعسكرية وإعلامية على السواء ، وكذلك حال السلطة التنفيذية ، ثنائية الجناحين في الضفة الغربية وقطاع غزة منذ أكثر من ثلاث سنوات منذ حزيران عام 2007 حتى الآن ( حزيران 2010 ) .
ولا بد من القول ، إن هناك قضايا خفيفة تبت بها المحاكم المدنية الفلسطينية بسرعة ، ولا تحتاج لتأجيل أو تأخير أصلا ، والأمثلة كثيرة في هذا المجال ، كحلف اليمين المشفوع بالقسم والوكالات العامة والدورية وتصحيح الأسماء وإضاعة بطاقات الهوية أو رخص السياقة وغيرها .
ولكن الأمثلة كثيرة للقضايا المؤجلة في حالات الجنح والجرائم كالاعتداء العنيف والجرح والشروع في القتل والقتل وغيرها من قضايا الجزاء التي لا زالت تنتظر منذ بضع سنين ، وأكل الدهر عليها وشرب ، والتي كانت تراكمت بحالة الفلتان الأمني إبان انتفاضة الأقصى المجيدة ، التي سادت في البلاد وما بعدها ، وغاب القضاء المدني عن الفعل النظري والعملي في الآن ذاته ، وأصبحت العدالة النزيهة والشفافة جريحة وتائهة بل ضائعة في أروقة قاعات المحاكم التي تنتشر بها كثرة التدخين بشكل غير معقول ويجري فيها إهانة وإبتذال مئات المتقدمين بشكاوى للمحاكم المدنية الفلسطينية لعل وعسى أن يتم إنصافهم بالقانون الفلسطيني ، ولكن خاب ظنهم ، فخرجوا يائسين ومحبطين من عربدة الزعران والمتنفذين الذين اعتدوا عليهم بقوة القوة وغياب قوة الحق بين أهل المجتمع الواحد والشعب الواحد والدين الواحد والجغرافيا الواحدة والمصير الواحد والتاريخ الواحد والقضاء الواحد .
وفي بعض الزيارات الميدانية لي لمحكمة الصلح والبداية في مدينة نابلس ، بالمباني الجميلة الرائعة الجديدة بطوابقها المتعددة ، بالمنطقة الغربية ، وبالنظام القضائي المحوسب الجديد ، رأيت بأم عيني تذمر وتنهد وشكاوى عشرات المتقدمين والمحامين الذين يترافعون ويدافعون عنهم ، ممن أعرفهم ولا أعرفهم ، بشكاوى للمحاكم المدنية ضد من إعتدى عليهم أو على ممثليهم ، فيسب عشرات المتقدمين بالشكاوى ويشتمون القضاء الفلسطيني جزئيا أو كليا ، لتأجيله وتأخيره الفصل القانوني بقضاياهم ، لعدة شهور وبضع سنين ، دون النظر الفعلي بحيثياتها ، لإرغام المتخاصمين على الصلح القضائي أو العشائري القسري ، حيث يقول لهم القاضي هل اصطلحتم ؟؟ فإذا كان الجواب بالنفي ، فيتم تأجيل القضية لمرات ومرات ، كتحصيل حاصل ، وعدم إدانة المعتدين وتطبيق القانون عليهم ، فأي استقلالية هذه ؟؟ واي حيادية هذه ؟؟ واين النزاهة والشفافية التي تنشر في وسائل الإعلام ؟؟ تمجيدا وتخليدا لشيء غائب وغير موجود أصلا . وهل يا ترى أصبح القضاء المدني وسيلة غير مباشرة لتحويل البث بالنزاعات المرفوعة أمامه للقضاء العشائري للصلح وإصلاح ذات البين ؟؟! ما لكم كيف تحكمون ؟؟؟

قضايا مؤجلة لعدة سنوات .. وغياب المشتكى عليهم لمرات ولا إجراءات ضدهم


يقول الله الحسيب الرقيب جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (9) }( القرآن الحكيم – المائدة ) .
وفي هذا السياق ، طلب مني بعض المعتدى على حقوقهم الشخصية والاجتماعية والاقتصادية ورفعوا قضايا أمام المحاكم المدنية الفلسطينية ، للتطرق الإعلامي الشامل بكثافة وانتظام زمني ، لهذه المسألة الهامة في حياة مصير الإنسان الفلسطيني ، وقال لي بعضهم بالحرف الواحد وسط استغرابي واستهجاني الشديد لما سمعت أذناي : القضاء المدني الفلسطيني يتخلى عن واجبه ، ويرحل القضايا عمليا للقضاء العشائري !!! . وقال سياسي وأكاديمي فلسطيني : إعتدى علي بعض الزعران من أجهزة الأمن ممن لهم سوابق لا أخلاقية وأمنية ، وأطلقوا النار علي ، ولكنهم لم يظفروا بي بفضل الله ، فشكوتهم للشرطة الفلسطينية وحولتنا الشرطة للمحكمة قبل أكثر من أربع سنين وتخرج بعض أبنائي من الجامعة ولا يحضر المشتكى عليهم لجلسات المحاكمة والقضاة لا يعيرون الأمر أي اهتمام ، ولا زالت المحكمة المدنية لم تصدر قرارا بالحكم على هؤلاء الزعران ، فإلى متى ، يا ايتها المحكمة الموقرة هذه المماطلة ؟؟ ومن يتحمل المسؤولية : المحكمة أم مجلس القضاء الأعلى أم الحكومة الفلسطينية التي عينت القضاة ؟ أم القانون المعمول به في فلسطين أم جميع هؤلاء ؟؟ وقال آخر ، لا يوجد قضاء مدني فعلي بفلسطين ؟؟ والفلتان الأمني أخذ صورا جديدة ، دون ملاحقة قضائية ؟؟ وتسائل البعض الآخر ، لماذا توجد محاكم البداية والصلح ، طالما تؤجل عملية إصدار القرار ، ريثما يحضر المشتكى عليه طوعيا ، دون متابعة تنفيذية وإرغامه على الحضور لجلسة المحكمة ؟؟! وقال غيره : ساق الله على أيام زمان ، زمن الانتفاضة المجيدة حيث كان المسلحون يأخذون لنا حقوقنا كاملة وكنا لا نلجأ للقضاء الفلسطيني ؟؟ . وهدد آخر ، بأنه يريد التوجه للمحكمة العليا الفلسطينية في رام الله بعدما فشلت المحكمة في نابلس بإصدار الحكم راجيا العمل على إنصافه والبت بقضيه بعد عدة سنوات من تقديمها ولكن دون جدوى ... وطلب الجميع من الله المقسط العدل فهو أحكم الحاكمين وأعدل العادلين ، أن ينصفهم ويأخذ حقهم من الظالمين لهم ، وقالوا إنهم لن يلجأوا للقضاء الفلسطيني مرة أخرى مهما كانت الدواعي والأسباب ؟؟؟ .. والصلح خير .. والتنازل عن الحقوق افضل من اللجوء للقضاء المدني الفلسطيني .. وطالب بعضهم بنقل النزاعات للمحاكم الشرعية لأنها الأسرع والأدق في البت بالقضايا العامة والخاصة في المجتمع الفلسطيني .. وزعم آخرون : أنهم سيدافعون عن أنفسهم بجميع الطرق إذا اعتدى عليهم زعران ، ونهاية الأمر الصلح وبوس اللحى بالجاهات والمشايخ ووجهاء المنطقة .
هذه الحال المأساوية المحزنة في المحاكم الفلسطينية ، تبعث على الحسرة والنفور العام من المحاكم المدنية الفلسطينية ، فهل من مجيب ، ومبادر للتصحيح السريع قبل فوات الأوان وعودة الفلتان ؟؟!!

كليات القانون والحقوق بالجامعات الفلسطينية

على أي حال ، إن كليات القانون تنتشر في الكثير من الجامعات المحلية الفلسطينية ، وتضم آلاف الطلبة الجامعيين على مقاعد الدراسة لنيل شهادة البكالوريوس أو الماجستير ، وتتزايد أعداد الخريجين من هذه الكليات عاما بعد آخر ، وفوجا بعد فوج آخر ، وأصبحنا نلاحظ المئات من المحامين المتدربين والمتفرغين لشؤون الدفاع عن قضايا الناس في فلسطين ، يرتادون المحاكم المدنية الفلسطينية ، وفي مكاتب المحاماة للتدريب لمدة سنتين ، وكتحصيل حاصل يفترض أن يتم زيادة الوعي بالأوضاع القانونية الموجودة حسب القوانين والتشريعات الفلسطينية القديمة الموروثة أو التي سنها المجلس التشريعي الفلسطيني ، كسلطة برلمانية منتخبة ، منذ عام 1996 حتى الآن . وعلى النقيض من ذلك ، فإن الزائر للحرم القضائي الفلسطيني في أي مدينة فلسطينية ، يلاحظ الهمة القضائية المدنية ، تجري على قدم وساق ، ويخيل للإنسان أن الأمر مستتب وأن الأحكام تصدر تباعا ، ولكن الأمر لا يبدو فعليا كذلك ، فعشرات القضايا المنظورة يتم تأجيلها لأكثر من شهر وأحيانا تؤجل لأكثر من ستة شهور ، وتبقى الملفات القضائية تدور بحلقات مفرغة ، من بدايتها لنهايتها ، مع ما يلحق ذلك من أذى وحسرة لدى أصحاب الحقوق ، ويجعلهم لا يثقون بالمحاكم المدنية الفلسطينية ، ويرونها مضيعة للوقت ، وذلك عبر عدم مبالاة المشتكين ، والمتهمين على السواء في حضور جلسات هذه المحاكم المدنية ؟؟؟ فهل يتم الفصل بالنزاعات والقضايا المدنية بالسرعة الممكنة ؟ أم يتم تأجيلها وتأخيرها لشهور وسنوات متتالية دون البت فيها ، مع ما يكرسه ذلك من فلتان خفي غير علني للشلل والزعران والقبضايات وأحيانا العشائر والعائلات التي تنادي بالعصبية القبلية ، فتدمر وتحرق وتعتدي على العائلات الضعيفة أو القليلة العدد .

المحامون والرسوم والبدل المالي المرتفع

عند اللجوء لتوكيل محام فلسطيني ، من القدامى أو الجدد ، يطلب المحامي مبالغ مالية مرتفعة لتبني قضية معينة ، والدفاع عن حقوق الشخص عينه ، سواء أكان شاكيا أو مشتكى عليه ، وكلما زاد عدد الأشخاص الذين يدافع عنهم المحامي ، وكلما زادت وطالت عدد جلسات المحاكمة كلما زادت تبعات الفرد المالية بمئات الدنانير وآلاف الشواكل والدولارات أحيانا ، حيث يتوجب على الشخص الذي يترافع عنه المحامي
دفع مبلغ مادي إضافي للمحامي ، مما يسبب له الإرهاق المادي ، والقنوط واليأس والإحباط من القضاء المدني والمحكمة والمحامي كذلك .
ومن نافة القول ، إن تأجيل جلسات المحاكمة لعدة شهور وسنوات يصيب أصحاب المصالح بالإحباط ويجعلهم يضطرون للتنازل عن حقوقهم راضين قسريا ، وبالتالي عربدة الأنذال المعتدين عليهم ، والشماتة بهم ، وبهذا يكون القضاء الفلسطيني فقد أسس وقواعد العدل والعدالة بين الجميع ، وشجع بطريقة غير مباشرة بعض أصحاب السوابق الجنائية أو القبضايات بالاعتداء الجديد على آخرين ؟؟؟

ورش العمل القانونية .. لتفعيل القضاء المدني الفلسطيني

وفي هذا الصدد ، إن ورش العمل والحلقات الدراسية والاجتماعات القانونية ، التي تحاول الارتقاء بالقضاء المدني سواء أنظمت هذه الفعاليات بإشراف مباشر من وزارة العدل الفلسطينية أو مجلس القضاء الأعلى أو كليات القانون والحقوق بالجامعات الفلسطينية ، أو بكلها مجتمعة ، ورش وحلقات دراسية غير مجدية كثيرا ، بل لا زالت تراوح مكانها ، وبقيت توصياتها نظرية بعيدة عن التطبيق الفعلي على أرض الواقع ؟؟! . ولا ندري متى ستنتقل لمصاف المحاكم المدنية العالمية لتمارس دورها في البت السريع بقضايا وهموم الناس بعيدا عن التأخير ، وتعمل على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والنفسي والفكري لجميع المواطنين . وقد نعذر هذه المحاكم إذا عرفنا الأسباب الحقيقية المقنعة لهذا التأخير وقد لا نؤمن بهذه المبررات إذا كانت واهية ولا تمت للحقيقة بصلة في العديد من المجالات .
والاختلاف والتباين في المجتمع الفلسطيني ، كغيره من المجتمعات العربية والإسلامية والإقليمية والعالمية ، متوفر ولكن بدون قوة ردع قانونية فعلية على أرض الواقع ، فاصبح الزعران يصولون ويجولون ، ويضربون ويجرحون وأحيانا يقتلون ، ويعتدون على الأرض والعرض والشرف والأخلاق العامة ، دون الضرب القانوني بيد من حديد على تفاهات وجنح وجرائم الفئة الضالة في المجتمع الفلسطيني .

الحكم بالشريعة الإسلامية .. والقوانين الوضعية

تتضمن وتستند القوانين الفلسطينية المتعددة ، للكثير من القوانين الوضعية العربية والأجنبية وخاصة الفرنسية والإنجليزية ، وذلك بالرغم من أن القرآن المجيد هو المصدر الأول للتشريع ، وأن الإسلام هو الدين الرسمي لأهل فلسطين الأصليين . وغني عن القول ، إن الأحكام المدنية لا بد أن تنبثق من الدستور الإلهي العظيم الخالد وهو القرآن المجيد .
يقول الله العلي العظيم عز وجل : { زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (212) كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (213) أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ (214)}( القرآن المجيد – البقرة ) .
على العموم ، في ظل التأخير العفوي أو المقصود في إصدار الأحكام المدنية الفلسطينية على المجرمين والجناة والمارقين ، يساعد هذه الفئة المجرمة الضالة على زيادة إرتكاب الجرائم دون خوف من العقاب المادي والمعنوي ، النفسي والمالي على السواء ، ففي فصل الصيف مثلا ، تكثر حالات المشاحنات والمشاجرات ( الطوش ) ، نظرا للعصبية الزائدة الناجمة عن إرتفاع درجات الحراراة وتقلبات الجو ، وانتشار البطالة بين الشباب ، ويتم تقديم الشكاوى لمراكز الشرطة الفلسطينية ، فتقوم الشرطة الفلسطينية بدورها ، بالفصل بين المتقاتلين ، وتحتجز الجانبين المعتدي والمعتدى عليه ، افرادا وجماعات وعائلات وعشائر ، بانتظار إفتتاح أبواب المحاكم المدنية كمؤسسات حكومية ، ليتم تحويلهما لاحقا للمحكمة المدنية الفلسطينية ، وخلالها إما يتم إجراء الصلح قبل أو بعد النزول للمحاكم المدنية ، للفصل في النزاعات ، ويتم التغاضي عن الحق الشخصي ، والحق العام ايضا ، ففي أول جلسة ربما يتم الصلح بين الطرفين المتخاصمين ، وأما في القضايا الجزائية الهامة ، فيتم تأجيلها لسنوات وسنوات ، ولا ندري ما الحكمة من ذلك ؟ هل هي لإتاحة المجال للتصحيح الأخلاقي وعقد الصلح ؟ أو نسيان المتخاصمين لعصبياتهم وهدوئهم ؟ أم لماذا ؟ أم لعدم الثقة بإصدار الحكم ؟ وغياب الشهود العدول ؟ أو لعدم وجود مخصصات استضافة بالسجون الفلسطينية للمشاغبين والفوضويين والخارجين عن القانون من المدنيين الفلسطينيين ؟؟؟

مقترحات لمجلس القضاء الأعلى ووزارة العدل في فلسطين

يقول الله الحي القيوم جل ثناؤه : { إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا (105) وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (106) وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا (107) يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (108) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (109) وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا (110) وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْمًا فَإِنَّمَا يَكْسِبُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (111) وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (112) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا (113) }( القرآن العظيم – النساء ) .

على كل الأحوال ، لزيادة ثقة الناس بالقضاء المدني الفلسطيني ، بصورة فعلية لا نظرية ، وأن يقوم القضاء المدني بواجبه خير قيام ، نرى أن هناك العديد من المسائل الوقائية والإجرائية العلاجية ، لا بد من أخذها بعين الاعتبار العملي وعدم القفز فوقها أو الابتعاد عن يمينها أو شمالها ، وأهمها ما يلي :
أولا : ترسيخ وتعزيز النظام القضائي القانوني في البلاد ، عبر إنشاء العديد من المحاكم النظامية الجديدة في البلدات المتوسطة بعدد السكان ، وتوظيف القضاة المقتدرين من ذوي المؤهلات العلمية والخبرة العملية وأصحاب السمعة والأخلاق الطيبة لأن القاضي قدوة لغيره من جماهير المواطنين .
ثانيا : شن حملات توعية قانونية إعلامية بين الناس في المدن والريف والمخيمات الفلسطينية حول مختلف الإجراءات القانونية المترتبة على النزاعات في المجتمع ، وتبيان الحقوق والوجبات لكل إنسان .
ثالثا : تفعيل المحاكم المدنية الموجودة ( البداية والصلح والمحكمة العليا ) والإسراع في الفصل في النزاعات والقضايا ، وكذلك تدوير القضاة للنظر في الجلسات بملفات مختلفة . ووضع سقف أعلى لذلك لا يتجاوز سنة واحدة . وبالتالي تحجيم القضاء العشائري الذي يغزو بعض المحافظات الفلسطينية ويغيب فيها القضاء المدني الفعلي .
رابعا : عقد اليوم القضائي الشهري والسنوي الفلسطيني المفتوح ، للبت والفصل السريع بين آلاف حالات النزاع لتذكير الناس بهيمنة القضاء والقانون والتصدي لمحاولات أخذ القانون باليد . ويدعى لهذا اليوم الشهري والسنوي وسائل الإعلام المتعددة الأشكال والأنواع والدعوة لتطبيق القانون .
خامسا : إلقاء القبض على المطلوبين للعدالة ، وتشكيل فرق خاصة لمتابعة هذا الأمر بالتعاون بين المحاكم المدنية والشرطة الفلسطينية لفرض القانون في المجتمع .
سادسا : تعزيز استقلالية القضاء المدني الفلسطيني ، سواء في تعيين القضاة أو في تطبيق القانون على الجميع دون إستثناء ، وعدم تدخل السلطتين التشريعية والتنفيذية وتوابعهما في فرض الأحكام أو تخفيفها .
سابعا : الحرية الإعلامية : منح وسائل الإعلام حق حضور المحاكمات القضائية ونشرها بحرية لتكون عاملا مساعدا في ردع المخالفين للقانون .
ثامنا : حبس وتغريم المشتكى عليهم ممن لا يحضر المحاكمات المقرة مسبقا ، والتهرب من الحضور لقاعة المحكمة بدعاوى النسيان المتكرر والمقصود . فلا بد من الصرامة والحزم في حضور المشتكى عليهم ، لا أن يكونوا لا مبالين ، ويكتفون بحضور المحامين وكلائهم بدلا عنهم ، فهذا الأمر أفقد ثقة الناس بالمحاكم المدنية الفلسطينية ، وقلل هيبتها بين الجمهور .
تاسعا : تطبيق الأوامر القضائية الصادرة عن المحاكم الشرعية ضمن دائرة الإجراء والتنفيذ بالمحكمة المدنية ، فيما يخص النفقة للأطفال والطلاق بين الأزواج وما شابه ، ليأخذ كل ذي حق حقه .

كلمة أخيرة


يقول الله العدل الحق المبين ، أعدل العادلين وأحكم الحاكمين سبحانه وتعالى : { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (29)}( القرآن الحكيم – ص ) .
وأخيرا ، نرجو للقضاء الفلسطيني كل التقدم والنجاح لتحقيق الأمن والأمان والاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ، في ظل سيادة القانون ، وليأخذ كل فرد من أفراد المجتمع حقه ، وضمان عدم إعتداء الآخرين عليه ، ليسود الوئام بدلا من الخصام ، وأن يكون للقضاء المدني هيبته الحقيقية ، بعيدا عن الإهمال والتجاهل العفوي أو المقصود . ونحو الاستقلال القضائي الحقيقي بعيدا عن المؤثرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية . ولتنتهي المناكفات والمشاجرات والمشاحنات الاجتماعية بين الجميع فالشعب الفلسطيني لا زال يجاهد من أجل نيل الحرية والاستقلال الوطني وإقامة دولة فلسطين العتيدة والتخلص من الاحتلال الصهيوني الأجنبي البغيض .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الأربعاء، 23 يونيو 2010

الذكرى السنوية الأولى لوفاة أبي الحاج إبراهيم رحمه الله .. اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ 23 / 6 / 2009 – 2010

الذكرى السنوية الأولى
لوفاة أبي الحاج إبراهيم رحمه الله ..
اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ
23 / 6 / 2009 – 2010

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا (24) رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا (25) وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا (27) }( القرآن المجيد – الإسراء ) .

استهلال

إن الوالدين ، بالأسرة النووية الصغيرة التي كبرت ، هما الذين أنجبا الإخوة والأخوات ، وهما من بنى نواة الأسرة الإسلامية ، بالعمل والكد على تربية الأطفال ليكبروا ويعتمدوا على أنفسهم ، فعملوا على توفير الطعام واللباس والمأوى ، وتابعوا رعاية الأبناء من الذكور والإناث ليلتحقوا بالمدارس والجامعات وتمكينهم من التسلح العلوم والمعارف والشهادات لمتابعة مسيرة الحياة الفضلى حتى آخر لحظة .
ومن نافلة القول ، إن الوالدين لا يفضلان إلا أبناؤهما ليكونوا أفضل منهما ، ليخطوا خطوط المستقبل الزاهر ، ليكون وضعهم المعيشي الإنساني والتعليمي والاقتصادي افضل منهما . فقد بذل الآباء والأمهات الكثير من الجهد وأنفقوا الأموال الطائلة في سبيل الاهتمام بالأبناء وتوفير جميع المستلزمات الضرورية والكمالية على السواء ، ليعيش الأبناء حياة سعيدة هنيئة رغيدة بهيحة قدر الإمكان ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا .
وقد أوصى الله رب العالمين ، الأبناء برعاية الآباء والأمهات عند الكبر والشيخوخة وبعد موتهما ، ليردوا جزءا من جميل الوالدين ، وينالوا رضى خالق الخلق أجمعين سبحانه وتعالى ويدخلوا جنات النعيم في الخالدين .

الفوز بالدنيا والآخرة .. فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ

يقول الله الحي القيوم سبحانه وتعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) }( القرآن المجيد ، آل عمران ) . ويقول الله المحيي المميت جل جلاله : { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28) فَادْخُلِي فِي عِبَادِي (29) وَادْخُلِي جَنَّتِي (30)} ( القرآن المجيد ، الفجر ) .

في الذكرى السنوية الأولى لوفاة والدي الحاج إبراهيم رحمه الله ، تستحضرني هذه الكلمات بطعم الحزن والأسى مرة المذاق والرضى بقضاء الله وقدره :
أبي ها قد أكملت اليوم سنة كاملة وأنت تحت التراب .. لقد غاب جسدك الطاهر عن الزوجة الأولى والثانية ، والأبناء والأصدقاء والأصحاب .. فتفتقدك الدار والشارع وبيت الله ولكنك احتجبت تمام الاحتجاب .. فلبيت نداء ربك العلي القدير ، المحيي المميت فانتقلت لجواره بعد إيمان وعبادة وصيام وحج وابتعدت عنا بعد الاقتراب .. فالله نسال لك العفو والرحمة والغفران بعد أن عشت حقبة من الأحقاب .. وأنجبت ذرية طيبة صالحة من البنات والشباب .. ورابطت في أرض الرباط بالأرض المقدسة 82 عاما ، وكرست سياسة الأنصار والمهاجرين الجديدة فتوالت الأنساب .. وإنسابت قطرات الدموع بعدك من العيون غزيرة لابتعادك عن الأهل والأحباب .. فأنتم يا ابي ويا أمي الغاليين وأجدادي وجداتي ، وأعمامي وعماتي ، ومعظم أخوالي السابقون ونحن اللاحقون ومصيرنا إلى التراب .. فالأرض المقدسة التي أحببتها وجاهدت من أجلها وحافظت عليها ، يا أبي الكريم في قرية عزموط بمحافظة نابلس بفلسطين المباركة قد ضمت رفاتك وأصبحت أعضائك وأطرافك في ثناياها تراب في تراب .. من تحتك تراب ومن فوقك تراب ومن جانبيك ومن الجهات الأربع والسقف ، تراب وتراب .. فتوحد جسدك بالتراب المقدس إلى جوار إخوتك ووالدك ووالدتك وأجدادك وقرب قبر أمي التي سبقتك بعشر سنين وغادرت المحراب .. ونُحنُ الحنين والشوق الكبير إليك ونتذكر كلامك وهمتك العالية وصبرك على نوائب الدهر والكلوم والهموم والشجون والمرض فنلت الأجر والثواب .. فهذا هو مصير الإنسان حياة ثم موت ثم بعث لملاقاة ربه يوم الحشر والقيامة بيوم الحساب .. نزور قبرك بين الحين والآخر ، ونهدي لك ولأمنا ، ولجيرانك بالمقبرة الغربية ، بعض السور القرآنية المجيدة وخاصة فاتحة الكتاب .. والجميع من أبناءك ذكورا وإناثا ، يذكرك بالحسنى ، وأنا أكثرهم فأتوق إليك يا أعز الأحباب .. فكم بكيتك وترحمت عليك بالليل والنهار وقرأت لك سورة يس وتبارك الملك والفاتحة وآية الكرسي ودعوت ربي وربك ليغفر لك ويدخلك في جنات الخلود لتعيش في حياة سعيدة مع سابقيك من الأحباب ..

اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ

جاء في سنن أبي داود - (ج 13 / ص 51) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " اذْكُرُوا مَحَاسِنَ مَوْتَاكُمْ وَكُفُّوا عَنْ مَسَاوِيهِمْ " .

والدي العزيز يا أعز الأهل والأقارب والأصحاب .. يا صاحب العطف والحنان ، والقول الرنان المجاب .. أتذكرك عندما كنت تصطحبني طفلا يافعا للصلاة بالمسجد الأقصى المبارك في بيت المقدس رغم بعد المسافات بين قريتنا عزموط بمحافظة نابلس جبال النار ، لنسافر ونشد الرحال لنصل الرحاب .. رحاب المسجد الأقصى المبارك بأرضنا المباركة رغم مشقة السفر والعذاب .. فقد كنا نقطع 80 كم من أجل زيارة عماتي : علياء بصور باهر قرب القدس الشريف ، وعفيفة بسلواد بمحافظة رام الله ثم الصلاة بالمسجد الأقصى المبارك رغم الضباب .. فدفنتا رحمهن الله الغفور الرحيم ، بعيدا عن جثامين والديهن ، كل واحدة منهن في محافظة من محافظات الأرض المقدسة قريبات وبعيدات النجب والإنجاب .. لقد كنت واصلا للرحم والأرحام ، استجابة لطلب الله الرب الأعلى الوهاب .. وامتثالا للمصطفى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أول الأحباب .. كما كنت دائم العبادة لله الواحد القهار ، ومناديا بتحقيق الحقوق الإسلامية للجميع بلا استثناء ، رغم جميع الفتن والصعاب .. وكرست الوحدة الإسلامية الحقيقية بين المهاجرين والأنصار بفلسطين الأبية ولم تهب إلا الله العزيز الوهاب .. وعمرت الأرض ، وعمرت المساجد الإسلامية وكنت المسلم الأواب .. ودائم الإنفاق في سبيل الله بجميع الاتجاهات ومعزٍ مواسٍ للأصحاب .. يا مقرض المحتاجين والمعسرين وقت الحاجة ، للتمكين من الحياة الجريحة للقريب والأغراب .. يا من كنت فلاحا طيبا بسيطا جديا بين الصحبة والأصحاب .. لا ولم ولن ننساك حيا في نفوسنا ، ما بقيت الأرواح فينا والذهاب والإياب .. فقد ربيتنا بالود والمحبة والمودة والإيثار ونهيتنا عن الغضب ، وحرضتنا على كظم الغيظ والصبر ، حين يعز الخطاب .. فبذلت الجهد تلو الجهد لرعايتنا ، وامتزجت دمائنا بدمائك وقت المرض على سرير المشفى ، قبل أن تذهب للبيت ونواري جسدك الطاهر لاحقا بأسابيع بالتراب ..

والدي الغالي الحاج إبراهيم غفر الله له ورحمه الله وجعل الفردوس الأعلى مثواه ..
لقد صلينا معا وتصدقنا معا وصمنا معا وحججنا معا وسافرنا معا ، وعملنا معا ، وعشنا معا .. ولقد شاركت وفرحت بزواج جميع أبناءك العشرة قبل أن تنتقل روحك الطاهرة وتخترق السحاب .. وتركت لنا ورثة من الأرض والأشجار المثمرة ورفضت بيع أي منها لتورثها لأبنائك الأحباب .. فسلام ربي ورحمته عليك يا والدي ، وأنت تتوارى ونواريك بين التراب .. فكم من نعمة ينعم الله خالق الخلق أجمعين على عباده الأحياء والموتى ، فالموت نعمة كبرى أيضا من نعم الله وأن يلقى الإنسان أناس يصلون عليه ويترحمون عليه ويوارونه التراب .. ومن نعم المولى كذلك الموت على الفطرة الإسلامية مؤمنا تقيا بسمعة طيبة بين الشعب والأصحاب .. لقد رحلت روحك المسلمة عنا وغاب بدنك الطيب عنا منذ سنة طويلة وعديدة الشهور والأيام ، ولكنها قصيرة مرت كمر السحاب .. فطوبى لروحك الطيبة الطاهرة لترتقي فوق السهول والجبال والأدوية التي أحببتها وصيد البر بين الأشجار والهضاب .. لقد تركت دارا بنيتها بعرق جبينك ، وعشنا بها سوية سنوات وسنوات من العمر فبقيت موحشة مليئة بعد الغياب ..

وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا

ورد في مسند أحمد - (ج 32 / ص 269) قالَ أَبُو أُسَيْدٍ : بَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ : هَلْ بَقِيَ عَلَيَّ مِنْ بِرِّ أَبَوَيَّ شَيْءٌ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَبَرُّهُمَا بِهِ قَالَ : " نَعَمْ خِصَالٌ أَرْبَعَةٌ : الصَّلَاةُ عَلَيْهِمَا وَالِاسْتِغْفَارُ لَهُمَا وَإِنْفَاذُ عَهْدِهِمَا وَإِكْرَامُ صَدِيقِهِمَا وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتِي لَا رَحِمَ لَكَ إِلَّا مِنْ قِبَلِهِمَا فَهُوَ الَّذِي بَقِيَ عَلَيْكَ مِنْ بِرِّهِمَا بَعْدَ مَوْتِهِمَا " .

يا أبي الغائب عنا بجسده الباقي فينا بروحه الطيبة
فطب نوما في نومك في حياة البرزخ المؤقتة ، بعدما قضيت 82 عاما ( 1927 – 2009 ) في الحياة الدنيا بين الأهل والأحباب والأصدقاء ، وسيأتي يوم البعث العظيم لنلتقي جميعا بانتظار دخول الجنة إن شاء الله رب العالمين ، بصحبة رسول الله المصطفى الذي زرناه سوية أنا وأنت في قبره في موسم الحج عام 1999 ، بالمسجد النبوي الشريف ، قبل وفاتك بعشرة أعوام لن ننساها أبدا في صحبة المتقين الأخيار والأبرار تحت السماء .. والله نسال أن يدرجك في قوائم المحسنين المتقين والشهداء .. فنم قرير العين يا أفضل أب بين الآباء .. لقد كنت أبياً وتحبنا حبا جما حتى وافتك المنية بعد عصر ذات يوم في 23 حزيران 2009 الذي كان يوم الثلاثاء .. وغسلناك وكفناك وقرأنا عليك القرآن المجيد ، وحملناك بالتابوت على أكتافنا لمسجد عمر بن الخطاب بالقرية الذي كنت تحبه وترتاده دوما في معظم الصلوات قبل مرضك فتحرص على صلاة الفجر فيه والظهر والعصر والمغرب والعشاء .. فصلينا عليك كما كنت تصلى على غيرك السابقين من الموتى وتقرأ الفاتحة على أرواح الموتى وخاصة والديك محمد وحليمة ، الذين سبقوك ، ولا تنسى تعزية الأحياء ..

فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ

يقول الله العظيم الحليم عز وجل : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ (13) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (14) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (15) وَانْشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ (16) وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ (18) فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ (24)}( القرآن العظيم – الحاقة ) .

يا أبت الخالد بإسمك الكريم إبراهيم .. الحي فينا أبدا ما حيينا .. لا تنس أن تزورنا بروحك الطيبة ، في حياتنا وأعمالنا ومنامنا بإذن من المولى سبحانه وتعالى ، لإرشادنا طريق الصراط السوي ونحو الله الإلتجاء .. فنبكيك دوما كلما دنت الخطوب تمام البكاء .. فنحن نشتاق إليك وإلى زياراتك المتعددة قبل وبعد الصلاة ، والصيام والقيام والحج ، لأنك حي بينا من بين الأحياء .. بروحك وطيفك اللطيف وظلك الخفيف بين الأرض والسماء .. وتسأل عنك دائما ابنتي الصغرى أمل الزهراء .. وتقرأ على روحك الطاهرة الفاتحة فهي السبع المثاني الكافية والشافية ، عن بعد وعن قرب ، وتسميك بأجل الصفات والأسماء .. فطيفك دائما يلازمني كخيالي بعد بزوغ الشمس في كبد السماء .. فأتذكرك دائما كيف رابطت بالأرض المقدسة ، وجابهت قولا وفعلا ، وتحديت الصعاب ، وصمدت أمام بني صهيون من يهود فلسطين المحتلة ، ولم تنحني لهم أي إنحناء .. وقلت لها جهارا نهارا ، أنتم طارئين مستعمرين وغرباء .. ونحن أصحاب فلسطين الأصليين المحسنين الأخيار ، الأتقياء الأنقياء الأصفياء .. فارحلوا عن ديارنا يا أيها الحمقى الرعناء .. لقد زرعت فينا حب الإسلام والوطن والثبات والصمود ومجاهدة الكفار الفجار الأعداء .. وأن نخلص لأهل البلاد القدامى الأصليين بالأرض المقدسة من المسلمين الأشقاء والأصدقاء والنبلاء .. وها نحن نطيعك ونطيع تعاليمك حياة ووفاة ووفاء ..
فلن ننساك من الدعاء .. لن ننساك من الدعاء .. لن ننساك من الدعاء .. ونرسل لك هدية قرآنية ، فالفاتحة والدعاء والصدقة الجارية والعلم النافع ، والابن الصالح ، نعمت الهدية والإهداء .. فنم قرير العين بانتظار نفخة الصور أو البوق العظيم من إسرافيل للبعث الأكيد بأمر الله الإله الواحد في الأرض والسماء .. يوم يحشر الله جميع الخلائق بأرضنا ، الأرض المقدسة ، أرض المحشر والمنشر يوم القيامة وتخيب أفعال وأقوال الكفار والمشركين والظالمين والفاسقين والمنافقين والدخلاء ..

أيها الحاج إبراهيم .. كما علمت وتعلم يا والدي الكريم ..
يقول الله الحي القيوم جل جلاله : { أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83) }( القرآن المجيد – يس ) .

يوم البعث والخروج من القبر .. مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى

يقول الله ذو الجلال والإكرام جل جلاله : { قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (50) قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى (51) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (54) مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى (55)}( القرآن الحكيم – طه ) .

الحاج إبراهيم .. يا أبي الراحل عنا في حياة مختلفة بعيدة عن الحياة الدنيا ، ومليئة بصالح الأعمال عند بارئك الغفور الرحيم .. سلام ربي عليك يوم ولدت ويوم مت ويوم تبعث حيا ، بيوم البعث والنشور العظيم .. يوم يعيد الله المحيي المميت الحي القيوم ، الحياة للخلائق كلهم بعدما كانوا رميم .. فالله هو الرحمن الرحيم .. وسلام ربي على أمي زوجتك بقرب قبرك المصنوع من الطين والحجر الأبيض الرخيم .. لتكون أراوحكما في الخالدين بجوار الرفيق الأعلى ربنا وربكما جميعا فهو ذو العرش الكريم .. والله نسال لكما ولأجدادي وجداتي وإخواني وأخواتي الذين سبقوكم أن يدخلكم ويدخلنا جنات النعيم المقيم .. فالله هو المتفضل على عباده وهو صاحب الفضل العظيم .. فن ننسى رضاك عنا دوما ، وإن عزت الآلام والخطوب ، فكنت الأب الحنون الكريم ..

أيها الأحياء وقريبا مصيرنا الزوال لنكون من الأموات ..

فلنتابع احترام الوالدين في موتهما بعد حياتهما ، ولنبتعد عن السباب والشتائم ، للآخرين لئلا نجلب للأب والأم السباب والشتائم ، كما جاء في صحيح البخاري - (ج 18 / ص 367) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ قَالَ يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ وَيَسُبُّ أُمَّهُ " .
ولنتذكر دائما ، كما ورد في صحيح البخاري - (ج 21 / ص 160) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَكْبَرُ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَوْلُ الزُّورِ أَوْ قَالَ وَشَهَادَةُ الزُّورِ " .

الأعمال الصالحة للميت

جاء في صحيح مسلم - (ج 8 / ص 405) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ " .
فابتعدوا أيها النسل الكريم ، ويا أيها الذين آمنوا ، ويا أيها الناس ، عن الكبائر وعن الشتائم والسباب ، وأرحموا والديكم ، وترحموا عليهما بالأعمال الصالحة ولا تنسوا التصدق على أرواحهما بصدقات جارية مالية وعينية ، وتأدية الحج والعمرة عنهما ، بين الحين والآخر ، ونشر وصاياهما وعلمهما وأقوالهما الطيبة الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر ، واستمروا في الدعاء لهما لإدخالهما جنات الفردوس الأعلى ليكونا في أعلى عليين .

أدعية إسلامية لأبي المؤمن .. ولجميع الآباء المؤمنين

وختامه مسك ، أدعو بهذا الدعاء لوالدي الكريم ، الحاج إبراهيم محمد شحادة علاونه ، الذي علمنا حب الله ورسوله ، وشد الرحال إلى المساجد الثلاثة ، المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى ، وعلمنا الإخلاص والتضحية والفداء ، والإلتزام بالصلاة وغيرها من أركان الإسلام الخمسة .
اللهم ربنا إغفر لوالدي إنك أنت العزيز الغفور ، وألحقه بالصالحين ، وَاجْعَلْ له لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآَخِرِينَ ، وَاجْعَلْه مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ .
اللهم أنزل والدي منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ، رب ابن لوالدي عندك بيتا في الجنة ، { رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَامَعَ الْأَبْرَارِ . رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَاتُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)}( القرآن الحكيم ، آل عمران ) .
{ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28)}( القرآن العظيم ، نوح ) .

إِنَّا لِلهَِّ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

سبحان الله والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
اللهم يا ودود ، اللهم يا ودود ، اللهم يا ودود .. يا ذا العرش المجيد ، يا مبدئ يا معيد ، يا فعال لما يريد . أسالك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك ، وبقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك ، وبرحمتك التي وسعت كل شيء ، لا إله إلا أنت يا غياث المستغيثين أغثنا ،،،
اللهم ارحم والدي المتوفى منذ 2 رجب 1430 هـ / 23 حزيران 2009 ، رحمة واسعة وتغمده برحمتك وحرمه على النار يا رب العالمين
اللهم قه عذابك يوم تبعث عبادك ، وأنزل عليه نورا من نورك ،
اللهم نور له قبره ووسع مدخله وآنس وحشته ، وارحم غربته وارحم شيبته ،
اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِه نُورًا وَفِي بَصَرِه نُورًا وَفِي سَمْعِه نُورًا وَعَنْ يَمِينِه نُورًا وَعَنْ يَسَاره نُورًا وَفَوْقِه نُورًا وَتَحْتِه نُورًا وَأَمَامِه نُورًا وَخَلْفِه نُورًا وَاجْعَلْ له نُورًا ، واجعل قبره روضة من رياض الجنة ، لا حفرة من حفر النار يا رب العالمين ..
اللهم أغفر له وارحمه واعف عنه وأكرم نزله
اللهم أبدله دارا خيرا من داره ، وأهلا خيرا من أهله ، وذرية خيرا من ذريته وادخله الجنة بغير حساب ، برحمتك يا ارحم الراحمين
اللهم انقله من ضيق اللحود ومن مراتع الدود إلى جناتك جنات الخلود لا اله إلا أنت يا حنان يا منان يا بديع السموات والأرض تغمده برحمتك يا ارحم الراحمين
اللهم إن كان غير أهلا لوصول رحمتك فرحمتك أهلا لان تسعه
اللهم أطعمه من الجنة واسقه من الجنة واره مكانه من الجنة وقل له أدخل من أي باب شئت
اللهم إنه في ذمتك وحبل جوارك فقه فتنة القبر وعذاب النار وأنت أهل الوفاء والحق فاغفر له وارحمه انك أنت الغفور الرحيم
اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك يحتاج إلى رحمتك وأنت غني عن عذابه فارحمه فإنك أنت الغني الحميد
اللهم وارزقه لذة النظر إلى وجهك والشوق إلى لقاءك ، فأنت العزيز الحكيم
اللهم ارجع نفسه إليك راضية مرضيه وادخله في جنتك مع عبادك الصالحين
اللهم أنت الغني ونحن الفقراء وأنت غني عن عذابه فارحمه برحمتك الواسعة
اللهم إن كان من المحسنين فزد في إحسانه وان كان من المسيئين فتجاوز عن سيئاته إنك أنك الغفور الرحيم
اللهم اجعل ذريته سترا بينه وبين نار جهنم
اللهم إجعله حيا شهيدا سعيدا في دار الخلود
اللهم اجعل ذريته ذرية صالحة تدعو له بالخير إلى يوم الدين
اللهم ادخله بكرمك جنات النعيم
اللهم إني أسالك الفردوس الأعلى نزلا له
اللهم وابني له بيتا عندك في الجنة واجعل ملتقاه بأبنائه وبناته وزوجاته هناك
اللهم واسقه من حوض نبيك محمد صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة مريئه لا يظمأ بعدها أبدا
اللهم وأظله تحت عرشك يوم لا ظل إلا ظلك ولا باقي إلا وجهك فأنت الحي القيوم
اللهم بيض وجهه يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأنت ذو الجلال والإكرام
اللهم يمن كتابه ، اللهم وثبت قدميه يوم تزل فيه الأقدام .
اللهم اكتبه عندك من الصالحين والصديقين والشهداء والأخيار والأبرار اللهم اكتبه عندك من الصابرين وجازه جزاء الصابرين .
اللهم إني أسالك في هذه الساعة إن كان في سرور فزد في سروره ومن نعيمك عليه ، وان كان في عذاب فنجه من عذابك وأنت الغني الحميد برحمتك يا ارحم الراحمين
اللهم تقبل منه القليل وتجاوز عنه التقصير وأبدله سيئاته حسنات يا رب العالمين
اللهم اجعل مرضه كفارة لجميع ذنوبه ، واجعل آخر عذابه عذاب الدنيا
اللهم إني أسالك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وباسمك الطاهر الأعظم أن تتقبل منا دعاءنا له بقبول حسن
وان تجعله خالصا لوجهك الكريم
اللهم ثبته بالقول الثابت وارفع درجته واغفر خطيئته وثقل موازينه بلا إله إلا الله
اللهم أغفر له كل شيء ويسر له كل شيء ولا تحاسبه بشيء يا حنان يا منان يا سريع الحساب
اللهم إنه في كفالتك وفي ضيافتك فهل جزاء الضيف إلا الإكرام والإحسان وأنت أهل الجود والكرم
اللهم إنه في حاجة إلى رحمتك وأنت الغني الحميد في غنى من عذابه فارحمه
اللهم حرم لحمه ودمه وبشرته وعظامه وكل جسمه على النار
اللهم استقبله عندك خاليا من الذنوب والخطايا واستقبله بمحض إرادتك وعفوك وأنت راض عنه غير غضبان عليها
اللهم افتح له أبواب جنتك وأبواب رحمتك أجمعين
اللهم إني أسالك يا ذا الجلال والإكرام يا حي يا قيوم ، يا حنان يا منان يا بديع السموات والأرض أن تجعله من الذين أحسنوا واستبشروا
اللهم إني أسالك يا ارحم الراحمين أن يكون ممن بشر عند الموت بروح وريحان وجنة نعيم
اللهم يا باسط اليدين بالعطايا يا قريب يا مجيب دعوة الداعي إذا دعاه يا حنان يا منان يا رب يا ارحم الراحمين يا بديع السموات والأرض يا احد يا صمد أعطه من خير ما أعطيت به نبيك محمد صلى الله عليه وسلم عطاء ماله من نفاد من مالك خزائن السموات والأرض . عطاء عظيم من رب عظيم ، عطاء ماله من نفاد عطاء أنت له أهل عطاء يليق بجلال وجهك وعظيم سلطانك
اللهم يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما ارحمنا بعده وارحم أمة محمد الأمة الإسلامية ، رحمة كافية تغنينا عن رحمة من سواك
اللهم اغفر لحيينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا وشاهدنا وغائبنا وذكرنا وأنثانا
اللهم من أحييته منا بعدها فأحييه على الإسلام ومن توفيته منا فتوفاه على الإيمان .
سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك
ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .