الأربعاء، 17 نوفمبر 2010

مكة المكرمة بموسم الحج والعمرة .. عاصمة إسلامية عالمية ثابتة ومتنقلة

مكة المكرمة بموسم الحج والعمرة ..
عاصمة إسلامية عالمية ثابتة ومتنقلة

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية والإعلام
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
يقول اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ جَلَّ جَلَالُهُ : {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (196) الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ (198) ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (199) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ (200) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (201) أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (202) وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (203)}( القرآن العظيم - البقرة ) .

استهلال

تعتبر مكة المكرمة ( بكة سابقا ) من المدن الرئيسية في شبه الجزيرة العربية ، إلى جانبه شقيقتها المدينة المنورة ( يثرب سابقا ) وتشكلا معا ، مع مدينة القدس الشريف ( بيت المقدس ) لثالوث المديني الإسلامي المقدس . وتكتسب هذه المدن الثلاث بالأرض المقدسة ، الجنوبية ( مكة والمدينة ) والشمالية ( فلسطين ) أهمية عظمى لدى جميع أبناء الأمة الإسلامية في العالم . وتهوي افئدة ملايين الناس لهذه المدن المقدسة ، حيت يتجهون لزيارتها والإقامة فيها للعبادة والسياحة الدينية والاستمساك بالعروة الوثقى لا انفصام لها .

أسماء مكة المكرمة بالقرآن المجيد

توارد عبر التاريخ عشرات الأسماء لمكة المكرمة منها : بكة ، المدينة المقدسة ، البلد الأمين ، وقد عُرفت مكة المكرمة عبر التاريخ الإنساني بما يزيد عن خمسين اسماً وكنية . ولم يتضح عن سبب تسميتها بهذا الاسم . ولكن هناك تخمينات وتوقعات تاريخية ودينية وجغرافية ، حول أصل التسمية الحالي . فقد قيل أنها سميت بهذا الاسم ( مكة ) لأنها تمكّ الجبارين أي تذهب نخوتهم، ويقال أيضا أنها سميت مكة لازدحام الناس فيها بموسم الحج ومواسك العمرة . كما قيل أن سبب تسمية مكة بهذا الاسم لأن العرب في الجاهلية الأولى كانت تقول بأنه لا يتم حجهم حتى يأتوا الكعبة فيمكون فيها أي يصفّون صفير المكأو ، وهو طائر يسكن الحدائق ، ويصفقون بأيديهم إذا طافوا حولها . ويرى آخرون أنها سميت بكة لأنه لا يفجر أحد بها أو يعتدي على حرماتها إلا وبكت عنقه أي قطعته والقت به في مهاوي الردى . وفي السياق ذاته ، يقول بعض المؤرخين أنها سُميت مكة لأنها كانت مزاراً مقدساً يؤمه الناس من كل الأنحاء للتعبد فيه . أما كلمة بك فتعني في اللغة السامية الوادي ، وقد ورد في بعض الكتابات القديمة مدينة تسمى مكربة ، وذهب الباحثون إلى أن هذه المدينة هي مكة.
على أي حال ، ذكرت اسم مكة المكرمة بالقرآن المجيد ، كتاب الله العزيز ، عدة مرات ، بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، ظاهرا أو باطنا ، هي :
يقول الله الحي القيوم عز وجل :
1. مكة : { وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا (24) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلَا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (25)}( القرآن المجيد – الفتح ) .
2. بكة : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)}( القرآن المجيد – آل عمران ) .
3. أم القرى : { وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (92)}( القرآن المجيد – الأنعام ) . و { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (7) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ مَا لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (8)}( القرآن المجيد – الشورى ) .
4. البلد : { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)}( القرآن المجيد – إبراهيم ) . و { لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ (1) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ (2) وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ (4) أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ (5) يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالًا لُبَدًا (6) أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (7) أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)}( القرآن المجيد – البلد ) .
5. البلد الأمين : { وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (1) وَطُورِ سِينِينَ (2) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (3) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (6) فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ (7) أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}( القرآن المجيد – التين ) .
6. واد غير ذي زرع : { رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (38) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)}( القرآن المجيد – إبراهيم ) .
7. البيت العتيق : { وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34)}( القرآن المجيد – الحج ) .
8. بلدة : { وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا (49) وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا (50)}( القرآن المجيد – الفرقان ) . و { وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ (9) وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ (10) رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا كَذَلِكَ الْخُرُوجُ (11)}( القرآ، المجيد – ق ) .
وهناك العديد من الأسماء لمكة المكرمة ، منها : الحاطمة وأم زحم وغيرها .




أهمية مكة المكرمة .. العاصمة الإسلامية المقدسة الأولى في العالم

تتمتع مكة المكرمة بالديار الحجازية المقدسة بالسعودية في شبه الجزيرة العربية ، بأهمية عظمى لدى أتباع الدين الإسلامي العظيم ، الذين يزيد تعدادهم عن 1.6 مليار نسمة ، لعدة عوامل وأسباب متباينة ومتعددة ، من أهمها :
أولا : المكانة التاريخية المميزة :
فقرية بكة مكان تاريخي من الطراز الأول في العالم ، فهي المكان الذي ذكر بالقرآن المجيد ، وإرتادها العديد من الأنبياء والمرسلين وفي مقدمتهم نبي الله إبراهيم عليه السلام وذريته مثل : إسماعيل بن إبراهيم ، ومحمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، صلوات الله وسلامه عليهم . وتعتبر مكة المكرمة من أوائل المدن التاريخية في الديار الحجازية المقدسة التي يزورها السياح من العرب وغيرهم .
يقول الله الواحد اللطيف الخبير جل شأنه : { قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95) إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) }( القرآن المجيد – آل عمران ) .

ثانيا : المكانة الدينية الإسلامية العالية :
وهي المكانة الدينية الإسلامية ، التي حباها وكرمها بها الله سبحانه وتعالى ببناء المسجد الحرام فيها ( البيت العتيق ) ، فالمسجد الحرام في قلبها هو الو بيت بني لعباده الله في الأرض ، ويعد قبلة المسلمين الثانية للصلاة والحج والعمرة ، وتخصيصها دون غيرها بالحج والعمرة والتقرب لله الغني عن العالمين . فالمسجد الحرام ترتبط به ثلاثة من أركان الإسلام الخمسة ، وهي توحيد الإلوهية ( لا إله إلا الله – محمد رسول الله ) ، والصلاة بأوقاتها الخمسة ، فثواب الصلاة المضاعفة بمائة ألف ضعف ، وكذلك إختصاصها دون سواها بالحج والعمرة ، والحج هو أحد الأركان الإسلامية التي لا يجوز أدائه إلا بمكة المكرمة . ومن المعروف أن مكة المكرمة عامة ، والمسجد الحرام خاصة هي القبلة الثانية للمسلمين في جميع أنحاء المعمورة . ومكة المكرمة هي رمز للطهارة والتطهر من الذنوب والخطايا ، والتخلص من الذنوب والنجاسة البدنية والمعنوية في الحياة الدنيا ، واجبة على الجميع . وتتمتع مكة المكرمة بإمتيازات دينية تقرب إلى الحياة الآخرة والدخول بجنات الخلود ، جنات النعيم عند رب العالمين .



يقول الله الحميد المجيد جل جلاله : { سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (142) وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (143) قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144) وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آَيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (145) الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (147) وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (148) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (149) وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي وَلِأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (150) كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آَيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (151) فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ (152) }( القرآن المجيد – البقرة ) .
ويقول الله السميع العليم تبارك وتعالى : { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ (158) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ (159) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160)}( القرآن المجيد – البقرة ) .
والمسجد الحرام هو أول المساجد الإسلامية التي تشد الرحال إليه في العالم ويأتي بعده المسجد النبوي الشريف بمكة المكرمة فالمسجد الأقصى في فلسطين بالمرتبة الثالثة . جاء بصحيح البخاري - (ج 4 / ص 376) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى " .



ومن المعلوم إسلاميا ، انه في مسيرة الحج الطيب المبارك ، تتطاير الذنوب والآثام والخطايا ، بالوضوء من ماء زمزم ، والصلاة بالمسجد الحرام وتأدية المناسك والشعائر الدينية الإسلامية ، ويتم التقرب من الله الغفور التواب الرؤوف الرحيم ، غافر الذنوب جميعا ، وقابل التوبة من عباده المخلصين ، فيكثر المسلم من الحسنات ويجتهد في التخلص من السيئات ، فيرجع الحجاج المسلمين أو المعتمرين ، بلا خطايا أو ذنوب ، كيوم ولدتهم أمهاتهم ، بلا ذنوب والمتعظ من اتعظ بغيره وحافظ على النقاء والصفاء والإباء .
ثالثا : المكانة الاقتصادية المنتعشة :
وهذه المكانة الاقتصادية مرتبطة إرتباطا وثيقا بالمكانتين التاريخية والدينية . وتنتعش التجارة والاستيراد والتصدير إلى مكة المكرمة خصوصا والديار الحجازية بالسعودية عموما ، في أوقات موسم الحج ، وإلى حد ما مواسم العمرة شبة الدائمة على مدار فصول السنة . وقد أفادت بعض الدراسات الإحصائية أن الاقتصاد السعودي يستفيد من موسم الحج سنويا ، كتجارة وإنفاق مالي على الخدمات العامة وشراء الهدايا ، حوالي 35 مليار ريال سنويا ، وهو مبلغ ضخم في أيام معدودة للشعب المسلم في الأرض المقدسة الجنوبية .
يقول الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26) وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27) لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ (28) ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ (29) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ (31) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ (32) لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ (33) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (36) لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (37) إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (38) }( القرآن المجيد – الحج ) .
وبهذا يمكننا القول ، إن منافع موسم الحج ومواسم العمرة ، كثيرة ومتعددة ، تلقي بظلالها الإيجابية الطيبة المباركة على أهل البلاد ، والوافدين من الخارج إليها من وفود الرحمن ، الذين يمارسون العبادة الدينية ، والاستفادة من المنافع التجارية وشراء الاحتياجات وبيعها ، في أسواق مكة المكرمة وبقية الأسواق المجاورة .
ويعتبر ذبح ملايين رؤوس الماشية في الحج في عيد الأضحى المبارك ( يوم النحر ) تقربا إلى الله تعالى ، ورفعا للفاقة والحاجة عن الفقراء والمحتاجين في شبه الجزيرة العربية وبقية البلدان الإسلامية عبر توزيع لحوم الأضاحي بكميات كبيرة وخيالية سنويا . فتعتبر مكة المكرمة والحالة هذه مصدرة للحوم الطرية وفق الشريعة الإسلامية ، كصدقات إسلامية ناتجة عن ذبح الأضاحي الإسلامية .
رابعا : المكانة الجغرافية الإستراتيجية :
فمكة المكرمة مدينة معتدلة المناخ والطقس استراتيجيا إلى حد ما ، خلافا للبيئة الصحراوية التي تجتاح معظم أراضي شبه الجزيرة العربية . وتعتبر مكة المكرمة من الأماكن الجغرافية البعيدة عن قلاقل البراكين والزلازل والهزات الأرضية الثابتة أو الطارئة ، بفضل الله سبحانه وتعالى . وتقترب مكة المكرمة من ساحل البحر الأحمر على بعد 72 كم ، الذي يفصل قارتي آسيا بإفريقيا . وبذلك يكون مناخها الوسطي شبه المعتدل ملائم لجميع الأعراق والأجناس الآتية من كل فج عميق . ومساحة مكة القديمة المحيطة بالمسجد الحرام 6 كم2 ، من أصل 550 كم2 ، هي مساحة مكة الإجمالية ، منها 88 كم مأهولا بالسكان . وترتفع مكة المكرمة عن سطح البحر 330 م .
خامسا : الإضافات السياحية العملاقة :
فتوفر الاحتياجات السياحية في مكة المكرمة والمدينة المنورة من الفنادق والفلل والمساكن ، والمواقع الدينية كغار حراء وجبل عرفات ، وبقية المشاعر الإسلامية المقدسة ، تساهمان في زيادة السياحة الدينية من البلدان والأمصار والأقطار الإسلامية وسواها ، فالمواصلات البرية والجوية والبحرية الحديثة متوفرة بكثرة ، وهي سريعة ومتينة ، تمكن جميع المستويات المعيشية من القدوم للعاصمة المقدسة . وستساهم السكسك الحديدية في تسهيل حياة الوافدين للحج في قطار المشاعر المقدسة .



سادسا : المظاهر الجمالية الخلابة :
وهي المظاهر العمرانية على الطراز الحديث كالمساكن والشوارع والطرقات المنظمة ، والتخطيط العصري القائم على الهندسة الوافية . وتساهم التوسعات البنائية والعمرانية للمسجد الحرام ، في توفير مساحات جديدة لحجاج بيت الله الحرام من المؤمنين من شتى بقاع الكرة الأرضية . وقد أضفى وجود ساعة مكة الإسلامية ، هيبة ووقارا واحتراما جديدا لمكة المكرمة ، تمهيدا لجعلها الساعة الإسلامية الكبرى ، بجوار المسجد الحرام بالعاصمة الإسلامية الأولى المقدسة في العالم ، منارة وهادية للتوقيت الإسلامي العالمي المنتظر .
سابعا : الأمن والأمان :
يقطن المدينة المقدسة عالميا ، حاليا في عام 1431 هـ م 2010 م حوالي 000.000. 2 نسمة تقريبا في الأيام العادة ، وتتحول مكة المكرمة إلى مدينة تعج وتموج بالزائرين في موسم الحج ومواسم العمرة المستمرة ليبلغ دد سكانها بموسم الحج أكثر من 6 ملاين شخص ما بين مقيم ووافد وزائر . ويحظر على غير المسلمين دخول مكة المكرمة في جميع الأوقات .
ولعل من أهم الأسباب التي تجعل مكة المكرمة قبلة دينية وتاريخية واقتصادية متنامية ، هي توفر الأمن والأمان والاستقرار والطمأنينة النفسية ، بدرجة عالية جدا ، مقارنة مع غيرها من المدن الكبرى في العالم ، فالاستقرار والسكينة والطمأنينة الإنسانية ، التي تجتاح وتختلج جنبات الإنسان المسلم ، هي وعد إلهي ، من رب العالمين ، استجابة لدعوة نبيه وخليله إبراهيم عليه السلام .
يقول الله الحافظ الرقيب جل ثناؤه : { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)}( القرآن المجيد – آل عمران ) . ويقول الله القوي شديد العقاب جل شأنه : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25)}( القرآن المجيد – الحج ) .
كما إن قوات الأمن والشرطة والحرس المكي وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، في السعودية توفر الحياة الاجتماعية الآمنة ، عبر الدوريات العلنية والخفية ، في أزقة وشوارع المدينة المقدسة ، وتلاحق بعض الجناة والمنحرفين الذين يحاولون العبث الاجتماعي بأنفسهم وبالناس في هذه الديار المقدسة . فلولا تطبيق الشريعة الإسلامية في الأرض المقدسة الجنوبية عموما والمدينة المقدسة خصوصا ، لانتابت الناس موجات عاتية من الهروب والغروب عن مكة المكرمة ، فنرى ملاحقة الفاسدين والمفسدين بشتى الصور والطرق كمعاقبة اللصوص والحرامية والمتحرشين جنسيا والزناة والبغاة والسحرة والمشعوذين ، ومروجي المخدرات والخمور والمرابين وغيرهم من الفئات الضالة ومحاسبتهم مما يجعلهم عبرة لمن يعتبر . ومما يساهم في تقليل إرتكاب الموبقات والكبائر ، وجود المحارم مع النساء الآتيات من الخارج لأداء مناسك الحج والعمرة بصورة قطعية وفي الزيارة العادية غالبا .
يقول الله العلي العظيم عز وجل : { بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (1) فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللَّهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7)}( القرآن المجيد – التوبة ) .
ثامنا : المياه المقدسة ( ماء زمزم ) :
إن وجود ( نبع ماء زمزم ) المقدسة التي فجرت تفجيرا طيبا مباركا ، منذ زمن الأم الإسلامية الكبيرة هاجر زوجة نبي الله إبراهيم عليه السلام ، وأم نبي الله إسماعيل ، ساهم ويساهم في توفير الماء اللازم لجميع الاحتياجات البشرية الضرورية للشرب والشؤون المنزلية ، والعلاجات الطبيعية ، لملايين البشر في مكة المكرمة ، المقيمين والوافدين الطارئين ، بمواسم معينة ، فهي مياه كافية ووافية وشافية في الآن ذاته . ويأتي الكثير من الزوار العرب والمسلمين لزيارة مكة المكرمة وتأدية مناسك العمرة قبل أو بعد أو أثناء موسم الحج للتداوي والعلاج الطبيعي بماء زمزم . بل ويصطحب السواد الأعظم من الحجيج المسلمين ، ماء زمزم للسكنات الداخلية عند إقامتهم يمكة المكرمة أو المدينة المنورة أو المدن العربية الأخرى بشبه الجزيرة العربية ، وكذلك ينقلون ماء زمزم بعبوات متوسطة أو صغيرة لمنازلهم في شتى أقطار الأرض .
تاسعا : التعددية العرقية واللغوية :
تستقطب مكة المكرمة في أرضها المباركة ، أعراق وجنسيات عربية وإسلامية وإقليمية ودولية شتى ، فهي حاضنة لغوية متعددة ومتنوعة ، تجعل المدينة المقدسة ، بعروبتها وإسلاميتها وإنسانيتها ، القائدة للإلتقاء الحضاري العالمي ، حيث تهيمن اللغة العربية على جميع اللغات الإقليمية والدولية في العالم ، البالغة بضعة آلاف لغة رسمية وشعبية ، مكتوبة ومحكية ، في أقدس بقعة من بقاع الأرض ، أرض الله الواسعة .
عاشرا : الخدمات العامة المتوفرة :
إن توفر خدمات البنية التحتية في العاصمة الإسلامية المقدسة ، مكة المكرمة ، يجعل منها مهوى الأفئدة والعقول ، الدينية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها . فالأطعمة والمأكولات والسكن والمياه والكهرباء والمواصلات والاتصالات العصرية ، متوفرة في بلاد الحرمين الشريفين ، باستمرار ، والحكومة السعودية لا تدخر وسعا في توفير الخدمات الإضافية من الإرشاد الديني واللغوي والاجتماعي والسياحي والاقتصادي والإعلامي وسواه .
حادي عشر : ملتقى وموحدة الحضارات : تساهم مكة عبر قدوم الوافدين إليها من شتى الجنسيات والدول والقارات في العالم ، في توحيد الرسالة الإسلامية ، والدعوة إلى وحدانية الله الجليل الكريم جل شأنه ، من خلال تلاقي الحضارات وتوحيد القيم والمثل العليا ، وإعادة نشرها في العالم ، فالحياة الإسلامية في مكة المكرمة على مدار اليوم والليلة ، بالقلب النابض لها المتمثل بالمسجد الكرام الذي تتوسطه الكعبة المشرفة ، كجامعة إسلامية مفتوحة ، ونواة إعلامية إسلامية تلفزيونية فضائية متنقلة بموسم الحج ، يعمل على تجديد الإيمان بالله العظيم ، والاعتصام بحبل الله المتين ، فهي دعوة إيمانية متجددة بأرواح متسامحة وسامية وغانمة بعيدة عن إجتراح السيئات ما استطاعت إلى ذلك سبيلا .
ثاني عشر : العاصمة البيضاء والسوداء ( الزي الرجالي الأبيض والزي النسائي الأبيض والأسود ) ، والعدل والعدالة والمساواة ونبذ الفرقة والعنصرية ، بين الأعراق والأجناس العربية والإسلامية والعالمية ، فالجميع سواسية كأسنان المشط ، وفق مبادئ العدل والعدالة الاجتماعية والمساواة التامة ، فأكرم الناس عند الله أتقاهم . وبذلك فإن مكة المكرمة هي عاصمة العدالة الربانية بين البشر ، عبر لباسها الأبيض الموحد للرجال ، لحجاج بيت الله الحرام وتأدية مناسك الحج والعمرة . فتظهر المدينة المقدسة ، عاصمة الإسلام والمسلمين ، حتى يوم الدين ، بيضاء ناصعة البياض ، تمجد الأبيض والبياض ، بروح إسلامية عادلة معتدلة خلاقة .

دعوة نبي الله إبراهيم لمباركة مكة

يقول الله العزيز الوهاب جل جلاله : { وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125) وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126) وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) }( القرآن الكريم – البقرة ) .
كما يقول الله العلي الكبير جل شأنه : { وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128) رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (129) وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)}( القرآن الكريم – إبراهيم ) .

نظرة المصطفى محمد رسول الله لمكة المكرمة

تعتبر مكة المكرمة مسقط رأس خاتم الأنبياء والمرسلين وسيد الأولين والآخرين ، رسول الله المصطفى محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، صلى الله عليه وسلم ، عام الفيل ( 570 م ) ، وقد سكن فيها أربعين عاما ثم بعثه الله رب العالمين ليكون رسوله للناس كافة منطلقا من مكة المكرمة ، وبقي يدعو بمكة المكرمة قومه سرا 13 عاما ، ثم هاجر ليثرب ( المدينة المنورة ) حيث سكنها 10 أعوام ثم توفي بالمدينة . وقد فتح المسلمون مكة المكرمة عام 8 هجرية . وكان للمصطفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، اهتماما كبيرا بمكان ولادته ، فقد جاء في مسند أحمد - (ج 10 / ص 83) كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ قَالَ :" اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ مَنَايَانَا بِهَا حَتَّى تُخْرِجَنَا مِنْهَا " . كما ورد بمسند أحمد - (ج 38 / ص 155) أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْحَمْرَاءِ الزُّهْرِيَّ أخْبَرَهُ أَنَّهُ : سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ بِالْحَزْوَرَةِ فِي سُوقِ مَكَّةَ : " وَاللَّهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ " . وفي رواية أخرى ، مسند أحمد - (ج 38 / ص 157) وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْحَزْوَرَةِ فَقَالَ : " عَلِمْتُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ وَأَحَبُّ الْأَرْضِ إِلَى اللَّهِ وَلَوْلَا أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ " .
وفي المستدرك على الصحيحين للحاكم - (ج 12 / ص 106) أخبرني عبد الله بن عبيد بن عمير ، سمعت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام يحدث ، عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته وهو واقف على راحلته (1) وهو يقول : « والله إنك لخير الأرض وأحب الأرض إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت » ، قال : فقلت : يا ليتنا نفعل فارجع إليها ، فإنها منبتك ومولدك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « إني سألت ربي عز وجل فقلت : اللهم إنك أخرجتني من أحب أرضك إلي فأنزلني أحب الأرض إليك ، فأنزلني المدينة » .

أدعية نبوية محمدية للمدينة المنورة كالأدعية الإبراهيمية لمكة المكرمة

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو للمدينة المنورة بأدعية خاصة ، مشابهة لدعوة نبي الله إبراهيم لمكة المكرمة ، نذكر منها :
- صحيح البخاري - (ج 6 / ص 444) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :" اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَيْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنْ الْبَرَكَةِ " .
- صحيح البخاري - (ج 10 / ص 14) أَنَّهُ سُمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى خَيْبَرَ أَخْدُمُهُ فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاجِعًا وَبَدَا لَهُ أُحُدٌ قَالَ : " هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ قَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحَرِّمُ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا كَتَحْرِيمِ إِبْرَاهِيمَ مَكَّةَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَمُدِّنَا " .
- صحيح مسلم - (ج 7 / ص 111) كَانَ النَّاسُ إِذَا رَأَوْا أَوَّلَ الثَّمَرِ جَاءُوا بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا أَخَذَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ " .

مكة المكرمة .. مدينة اللغات العالمية والرسالة الإسلامية العظمى

بناء على ما سبق ، فإن مدينة مكة المكرمة ، ذات اللون الأبيض الناصع بموسم الحج ، الذي يسر الناظرين ، واللونين الأصفر والأبيض بساعات الليل الأسود بالبيت العتيق ، تعتبر من المدن الحيوية العربية والإسلامية والإقليمية والعالمية والإنسانية ، دائبة الحركة في العبادات والمعاملات الاجتماعية والاقتصادية ، نهارا وليلا ، وتمتاز بطابعها الديني الإسلامي المميز ، وتتميز عن غيرها من العواصم العالمية الاقتصادية والسياسية والإدارية الكبرى في مختلف قارات العالم ، سواء العواصم الرأسمالية مثل واشنطن ونيويورك وباريس ولندن وغيرها ، أو العواصم الشيوعية مثل موسكو وبكين ، بأنها إسلامية الطبع والطابع والتطبيع ، تأوي وتحتضن جموع المسلمين الآتين من جميع أرجاء العالم ، حيث توافد على موسم الحج لعام 1431 هـ / 2010 م حجاج بلغ عددهم حوالي مليوني حاج وحاجة ، أتوا من 181 دولة في العالم ، من بين حوالي أربعة ملايين حاج وحاجة ، وبذلك تصبح مكة المكرمة بمواسم الحج والعمرة والتشغيل الاقتصادي ، فسيفساء لغوية عالمية متعددة الأعراق والأجناس واللغات الدولية والإقليمية والمحلية فهي جامعية إسلامية مفتوحة للجميع ، وفضائية تلفزيونية متنقلة بين ثنايا الجسد المكي الرشيق القويم المبارك من رب العالمين على مدى القرون والعقود والسنين .

كلمة خضراء طيبة أخيرة

ويبقى القول ، إن الزائر لمكة المكرمة ، العاصمة الإسلامية الأولى المقدسة في العالم ، ومركز الكرة الأرضية فلكيا وجغرافيا ، مدينة النور الإلهي العظيم ، المدينة البيضاء المتلئلئة ، والجامعة الإسلامية المفتوحة ، والنواة الإعلامية الأولى في العالم ، بموسم الحج المقدس في شهر ذي الحجة القمري العربي الإسلامي ، يبقى يحن دائما وأبدا ، لولوجها في أي مناسبة أو فرصة سانحة ، ليغذي روحه من مسيرة الإيمان بها ، ويمتع نظره برؤيا المسجد الحرام ، ويسمع ويستمتع بقراءة القرآن المجيد من أئمة المسجد الإسلامي المبارك في العالمين ، والتقرب إلى الله القريب ، مجيب دعوة الداعي إذا دعاه ، واستذكارا وتقليدا وترديدا لمسيرة الإسلام العظيم أولا بقيادة نبي الله إبراهيم عليه السلام ، باني البيت العتيق والمسجد الحرام ، وثانيا بقيادة نبي الله المطيع إسماعيل عليه السلام ، ثم ثالثا وأخيرا ، على المستوى العالمي بقيادة إمام الأمة الإسلامية ، المصطفى رسول الله الحبيب محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، الذي نور الرسالة الإسلامية الخاتمة ، بنوره النبوي الهادي الساطع ، إلى العالم كافة ، إنطلاقا من مكة المكرمة والمدينة المنورة بالأرض الجنوبية المقدسة .

وختامه مسك ، فندعو بهذا الدعاء الخالد الذي ورد بكتاب الله العزيز : { لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) }( القرآن المجيد - البقرة ) .
كما ندعو ونقول والله المستعان ، بالقول النبوي السديد الوارد على لسان نبي الله شعيب عليه السلام ، كما نطقت الآيات القرآنية الكريمة بذلك : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد – هود ) .
فطوبي وألف طوبى ، لمكة المكرمة ، العاصمة الإسلامية المقدسة في العالم ، ومرحى وألف مرحى لسكناها الطيبين المسلمين الميامين ، وطوبى لزائريها من الحجاج والمعتمرين ، الآتين من كل فج عميق ، الساعين لرضا الله رب العالمين .

نترككم في أمان الله ورعايته ، والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
















__________________


ليست هناك تعليقات: