السبت، 7 نوفمبر 2009

السلطة الوطنية الفلسطينية .. إلى أين ؟ بقاء أم فناء ؟

السلطة الوطنية الفلسطينية ..

إلى أين ؟ بقاء أم فناء ؟


بقلم : د . كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
فلسطين العربية المسلمة


يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله في القرآن المبين : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (153) وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) } ( القرآن الكريم ، البقرة ) .

إستهلال

من المفروض نظريا ، أن يشرف الكيان الفلسطيني الصغير الذي ولد في تموز – يوليو 1994 ، فيما يعرف بالسلطة الوطنية الفلسطينية ، مدنيا وأمنيا وسياسيا على نحو ستة آلاف كيلو متر مربع هي مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة ، بصورة جزئية لا كلية ، من أصل 27 ألف كم2 هي مساحة فلسطين الكبرى الاجمالية التاريخية يسكنهما نحو أربعة ملايين فلسطيني من أصل أكثر من عشرة ملايين فلسطيني في داخل الوطن وخارجه ، منهم نحو 2.5 مليون نسمة في الضفة الغربية و1.5 مليون في قطاع غزة . وقد تنفس الفلسطينيون الصعداء من براثن الاحتلال الإسرائيلي الظالم ، بعد قيام هذه الكيان الوطني الصغير المتطور وإن لم يكن على المستوى والآمال والتطلعات الوطنية المبتغاة المتمثلة في الاستقلال الفلسطيني الناجز والتحرر الأبدي على أرض الآباء والأجداد .
على أي حال ، بعد التوقيع الرسمي لاتفاقية أوسلو بين الجانبين الفلسطيني ممثلا بمنظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الصهيونية في 13 أيلول 1993 ، وما تلاها من توقيع اتفاقية القاهرة في 4 أيار 1994 ، تم فعليا وعمليا على أرض الواقع الشروع بإنشاء سلطة فلسطينية جديدة على ساحة فلسطين الأصغر من الصغرى ، اقصد بذلك غزة وأريحا أولا ، كجزء مجزوء من الضفة الغربية وقطاع غزة ، ثم تطورت المحادثات الفلسطينية – الصهيونية تارة برعاية غربية أو عربية أو كليهما وتم استعادة بعض المدن الفلسطينية لتصبح مناطق ( أ ) تحت السيادة الفلسطينية المنقوصة أو المبتورة كمدن نابلس وطولكرم وقلقيلية وجنين وبيت لحم ورام الله والبيرة وغيرها ، ثم تلاها عشرات البلدات الفلسطينية التي ألحقت بسلطة الحكم الذاتي المحدود الصلاحية ، وقسمت مناطق أخرى لتحمل اسم مناطق( ب ) وهي مناطق فلسطينية استعيدت جزئيا من سيطرة الاحتلال الصهيوني لتكون تحت السيطرة المدنية الفلسطينية وخاضعة للسيطرة العسكرية والسياسية الصهيونية . وأضيفت مناطق ( ج ) لتكون خاضعة قلبا وقالبا للسيطرة العسكرية الاحتلالية الصهيونية كما أضيفت مناطق رابعة في المسمى الجديد هو مناطق ( د ) وهي المحميات الطبيعية التي بقيت عمليا تحت النفوذ والحماية الصهيونية . ورغم بعض المزايا الصغيرة لهذه التقسيمات العسكرية الصهيونية إلا أنها كرست فعليا تقسيم الضفة الغربية إلى ثلاث معازل جغرافية أو ما يطلق عليه كانتونات جغرافية متباعدة ، فبدلا من أن تكون المدن والبلدات الفلسطينية متحدة مع بعضها البعض أصبحت متباعدة وكأنها مدن متفرقة لا يربطها رابط جغرافي ممتد ، الأمر الذي مزق الجغرافيا والتاريخ الفلسطيني في أبشع صورة عبر التاريخ القديم والمعاصر لفلسطين الكبرى . وبعد هذا التقسيم كان الفلسطينيون يتندرون على أيام التواصل الجغرافي الفلسطيني الممتد شمالا وشرقا وغربا وجنوبا بين ثنايا المدن والقرى والبلدات الفلسطينية ، فأصبح الوضع الفلسطيني يزداد تأزما يوما بعد يوم .
على أي حال ، يعرف جميع الفلسطينيين صغيرهم وكبيرهم أن الحل السياسي المبتور الذي نجم عنه إنشاء الكيان السياسي الفلسطيني هو حل مؤقت لا يرضي الفلسطيني الحر الغيور على الحرية والاستقلال والكرامة الوطنية والإباء القومي والإسلامي العام والخاص وإنما قبل به البعض لأنه ليس باليد حيلة وتجرعه البعض الآخر لأنه شر لا بد منه ، ورفضه البعض الآخر وأصبح منبوذا وملاحقا من البعض الآخر . وجرت الانتخابات الرئاسية والتشريعية الفلسطينية الأولى وأفرز أول نظام سياسي فلسطيني مؤقت عبر التاريخ ، واستمر هذا الكيان لفلسطيني الوليد مترنحا بين محاولة النهوض باتجاه الأعلى والإسقاط باتجاه الأسفل ، أو ما بين هذا وذاك . واستمرت السلطة الوطنية الفلسطينية تعمل على تسيير شؤون الفلسطينيين العامة وطغت على منظمة التحرير الفلسطينية حتى خيل للبعض أن السلطة الفلسطينية هي الأم والمنظمة هي الابنة الوليدة ، وهذا ما جعل الناس ، قيادات ومسؤولين ومواطنين عاديين ، يلقون وراء ظهورهم شعارات منظمة التحرير الفلسطينية وتركيبتها التنظيمية والسياسية والعسكرية والاقتصادية . وقد قدمت السلطة الفلسطينية فوائد متعددة عبر سني تاريخها القصير عبر ست سنوات امتدت من عام 1994 حتى إندلاع انتفاضة الأقصى المجيدة في 28 أيلول 2000 ، شخصية فلسطينية وطنية صابرة ممتدة في أعماق الجذور الاجتماعية للشعب والوطن .

إنجازات السلطة الوطنية الفلسطينية

ساهمت السلطة الوطنية الفلسطينية عمليا على أرض الواقع في تحقيق عدة مسائل لعل من أهمها :
أولا : قيام نواة حقيقية لدولة فلسطين العتيدة المنتظرة ، بقيادة حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) . فشكل النظام السياسي الفلسطيني ، وبنيت السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية الضرورية لإنطلاق الدولة الفلسطينية الموعودة . وبالتالي ساعد الأمر في إستعادة ثقة الإنسان الفلسطيني بنفسه وإمكانية إحراز النصر المتدحرج تدريجيا . والتطلع لغد أفضل آت لا ريب فيه .
ثانيا : الإشراف على الشؤون العامة للفلسطينيين في الداخل والخارج على السواء ، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا .
ثالثا : إعادة تنشيط الاقتصاد الفلسطيني بتشغيل نحو 165 ألف موظفي مدني وعسكري ، وعدد مثله أو أكثر كتشغيل غير مباشر ، وعدد مثله كتشغيل بين بين ، عبر استخدام أيد عاملة أخرى للبناء والتطوير السكني والمؤسساتي العام والخاص . فالموظف عند تقاضيه راتبه يسعى لبناء بيت جديد أو شركة جديدة ، والمستثمر سيعمل على بناء استثمارات جديدة وتعزيزها في حالة وجود صعود اقتصادي مريح مستقر وآمن .
رابعا : تطبيق جزء من حق عودة اللاجئين الفلسطينيين من خارج البلاد ، حيث عاد نحو ربع مليون فلسطيني عبر عودة معظم القيادات الفلسطينية وعائلاتهم وذويهم وأصدقائهم وجزء من قوات جيش التحرير الفلسطينيين وميليشيات تابعة للحركات والفصائل الفلسطينية فانخرطوا في لبنات الكيان الفلسطيني الجديد .
خامسا : ساعدت السلطة الفلسطينية في إيجاد قاعدة ارتكازية شبه آمنة للميليشيات الفلسطينية قبل اجتياح الضفة الغربية في أواخر آذار 2002 فيما عرف بعملية السور الواقي الصهيونية وما نجم عنها من تحجيم قوات الأمن الفلسطيني بصورة كبيرة جدا ومنعها من حمل السلاح إلا في حالات معينة .
سادسا : التقديم للحكم الإسلامي المنتظر فقد شهدت الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية في 25 كانون الثاني 2006 ، صعود نجم حركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) وسيطرتها على 74 مقعدا من مقاعد المجلس التشريعي الفلسطيني أل 132 مقعدا ، في خطوة غير مسبوقة كما ونوعا ، ذلك بأن هناك عدة أسباب ساهمت في فوز حركة حماس بهذا العدد الكبير من مقاعد المجلس التشريعي ، منها ما هو داخلي نابع عن الحركة ومنها ما هو فصائلي وخاصة الخلافات داخل حركة فتح ، وتصويت نسبة كبيرة لمرشحين من فتح خاضوا الانتخابات التشريعية فرادى كون القانون الانتخابي الذي اعتمد يمكن من خوض الانتخابات العامة مناصفة بين نظامي التمثيل النسبي والأغلبية البسيطة ، والرغبة في التجديد والتغيير والإصلاح الذي طرحته حركة حماس وغيرها من الأسباب . وشكلت حركة حماس الحكومة الفلسطينية العاشرة وحدها بواقع 24 وزيرا من حماس والمتعاطفين معها من المستقلين بعد فشل تشكيل حكومة إتئلافية أو حكومة فلسطينية تضم جميع الكتل والحركات الفائزة في الانتخابات التشريعية . ففرض على الشعب الفلسطيني حصارا ماليا خانقا ، وكانت الإدعاءات بأن الحصار هو محاصرة لحركة حماس التي انتخبها المواطنون الفلسطينيون وفي حقيقة الأمر هو حصار شامل ضد كافة أبناء شعب فلسطين ، كمواطنين عاديين ومن المنتسبين بمختلف الحركات والأحزاب الفلسطينية الوطنية والإسلامية على السواء . فظهرت دعوة صريحة بإجراء انتخابات فلسطينية تشريعية ورئاسية مبكرة قبل موعده المضروب ، علما بأن صلاحية الانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة أربع سنوات .
وبعد نشوب بوادر الفتنة الداخلية بأصابع محلية وأجنبية ، في كانون الأول 2006 ، جاءت المناداة لتشكيل حكومة وحدة وطنية فلسطينية ، فشكلت الحكومة الحادية عشرة بتوافق بين حركتي حماس وفتح إثر اتفاق مكة المكرمة الذي وقع في 8 شباط 2007 برعاية عربية شقيقة من السعودية . وبالفعل شكلت الحكومة الفلسطينية الحادية عشرة برئاسة السيد إسماعيل هنية من حماس وأسند منصب نائب رئيس الوزراء لشخصية من فتح وحازت حركة حماس على 9 وزارات من أصل 24 حقيبة وزارية ، بينما حازت حركة فتح على 6 وزارات ، وحازت كتلة الطريق الثالث ، وفلسطين المستقلة ، وحزب الشعب والجبهة الديموقراطية كل منها على وزارة واحدة وامتنعت الجبهة الشعبية و حركة الجهاد الإسلامي عن المشاركة في هذه الحكومة لأسبابها الخاصة لكل منهما . وكانت هناك وعود تلو الوعود ، تقول إنه في حال تشكيل حكومة فلسطينية ائتلافية أو حكومة وحدة فلسطينية فإن الحصار المالي سوف يرفع عن كاهل الشعب الفلسطيني وعن الحكومة الفلسطينية المشكلة ، هذا الحصار الذي تقوده حكومة الاحتلال الصهيوني وتشارك فيه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ، وكتحصيل حاصل مشاركة عربية شقية وإسلامية على استحياء ، وفي ظل هذا الواقع الأليم برزت وتبرز بين الفينة والأخرى تصريحات فلسطينية رئاسية ووزارية في الآن ذاته ، تفيد بأن الرئيس الفلسطيني السيد محمود عباس الذي جرى انتخابه في 9 كانون الثاني عام 2005 يعتزم تقديم الاستقالة أو عدم الترشح للانتخابات الرئاسية لولاية ثانية في 24 /1 / 2010 أو ما بعدها إذا تم تأجيل الانتخابات الرئاسية والتشريعية لعدة أسباب منها منع أهل القدس من الترشيح والانتخاب الذي هو حق قانوني وسياسي لهم ، وكذلك تهديد من السيد إسماعيل هنية رئيس الوزراء الفلسطيني ( إبان حكومة الوحدة الوطنية التي استمرت 3 شهور تقريبا 17 آذار – 14 حزيران 2007 ) بحل السلطة الوطنية الفلسطينية إذا ما استمر الحصار المالي الصهيوني والغربي والعربي على الشعب الفلسطيني . وهذه التصريحات تأتي بعد عمر قصير للسلطة الفلسطينية التي أقيمت فوق جزء من أرض الوطن الفلسطيني ، وهذا اعتراف فلسطيني من الحركتين الكبيرتين في الساحة الفلسطينية وهما : فتح وحماس بأن الأبواب ما زالت موصدة أمام حلم فك الحصار وبالتالي أمام أحلام الحرية والاستقلال الوطني وهذا يعيد الشعب الفلسطيني إلى المربع رقم واحد قبل اتفاقية أوسلو ويعيد القضية الفلسطينية إلى عشرات السنين للخلف بدلا من تقدمها للأمام . وهذا اليأس والإحباط الفلسطيني من الاحتلال الصهيوني أولا ومن الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة ثانيا ، والدول العربية ثالثا يجعل فلسطين أمام صراع جديد يتجدد ولكن هذه المرة ليس كسابقاتها وإنما تنذر بحرب ضروس تأكل الأخضر واليابس ، من الجانبين الفلسطيني والصهيوني على السواء .
وغني عن القول ، إن الحرب الثانية على لبنان ، وهي حرب صيف ( شهري تموز وآب ) 2006 بين قوات الاحتلال الصهيوني وقوات حزب الله اللبناني ألحق دمارا عنيفا بالمستوطنات اليهودية والمدن والقرى اللبنانية على جانبي الحدود قتل فيها أكثر من 160 يهوديا وأكثر من 1200 لبناني عدا عن الخسائر الاقتصادية الضخمة لدى الجانبين اليهودي واللبناني . فيبدو أن الجانب الصهيوني لم يتعظ حتى الآن ويعمل على فك الحصار على الشعب الفلسطينية وحكومتيه المتباعدتين برام الله وغزة ، ويبادر للإفراج عن التطلعات والأماني الوطنية الفلسطينية المحتجزة واقعيا وضمنا وفعليا ، بل يريد فرض الحلول المنقوصة على المقاس الصهيوني الخاص وهذا ما يرفضه ويأباه المواطن الفلسطيني .

خيارات السلطة الوطنية الفلسطينية ..

وخيارات منظمة التحرير الفلسطينية والتيارات الإسلامية


وعلى الصعيد الفلسطيني ، ظهرت المناداة والمكاشفة والتسريبات الإعلامية عن قرب حل السلطة الوطنية الفلسطينية بالتلويح السري بين السطور حينا وبالتصريح العلني أحيانا أخرى . ولا فرق إن كانت هذه التصريحات الفلسطينية مبطنة أو ظاهرة ، وإن دلت على شيء فإنما تدل على مدى المأزق الذي وصلت إليه الأوضاع الفلسطينية : سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا ونفسيا وأمنيا . وإزاء هذه الطروحات تبرز على الساحة الفلسطينية عدة خيارات فلسطينية يجرى تداولها ومناقشها بأصوات عالية ومنخفضة في الوقت عينه وذلك للخروج من عنق الزجاجة التي وضع بها الشعب الفلسطيني في ارض وطنه . وهنا سؤال يطرح ذاته بذاته : هل السلطة الوطنية الفلسطينية على شفير الانهيار أم انتفاضة جديدة على الأبواب ؟ وهل هي على طريق البقاء أو الفناء ؟ أسئلة محيرة فعلا بحاجة إلى إجابات شافية ووافية . ومن أهم هذه السيناريوهات والخيارات للإجابة على هذه التساؤلات ما يأتي :

أولا : حل السلطة الوطنية الفلسطينية

إن حل السلطة الوطنية الفلسطينية رغم محدودية تأثيرها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي والنفسي القوي على الأوضاع الفلسطينية العامة ، يمثل ميلا وزيغا وجنوحا سلبيا عن المصالح الفلسطينية العليا ، خاصة بعد الأمل والتفاؤل الذي زرعه هذا الكيان الفلسطيني المعاصر في الحرية والاستقلال والانعتاق من الاحتلال الأجنبي تمهيدا لإقامة دولة فلسطين العتيدة وعاصمتها القدس الشريف . ونستعرض فيما يلي أهم سلبيات وإيجابيات حل السلطة الفلسطينية على المدى المنظور :

1) سلبيات الحل والإنهاء للسلطة الوطنية الفلسطينية

هذا الخيار يسبب إرباكا جديدا للشعب الفلسطيني وللحركات الوطنية والإسلامية ، وقبل التسرع بإعلانه ينبغي تدارسه بشكل مستفيض ، ميزاته وسلبياته . وغني عن القول ، إن هذا السيناريو يلحق ضررا كبيرا بالشعب الفلسطيني ، ويسبب إحباطا ويأسا من كل حل سياسي قادم جزئي أو كلي للقضية الفلسطينية برمتها بمختلف جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية ، كقضية محورية : فلسطينية عربية إسلامية إقليمية عالمية متوترة .
فحل السلطة الفلسطينية يرجعنا إلى أكثر من ثلاثة عقود زمنية سابقة ، إذ يعيدنا إلى سنوات النقاط العشر التي طرحت عام 1974 بإقامة سلطة وطنية فلسطينية على أي جزء يتم تحريره أو انسحاب الاحتلال الإسرائيلي منه .
يؤدي هذا القرار في حالة اتخاذه إلى تسريح نحو 165 ألف موظف حكومي مدني وعسكري . وعدم معرفة مصير حوالي 30 ألف متقاعد مدني وعسكري ، يعيلون حوالي مليون ونصف مليون فلسطيني في داخل أرض فلسطين ، وبالتالي زيادة البطالة وتفشيها بشكل كبير في المجتمع الفلسطيني مع ما يلحق ذلك من خسائر اقتصادية ضخمة بالاقتصاد الفلسطيني ويضعه على حافة الانهيار الشامل . فيصبح الوضع الفلسطيني ضيقا فوق ضيق ، وضنكا فوق ضنك .
وكذلك إلى ماذا ستؤول الخدمات التعليمية والصحية لشعب فلسطين في داخل الوطن ؟ فحل السلطة الفلسطينية يعيدنا للمربع رقم واحد ، من منع ذكر كلمة فلسطين في المدارس وملاحقة التطور التعليمي العام والعالي ، وغني عن القول ، إن التنشئة التربوية التعليمية في المدارس الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة تحسنت كثيرا بعد تسلم السلطة الوطنية للتربية والتعليم على مدار السنوات الممتدة منذ عام 1994 ، وكذلك الحال بالنسبة للتحسن في التعليم العالي الجامعي كما ونوعا ، أفقيا وعموديا . ففي حال حل السلطة الفلسطينية سيرجع الوضع التعليمي مئات الخطوات إلى الوراء وسيكون هذا المجال تحت الإشراف الصهيوني المدمر لنفسية وكرامة الإنسان الفلسطيني .
وحل السلطة الفلسطينية يؤدي إلى ظهور ميليشيات موالية للاحتلال ، من شلل وقبائل وعشائر استلازمية مثل روابط القرى البائدة من جديد تحاول الصعود لتمثيل الفلسطينيين وإعادة تشكيل إدارة مدنية صهيونية بدعم أميركي وأوروبي ، تعمل على تنصيب طابور خامس يقوم بمساعدة الاحتلال في تسيير الشؤون الفلسطينية العامة وفق المنظور والخطط الإسرائيلية الاستراتيجية .
وهذا يؤدي إلى إعادة احتلال قطاع غزة مجددا من الاحتلال الصهيوني مع ما يجلبه ذلك من مآس جدية وآلام مخاض التحرير من جديد . فإعادة احتلال قطاع غزة بمواطنيه البالغ نحو 1.5 مليون نسمة يجر ويلات مستجدة على البلاد والعباد .
زيادة الفوضى والفلتان الأمني والاجتماعي وتصاعد تغلغل التأثير الصهيوني على المجتمع المحلي ، وبدوره يقود إلى إندلاع حرب وفتن داخلية فلسطينية وزيادة عدد القتلى الفلسطينيين في الشوارع والأزقة والجرحى في المشافي والمختطفين هنا وهناك بأيد فلسطينية وللأسف ، إذا لم يكن هناك قرار مدروس بإيجاد بديل مسبق قبل حل السلطة الوطنية الفلسطينية كتسريح آلاف من العسكريين والمدنيين في القطاع الحكومي ممن كانت لهم ولاءات غير فلسطينية مباشرة أو غير مباشرة كالتعامل مع حثالات الاحتلال الراهنة والسابقة والمستقبلية كروابط القرى البائدة وغيرها من الهياكل المشبوهة للتخفيف من التزامات السلطة الفلسطينية ثم تعزيز مكانة منظمة التحرير الفلسطينية كإطار فلسطيني جامع يجمع كل الفلسطينيين في داخل الوطن وخارجه ينضوي تحت لوائها الحركات الإسلامية والوطنية على السواء وفق تفاهم سياسي شامل وجامع .
ومن سلبيات حل السلطة الفلسطينية زيادة رغبة الفلسطينيين في الخروج من الوطن ، وبالتالي يفترض وضع حد لظاهرة الهجرة الفلسطينية الجديدة بوضع قيود على تنقل الفلسطينيين إلى خارج البلاد بالتنسيق مع الجانبين المصري والأردني .
تضييق الخناق على القطاع الخاص والأهلي في فلسطين فالحكومة الفلسطينية هي المشغل رقم واحد في البلاد ، سواء أكانت بصورة مباشرة أو غير مباشرة . فهناك عشرات إن لم يكن مئات الشركات والمؤسسات والمشاغل والمعامل الخاصة والأهلية متربطة ارتباطا وثيقا بالقطاع العام ففي حال إنهيار القطاع الحكومي فهي ستلحق به عاجلا أو آجلا حسب مقدرة هذه المؤسسة أو تلك في امتصاص الصدمة ، لأن الصبر عند الصدمة الأولى .
إن حل السلطة الفلسطينية يقضي بالحاجة الشعبية لامتصاص الصدمة الفجائية لمدة تتراوح ما بين عام وعامين أو ثلاثة أعوام لإعادة التقاط الأنفاس ، والتكيف مع الواقع الفلسطيني الجديد الذي يكون نجم عنه زوال كيان فلسطيني صغير لم يستطع النمو لفترة طويلة واندثر ، وخرج من دار البقاء إلى دار الفناء .

2 ) إيجابيات حل السلطة الوطنية الفلسطينية

هناك عدة مزايا وفوائد لحل السلطة الفلسطينية على المدى القريب أو البعيد ، وذلك على النحو الآتي :
1) حل السلطة الوطنية الفلسطينية ، بسلطاتها التنفيذية والتشريعية والرئاسية يجعل من الشعب الفلسطيني أمام وضع جديد ، يكيف فيه المواطن الفلسطيني وضعه ويتهيأ لمقاومة جديدة ( إنتفاضة أو ثورة جديدة ) غير مسبوقة القلب والقالب العسكري والسياسي والاقتصادي ولكن بوتيرة ونفس أعمق . ويؤدي كذلك إلى بروز القضاء الشعبي العشائري والإصلاح الجماعي وغياب السلطات الفلسطينية الثلاث هلاميا ومعنويا وماديا على حد ما ، يؤدي على إعادة الاعتبار لمؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية محليا وعربيا وإقليما وعالميا .
2) يجعل الجانب الصهيوني في موقف حرج بكل معنى الكلمة ، فيتبع ذلك مسؤوليات دولية سياسية وقانونية تتمثل في ضرورة إيجاد تشغيل وإشراف جديد على الأوضاع الفلسطينية العامة . ويمكن أن يكون لحل السلطة الفلسطينية مدعاة لمسارعة صهيونية إلى إلغاء الحواجز العسكرية الصهيونية المنتشرة بين المدن والمحافظات الفلسطينية أو تقليل عددها وبالتالي تسهيل انتقال الفلسطينيين بين هذه المحافظات فلا يمكن للاحتلال الصهيوني الإبقاء على هذه الحواجز العسكرية الكثيرة في الضفة الغربية في حال حل السلطة الفلسطينية . وكذلك إزالة الحواجز تساهم في سهولة الوصول للمسجد الأقصى المبارك ؟
3) وحل السلطة الفلسطينية له مردود إيجابي في تفعيل المقاومة الفلسطينية ، وتفكيك الحكومة الائتلافية الصهيونية الحالية بزعامة بنيامين نتانياهو ، وفق المثل القائل ( علي وعلى أعدائي ) . وستكون انتفاضة فلسطينية جديدة ، ويمكن الاستفادة في هذا المجال من تصاعد وتيرة المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي – الغربي للعراق ، فبعد حل النظام السياسي العراقي والجيش العراقي عام 2003 انخرط الآلاف من المواطنين العراقيين في سلك التحرير والاستقلال من الاحتلال الأجنبي وزادت الخسائر الأميركية وأصبح الاحتلال الأجنبي للعراق مكلفا ، وكذلك الحال في فلسطين ، إن حل السلطة الفلسطينية سيولد انفجارا جديدا في المنطقة وتبدو فعاليات انتفاضة جديدة تلوح في الأفق خاصة في ظل وصول طريق المفاوضات الفلسطينية – الصهيونية إلى طريق مسدود وبالتالي انسداد الأفق السياسي . ولا بد من القول ، إن انتفاضة فلسطينية جديدة في الوضع الحالي ستكون مدمرة داخليا بالدرجة الأولى في ظل الأوضاع المتردية أصلا ، ومدمرة على الجانب الصهيوني ، وفي هذه المرة ستدخل قوى عربية جديدة في حلبة الصراع والمرشح الأقوى لمساندة الفلسطينيين هو حزب الله اللبناني الذي يمثل المقاومة الإسلامية اللبنانية التي ألحق هزيمة نكراء في قوات الاحتلال الصهيوني البرية وما زالت القيادة الصهيونية من رئيس الوزراء الصهيوني إلى وزير الجيش الصهيوني فرئيس الأركان الصهيوني يدفعون ثمنها غاليا على الصعيد الداخلي لما سببه ذلك من هزيمة نفسية أقضت مضاجع الجاليات اليهودية في فلسطين .
4) إغلاق السجون الفلسطينية التي يحتجز فيها المعتقلون السياسيون الفلسطينيون سواء في قطاع غزة أو في الضفة الغربية ، ويصبح جميع الأسرى والمعتقلين في السجون والمعتقلات الصهيونية . وستزداد وتيرة الاعتقالات الصهيونية لتطال عشرات آلاف الفلسطينيين من جميع الحركات والفصائل الفلسطينية إما بصورة انتقائية ووقائية أو عن طريق الخداع والمكر الصهيونية ، وكنتيجة للمقاومة الفلسطينية الجديدة بشقيها الوطني والإسلامي .
5) توحيد الحركات والفصائل الفلسطينية مجددا ، في برنامج نضالي جهادي جديد ، والخروج من براثن الفتنة الداخلية المستفحلة المستترة منذ حزيران 2007 حتى الآن .

ثانيا : البقاء في الوضع الراهن

بمعنى بقاء السلطة الوطنية الفلسطينية كإطار جامع للحركات والأحزاب والفصائل الوطنية والإسلامية ، وبقاء الحكومتين الفلسطينيتين بتشكيلاتها الحالية أو إدخال حركات وجبهات فلسطينية أخرى غير ممثلة بالحكومة الحالية والاستعداد الفلسطيني للمرحلة القادمة من جولة الصراع المستعرة في البلاد . وعدم إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة ، وتأجيل ذلك لبضع سنين . ويمكن أن يصاحب هذا الوضع تجدد فعاليات الانتفاضة بزخم جديد ودم جديد ، وبالتالي من الممكن أن يساهم هذا الأمر في زيادة التعاطف الشعبي العربي ثم الرسمي العربي والإسلامي مع الشعب الفلسطيني وحصول بعض الإنفراج في الحصار المالي والخروج من دائرة الحصار المشدد إلى الحصار المخفف تحت وطأة الانتفاضة المقبلة . والبقاء في الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر طويلا إلا أنه يمكن أن يكون مرحلة انتقالية لمرحلة قادمة غير معروفة المعالم إلا عند الله رب العباد . وهذه المرحلة هي مرحلة الاستعداد والتقاط الأنفاس . ويكون في هذا السيناريو الإبقاء على القطاع الحكومي العام وشح الرواتب المالية للعاملين فيه ، والقليل من الرواتب أفضل بكثير من انقطاعها أو توقفها تماما . ومن الأفضل تسريح آلاف من العاملين في القطاع الحكومي العام بدلا من تسريح الجميع وإعادة البناء الهيكلي للسلطة الفلسطينية ، فالتضخم في حجم أعداد الموظفين العموميين وعدم التمكن من الصرف والإنفاق عليهم ليس من المصلحة الفلسطينية العليا بأي حال من الأحوال . وهذا الخيار أي البقاء في الوضع الراهن أي الحفاظ على السلطة الوطنية الفلسطينية ، مع تفعيل أو إنطلاقة انتفاضة جديدة سيكون له مردودا أفضل من إنهاء السلطة بحذفها أو إلغائها أو إنهيارها . وهذا الخيار كان قد اتخذته القيادة الفلسطينية بقيادة الرئيس الفلسطيني الراحل الشهيد ياسر عرفات ، حين تفجرت وإنطلقت انتفاضة الأقصى من باحات المسجد الأقصى المبارك في 28 أيلول – سبتمبر 2000 واستمرت لست سنوات بين مد وجزر ، وأخذ ورد ، اعتبرها ارئيل شارون يوم ذاك بأنها أشرس حرب تشن على الكيان الصهيوني منذ عام 1948 ، مدعيا ( أنها حرب الاستقلال الصهيونية الثانية ) .

ثالثا : حل الحكومة الفلسطينية بجناحيها
وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة


إن حل الحكومة الفلسطينية بجناحيها ( حكومة رام الله برئاسة د. سلام فياض من الطريق الثالث المتحالف مع حركة فتح ، والمدعوم أمريكا وأوروبيا وحكومة غزة برئاسة الشيخ إسماعيل هينة أحد قادة حركة حماس ) ، يفترض أن يأتي بعد استنفاد كل السبل الداخلية والخارجية وفشلها في فك الحصار الصهيوني والأمريكي والأوروبي أولا والعربي التابع تاليا ، بعد دراسة مخططة دون تسرع وإيجاد بدائل أفضل وأمثل وأقوى من الوضع الحالي والاستفادة من العقبات والمصاعب التي واجهت اللجنة العربية العليا في سنوات الثلاثينات ، والهيئة العربية العليا في سنوات الأربعينات من القرن العشرين الماضي ، وحكومة عموم فلسطين عام 1948 والحكومة الفلسطينية خلال السنوات الخمس عشرة الماضية ( 1994 – 2009 ) لاستخلاص العبر والعظات من الماضي والحاضر على السواء لاستشراف المستقبل المنظور والبعيد .
وفيما يلي تداعيات حل الحكومة الفلسطينية المزدوجة ، بين الحركتين الكبيرتين ، حركة فتح في الضفة الغربية باعتبارها منشأة ومؤسسة الكيان الفلسطيني الجديد وهو السلطة الفلسطينية ، وحركة حماس في قطاع غزة باعتبارها المعارضة الأساسية لإنشاء السلطة الفلسطينية أصلا في بدايتها ، ثم قطفت ثمار الكيان الفلسطيني الجديد بعد انتفاضة الأقصى ، فحركة فتح زرعت وحركة حماس حصدت ما زرعه الآخرون قبلها نتيجة الترهل والفساد وعدم الرضى الشعبي عن المسيرة السياسية بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة الاحتلال الصهيوني ، ومن أبرز هذه التداعيات والخيارات :
1. في حالة حل الحكومة الفلسطينية الحالية بجناحيها ، فإن انتخابات تشريعية ورئاسية ستجرى في مطلع اعام 2010 ، وخاصة في يوم 24 / 1 / 2010 كما حددها المرسوم الرئاسي الصادر عن الرئيس محمود عباس الصادر في 23 تشرين الأول 2009 ، أو خلاله كما تم الاتفاق في ورقة المصالحة المصرية لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية المتزامنة في 28 / 6 / 2009 ، أي بعد مرور أربعة أو أكثر على الانتخابات التشريعية الثانية . والانتخابات الفلسطينية ستجرى سواء بشكل مبكر أو عادي ، وإجراءها بموعدها أفضل من التردي المتصاعد في الحياة الفلسطينية العامة . وهذا يأتي في إطار السعي الفلسطيني الرسمي والشعبي لاستبدال الوضع المتأزم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من ترهل وتدهور واحتقان متزايد باضطراد والخروج من الأزمة الداخلية الفلسطينية والأزمة الخارجية التي يفتعلها الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية .
2. ولا بد من ملاحظة أن نشوء انتفاضة فلسطينية جديدة في ظل هذا الوضع المتردي والإنهاك الشعبي العام ليس في صالح الفلسطينيين على المدى المتوسط والبعيد خاصة وأن الفلسطينيين خرجوا حديثا من أتون انتفاضة الأقصى التي دامت نحو ست سنوات متواصلة .
3. إن حل الحكومة ذاتيا من رئاسة الحكومة التي تقودها حركة حماس أو بقرار رئاسي فلسطيني ، بقيادة حركة فتح ، يحتاج إلى استدعاء قوات أمن جديدة يمكن أن يصل عددها إلى نحو ثلاثين ألف عنصر على الأقل للحفاظ على الهدوء وحفظ الأمن والنظام العامين في الضفة الغربية وقطاع غزة .
4. يحتاج حل الحكومة الفلسطينية لمنع اندلاع الفتن الداخلية تدخل أطراف عربية وإسلامية لراب الصدع ، كما حصل في اتفاق مكة المكرمة في الثامن من شباط عام 2007 أو توقيع اتفاق المصالحة حسب الرؤية المصرية الراهنة . وذلك لمنع تدهور الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية والنفسية في الساحة الفلسطينية . فاتقاء شر الفتن الداخلية لا بد له من أطراف خارجية تدخل لمنع الاقتتال الداخلي والصراع السياسي الذي سينجم عن ذلك مع ما يجلبه من تردي شامل في الأوضاع الفلسطينية العامة .
5. كما إن حل الحكومة الفلسطينية هو بمثابة أهون الشرين ، شر الحصار وشر الاحتلال الجديد والتشرذم والدخول في متاهات وفتن داخلية نحن كشعب في غنى عنها . وهذا الحل يساهم في تبديد اليأس وإحياء الأمل في نفوس أهل فلسطين كمواطنين أصيلين في هذه البلاد وتصبيرهم لعل الله يخلق أمرا جديدا ، يكون مخرجا جميلا ورزقا كريما .
6. وهذا السيناريو أفضل بكثير من حل السلطة الفلسطينية برمتها ، وعلى الحركات الفلسطينية جميعها وفي مقدمتها حركتا فتح وحماس ، أن تستعد لمثل هذا السيناريو لأنه الأقل ضررا على الشعب الفلسطيني . ويمكن أن تفرز الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة نتائج مغايرة للانتخابات التشريعية الثانية ومن الممكن أن تتزايد شعبية حركة فتح بعد لملمة شؤونها الداخلية وتتراجع شعبية حركة حماس بدرجة ملحوظة ، وبالتالي لا تقوم بتشكل أغلبية في المجلس التشريعي ثم تشكيل الحكومة الفلسطينية القادمة . وما من شك في أن الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة ستفرز وضعا جديدا يمكن اعتباره أفضل من المأزق الحالي . وهذا الخيار الفلسطيني هو الأقل ضررا وخطورة على الأوضاع الفلسطينية العامة .
7. من جهة أخرى ، من المفترض في الحركات الإسلامية والوطنية الراغبة في الوصول للسلطة أن تكيف نفسها بنفسها لتقليل الأضرار الناجمة عن الحصار الدولي للشعب الفلسطيني والأخذ بالنموذج التركي في هذا المجال وخاصة تجربة تحويل حزب الرفاه الإسلامي ، إلى حزب جديد برؤية جديدة مع الإبقاء على الجوهر الإسلامي كحزب العدالة والتنمية التركي الذي وصل إلى سدة الحكم في تركيا ولكن بتكتيك سياسي واقتصادي واجتماعي جديد يعبر عن الروح الإسلامية في تعامل جديد تطلبه الوضع الدولي .

من يحل السلطة الوطنية الفلسطينية ؟؟؟

هناك عدة سيناريوهات لحل السلطة الوطنية الفلسطينية ، من أهمها :
أولا : الإلغاء الصهيوني : ويتمثل هذا السيناريو بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا ، أو بدونهما في طريقتين : الطريقة الأولى : وهي الطريقة الفجة المباشرة ، عبر شن حرب جديدة في الضفة الغربية وقطاع غزة ، وإعادة الوضع الاحتلالي السابق ، كما حدث بعد ما يسمى بعملية السور الواقي في أواخر آذار 2002 . وهذا الاحتمال يبقى قائما أيضا ، وخاصة في ظل التهديدات بشن حرب على إيران ، فيجري خلط الأوراق العسكرية والسياسية في المنطقة ، ويظهر وضع جديد ، ويتم في هذا السيناريو طرد مئات آلاف الفلسطينيين من ارض فلسطين الكبرى باتجاه دول الطوق العربية المجاورة . والطريقة الثانية : عبر التحجيم والتهميش الصهيوني لدور السلطة الوطنية الفلسطينية وبقاء حالة اللاحرب واللاسلم في فلسطين الكبرى ، وهي الأكثر ترشيحا وقبولا لدى الجانب الصهيوني والرأي العام اليهودي ، في السنوات القليلة القادمة .
ثانيا : الإنهيار الذاتي الفلسطيني : وتتمثل بإحدى طريقتين :
أولاهما : الحل الذاتي بسبب التردي والانقسام الحالي بين جناحي الوطن في الضفة الغربية وقطاع غزة . وثانيهما : عبر الانهيار الداخلي الذاتي ، فتقوم الحكومتين بحل نفسيهما وإعلان الانتفاضة الثالثة الجديدة . ويمكن أن تقوم إحدى الحكومتين بحل نفسها تلقائيا دون سابق إنذار في الضفة الغربية أو قطاع غزة كلا على حدة . وهي قليلة الاحتمال والإمكانية لعدة دوافع وأسباب وعوامل فعلية وعملية ، للسباب والدواعي المذكورة آنفا ، ولكنه خيار يبقى قائما .
ثالثا : نشوب حرب إقليمية في المشرق العربي ، تكون فلسطين الكبرى مسرحا لها ، تتأثر بها بصورة جامعة وشاملة . ويكون هذا السيناريو قابلا للتطبيق في حالة وقع نزال بين الكيان الصهيوني وأمريكا من جهة وإيران وحلفاءها من جهة أخرى . أو حالة حرب جديدة تقع بين دول عربية والكيان الصهيوني .

ماذا بعد حل السلطة الوطنية الفلسطينية ؟ !!

هناك عدة خيارات لما سيؤول إليه الوضع الداخلي في الضفة الغربية وقطاع غزة لحل السلطة الوطنية الفلسطينية ، من أهمها :
أولا : عودة الاحتلال الصهيوني للتحكم بجميع شؤون وشجون الشعب الفلسطيني في أرض فلسطين . وطرد مئات آلاف الفلسطينيين للمنافي خارج البلاد . والسيطرة الكاملة على الضفة الغربية ، وإعادة احتلال قطاع غزة ، وإعادة العمل بنظام الإدارة الصهيونية المباشرة .
ثانيا : تشكيل هيئة وصاية دولية ، أممية ، أمريكية وأوروبية ، بمشاركة عربية - إسلامية أو بدونها .
ثالثا : إعادة ضم الضفة الغربية للأردن ، وإلحاق قطاع غزة بمصر كما كان الوضع السابق قبل حرب حزيران العدوانية الصهيونية على مصر والأردن عام 1967 .
رابعا : إنشاء دولة فلسطينية مؤقتة في قطاع غزة وبعض مناطق الضفة الغربية الخالية من المستوطنات اليهودية ، وهي عبارة عن حكم ذاتي موسع للسكان دون الأرض أكثر من السابق . وتشكيل كيان فلسطيني جديد بوجوه جديدة وأطر جديدة موالية للإدارة الأمريكية والصهيونية بشكل غير معهود من حملة الجنسيات الأمريكية والأوروبية .

صبر الفلسطينيين وتعاطيهم مع الكيان الجديد

وفي حالة حل السلطة الوطنية الفلسطينية مثلما حلت الهيئات الفلسطينية السابقة ، كاللجنة العربية العليا والهيئة العربية العليا وحكومة عموم فلسطين ، أو حل الحكومتين الفلسطينيتين برام الله وغزة ، فإن الفلسطينيين يجب أن يتحلوا بالصبر والمصابرة والصمود والتروي والمرابطة في أرض فلسطين المباركة ، وينبغي أن يكون هناك وحدة على أرض المعركة ، بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني ، فتتلاشى الخلافات والفتن الداخلية ، ويبرز تصدير الأزمة الداخلية الفلسطينية وترحليها للصراع المضاد مع الاحتلال الصهيوني بصورة كبيرة جديدة في الوسائل والأساليب . وستسارع الحركات الوطنية والإسلامية للاعتصام بحبل الله المتين ، والوحدة كما وحدت انتفاضة الأقصى ، المقاومين الفلسطينيين للاحتلال الصهيوني بجميع الأوجه والأشكال . وستكون الانتفاضة الجديدة مؤثرة تأثيرا كبيرا على المجتمع الصهيوني العسكري قبل المدني ، وكلهما سيان .
وكما يقول الله جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }( القرآن الكريم ، آل عمران ، 200 ) . وينبغي على أبناء الشعب العربي الفلسطيني ، أن لا يذل أو يركع للأعداء ، فالله سبحانه وتعالى يقول في الكتاب العزيز :
{ هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ . وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ . أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ . وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ }( القرآن الكريم ، آل عمران ، 138 – 143 ) .
وعلى أبناء الشعب العربي الفلسطيني أن يبتعدوا عن الفتنة الداخلية ، والفِتْنَةُ هي الهرج والاختلاط والقتل . وتتمثل إثارة الفتن في المناكفات والمشاحنات والمشاجرات والمعارك الحربية التي تقع بين الناس . قال الله تعالى : { وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ }( القرآن الكريم ، البقرة ، 191 ) . وقال تعالى : { وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ } ( القرآن الكريم ، البقرة ، 216 ، 218 ) . وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي ، وَمَنْ يُشْرِفْ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ " ( صحيح البخاري ، الجزء 11 ، ص 435 ) . وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِذَا رَأَيْتُمْ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ ، وَكَانُوا هَكَذَا ( وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ ) قَالَ الراوي : فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ : كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ ؟ قَالَ : الْزَمْ بَيْتَكَ ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ " ( سنن أبي داود ، الجزء 11 ، ص 418 ) . وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ ، يُصْبِحُ الرَّجُلُ فِيهَا مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا ، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي قَالُوا : فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ قَالَ : كُونُوا أَحْلَاسَ بُيُوتِكُمْ " ، ( مسند أحمد ، الجزء 40 ، ص 148 ) .
وفي حديث طويل يحث فيها على تجنب الإنخراط في الفتن ما ظهر منها وما بطن ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ ، أَلَا ثُمَّ تَكُونُ فِتْنَةٌ ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي فِيهَا ، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي إِلَيْهَا ، أَلَا فَإِذَا نَزَلَتْ أَوْ وَقَعَتْ ، فَمَنْ كَانَ لَهُ إِبِلٌ فَلْيَلْحَقْ بِإِبِلِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ غَنَمٌ فَلْيَلْحَقْ بِغَنَمِهِ ، وَمَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَلْحَقْ بِأَرْضِهِ ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إِبِلٌ وَلَا غَنَمٌ وَلَا أَرْضٌ ؟ قَالَ : يَعْمِدُ إِلَى سَيْفِهِ ، فَيَدُقُّ عَلَى حَدِّهِ بِحَجَرٍ ، ثُمَّ لِيَنْجُ إِنْ اسْتَطَاعَ النَّجَاءَ . اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ! اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ! اللَّهُمَّ هَلْ بَلَّغْتُ ! فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ أُكْرِهْتُ حَتَّى يُنْطَلَقَ بِي إِلَى أَحَدِ الصَّفَّيْنِ أَوْ إِحْدَى الْفِئَتَيْنِ فَضَرَبَنِي رَجُلٌ بِسَيْفِهِ أَوْ يَجِيءُ سَهْمٌ فَيَقْتُلُنِي ؟ قَالَ : يَبُوءُ بِإِثْمِهِ وَإِثْمِكَ وَيَكُونُ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ " ، ( صحيح مسلم ، الجزء 14 ، ص 60 ) .
وعلى الإنسان الفلسطيني أن يبتعد عن الفساد والإفساد العام والخاص ، قال الله تبارك وتعالى : { وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ } ( القرآن الكريم ، القصص ، 77 ) . وقال تعالى : { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ }( القرآن الكريم ، الأعراف ، 56 ) .
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَنَاجَشُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا . الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ : لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ . التَّقْوَى هَاهُنَا ( وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ . الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ : دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ " ( صحيح مسلم ، الجزء 12 ، ص 426 ) .
وعلى الإنسان الفلسطيني الابتعاد عن المخاصمة والمجادلة التي تتسبب في نشوب الفتن أو استعارها . قال الله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ . وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ . وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ }( القرآن الكريم ، البقرة ، 204 – 207 ) . وقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ الْخَصِمُ " ( صحيح البخاري ، الجزء 13 ، ص 472 ) .

وأخيرا ، يبقى القول ، إن حل السلطة الوطنية الفلسطينية ليس من مصلحة أحد ، سواء الفلسطينيين أو حتى يهود فلسطين المحتلة أو الغربيين أو العرب ، فبقاء السلطة الفلسطينية ، وعدم زوالها الفعلي : النظري أو العملي ، مصلحة فلسطينية وعربية وعالمية ، لأن خيار حل السلطة الفلسطينية رغم ضعفها وهشاشة بنيتها وترهلها العام ، يصنع ظاهرة جديدة من المعاناة والالآم والتشرد والتشتت ، ويبقي الوضع الفلسطيني – الصهيوني خاصة والوضع الإقليمي على شفير مواجهة عسكرية دموية لا تبقي ولا تذر بل تقضي على طموحات وآمال الفلسطينيين في التحرر والانعتاق من الاحتلال الصهيوني والتسلط الأجنبي . وإذا كان لا بد من حل السلطة الوطنية الفلسطينية ، كسلطة حكم ذاتي محدود ، عجز الفلسطينيون عن تطويرها لتكون كيانا فلسطينيا قابلا للحياة فلا بد من البحث عن البديل قبل فوات الأوان ، واتخاذ القرار بعد دراسة مستفيضة وصنع البدائل الممكنة للإشراف على الشؤون الفلسطينية العامة ، وعدم إبقاءها في عالم المجهول . وفي مقدمة هذا البدائل تعزيز مكانه منظمة التحرير الفلسطينية الواحدة الموحدة ، وطنيا وإسلاميا ، في الآن ذاته ، وتقوية دور البلديات والمجالس القروية الفلسطينية والأطر الشبابية والمؤسسات الخيرية والاجتماعية والجامعات الفلسطينية .
يقول الله العلي العظيم تبارك وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78)}( القرآن الحكيم ، الحج ) .

والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: