الخميس، 20 يناير 2011

لا للإنتحار .. فلا تنتحروا .. وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ .. وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ

لا للإنتحار .. فلا تنتحروا .. وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ..

وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ

وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

د. كمال إبراهيم علاونه

أستاذ العلوم السياسية والإعلام

الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )

نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30) إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (31) وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (32)}( القرآن المجيد - النساء ) .

وورد في صحيح مسلم - (ج 1 / ص 282) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا " .

استهلال

يعيش الإنسان في هذه الحياة الدنيا الزائلة سنوات عمره بين الكد والتعب والراحة باحثا عن قوته وقوت عياله ، وساعيا لتوفير المتطلبات الأساسية لحياته الدنيوية ورصد الأعمال الطيبة لمكافأة الحياة الآخرة من رب العالمين . والأصل في خلق الله الخلاق العليم للإنسان هو عبادة الله في الأرض ، والنجاح في الامتحان الإلهي الطويل على مدى عمر المرء لدخول جنات النعيم خالدا فيها أبدا . فهناك من ينجح بتفوق في هذا الإمتحان الإلهي العظيم بسهولة لتقيده بالشريعة الإسلامية الغراء ، وهناك من ينجح بشق الأنفس ، وهناك من يرسب رسوبا بينا واضحا فيهلك نفسه في الحياتين الدنيا والآخرة .

ويفترض في الإنسان الصالح المحسن ليكون من المتقين الأبرار أن يسعى لتغيير الواقع الفاسد لواقع أفضل له ولغيره من الناس ولا يقف مهملا لا مباليا لما يجري حوله من مصاعب ومعضلات ومشكلات كبرى أو متوسطة أو صغيرة الحجم . وتعتبر حياة الإنسان آمنة مستقرة في حالة توفر أو توفير مستلزمات الحياة الحيوية من المأكل والمشرب والملبس والمأوى والأمن من الخوف والجهل وعدوان الآخرين عليه .

التغيير بطرق ثلاث .. اليد واللسان والقلب

يقول الله السميع العليم تبارك وتعالى : { وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108)}( القرآن المجيد – آل عمران ) .

وجاء في صحيح مسلم - (ج 1 / ص 167) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ " .

تنقسم عملية التغيير إلى ثلاثة أشكال رئيسية متباينة هي :

1. التغيير الإيجابي . وهو التغيير المطلوب الذي حض عليه الإسلام العظيم ، ولسالكه الثواب الجزيل العظيم من رب العالمين بيوم الحساب العظيم .

2. التغيير السلبي . وهو الذي نهى عنه الإسلام العظيم ، فهذا التردي أو التراجع هو إيذاء للنفس البشرية التي كرمها الله عز وجل وإيذاء الآخرين والغلظة عليهم .

3. التغيير المختلط . وهو الخلط بين الأعمال الصالحة والأفعال القبيحة ، وهو مكروه يجب تطهيره وتنقيحه وتنقيته من الشوائب ليكون في المصاف الأول وهو التغيير الإيجابي . فينبغي استبدال التغيير السلبي بالتغيير الإيجابي الصالح لإسعاد الفرد والجماعة والشعب والأمة .

ونعني هنا في هذه العجالة بعملية التغيير هي عملية التغيير الإيجابية المفترضة نحو الحياة الفضلى هي من واجبات الإنسان في المجتمع الصالح السوي . على أي حال ، يبادر الإنسان بثلاث طرق للتغيير والتبديل لإحقاق الحق وإزهاق الباطل ، وهي :

أولا : التغيير بالأيدي : وهي أعلى وأصعب درجات التغيير الواجب إتباعها للحض على العمل الطيب الصالح وتقديم المعونات المالية والعينية ، والجهاد في سبيل الله بالمال والأنفس . وهي أرقى أنواع التغيير ولا يمكن للجميع استخدام هذه الطريقة لئلا يعم الضلال والظلم والظلام في الأرض .

ثانيا : التغيير باللسان : تتمثل في الكلمة الطيبة التقية ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإبتعاد عن الموبقات والكبائر والصغائر . وهذه الطريقة هي أوسط أنواع التغيير ، وهي محببة وغير مكلفة كثيرا ، ويمكن للجميع إتباعها ، ويكون التغيير باللسان بالوسائل السمعية والبصرية والكتابية ، والنصح والمناصحة .

ثالثا : التغيير بالقلب : تتمثل بمحاولة تغيير الفساد بالتمني القلبي ، وهي أعجز أنواع التغيير والإصلاح البشري ولكنها واجبة لمن ليس لديه المقدرة على التغيير بالأيدي أو باللسان . ويكون صاحب هذا السياسة قد عجز عن إحداث تغييرات وتبديلات في الفساد والإفساد والفتن وما إليها .

المحاسبة الربانية للإنسان .. وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى

يقول الله العلي العظيم جل جلاله : { وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39) وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (41) وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى (42) وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى (43) وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا (44)}( القرآن المجيد – النجم ) .

وجاء في سنن الترمذي - (ج 8 / ص 442) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تَزُولُ قَدَمُ ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ " .

يخلق الله الإنسان ويحدد له أجله ورزقه قبل أن يولد ، ولكن على الإنسان أن يمشى في مناكب الأرض للبحث عن رزقه ورزق من يعيلهم دونما إبطاء أو تأخير ، ولهذا حض الله عباده على إتباع طريقتي الحياة وهما : الجهاد الأكبر والجهاد الأصغر . ليعيش الإنسان متوكلا على الله لا متواكلا على غيره بأي صورة من الصور أو بأي حالة من الحالات .

السعي نحو التغيير الطيب .. إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ

يقول الله عالم الغيب والشهادة جل جلاله : { سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ (10) لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ (11)}( القرآن المجيد – الرعد ) .

وورد في صحيح مسلم - (ج 1 / ص 373) عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُا سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ قَالَ فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ تَعَالَ صَلِّ لَنَا فَيَقُولُ لَا إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ " .

أيها الشباب في العالم .. لا تنتحروا .. وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ

يقول الله الرحمن الرحيم جل جلاله : { الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195)}( القرآن المجيد – البقرة ) .

لوحظ في الآونة الأخيرة ، انتشار ظاهرة الانتحار في العالم ، بشكل مرعب ومثير ، تقشعر له الأبدان ، فمنهم من حرق نفسه لأن شرطية قهرته وصفعته بيديها أو بسلاح أو بغير ذلك ، كما فعل الخريج الجامعي التونسي محمد البوعزيزي حيث حرق نفسه بالنار وسكب البنزين على نفسه ، في سيدي بوزيد تونس ، فانطلقت بعدها شرارة الانتفاضة الشعبية التي أزالت النظام القمعي البائس في تونس الخضراء فتحولت لتونس السوداء . وهناك الكثير من الأشخاص الذين انتحروا خلال شهر كانون الثاني 2011 / 1432 هـ ، في مصر ( 6 منتحرين خلال أسبوع ) والجزائر ( 8 منتحرين ) وغيرها ( حتى كتابة هذه السطور ( 20 / 1 / 2011 ) بدعاوى البطالة أو المرض النفسي أو عدم المقدرة عن تحقيق الأمن أو الإشباع الغذائي اليومي للفرد أو الأسرة ،أو تحرش أحد المسؤولين بالضحية المنتحرة .

والانتحار ظاهرة مقلقة وسلبية يجب أن تتوقف حالا بلا جدال ، ويجب استبدالها بالتغيير الإيجابي بالطرق الإسلامية الصحيحة ، لا أن يحرق الإنسان نفسه ليعذب نفسه وأهله ، في الحياة الدنيا ويبقى محل سخرية واستهزاء الآخرين ، ويخلد في نار جهم يوم القيامة . فبئس قرار الانتحار بإحراق النفس أو بالشنق غير ذلك من الطرق السخيفة البائسة . فلا تولعوا النار بأنفسكم ، يا أيها الجبناء ، فتدخلوا نار جهنم خالدين فيها ، بل واجهوا الظالمين وجها لوجه ، واسعوا لتغيير الفساد والإفساد ، وليعم العدل وينزوي الظلم والظلام والطغيان بكل السبل والطرق المتاحة .

ومما آلمني وأنا أقرا أنباء الانتحار لبعض الشباب العربي في تونس والجزائر ومصر وسواها ، مؤخرا هربا من المسؤولية أو طلبا للمال أو الرزق أو التوظيف الحكومي ، أو لإنهاء الحياة بعد المرض أو سوى ذلك . وإن التوظيف أو العلاج أو توفير مستلزمات الحياة من واجبات الحكومة في البلد أو الدولة ، كحق من حقوق الإنسان ذكرا أو أنثى ، صغيرا أو كبيرا ، على الدولة والجماعات والأحزاب على اختلاف اتجاهاتها وتوجهاتها وإن غابت هذه الأمور فلا داعي للانتحار وتعذيب النفس ، فالانتحار نوع من أنواع العجز والفشل والهروب من الواقع ، ومرض إجتماعي ونفسي يجب التخلص منه بجميع الوسائل والسبل . فالفقر رديف الغنى ، والفشل طريق النجاح ، والأمل مفتاح الحياة ولا داعي لليأس والقنوط مهما كلف الأمر . فإذا فشلت يا أيها الإنسان بتجارة فاطلب مساعدة الآخرين ، وإذا رسبت بامتحان ثانوي أو جامعي فلا داعي للتقهقر والتراجع النفسي ، فجرب مرة أخرى فستنجح وخذ بالأسباب ولا تتقاعس عن العمل فلكل مجتهد نصيب .

من يتحمل مسؤولية الإنتحار ؟

يقول الله تبارك وتعالى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186) }( القرآن الحكيم ، آل عمران ) .

فيا أيها المنتحرون .. لماذا لا تصبرون على البلاء بالأموال والأنفس ؟ فالصبر مفتاح الفرج ، ولماذا تظلمون أنفسكم وتعذبونها ؟ ولماذا تستعجلون الموت وإنهاء حياتكم بشكل مأساوي بهذه الطريقة الكئيبة البائسة ؟ وتمثلون بأنفسكم ، وتقتلون أنفسكم شر قتلة ؟ بعد أن أكرمكم الله بالخلق وأحسن صوركم ومنحكم الجسم والعقل للتدبر والتفكير ، وفضلكم على بقية الكائنات الحية العجماء وجعلكم من بني الإنسان الكرماء . فأبيتم إلا أن تكونوا ضالين غير هادين أو مهتدين أو مغضوب عليكم من رب العالمين .

على العموم ، هناك عدة فئات تتحمل مسؤولية إقدام أحد الأفراد على الانتحار ، ونقول الانتحار وليس ظاهرة الاستشهاد ضد المعتدين الأجانب . ومن أهم الفئات المسؤولة مسؤولية مباشرة أو غير مباشرة عن إنتشار ظاهرة الانتحار السيئة الصيت ، على سبيل المثال لا الحصر ما يلي :

أولا : المنتحر نفسه : كونه وضع حدا تافها هزليا ساخرا لحياته الطبيعية التي منحها الله الحي القيوم له دون مسؤولية دينية أو إنسانية . وليعمل كل من يفكر بالانتحار بأن انتحاره لن يغير من الواقع المرير شيئا ، وأن البديل الحقيقي للانتحار هو مجابهة الظلم والظالم وعدم الاستسلام لظلمهم القاتل . فالثورة على الظلم هي حالة بطولية يدعو لها الإسلام العظيم والإنسانية الصحيحة .

ثانيا : حكام البلاد : وهم قادة الدول الذين يتقاعسون عن توفير الرعاية الاجتماعية والصحية للمنتحرين .

ثالثا : أهل المنتحر : فالأهل هم نواة المجتمع الإنساني ، وتقع عليهم مسؤولية التربية والتعليم والاهتمام الشامل بأفراد الأسرة .

رابعا : الدعاة المسلمين : فيجب أن يتم التطرق الإسلامي الذي يحظر الانتحار ، لبتر والحد من ظاهرة الانتحار المخيفة بلا سبب حقيقي . وخاصة في المساجد وخطب الجمعة والدروس والمحاضرات الإسلامية .

خامسا : المدارس والجامعات : فيجب أن تضطلع المدارس والجامعات بدورها في محاربة ظاهرة الانتحار .

سادسا : وسائل الإعلام : فينبغي على وسائل الإعلام معالجة ظاهرة الانتحار بموضوعية وتبيان دواعيها غير السوية وسبل التخلص منها .

سابعا : الأغنياء والأثرياء الذين يبخلون بأموالهم على أهل الاستحقاق من ذوي القربى والفقراء والمحتاجين .

ثامنا : الجمعيات الخيرية الإنسانية الحزبية أو الفئوية أو القبلية ، التي لا تتقي الله وتهمل الناس المحتاجين ماليا أو بحاجة لعلاج صحي مناسب .

النحر وفتنة الانتحار .. وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

يقول الله القوي العزيز جل جلاله : { إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآَنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) }( القرآن العظيم - التوبة ) . ويقول الله العزيز العليم جل في علاه : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (77) وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) }( القرآن المجيد - الحج ) .

وجاء بمسند أحمد - (ج 33 / ص 130) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بِمِلَّةٍ سِوَى الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا قَالَ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لَا يَمْلِكُ " . وفي رواية أخرى ، وردت ب مسند أحمد - (ج 33 / ص 134)

عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ رَفَعَ الْحَدِيثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ عُذِّبَ بِهِ وَمَنْ شَهِدَ عَلَى مُسْلِمٍ أَوْ قَالَ مُؤْمِنٍ بِكُفْرٍ فَهُوَ كَقَتْلِهِ وَمَنْ لَعَنَهُ فَهُوَ كَقَتْلِهِ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مِلَّةٍ غَيْرِ الْإِسْلَامِ كَاذِبًا فَهُوَ كَمَا حَلَفَ " .

الإنسان المسلم ، في أي بقعة من بقاع العالم ، لا ينتحر ، وإذا تعرض للعدوان فإنه يلجأ للنحر والجهاد المقدس في سبيل الله ، ولا يخاف في الله لومة لائم . وكل من ينتحر سيعذب في نار جهنم والعياذ بالله من شرها وطولها وعرضها وزفيرها .

يا أيها المسلمون والمسلمات في كل بقاع الأرض ..

يا أيها الشباب في العالم ..

اسعوا للتغيير بالحكمة والموعظة الحسنة والكلام الطيب ثم الجهاد المقدس بالسيف إن لزم الأمر ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ولا تنتحروا طوعا أو كرها فلا تقتلوا أنفسكم فتصبحين من الظالمين والمعتدين على النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق وكونوا شاكرين ولا تكونوا كافرين فالانتحار نوع من أنواع الكفر والفجور . فحاولوا تغيير الواقع الفاسد إلى الإصلاح والصلاح والفلاح عبر الجماعات المستقيمة لا الانتحار بحرق النفس أو إبتلاع السموم والمخدرات أو خنق أو شنق النفس أو إهلاكها بالإضراب المفتوح عن الطعام أو إلقاء النفس من عل كما يحدث في صخرة الروشة في بيروت أو إلقاء النفس في بئر عميقة مليئة بالمياه أو إفتعال حادث طرق أو القفز من القطار أو المركبة المسرعة أو غير ذلك .

وعقوبة الانتحار الإسلامية بينة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار في فصل الصيف تتمثل في الخلود بجهنم . كما جاء ورد في صحيح مسلم - (ج 1 / ص 282) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ شَرِبَ سَمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا " .

النداءات الإسلامية الثلاثة

أولا : نداء للظالمين الذين يتسببون في انتحار بعض الناس .. وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ

تذكروا ظلمكم وأعيدوا ما سرقتموه ونهبتموه لشعوبكم . فويل للظالمين من عذاب يوم القيامة فالله لكم بالمرصاد وهو خير الحاسبين .

يقول الله الواحد القهار جل جلاله : { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ (112) وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ (113) فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) }( القرآن الحكيم – النحل ) .

ويقول الله الكريم الجليل جل جلاله : { فَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (49) قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (50) فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ (51) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52) قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56)}( القرآن المجيد – الزمر ) .

ويقول الله العدل الحكم ، أحكم الحاكمين وأعدل العادلين ، عز وجل : { فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آَمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (36) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (37) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43) وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلَى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (44) }( القرآن المجيد – الشورى ) .

وجاء في صحيح مسلم - (ج 12 / ص 459) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " .

ثانيا : نداء للمحسنين .. وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

أيها المحسنون في الإنسانية .. أيها المحسنون المسلمون .. في كل زمان ومكان ، تذكروا جنات النعيم المقيم عند ربكم ، وتابعوا إحسانكم ولا تنسوا ثواب الله العظيم لكم بالحياة الدنيا والآخرة ، فالدنيا دار ممر لدار المقر النهائي وهي الحياة الآخرة .

يقول الله السميع العليم جل ثناؤه : { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (270) إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (271) لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ (272) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (274)}( القرآن المجيد – البقرة ) .

يقول الله الحميد المجيد تبارك وتعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)}( القرآن المجيد – آل عمران ) .

وجاء في صحيح مسلم - (ج 13 / ص 212) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ وَمَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ وَمَنْ بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَمْ يُسْرِعْ بِهِ نَسَبُهُ " .

ثالثا : نداء إلى المبتلين بنقص في الأموال والأنفس .. إصبروا .. إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ

جددوا إيمانكم ، وعودوا إلى دينكم الإسلامي العظيم ، دين الله في الأرض ، وتمسكوا بالقرآن المجيد ، ولا تقطنوا من رحمة الله الواسعة ، التي وسعت كل شيء ، وأتقوا الله حق تقاته ، فالانتحار حرام وجريمة وكفر ، حرمه الله الرحمن الرحيم من فوق سبع سماوات طباقا . والتغيير والإصلاح للفاسدين لا يكون بالانتحار ، فلن يهتم الظالم لشنق أو إحتراق عشرات البشر ، لأن نفس الظالم وعقله بعيدين عن الروح الإنسانية المستقيمة . ولا تجعلوا الأرض تضيق عليكم بما رحبت جراء ظلم الظالمين أو سفلة السافلة أو ملاحقة الانتهازيين أو سجن السجانين أو فتنة الكافرين . فالانتحار غباء وجنون وتيه ديني ونفسي ، وجهل وخسران مبين ، ولا يصلح أن يكون موضة من موضات العصر الباهتة ، وإن تعسرت الحياة فترة من الزمن فسوف تفرج لاحقا والله المستعان .

يقول الله الغني الحميد جل شأنه ، عن الابتلاء الإلهي لكافة بني آدم ، ذكورا ونساء ، شبابا وشيبا : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) } ( القرآن المبين – البقرة ) .

ننصحكم بقراءة سير حياة الأنبياء والمرسلين والبلاء والابتلاء الرباني لهم مع قومهم ، فمنهم من ابتلي بنفسه بالمرض أو بالسجن أو بالتكذيب أو بالقذف أو بعدم إطاعة إمراته له ، أو بالطرد والتهجير من الوطن ، ومنهم من ابتلي في رزقه بزيادته أو نقصه وهكذا ، فلم ييأسوا أو ينتحروا ، ونصرهم الله بعد حين من الدهر ، ولا تنسوا الإكثار من الاستغفار . يقول الله النافع الحكيم جل جلاله على لسان نبي الله نوح عليه السلام : { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20)}( القرآن المجيد – نوح ) .

وتذكروا قول الله الرزاق ذو القوة المتين عز وجل في محكم التنزيل : { وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ (58) فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ (59) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ يَوْمِهِمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (60)}( القرآن الحكيم – الذاريات ) .

ويقول الله ذو الجلال والإكرام عز وجل : { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)}( القرآن المجيد – الطلاق ) .

وقولوا كما جاء في صحيح البخاري - (ج 19 / ص 461) كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ وَالْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ وَضَلَعِ الدَّيْنِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ " .

المعونات الشعبية والحكومية

يقول الله الغني الحميد جل جلاله : { إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (23) وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25) وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (26)}( القرآن المجيد – المعارج ) .

ينبغي أن يعيش المجتمع المسلم مجتمعا مترابطا متماسكا ، وفق أنظمة التكافل الاجتماعي والتكامل الاقتصادي والتعاون الشامل بين جميع الأفراد . ليعيش الناس سعداء بعيدين عن العوز والفقر واليأس والقنوط من شظف العيش . فيا أيها الأغنياء جودوا بزكاة أموالكم وتصدقوا بجزء من أموالكم لتوفير احتياجات الأسر المعدمة ، فلا تناموا شبعانين وغيركم جوعان يتلوى ، وجاهدوا في سبيل الله بأموالكم قبل أنفسكم ، لتوفير الحياة الكريمة لجميع أبناء المجتمع المسلم ، مسلمين وأهل ذمة ، ولا تتعالوا بأموالكم بين الناس ، ولا تقهروا بها فئات الفقراء من ذوي العوز والفاقة . ولتقوم وزارات الشؤون الاجتماعية بالرعاية الاجتماعية المالية والعينية ووزارات الصحة بالرعاية الطبية اللازمة ، ووزارات العمل بتوفير العمل اللائق كل حسب تخصصه وحاجته . وليقوم كل واحد في المجتمع بدوره في الإنفاق على اليتامى والأرامل والفقراء والمحتاجين والبؤساء . فالمال مال الله في أرض الله لعباد الله جعله الله تحت أيدي بعض الناس ليختبرهم في حياتهم الفانية للمرور نحو الحياة الباقية .

التغيير الرباني الماحق .. وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا

يعيش الإنسان حياته متنقلا بين التسيير والتخيير من رب العالمين . فهناك أمور لا يستغني عنها الإنسان ، ويبقى فيها مسيرا مكرها لا مخيرا ، وهناك أمور يمكن أن يعيش ويتعايش فيها الإنسان مخيرا لا مسيرا ، فيختار الخير إن كان ذو توجهات خيرة وينتقي الشر إن كان من ذوي النوايا الماكرة الخادعة الشريرة .

يقول الله الحميد المجيد جل في علاه : { وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا (16) وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا (17) مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا (18) وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا (19) كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا (20) انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا (21) لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا (22) }( القرآن المجيد – الإسراء ) .

لا صلاة جنازة في الإسلام على من يقتل نفسه

جاء في سنن أبي داود - (ج 8 / ص 468) حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ قَالَ : مَرِضَ رَجُلٌ فَصِيحَ عَلَيْهِ فَجَاءَ جَارُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ إِنَّهُ قَدْ مَاتَ قَالَ وَمَا يُدْرِيكَ قَالَ أَنَا رَأَيْتُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ قَالَ فَرَجَعَ فَصِيحَ عَلَيْهِ فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّهُ قَدْ مَاتَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ فَرَجَعَ فَصِيحَ عَلَيْهِ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ انْطَلِقْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبِرْهُ فَقَالَ الرَّجُلُ اللَّهُمَّ الْعَنْهُ قَالَ ثُمَّ انْطَلَقَ الرَّجُلُ فَرَآهُ قَدْ نَحَرَ نَفْسَهُ بِمِشْقَصٍ مَعَهُ فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ فَقَالَ وَمَا يُدْرِيكَ قَالَ رَأَيْتُهُ يَنْحَرُ نَفْسَهُ بِمَشَاقِصَ مَعَهُ قَالَ : " أَنْتَ رَأَيْتَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ إِذًا لَا أُصَلِّيَ عَلَيْهِ " .

الحياة الطيبة

يقول الله الغفور الرحيم سبحانه وتعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}( القرآن المجيد – آل عمران ) .

إن مبادئ الرحمة والصفح والغفران واللين وتجنب فظاظة القلوب ، والاستغفار والمشاورة والنصح والإرشاد ، والابتعاد عن الاستغلال والقهر والظلم والاستبعاد والاستعباد ، هي من الأمور المستحبة في الإسلام في تعامل الجميع لتكوين المجتمع النبيل ذو القيم العليا الفاضلة .

ويعيش الإنسان الصالح حياة آمنة مستقرة نفسيا ، لا تشوبها أي شائبة تذمر أو تأوه ، وإنما يعتبر الإنسان البلايا والهموم تكفيرا للذنوب والخطايا التي إجترحها الإنسان في حياته . وأما من يبتعد عن عبادة الله ، العبادة الحقيقية ، من العبد لخالقه ، فإنه يعيش حياته ضجرا شاكيا باكيا ، يائسا من الحياة الدنيا ، ويلعن الزمن ، ومن حوله ، ويبقى في جهنم الدنيا . ومن العقاب الرباني للإنسان العاصي ، أن يعيش حياة الضنك .

يقول الله المحيي المميت جل ثناؤه : { وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى (127) أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى (128) وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى (129) فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آَنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى (130) وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى (132) وَقَالُوا لَوْلَا يَأْتِينَا بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الْأُولَى (133) وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) قُلْ كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَى (135) }( القرآن المجيد - طه ) .

كلمة طيبة خضراء أخيرة

يقول الله الحي القيوم جل جلاله ، ناصر المؤمنين المستضعفين في الأرض : { لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198) وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}( القرآن المجيد – آل عمران ) .

يمكننا القول ، إن الإنسان يجب أن يسير باتجاه الصراط المستقيم ويبتعد عن صراط الجحيم ، فلا ييأس ولا يقنط من رحمة الله الرحمن الرحيم ، ولا يبادر للإنتحار لأنه يعاني من البلاء أو الابتلاء ، وكلاهما اختبار من الله رب العباد ، ليمحص الله الذين آمنوا وصبروا وأحسنوا وأتقوا ، ويعذب الذين كفروا ويأسوا من الحياة ، ليردوا إلى الجحيم ويمحقهم محقا .

فيا أيها الشباب المسلم في كل مكان في الوطن العربي الكبير والوطن الإسلامي الأكبر والعالم الواسع ، لا تنتحروا ، ولا تقنطوا من رحمة الله فرحمة الله واسعة وفسيحة في الدنيا والآخرة . ولا تغرنكم الحياة الدنيا ، والمسلم لا ينتحر أبدا تحت أي ظرف من الظروف أو وضع من الأوضاع ، ويجاهد في الله حق جهاده ولا يستسلم للدعوات والدعايات الانتحارية ، ونفرق هنا في هذا المجال بين العمليات الاستشهادية والانتحارية ، فمن يدافع عن نفسه وماله وأهله وشعبه وأمته فهو في سبيل الله ، والمنتحر هو من ينحر نفسه أو يطلق النار على نفسه ، ويهلكها ، يأسا وقنوطا من الفشل وقلة الطعام والشراب والتعاسة في الدنيا . وأما المجاهد الذي يهاجم العدو الكافر بنفسه في سبيل الله ، ليهلك الظالمين الكافرين الفاسقين المنافقين ما استطاع إلى ذلك سبيلا فمأواه جنات النعيم خالدا فيها أبدا ، نعمة من رب العالمين ذو الجلال والإكرام الحنان المنان .

أيها المظلومون اتحدوا وتعاونوا ودافعوا عن أنفسكم فرديا وجماعيا ، ولا تيأسوا ولا تستسلموا لوساوس الشيطان ولا تخافوا من الطامعين الظالمين ، وحاربوا الفساد بجميع صوره وأنواعه ، وخير للإنسان أن يموت شهيدا مقبلا غير مدبر يدافع عن الحق وأهله وشعبه وأمته خير له من أن يموت كميتة الجيفة منتحرا هاربا من هموم وغموم الحياة الفانية ، وضعوا أمام أعينكم كلام الله عز وجل : { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (15) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى (19)}( القرآن المجيد – الأعلى ) .

وليتحمل الجميع مسؤولية بمحاربة ظاهرة الانتحار العبثية المحرمة إسلاميا ، التي تجر المجتمع لويلات اجتماعية واقتصادية ونفسية كئيبة ولتكن عملية التغيير والإصلاح والثورة واجبة من الصالحين ضد الظالمين وليست عن طريق المنتحرين .

وفي هذا الصدد ، لا بد من الإكثار من ترديد دعاء نبي الله نوح عليه السلام : { وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا (27) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا (28) } ( القرآن المجيد - نوح ) .

كما ندعو ونقول والله المستعان ، كما قال نبي الله شعيب عليه السلام ، كما نطقت الآيات القرآنية الكريمة : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد – هود ) .

نترككم في أمان الله ورعايته ، والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: