الجمعة، 11 ديسمبر 2009

أزمة ديون إمارة دبي 2009 .. الأسباب والتداعيات والحلول

أزمة ديون إمارة دبي 2009

الأسباب والتداعيات والحلول

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا (9) وَأَنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (10) وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا (11) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آَيَتَيْنِ فَمَحَوْنَا آَيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آَيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلًا (12) وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا (14) مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (15) وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) }( القرآن المجيد ، الإسراء ) .

إستهلال

تعمل إمارة دبي على الاستثمار الخدمي في شتى المجالات ، في المطارات والمترو ، وتوفير الخدمات الوهمية العالمية ، في المنطقة العربية ، سعيا منها لتطوير الإمارة ، بحيث تكون متفوقة يشار لها بالبنان ، وأثناء المغامرات الاقتصادية الضخمة ، إندلعت أزمة مالية فجائية كبيرة في إمارة دبي على الخليج العربي ، بسبب إعلان رغبتها في تأجيل تسديد وجدولة ديونها الضخمة ، لمدة ستة شهور جديدة أخرى ، ووصلت قيمة الديون المترتبة على دبي حوالي 80 مليار دولار ، ويقول البعض إنها وصلت نحو 130 مليار دولار ، هذه الأموال الضخمة أموال وفيرة تم إقتراضها من الآخرين ، جراء الفسق والربا الاقتصادي البالغ 4 % كنسبة يطلق عليها ( فائدة تفضيلية ) أو ما يسمى ربا قليل ، وقليله وكثيره آثم حسب الشريعة الإسلامية . وعجز الصندوق في دبي عن التسديد ، حيث جمعت دبي منذ مطلع عام 2009 حوالي 20 مليار دولار للتسديد في الموعد المضروب ، من الحكومة الإتحادية ومن بنوك شتى داخل دولة الإمارات نفسها ، وهي نسبة مالية ضئيلة مقارنة بالديون الكبيرة المتراكمة ، يا لها من مهزلة اقتصادية عامة طامة ، ومسخرة مالية عنيفة تهدد الكيان المالي لأسواق المال والاستثمار في الخليج العربي والوطن العربي الكبير برمته ، وجعلت الناس يمقتون الأسواق المالية وتجارة الأسهم ، وألهبت مشاعر المستثمرين الجدد والقدامى ، فأين دبي سنغافورة العرب ؟ وأين أموال النفط الإماراتي ، وأين التخطيط الاستراتيجي ؟ وهل التعالي في البنيان وناطحات السحاب ، والمترو ، والمدن الإعلامية والاقتصادية ، والمهرجانات والحفلات الماجنة ، وغير الماجنة ، يكفي للتبجح والادعاء بالتنمية والتطوير الاقتصادي في هذه الإمارة ؟ ولماذا إمارة دبي بالذات تتعرض لهذه الإنتكاسة الاقتصادية غير المتوقعة وغير المسبوقة ؟ هذه الأسئلة ستجيب عليها الفقرات التالية .

عدوى الهبوط والأزمة المالية

كما يقولون دائما ( رأس المال جبان ) ويخاف من أي فقاعة إعلامية ، أو نبأ بسيط بين السطور ، في فضائية من الفضائيات أو وسيلة إعلام مشهورة ، تبث عبر الأقمار الصناعية السريعة ، أو هزة مالية جانبية بسيطة ، ويميل رأس المال حيثما تميل الرياح العاتية أو البرق والرعد الذي ينذر بقدوم تبعات أخرى متعاقبة ، ولكن الرياح والرعد والبرق في الحياة الطبيعية هي من رب العالمين ، وهي بشائر هطول الأمطار النافعة لجميع الكائنات الحية . ولكن رياح التغيير على إمارة دبي الصحراوية ، ذات المباني الشاهقة ، جرت خلفها سيول وفيضانات مالية بخسائر مالية ضخمة جدا ، تبلغ عشرات المليارات بلحظات زمنية متقاربة ، قصمت ظهور الرجال قبل الإبل والجمال ، فلم تكتف دبي بالهبوط الاقتصادي بل جرت معها ، بورصات وأسواق مالية قارية في قارات : آسيا وأوروبا ووصلت إلى أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وإفريقيا ولم تسلم منها استراليا كذلك ، لتعم المخاوف والهزات المالية والقلق والتوتر الشديد ، جميع أرجاء العالم .
وعلى وجه الخصوص ، تأثرت الأسواق المالية العربية القريبة من إمارة دبي في الخليج العربي كالسعودية ، والأردن والكويت ، وقطر وعمان وفلسطين ، والإمارات الست الأخرى في الإمارات العربية المتحدة وغيرها ، فهبطت إلى مستويات تاريخية سلبية غير مسبوقة ، ونجمت الخسائر بنسب مئوية متزايدة وصلت بنسبة 10 % و11 % ونسب أقل أو أعلى منهما في كل يوم يتم التداول فيه ، تنذر بالنذير الكبير الآتي لا ريب فيه ، إن عاجلا أو آجلا ، إنه الانهيار الاقتصادي البطئ أو السريع ، والغثيان الذي يسبق الإنهيار التام ، وكأنها تنزل في واد سحيق ما له من قرار . فتضررت الأسواق والبورصات المالية ، وتراجع القطاع المصرفي ، وسط تخوف باستمرار الهبوط المتدحرج باتجاه الأسفل .

أسباب التدهور والهبوط في الأسواق المالية

تنتج الأزمات الاقتصادية عامة والمالية خاصة ، في البورصات وأسواق الأسهم المالية في الخليج العربي وغيره ، بسب سوء الإدارة العامة عامة والمالية خاصة ، وتذبذب الأسعار بين الهبوط والصعود المفاجئ ، وتحكم الآخرين بأسعار العملة الدولية ( الدولار ) والفتاشات الإعلامية ، وإتباع سياسة الربا المحرمة إسلاميا ، فالربا لا ينمو بأي حال من الأحوال ويمحقه الله محقا بلا سابق إنذار ، بل يهوي في جهنم الحياة الدنيا ، مع ما يعكسه ذلك من إهانة وإبتذال مالي وتوتر نفسي وإهتزاز اجتماعي مدمر يأكل الأخضر واليابس ، فيجر بخسائره المتعاظمة الأرباح وأموال الربا والأموال الحلال المختلطة بها ، فتصبح في القعر الاقتصادي المميت . يقول الله الحي القيوم جل شأنه : { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279) وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280) وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (281) }( القرآن العظيم ، البقرة ) .
على أي حال ، رب ضارة نافعة ، فقد إهتزت الشباك والتشبيكات الاقتصادية منذرة بوقوع الكارثة الاقتصادية الكبرى ، فأول الانتكاسة إرتفاع درجات الحرارة ، ثم وجع الرأس الشديد ، يتلوه هزال في الجسد كله ، ولهذا ينبغي الاحتراص وأخذ الحيطة والحذر وعدم المرور من هذه الأزمة دون استخلاص النتائج الحقيقية لتفاديها وعدم الوقوع في متاهات مالية جديدة أو إضافية تابعة للأزمة المالية الراهنة في دبي بعد موسم الحج الإسلامي لعام 1430 هـ / 2009 م .
باختصار غزت النظرة التشاؤمية الأسواق والبورصات المالية ، وضاعت الأماني والآمال والطموحات ، في ثنايا الأزمة الماحقة ، وأصبح الجميع يتوجس خيفة من القادم الأعظم خسارة ، والأعمق هبوطا باتجاه الأسفل ، والانحدار المالي غير المنتظر في الأيام الخالية . وفي مثل هذا الأوضاع الاقتصادية السائرة من سيئ إلى أسوا ، فإن ثقة المستثمرين تنعدم وتفقد الطمأنينة النفسية والمالية ، وتختل العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية معا ، ويصبح الجميع في منأى عن الخاسرين ، ويحاولون الابتعاد عن مواطن الخطر والخسران المبين ، وبهذا يتوجب أن يسعى المصلحون لإصلاح الواقع الاقتصادي المتدهور ووقف تدهوره للأسفل أكثر فأكثر .
على العموم ، إن فترة عيد الأضحى المبارك ، ما قبله وما بعده ، كانت فترة مباركة ، إنها لحظات تأمل ودراسة وتمحيص ، أفادت في توقيف الهبوط الحاد غير المسبوق ، فكان العيد نعمة على الأسواق والمستثمرين ، وأضحت الأزمة الاقتصادية في إمارة دبي ، الشغل الشاغل للجميع ، سواء العرب أو الغرب ، وبقية بورصات العالم بما فيها بورصة الكيان الصهيوني ( تل أبيب ) التي لطمت خدودها وضربت أخماسا في أسداس ، هي الأخرى خوفا من الانهيار التام ، لأن البورصات جميعها مستندة إلى الربا ، وهذا الأمر لا يربو عند الله الغني الحميد .

عوامل الهبوط في البورصات المالية

برأينا ، هناك عدة عوامل لعبت دورا فعالا في تضخيم وتزايد الهبوط المالي في دبي ، من أهمها :
أولا : الإعلان الرسمي من إمارة دبي نفسها ، التي يظن البعض أنها غنية جدا من الناحية المالية ، عن العجز في تسديد الديون المكدسة في مواعيدها ، مما سبب الخلل المالي والانتقاص الاقتصادي ، ونزول أسعار الأسهم بنسب مئوية متتالية غير معهودة فانفرط العقد البورصي وذابت أرباح الأسهم كالملح أو السكر في الماء ، بل أكلت جزءا من رأس المال الأساسي ، فأصيب البعض بالإنهيار النفسي قبل الاقتصادي . وقد طلبت إمارة دبي المغامرة اقتصاديا دون رصيد اقتصادي استراتيجي مضمون ، من دائني اثنتين من أكبر الشركات في الإمارة الموافقة على إرجاء سداد ديون بمليارات الدولارات ، لمدة ستة أشهر إضافية ، بعد استحقاق سدادها في ديسمبر/كانون أول 2009 ، كخطوة أولى نحو إعادة الهيكلة.
ثانيا : المبالغ المالية الضخمة 130 مليار دولار ، التي عجزت دبي عن الوفاء بتسديدها وعدم وجود موارد نفطية لدى الإمارة تفي بالقروض الربوية الواجبة السداد في مواعيد معينة .
ثالثا : المناخ المالي الدولي ، في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية التي ألقت بظلالها الحزينة والكئيبة على القطاع المصرفي الرسمي في المصارف المركزية والبنوك في القطاع الخاص . ودبي جزء من الاقتصاد العالمي المستند إلى الوهم الاقتصادي الذي سرعان ما بدت سوأته حتى يرمي بجسده على الأرض ، ولا يقدر أن يغطي عورته الاقتصادية وتبخرت الآمال في الهواء الطلق دون فائدة ترتجى .
رابعا : الترويج الإعلامي الكبير عبر الفضائيات التلفزيونية والانتر نت السريع الذي ضخم الأزمة المالية ، وجعلها حديث الناس في البيوت والنوادي والمؤسسات والشوارع والمقاهي والجامعات في معظم العواصم والمدن العالمية ذات البورصات المالية الضخمة .
خامسا : عدم وجود البدائل لإمارة دبي ، فدبي قائمة على الاستثمار الخدمي الوهمي والسياحي ، ولا يوجد أجنحة اقتصادية موازية يمكن أن تعدل الوضع وتؤكد على التوازن الاقتصادي داخل إمارة دبي .
سادسا : الشماتة والتشفي لدى المنافسين وأعداء دبي الاقتصاديين ، عن سبق الإصرار والتعمد ، فبادروا لنحر دبي اقتصاديا ، قبل الإعلان عن مقتلها ، وتم تصوير الوضع بأنه نهاية النهايات لسوق مالية كبيرة في شبة الجزيرة العربية ، تعد من موارد النفط والثروات الطبيعية العالمية .
سابعا : تذبذب قيمة الدولار الأمريكي في الأسواق العالمية مما ساهم في زيادة هموم وغموم الأسواق المالية العالمية كافة .
ثامنا : تراجع أسعار برميل النفط في أسواق الطاقة العالمية وتزايد الاجتماعات الدورية والطارئة لمنظمتي الأوبك والأوابك .

العلاج والحل الأمثل لأزمة ديون دبي المستفحلة

إن أزمة ديون إمارة دبي ، هي جزء من الأزمة المالية العالمية ، التي ضربت بعمق دون تردد الأسواق العالمية في نيويورك ولندن وبرلين وطوكيو وباريس فجأة ، وبدأت بالأسواق الغربية والاقتصاد الأمريكي تحديدا ، ثم لطمت البورصات العربية مبتدئة بسوق دبي ، فجاءت هذه الأزمة كنتيجة ملازمة للأزمة المالية العالمية المزمنة التي لم يتعافي منها الاقتصاد العالمي حتى الآن . وكسبيل للعلاج والحل ، وأخر العلاج الكي ، لقد تمت الاستعانة بالطبيب الاقتصادي من خبراء الاقتصاد العالميين ، في تسيير سوق دبي ، ولكنها أخفقت في الصمود الاقتصادي دون تراجع ملفت للنظر ، فوصفت له وصفة علاجية وهي الاستدانة مجددا لتسديد الديون ، من أختها وجارتها الكبرى إمارة أبو ظبي ، أم الإمارات في دولة الإمارات العربية المتحدة ، وإمارة أبو ظبي ، يمكنها أن تنقذ دبي ( باعتبارهما كيان سياسي واحد ) من كبوتها الاقتصادية ولكن بشروط معينة ، وضعتها ولا بد لدبي من الاستجابة لها لا محالة ، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من هول الكارثة العظمى المقبلة .
ويمكن الاستفادة من أزمة ديون إمارة دبي بأخذ العبر والعظات الاقتصادية والاجتماعية ، المباشرة وغير المباشرة ، كالتالي :
أولا : حتمية اللجوء للنظام المالي الإسلامي ، لأنه هو الأسلم والأصوب ، والأجدى إقتصاديا ، والاستناد للربا الشيطاني الإبليسي ، مهلك للمال الحلال مع المال الحرام ، فتذهب كلها أدراج الرياح فتصبح هباء منثورا . وقد جربت المصارف الأوروبية والأمريكية هذا العلاج الفوري الناجح .
ثانيا : ضرورة عدم وضع كل البيض في سلة واحدة ، أو شاحنة واحدة قطاع اقتصادي واحد ، أو إمارة واحدة ، بل يجب التنويع والتوزيع في الاستثمار والتنمية الاقتصادية ، فالتطاول في البنيان ليس حلا للمشكلة واستضافة الكبائر والموبقات وأكل حقوق العباد من الوافدين لا بد من دفع الثمن غاليا للتعويض البشري عنه .
ثالثا : عدم المغامرة الخدمية الكبرى ، فالتنمية والتطوير ومضاعفة الأرباح يمكن أن تكون بالتدريج وليس دفعة واحدة ، فضربة الحظ عبارة عن مقامرة اقتصادية سيئة غير محسوبة النتائج يمكن أن تؤدي إلى مهاوي الردى والمهالك الاقتصادية مع ما تسببه من خسائر جمة ودمار اقتصادي ساحق .
رابعا : ضرورة التريث والتخطيط الاستراتيجي الواعي والوافي الثابت في مصير الأموال الضخمة وعدم الاستعجال لأنه في العجلة الندامة وفي التأني السلامة .
خامسا : لا يمكن أن تكون دبي ، بموازاة نيويورك أو باريس أو لندن ، أو طوكيو أو غيرها ، في المجالات الاقتصادية والرذائل والمهازل الأخلاقية ، ولن تكون دبي سنغافورة الشرق العربي كما يروجون لها ، وعليها أن تكون إمارة تقية تتقي الله ، وتطبق الإسلام ، وإلا فالعقاب الرباني آت لا ريب فيه قريبا ، لأن الله يمهل ولا يهمل ، وإن قضاؤه وقدره نافذ في الجميع .
سادسا : ضرورة تصفية أو بيع بعض الممتلكات المملوكة لدبي في العالم ، للتسديد ولو كان البيع دون ربح مالي أو بخسارة ضئيلة ، لتحاشي الخسران المبين .
ثامنا : ضرورة الانضمام للعملة الخليجية الموحدة والبنك المركزي الخليجي الواحد ضمن مجلس التعاون الخليجي ، لضمان الحفاظ على أسعار متوازنة وتجنب الهبوط المتكرر للدولار الأمريكي .

إنقاذ ما يمكن إنقاذه

إن أزمة إمارة دبي الاقتصادية الكبرى ، كانت صفعة ربانية صغرى ، هي الأولى من نوعها على هذه الإمارة ، بهذا الحجم الضخم ، كجزء من أسواق مالية خليجية ، ترتبط مباشرة أو غير بصورة غير مباشرة ، بأسواق مالية أمريكية في نيويورك ولندن وطوكيو وغيرها من البورصات العالمية ، وبالتالي إذا لم يتم تدارك الأمر قبل استفحاله ، فإن الوضع المالي المتدهور لا يمكن إنقاذه بأي حال من الأحوال ، وينجم عن ذلك التداعي الاقتصادي الكبير الذي يجر كسيول جارفة ما حوله من أسواق وبورصات مالية ، فإذا مرض الأب أو الأم فإن الأبناء في البيت ذاته يتأثرون بصورة حتمية ، بدرجات متفاوتة ، فمنهم من يصيبه العدوى ثم يتعافى ، ومنهم من ينال نصيبه غير المؤثر ، ومنهم من يصاب بالجلطة ويصبح طريح الفراش على سرير الموت لا يقدر على شيء ، وهذا هو حال البورصات الخليجية ، حيث تأثرت بالأوضاع المالية المتردية في العالم ، وإذا لم يتم تدارك الأمر قبل فوات الأوان ، فإن القادم أعظم خسارة وتراجعا وهبوطا باتجاه الخلف الأسوأ .
وأخيرا ، نورد هذه النصيحة الربانية كما وردت بالدستور الرباني لبني آدم حتى يوم الدين ، يقول الله ذو الجلال والإكرام تبارك وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)}( القرآن المبين ، آل عمران ) .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .


ليست هناك تعليقات: