الجمعة، 25 مارس 2011

زلزال اليابان ( سينداي ) المدمر .. بين الزلازل الطبيعية والمفاعلات النووية

زلزال اليابان ( سينداي ) المدمر ..
بين الزلازل الطبيعية والمفاعلات النووية


د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ :{ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا (1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا (3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا (5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}( القرآن المجيد - الزلزلة ) .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 4 / ص 146) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزَّلَازِلُ وَيَتَقَارَبَ الزَّمَانُ وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ وَهُوَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ حَتَّى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ " .

إستهلال

اليابان : الاسم والجغرافية والاقتصاد


اليابان دولة آسيوية متقدمة إقتصاديا بين مختلف دول العالم . وكلمة أو مصطلح اليابان : تنطق: نِيپّـُونْ \ نِيهُونْ ، ومعناها : مصدر الشمس أو مَشْرِق الشمس ، من : نِي أي الشمس، هُونْ أي المنبع أو الأصل ، وهي بلد في شرق آسيا ، يقع بين المحيط الهادئ وبحر اليابان ، وشرقي شبه الجزيرة الكوريّة . وقد أطلق الصينيون على البلاد اسم أرض مشرق ( منبع ) الشمس ، وهذا لوقوعها في أقصى شرقي العالم المأهول آنذاك .
وتتكون اليابان بمساحتها البالغة 377.944 كم2 أو ما يعادل 145.925 ميلا مربعا ، من قرابة ثلاثة آلاف جزيرة ، منها 4 جزر كبيرة مشهورة جغرافيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ، وهي كبيرة المساحة مقارنة مع الجزر الأخرى ، وهي على التوالي ( من الجنوب إلى الشّمال ) : كيوشو ، شيكوكو ، هونشو ، وهوكايدو .
يطلق اليابانيون على وطنهم نيبون او نيهون ( N ippon ) بدعوى انه اصل الشمس او بلاد الشمس المشرقة . واسم اليابان مشتق من Cipango او Cipangu ثم تم تحوير وتغيير للمصطلح فأضحت حسب لغة الماندارين جبين كو تعني جبين وهي اليابان .
وتنقسم اليابان إلى 8 مناطق هي : هوكايدو ، توهوكو ، كانتو ، تشوبو ، كانسائي ، تشوغوكو ، شيكوكو ، كيوشو . وتحتضن جميع هذه المناطق 47 محافظة .
وسياسيا فبعد اعتماد الدستور الياباني في عام 1947 تحول نظام الحكم الإمبراطوري المطلق ، في اليابان إلى نظام ملكي دستوري يضم إمبراطوراً وبرلمان منتخبا ، وخاصة بعد هزيمة اليابان مع حليفتها ألمانيا من دول المحور بالحرب العالمية الثانية حيث وضعت أوزارها عام 1945 .
ومن الناحية الاقتصادية تعتبر اليابان من أقوى الدول الاقتصادية في العالم ، بحماية الين الياباني العالمي . وتسابق الولايات المتحدة والصين ودول الاتحاد الأوروبي في القوة الاقتصادية المنافسة المتصاعدة .

سكان اليابان وديانة الشنتو

حسب الإحصاءات والتقديرات الرسمية اليابانية ، يبلغ عدد سكان اليابان حوالي 130 مليون نسمة ، منهم 98.5 % من أصل ياباني ، و 0.5 % كوريين ، و0.4 % صينيين ، والباقي من أعراق أخرى . وتبلغ الكثافة السكانية اليابانية 337 فرد / كم2 . ويتحدث اليابانيون اليابانية باعتبارها اللغة الرسمية ، بالإضافة إلى لهاجات يابانية محلية متعددة .
وتبنى سكان اليابان شعارات انعزالية بحتة حيث منعوا غير اليابانيين ، من القدوم الى بلادهم تحت شعارات : " مجدوا الامبراطور ، واطردوا البرابرة " . كما اعتبر اليابانيون من اتباع الديانة البوذية و" الشنتو " ، انفسهم بانهم هم سادة العالم كافة ، وانهم " شعب مختار " عبر الامبراطور الياباني الاول " جيموتنو " الذى زعموا أنه من أصل مقدس ( حفيد الهة الشمس ورثها عن الآلهة العظمى ) . ووفقا للمعتقدات الأساسية في ديانة " الشنتو" اليابانية – طريق الالهة - فإن أكثر الاشياء قداسة هي : ( المرآة والسيف والجوهرة ) ، التي ترمز كلها الى : " طهارة الضمير والشجاعة والإخلاص في أداء الواجب " .
ويعتقد اليابانيون بأنهم يتمتعون بالسمو والتفوق على جميع الأجناس البشرية ، حسب المعتقدات الدينية المنبثقة عن ديانة ( الشنتو ) المنتشرة في اليابان التي هي عبارة عن مزيج من عبادة الطبيعة والسلف واتباع طرق السحر . ثم تطورت ( الشنتو ) لتقوم على نظريات كونية وسلالات ( إلهية ) ، حيث تدعي مبادئ ومعتقدات هذه الديانة ان ( ايزاناجي ) ، ابا السماء و( ايزنا مامى ) ، ام الأرض ، قد ( انجبا ) جزر اليابان ، وانجبا عددا كبيرا من ( الآلهة ) وبينت ان ( اماتيراسوا أوميكا مي ) احدى بناتها تحولت الى ( إلهة ) وبعثت حفيدها لتأسيس اسرة لتحكم اليابان الى الأبد .
ومن مظاهر العنصرية والترفع الياباني عن الامم البشرية جمعاء يدعي اليابانيون انهم ليسوا من الجنس البشري وانما ينسبون انفسهم الى السماء ، وان بقية الاجناس البشرية اوجدتها قوى الطبيعة ، ويقولون ان اول من نزل منهم على وجه الارض وطئت قدمه جزيرة ( كيوشو ) فطرد الامم المتوحشة كقبائل الابنوس في حرب دارت رحاها حوالي سبعة قرون من الزمن ، حتى تمكن اليابانيون من اخضاع تلك الامم .

الزلازل - لمحة عامة

تتعدد أشكال وأنواع ودرجات وحيثيات الزلازل التي تضرب هذه البقعة أو تلك من بقاع الكرة الأرضية ، فتخلف الدمار والأهوال الطبيعية والجغرافية والبشرية ، وتلحق خسائر اقتصادية جسيمة ، فتجعل المئات أو الآلاف أو عشرات أو مئات آلاف البشر بلا مأوى أو ممتلكات عمرانية أو عينية وسواها .
وفي كثير من الأحيان ، تلقى هذه الزلازل بالآثار المرافقة الفورية المصاحبة أو تلك المتدرجة المتدحرجة المتتالية المأساوية الكئيبة المحزنة على الأسر والعائلات المنكوبة ، فيعيش الأطفال أيتاما بعد فقدان الوالدين أو الأهل والأحبة والأصدقاء ، وتترمل النساء ، ويفقد الرجال شريكات حياتهم أو بالعكس ، ويعاني الكثير من الجرحى من آلاف الإعاقات الكلية أو الجزئية . وبهذا تقلب الحياة الطبيعية في بقعة الزلزال المضروبة ، رأسا على عقب ، وتعم الأحزان والأتراح ، ويصبح الكثير من الناس في حالة نفسية صعبة يرثى لها .
وفي هذه الحالات ، يجب على حكومات الدول والأحزاب السياسية والأثرياء الميسورين ، وجمعيات البر وحقوق الإنسان ، والجمعيات الخيرية مد يد العون والمساعدة لجميع المنكوبين بلا استثناء بغض النظر عن إنتماءاتهم ومذاهبهم وتوجهاتهم الدينية والسياسية والاجتماعية ، فالإنسانية فوق الجميع . وجميع المنكوبين والمتضررين أصبحوا بين عشية وضحاها بين السماء والطارق ، فالبعض منهم فقد أسرته بينما دمرت ممتلكات الآخرين تدميرا كالام أو جزئيا . وهناك صنف ثالث فقد الأهل والمال معا في مأساة ثنائية الجناحين ، فاصبح منهارا نفسيا لا يقوى على شيء ، فالغوث الغوث .. والنجدة النجدة .. لهؤلاء الغلابى المنكوبين ، الذين تضرروا وفقدوا كل شيء في لحظات عاثرة ، وساعات قليلة وليالي طويلة .

زلزال اليابان المدمر بمدينة سينداي يوم الجمعة 11 آذار 2011


كما هو معلوم ، ضرب زلزال قوي بقوة حوالي 9 درجات على مقياس ريختر ، فرجت الكثير من المناطق رجا رجا ، ونكبت بعض المناطق اليابانية في 7 محافظات بالمنطقة الشمالية الشرقية من البلاد ، على بعد حوالي 400 كم من طوكيو ، في 11 آذار – مارس 2011 ، وخلف خسائر بشرية كبيرة واقتصادية هائلة غير مسبوقة . فقلب الزلزال حياة المنطقة المنكوبة ( سينداي ) أكبر الموانئ اليابانية ، إلى جحيم دنيوي ، حيث قتل حتى كتابة هذه السطور حوالي 10 آلاف شخص ، وأعلن عن غياب حوالي 14 آلفا آخرين ، وتناثرت البيوت وغرقت المركبات ، وتصاعدت موجات التسونامي ، ولحقت خسائر اقتصادية باهظة قدرتها الحكومة اليابانية ب 309 مليار دولار حسب الحصيلة الأولية ، ولا زالت قيمة الخسائر تتزايد بإضطراد متسارع نحو الأعلى . فدمرت البنى التحتية ، وسويت المباني بالأرض ، وقطع التيار الكهربائي ، وسحقت مكاتب الشركات سحقا تاما ، فهل هذه الفاجعة والكارثة الطبيعية مقدمة لإنهيار الاقتصاد الياباني القوي يا ترى ؟؟ . فالأيام والأسابيع والشهور القادمة ستنبئ الجميع عن حجم وضخامة هذا التدمير الإلهي لمرافق حيوية وهامة من لبنات الاقتصاد القومي الياباني .

لقد هبت قوات الجيش الياباني لنجدة وإغاثة المنكوبين ، بالزلزال القوي المدمر ، وسخر حوالي 100 الف جندي بإشراف رئيس الحكومة اليابانية شخصيا . وبادرت عشرات الدول لمد الغوث ويد المعونة والمساعدة في هذه الكارثة الطبيعية والإنسانية العظمى . فمن هذه الدول من تبرع بالخيم ومنها من تبرع بالمشاركة بعمليات الإنقاذ ، ومنهم من ساهم في إرسال المعونات الطبية والغذاء وما إلى ذلك .
وغني عن القول ، إن وقوع اي زلزال ، في اي منطقة من اصقاع الكرة الأرضية ، لن تقدر على مواجهته أي حكومة من حكومات الدول في العالم جراء الأهوال الطبيعية والمآسي البشرية المصاحبة أو اللاحقة لهذه الفاجعة الجغرافية غير المتوقعة .

ماذا خسرت اليابان من زلزال سينداي ( زلزال الجمعة اليابانية العظيمة )



تعرضت اليابان التي تقع في حزام النار بالمحيط الهادئ ، لخسائر جمة وضخمة جراء زلزال سينداي الذي ضرب شمال شرق البلاد في يوم الجمعة 11 آذار 2011 ، بالعديد من المجالات والميادين على النحو الآتي :
أولا : الخسائر البشرية : حسب بيانات الاحصاءات الرسمية اليابانية المتلاحقة ، فقد قتل وفقد أكثر من 27 الف ياباني ، وشرد مئات الآلاف منهم بلا مأوى تم إيواء ربع مليون منهم في 1900 ملجأ في طوكيو ، والأرقام الإحصائية بعدد الضحايا في تزايد وإضطراد واضح . وانتشر الخوف والهلع من الإشعاعات النووية ، لأكثر من ثلث السكان ( 40 مليون نسمة ) من أصل 130 مليون نسمة إجمالي عدد سكان اليابان . وقد إضطر أصحاب القتلى لدفن موتاهم بالمقابر بمدافن جماعية بدلا من إحراقها كما هي دياناتهم وعاداتهم الاجتماعية في ذلك ؟ وذلك بسبب تساقط الثلوج وفقدان الوقود ووسائل الطاقة .
ثانيا : تلوث المياه والحليب والخضروات : فاضطرت الحكومة اليابانية لتوزيع مياه معقمة على الأطفال الرضع ، وحظرت استخدام صنابير المياه للشرب على قطاعات واسعة في اليابان ، لارتفاع الإشعاعات النووية فيها سواء في المنطقة المنكوبة أو حتى في العاصمة طوكيو . فقد وزعت الحكومة اليابانية 1.5 لتر ماء يوميا على 80 ألف أسرة بها أطفال رضع . وكذلك تعرضت منتجات الألبان والخضروات والفواكه لإشعاعات نووية ما حال دون استخدامها .
ثالثا : الخسائر الاقتصادية : قدرت الحكومة اليابانية الخسائر الاقتصادية الإجمالية الأولية في 23 آذار 2011 ، بحوالي 25 تريليون ين ياباني أو ما يعادل 309 مليارات دولار ، من خراب وتدمير جزئي أو شامل بالمدن والقرى ، والبنى التحتية ، والطاقة ، والمطارات ، والمصانع والموانئ ، والمفاعلات النووية ، والمباني وشركات وغيرها . فاليابان تنتج حوالي 40 % من الإلكترونيات العالمية ، وبالتالي تعطلت عن الإنتاج اليومي بفعل الكارثة الكبرى ، وكذلك فقدت أسواق استهلاكية إقليمية وعالمية ، للمنتجات اليابانية خوفا من الإشعاعات النووية القاتلة التي رافقت هذا الزلزال المدوي حيث حظرت العديد من الدول استهلاك المنتجات اليابانية مثل الولايات المتحدة وكندا وفرنسا وأستراليا ، والفلبين وكوريا الجنوبية والشمالية ، وهونج كونج وسنغافورة وروسيا ودل جنوب شرق آسيا وغيرها . وعانت المنطقة المنكوبة والمناطق القريبة من إنعدام السياحة الداخلية والخارجية التي تدر أموالا طائلة على الاقتصاد القومي الياباني . وتزايد الخوف من شراء الصيد البحري الذي تعرض للإشعاعات النووية منذ 11 آذار 2011 . وتعرضت المناطق الزراعية لتلوث بيئي عظيم .
رابعا : الخسائر العسكرية : تسخير 100 ألف جندي في عمليات الإنقاذ والإغاثة الاجتماعية والاقتصادية ، وكذلك ضياع معدات وآلات عسكرية تقليدية وإلكترونية ونووية وخاصة قرب محطة فوكوشيما النووية .
خامسا : الوهن النفسي والاجتماعي الذي أصاب عشرات آلاف العائلات اليابانية ، وإنتشار المأساة الجديدة في ربوع الأرض اليابانية ، والعيش في حالة رعب وهلع شديد من تلاحق الهزات الأرضية والتفجيرات النووية . فقد أدت الارتجاجات والهزات المتتالية بواقع 6 زلازل في الأيام التالية ليوم الزلزال العظيم إلى فقدان الأهل والأحبة والأصدقاء .
سادسا : الرعب النووي العالمي من تفجر أو تفجير المحطات النووية واستمرار إنبعاث الإشعاعات النووية اليابانية المتواصلة ، من المفاعلات الستة في فوكوشيما النووية الأولى ، والهلع الدولي الناجم عن وجود المفاعلات النووية في العديد من دول العالم . خاصة بعد تعرض بعض العاملين بالمحطات النووية اليابانية للإشعاعات .
سابعا : غياب التقاليد الدينية اليابانية في دفن الموتى ، والقيام بعمل مدافن جماعية للقتلى بالكارثة الطبيعية ، بالعشرات والمئات والآلاف ، ونقص النعوش ، والإضطرار والاستعداد لاحقا لنبش القبور وإحراق الجثث تطبيقا للعادات والتقاليد الشانتوية والبوذية اليابانية . وبالتالي استمرار الجرح الياباني مفتوحا لفترة طويلة من الزمن لسنوات وسنوات .





ثامنا : تلوث البيئة : من اليابسة وخاصة المزروعات ، وتلوث المياه الطبيعية ، وخاصة مياه البحر والخلجان القريبة من أرخبيل الجزر اليابانية ، وتصاعد السنة الدخان الأسود ، ووجود الروائح الكريهة المنبعثة من الجثث الطافية على سطح الماء أو تلك التي تحت الأنقاض .
تاسعا : إخلاء مناطق جغرافية واسعة ، فقد دعت الحكومة اليابانية السكان القريبين بقطر 30 كم من المحطات النووية لترك منازلهم تحسبا لتسرب إشعاعات نووية قاتلة . وكذلك حدث تشرد بشري كبير من المناطق المأهولة القريبة من الخلجان ، بسبب المد البحري الذي وصل لإرتفاع 14 م .
عاشرا : هروب السفن التجارية ( سفن الشحن البحري ) من شواطئ طوكيو ، والموانئ اليابانية الأخرى خوفا من الإشعاعات النووية ، فتوقف الشحن البحري من طوكيو .
حادي عشر : تدمير مدن وقرى عديدة خاصة في منطقة سينداي ، وغمر المياه وغرق مطار سينداي الساحلي . وقد استخدمت أكثر من 300 طائرة يابانية للإنقاذ الجوي عدا عن 40 من السفن الكبرى للإنقاذ البحري وطواقم الدفاع المدني للإنقاذ البري .

الزلزال الياباني والتسونامي العظيم .. والعذاب الإلهي

ضرب الزلزال الياباني 7 محافظات يابانية ، وأكثرها تضررا ولاية مياغي ، ثم ولاية ايواتيه وفوكوشيما ، وأعقبه تسونامي شديد القوة والأمواج العاتية ( المد البحري ) ايضا وصل لإرتفاع 14 مترا ، مما ضاعف من الخسران البشري والاقتصادي المبين . وجعل اليابان منطقة موبوءة ومنكوبة من الطراز الأول ، فهرب أهل البلاد والحلفاء والأصدقاء من هول المصيبة الكبرى التي هزت البلاد بزلزالها والتسونامي الكبير .

ورب قائل يقول ، هل الزلزال المدمر جاء كعذاب إلهي لهذه المنطقة اليابانية ، ويمكننا الإجابة على هذا السؤال بالإيجاب ، فالله الواحد القهار ربما يعذب جماعة من البشر للكفر والفسوق والعصيان ، لإهلاكهم أولا وليكونوا عبرة لمن يعتبر ، ويمكن أن يكون هذا الزلزال نوعا من العقاب الإلهي لبعض مخلوقاته الكافرين الجاحدين ، ليعذبهم ويعذب أمثالهم نفسيا وماديا واقتصاديا ، فيريهم جبروته وقوته ويقهر الكافرين ، وكذلك دعم وتأييد للمؤمنين ، ليعلمهم بأن الله معهم ، فلا داعي للخوف من القوة العسكرية الكبرى أو الاقتصاد القوي فسيمحقه الله محقا مدويا ويعلم هؤلاء القوم ويجعلهم أحاديث تتوارد تباعا للناس كما حدث في زلزال اليابان المدوي . فالزلازال وما يتبعها من طوفانات هائجة أو ما يسمى تسونامي جزئية أو كلية شاملة ، هي بشير للمؤمنين بتبديل حالة القوي إلى حالة ضعف شديد ، وتحذير ونذير لجميع المخلوقات البشرية القوية والضعيفة ، في زمن معين وبقعة جغرافية محددة في الدنيا للتذكير بزلزال يوم القيامة العظيم تمهيدا للدخول بإتجاه الحياة الآخرة فرغم أن الماء في الأصل سخره الله للكائنات الحية كنعمة وارفة الظلال إلا أنه يمكن أن يكون عقابا شديدا للكافرين الملحدين .



وقد أعلنها صراحة حاكم طوكيو ( شينتارو إيشهارا ) بقوله : " "عقاب إلهي على أنانية الشعب الياباني .. أعتقد أنّ الكارثة هي عقاب إلهي، رغم إحساسي بالأسف لضحايا الكارثة .. أعتقد أن السياسة اليابانية ملوثة بالأنانية، ونحن بحاجة إلى تسونامي ليجرف تلك النزعة التي ترسخت في العقلية اليابانية على مدى فترة طويلة من الزمن ".

زلزال وطوفان وإغراق كأمثلة تاريخية

عذب الله شديد العقاب القوم الكافرين ، على مدار القرون الخالية ، ولنا بعض الأمثلة التاريخية المذكورة بالقرآن المجيد ، حيث استخدم الله عز وجل الزلزال أو الطوفان أو الإغراق في مياه البحر أو المياه الهاطلة من السماء على شكل الفيضانات أو الموجات العالية من المياه ( التسونامي ) كنقمة وغضب على بعض الأمم والشعوب ، كالأمثلة التالية :
1. تعذيب قوم نبي الله نوح عليه السلام ، بالطوفان وتسخير السفينة للمؤمنين من أتباع نوح وإغراق الكافرين بالمياه العظيمة . يقول الله الحميد المجيد جل جلاله : { وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ (38) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ (39) حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آَمَنَ وَمَا آَمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ (40) وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (41) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42) قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43) وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ (45) قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ (46) قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47) قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)}( القرآن المجيد – هود ) .
2. الزلزال والمطر الشديد ، كما عذب الله به قوم نبي الله لوط عليه السلام في الأغوار الفلسطينية ( الكنعانية ) وخسف بهم الأرض ببقعة جغرافية صغيرة ( سدوم – مدينة القمر – أريحا اليوم ) وما نتج عنه البحر الميت ( بحيرة لوط – بحر الملح ) شرقي فلسطين الأرض المقدسة وذلك بعد المطر الإلهي بحجارة من سجيل منضود بعد أن كانوا يفعلون السيئات ويأتون الذكور شهوة ( اللواط ) في فاحشة لم يسبقها بها أحد من العالمين . يقول الله ذو البطش الشديد جل في علاه : { وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آَوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83)}( القرآن المجيد – هود ) .
وورد بسورة قرآنية مجيدة أخرى حديثا ربانيا ، يبلغنا فيه عن تاريخ زلزال مدمر وفيضان مائي عظيم في شرقي أرض كنعان حفيد نوح عليه السلام : { وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ (54) أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّسَاءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (55) فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا آَلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ (56) فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ (57) وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (58)}( القرآن المجيد – النمل ) .
3. إغراق الفرعون المصري : فحالة الإغراق الرباني لقوم فرعون المصري التي تم بها إنهاء جبروت فرعون المصري بها زمن نبي الله موسى عليه السلام . يقول الله الذي يمهل ولا يهمل ، شديد العقاب ذو انتقام جل شأنه : { وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53) فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ (54) فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآَخِرِينَ (56)}( القرآن المجيد – الزخرف ) .

الزلزال الياباني ( سينداي ) والمحطات النووية

في سابقة نووية هي الأولى من نوعها ، فقد ضرب الزلزال الياباني الشديد القوة والجبروت ، منطقة يابانية ، فجعلها كحالة الحصيد المبتورة ، المنهكة والمدمرة عن بكرة أبيها ، فأزاح أرخبيل الجزر اليابانية 2.4 مترا عن موقعه ، حسب المراصد الجيولوجية ، ورافق هذا الزلزال ضرب أربع مفاعلات نووية ، فتسربت الإشعاعات من براثن المحطات النووية ، فهل يا ترى من فجر هذا الزلزال ومن آذى هذه المحطات النووية ، هناك عدة سيناريوهات مطروحة وهي :
السيناريو الأول : وهو الضرب أو العقاب الرباني لهذه المنطقة اليابانية التي تقع في خط الحزام الناري للزلازل والبراكين الثائرة بالمحيط الهادئ ، لأفعال منكرة فعلوها وسيئات ارتكبوها ، فأمهلهم الله فلم يرتدعوا فعاقبهم ليجعلهم أحاديث للناس ، ليتفحص أولي الألباب وأولي النهى العبر والعظات من هذه الحادثة الكبرى التي حطمت النفوس وجاءت كالكابوس .
السيناريو الثاني : وهو التفجير النووي الياباني الذاتي ، لإجراء تجربة نووية ، لمنافسة الدول النووية ، والتخلص من ربقة الاحتلال الأمريكي في ارخبيل الجزر اليابانية ، حيث يتواجد نحو 40 الف جندي أمريكي بجزر يابانية ، بأسلحتهم التقليدية والكيماوية والنووية على أهبة الاستعداد ، فحصدت الأبنية والموانئ والبشر ومقدرات الاقتصاد في تلك المنطقة . وكذلك لإيصال رسالة للعالم عامة ، وروسيا والصين خاصة ، بأن اليابان أضحت قوة استراتيجية عسكرية نووية يحسب لها ألف حساب ، وإن ساعة النهوض قد أزفت ، ولكن هذه الخطة فشلت فشلا ذريعا فأعقب جزر اليابانان دمارا ضخما ليس له مثيل اقتصادي في تاريخ البشرية .
السيناريو الثالي : وهو التفجير النووي الأمريكي ، خاصة أن هناك منافسة يابانية أمريكية في المجالات الاقتصادية علانية تارة والعسكرية السرية تارة أخرى . وتسعى الولايات المتحدة دائما لجعل أعداءها لا يفيقون من الضربات الطارئة لئلا يطالبوا بحقوقهم الطبيعية والسياسية والاقتصادية والعسكرية . فجاء التفجير النووي الأمريكي في مياه البحر الهادئ ، ليصبح هائجا بدل هدوئه ، وينطلق الزلزال والبركان في سينداي اليابانية ، للتذكير الأمريكي لليابان الإمبراطورية العظمى السابقة ، القوة العالمية الصاعدة والمتوثبة الآن ، بالتفجيرات الذرية لمدينتي نجازاكي وهيروشيما في آب 1945 .
السيناريو الثالث : وهو التفجير النووي الروسي ، لوجود خلافات سياسية وعسكرية حول بعض الجزر المتنازع عليها منذ الحرب العالمية الثانية . فجرى التفجير النووي الروسي سرا ، ليخرج زلزالا مروعا أصاب اليابان في مركز قوتها ، وجعلها حائرة محتارة في مصيرها الاقتصادي والعسكري المجهول ، وتحتاج لسنوات عديدة قادمة إن لم يكن لعقود مقبلة ، ترزح تحت الإعمار وإعادة البناء للبنى التحتية من نقطة الصفر في تلك المنطقة اليابانية .
السيناريو الرابع : التفجير النووي الصيني : للرد على الانتهاكات اليابانية السابقة ، لأرض البر الصيني ، وقتل حوالي 20 مليون صيني ما بين القرنين التاسع عشر والعشرين الماضي . وكذلك لردع اليابانان عن استمرار تحالفها مع الولايات المتحدة ( الصوري ) ، للإنقضاض على الصين شعبا واقتصادا وجغرافيا ، فجاء التفجير الصيني الوقائي للحليولة دون الترابط الياباني - الأمريكي في هذا المجال ، فلحق باليابان الضرر الأقوى للمرة الثانية بعد الحرب العالمية الثانية .

نظرة الإسلام العظيم للزلازل

يقول الله الخالق البارئ عز وجل : { وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (58) }( القرآن العظيم - الإسراء ) .
وورد في سنن أبي داود - (ج 7 / ص 68) حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنِي ضَمْرَةُ أَنَّ ابْنَ زُغْبٍ الْإِيَادِيَّ حَدَّثَهُ قَالَ : نَزَلَ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَوَالَةَ الْأَزْدِيُّ فَقَالَ لِي بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِنَغْنَمَ عَلَى أَقْدَامِنَا فَرَجَعْنَا فَلَمْ نَغْنَمْ شَيْئًا وَعَرَفَ الْجَهْدَ فِي وُجُوهِنَا فَقَامَ فِينَا فَقَالَ : " اللَّهُمَّ لَا تَكِلْهُمْ إِلَيَّ فَأَضْعُفَ عَنْهُمْ وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَيَعْجِزُوا عَنْهَا وَلَا تَكِلْهُمْ إِلَى النَّاسِ فَيَسْتَأْثِرُوا عَلَيْهِمْ ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِي أَوْ قَالَ عَلَى هَامَتِي ثُمَّ قَالَ يَا ابْنَ حَوَالَةَ إِذَا رَأَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ أَرْضَ الْمُقَدَّسَةِ فَقَدْ دَنَتْ الزَّلَازِلُ وَالْبَلَابِلُ وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْ النَّاسِ مِنْ يَدِي هَذِهِ مِنْ رَأْسِكَ " .
ولا بد للتبشير والتذكير والتحذير في الآن ذاته ، بأن أهوال الزلازل والبراكين والفيضانات الكثيرة ، هي نوع من أنواع العذاب الرباني للناس الكافرين الفاسقين والمنافقين ، وأن هذه العلامات هي مقدمة لعودة دين الله القويم بالرسالة الإسلامية الحنيفية ، بعد ان يفني الله الواحد القهار الطغاة البغاة في العالم تمهيدا للحكم العادل الرشيد في الكرة الأرضية . وقضية هلاك هذه الأمة أو تلك ، والإهلاك الرباني للأمم والشعوب الفاجرة الكافرة ، هي مسألة معروفة عبر القرون الخالية ، وستكون مقدمة لإنهيار قوى عظمى وبزوغ فجر قوة دول أخرى في العالم .

كلمة طيبة أخيرة

إن الزلزلال والبراكين والطوفان والفيضانات في أي منطقة من مناطق العالم ، تبقى من المسائل الوجيهة التي يجب أخذ العبر والعظات والحكم منها ، والعودة للعدل والعدالة والابتعاد عن الظلم والظلام ، والاعتراف بأن لكل بداية نهاية ، سواء عاجلة أو آجلة ، وللجميع نهاية محتومة وهي الموت ، والاقتراب من حساب الله العظيم لجميع مخلوقاته ، إن خيرا فخير وأن شرا فشر .
وكذلك لا بد من السعي الحقيقي لإنقاذ أمم العالم من الأسلحة النووية الضارة التي تقتل وتهشم الآلاف وعشرات ومئات الآلاف من البشر في لحظات بسيطة لا تتجاوز الدقيقة الواحدة أو اقل منها .
وحري بالدول النووية الأمريكية والاوروبية ، والشرقية والغربية ، أن تعيد حساباتها مجددا قبل أن تكثف من تجميع ترساناتها النووية التي يمكن أن تنفجر بقرار رباني عبر الانفجار الذاتي أو بفعل عوامل طبيعية أو صناعية ، لمعاقبة أهل الهوى والغوى ، الذين يحكمون العالم بالحديد والنار . فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا بالقسطاس المستقيم قبل فوات الأوان فهذا الزلزال الياباني في سينداي وجوارها هو ناقوس خطر حقيقي داهم للمنشآت النووية العالمية والمدن والقرى والمطارات والموانئ الساحلية .
ولا بد من الاستعانة بدعاء نبي الله نوح عليه السلام : { وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) } ( القرآن المجيد - نوح ) .
وختامه مسك ، ندعو ونقول والله المستعان ، بالقول النبوي السديد الوارد على لسان نبي الله شعيب عليه السلام ، كما نطقت الآيات القرآنية الكريمة بذلك : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد – هود ) . { سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)}( القرآن المجيد – الصافات ) .

نترككم في أمان الله ورعايته ، والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .












__________________


بيوم المياه العالمي .. المياة في الوطن العربي .. بين الحقوق السياسية والتجارية ( 3 – 3 )

بيوم المياه العالمي
المياة في الوطن العربي ..
بين الحقوق السياسية والتجارية
( 3 – 3 )

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

==================
الفصل الرابع
كيفية التغلب على أزمة المياه

هناك العديد من الحلول التي اقترحت من المختصين والباحثين في شؤون الامن المائي العربي والإقليمي والإسلامي والقاري والعالمي ، لإيجاد مخارج عامة من ازمة المياه في المنطقة ، بقارتي آسيا العربية وإفريقيا الشمالية ووادي النيل ، الا ان تطبيق هذه الاقترحات يبقى خاضعا للامكانات الاقتصادية والفنية والارادة السياسية العامة ، سواء بشكل قطري ، او على مستوى اقليمي محدود ، أو إقليمي عام وشامل . وهناك بعض الاقتراحات التي يمكن من خلالها وضع الحلول الجزئية او الشاملة لمواجهة العجز المائي في المنطقة ، وحتى لا تكون قطرات المياة المتوفرة هي أخر تلك القطرات التي يجري الصراع الدموي بشأنها .
وبرأينا ، فيما يلي أهم الحلول الناجعة التي يمكن ان تكون ملائمة لمواجهة هذا العجز المائي الخطير :
اولا : انشاء السدود العامة بالقرب من مياة الفيضانات والسيول في المناطق المنخفضة .
ثانيا : تشجيع المواطنين على حفر آبار الجمع البيتية للاستفادة من مياه الامطار ، وسن تشريعات قانونية تلزم المواطن الذي ينشأ مسكنا جديدا بضرورة حفر بئر في المنزل .
ثالثا : ترشيد الاستهلاك البشري للمياه للاستعمالات المنزلية والزراعية ، وقرع ناقوس الخطر في نفوس السكان ، وكذلك اعادة النظر في توزيع استهلاك المياة على المستوى المحلي او الاقليمي ووضع اولويات معينة وفق الاحتياجات الاساسية مثل ترتيب الاولويات على النحو التالي : أ- مياه الشرب . ب- الاستعمال المنزلي . ج- الصناعة . د - الزراعة والري .
وذلك لتوفير كميات كبيرة من المياة سنويا تبعا للظروف والاوضاع العامة . فمثلا في الاردن ، الزراعة تستهلك 80 % من المياه المستهلكة في الاردن في حين انها لا تساهم الا بنحو 8 % من الناتج القومي ، وفي المقابل تستهلك الصناعة 5 % من الموارد المائية وتساهم بحوالى 20 % . وتبين الدراسات المائية والاقتصادية الاستراتيجية المعاصرة ان قطاعات الصناعة والخدمات والتي تحتاج كمية مياه مشابهه قياسا بالزراعة بامكانها ان تستوعب وتشغل عمالة بألف مرة وبعائدات اقتصادية 2000 مرة مقارنة بالقطاع الزراعي ... وتستطيع الزراعة البعلية او التكميلية ان تكون بديلا عن الزراعة المروية ووضع السياسات الحكومية لحث المواطنين لاستغلال اراضيهم ( 1 ) .
اما في الكيان الصهيوني بفلسطين الكبرى المحتلة " اسرائيل " فان الحصة الكبرى من موارد المياه تذهب الى الزراعة ، وأما الاستعمالات المنزلية فتأتي في المرتبة الثانية والصناعة في المرتبة الثالثة . حول ذلك بالعقد الأخير من القرن العشرين الماضي ، يقول تيدي برويس : “ ففي اسرائيل 3ر4 مليون نسمة يستهلكون 2145 مليون م3 مياه سنويا ، يذهب منها 1445 مليون م3 ( أكثر من الثلثين ) الى القطاع الزراعي و435 مليون م3 للاستهلاك المنزلي والمدني و 100 مليون م3 الى الصناعة ، و105 مليون م3 الى الضفة الغربية ( وهو حق ليس منه ) و60 مليون م3 نقص - الكمية التي لا تعيدها الطبيعة دوريا - وكانت اسرائيل تسحب 950 مليون م3 من جوف الارض و600 مليون م3 من بحيرة طبرية و90 مليون م3 من مياه الفيضانات و60 مليون م3 من مصادر اخرى و200 مليون م3 من مصادر مستقلة ، مثل خزانات لاستيعاب مياه الفيضانات ومياه الينابيع والجداول وتحلية المياه المالحة ، وهذا يعني أن مرفق المياه يعاني نقصا بنحو 250 مليون م3 من المياه سنويا “ ، ( 2 ) .
رابعا : تقليص عمليات منح التراخيص لحفر الآبار الارتوازية ، وذلك لضبط كميات المستخرجة من جوف الارض .
خامسا : ادخال التحسينات والتطويرات على أوضاع شبكات المياة القديمة والحيلولة دون تسرب كميات وفيرة من المياة دون فائدة ، وعدم ارهاق الناس في دفع فواتير مياة مرتفعة بدل الماء المتسرب ، ورفع قيمة الميزانية السنوية لتطوير شبكات المياة .
سادسا : معالجة المياة العادمة ( الصرف الصحي ) لاعادة استخدامها في والزراعة .
سابعا : الاستعمال الأمثل لمياه الينابيع العامة والخاصة .
ثامنا : الاتفاق الشامل على سياسة مائية مشتركة وعدم التنافس العنصري والاحتكار المائي الاقتصادي .

وهناك العديد من القضايا التي ينبغي اخذها بعين الاعتبار عند النظر في التخطيط والتنفيذ لسياسة الأمن المائي العربية ، من اهم هذه الامور :
1 - التخطيط الشامل والمتكامل لكافة اجزاء الوطن العربي من شرقه لغربه ومن شماله لجنوبه ، على اساس الحق الطبيعي والسيادي .
2 - تضافر كافة الجهود العربية البشرية والاقتصادية لتطوير مصادر وموارد المياه العربية الداخلية وتلك القادمة من الخارج للحيلولة دون سيطرة الاجانب عليها تحت اية حجة من الحجج سواء اكانت سياسية او اقتصادية ، اقليمية او دولية ، لأن الماء العربي هو من حق العرب اينما كانوا وحيثما حلوا دونما الانتقاص من ذلك . ويبرز هذا الامر ، في تحسين العلاقات العراقية السورية ، وفي تمتين العلاقات المصرية السودانية من جهة والعلاقات العربية - العربية بشكل شمولي من جهة اولى . فمثلا ، تتحكم تركيا بمياه نهر الفرات وفق ما تراه مناسبا لها ولحليفتها حكومة الكيان الصهيوني بفلسطين الكبرى المحتلة ، مع انه نهر دولي ، ضاربة بعرض الحائط المصالح والاحتياجات العربية السورية والعراقية بخاصة والعربية بعامة حيال هذا المورد المائي الهام . وكذلك حاولت وتحاول ( إسرائيل ) التسلل من خلف ظهر الوطن العربي من جهة افريقيا عبر تقديم المعونات الفنية والاقتصادية لاثيوبيا وغيرها من الدول الإفريقية الفقيرة ، لحجز اكبر كمية ممكنة من مياه وروافد نهر النيل كاسلوب ضغط وابتزاز سياسي واقتصادي للعرب ، فتقليص مياه النيل يزيد من تفاقم ازمة المياه في السودان ومصر ويقف حجر عثرة امام التنمية العربية الشاملة في هذين القطرين ، ويقلل من امكانية تحقيق الأمن الغذائي العربي الآني والمستقبلي .
3 - السعي العربي الحثيث من اجل استعادة الحقوق العربية في الموارد المائية وعدم السماح للدول المجاورة بالعبث بالانهار الدولية مثل نهري دجلة والفرات التي تستغلهما تركيا وفق مصالحها الذاتية واهمال المصالح العراقية والسورية ، وقد اوصت اللجان المتخصصة التابعة للمجلس الوطني العراقي ( البرلمان ) بضرورة زيادة التعاون والتنسيق العراقي مع سوريا للحد من المخاطر التركية التي تستهدف انشاء المشاريع المائية الكبرى على روافد نهري دجلة والفرات دونما تنسيق مع هاتين الدولتين العربيتين ( 3 ) .
4 - العمل على استعادة السيطرة الفلسطينية على المياه في محافظات الضفة الغربية وغزة وعدم السماح لقوات الاحتلال الصهيوني بالاستفادة من هذه المياه على حساب الحق الوطني والطبيعي الفلسطيني .

سيناريوهات السياسات المائية في الشرق الاوسط

عدة سيناريوهات مائية طرحت او ما زالت تطرح ، أو من الممكن ان تطرح في المنطقة العربية والشرق اوسطية على المديين المتوسط والطويل ، للتغلب على العجز المائي المتزايد والطلب المتصاعد على المياه سنويا ، لسد الاحتياجات اللازمة لكافة الاغراض التي تستخدم فيها المياه من الشرب والاغراض البيتية والزراعية والصناعية والسياحية او كوسيلة للتنقل والمواصلات او استخراج الكائنات البحرية كغذاء او استخراج المعادن والاملاح اوغيرها ، ومن أبرز هذه السيناريوهات :

1 = السياسة المائية الفلسطينية :


لحل مشكلة ازمة المياه في ( دولة فلسطين - محافظات الضفة الغربية وغزة ) تتوزع الاقتراحات على عدة سيناريوهات فرعية كما يلي :
اولا : الاعتماد على الذات من خلال المطالبة بكامل الحقوق في المياه الجوفية والسطحية ومياه نهر الاردن والاستفادة من مياه الينابيع والامطار بالعمل على زيادة حفر آبار الجمع ، واستغلال فائض المياه اثناء الفيضانات والسيول الجارفة في فصل الشتاء .
ثانيا : تعاون فلسطيني - صهيوني في اقتسام المياه بشكل عادل في توزيع عشرات الملايين من الامتار المكعبة من المياه على عدد السكان ضمن الواقع الحالي والمستقبلي الذي يحتم قيام دولة فلسطينية ، وهو اقرب الى الواقع من الناحية الفنية والاقتصادية ، باتجاهين :
أ - توزيع المياه الجوفية المتاحة في فلسطين الطبيعية بين الجانبين الفلسطيني والصهيوني ، واقامة سدود لحجز مياه الامطار الهاطلة في فصل الشتاء واقتسامها بشكل عادل .
ب - انشاء محطات تحلية للمياه على البحر الابيض المتوسط ، على شواطىء غزة للفلسطينيين ، وتل ابيب ليهود فلسطين المحتلة للحصول على الاحتياجات المائية الاضافية السنوية الضرورية ، وهي ممكنة الا انها مكلفة اقتصاديا .
ثالثا : استمطار الغيوم ، اما بشكل ذاتي قطري او ثنائي بين فلسطين والكيان الصهيوني " اسرائيل " أو جماعي على مستوى الشرق الاوسط للحصول على موارد مائية اضافية .
رابعا : الحصول على مصادر مياه مكملة من مشاريع المياه الاقليمية في حال تنفيذها ، من نهري سيحان وجيحان التركيين او الفرات او النيل .
على أي حال ، ان تزويد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة بمياه من نهر النيل او اليرموك او الليطاني ، حسب ما يطرحه قادة اليهود بفلسطين المحتلة - غير ممكن وغير واقعي ، اذ لماذا يلجأ الفلسطينيون الى استيراد المياه باعتبارها سلعة استراتيجية ، من مصادر خارجية ولديهم مصادرهم الطبيعية الذاتية ؟؟؟ وهم أحق بها من غيرهم من المهاجرين اليهود القادمين من الخارج ، قديما او حديثا . ولماذا لا تتوقف عملية استيراد او جلب اليهود من الخارج ؟ لان تزايد الهجرة اليهودية يفاقم ازمة المياه بالاضافة الى الازمات السياسية والاقتصادية الاخرى ، ومن النواحي السيادية السياسية والنفسية والاقتصادية ، فإن الفلسطينيين غير راغبين او مستعدين لجلب المياه من خارج وطنهم . وقد طرح الجانب الفلسطيني قضية المياه في المفاوضات المتعددة الاطراف في الشرق الاوسط ، في اعقاب مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 على اساس انها ( موضوع سياسي ) ، يقول عبد الرحمن التميمي :
“ وهناك التحديات الخارجية التي تهدد الأمن المائي العربي بشكل خاص مثل أزمة المياه في اسرائيل خلال عقد التسعينات حيث لا يمكنها من تلبية حاجة مشروعاتها الاستيطانية والزراعية المتزايدة وهو ما يدفعها الى الاستيلاء على مصادر المياه المجاورة ... أما الصورة المصغرة للمشكلة وهي مشكلة المياه الفلسطينية ، فهي ليست بمعزل عن مشكلة اسرائيل المائية ... حيث ان التقليد السياسي الاسرائيلي في مجال المياه يحصره ثلاثة محاور اساسية وهي البعد الاقتصادي ... ان الزراعة تستهلك 73 % من مصادر المياه المتاحة في حين ان الزراعة لا تساهم باكثر من 7ر3 % من حجم الدخل القومي الاسرائيلي . اما المحور الثاني فهو التطوير الافقي العمراني الاسرائيلي الذي شهدته اوائل عقد التسعينات وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي واستقطاب اعداد هائلة من المهاجرين ... أما البعد الثالث فان شعور اسرائيل بسيطرة الفلسطينيين على مصادر المياه هو بعد سيادي ومن ملامح الدولة ، وخصوصا عند الحديث عن نهر الاردن والحقوق المائية الفلسطينية “ (4 ) . ويتمثل الاطار العام للمفاوضات الفلسطينية – الصهيونية ، سواء بشكل ثنائي او في اطار المفاوضات المتعددة الاطراف تركز على عدة قواعد اساسية ، وهي ( 5 ) :
1 - ان موضوع الحقوق المائية الفلسطينية وخاصة في نهر الاردن هو موضوع سيادي سياسي وملامح رئيسية للدولة القادمة ، وليس موضوع حصص مائية فقط .
2 - ان حل مشكلة المياه عامل ضاغط ليس على الجانب الفلسطيني فقط وانما على الجانب الاسرائيلي ايضا فهم في ازمة مائية .
3 - ان أي تطور زراعي فلسطيني وفي اطار البنية التحتية للشعب الفلسطيني مرهون بمدى السيطرة على مصادر المياه .
4 - عدم الفصل وباي شكل من الاشكال بين التفاوض حول المصادر وبين وسائل التوزيع .
5 - عدم التفاوض على المياه حسب المناطق الجغرافية ولكن حسب التوزيع الهيدرولوجي لهذه المصادر .
6 - التحديد المطلق للحاجات الآنية والمستقبلية للشعب الفلسطيني مع اخذ كافة السيناريوهات الاجتماعية والاقتصادية بعين الاعتبار .
7 - طرح مبدا التعاون في المراحل الاخيرة من التفاوض وليس في مراحلها البدائية ... والقبول بسياسة مائية مستقلة وعدم دمج السياسة المائية للمنطقة على اساس انها متجانسة ، والابتعاد عن نقل النماذج الجاهزة لادارة مصادر المياه من مناطق اخرى في العالم “ .

2 - السيناريوهات المائية الاقليمية ( العربية والصهيونية والشرق اوسطية )

اما السيناريوهات الاقليمية لحل ازمة المياه العربية والصهيونية بفلسطين المحتلة والشرق اوسطية ، بشكل عام ، فانها تبدو في عدة مسارات على النحو التالي :

اولا : تنفيذ مشاريع مائية عربية صرفة في الوطن العربي ، من ناحية التمويل والاشراف والادارة ، وذلك من خلال الاستفادة من كافة الموارد العربية المتاحة محليا في القطر العربي المعين ، ومد خطوط انابيب مائية عربية من الانهار الكبيرة كدجلة والفرات في العراق والنيل في مصر الى البلدان العربية التي تعاني من عجز مائي ملحوظ كالاردن ودول الخليج العربي اذا كان بالامكان ذلك . وكذلك مضاعفة اقامة السدود والخزانات المائية بالقرب من مراكز الاودية والفيضانات والسيول لتخزين المياه والحيلولة دون ذهابها هدرا . ويكون ذلك على المستوى القطري المحلي وعلى المستوى القومي العام ، على ان تكون المصادر المائية الاضافية المقترحة للدول ذات الشح المائي متممة للمصادر الوطنية المتوفرة . وبالتالي فان هذا الامر يتيح المجال امام الامة العربية من التكامل القومي في السياسة المائية كخطوة اولى حقيقية من خطوات الوحدة العربية على اساس ( الشراكة العربية في المياه العربية ) ويحد من تحكم الدول المجاورة في المياة السطحية المشتركة ، لأن التوحد العربي الجماعي من شأنه أن يعزز الحق العربي بشكل قانوني واستراتيجي عام .

ثانيا : تنفيذ مشاريع مائية عربية جزئية لعدة دول على حدة ، مثل تعاون العراق وسوريا والاردن ولبنان في استثمار الموارد المائية المتاتية من الانهار الدولية ضمن حدود هذه المنطقة الجغرافية العربية من أنهار الاردن والليطاني واليرموك وهضبة الجولان السورية بعد استعادتها كليا من الاحتلال الصهيوني ، وذلك بتقاسم المياه وفقا للحاجات المتنوعة للسكان . ولبنان هي الدولة العربية الوحيدة الغنية بالمياه بسبب غزارة الامطار والثلوج وكثرة الانهار ( 15 نهرا ) منها 12 نهرا ساحليا وثلاثة انهار داخلية دولية ، وتبلغ كمية المياه السطحية اللبنانية 4800 مليون م3 سنويا يستهلك منها 100 مليون م3 سنويا ( 6 ) . اما الدول الاخرى فان يتولد لديها حاجة متزايدة من المياه في كافة الاستعمالات السنوية .
ثالثا : تنفيذ مشاريع تحلية المياه المالحة من البحر لدول مجلس التعاون الخليجي الست ، السعودية والكويت والبحرين وعُمان وقطر والامارات العربية المتحدة على نطاق واسع ، وهذا سيساهم في تقليل كلفة تحلية المتر المكعب من المياه ، ولا بد ان يترافق هذا السيناريو باعداد الكوادر البشرية المدربة والمؤهلة وتوفير الامكانات المالية اللازمة لتنفيذ هذا المشروع لضمان استمراريته لفترة طويلة وبالتالي ضمان عدم تحكم قوى خارجية اجنبية في توفير المصادر المائية لهذه المنطقة الجغرافية والسكانية العربية . هذا مع العلم ان الدول الخليجية هي من الدول التي استخدمت عملية تحلية المياه بشكل واسع ، حيث يتوفر في الخليج العربي حوالى 4900 محطة لتحلية مياه البحر منذ عام 1989 انتجت نحو 1200 جالون من الماء للشرب / ساعة ( 7 ) . وكان بلغ مجمل مصادر المياه في دول الخليج العربي عام 1980 م نحو 347ر214ر1 مليون جالون ( والجالون يساوي 4 لتر ماء ) شكلت منها المياه المحلاة 551ر48 مليون جالون في حين بلغت كمية المياه المبتذلة المنقاه 391ر8 مليون جالون ، وشكلت المياه الجوفية 714ر847 مليون جالون والمياه السطحية 141ر284 مليون جالون والمصادر الاخرى 550ر25 مليون جالون في حين بلغ اجمالي الطلب على المياه 027ر710 مليون جالون سنويا . من جهة اخرى ، تباينت نسبة اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي الست على المياه المحلاة فوصلت في العام ذاته ، في الامارات 5ر64 % ، الكويت 25ر63 % ، قطر 5ر49 % ، البحرين 1ر16 % ، السعودية 1ر11 % وعمان 5ر10 % وهي نسب مرتفعة الى حد ما ( 8 ) .
رابعا : الابقاء على الوضع الحالي ، باتباع الخطط المائية القطرية العربية كل على حدة ، وهذا يقلل من فرص زيادة الموارد العربية ويفاقم العجز المائي في كل بلد من البلدان العربية ، ويفسح المجال امام الدول المجاورة بالتعاون مع الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة باقتناص الفرص المؤاتية لتخفيض الكميات المائية المتدفقة عبر الانهار الدولية للعرب كالفرات من قبل تركيا والنيل من قبل اثيوبيا بالتنسيق مع حكومة الكيان الصهيوني .
خامسا : ويتمثل هذا السيناريو بالسعي لتنفيذ مشروع انابيب السلام الذي اقترحتة تركيا بالتعاون مع الولايات المتحدة و ( إسرائيل ) والقاضي بمد انبوبين مائيين بطاقة يومية قدرها ستة ملايين م3 يوميا او ما يعادل 2190 مليون م3 سنويا من نهري سيحان وجيحان التركيين لتستفيد منه سوريا والاردن والدول الخليجية الست المقترحة . وهذا المشروع يساهم في فرض السياسة التركية واعطائها دورا اقليميا سياسيا واقتصاديا وخاصة في مجال النفط هي بعيدة عنه لغاية الان ، ويفسح المجال لتقوية العلاقات التركية الصهيونية في المشرق العربي الإسلامي اذ ان هذا المشروع من شانه ان يعمل على توفير موارد مائية اضافية للاستخدام اليهودي وخاصة زيادة الانتاج الزراعي الصهيوني المروي بمياه عربية وإسلامية شبه مجانية وبالتالي منافسة المنتوجات الزراعية العربية بعامة وتقليل فرص النهوض الزراعي الفلسطيني بخاصة نظرا لتوفر الدعم الحكومي للمزارع اليهودي وغياب ذلك عن المزارع الفلسطيني . وسيرافق هذا المشروع زيادة نصيب الفرد اليهودي بفلسطين المحتلة بصورة خاصة من المياه سنويا ، ويساعد الحكومات الصهيونية بزيادة استقدام المهاجرين اليهود وزرعهم في المنطقة العربية مع ما يشكله ذلك من خطر على الأمن الوطني الفلسطيني والأمن القومي العربي بشكل عام . وهناك ملاحظة لا بد من التنويه لها ، وهي أن مشروع السلام المقترح وضع عام 1986 ولم يدرج به الشعب الفلسطيني باي حال من الاحوال ، ورغم ذلك فان هذا المشروع من الممكن ان يلحق خسائر فادحة بالشعب الفلسطيني ، لأن توفير مصادر مائية للكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة ، ككيان استعماري دخيل على المنطقة الإقليمية العربية والإسلامية ، سيساهم في زيادة مصادرة الاراضي الفلسطينية للاستيطان والاستعمار ، وحتى لو ادرج الشعب الفلسطيني في هذا المشروع فانه لن يستفيد منه كثيرا ، والشعب الفلسطيني اصلا معني باسترداد مواردة المائية الوطنية كحق من حقوقة الطبيعية والسياسية ورفع يد صهاينة فلسطين المحتلة عنها في اقرب فرصة زمنية ممكنة . هذا من جهة ، ومن جهة اخرى ، فإن تركيا في الاساس تحتجز مليارات الامتار المكعبة من مياه نهري دجلة والفرات ، وتسبب اضرارا لسوريا والعراق على حد سواء ، فكيف للعرب ان يثقوا بالسياسة التركية بتمديد انابيب جديدة لاراضيهم ، وهناك مسألة مائية غير مستقرة بين الدولتين العربيتين وتركيا ، “ ان تركيا تخطط منذ فترة بالاكتفاء الذاتي في المواد الغذائية ، وتفكر في التصدير ، وفي هذه الحالة هي بحاجة الى الاهتمام أكثر بالزراعة ، وتعتقد ان مشروع شرق الاناضول على نهر الفرات يحقق لها هذا الطموح ... كذلك في إطار البعد الاقتصادي فان تركيا تفكر بالتعامل مع المياه العذبة كسلعة تصدرها للخارج ، وفي رأيها ستكون لها اهمية النفط ، وان تجارة المياه قد دخلت السوق منذ عدة سنوات “ ، ( 9 ) .
اما بخصوص البعد السياسي والعسكري فان تركيا تحاول الضغط على سوريا والحيلولة دون تقديمها المعونات الى الاكراد الثائرين على الحكومة التركية واستخدام المياه كسلاح استراتيجي ضد العرب ، سواء بشكل سري مستتر أو علني .
سادسا : المشاركة العربية - الصهيونية في إعادة اقتسام المياه في المنطقة من أنهار الفرات والنيل والاردن واليرموك بشكل شامل ، او جزئي لاحد الانهار السابقة او اثنين منهما ( النيل والاردن ) او النيل والفرات ، لسد الاحتياجات المتزايدة من المياه ، وجزء من هذا السيناريو قائم بالفعل وخاصة فيما يتعلق بنهر الاردن ، بين الاردن والكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة منذ زمن بعيد . واعيد اقتسام كميات المياة في اعقاب توقيع معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية عام 1994 . ومن الممكن ان يستند هذا السيناريو على توصيات مؤتمر هلسنكي عام 1966 ، حول اقتسام المياه التي اكدت على عدة قواعد ، وهي ( 10 ) :
1 - لكل دولة تشترك في حوض مائي دولي الحق في الحصول على حصة عادلة ومعقولة من المياه .
2 - يتم تحديد الحصة المائية وفق ضوابط معينة وتتضمن الضوابط :
• جغرافية الحوض ومساحته .
• الاستخدام السابق للمياه في الحوض .
• الحاجات الاقتصادية لكل دولة .
• عدد السكان الذين يعتمدون مياه الحوض .
• وجود موارد مائية بديلة .
• الهدر المائي الذي لا مبرر له .
• امكانيات التعويض .
• تأمين حاجيات دول الحوض دون المساس بحقوق الدول الاخرى .
• مقارنة تكاليف المشاريع البديلة التي تفي بالحاجات الاقتصادية لكل دولة .
وحسب وجهة النظر الصهيونية ، فان الحل لازمة المياه في ( الشرق الاوسط ) ، ينبغي ان تكون بشكل اقليمي شامل . يقول بهذا الخصوص اليشع كالي : “ ويشير الشح والنقص في المياه في معظم الشرق الاوسط في مقابل الوفرة والفائض في مناطق معدودة الى الحاجة الى حل مشكلة المياه حلا اقليميا شاملا “ ( 11 ) . ويتابع اليشع كالي قوله عن حل ازمة المياه الفلسطينية ، بقوله : “ ان مشكلة النقص في المياه في المناطق ( الضفة الغربية وغزة ) مشكلة اقتصادية - اجتماعية ، كما انها مشكلة سياسية للمنطقة ، فالوضع الذي تستفيد فيه اسرائيل بمفردها من الجزء الرئيسي لمصادر المياه الطبيعية في ( المناطق ) يحمل في طياته نزاعات بشأن المياه بين الطرفين ويجعل نشوء توترات سياسية بينهما امرا اكيدا ، ولا يحل هذا الوضع بنقل مياه اسرائيلية الى ( المناطق ) فهذا الحل غير واقعي نظرا الى النقص في المياه في اسرائيل نفسها . وهو غير مقبول من زاوية قانون المياه الدولي الذي يقدم حصانة الى كل من ( الاستخدامات الراهنة للمياه ) و” الاستخدامات التاريخية “ ولا يتيح هذا الوضع لمشكلة المياه في ( المناطق ) سوى حل مرض واحد : استيراد المياه من مصادر خارجية ، ويمكن ان تكون هذه المصادر : اليرموك والنيل والليطاني ، واستيراد المياه من هذه المصادر ممكن من الزاوية التقنية وممكن ايضا الى حد بعيد - من الزاوية الاقتصادية - ومع ذلك غير ممكن من الزاوية السياسية “ ، ( 12 ) .
وفي هذا السيناريو فانه لا بد من وجود اطراف محايدة تعمل على المساهمة في توزيع الادوار الفنية والمساهمات التمويلية ، الا ان هناك دلائل تفيد ان انهار النيل والاردن والفرات ودجلة يتم استهلاك مياهها بشكل شبه كامل حسب ما اشارت له دراسة مائية اعدها مركز الدراسات الاستراتيجية في العاصمة الاميركية واشنطن ، وأن هناك شحا في المياه في هذه المنطقة الجافة ( 13 ) . وفيما يتعلق بنهر النيل فهناك العديد من الاقتراحات التي قدمت للاستفادة من مياهه الا ان المعطيات الراهنة وحسب بعض خبراء المياه فان الدول التي يمر من اراضيها عملت وتعمل على استغلال تلك المياه . فمصر مثلا ، افتتحت في 26 تشرين الاول 1997 ترعة جديدة ، بكلفة 62ر1 مليار دولار بمشاركة مالية كويتية لنقل مياه النيل في انفاق تحت قناة السويس لاستزراع اراض جديدة في شمال شبه جزيرة سيناء لري 620 الف فدان شرقي القناة وغربيها لاتاحة المجال لنحو 5ر1 مليون مصري التوطن في سيناء . وهناك خطط لزراعة 4ر3 مليون فدان بحلول عام 2017 م ( 14 ) .
وبالتالي فان هذا السيناريو يبدو بعيد التنفيذ على الاقل في المرحلة المنظورة : “ وأن الماء سيكون مصدرا لزيادة حدة التوتر والمنازعات في الشرق الاوسط والذي سيعاني بشكل تصاعدي مع الوقت من نقص في المياه ، والتقديرات المتعلقة بمصر والاردن واسرائيل ، الضفة والقطاع وسوريا والعراق مثيرة للقلق ومنذرة بالخطر لو استمر معدل الاستهلاك على ما هو عليه حاليا والتي لو استمرت ستزيد من حدة التنافس على المياه وتقود للصراع “ (15 ) .
ويبقى القول ، ان حل ازمة المياه في هذه المنطقة الإقليمية العربية والإسلامية ( الشرق الاوسط ) في الاساس ينبغي ان يكون حلا سياسيا بالدرجة الاولى ، كما ان حكومة الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) يجب ان تعيد الموارد المائية الفلسطينية الى اصحابها ، وما عليها الا ان توقف الهجرة الخارجية اليها لأن الموارد المائية المتاحة لا تكفي للسكان الموجودين اصلا وكتحصيل حاصل فانها لا تكفي “ القادمين الجدد “ . وتحتاج منطقة قطاع غزة جنوب غربي فلسطين ، سنويا حوالي 170 مليون م3 ، ولا يصلها سوى 60 مليون م3 من الحوض الساحلي الذي تختلط مياهه بمياه البحر الأبيض المتوسط وبالتالي تصبح ملوثة ( 16 ) . وقد عرضت حكومة الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) عرضت في الثلث الأول من شهر آب 2010 ، على أجهزة سيادية مصرية من خلال مكتب المخابرات الصهيوني في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، التدخل لإنهاء الخلافات بين مصر ودول منابع النيل حول الاتفاقية الإطارية مقابل موافقة مصر على بدء ( إسرائيل ) مشروعات في إثيوبيا تستهدف الاستفادة من مليارات الأمتار المكعبة التي تُفقد سنوياً فرفضت الحكومة المصرية هذا العرض . وزعمت حكومة الكيان الصهيوني أن مشروعاتها ستنجح في استقطاب 50 مليار متر مكعب مياه سنوياً ، سيتم تقسيمها مناصفة بين مصر و ( إسرائيل ) ، على أن تنقل إلي صحراء النقب جنوبي فلسطين المحتلة حوالي 25 مليار م3 ، من هذه المياه عبر أنابيب تمر في المياه الدولية بالبحر الأحمر أو عبر صحراء سيناء المصرية . وكانت خمسا من دول منابع النيل السبع وهي ، اثيوبيا واوغندا ورواندا وتنزانيا، وكينيا، وقعت في 14 مايو/آيار 2010 ، اتفاقا جديدا حول تقاسم مياه نهر النيل على الرغم من مقاطعة دولتي المصب" مصر والسودان"، مما اثار غضب القاهرة التي اعلنت ان الاتفاق غير ملزم لها ( 17 ) .
ولا بد لها ان ترشد استهلاك المياه وتقلل استعمال المياه في الزراعة ، وتبحث عن موارد مائية جديدة ومن ابرزها تحلية كميات مائية من مياه البحر الابيض المتوسط لسد احتياجاتها اليومية المتزايدة ، والاحجام عن استغلال المياه العربية الفلسطينية ، اذا ما اريد لمسيرة السلام العربية الصهيونية ، ان تتقدم . كما انه يجب التنويه الى ان المطالبة باستجلاب جزء من مياه النيل عبر سيناء اليها من الصعب تحقيقة لا على المدى المنظور او المدى البعيد ، وذلك لأن مياه النيل بالكاد تكفي العديد من الشعوب الافريقية وشعبي مصر والسودان ، في ظل تزايد النمو السكاني الطبيعي لهذه البلدان .
وبناء عليه ، فان محاولة ايجاد حل تجاري لازمة المياه في منطقة الشرق الاوسط هي ليست سوى دعوات لمصادرة الحق السيادي الفلسطيني والعربي على موارد المياه ، وهذا الامر وان قبل به الفلسطينيون والعرب الآن ، في ظل عدم توازن القوى السياسية والعسكرية لصالح ( اسرائيل ) ، يبقى المنطقة معرضة لجدل سياسي وعسكري على المدى المتوسط والطويل ويبقى فتيل الحرب ماثلا للعيان في كل لحظة خاصة بعد التغييرات السياسية الرسمية العربية بعد الثورات الشعبية في تونس ومصر وانفصال جنوب السودان عن شماله في عام 2011 . ولاستعادة هذا الحق القومي العربي الاستراتيجي في المياه العربية لا بد من المبادرة لانقاذ موارد المياه العربية وتجميع كل القوى والطاقات الوطنية والقومية والإسلامية من اجل ذلك . فالقضية سياسية حقوقية عامة سياسية قبل ان تكون تجارية او اقتصادية وليست بيع او شراء عشرات أو مئات الملايين من الامتار المكعبة من المياه من هنا او هناك .

الخاتمة

وخلاصة الأمر ، نلاحظ من خلال المواضيع التي تناولتها الدراسة ، ان الأمن المائي العربي يعاني من ازمة او عجز مائي سنوي سيصل مع نهاية القرن العشرين الماضي ونهاية العقد من القرن الحادي والعشرين الحالي ، بأكثر من 150 مليار م2 سنويا ، الامر الذي يستدعي تدارك الموقف ، والعمل على توفير مصادر مائية متجددة سواء على النطاق الوطني العام لكل قطر عربي على حدة او بالتعاون والتنسيق الجماعي العربي بامكاناته التطويرية الكبيرة ان على صعيد القوى البشرية او الموارد الاقتصادية .
ويفترض ان يصار الى استثمار النفط والغاز العربي في توفير موارد مائية سنوية مؤقتة او دائمة ويستوي ذلك بالنسبة للمياه السطحية كمياه الامطار والانهار او المياه الجوفية او محطات تحلية المياه وخاصة في دول الخليج العربي ، وزيادة الاعتماد على الذات المائية العربية وتقليل الاستفراد وتحكم الدول غير العربية في المنطقة من الجهة الشمالية للوطن العربي المتمثلة في تركيا او الجهة الجنوبية المتمثلة في اثيوبيا بالقرب من منابع نهر النيل .
ونشير بهذا الصدد إلى أن مسألة الحصول على المياه في مختلف دول منطقة المشرق العربي والإسلامي كما يؤكد العديد من الخبراء ستكون محل جدل حاد وربما ستقود الى اندلاع حروب جزئية او شاملة في ظل التناقص السنوي لمختلف موارد المياة كاحدى مصادر الثروات الطبيعية في المنطقة ، مثلها مثل الصراع على النفط العربي وغيره من القضايا الحيوية التي اسفرت عن مشاحنات مسلحة ضمت اطرافا اقليمية احيانا ودولية احيانا اخرى ، كما حدث في الصراع على النفط العراقي والاحتلال الأمريكي لأرض الرافدين .
وتتنوع موارد المياه العربية من المياه السطحية كمياه الانهار وخاصة نهر النيل الذي يبلغ تصريفه السنوي 84 مليار م3 سنويا ونهر دجلة الذي يبلغ تصريفه السنوي داخل الاراضي العراقية حوالى 48 مليارم3 سنويا ونهر الفرات الذي يبلغ تصريفه السنوي في الاراضي السورية والعراقية 28 مليار م3 ، ونهر الاردن الذي يصل تصريفه السنوي 5ر1 مليار م3 0 وتقدر الموارد المائية التقليدية المتاحة سنويا ب 279 مليار م3 ، في حين يبلغ متوسط استهلاك الفرد العربي 1165م3 سنويا ، وهذا يشكل 20 % من استهلاك الفرد اليهودي بفلسطين المحتلة سنويا نظرا لاستيلاء بني صهيون بالقوة على موارد مائية عربية وفلسطينية وفيرة . اضافة الى سعيهم المتواصل لاستجلاب مياه عربية او تركية اضافية بشتى الطرق والوسائل ، بالترهيب تارة عبر الضغوط العسكرية والسياسية والاقتصادية ، المباشرة وغير المباشرة ، من خلال التعاون الفني والاقتصادي والسياسي مع تركيا واثيوبيا واريتريا لمحاصرة الوطن العربي من جميع الجهات او بالترغيب عبر مسيرة السلام وفي كافة المسارات ، ومن خلال المؤتمرات الاقتصادية المتعددة التي عقدت في المغرب او الاردن او مصر وعبر مؤتمرات المياه المتعددة الاطراف التي عقدت في المنطقة ، وذلك للحصول على موارد مائية جديدة بارخص الأثمان .
ففي عام 2000 إزداد عدد سكان الوطن العربي من 262 مليون نسمة عام 1997 الى حوالى 294 مليون نسمة ، وسيصاحب ذلك انخفاض في متوسط نصيب الفرد العربي من المياه من 1165 م3 سنويا الى 949 م3 سنويا ، فكيف سيكون حال 493 مليون عربي عام 2025 .
ويتبين لنا ان قوات الاحتلال الصهيوني تواصل سلب ونهب المياه العربية الفلسطينية منذ عام 1948 حتى الآن 2011 ، وتحرم المواطنين الفلسطينيين من حقهم الطبيعي في الحصول على مياهم بل ان تلك السلطات الصهيونية وعبر ( شركة ميكروت الاسرائيلية ) تقوم ببيع كميات المياه الفلسطينية الاصل الى المواطنين الفلسطينين ، باسعار مرتفعة . هذا من جهة ، ومن جهة ثانية ، حظرت وتحظر على الفلسطينيين حفر آبار ارتوازية جديدة او تطوير القائم منها بحجة ان ذلك يشكل تهديدا خطرا على مصادر المياه التي يتزود اليهود بفلسطين المحتلة باحتياجاتهم المائية منها ، هذا بالاضافة الى ان نصيب الفرد الفلسطينيي من المياه سنويا لا يتجاوز نسبة 20 % من نصيب الفرد الصهيوني أو ما يعادل 131 م3 سنويا في حين ان المستوطن في المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وقطاع غزة يستهلك كمية مياه تتراوح بين 640 م3 الى 1480 م3 سنويا . وهذا يشكل اعتداء سافرا على الحق الفلسطيني الخاص والعام دون وجه حق ، ففي حين يستخدم المستوطن اليهودي كميات وفيرة من المياه في الزراعة لا يتمكن المواطن الفلسطيني من توفير كميات اقل لاستعمالها في الشرب او الاعمال البيتية وغيرها .
هوامش الفصل الرابع
سبل التغلب على نقص المياه
1. بشار احمد الكلوب ، “ المياه والقمح والتنمية “ ، الباحث العربي ، مجلة فصلية يصدرها مركز الدراسات العربية - لندن ، العدد 45 ، تشرين اول 1997 ، ص 52 .
2. تيدي برويس ، ارض المياه القليلة ، ملحق جريدة دافار الاسرائيلية ، 23 - 30 / 1 / 1997 ، اعاد نشرها رفعت سيد احمد : الصراع المائي بين العرب واسرائيل ( القاهرة : دار الهدى للنشر والتوزيع ، 1993 ) ، 247 .
3. وكالة الصحافة الفرنسية ، “ العراق يحذر تركيا من اقامة سدود على نهري دجلة والفرات “ ، جريدة القدس ، العدد 10142 ، 18 / 11 / 1997 ، ص 8 .
4. عبد الرحمن التميمي ، “ محاولة لتحديد الاطار الفني لمفاوضات المرحلة النهائية حول المياه “ ، الميلاد ، العدد 13 ، شباط 1997 ، ص 61 – 62 .
5. نفس المرجع السابق ، ص 63 .
6. نبيل السمان ، مرجع سبق ذكره ، ص 136 .
7. نفس المرجع السابق ، ص131 - 134 .
8. نفس المرجع السابق ، ص 134 .
9. عبد المالك خلف التميمي ، “ المياه في المشرق العربي - قضية حدود “ ، عالم الفكر ، المجلد الخامس والعشرون ، العدد الرابع ، ابريل - يونيو 1997 ، ص 134 - 135 .
10. نبيل السمان ، مرجع سابق ، ص 66 .
11. اليشع كالي : المياه والسلام ، وجهة نظر اسرائيلية ، ترجمة : رندة حيدر ( بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، 1991 ) ، ص 6 .
12. نفس المرجع السابق ، ص 75 .
13. محمد حجازي ، “ نحو استراتيجية مائية مصرية في حوض النيل “ ، السياسة الدولية ، العدد 125 ، يوليو 1996 ، ص 130 .
14. ، “ استصلاح مساحات واسعة وتوطين 5ر1 مليون شخص - مياه النيل تتدفق الى سيناء “ ، جريدة الايام ، العدد 664 ، 27 / 10 / 1997 ، ص 1+22 .
15. محمد حجازي ، نحو استراتيجية مائية مصرية في حوض النيل “ ، السياسة الدولية ، العدد 125 ، يوليو 1996 ، ص 130 .
16. بيان حول الوضع المائي في فلسطين صادر عن سلطة المياه الفلسطينية ، شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) الإلكترونية على الانترنت ، 24 / 8 / 2010 .
17. حكومة الكيان الصهيوني ترغب في 25 مليار م3 مياه من نهر النيل ، شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) ، 17 / 8 / 2010 .

======================

قائمة المصادر المراجع

أولا : القرآن الكريم .
ثانيا : كتب الأحاديث النبوية الشريفة : صحيح البخاري ، وصحيح مسلم ، ومسند أحمد ، وسنن ابي داوود ، وسنن ابن ماجة ، والمعجم الكبير للطبراني .
ثالثا : الكتب :
1. الاتفاقية الاسرائيلية - الفلسطينية المرحلية حول الضفة الغربية وقطاع غزة ، المادة الاربعون : المياه والمجاري ، ترجمة : مركز القدس للاعلام والاتصال ( واشنطن : 28 ايلول 1995 .
2. اطلس الوطن العربي والعالم ( نابلس : المكتبة الجامعية ، 1997 ) .
3. أحمد ، رفعت سيد : الصراع المائي بين العرب واسرائيل ( القاهرة : دار الهدى للنشر والتوزيع ، 1993 ) .
4. التميمي ، عبد الرحمن، وآخرون : وقائع ورشة العمل الخاصة بالوضع المائي في الاراضي المحتلة ، مشاكل وحلول ( القدس : مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين ، 1991 ) .
5. الزوكة ، محمد خميس : جغرافية المياه ( الاسكندرية : دار المعرفة الجامعية ، 1995 ) .
6. السمان ، نبيل : حرب المياه من الفرات الى النيل ( بدون تاريخ ام مكان نشر ) .
7. الطيطي، صالح ، وغالب محمد اسماعيل : استراتيجية التنمية العربية والتطلعات المستقبلية ، ط. الثانية ( عمان ، 1990 ) .
8. كالي ، اليشع : المياه والسلام ، وجهة نظر اسرائيلية ، ترجمة : رندة حيدر ( بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، 1991 ) .
9. الموعد ، حمد سعيد : حرب المياه في الشرق الاوسط ( دمشق : دار كنعان للدراسات والنشر ، 1990 ) .
رابعا : الدوريات :
1. البياني ، عدنان هزاع ، “ دول الجوار العربي الجيوبولوتيكية في المياه العربية “ ، شؤون عربية ، العدد 90 ، حزيران 1997 ، ص 83 - 97 .
2. التميمي ، عبد الرحمن ، “ محاولة لتحديد الاطار الفني لمفاوضات المرحلة النهائية حول المياه “ ، الميلاد ، تصدر عن مكتب المؤسسات الوطنية في رئاسة السلطة ، العدد 13 ، شباط 1997 ، ص 61 - 64 .
3. التميمي ، ضيف الله ، “ هل هناك استراتيجية مائية فلسطينية ، “ الميلاد ، العدد 14 ، آذار 1997 ، ص 15 - 24 .
4. التميمي ، عبد المالك خلف ، “ المياه في المشرق العربي “ ، مجلة عالم الفكر ، المجلد الخامس والعشرون ، العدد الرابع ، ابريل - يونيو 1997 ، ص 111 - 151 .
5. حجازي ، محمد ، “ نحو استراتيجية مائية مصرية في حوض النيل “ ، السياسة الدولية ، العدد 125 ، يوليو 1996 ، ص 130 - 133 .
6. زهران ، منير ، “ نهر النيل - الدبلوماسية المصرية والتعاون فيما بين دول حوض النيل “ ، السياسة الدولية ، العدد 99 ، يناير 1990 ، ص 168 - 172 .
7. عابدين ، صدقي ، “ ازمة المياه في المنطقة العربية : الحقائق والبدائل الممكنة “ ، شؤون عربية ، العدد 90 ، حزيران 1997 ، ص 213 - 217 .
8. صالح ، مجدي ، “ ازمة المياه في المفاوضات المتعددة ، السياسة الدولية ، العدد 114 ، تشرين اول 1993 ، ص 124 - 131 .
9. صالح ، مجدي ، “ مشروعات التعاون الاقليمي في مجال المياه “ ، السياسة الدولية ، العدد 115 ، يناير 1994 ، ص 197 - 204 .
10. كامل ، انس مصطفى ، “ الصراعات الاثنية في حوض النيل والنظام الدولي الجديد “ ، السياسة الدولية ، العدد 107 ، يناير 1992 ، ص 30 - 61 .
11. الكلوب ، بشار احمد ، وتوني آلان ، “ المياه والقمح والتنمية “ ، مجلة الباحث العربي ، لندن ، العدد 45 ، تشرين اول 1997 ، ص 50 - 53 .
12. المداح ، محمد علي ، “ ازمة مياه نهر الفرات وقضية المياه في الشرق الاوسط “ ، السياسة الدولية ، العدد المئوي ، ابريل 1990 ، ص 177 - 181 .
13. المنصور ، عبد العزيز شحادة ، “ مورد المياه في الشرق الاوسط ، صراع أم تعاون في ظل قواعد القانون الدولي ، السياسة الدولية ، العدد 125 ، يوليو 1996 ، ص 267 - 268 .
خامسا : المقابلات الاذاعية :
1. صوت فلسطين ، مقابلة اذاعية مع د. محمد اشتية ، مدير عام المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والاعمار ( بكدار ) ، برنامج احداث اليوم ، الساعة 2:30 عصرا ، 10 / 12 / 1997 حول الموازنة المائية الفلسطينية السنوية .
2. علاونه ، كمال إبراهيم ، صوت فلسطين ، شؤون بلدية وقروية ، كانون الأول 1997 .

سادسا : شبكة الانترنت :
1. وكالة الصحافة الفرنسية ( ا ف ب ) .
2. شبكة الإسراء والمعراج ( إسراج ) .
====

انتهى .

__________________


بيوم المياه العالمي .. المياة في الوطن العربي .. بين الحقوق السياسية والتجارية ( 2 – 3 )

بيوم المياه العالمي
المياة في الوطن العربي ..
بين الحقوق السياسية والتجارية
( 2 – 3 )

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة
====================

الفصل الثاني
موارد المياه في الوطن العربي

يشكل الوطن العربي من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي نحو 9 % من مساحة اليابسة في الكرة الارضية حيث تبلغ مساحته حوالى 7ر13 مليون كم2 . وتستثمر هذه المساحه 2ر171 مليار م3 من المياه سنويا ، وتتألف موارد المياه من عدة انواع من الموارد أو المصادر ( 1 ) هي :
- 140 مليار م3 تأتي من المياه السطحية .
- 22 مليار م3 تأتي من المياه الجوفية .
- 9.2 مليار م3 تأتي من تحلية مياه البحر ومياه الصرف الصحي .
-
اما فيما يتعلق بموارد المياه العربية بنوعيها السطحية والجوفية ( وهي من المياه العذبه ) فتقدر بنحو 388 مليار م3 ، وهذا يعادل 7 % من مخزون المياه في العالم ، وهو رقم قليل نسبيا قياسا بمساحته وعددسكانه ( 2 ) .
وتتوزع الامطار والموارد المائية العربية في مختلف اجزاء الوطن العربي في الشمال والجنوب والشرق والغرب كما يلي ( 3 ) :
جدول توزيع الامطار والموارد المائية في الوطن العربي
مليار م3
الاقليم الامطار الموارد المائية المتاحة مليار م3
مليار م3 / سنه سطحية جوفية كامل الموارد المتاحة
المشرق العربي 174 4ر90 5ر6 9ر96
شبه الجزيرة العربية 214 4 7ر4 7ر8
وادي النيل والقرن
الافريقي 1304 2ر100 6ر6 8ر106
المغرب العربي 520 39 14 53
--------------------------------------------------
المجموع 2212 6ر233 8ر31 4ر265
---------------------------------------------------
المصدر : برنامج الأمن الغذائي العربي 1980 .
وعلى سبيل المثال ، ففي عام 1990 ، قدر المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والاراضي القاحلة والمكتب الاقليمي للعلوم والتكنولوجيا في الدول العربية بدمشق ، الموارد المائية التقليدية المتاحة في الوطن العربي بنحو 1ر279 مليار م3 سنويا ، شكلت منها الموارد السطحية 73ر230 مليار م3 سنويا او ما يعادل 7ر82 % ووصلت كمية المياه السطحية من مياه الانهار الدولية 3ر71 % او ما يعادل 4ر164 مليار م3 ( 4 ) .
وتتركز مصادر المياه في الوطن العربي ، بكافة اشكالها السطحية ( الامطار والانهار ) والجوفية والينابيع والمياه المحلاة من البحر بشكل عام على النحو الآتي :
أ - المياه السطحية : وتشمل :
اولا : الانهار العربية - الدولية :
1 - نهر النيل - يبلغ طوله 6650 كم ، ومساحة حوضه 3349 كم2 ، وتؤلف البحيرات الاستوائية وهضبة الحبشة الخزان الطبيعي له ويعد نهر كاجيرا المنبع الحقيقي للنيل اذ يبلغ طول مجراه 480 كم ، ويتألف من تلاقى رافديه روفوفو في بورندي ونيافرونجو في رواندا ويتجه شمالا فالشرق ويصب في بحيرة فكتوريا بين اوغندا وتنزانيا ، ويخترق النيل السودان متوجها الى مصر ويدخل وادي حلفا بعد قطعه 5151 كم من منابعه ، ويبلغ طوله في الاراضي المصرية 1520 كم او ما يقارب 7ر22 % من طول النهر ( 5 ) وبلغ تصريفه السنوي 84 مليار م3 .
2 - نهر دجله - ينبع نهر دجله من المرتفعات الواقعة جنوبي شرقي هضبة الاناضول التركية ، ويدخل العراق عند بلدة فيشابور ، ويصب في هذا النهر عدة روافد من الاراضي التركية
والايرانية والعراقية كالخابور والذاب الكبير والذاب الصغير ، والنهر العظيم وديالي ، ويبلغ مجرى نهر دجله حوالى 1718 كم ( 6 ) ويبلغ تصريفه السنوي بعد اجتيازه ارض العراق نحو 48 مليار م3 مياه .
3 - نهر الفرات - تقع منابعه الاولية من مرتفعات الاناضول التركية ، حيث يجري في تركيا 544 كم ، ويدخل سوريا عند بلدة البوكمال في حين يدخل العراق عند بلدة حصيبة ، ويبلغ طول مجرى هذا النهر 2820 كم ( 7 ) . ويصل تصريفه المائي السنوي بعد اجتيازه ارض سوريا نحو 26 مليار م3 .
4 - نهر الاردن - وهو نهر دولي ينبع من عدة عيون ويتشكل من انهار الشريعة ، بانياس ، والدان من سوريا والحاصباني في لبنان ، طوله 252 كم وعرضه 30 مترا ، ويبلغ تدفقه المائي عند دخوله بحيرة طبريا 732 مليون م3 ، وتنضم اليه مياه السيول ويصل الى 838 مليون م3 ، اضافة الى نصف مليار م3 مياه من بحيرة طبريا ويصبح الوارد المائي الاجمالي لنهر الاردن حوالى 1782 مليون م3 ، وتقدر مياهه من الروافد والسيول بنحو 2 مليار م3 سنويا ( 8 ) . وتشترك في حوضه لبنان وسوريا والاردن وفلسطين الطبيعية .
ثانيا : مياه الامطار : تختلف كميات المياه التي تهطل سنويا على البلاد العربية من دولة لاخرى ومن موسم لآخر ، وفي الاساس يعتبر الوطن العربي من المناطق الجافة او شبه الجافة ، ولهذا فان مياه الامطار ، وفي ظل عدم وجود الخطط الاستراتيجية لتخزينها واستخدامها في الفصول الثلاثة الاخرى ، غير فصل الشتاء ، لا تشكل موردا مائيا متاحا ، وتذهب معظم المياه الهاطلة سنويا الى جوف الارض لتضاف الى مصادر المياه الجوفية . ويبلغ متوسط مياه الامطار السنوية في الوطن العربي حوالى 2212 مليار م3 .
مصادر المياه السطحية ( الانهار والامطار )
تقدر كمية المياه السطحية ، بحسب بعض المصادر المائية العربية ، بنوعيها الانهار والامطار بحوالى 728ر294 مليون م3 سنويا ، تتوزع على الدول العربية ( ما عدا قطر والبحرين والكويت وجزر القمر ) على النحو التالي ( 9 ) :
جدول مصادر المياه السطحية العربية
سنة 1995
الدولة حجم المياه السطحية / مليون م3 النسبة المئويه
العراق 000ر80 1ر27 %
مصر 000ر62 21 %
السودان 645ر60 6ر20 %
سوريا 100ر22 5ر7 %
المغرب 000ر21 1ر7 5
الجزائر 000ر13 4ر4 %
الصومال 156ر8 7ر2 %
موريتانيا 800ر5 9ر1 %
اليمن 500ر4 5ر1 %
فلسطين الطبيعية 000ر4 3ر1 %
السعودية 208ر3 3ر3 %
تونس 630ر2 3ر3 %
عمان 470ر1 3ر3 %
الاردن 900 -
جيبوتي 199 -
ليبيا 170 -
ولا بد من الاشارة الى ان الدول الاجنبية المجاورة للوطن العربي تسيطر على ما نسبته 7ر45 % من مجمل المياه السطحية القادمة لحوالي 400 مليون عربي ، وهذا الامر يشكل خطرا يهدد الامن المائي للوطن العربي ، وهو مصدر قلق متواصل في ظل الاوضاع السياسية والعسكرية والاقتصادية العربية الراهنة والمتوقعة على المستوى المنظور وحتى العقود الاولى من القرن الحادي والعشرين الحالي . وهذا يستوجب اعادة النظر في واقع الأمن القومي العربي ومن ضمنه الأمن المائي لتلافي العجز المائي المتوقع خلال الفترة القادمة ، وذلك من خلال العمل المثابر لاستعادة التكامل العربي في كافة المجالات والميادين للحفاظ على ثروة الامة العربية المائية والحيلولة دون التحكم الخارجي بها او التهديد بذلك ، لما لهذا من اثر على نفسية المواطن العربي من المحيط الاطلسي الى الخليج العربي ، لأن من يمتلك المياه باستطاعته امتلاك الحياة بكل ما في الكلمة من معنى .
نصيب الفرد العربي من المياه
بلغ متوسط نصيب الفرد العربي من موارد المياه المتجددة سنويا 1165 م3 في العام 1997 ، على اساس ان عدد سكان الوطن العربي 262 مليون نسمة ، مع العلم ان نسبة 9ر44 % من هذا العدد بلغت حصته من الماء اقل من 1000م3 سنويا ، و6ر44 % من العدد الاجمالي تراوحت حصته ما بين 1000 - 2000 م3 سنويا . وحسب التقديرات السكانية للوطن العربي فان عدد السكان سيزداد عام 2000 ليصل حوالي 300 مليون نسمة وبالتالي سيتقلص نصيبه من المياه الى 949 م3 ، وسيصل عدد السكان للوطن العربي الى 493 مليون نسمة عام 2025 وهذا سيرافقه ايضا ، بعلاقة عكسية ، انخفاض في نصيب الفرد من قطرات المياه الى 566 م3 مياه ، في حين سينتج عجز مائي اضافي قدره نحو 30 مليار م3 عام 2000 ميلادي ، ويرتفع هذا العجز ليصل نحو 210 مليارات م3 عام 2025 ( 10 ) .
وتتوزع عملية استهلاك الفرد العربي من الموارد المائية المتاحة على النحو التالي ( 11 ) :
- 83 % للزراعة .
- 12 % للصناعة .
- 5 % للحاجات السكانية الاخرى .
أسباب نقص المياه في الوطن العربي الكبير
تعاني منطقة الشرق الاوسط عامة ، والوطن العربي خاصة من أزمة مياه في الوقت الحاضر ، وستبقى تعاني اذا ما استمر الوضع على ما هو عليه الآن حسب المعطيات والتقديرات المائية في هذه المنطقة ، وذلك لعدة اسباب ، من اهمها :
اولا : قلة الامطار التي تهطل سنويا وتذبذبها من عام لآخر .
ثانيا : النمو السكاني الطبيعي واللاطبيعي . تبلغ نسبة الزيادة السنوية للسكان العرب في متوسطها 75ر2 % ، ووصل عدد سكان الوطن العربي في عام 1997 حوالى 262 مليون نسمة وووصل هذا العدد الى حوالى 294 مليون نسمة عام 2000 وحوالى 493 مليون نسمة سنة 2025 . هذا بالاضافة الى استقدام يهود جدد الى مناطق فلسطين الكبرى من خلال الهجرات المتتالية من اليهود كهجرات طارئة غير محددة العدد ، من خلال استجلاب مياه عربية لصالح هؤلاء القادمين الجدد الذين اتوا من مناطق ليس بها نقص في موارد المياه .
ثالثا : سوء استخدام المياه في عدة مجالات وخاصة في الزراعة والصناعة والاعمال المنزلية ، وعدم اتباع مبدأ ترشيد الاستهلاك اليومي او السنوي العام .
رابعا : نقص المخزون المائي الجوفي بفعل التسرب داخل الارض عبر الامطار والسيول والاودية .
خامسا : التبخر : وخاصة المياه السطحية المكشوفة من كمياه الامطار او الانهار التي تقطع مسافات طويلة .
سادسا : صب كميات كبيرة من مياه الامطار والانهار الدولية والمحلية في البحار دون الاستفادة الكاملة منها ، مثل مصب شط العرب جنوب العراق الذي يحتضن مياه نهري دجلة والفرات ، والبحر الابيض المتوسط الذي يحتضن مياه نهر النيل شمال مصر .
موارد المياه الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة
تتنوع موارد ومصادر المياه الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة حيث تشتمل على :
اولا : مياه الامطار : تسقط الامطار في فصل الشتاء بكميات متذبذبة سنويا ، وتتراوح هذه الكميات ما بين 450 - 600 ملم سنويا .
ثانيا : الينابيع او العيون المائية : وخاصة في طبقة الارض القريبة ، وتتوزع الينابيع في الضفة الغربية على حوضين اساسيين ، وهما ( 12) :
1 - الاحواض الشرقية - ويبلغ اجمالي مصادر المياه منها نحو 753ر49 الف م3 ، تعادل 3ر93 % من انتاج عيون الضفة الغربية .
2 - الاحواض الغربية - ويصل مجموع انتاج المياه منها الى 572ر3 الف م3 ، تعادل 7ر6 % من انتاج عيون الضفة الغربية .
ثالثا : المياه الجوفية : تقدر كميات المياه الجوفية بين 850 - 900 مليون م3 ، يستخدم منها بين 600 - 650 مليون م3 ، وتتوزع المياه الجوفية على ثلاثة احواض ، وهي:
أ - الاحواض الشرقية - ويبلغ حجمها ما يقارب 125 مليون م3 .
ب - الاحواض الغربية - ويقدر حجمها 335 مليون م3 ، وهي قريبة من ينابيع فلسطين المحتلة عام 1948 داخل ما يسمى بالخط الاخضر حيث تؤثر على المياه الجوفية هناك وبشكل خاص على ينابيع نهري العوجا والزرقاء .
ج - الاحواض الشمالية الشرقية - يقدر حجمها ب 140 مليون م3 ( 13 ) .
ويتم استخراج المياه الجوفية من الآبار الارتوازية ، للشرب والري ، من عدة مناطق : من الاغوار وعدد الابار 96 بئرا ، وادي الفارعة وعدد الابار 23 بئرا ، السفوح الغربية وعدد الابار 185 بئرا ، والمناطق الجنوبية الجبلية 10 آبار ، وبشكل عام تضم الضفة الغربية 245 بئرا ارتوازيا ، منها 35 بئرا لاغراض الشرب و30 بئرا اسرائيليا للمستوطنات ، وقدر انتاج هذه الآبار 110 مليون م3 مياه سنويا منها 66 مليون م3 للآبار العربية و44 مليون م3 للآبار الاسرائيلية في عامي 1989 ، 1990 ( 14 ) . وتبلغ كميات المياه المستخرجة 938ر37 مليون م3 سنويا ، ويتراوح عمق هذه الآبار الارتوازية الفلسطينية في الضفة الغربية ما بين 120 - 150 مترا ومعظم هذه الآبار حفر قبل الاحتلال الصهيوني لفلسطين المحتلة عام 1967 ( 15) .
اما بخصوص استهلاك المواطنين في الضفة الغربية من المياه فقد بلغ عام 1987 حوالى 119 مليون م3 سنويا ، استهلكت منطقة اريحا منها حوالي 64 مليون م3 ( والكمية كبيرة بسبب استخدامها في ري المزروعات من الاشجار المثمرة والخضروات . اما عدد سكان هذه المنطقة فهو قليل لا يتجاوز 30 الف نسمة ، واستهلكت محافظات جنين وطولكرم ونابلس 44 مليون م3 ، اما محافظتي رام الله والبيرة وبيت لحم فوصلت كمية الاستهلاك 5 مليون م3 ، ومحافظة الخليل 6 مليون م3 سنويا ( 16 ) .
وفي المقابل ، فان المستوطنين اليهود البالغ عددهم في الضفة الغربية عام 1998 ، حوالى 145 الف شخص ، فقد استأثروا ولا يزالون يستأثرون بنصيب الاسد من المياه الفلسطينية الاصل . يقول د. حسن بكر " حصة الفرد من المياه .. فالعرب في المناطق المحتلة عام 1948 يستهلكون نحو 8 ر1 % من حجم المياه التي تستغل ، علما أنهم يشكلون اكثر من 17 % من حجم السكان ، وفي الاراضي المحتلة عام 1967 يزداد التفاوت ويتضح وبشكل صارخ الغبن الشديد الذي يقع العرب ضحيته ، فتبعا للتقديرات التي نشرتها سارة روي فان متوسط حصة المستوطن الاسرائيلي في الضفة الغربية تبلغ 1420 م 3 سنويا . اما احصائيات ديفيد كهان فتفيد ان حصة المستوطن اليهودي تبلغ 2667 م3 سنويا ، بينما تتراوح حصة المواطن الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ما بين 234 - 267 م3 سنويا " ( 17 ) .
المياه في قطاع غزة
قدرت الموازنة المائية لقطاع غزة عام 1991 ما بين 106 - 118 مليون م3 سنويا ، توزعت على النحو التالي ( 18 ) :
- 60 - 72 مليون م3 للري .
- 26 مليون م3 سنويا للشرب والصناعة .
- 20 مليون م3 للمستوطنات ( 30 بئرا للمياه في 19 مستوطنة يسكنها اربعة الاف مستوطن ) ، وهذه الرقام المائية قبل إخلاء المستوطنات اليهودية وانسحاب قوات الاتلال الصهيوني قطاع غزة في أواسط أيلول 2005 .
وبلغ العجز المائي السنوي ما بين 36 - 48 مليون م3 سنويا ، وهذا ادى الى ازمة حادة وخطيرة في المياه . وقد برزت مشكلة شح المياه في قطاع غزة لعدة اسباب كما يقول الدكتور رياض الخضري ( 19 ) :
" زيادة عدد السكان بنسبة 4 % سنويا ، التوسع العمراني ، انشاء المستوطنات اليهودية ، بناء اسرائيل مصائد لمياه الامطار التي كانت تجري في الوديان وتصل الى قطاع غزة ، وحفر اسرائيل لآبار ارتوازية بمحاذاة الشريط الحدودي لقطاع غزة من الجهتين الشرقية والشمالية " .
وقد استمدت محافظات قطاع غزة احتياجاتها المائية قبل عام 1994 م من 1891 بئرا ارتوازيا توزعت على النحو : بيت لاهيا 184 بئرا ، بيت حانون والدمرة 253 بئرا ، النزلة 67 بئرا ، شمال شرق غزة 67 بئرا ، شمال غرب غزة 256 بئرا ، جنوب غرب غزة 184 بئرا ، جباليا 155 ، ابو مدين 45 بئرا ، النصيرات 92 بئرا ، البريج والمغازي 68 بئرا ، خانيونس والسميري 198 بئرا ، بني سهيلة 18 ، عبسان 24 ، خزاعة 5 ، دير البلح 147 ، رفح 137 بئرا .
ويلاحظ هنا ان عدد الابار كبير جدا لعدة اسباب ، منها : قرب المورد المائي من سطح الارض ، وقلة المخزون المائي في البئر الواحد كما انه لا توجد سلطة عامة مشرفة مسيطرة على شؤون المياه بشكل كلي ، فعشرات الابار حفرت بمبادرة من الاهالي نظرا للحاجة الماسة . ووصل الاستهلاك السنوي للمياه في قطاع غزة عام 1998 حوالى 120 مليون م3 ، في حين تبلغ الكميات الواردة الى خزان المياه الجوفية سنويا حوالى 80 م3 ( 20 ) ، ويعتمد المواطنون في تدبير احتياجاتهم من المياه من الموارد الجوفية ، اذ تبلغ مساحة الخزان المائي الجوفي ( 50 كم طول بعرض يتراوح بين 8 - 12 كم ) . واما المياه السطحية فهي غير موجودة ( 21) .
على أي حال ، ان الاحتياجات المائية الفلسطينية عام 1997 سنويا ، في الضفة الغربية وقطاع غزة وصلت الى 800 مليون م3 ، سيطرت قوات الاحتلال الصهيوني على 600 مليون م3 منها وحصل الفلسطينيون على 200 م3 سنويا ( 22 ) ، وهذا يدلل على ان حكومة الكيان الصهيوني ( اسرائيل ) سيطرت على ما يعادل 87 % من الموارد المائية في الضفة والقطاع ، في حين يعاني ما نسبتة 37 % من القرى والبلدات الفلسطينية من غياب شبكات المياة ( 23 ) وهذا يصل الى 153 قرية حرمتها قوات الاحتلال من انشاء شبكات المياه بواسطة حظر نقل المياه من الشركة القطرية الاسرائيلية التي تتمتع بامتياز استغلال المياه الفلسطينية . وهذا الامر يضطر هؤلاء المواطنين الفلسطينين الى الاعتماد على حفر آبار صغيرة لجمع مياه الامطار الهاطلة في فصل الشتاء او لجوء النساء الفلسطينيات الى جلب المياه من الينابيع او العيون القريبة على رؤوسهن او على الدواب او الاضطرار لشراء صهاريج المياه من المستوطنات القريبة . فالفلسطيني يضطر في كثير من الاحوال الى شراء المياه من المستوطنات مع العلم أنه يفترض ان يكون هو مالكها ، فالمعادلة مقلوبه ، صاحب الحق وبسبب الحاجة وسيطرة منطق القوة العدوانية اليهودية الصهيونية على موارد المياه يحتم على كثير من المواطنين الفلسطينيين لدفع ثمن الامتار المكعبة من صهاريج المياه وخاصة في فصل الصيف بسعر مرتفع اذ يصل ثمن صهريج المياه الكبير يتراوح ما بين 25 – 30 دينارا أردنيا وذلك حسب بعد او قرب مكان البيع من مصدر جلب المياه .
وهذا الامر حدا بالجانب الفلسطيني الى ايلاء مسالة توفير المياه للفلسطينيين اهمية لها ما يبررها ، اذ طرح الوفد الفلسطيني المشارك في مؤتمر الدول المانحة لفلسطين الذي عقد في باريس في 14 كانون الاول 1997 اقتراحا لتطوير مشاريع المياه والمجاري للاعوام 1998 و1999 و2000 ضمن الخطة الوطنية الفلسطينية الشاملة بحوالى 284 مليون دولار من اصل 5ر3 مليار دولار اقترحت للخطة الثلاثية العامة ( 24 ) ، منها مليار دولار مستحقة للعام 1997 ، و5ر2 مليار دولار للاعوام الثلاثة الاخرى .
.....................................
هوامش الفصل الثاني
موارد المياه في الوطن العربي

1 - نبيل السمان : حرب المياه من الفرات الى النيل ( دون مكان او تاريخ نشر ) ، ص 15 .
2 - نفس المرجع السابق ، ص 15 .
3 - نبيل السمان ، ص 20 ، عن برنامج الامن الغذائي العربي 1980 .
4 - جان خوري ، وعبد الله الدروبي : الموارد المائية في الوطن العربي ( دمشق : المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والاراضي القاحلة والمكتب الاقليمي للعلوم والتكنولوجيا في الدول العربية ، 1990 ) ، ص 26 - 34 .
5 - محمد الزوكه ، مصدر سبق ذكره ، ص 95 .
6 - نفس المرجع السابق ، ص 90 .
7 - نفس المرجع السابق ، ص 90 .
8 - نبيل السمان ، مرجع سبق ذكره ، ص 104 .
9 - محمد الزوكة ، جغرافية المياه ( الاسكندرية : دار المعرفة الجامعية ، 1995 ) ، ص 346 .
10 - عدنان هزاع البياني ، “ أزمة المياه في الوطن العربي “ ، المستقبل العربي ، السنة 18 ، العدد 204 ، 1996 ، ص 81 - 89 .
11 - نبيل السمان / مرجع سبق ذكره ، ص 16 .
12 - حمد الموعد : حرب المياه في الشرق الاوسط ( دمشق : دار كنعان للدراسات والنشر ، 1990 ) ، ص 110 - 112 .
13 - نفس المرجع السابق ، ص 111 - 112 .
14 - محمد عبد الهادي ، " موارد المياه في الضفة الغربية وقطاع غزة " ، مركز سبق ذكره ، ص 45 .
15 - حمد الموعد ، ص 112 .
16 - محمد عبد الهادي ، مرجع سابق ، ص 50 .
17 - حسن بكر ، " البعد الفلسطيني في حروب المياه العربية الاسرائيلية " ، صامد الاقتصادي ، العدد 88 ، نيسان - ايار 1992 ، ص 27 .
18 - يوسف ابو صفية : المياه في قطاع غزة المشكلة والحلول المطروحة ( القدس : مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين ، 1991 ) ص 63 - 68 .
19 - رياض الخضري : مشكلة المياه في قطاع غزة والحلول المقترحة ( القدس : مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين ، 1991 ) ، ص 71 .
20 - محمد عبد الهادي ، مرجع سابق ، ص 47 .
21 - حمد الموعد ، ص 117 .
22 - محمد اشتيه ، مدير عام المجلس الاقتصادي الفلسطيني للتنمية والاعمار ( بكدار ) ، مقابلة اذاعية مع صوت فلسطين ، برنامج احداث اليوم ، 10 / 12 / 1997 ، الساعة 30ر2 عصرا .
23 - ضيف الله التميمي ، " هل هناك استراتيجية مائية فلسطينية .. ؟ " ، الميلاد ، العدد 14 ، آذار 1997 ، ص 16 .
24 – د. محمد اشتيه ، المقابلة الاذاعية المذكورة سابقا .
=====================
الفصل الثالث
السياسات المائية الأجنبية في الشرق الاوسط
أولا : السياسة المائية الصهيونية في الوطن العربي
عملت المنظمة الصهيونية العالمية منذ بداية القرن العشرين ، على التنسيق والتفاهم مع الحكومة البريطانية في عام 1903 ، لنقل جزء كبير من مياه نهر النيل الى صحراء النقب لاستخدامها في استقطاب مهاجرين يهود جدد واسكانهم فيها وانشاء استثمارات زراعية ( 1 ) . وفي عام 1956 ، شرعت قوات الاحتلال الصهيوني بإستخدام مياه نهر الاردن ، اذ وضعت خطة لعشرة اعوام تتالف من مرحلتين : الاولى - لنقل المياه من هذا النهر عند جسر بنات يعقوب للمساهمة في ري اراضي مستوطنة تل ابيب المصادرة من المواطنين العرب منذ عدة عقود من الزمن . والمرحلة الثانية لسحب المياة الى صحراء النقب ، تمكنت خلالها من تحويل 700 مليون م3 من المياه سنويا ، وهذا يعادل 60 % من مياه نهر الاردن . في حين رفض الاحتلال الصهيوني ( الإسرائيلي ) المشروع العربي الذي قدم قبل سنتين من ذلك التاريخ ، أي عام 1954 ، والقاضي بتخزين مياه نهر اليرموك في الاردن من خلال بناء سد خالد بن الوليد ( المخيبة ) واستثمار نهر بانياس في سوريا وانشاء سد على نهر الحاصباني واستثماره في لبنان ، وقدم اقتراح لتقاسم نهر الاردن كالتالي :
- حصة الاردن 977 مليون م3 .
- حصة سوريا 132 مليون م3 .
- حصة الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) 285 مليون م3 .
وفي حينه تقدمت حكومة الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) بمشروع مائي معاكس لذلك في العام ذاته ، وطلبت رفع حصتها الى 55 % من مياه نهر الاردن و400 مليون م3 من مياه نهر الليطاني ، مما عطل المشروع ولم يتم تنفيذه ( 2 ) .
موارد المياه اليهودية بفسطين المحتلة
تنوعت الموارد المائية اليهودية – الصهيونية - الإسرائيلية بفلسطين المحتلة ، منذ قيام الكيان الصهيوني " اسرائيل " عام 1948 مرورا بعام 1967 وما تبعه من اضافة مصادر مائية جديدة من الضفة الغربية وهضبة الجولان السورية واحتلال الجنوب اللبناني منذ عام 1982 ولغاية العام الجاري 2011 ، وذلك تبعا لسياستها التوسعية في الاراضي العربية التي عملت على قضم الموارد الطبيعية الفلسطينية بشكل خاص باصدار الاوامر العسكرية التي عملت على الحاق سلطة الاشراف على المياه بفلسطين الكبرى بشركة ( ميكروت الاسرائيلية ) ومنعت المواطنين الفلسطينيين من حفر آبار المياه الارتوازية ، وسعيها الحثيث للسيطرة على المياه العربية ، القريبة او البعيدة عنها على حد سواء ، بشكل عام . وكما يقول الدكتور عدنان هزاع البياني ، الباحث والاكاديمي العراقي : " ان اسرائيل هي نموذج الدولة التي تقيم تكافؤا أو تلازما بين خريطتها الامنية وخريطتها المائية ، والحدود التي تؤثر اسرائيل ان تحيط نفسها بها هي على الدوام حدود مائية ، سواء اكانت هي حدود اسرائيل الصغرى ( الليطاني والحاصباني وخليج العقبة وقناة السويس ، او حدود اسرائيل الكبرى ( حدودك يا اسرائيل من الفرات الى النيل ) " ( 3 ) .
وكانت حكومة الكيان الصهيوني “ اسرائيل “ في عام 1974 ، اعادت طرح مشروع التزود اليهودي بمياه نهر النيل تحت عنوان “ ترعة السلام “ ، حيث اقتضت تلك الخطة توسيع قناة الاسماعيلية المصرية ليرتفع معدل تصريفه الى 30م3 / ثانية ، وسحب جزء من مياه النيل الى منطقة النقب ومنطقة الساحل على البحر الابيض المتوسط ( 4 ) .
واطماع الكيان الصهيوني بفلسطين الكبرى المحتلة في المياه العربية تسير وفقا للمفهوم الصهيوني الهادف الى تكامل الموارد الاقتصادية والبشرية والعسكرية ، حيث تضع حكومة الاحتلال الصهيوني في حسبانها عندما تشن حربا ضد العرب السيطرة على موارد مائية جديدة مثلما حصل في حرب حزيران عام 1967 واستيلائها على حوالى 70 الف كم2 من الاراضي العربية من فلسطين ( الضفة الغربية وقطاع غزة ) والجولان من سوريا وسيناء من مصر ( 5 ) . كما أوضح الباحث الاميركي توماس ستوفر في الندوة الدولية التي عقدت في العاصمة الاردنية ، عمان ، عام 1986 ، بعنوان “ اسرائيل والمياه العربية - غنائم حرب “ ، اذ قال : “ ان اطماع اسرائيل في المياه العربية هي جزء من مفهوم اسرائيلي متكامل لسياسة الموارد التي تشتمل على : النفط والمعادن والسباق التجاري والحصول على ايد عاملة رخيصة وموارد اقتصادية اخرى بالاضافة الى المياه ، ولا بد من النظر الى الاطماع الاسرائيلية من هذه الزاوية ان تخلي اسرائيل عن الاراضي التي احتلتها عام 1967 يعني تخليها عن غنائم حرب “ ، ( 6 ) . وهذه السياسة الصهيونية اليهودية المبرمجة والمرسومة تؤكدها الممارسة العملية على ارض الواقع ، اذ تحصل ( إسرائيل ) على نسبة كبيرة من احتياجاتها المائية من الاراضي العربية التي سيطرت عليها بالقوة العسكرية عام 1967 ، وعلى حوالى 50 % من مياهها من هضبة الجولان السورية وروافد نهر اليرموك اضافة الى حوالى 60 مليون م3 مياه من ينابيع الهضبة السورية المحتلة . زد على ذلك ما قامت وتقوم به من استنزاف المياه الفلسطينية من اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة حيث تستهلك نحو 450 مليون م3 مياه من الضفة الغربية ، وهذا يشكل ما نسبته 70 % من المياه الجوفية للضفة ، وبذلك يصل معدل استهلاك اليهودي ما ينوف عن 500 % من استهلاك الفرد الفلسطيني للمياه ( 7 ) .
وقد قدم الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة ، مشروعا مائيا جديدا عام 1991 لمؤتمر مدريد للسلام ، وتم تسليمه الى المجموعة الاقتصادية الاوروبية في العاصمة البلجيكية ، بروكسل ، مشتملا على الاحتياجات المائية الصهيونية ، وطريقة حلها ، وكانت هذه الدراسة شاملة مرفقة بالخرائط والجداول الاحصائية ، لاستجلاب المياه العربية وخاصة من نهر النيل العربي المصري الإفريقي ( 8 ).
على أي حال ، ضمت المياه موارد المياه المستعملة في الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة “ اسرائيل “ ، عدة موارد وذلك في عام 1992 ، وهي ( 9 ) :
اولا : الانهار : وتشمل نهر الاردن ، نهر العوجا ، نهر المقطع ، نهر النعامين ، نهر الكابري ، ونهر روبين .
ثانيا : المياه الجوفية : وتشمل عدة احواض اساسية :
أ - حوض بحيرة طبريه والاردن وقدر مخزونه المائي ب 575 مليون م3 .
ب - الحوض الساحلي وقدر مخزونه ب 283 مليون م3 .
ج - حوض العوجا / الزرقا وقدر مخزونه ب 330 مليون م3 .
د - احواض صغيرة وقدر مخزونها ب 522 مليون م3 .
وفي 28 ايلول عام 1995 ، وقعت الحكومة الصهيونية ( الإسرائيلية ) مع منظمة التحرير الفلسطينية ( الاتفاقية الاسرائيلية - الفلسطينية المرحلية حول الضفة الغربية وقطاع غزة في واشنطن ، حيث نصت المادة الاربعون التي خصصت للمياه والمجاري ، “ على اعتراف اسرائيل بحقوق المياه الفلسطينية في الضفة الغربية ، وسوف يتم التفاوض حولها في مفاوضات الوضع النهائي وتسوى في اتفاق الوضع الدائم الخاص بمصادر المياه المتعددة “ ، وبموجب هذا الاتفاق اعترفت اسرائيل بحاجة الفلسطينيين الى 6ر28 مليون م3 سنويا خلال الفترة الانتقالية ، ولتنفيذ ذلك تم ايراد نص يدعو الى تشكيل لجنة مياه دائمة مشتركة للفترة الانتقالية تحت اشراف لجنة الشؤون المدنية ، الامر الذي شكل تعديا سافرا على حق الكيان الفلسطينية المعروف بالسلطة الفلسطينية في السيطرة على مواردهم المائيه (10 ) .
وفي المؤتمر الاقتصادي للشرق الاوسط وشمال افريقيا الذي عقد في عمان في 1996 ، تقدمت ( إسرائيل ) بـ 23 مشروعا للمياه من 162 مشروعا قدمت للمؤتمر وهذا شكل ما نسبته 2ر14 % من عدد المشاريع المقترحة ، وتركزت جميع المشاريع الاسرائيلية المقترحة للتنفيذ في وادي الاردن والبحر الميت والغور الجنوبي ووادي عربة ، ووصلت القيمة المالية لهذه المشاريع 9 مليارات دولار من بين القيمة التقديرية الكلية لاقامة المشاريع المائية المقدمة لذلك المؤتمر البالغة 32ر25 مليار دولار او ما يعادل 6ر35 % من التكاليف الكلية التي اقترحت ( 11) . ويدلل هذا على مدى اهتمام يهود فلسطين المحتلة في إنشاء مشاريع مائية وتنفيذها على أرض الواقع لاستخدام واستغلال الموارد المائية العربية بخاصة والشرق اوسطية بعامة في اقصى حالة اقتصادية ممكنة في مشاريع جماعية عامة او جماعية محدودة ، لينال منها الاسرائيليون قسطا وافرا ، ان كان على صعيد كميات المياه او الاستثمارات على اختلاف اشكالها وانواعها .
وعلى الجانب الآخر ، لم تقتصر او تكتف السياسة المائية اليهودية بمحاولات استقدام المياه العربية من قلب الوطن العربي بل سعت ايضا الى مساعدة الدول التي تنبع منها الانهار الدولية مثل النيل والفرات والتي تمر او تصب في اطراف الوطن العربي في البحر الابيض المتوسط او الخليج العربي في قارتي آسيا وافريقيا مثل الدولة التركية والدولة الاثيوبية ، فعملت حكومة الكيان الصهيوني مساعدة اثيوبيا في اقامة 26 سدا على نهر الازرق لري 400 هكتار وتوليد 38 مليار كيلو واط من الطاقة الكهرومائية حتى عام 1998 ، وجددت ذلك وضخمت من المشاريع المائية غير العربية في قارة إفريقيا مستفيدة من مياه نهر النيل حتى العام الحالي 2011 ، وذلك بهدف ممارسة الضغوط على القطرين العربيين : مصر والسودان ، كل على حدة او مجتمعين في مصدر حيوي وهام لهما وهو قطرات المياه الضرورية للتنمية القطرية والقومية الشاملة ( 12 ) .
ومن جهة ثانية ، فان سياسة الولايات المتحدة خاصة والعالم الغربي عامة ، سعت وتسعى الى عقد وتنظيم مؤتمرات السلام الاقليمية في الشرق الاوسط لحل النزاع العربي الصهيوني عامة والفلسطيني الصهيوني خاصة عن طريق معاونة الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) في تثبيت اقدامها في المنطة العربية والمحافظة على الدور الصهيوني الاستعماري الاستيطاني المتفوق لتبقى القوة الضاربة او شرطي المنطقة ، وقد سعى الغرب وعلى مدار المئة عام الاخيرة الى جعل المنظمة الصهيونية و( إسرائيل ) فيما بعد ، ترسانة عسكرية ونووية ، وما زال الغرب يعمل بشكل متواصل الى تحقيق الامن السياسي والبشري والاقتصادي ومن بين ذلك تواصل تدفق المياه الى الشرايين البشرية والاقتصادية الصهيونية الغريبة عن المنطقة ، وتزايدت حدة ذلك بعد اضطراد الهجرة اليهودية الروسية ( 13 ) .
ثانيا : السياسة المائية التركية والوطن العربي
اولا : تجاه مياه نهر الفرات : لدى تركيا وفرة مائية سنوية تفيض عن حاجتها من مختلف الموارد المائية حيث تعتمد على عدة مصادر مائية تقليدية متجددة ، تبلغ في مجموعها نحو 196 مليار م3 سنويا ،كما يلي :
1 - التصريف السنوي للمياه النهرية التركية وتقدر ب 186 مليار م3 .
2 - المياه الجوفية المتجددة وتصل الى 10 مليارات م3 سنويا .
اما حاجة الاتراك للمياه فتصل حوالى 55 مليار م3 سنويا ، وحسب التقديرات والخطط الموضوعة حتى عام 2000 فمن المتوقع ان ترتفع الى 58 مليار م3 ، ثم إلى 100 مليار م3 خل العقود الأولى من القرن الحادي والعشرين الحالي الموافق للقرن الخامس عشر الهجري العربي . وبمعنى آخر ، هناك وفرة مائية هائلة اذ لا يصل استهلاك الاتراك من المياه في جميع الاستعمالات اكثر من 28 % من الموارد المائية المتاحة ( 14 ) .
ورغم توفر المياه في تركيا ، فانها لم تتورع في ممارسة الضغوطات المائية المتواصلة على القطرين العربيين : سوريا والعراق وذلك لتحقيق اطماع سياسية واقتصادية مختلفة . ومن أمثلة هذه الممارسات في السياسة المائية ما قامت به تركيا من الاستحواذ لوحدها بمياه نهر القويق منذ العقد الخامس من القرن العشرين المنصرم ، الذي ينبع من منطقة عينتاب التركية ويجرى عبر مدينة حلب السورية ، متنكرة لاتفاقات سالفة تم بموجبها الاتفاق على استثمار مياه ذلك النهر بشكل متساوي بين الجانبين السوري والتركي .
وكذلك عملت تركيا وما زالت تعمل على استغلال مياه نهر الفرات ( الذي ينبع من شمال ارض روم التركية ويواصل جريانه ليدخل سوريا عند بلدة جرابلس ، في حين يدخل العراق عند مدينة حصيبة ، وقبل ان يصب في شط العرب على الخليج العربي يلتقي بنهر دجله قرب كرمة علي شمالي مدينة البصرة ) أي انه نهر دولي يمر بثلاثة دول ورغم ذلك تستغله وفق مصالحها الذاتية ، مستغلة الخلافات السياسية والمذهبية بين جناحي حزب البعث في سوريا والعراق ، ثم هيمنة الاحتلا الأمريكي على أرض الرافدين منذ عام 2003 حتى الآن ( 2011 ) . فأنشأت العديد من السدود والخزانات الكبيرة والمتوسطة على روافد هذا النهر ، وتقتضي الاتفاقات والاعراف الدولية بضرورة تقاسم مياه الانهار الدولية وفقا للمصالح المشتركة بين الدول التي تشترك في منابع ومصاب نهر معين . وقد عملت الحكومات التركية المتعاقبة على تنفيذ مشروع مياه ( جنوب شرقي الاناضول ) الذي إنتهى انشائه عام 2000 ، الذي هدف الى انشاء 21 سدا و17 محطة كهرومائية ، بتكاليف اجمالية تقدر ب 21 مليار دولار ( 15 ) .
وفي حالة الاستمرار التركي في تنفيذ هذا المشروع المائي الكبير ، فان ذلك سيلحق اضرارا متواصلة بكميات ضخ المياه من نهر الفرات الى كل من الاراضي السورية والعراقية . وكانت تركيا عملت على تقليص كميات تدفق المياه من الفرات من 500م3 / ثانية الى 120 م3 / ثانية لمدة ثلاثين يوما في 13 كانون ثاني 1990 ، وتقليص حجم المياه المتدفقة من هذا النهر ايضا نحو 170 م3 / ثانية للفترة الزمنية الممتدة بين 28 كانون الثاني وحتى 3 شباط عام 1991 ، وذلك دون اخذ رأي العراق او سوريا .
وكل هذه التصرفات التركية تأتي رغم انه كان تم توقيع اتفاقين بخصوص تقاسم مياه نهر الفرات ، الاتفاق الاول بين تركيا والعراق عام 1980 ووافقت عليه سوريا بعد عامين ( 1982 ) وتقرر بموجبه اتفاق الدول الثلاث على تقاسم مياه النهر والحصول على كميات مائية عادلة كونه نهر مشترك . وبالاضافة الى ذلك ، اتفقت تركيا وسوريا عام 1987 على تحديد التصريف السنوي للفرات لدى اجتيازه الاراضي السورية 500 م3 / ثانية ، واثر ذلك ، تعهدت سوريا بتقاسم ثنائي لهذه الكمية من المياه مع العراق بنسبة 42 % تحصل عليها سوريا و58 % تحصل عليها العراق ، الا ان السلطات التركية لا تلتزم بتعهداتها واتفاقاتها المذكورة آنفا ، وتخرق مبدأ تقاسم مياه نهر الفرات كاحد الانهار الدولية الذي يهم ويؤثر على الحياة العامة في الدول الثلاث . ونتيجة للمشاريع المائية الحيوية التركية المتتالية ، فقد انخفض معدل التدفق السنوي لنهر الفرات منذ عام 1970 من 5ر31 مليار م3 الى 8ر15 مليار م3 عام 1987 ، وتقلصت هذه الكمية الى 11 مليار م3 بحلول عام 2000 او ما يعادل 350 م3 / ثانية . وهذا بدوره يساوي خسارة عربية لمياه الفرات بنسبة 65 % خلال ثلاثين عام ابتداء من 1970 الى 2000 ( 16 ) .
وقد حذر العراق زمن عهد الحكم البعثي ، بقيادة صدام حسين التكريتي ، تركيا من مغبة الاستمرار في بناء السدود على نهرى دجلة والفرات ، لأن عملية انشاء السدود يضر بالعراق وسوريا على حد سواء ، حيث ناقش المجلس الوطني العراقي ( البرلمان ) الآثار السلبية المترتبة على انشاء المشروع التركي المائي الضخم والذي اسفر عن تقليص منسوب نهر دجلة من 17 بليون م3 الى 5ر13 بليون م3 ، وتقليص منسوب نهر الفرات من 32 بليون م3 الى 5ر13 بليون م3 ايضا ، الامر الذي اضر بستة ملايين عراقي وعرضهم لنقص كميات المياه المتدفقة لهم وقلص مساحات واسعة من الاراضي العراقية المزروعة . وقد جاءت هذه التحذيرات العراقية في اعقاب انشاء تركيا لسد رابع على نهر الفرات لتوليد الطاقة الكهرومائية وري مساحات كبيرة من الاراضي في جنوب شرق تركيا ، وتزايد العمليات العسكرية التركية ضد الثوار الاكراد المتمردين على الحكومة داخل الاراضي العراقية ( 17 ) .
ثانيا : مشروع أنابيب السلام :
بناء على طلب من الحكومة التركية أجرت احدى الشركات الامريكية عام 1986 دراسة الجدوى الاقتصادية لانشاء مشروع مائي اقليمي بسحب المياه من نهري سيحان وجيحان ( الى الجنوب الغربي التركي ) بوساطة انبوبين ، غربي وشرقي ، الى عدة دول عربية هي : سوريا ، الاردن ودول الخليج العربي ذات الامكانات المائية الشحيحة ، قدرت تكلفة مدهما بحوالى 21 مليار دولار (18 ) .
وبلغت طاقة ضخ الانبوب الاول وهو الغربي نحو 5ر3 مليون م3 يوميا ، وكلفته الاجمالية 5ر8 مليار دولار ، بواقع 84ر0 دولارا / م3 مياه . وتوزع كمية المياه المتدفقة المقترحة على عدة دول مستفيدة ، كما يلي ( 19 ) :
اسم الدولة المستفيدة كمية المياه / مليون م3 يوميا
سوريا 1ر1
الاردن 6ر0
الاجزاء السعودية الغربية 5ر1
مناطق اخرى 3ر0
------------------------------------
المجموع 5ر3
الانبوب الثاني - الشرقي : فقدرت طاقة الضخ اليومية ب 5ر2 مليون م3 ، بكلفة اجمالية قدرها 5ر12 مليار دولار ، بواقع 07ر1 دولارا / م3 0 واقترح ان توزع هذه الطاقة المائية كما يلي :
اسم الدولة المستفيدة كمية المياه / الف م3 يوميا
الكويت 600
الاجزاء السعودية الشرقية 800
البحرين 200
قطر 100
الامارات العربية 600
عمان 200
--------------------------
المجموع 500ر2
وقدرت الشركة الاميركية التي وضعت خطة انابيب السلام عمر المشروع بحوالي 50 سنة .وتهدف تركيا من طرح هذا المشروع المائي الكبير الى تحقيق عدة اهداف ( 20 ) ، من ابرزها :
1 - اهداف سياسية حيال المنطقة العربية ، اذ ان من يمتلك مصادر المياه يمسك بمصادر ضغط سياسية متواصلة على الدول المستفيدة .
2 - اهداف اقتصادية : وتتمثل في ان تركيا تجني بعد تنفيذ هذا المشروع الاول من نوعه في الشرق الاوسط حوالى ملياري دولار سنويا ( بحساب سنة اعداد الجدوى الاقتصادية عام 1986 ) .
3 - اختراق الحواجز الطبيعية والسياسية العربية وتوفير كميات معينة من المياه الى الكيان الصهيوني بفلسطين المحتلة ، حيث صرح الرئيس التركي الاسبق سليمان ديميريل أثناء زيارته الرسمية لتل أبيب في آذار 1996 بأن بلاده ستبيع ( اسرائيل ) 150 مليون م3 من المياه في غضون عامين من تنفيذ المشروع المقترح ( 21 ) .
وبهذا نجد ان السياسة الصهيونية والتركية متفقة علنا وضمنا ، عندما كانت الحكومات العلمانية تسيطر على تركيا ( قبل مجيئ حزب العدالة والتنمية للحكم ) على محاصرة العرب ليس من النواحي المائية فحسب بل ايضا في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية لتحقيق مآربهما التوسعية في الوطن العربي ، ويظهر ذلك بشكل جلي في الاتفاق الصهيوني التركي في آذار 1996 للتعاون فيما بينهما .
وقد إنقلب هذا الاتفاق الثنائي التركي الصهيوني وتبدل حاله بعد العدوان الصهيوني على سفن أسطول الحرية في أيار 2010 ، ومقتل عدة مواطنين أتراك جاؤوا للتضامن مع أهل قطاع غزة الفلسطينيين المحاصرين من الاحتلال الصهيوني برا وبحرا وجوا منذ عدة سنوات ، وبصورة مركزة خاصة بعد عام 2006 حتى الآن ( 2011 ) . فتوترت العلاقات التركية الصهيونية في ظل حكم حزب العدالة والتنمية التركي ذو التوجهات الإسلامية بزعامة رجب طيب أردوغان ، والرئيس التركي عبد الله غول الذين اختلفا مع رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيرس ورئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو .
..................................
هوامش الفصل الثالث
السياسات المائية الاجنبية في الشرق الاوسط

1 - جورج المصري ، “ حرب المياه في الصراع العربي الصهيوني “ ، الوحدة ، السنة السابعة ، العدد 76 ، 1991 ، ص 64 - 66 .
2 - عدنان البياني ، “ دول الجوار العربي والاطماع الجيوبوليتيكية في المياه العربية “ ، شؤون عربية ، العدد 90 ، حزيران 1997 ، ص 90 .
3 - نفس المرجع السابق ، ص 91 .
4 - نفس المرجع السابق ، ص 95 .
5 - عبد الاله بلقزيز ، “ الاقتصادي ، السياسي ، العسكري في الأمن المائي العربي “ ، الوحدة السنة السابعة ، العدد 76 ، 1991 ، ص 10 .
6 - حمد الموعد : حرب المياه في الشرق الاوسط ( دمشق : دار كنعان للدراسات والنشر ، 1990 ) ، ص 118 ، عن جريدة عل همشمار الاسرائيلية ، 14 / 11 / 1986 .
7 - عدنان البياني ، مرجع سبق ذكره ، ص 91 .
8 - نبيل السمان ، مرجع سبق ذكره ، ص 21 .
9 - حسن بكر ، “ البعد الفلسطيني في حروب المياه “ ، صامد الاقتصادي ، العدد 88 ، 1992 ، ص 20 - 21 .
10 - الاتفاقية الاسرائيلية - الفلسطينية المرحلية حول الضفة الغربية وقطاع غزة ، المادة الاربعون ، المياه والمجاري ، ترجمة : مركز القدس للاعلام والاتصال ( واشنطن : 28 أيلول 1995 ) ، ص 213 - 218 .
11 - عبد الفتاح الجبالي ، “ قمة عمان بين أوهام السلام وطموح التسوية “ ، المستقبل العربي ، السنة 18 ، العدد 204 ، 1996 ، ص 16 .
12 - جورج المصري ، “ حرب المياه في الصراع العربي الاسرائيلي “ ، الوحدة ، السنة السابعة ، العدد 76 ، 1991 ، ص 64 - 66 .
13 - نبيل السمان ، مرجع سبق ذكره ، ص 7 .
14 - عدنان البياني ، مرجع سابق ، ص 92 .
15 - عدنان البياني ، مرجع سابق ، ص 93 .
16 - نفس المرجع السابق ، ص 92 - 93 .
17 - وكالة الصحافة الفرنسية ، “ العراق يحذر تركيا من اقامة سدود على نهري دجلة والفرات “ ، جريدة القدس ، العدد 10142 ، 18 / 11 / 1997 ، ص 8 .
18 - جلال عبد الله معوض ، “ تركيا والأمن القومي العربي : السياسة المائية والاقليات “ ، المستقبل العربي ، السنة 15 ، العدد 160 ، ص 92 - 112 .
19 - عدنان البياني ، ص 94 .
20 - نفس المرجع السابق ، ص 94 .
21 - نفس المرجع السابق ، ص 94 .
ملاحظة : يتبع .. بيوم المياه العالمي .. المياة في الوطن العربي بين الحقوق السياسية والتجارية ( 3 – 3 ) .