الاثنين، 10 مارس 2008

أكظم غيظك .. ولا تغضب !!!

د. كمال علاونه
أستاذ العلوم السياسية – فلسطين


أيها الإخوة والأخوات الكرام ...
تجنبوا الغضب ، فعليك أيها لإنسان تجنب الغَضَبْ ... والغَضَبُ كما جاء بالقواميس العربية ، التي تنطق بلسان عربي مبين ، هو النَّزَقِ والإنفعال الشديد والعبوس والثوران والتسرع والتجهم في الوجه وتقطيب العينين ، والاحتداد والحنق والبرطمة والغيظ . والتَحميجُ : تغُيُّر الوَجْه من الغضب ويقال استشاط غضبا . ورجل مُتَخمِّطٌ وخَمِطٌ : شديد الغضب له فورة وجلبة من شدة غضبه . والغَشْم : الغَضَبُ . والتَّشيُّط : الغضب . وتَرَبَّدَ وجهُهُ من الغَضَب ، كأنّه تَسَوَّد منه مواضِع [1] . وسوءُ الخُلُقِ يتمثل في سُرْعَة الغَضَبِ جراء غليان القلب . والغضب يؤدي إلى عدم التوازن العقلي والجسدي ويسبب الهلاك للنفس والإهلاك للآخرين ، فهو يولد المشاكل ومضر صحيا في الآن ذاته للفرد .
ولهذا لا بد للإنسان من ضبط نفسه وأن يكون واسع الصدر والتحمل وعدم الانفعال كثيرا حتى لا تفلت الأمور من صاحبها . قيل جاء رَجُل إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَوْصِنِي أو عَلِّمْنِي كَلِمَاتٍ أَعِيشُ بِهِنَّ وَلَا تُكْثِرْ عَلَيَّ فَأَنْسَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَغْضَبْ ( فَرَدَّدَ مِرَارًا ) لَا تَغْضَبْ " [2] . وسئلَ رجل رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَاذَا يُبَاعِدُنِي مِنْ غَضَبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ؟ قَالَ : " لَا تَغْضَبْ "[3] . فالإنسان الذي يتجنب الغضب يعيش مسرورا سعيدا يسعد من حوله أيضا ، بعيدا عن التوتر والعصبية والهيجان ولا يؤذي نفسه أو الآخرين ، فالغضب مجمع من مجاميع الشر وهم من صفات الشيطان الرجيم ، وشياطن الإنس والجن ، والْغَضَبِ يسبب الأزمات وَيمحوه الْعَفْوُ عِنْدَ الْإِسَاءَةِ .
من جهة ثانية ، يَجُوزُ الغلظة مِنْ الْغَضَبِ وَالشِّدَّةِ لِأَمْرِ اللَّهِ سبحانه وتعالى ، كمجاهدة الكفار والمنافقين والفاسقين والظالمين والمذبذبين ، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء . قال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ } [4] . وهناك الْحَذَرِ مِنْ الْغَضَبِ أيضا ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ . وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ . وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ . وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } [5] . وبهذا فإن الإسلام الحنيف يدعو إلى الابتعاد عن سورة الغضب التي لا تبقي ولا تذر ، وحض على الغفران والمسامحة والمصالحة . وَقَوْلِهِ تعالى : { الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ . وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ . أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } [6] . نرى من هذه الآيات القرآنية المجيدة ربط ثلاث مقدس بين الإنفاق التقي وكظم الغيط وعدم إظهاره والعفو عن الناس . وقد غضب الله جل شأنه على الكفار والمنافقين فقال : { إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ . مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } [7] .
وفي اهتمام إسلامي بدعوة المسلمين لعدم الغضب ، بجيمع أشكاله وأنواعه لتجنب نتائجه المدمرة ، وضرورة تحمل مشاق الحياة الدنيا للفوز بنعيم الآخرة . قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ " [8] . وقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كذلك : " لَا طَلَاقَ وَلَا عَتَاقَ فِي غِلَاقٍ " [9] . وقيل الْغِلَاقُ : الْغَضَبِ ، وذلك لأن في الغضب عدم الرضا . وقد دعا رسول الله الإنسان أن يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ وأن لا يستعجل الأمور وإتباع ما يَُذهب الْغَضَبُ ، كما ورد في الأحاديث النبوية الشريفة على النحو الآتي : اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ أَحَدُهُمَا غَضَبًا شَدِيدًا ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ مَا يَجِدُهُ مِنْ الْغَضَبِ ، َقَيلَ : مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " [10] . وفي رواية أخرى ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ " [11] . كما قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ " [12] . وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " يَسِّرُوا وَلا تُعَسِّرُوا، وَبَشِّرُوا وَلا تُنَفِّرُوا ، وَإِذَا غَضِبْتَ فَاسْكُتْ " [13] .
وقد يؤدي الغضب إلى الكفر والشرك بالله العزيز الحكيم ، واعتبر الإسلام خيار الناس من يكون بطئ الغضب ، فقد صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بالمسلمين صَلَاةَ الْعَصْرِ بِنَهَارٍ ثُمَّ قَامَ خَطِيبًا فَلَمْ يَدَعْ شَيْئًا يَكُونُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلَّا أَخْبَرَهم بِهِ : " إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ أَلَا فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ . وَكَانَ فِيمَا قَالَ : أَلَا إِنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى فَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا . وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ كَافِرًا . وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا . وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا . أَلَا وَإِنَّ مِنْهُمْ الْبَطِيءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الْفَيْءِ ، وَمِنْهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ فَتِلْكَ بِتِلْكَ . أَلَا وَإِنَّ مِنْهُمْ سَرِيعَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الْفَيْءِ أَلَا وَخَيْرُهُمْ بَطِيءُ الْغَضَبِ سَرِيعُ الْفَيْءِ ، أَلَا وَشَرُّهُمْ سَرِيعُ الْغَضَبِ بَطِيءُ الْفَيْءِ ... أَلَا وَإِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ فِي قَلْبِ ابْنِ آدَمَ أَمَا رَأَيْتُمْ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ فَمَنْ أَحَسَّ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَلْيَلْصَقْ بِالْأَرْضِ " [14] . وفي رواية أخرى ، خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطْبَةً بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَى مُغَيْرِبَانِ الشَّمْسِ ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ ، قَالَ : " أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ أَلَا فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ . أَلَا إِنَّ بَنِي آدَمَ خُلِقُوا عَلَى طَبَقَاتٍ شَتَّى مِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ كَافِرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ مُؤْمِنًا وَيَحْيَا مُؤْمِنًا وَيَمُوتُ كَافِرًا وَمِنْهُمْ مَنْ يُولَدُ كَافِرًا وَيَحْيَا كَافِرًا وَيَمُوتُ مُؤْمِنًا أَلَا إِنَّ الْغَضَبَ جَمْرَةٌ تُوقَدُ فِي جَوْفِ ابْنِ آدَمَ أَلَا تَرَوْنَ إِلَى حُمْرَةِ عَيْنَيْهِ وَانْتِفَاخِ أَوْدَاجِهِ فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَالْأَرْضَ الْأَرْضَ ، أَلَا إِنَّ خَيْرَ الرِّجَالِ مَنْ كَانَ بَطِيءَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الرِّضَا ، وَشَرَّ الرِّجَالِ مَنْ كَانَ سَرِيعَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الرِّضَا ، فَإِذَا كَانَ الرَّجُلُ بَطِيءَ الْغَضَبِ بَطِيءَ الْفَيْءِ وَسَرِيعَ الْغَضَبِ وَسَرِيعَ الْفَيْءِ " [15] . ويعد الغضب من مفسدات الأمور ويقود إلى الثبور ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْغَضَبَ يُفْسِدُ الأَمْرَ كَمَا يُفْسِدُ الْخَلُّ الْعَسَلَ " [16] . وصنف الإسلام طبقات الناس الغضبى ، وأفضلهم الذي لا يغضب ، فعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ : " سَأُحَدِّثُكُمْ بِأُمُورِ النَّاسِ وَأَخْلاقِهِمْ : الرَّجُلُ يَكُونُ سَرِيعَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الْفَيْءِ ، فَلا عَلَيْهِ ، وَلا لَهُ ، كَفَافٌ ، وَالرَّجُلُ يَكُونُ بَعِيدَ الْغَضَبِ سَرِيعَ الرِّضَا ، فَذَاكَ لَهُ وَلا عَلَيْهِ . وَالرَّجُلُ سَرِيعُ الْغَضَبِ بَعِيدُ الرِّضَا ، فَذَاكَ عَلَيْهِ وَلا لَهُ . وَالرَّجُلُ يَقْضِي الَّذِي لَهُ وَيَقْضِي الَّذِي عَلَيْهِ ، فَذَاكَ لا عَلَيْهِ وَلا لَهُ كَفَافًا . وَالرَّجُلُ يَقْضِي الَّذِي عَلَيْهِ وَلا يَقْضِي الَّذِي لَهُ ، فَذَاكَ لَهُ وَلا عَلَيْهِ ، وَالرَّجُلُ يَقْضِي الَّذِي لَهُ وَيَمْطُلُ النَّاسَ فِي الَّذِي لَهُمْ ، فَذَاكَ عَلَيْهِ وَلا لَهُ " [17] .
ولا تنس أخي المسلم .. أختي المسلمة كظم الغيظ ..
وكَظْمُ الغَيْظ : بمعنى ملك النفس وضبطها والحلم والصبر وعدم التسرع والاحتمال لما يبدر من الآخرين من سوء تصرف مع الإنسان وعدم الرد عليهم بالمثل . وكظم الغيظ هو الحلم عند جهل الآخرين . ويمكن أن يحترق القلب ويغلى من شدة الغيظ . والوجُوم والأجُوم هو السُّكوت عن غيظٍ وهمٍّ [18] . ويأتي الغَيْظُ بمعنى الكبت أو الحَنَقُ ، والغيظ اشد من الغضب بل هو سورته أو شدته . وقيل : الغَيْظُ : غضبٌ كامنٌ للعاجز [19] . والتَّوَقُّدُ من الغَيْظِ يكون من الغضب الشديد . والضَّبُّ : الغَيْظُ والحِقْدُ الكَامِنُ في الصَّدْرِ [20] . ويكون الغيظ في كبت الهم والغم والتروي وعدم الاستعجال في الرد على الآخرين النازعين نزعة الباطل . والمَكْظُومٌ هو المحبوس عن فعل ما تجاه موقف ما .
قال الله جل جلاله : { سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ . الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } [21] . وبين الله سبحانه وتعالى أن الكفار يغتاظون من المسلمين حسدا من عند أنفسهم ويتربصون بالمسلمين الدوائر ولا يحبون لهم النجاح وإصابة الحسنات . . قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ . هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ . إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ } [22] . وهناك غيظ لنار جهنم تجاه الكفار ، قال تعالى : { وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ . إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ . تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ . قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ . وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ } [23] .
وفي الوقت الذي يدعو الإسلام العظيم الإنسان المسلم إلى كظم غيظه عن الناس المسلمين فإنه ، في المقابل دعا الله سبحانه وتعالى إلى إغاظة الكفار فقال : { مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ } [24] . وقال تعالى : { مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } [25] . وعَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ كَظَمَ غَيْظًا وَهُوَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَفِّذَهُ دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ فِي أَيِّ الْحُورِ شَاءَ " [26] . وقيل : يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ يَضُرُّ الْغَيْظُ ؟ قَالَ :" نَعَمْ ، كَمَا يَضُرُّ الشَّجَرَ الْخَبَطُ " [27] .
على أي حال ، إن الغضب الذي يستخدمه الإنسان سواء بشكل عمدي أو عفوي ، يضر بالإنسان في العديد من الأحوال الجسدية والعقلية والنفسية ، فبعض الناس لا يتمالك نفسه فليجأ الى رفع صوته على الآخرين لإسكاتهم في مسألة معينة ، فتثور ثائرته ويحمر وجهه وتنتفخ أوداجه فيسب ويشتم ويعربد ويحاول الاعتداء على الآخرين بالضرب إن استطاع لذلك سبيلا . وبعض الناس عندما يغضب يكسر الأثاث ويضرب كل من حوله وبعضهم يلجأ لضرب نفسه . وكل هذه الفئات لا تكظم غيظها ولا تعفو عن غيرها إن أخطأوا ولا تسيطر على نفسها ، فتقعد ملومة مدحورة لعدة أسباب لعل من أبرزها : الإصابة بجلطة تقعده لفترة قد تقصر أو تطول ، وفقدان الأصدقاء والأصحاب من حوله وينزوي لنفسه وبنفسه .
ومن خلال استقراء وتحليل الوصايا الإسلامية : القرآنية الكريمة والنبوية الشريفة نعرف مدى العناية الإلهية ببني البشر لتجنب التشنجات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبنيوية العامة ، فلا داعي للغضب لأنه مهلك للنفس البشرية : العقلية والعصبية ، والمادية والمعنوية . فلا داعي للغضب ، ولا داعي لتوتير الأجواء الاجتماعية بين الناس ، من اسرة وعائلة وعشيرة وجيران وأصدقاء وشعب وأمة . فالغضب في الله ولله ولحماية الإسلام العظيم والدفاع والذود عن الأوطان واجبة ، مع ما ينتج عنها من تحري وحرية واستقلال . فالأمة الغضبى لتحقيق حقوقها أمة حية تستحق الحياة ، والأمة اللامبالية تبقى خانعة لغيرها . فطوبى للغاضبين من أجل الله والإسلام العظيم . وبئس للغاضبين لتفاهات الأمور الدنيوية .
ولا بد من القول ، إن الغضب الإلهي قد وقع على اليهود الذين يطلق عليهم المغضوب عليهم ، حيث نردد كمسلمين سورة الفاتحة في صلاتنا وعبادتنا عشرات المرات يوميا ، لتنجب الغضب الإلهي علينا ، حيث يقول الله جل جلاله : { بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (5) اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7) }( القرآن المجيد ، الفاتحة ) .

[1] قاموس العين ، الجزء 1 ، ص 185 ، 314 ، 345 . والجزء 2 ، ص 10 ، ص 117 .
[2] موطأ مالك ، الجزء 5 ، ص 391 . صحيح البخاري ، الجزء 19 ، ص 79 .
[3] مسند أحمد ، الجزء 13 ، ص 384 .
[4] القرآن الكريم ، سورة التوبة ، الآية 73 . وسورة التحريم ، الآية 9 .
[5] القرآن الكريم ، سورة الشورى ، الآيات 37 – 43 .
[6] القرآن الكريم ، سورة آل عمران ، الآيات 134 – 136 .
[7] القرآن الكريم ، سورة النحل ، الآيات 104 – 107 .
[8] صحيح البخاري ، الجزء 19 ، ص 72 . ومسند أحمد ، الجزء 21 ، 328 . وموطأ مالك ، الجزء 5 ، ص 392 .
[9] سنن أبي داود ، الجزء 6 ، ص 107 .
[10] سنن أبي داود ، الجزء 12 ، ص 400 . وسنن الترمذي ، الجزء 11 ، ص 349 . ومسند أحمد ، الجزء 45 ، ص 65 .
[11] سنن أبي داود ، الجزء 12 ، ص 402 . مسند أحمد ، الجزء 43 ، ص 352 .
[12] سنن أبي داود ، الجزء 12 ، ص 403 . ومسند أحمد ، الجزء 36 ، ص21 4 .
[13] المعجم الكبير للطبراني ، الجزء 9 ، ص 246 .
[14] سنن الترمذي ، الجزء 8 ، ص 112 .
[15] مسند أحمد ، الجزء 22 ، ص 261 .
[16] المعجم الكبير للطبراني ، الجزء 14 ، ص 352 .
[17] المعجم الكبير للطبراني ، الجزء 19 ، ص 321 .
[18] قاموس العين ، الجزء 1 ، ص 494 .
[19] الصحاح في اللغة ، الجزء 2 ، ص 30 .
[20] تاج العروس ، الجزء 1 ، ص 678 .
[21] القرآن الكريم ، سورة آل عمران ، الآيات 133 – 134 .
[22] القرآن الكريم ، سورة آل عمران ، الآيات 118 – 120 .
[23] القرآن الكريم ، سورة الملك ، الآيات 6 – 10 .
[24] القرآن الكريم ، سورة التوبة ، الآية 120 .
[25] القرآن الكريم ، سورة الحج ، الآية 15 .
[26] سنن الترمذي ، الجزء 7 ، ص 315 . ومسند أحمد ، الجزء 31 ، ص 236 . وسنن أبي داود ، الجزء 12 ، ص 397 .
[27] المعجم الكبير للطبراني ، الجزء 17 ، ص 492 .

ليست هناك تعليقات: