الجمعة، 20 نوفمبر 2009

وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا .. تجربتي في الحج والعمرة إلى مكة المكرمة 1419 هـ / 1999 م

وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ..

تجربتي في الحج والعمرة إلى مكة المكرمة

1419 هـ / 1999 م



د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه عدد خلقه ورضاء نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون ، وأصلي واسلم على سيد الخلق إمام المتقين في الأولين والآخرين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبعد ،
يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203) }( القرآن المجيد ، البقرة ) .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 1 / ص 11) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ " . وجاء في صحيح البخاري - (ج 5 / ص 445) أَنَّ تَلْبِيَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ " .

استهلال

يقول الله الحي القيوم عز وجل : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)}( القرآن الحكيم ، آل عمران ) .
الحج فرض وركن أساسي من أركان الإسلام الخمسة ، يجب على الإنسان المسلم البالغ العاقل المستطيع جسديا وماليا أن يتقيد به لينال رضى الله سبحانه وتعالى في الدارين : الحياة الدنيا الفانية ، والحياة الآخرة الباقية ، ويكون سعيدا حميدا بين الخلائق والأمم . ومن يفرض الحج من الأرض المقدسة ، فإنه يكون قد شد الرحال لثلاثة مساجد عظيمة من بيوت الله في الأرض في أقدس بقاع الله ، أحب أرض الله إلى الله جل شأنه وهي المسجد الأقصى المبارك والمسجد النبوي الشريف والمسجد الحرام .



الإستعداد للحج الإسلامي

وكتجربة شخصية لي ، رغبت في الحج ، رغم أنني كنت صغيرا في السن إلى حد ما ( 37.5 سنة ) حيث كنت معدا ومقدما للبرامج في هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية من الفوج الأول المؤسس في تموز 1994 . وقد اخترت أن أكون ممن يعد ويقدم البرامج والمواد الإعلامية الإسلامية في إذاعة ( صوت فلسطين ) التي انطلقت من أريحا ثم انتقلت لمدينة رام الله وسط فلسطين ، ضمن البرامج العامة العديدة ، اليومية والأسبوعية ، الموجهة التي كنت أعدها وأقدمها وحدي دون مشاركة أي من الزملاء ، وكان شعاري الأول دائما : ( كن مبنيا للمعلوم وليس للمجهول ) بمعنى أنتج وأعد للبرامج وأخرجها بنفسك ، وأذع وقدم ما تعده بصوتك وتحدث عبر أثير الإذاعة . والشعار الثاني ( في هذا الزمن العجيب يطيب للإنسان ما لا يطيب ) ، بمعنى يجب أن يكون الإنسان مرنا مع الجميع وأن يصبر ويكظم غيظه ، لأن رضا الناس لا ولم ولن تدرك بأي حال من الأحوال . على أي حال ، قدمت برنامج ( حديث الروح ) الإسلامي ، وغيره من البرامج الإسلامية ( مجلة آفاق إيمانية ) ، وكان الطابع العام لبرامجي الإذاعية الطابع الإسلامي الواضح كوضوح الشمس . فقد أحببت الإسلام منذ نعومة أظفاري ، وكنت مؤمنا مؤديا لما يتطلبه الإسلام من كل مسلم .
وفي عام 1999 م رغب والدي إبراهيم محمد شحادة ، من قرية عزموط بمحافظة نابلس بفلسطين ، بأداء ركن وفريضة الحج الإسلامية ، فبادرنا وسجلنا له في مقر وزارة الأوقاف بمديرية نابلس ، وأجريت القرعة بين المسجلين للحج ، كل في محافظته وكان نصيبه الموافقة لكبر سنه حيث كان يبلغ 72 عاما ،( 1927 – 1999 ) وخروج اسمه في القرعة ، وبدا لي أن الأمور تسير على ما يرام إن شاء الله العلي العظيم تبارك وتعالى ، حيث سافرت قافلة الحجاج الفلسطينيين البرية في 8 آذار – مارس 1999 / .
وبالنسبة لحجي ، ففي عام 1999 م / 1419 هـ ، كعادتها أرادت هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية ( برئاسة رضوان أبو عياش ) أن تنتدب صحفيين ومهندسين لمواكبة موسم الحج الإسلامي الذي تشرف عليه وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ، فتقدمت وطلبت من مدير عام الإذاعة ( باسم أبو سمية ) وقلت له أنا أولى بالذهاب للحج ، لرغبتي الشديدة في تأدية ركن وفرض الحج الإسلامي ، وليس مهما التسمية مذيعا أو معدا أو مرافقا للحجاج ، فوافقني الأمر ، وشجعني ، وطلب مني إعداد الأوراق الثبوتية اللازمة للسفر ، ودخل على الخط زميلين آخرين لي هما : الأستاذ عبد السلام العابد ، مدقق البرامج لغويا ، ومعد بعض البرامج الثقافية ، والمهندس جواد مبسلط من دائرة الهندسة الإذاعية . اتفقنا ثلاثتنا عندما تمت الموافقة المبدئية علينا مع مدير عام إذاعة ( صوت فلسطين ) ، وجهزنا ما يلزم من عملية السفر ، وكنا نذهب بسيارتي لمقر وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية بالعيزرية قرب القدس المحتلة ، وأنجزنا كل شيء تقريبا ، فتم تصنيفي وتصنيف الزميل جواد المبسلط على حساب استضافة وزارة الأوقاف الفلسطينية وتصنيف الزميل عبد السلام العابد على أساس وزارة الإعلام السعودية كمذيع تلفزيوني عام لبضعة دقائق في محطات التلفزة والإذاعات العربية والإسلامية .
وفي عزموط بمحافظة نابلس بفلسطين ، وكعادة الحجاج الفلسطينيين الذين يسافرون لتأدية مناسك الحج ، يتم تنظيم حفلة وداع الحاج ، فنظمت حفلة وادع لي ولوالدي إبراهيم محمد شحادة علاونه ، في بيتي قرب مدرسة بنات عزموط الثانوية ، قبل يومين من السفر ، فهرع معظم أبناء القرية لوداعنا ، فكان إرهاقا فوق إرهاق ، ولكنها عادة لا بد منها ، والمودعين يأتون لبضع دقائق ، ولكن العدد الهائل من الزوار بالمئات جعلني استعين ببعض أقاربي في استكمال تجهيز الأمتعة والأوراق الثبوتية ، وخاصة فيما يتعلق بتذاكر الطائرة التي كنت أتابعها أنا من ناحيتي ، وكذلك بالنسبة لترتيب سفر والدي برا مع شركة حج من نابلس بصحبه حجاج من قريتنا علي راتب ياسين وأمه وأخته .
أعددنا جميع الأوراق الثبوتية من جوازات سفر ، ونسقنا أمرنا مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية ، وكان اسمي في أول القائمة ( الوفد الإعلامي الفلسطيني ) ، وأخذنا إثباتا بذلك من وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ، وهذا يعني أننا ضمن وفد فلسطين العام للحج ، ووفد فلسطين الإعلامي خاصة ، وإنا معفيين من دفع رسوم الحج بالسفر برا التي تبلغ 577 دينار أردنيا للعام 1419 هـ / 1999 م ، وهي بدل الإقامة والسكن بالمدينة المنورة ومكة المكرمة . ثم اتفقنا ثلاثتنا على أن نذهب لتأدية مناسك الحج بالطائرة ، ووافقت لنا إدارة هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية برام الله على ذلك ، ونسقنا أمورنا مع وزارة المالية الفلسطينية ، ومنحتنا تذاكر سفر بالطائرة ، وحجزنا ب ( الملكية الأردنية ) من رام الله ، ثم سافرنا للعاصمة الأردنية عمان ، في الوقت المحدد صباح يوم 9 آذار 1999 م ، وأكدنا الحجز بالطائرة وذهبنا لختم جوازات السفر الفلسطينية وختمت لنا فيزا دخول للسعودية . وفي ساعات المساء ركبنا الطائرة متوكلين على الله متجهين لمطار جدة شمال مكة المكرمة بالسعودية ودفع كل واحد فينا رسوم مغادرة قيمتها 10 دنانير أردنية . وكنت أعددت نفسي محرما للعمرة من مطار عمان بالأردن ، وبعد ساعات قصيرة من الطيران تقريبا هبطت الطائرة في مطار جدة الدولي ، واستقبلنا بعض موظفي سفارة فلسطين في الرياض ، وخاصة موظفي القنصلية الفلسطينية بمدينة جدة .
أعلمنا طاقم السفارة الفلسطينية بمطار جدة أننا من الوفد الإعلامي الفلسطيني من هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية ، فرحبوا بنا كثيرا ، وأخبرناهم أنا وجواد أننا باستضافة وزارة الأوقاف الفلسطينية ، وعبد السلام باستضافة وزارة الإعلام السعودية ، فنفوا هذا الأمر ، وقالوا لنا إننا جميعا على حساب وزارة الأوقاف الفلسطينية ، فغضب زميلنا عبد السلام وهدد بالعودة من المطار ، واقنعناه جواد وأنا ، أن إنوي حج بيت الله الحرام ، وليس مهما من يتبناك ، ( وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية أو وزارة الإعلام السعودية ) المهم أن تؤدي ركن وفريضة الحج لله تبارك وتعالى ، وعرضت عليه أن يساعدني في التغطية الإعلامية لحجاج بيت الله الحرام لصوت فلسطين ، وبعد تردد وافق على الأمر ، حيث شعر بغصة جراء تحويل مساره من إدارة هيئة الإذاعة والتلفزيون بطريقة خاطئة ، وهذا ما كان .
كنت قد خططت وبرمجت نفسي لأداء العمرة في مكة المكرمة قبل توجهي للمدينة المنورة والالتحاق بموكب حجاج فلسطين ، في العام 1419 هـ / 1999 ، فلبست لباس الإحرام قبل أن استقل الطائرة من عمان لجدة بالسعودية ، وعندما وصلنا مطار جدة ، قلت لزميلي أني سأذهب لمكة المكرمة لأداء العمرة أولا ، ثم سألحق بكما للفندق بالمدينة المنورة ، حملت أمتعتي وركبت سيارة عمومي من جدة لمكة المكرمة ، وذهبت لمقر بعثة الحج الفلسطينية جنوبي مكة المكرمة لوضع أمتعتي ، في حي المسفلة قرب دوار كدي ولكنني لم أجد أحدا ، فاتجهت صوب المسجد الحرام بمكة المكرمة ، وبالقرب من البيت العتيق ، وضعت أمتعتي عند صاحب محل لا أعرفه ولا يعرفني ، ولكنني عرفته على نفسي ، وأريته جواز سفري ، وأنني من البعثة الإعلامية لحجاج فلسطين لهاذ العام ، وفتحت له الأمتعة ليكون مطمئنا ، فوافقني ، وقال لي توكل على الله ، أد العمرة وأدع لنا ، ثم عد لأخذ أمتعتك لتذهب أين ما تريد . ذهبت فرحا وأديت مناسك العمرة الإسلامية ، في بضع ساعات ، ثم عدت للمحل الذي وضعت به أمتعتي ، وقدمت شكري للذي استضاف الأمتعة ، ثم اتجهت صوب السيارات العمومية التي تذهب للمدينة المنورة على ساكنها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الصلاة والسلام ، وبعد طول سفر استمر أكثر من نصف يوم برا التحقت بزملائي بالمدينة المنورة ، وقد لحقت بهم في ساعة متأخرة من ذلك اليوم المبارك الذي تمكنت فيه من أداء العمرة ، والالتحاق بركب حجاج فلسطين بالقرب من المسجد النبوي الشريف .
وفيما يخص الوفد الإعلامي الفلسطيني من هيئة الإذاعة والتلفزيون الفلسطينية فكان يتألف من وفد إذاعة ( صوت فلسطين ) من رام الله بالضفة الغربية ووفد تلفزيون فلسطين من قطاع غزة ، وممثل وكالة الأنباء الفلسطينية ( وفا ) ، واجتمعنا ثلاثتنا عبد السلام وجواد وأنا ، وقلت لهم لنتخذ أميرا علينا ، حسب السنة النبوية الشريفة ، وذكرت لهم الحديث النبوي ، كما جاء في سنن أبي داود - (ج 7 / ص 187) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِذَا كَانَ ثَلَاثَةٌ فِي سَفَرٍ فَلْيُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ " . فقالا لي أنت أميرنا في الحج ، فوافقت على ذلك ، لنكون يدا واحدة وجماعة واحدة تتعاون فيما بينها تعاونا تاما في كل شيء ، وكانت لدي تجربة سابقة بزيارة الأراضي المقدسة عندما أتيت لتأدية مناسك العمرة في العشر الأواخر من رمضان قبل ذلك بثلاث سنوات ، أي في عام 1996 . وفي المقابل كان يسكن بالقرب منا راسم عبد الواحد من وكالة ( وفا ) الفلسطينية ، حيث سرق أثناء وضوئه بالقرب من المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة ولم يكن يلتزم معنا في ذلك ، رغم معرفتنا لبعضنا بعضا مسبقا .

العبادة في المسجد الحرام المدينة المنورة


على أي حال ، لقد كنت حريصا على أن أقوم بتأدية جميع الصلوات الخمس في المسجد النبوي الشريف وافرغ نفسي تماما لذلك ، رغم كثر الشغل والمشاغل ، وكان جل همي عبادة الله في أقدس البقاع الإسلامية وتأدية الصلاة في أوقاتها جماعة لما لذلك من ثواب جزيل . فقد ورد في صحيح البخاري - (ج 4 / ص 377) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ " . وجاء في سنن ابن ماجه - (ج 4 / ص 333) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي بَيْتِهِ بِصَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِ الْقَبَائِلِ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الَّذِي يُجَمَّعُ فِيهِ بِخَمْسِ مِائَةِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاتُهُ فِي مَسْجِدِي بِخَمْسِينَ أَلْفِ صَلَاةٍ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ بِمِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ " .
علما بأن أبواب المسجد النبوي الشريف تغلق بعد صلاة العشاء بوقت قصير ، فتعمل شرطة المسجد على إخراج جميع المصلين بعد الانتهاء من صلاة العشاء ، ويمنع منعا باتا مكوث الناس فيه ، يبدو للحفاظ على أمن قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم داخل المسجد النبوي . وكنا ثلاثتنا : عبد السلام وجواد وأنا ، نأكل معا ، وننام في غرفة واحدة بالفندق ، وأوقاتنا متفقة أو متباعدة أحيانا ، ولكن زياراتنا كانت كثيرة للتنسيق الإعلامي وإجراء لقاءات إذاعية مع حجاج فلسطين من مختلف المحافظات ، من القدس ونابلس ورام الله والخليل وبيت لحم وجنين وطولكرم وقلقيلية وأريحا وغزة وخانيونس ورفح ودير البلح ، من المدن والقرى والمخيمات ، في فسيفساء جغرافية متناغمة ومتباينة ، نتناوب فيها أنا وزميلي الصحفي عبد السلام العابد مع زميلنا المهندس جواد لتسجيل تحيات وسلامات حجاج فلسطين لذويهم في فلسطين الأرض المقدسة عبر أثير صوت فلسطين . فقد كنا نجرى اللقاءات الإذاعية مع الحجاج والمسؤولين ونسجلها صباحا بعد صلاة الفجر ، وليلا بين صلاتي العشاء والفجر ، على كاسيتات ثم يعيد زميلنا جواد إرسالها لاستوديوهات إذاعة صوت فلسطين في رام الله بفلسطين فتنطلق في ساعات الظهيرة والمساء مرتين ليستمع لها أهل الحجاج في شتى المحافظات الفلسطينية بأرض الوطن .

العبادة في مكة المكرمة ( الحج والعمرة ) والصلاة

لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ

إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ

جاء في صحيح مسلم - (ج 7 / ص 42) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : " أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا " . فَقَالَ رَجُلٌ أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ ثُمَّ قَالَ ذَرُونِي مَا تَرَكْتُكُمْ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِكَثْرَةِ سُؤَالِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ " .
وجاء في مسند أحمد - (ج 30 / ص 283) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ" .
من المعلوم أن أعمال الحج ثلاثة أقسام : أركان وواجبات وسنن . أما الأركان فخمسة : الإحرام والوقوف بعرفة وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة والحلق . أما الواجبات فاثنان متفق عليهما ، فإنشاء الإحرام من الميقات والرمي واجبات متفق عليهما . وأما الأربعة المختلف عليهما فاحدهما الجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة والثاني المبيت بمزدلفة والثالث مبيت ليالي منى للرمي والرابع طواف الوداع والأصح وجوب الأربعة . وأما السنن فجميع ما يؤمر به الحاج سوى الأركان والواجبات وذلك كطواف القدوم والأذكار والأدعية واستلام الحجر الأسود والرمل والإضطباع وسائر ما ندب من الهيئات السابقة .
بعد عدة أيام من قدومنا لمكة المكرمة ، من المدينة المنورة ، جرى تفويج ( أفواجا أفواجا ) حجاج فلسطين لبيت الله الحرام بمكة المكرمة ، فسافرنا في صبيحة ذات يوم ووصلنا مساء لمكة المكرمة ، ونزلنا في مقر بعثة الحج الفلسطينية ، في حي المسفلة قرب دوار كدي ، وخصصت لنا وزارة الأوقاف غرفة خاصة ، في أحد الطوابق قرب دوار كدي جنوب مكة المكرمة ، حيث يبعد مقر بعثة الحج الفلسطينية ، والحجيج حوالي 3 كم عن المسجد الحرام ، وتنظم وزارة الأوقاف الفلسطينية ، حافلات منتظمة لنقل حجاج فلسطين من السكن المؤقت إلى المسجد الحرام ، منذ ساعات الفجر الأولى لتأدية صلاة الفجر بالبيت العتيق ، وحتى ساعات ما بعد صلاة العشاء .
وكبعثة حج إعلامية من إذاعة ( صوت فلسطين ) ، لقد نسقنا برامجنا للعمل وتأدية الصلوات في المسجد الحرام ، وحرصت دائما على تأدية جميع الصلوات اليومية الخمسة بالمسجد الحرام وبالقرب من الكعبة المشرفة خاصة ، لما لها من وقع إيماني عميق في قلبي ، وحنين أبدي للصلاة بجميع اتجاهات القبلة من الشرق والغرب والشمال والجنوب ، لقد شغفت حبا بالطواف سبعة أشواط حول الكعبة المشرفة وتأدية الصلاة المفروضة والمسنونة حول الكعبة المشرفة في صحن المسجد الحرام ، أقدس بقاع الأرض لدى الله رب العالمين . وكما هو معلوم فإن أبواب المسجد الحرام تبقى مفتوحة أمام جميع المصلين ، طيلة اليوم والليلة ( 24 ساعة يوميا ) بعكس المسجد النبوي الذي تغلق أبوابه بعد صلاة العشاء بوقت قصير لا يتجاوز ساعة .
وقبل النفير العام للحج ، أديت مناسك العمرة للمرة الثانية ، بصحبة والدي ، قبل أن ننضم لمسيرة الحج الرسمية ، ثم أديت مناسك العمرة بعد إتمام مناسك الحج الرسمية ، بصحبة والدي مرة ثانية ، ولكن هذه المرة نيابة عن والدتي المقعدة ( سهيلة ) في بيت الأسرة في قرية عزموط بنابلس بفلسطين المباركة ، كما طلبت من والدي تأدية مناسك العمرة عن والدته ( جدتي لأبي ) حليمة رحمها الله ، وهذا ما كان ، كل واحد منا أدى مناسك العمرة عن والدته ، كنوع من الإنصاف والعرفان بالجميل لهما .
لقد كنت دائب الحركة ، نشيطا في المجالين الديني الإسلامي بالصلاة والدعاء في المسجد الحرام ، وعدم تفليت أي وقت صلاة مني فحرصت على تأدية جميع الأوقات جماعة بالمسجد الحرام ، بعكس أعدادا كبيرة من الحجاج الذين كانوا يصلون في السكنات في حي المسفلة ، وكانوا يقضون وقتا طويلا في التسوق بأسواق مكة المكرمة ، وكنت ألجا فرديا أو جماعيا ، للخروج للصلاة قبل وقتها ، والانتظار في صحن المسجد الحرام بالقرب من الكعبة الشريفة ، مستعينا في ذلك بباصات وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ، أو المواصلات العامة حسب الحاجة ، والوقت الزمني ، وأحيانا كنت أركب بشاحنات أو مركبات صغيرة بأجرة مضاعفة عدة مرات ، وأنزل من المركبة في حالة الاختناق المروري الشديد ، أو بحافلات ( باصات ) تركية تتسع لخمسين راكبا ، تقف بالقرب منا ، بعد الاستئذان من الوفد التركي والسائق التركي الذي كان يرحب بي ، وفي الوقت ذاته ، كنت أعد اللقاءات الإذاعية مع الحجاج ومع المسؤولين في بعثة الحج الفلسطينية سواء من الضفة الغربية أو قطاع غزة بالإضافة إلى استكمال إعدادي وتقديمي للبرامج الإسلامية الأسبوعية والخاصة الإذاعية التي كنت أعدها وأقدمها من رام الله ، ولكن هذه المرة ، كنت أتعمد ذكر اسم مكة المكرمة للتدليل أن هذه البرامج جرى إعدادها وتقديمها عبر أثير ( صوت فلسطين ) من العاصمة الإسلامية الأولى المقدسة في العالم وهي مكة المكرمة بالقرب من المسجد الحرام والكعبة المشرفة . وكانت عبارة عن برنامج ( آفاق إيمانية ) وهو برنامج إذاعي أسبوعي تتراوح مدته ما بين 45 – 55 دقيقة ، وبرامج خاصة عن وقفة يوم عرفة ، وعيد الأضحى المبارك ، وتقارير إخبارية عن أوضاع الحجاج الفلسطينيين . وكان يتألف البرنامج من الفقرات التالية : كلمة الحج ، أخبار الحجاج من فلسطين والعالم ، أوضاع الحجاج في مكة المكرمة ، لقاءات وإرشادات للحجاج ، وأدعية إسلامية ، بالإضافة إلى لقاءات مع المسؤولين في الحج ، مثل الشيخ يوسف جمعة سلامة ، وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ، ورئيس بعثة الحج الفلسطينية ، والشيخ رشيد منصور ، مدير عام المساجد في وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ، وعثمان دويكات ( أبو رامي ) وزهير الدبعي مدير أوقاف نابلس ، والدكتور الشيخ إسماعيل نواهضة ، عميد كلية القرآن والدراسات الإسلامية بجامعة القدس ، عضو مجلس الفتوى الأعلى بفلسطين ، والمرافق لبعثة الحج الفلسطينية وغيرهم .
في يوم التروية وهي 8 ذي الحجة 1419 هـ / أزفت الآزفة ، للعمل على إنتقال حجاج بيت الله الحرام باتجاه ( جبل عرفات ) بالملايين ، ( وكان يوم عرفة – يوم الحج الأكبر 9 ذي الحجة 1419 هـ ) عبر حافلات عامة خاصة ، وكنا دفعنا قبل ذلك بدل أضحية لمصرف الراجحي ، وهي عبارة عن مائة دولار أمريكي ، لتنوب عنا تلك المؤسسة في عملية ذبح الأضحية ، وجهزنا أنفسنا وأنطلقنا لتفويج الحجاج لجبل عرفات الله ، بالقرب من مكة المكرمة ، ومكثنا يوما هناك ، نقرأ القرآن العظيم ، وندعو بالأدعية الشخصية والجماعية ، وأن يعفو الله عنا ( اللهم إنك عفو تحب العفو فأعف عنا ) ، فقد جاء في سنن الترمذي - (ج 12 / ص 8) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ " .
وقد مرضت قبل انتقالنا لجبل عرفات وكانت درجة حرارتي مرتفعة ، جراء الرشح والإنفلونزا بسبب تغير تقلبات المناخ والطقس ، وسفري الدائم ، وعرقي الدائم ، فكنت في سباق ديني مع العبادة والزمن . وكنا حذرين أنا وزملائي في البعثة الإعلامية من تناول السوائل والأطعمة مهما كان نوعها وشكلها ، لنحافظ على وضوئنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلا ، لأن عملية قضاء الحاجة ليست من الأمور اليسيرة في ظل الإزدحام في جبل عرفة ( يوم الحج الأكبر ) وقد افترشنا فرشات منفوخة خاصة بجبل عرفات ، وتلحفنا الفضاء ، ولم ننم في تلك الليلة وتسلقنا جبل عرفة . وفي مساء اليوم التالي ( يوم عرفة ) انتقلنا للمشاعر الحرام بمزدلفة ، ومكثنا هناك ، ندعو الله ونقرأ القرآن المجيد ، ثم انتقلنا لمنى صبيحة ( يوم النحر – عيد الأضحى 10 ذي الحجة 1419 هـ ) حيث الخيم المعدة لذلك ، فلم نسكن في هذه الخيام ، بل كنا نسهر لساعات متأخرة من الليل ثم نمضي للسكن في مكة المكرمة ، ثم نعود وهكذا .
وبعد الانتهاء من المكوث بمنى ، انتظرنا مركبات أو حافلات لنتنقل إلى المسجد الحرام ، يوم عيد الأضحى المبارك ، ولكننا لم نفلح في ركوب سيارات فاضطررنا أن نركب شاحنة ، ونصعد على ظهرها وكان عددنا يقارب 30 حاجا من فلسطين ، ونزلنا بالقرب من المسجد الحرام ، ثم مارسنا الطواف سبعة أشواط ، استغرقت معنا حوالي 45 دقيقة ، فلم ننجح في الطواف بالقرب من الكعبة وإنما تمكنا من الدخول بالدور الثالث للمسجد الحرام ، ثم أنهينا الطواف والسعي بين الصفا والمروة ، حيث أنا تعرضت للسرقة أثناء سعيي بين جبلي الصفا والمروة وتسبيحي بمسبحة مائة حبة ، ( سبحان والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ) في أحد أجنحة المسجد الحرام ، ولكن عملية السرقة من شخص اقترب مني ، وأخذ يحتضنني لمعرفة مكان أموالي ، فشلت فشلا ذريعا ، وهرب وتراجع القهقرى ، إذ أنني كنت وضعت محفظتي ونقودي وهويتي في قشط ( سبك ) سري غير مخيط تحت ملابس الإحرام البيضاء ، وهي عبارة عن منشفتين غير مخيطتين ، ثم انهينا الصلاة وقصصنا الشعر ، ثم تحللنا من الإحرام . وكانت ذبحت عنا الأضاحي دون أن نراها ، ولم نأكل منها شيئا كذلك ، وهذا جائز إسلاميا في مناسك الحج . وبعد التحلل من ملابس الإحرام ، بعد إنهائنا يوم القر 11 ذي الحجة ، ويوم النفير الأول 12 ذي الحجة ويوم النفير الثاني 13 ذي الحجة 1419 هـ ، وإنهائنا الحج العظيم ، تعانقنا وقلنا لبعضنا بعضا ، حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور ، وتجارة لن تبور إن شاء الله العزيز الحكيم جل جلاله .
ثم ذهبنا للسكن في الغرفة الخاصة التي خصصتها لنا وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية ، وأخذنا معنا ، دجاج مشوي وبعض الفواكه ، وما خطر على بالنا من مأكل ومشرب إسلامي لذيذ ، فقلت لهم تحللوا من الإحرام وكلوا ما شئتم الآن من الطعام ، فقد أنهينا مناسك الحج الإسلامي بفضل الله العلي العظيم ولن تخافوا الذهاب للحمام أو غيره .
وبعد ذلك ، جهزنا أنفسنا وأعدنا تأكيد الحجز في الطائرة للعودة الميمونة من رحلة الإيمان العظيمة للمسجد الحرام ومكة المكرمة والمدينة المنورة ، وتوجهنا لمطار جدة ، ووصلنا في 2 نيسان – إبريل 1999 لمطار عمان ، ثم انتقلنا مباشرة لنابلس ، ووصلت مساء ، حيث استقبلني الأهل والأحبة ، ثم لحق بي والدي في اليوم التالي وأقمنا حفلا كبيرا للاستقبال ، وزعنا فيه : ماء زمزم ، وحب تمر ، ومصليات ، ومصاحف ومسابح من فئه 33 حبة و66 حبة و99 حبة وملابس للأبناء والأخوات والأم وغيرها من جميع الأنواع والأشكال ، وكنت أشتريت الهدايا والمباركات والأضواء التي تبشر بعودة الحجاج لوضعها فوق سطح المنزل ، منزلي ، بالتعاون والتنسيق مع والدي قبل سفرنا للحج من نابلس مسبقا أو من مكة والمدينة المنورة من الديار الحجازية .

مشاهدات وإنطباعات في رحلة الحج


لاحظت أثناء رحلتي الأولى للحج والعمرة معا عام 1999 ، وأثناء رحلتي الأولى للعمرة عام 1996 ، للديار الحجازية ، ما يلي :
أولا : إهتمام المسلمين بتأدية مناسك الحج والعمرة حيث يأتون من كل فج عميق . وقد لامست قدرا لا باس به من التفاعل بين الحجاج المسلمين من شتى الأقطار والبلدان العربية والإسلامية . فمثلا جلست في عدة حلقات لحجاج أتراك وجزائريين وأردنيين وأفغانيين ، ولاحظت أن الكثير من الحجاج المسلمين الأتراك والأفغان يعرفون اللغة العربية ولا يرغبون الحديث بها . فعقب الانتهاء من صلاة جماعة بالمسجد النبوي الشرف جلس بجانبي حاج كبير في السن ولحيته طويلة وسألني من أين الأخ الحاج ؟ فعرفته على نفسي ، الحاج كمال من فلسطين بالقرب من المسجد الأقصى المبارك ، فأثنى علي خيرا ، ودعا لي ولأهل فلسطين بالنصر والتوفيق باللغة العربية ، وسألته من أين أنت يا حاج ؟ فقال لي : من أفغانستان ، فسررت كثيرا ، بمنطقه وحديثه وإتقانه للغة العربية المجيدة . وفي إحدى جلسات النقاش ضمت حجاجا جزائريين وأتراك وفلسطينيين ، سألت الجزائريين عن أحمد بن بلا فأثنوا عليه خيرا . وسألت حجاج من الأتراك عن مصطفى كمال أتاتورك وقبل صلاة الجمعة بقليل بعد انتهاء الجلسة التعارفية وصف حاج تركي أتاتورك قائلا : { أولئك هم الكفرة الفجرة ) وهي آية قرآنية ، مما أسعدني كثيرا ، وكنت لا أخاله يتحدث باللغة العربية .
ثانيا : تأدية مناسك الحج دون الاستعانة بالآخرين قدر الإمكان : وخاصة لذوي الحاجات الخاصة ، فنرى الكثير من الحجاج ينقلون على العربات أو محمولين على الأكتاف ، فالأفضل للحاج الانتقال على رجليه والاعتماد على نفسه دون أن يرهق الآخرين ، والأجر والثواب على قدر المشقة .
ثالثا : الغلاء الفاحش ، واستغلال بعض السائقين للحجاج من الناحية المادية حيث يطلبون مبالغ مالية خيالية لنقلهم من مكان لآخر ، والأجهزة الأمنية السعودية لا تقدر أن تلاحق جميع هؤلاء المستغلين من ذوي النفوس المريضة الذين لا يلتزمون بالتسعيرة المالية المحددة بالريال السعودي .
رابعا : ضرورة تبديل العملات العربية أو الأجنبية بالعملة السعودية المحلية ، والدولار هو العملة التي يمكن الاستفادة منها في شراء الحاجيات والتمكن من صرافتها في جميع محلات الصرافة والبنوك ، ويا حبذا لو تكون هناك عملة عربية أو إسلامية تستغني عن هذه العملة الأمريكية الأجنبية .
خامسا : لجوء فئات حقيرة لسرقة الحجاج ، وهي ظاهرة صغيرة إلا أنها ملفتة للنظر ، فقد شاهدت أناس وشرطة يضربون شخصا ابيض البشرة يحاول سرقة الحجاج والمصلين داخل أروقة المسجد الحرام بمكة المكرمة وشاهدت آخرين يلحقون بشخص أسود عند رمي الجمرات .
سادسا : الخشوع لله في الصلاة بالحرمين : المسجد الحرام بمكة المكرمة ، فقد خشعت كثيرا وبكيت كثيرا في معظم صلواتي خلف الإمام الشيخ عبد الرحمن السديس ، وكذلك الحال في معظم صلواتي بالمسجد النبوي الشريف ، وقد لاحظ زملائي من بعثة الحج الإعلامية الفلسطينية أحيانا بكائي فسألوني عن ذلك فقلت لهم خشوعا لله رب العالمين ، ولا أبكي خوفا على مال أو حياة بل حبا في الله جل جلاله .
لقد كانت رحلة إسلامية إيمانية رائعة بحق وحقيق ، انتقلنا فيها بين جناحي أرض الإسراء والمعراج ، الجنوبية والشمالية ، من الأرض المقدسة ( فلسطين ) إلى الأرض المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة بالديار الحجازية بشبة الجزيرة العربية . والشوق دائم والأمل يحدونا لإعادة الكرة مرة ثانية وثالثة وعاشرة لأداء مناسك الحج والعمرة وزيارة المسجد الحرام والكعبة المشرفة بمكة المكرمة والمسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة في أي وقت نتمكن من ذلك ويشاء لنا الله سبحانه وتعالى ذلك .

نصائح للحجاج في مكة المكرمة والمدينة المنورة

وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ


يقول الله السميع العليم تبارك وتعالى : { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}( القرآن المجيد ، التوبة ) .
هذه طائفة من النصائح لحجاج بيت الله الحرام قبل وأثناء وبعد التوجه لمكة المكرمة والمدينة المنورة بالديار الحجازية ، من أهمها :
أولا : شد الرحال للحج الإسلامي في سنين الشباب مع الرفقة الطيبة ، والجماعة الصالحة ، التي تذهب لعبادة الله وتأدية مناسك الحج والعمرة ، والصلاة جماعة في جميع أوقات الصلاة في المسجد النبوي الشريف بالمدينة المنورة والمسجد الحرام بمكة المكرمة . جاء في مسند أحمد - (ج 6 / ص 253) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " تَعَجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ يَعْنِي الْفَرِيضَةَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ " .
ثانيا : الإهتمام بتأدية وإتمام مناسك الحج بخشوع وروية ، وعدم الإلتهاء بشراء الأمتعة من الأسواق التجارية في المدينة المنورة ومكة المكرمة . ولا مانع من شراء بعض الحاجيات اللازمة والهدايا قبل أو بعد الانتهاء من مناسك الحج لأن الأسعار تكون رخيصة . والشراء من المدينة المنورة قبل أداء مناسك الحج ، هو ارخص ثمنا وأطيب تعاملا . يقول الله العلي العظيم سبحانه وتعالى : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196)}( القرآن المجيد ، البقرة ) .
ثالثا : الحذر والانتباه من السرقات ، في جميع الحالات وخاصة في أمكنة الزحام . فالسرقة مهنة يمتهنها بعض ذوي النفوس المريضة في جميع مناسك الحج ، سواء في الحمامات أو الطواف حول الكعبة أو السعي بين الصفا والمروة أو رمي الجمرات أو النوم ، فالمسلم يقظ دائما ، يحافظ على نفسه وماله ، ومال غيره . وتشمل السرقات الأموال المنقولة ، والمصاحف المحمولة ، والأمتعة في المساكن والفنادق .
رابعا : الابتعاد عن أمكنة الزحام والخصام والمخاصمة والانتظار قليلا للعودة للديار الأصلية . وأن يكون الإنسان الحاج مرنا ويعفو عن زلات الآخرين ، وأن يصفح ويغفر للمذنبين.
خامسا : السفر بالطائرة أسهل كثيرا ، رغم ارتفاع أسعار تذاكر السفر الجوية . بينما يعتبر السفر البري أكثر مشقة وتعبا على الحدود بين الدول العربية ، وفي المقابل يعتبر السفر البحري أكثر خطورة واقل أمنا .
سادسا : تقديم المساعدة لكل من يحتاجها في مناسك الحج ، وفي حالة وقوع بعض الحجاج أثناء الطواف حول الكعبة المشرفة أو رمي الجمرات فيجب أن لا تداس أجسامهم بل مساعدتهم في النهوض وعمل دائرة حولهم لتحاشي إيذائهم أو إصابتهم أو موتهم .
سابعا : عدم التنويع والتشكيل في المأكل والمشرب ، في أيام الحج ، لأن ذلك من الممكن أن يؤدي إلى الإسهال أو الإمساك ، أو المرض ، وهذه مشكلة عويصة للحاج . فنصيحة للحجاج المسلمين بأن لا يأكلوا من لحوم الأضاحي قبل الانتهاء من تأدية مناسك الحج .
ثامنا : التسجيل في شركات الحج ذات الخدمة الممتازة ، وذات الحافلات الحديثة ، لمن يسافرون برا ، والسفر بالطائرة الحديثة للمسافرين جوا ، وتقليل السفر بحرا إلا للمضطرين .
تاسعا : الإتفاق بين رفقة الحج على الالتقاء في مكان معين إذا تاه بعضهم عن بعض ، ويكون ذلك بالتفاهم المسبق لئلا تنقلب حياة الإنسان إلى هم وغم ، فريق يبحث عن الآخر وسط جموع الملايين الغفيرة التي أتت من كل فج عميق لعبادة الله خالق الخلق أجمعين ، تبارك وتعالى .
عاشرا : الإنفاق في سبيل الله على الفقراء والمحتاجين وأبناء السبيل والذين يتعرضون للسرقة وغيره من الفئات المكلومة .
حج مبرور وسعي مشكور وذنب مغفور وتجارة لن تبور إن شاء الله .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: