الاثنين، 10 مارس 2008

يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي

د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية – فلسطين

يقول الله جل جلاله : { بسم الله الرحمن الرحيم : وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} ( القرآن المجيد ، العصر ) .
تتصاعد حدة مهاجمة الإسلام والأمة الإسلامية عامة ، والشعب العربي خاصة ، والتصدي للمعتقدات الإسلامية الراسخة في العقيدة والمعاملات الاقتصادية والاجتماعية والمسائل الثقافية والدفاع عن النفس وما إليها ، وذلك في العديد من قارات العالم ، وعبر مختلف وسائل الإعلام المباشرة وغير المباشرة ، المطبوعة والمسموعة والمرئية والانتر نت . فنجد من يساوم ومن يهاجم ويصب حممه على أبناء الأمة الإسلامية عمدا وعن سبق الإصرار والترصد وكأن هناك ثأرا بينه وبين الإسلام ، علما بأن الإسلام لعب دورا حضاريا كبيرا في المسيرة الحضارية العالمية ، كان وما زال وسيبقى ، ما دام القرآن موجودا في هذه الحياة الدنيا لحين قيام الساعة . فقد أخبرنا القرآن المجيد عن الكثير من الحوادث التاريخية الماضية والحالية التي تتحقق يوما بعد يوم والمستقبلية التي ستحدث في عالم الغيب ولكن دون تحديد لهذه التواريخ لأن علمها عند الله سبحانه وتعالى عالم الغيب والشهادة .
وعلى الجانب الآخر ، يكتشف العلم يوميا ، علوم جديدة متجددة بينما جاء بها القرآن المجيد منذ خمسة عشر قرنا ، والأدلة والأمثلة كثيرة في هذا السياق . فنجد مثلا أن الزيتون مفيد للكثير من الأمراض المستعصية ، والعسل داء شاف لكثير من الأمراض الخبيثة ، والقرآن علاج نوراني لأمراض عجز عن علاجها العلم الطبي الحديث ، وحبة البركة هي داء من كل داء إلا الموت . ونجد أن عالم الكون المعماري تحدث عنه القرآن الكريم منذ زمن بعيد جدا ، ونحت الجبال لبناء البيوت الفارهة ، ونجد أن الحديد فيه بأس شديد ، وهناك معالجات قرآنية في الحياة العامة والمعاملات المالية والميراث ، ونصيب التركة ، فنجد الأديان الأخرى تلجأ لنظام الإسلام في المواريث ، ونجد الإخبار عن رحلة الإسراء والمعراج ، والسفر السريع قبل أن يعرف الإنسان هذه التطورات والتحديثات في عالم النقل والتنقل وتحليق الطائرات في السماء وكل ذلك بتقليد الطيور التي تصول وتجول في السماء بقدرة الخالق سبحانه . ونجد النظام السياسي العالمي الأمثل والأفضل ، ونظام الشورى ، ونجد نظام الملكية الفردية والعامة ، والعمل الجماعي ضمن الفريق الواحد ، ونجد البرق وأن شرارة صغيرة منه تكفي العالم بأسره لمئات السنوات ، وأصبحت الكهرباء جزءا صغيرا من هذا العالم النوراني ذكرت بالقرآن . وهناك أشياء نراها في منامنا فنراها تحقق هي هي فعليا في عالم اليقظة . وهناك عالم النبات والحيوان وكل شيء متقن بإتقان بديع أبدعه واحد أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد . وهناك أنظمة المعاملات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والنفسية وسواها ... وهناك الكثير الكثير الكثير ... إلخ .
فهل يا ترى هذه الأمور جاءت عبثا ؟ لا والله والذي أنفسنا جميعا بيده ، إنها مكونة ومنظمة من رب قادر خالق حي قيوم أزلي لا يموت خلق الخلق أجمعين في أيام معدودة ثم أستوى على العرش الكريم . ورغم وضوح الرؤيا ، نجد من يباطح ويناطح برأسه وجسده ويديه ويعتدي على الآخرين ، وخاصة الأمة الإسلامية ويكيل التهم جزافا ما أنزل الله بها من سلطان ، ويعارض من أجل المعارضة ، لجلب حب الظهور ، ويتهم الداعي بالمفرد أو الداعين بالجملة إلى سبيل الله القويم بالنكوص للخلف والرجعية ، ويريد أن يبقى تابعا لغيره من الأمم الاستعمارية ، مستهلكا لا منتجا ويبقى يلهث خلف المال والجاه والمنصب والشهوات الماجنة وما شاكلهما ، وينسى نفسه ، أو يتناسى عن عمد أن كل بداية لها نهاية ، وكل حي سيموت إن عاجلا أو آجلا ، فنرى أطفال يسبقون آباءهم وأمهاتهم وأجدادهم وجداتهم إلى الزوال أو الفناء ليذهب إلى عالم الملك والملكوت . فيتبارى المتبارون في جمع الأموال والعقارات والثروات الطبيعية والهيمنة على الآخرين دون وجه حق مهما كانت الوسيلة لأن الغاية تبرر الوسيلة عند هؤلاء الوصوليين الانتهازيين دون مراعاة للقيم والمثل العليا ، وكما يقول المثل الشعبي ( الجاهل عدو نفسه ) ، فهؤلاء بحاجة لمن يوعيهم ويرشدهم للصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم الله عليهم وليس المغضوب عليهم أو الضالين المضلين والمضللين . وكم من معارض للإسلام هاجم الإسلام العظيم عندما ركب رأسه ، وأصبح من الصالحين ومن الدعاة المرموقين ، فنأخذ بأيدي هؤلاء المهاجمين للإسلام المغرر بهم ماليا وحزبيا ونفسيا لعل وعسى أن يهديهم ربنا وربهم على أيدينا ليسلكوا جادة الصواب .
والأمتين العربية والإسلامية ، ضعيفتا الجناحين ، لبعدهما عن تعاليم الإسلام عامة والقرآن المجيد خاصة ، فهما المستهدفتان في هذه الآونة ، يتم مهاجمة رموزهما القيادية والعقائدية والطبيعية وما إلى ذلك ، فتجد من الأغبياء والجهلاء والسفهاء من يهاجم الرسول الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم ، دون أن يعرفه أو يقرأ ويتمعن في سيرته اللطيفة النظيفة الخالية من الشوائب ، ولو أنه قرأ التاريخ جيدا لأخذ العبر والعظات ، واتبع هذا النبي العربي الأمي الذي بعثه الله رحمة للعالمين ، لا أن يكيل له التهم جزافا ، من هنا وهناك ، من أوروبا وأمريكيا ، فأصبح الإسلام يوصف بالإرهاب ، والمسلم إرهابي ، والعربي إرهابي ، والفلسطيني إرهابي .. وهكذا . فالإسلام وضع نظام حياتي شامل ، عبر الدستور الإلهي العظيم والقويم ، وكل من لا يريد إتباعه ، هو حر في ذلك ، لأن الإسلام جعل للإنسان طريقين : طريق الخير وطريق الشر ، فيأبى أكثر الناس إلا أن يحيدوا عن الحق ويتبعون الشر والأشرار والباطل ليشبعوا غرائزهم الحيوانية ويهاجموا الخيرين والأتقياء والأنقياء . ومن العجب العجاب أن يقوم السفيه الفاسد أخلاقيا وماليا وإداريا وسياسيا بتوجيه سهامه المسمومة لأولي الألباب والعقول النيرة ، ويهيمن الرويبضة على الأوضاع العامة ، ويحاول أن ينصب نفسه آمرا ناهيا للجماعات والشعوب والأمم عبر القارات . فأضحت الأمور مقلوبة ، كطبخة المقلوبة التي تقلب قلبا رأسا على عقب ، فلم تعد الأمور تدخل في مداخلها الصحيحة بل تتوارى عن الأنظار وتحيك الدسائس والمؤامرات فالذين يعيثون في الأرض فسادا يتهمون أهل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالرجعية وعدم التعاطي الإيجابي مع الظروف الداخلية والإقليمية والدولية .
وفي ظل هذه الأوضاع المتراجعة التي يحكم بها شياطين الإنس على الصالحين والمتقين والمحسنين ، فاختلط الحابل بالنابل والصالح بالطالح ، لا بد للإنسان من وقفة تصويب حقيقية مع ربه أولا ثم مع نفسه ثانيا ثم مع الآخرين ثالثا ، لينضج العدل والحكم بالقسطاس المستقيم ، وتعود الأمور إلى طبيعتها .
ومن نافلة القول ، إن الأمة الإسلامية ، في مختلف أرجاء المعمورة تتطلع لأن تعيد الأمجاد التليدة وتصد الحرب الشرسة الموجهة ضدها التي تتألف من أربعة أضلاع للمربع الاستعماري ، هي : الحرب العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، وتكون كما كانت ، الدولة الأولى في العالم ، واللغة العربية هي اللغة العالمية الأولى ، هذا ما كان ، وهذا ما سيكون لاحقا إن شاء الله ،ولا تقنطوا يا معشر المسلمين من رحمة الله العزيز الوهاب . ولكن الأمر بحاجة للدعاء ثم الدعاء والدعاء ، والأخذ بالأسباب وطلب نصر الله القدير لأنه إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون . وكما يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما جاء بصحيح مسلم - (ج 1 / ص 167) : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ " .
وأخيرا نقول ، كما يقول خالقنا ، ومولانا ، تبارك وتعالى الحميد المجيد : { سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)}( القرآن المجيد ، الرعد ) .
وسبحان الله العظيم الذي ينطق بكلامه المقدس ، حين يخبرنا عن السفهاء والمفسدين في الأرض الذين لا هم لهم سوى تجريح المصلحين والأوابين والحلماء والحكماء من المسلمين : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (6) خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (7) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ (10) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16){ القرآن المجيد ، البقرة } .
فلنبادر للدفاع عن حمى وحياض الإسلام والمسلمين أمام الحرب المربعة الأضلاع من الأعداء ، ولنستخدم عدة وسائل كتنظيم المهرجانات والاحتفالات الكبرى تكون ذات الشعبية الكبيرة وتنظيم المعارض الإسلامية في عقر دار المزايدين والمهاجمين للإسلام ، في الجامعات والمدارس والنوادي والمنتديات الجماهيرية والالكترونية وتنظيم الندوات والمؤتمرات والمحاضرات عبر وسائل الاتصال الجماهيرية من فضائيات ومحطات تلفزة ومطبوعات وعبر الانتر نت وغيرها ، ولا بد من الاستعانة بمن كانوا يهاجمون الإسلام أولا ثم اهتدوا ومالوا للحق واتبعوا الإسلام فهؤلاء ردودهم أقوى وأفعل من التنظير عن بعد ، فهم لهم تجربة مريرة جعلتهم يتركون الأيديولوجيات الأخرى ويتجهون صوب الإسلام الحنيف .
وختامها مسك ، نقول لا بد لفرسان الله في الأرض أن يركبوا خيولهم ، البرية والبحرية والجوية ، ويبادروا لأخذ دورهم مهما كلف الأمر ، ويجب أن لا يقفوا متفرجين على الشر والأشرار ، والتغيير يبدأ بالنفس ثم بالآخرين ثم الآخرين الآخرين ، فيَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي ، يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي ، يَا خَيْلَ اللَّهِ ارْكَبِي .. وهي دعوة للنفير العام ، لا تخافي في الله لومة لائم ، انطلقي باسم الله وعلى بركة الله لمقارعة المعتدين الضالين والمغضوب عليهم والذود عن حياض الإسلام العظيم ، والوعد الإلهي سيكون بعد الإعداد والاستعداد والمواجهة التمكين الكبير في أرض الله لعباد الله المؤمنين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: