الاثنين، 4 أكتوبر 2010

المصالحة الفلسطينية .. فيا أهل فلسطين إتحدوا .. وَالصُّلْحُ خَيْرٌ .. أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ .. وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ

المصالحة الفلسطينية .. فيا أهل فلسطين إتحدوا ..
وَالصُّلْحُ خَيْرٌ .. أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ .. وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ

د. كمال إبراهيم علاونه
أستاذ العلوم السياسية
الرئيس التنفيذي لشبكة الإسراء والمعراج ( إسراج )
نابلس - فلسطين العربية المسلمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

يقول الله العزيز الحكيم جل جلاله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) }( القرآن المجيد – آل عمران ) .
وجاء في صحيح البخاري - (ج 19 / ص 8) عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَلَا تَبَاغَضُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا " .

استهلال

جرت الانتخابات التشريعية الفلسطينية في 25 كانون الثاني 2006 ، وكانت إنتخابات حرة ونزيهة وشفافة ، بشهادة الجميع ، من أولي النهى والهدى والأبصار والألباب ، من التيارات الوطنية والإسلامية والمستقلين ، ومن المراقبين المحليين والعرب والدوليين ، ونجح من نجح وفاز من فاز وهوى من هوى في صناديق الاقتراع الفلسطينية بإشراف لجنة الانتخابات المركزية وفق نظامي الأغلبية والتمثيل النسبي . وكان من بين الفائزين بالانتخابات البرلمانية الثانية ، في ظل غياب دولة فلسطين العتيدة المنتظرة ، عشرات الأسرى الفلسطينيين ، من ذوي المؤبدات والأحكام العالية ، فلم تفلح الحصانة الدبلوماسية التي ينبغي أن يتمتعوا بها في إخراجهم من خلف قضبان الحديدية بسجون الاحتلال الصهيوني الإجرامية . وعلى العكس من ذلك فقد إعتقلت قوات الاحتلال الصهيوني عشرات النواب الفلسطينيين المنتخبين من حركة حماس وبعضهم من حركة فتح في سابقة لم يحصل مثلها إلا زمن النازية الهتلرية الألمانية في أوروبا والفاشية الإيطالية في روما إبان الحرب العالمية الثانية في النصف الأول من القرن العشرين الماضي ، وبذلك تم شل فعالية المجلس التشريعي الفلسطيني بخطوة أولية من الاحتلال الصهيوني ، وتصارع البعض الفلسطيني مع البعض الآخر في التوكيل النيابي ووضعت صور النواب الأسرى القدامى والجدد فوق كراسي لتأكيد وجودهم الرمزي ولكن دون جدوى فلم يتوصل القوم لقرار إيجابي .
وظهرت في الأونة الأخيرة بفلسطين ، ظاهرة شاذة تطالب باعتقال النواب الفلسطينيين أو التعرض لحياتهم أو إلحاق الأذى بهم ، فهي دعوات مغرضة مسمومة يجب وضع حد لها ، فالنواب أل 132 نائبا أعضاء المجلس التشريعي الفلسطيني يتمتعون بالحصانة البرلمانية ولا يجوز المساس بهم بأي حال من الأحوال .. وهم قادة منتخبون بصناديق الاقتراع من الشعب ولأجل الشعب ، فكفى سفاهات ومهاترات وهرطقات وعربدات ؟؟! مالكم كيف تحكمون ؟



تشكيل الحكومة الفلسطينية بلون واحد .. وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ

يقول الله الغني المغني جل جلاله : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (47) وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (48) إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (49) وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (51)}( القرآن المبين – الأنفال ) .

وبعد الانتخابات النيابية الفلسطينية ، بأقل من ثلاثة أشهر ، ففي أواسط آذار 2006 ، شكلت حكومة فلسطينية جديدة من لون واحد ( حركة حماس ) هو اللون الأخضر ، رغم اعتماد هذه الحكومة للراية الفلسطينية رباعية الألوان : الأسود والأبيض والأخضر والأبيض ، ففرض الحصار الصهيوني والأمريكي والغربي ولنقل العربي أيضا ، على الحكومة الجديدة المنتخبة من جموع الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة التي مثلت حوالي 4 ملايين مواطن فلسطيني ، صغيرا وكبيرا ، ذكرا وأنثى في مساحة جغرافية ومرحلة انتقالية غير محررة تبلغ مساحتها حوالي 6 آلاف كم2 فلم تأخذ نصيبها من التغيير والإصلاح الذي نادت به وتبنته في البرنامج الانتخابي حيث مكثت فترتها أقل من سنة . ثم شكلت حكومة وحدة وطنية فلسطينية بألوانها الأربعة ، برئاسة الشيخ إسماعيل هنية ، عبر الوفاق والتوافق الوطني الفلسطيني ، بمشاركة العديد من الحركات والفصائل الفلسطينية مع إمتناع حركة الجهاد الإسلامي عن المشاركة بهذه الحكومة وغيرها من الحكومات الفلسطينية المتعاقبة منذ قيام السلطة الفلسطينية بغزة وأريحا عام 1994 حتى الآن ( 2010 ) ولكنها هي الأخرى سقطت جراء الفشل بإنهاء الحصار السياسي والاقتصادي على فلسطين وذلك بعد أقل من ثلاثة شهور على تأليفها .

تباين الرؤى السياسية .. كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ

يقول الله الحميد المجيد عز وجل : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (30) مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (31) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (32)}( القرآن الحكيم – الروم ) .
وجاء بمسند أحمد - (ج 3 / ص 364) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ أَوْ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَلِكَ لَكُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ " .

على أي حال ، رغم الاستراتيجية الفلسطينية ، العامة المتقاربة ، فبعد الفتنة الناشبة أظفارها والخلاف السياسي والعسكري الطارئ ، وتباين الرؤى الفلسطينية ، بين الحركتين العملاقتين في فلسطين ، وهما : حركة التحرير الوطني الفلسطيني ( فتح ) وحركة المقاومة الإسلامية ( حماس ) ، توأم فلسطين ، وما نجم عنه من الخصام بدل والوئام ، في قطاع غزة ، منذ 14 حزيران 2007 ، تجندت بعض وسائل الإعلام للردح والسباب والشتائم ، وكل حزب بما لديهم فرحون ، واعتصرنا الألم والمرارة ، وضاقت علينا الأرض بما رحبت بالفتنة الجائحة ، التي إجتاحت البلاد والعباد على السواء ، حيال هذا الوضع الجديد المزري الذي وصل بين الإخوة الأشقاء ، في الأرض المقدسة ، أرض الإسراء والمعراج ، وبوابة الأرض للسماوات العلى ، فارتجت الناس ، وعمت الفتنة والفساد ، وانتشر الفلتان والافتتان الأمني ، وضاق الشعب الفلسطيني ذرعا بهذا الأمر الجديد الجلل ، وعمت الفوضى وعدم الاستقرار لبرهة من الوقت ، ، ثم استقر الأمر رويدا رويدا ، وعادت الأمور لبعض نصابها من الأمن والأمان في جناحي الوطن الممزق لثلاث مناطق جغرافية متباعدة ، تتمثل المنطقة الأولى بفلسطين المحتلة عام 1948 ، في الجليل والمثلث والنقب والساحل الفلسطيني ، الخاضعة للاحتلال الصهيوني منذ أكثر من ستة عقود زمنية . والمنطقة الثانية التي تتمثل بالضفة الغربية المحتلة المتمتعة بحكم ذاتي هزيل لا يسمن ولا يغني من جوع سياسي وتحرري . والمنطقة الثالثة المتمثلة بقطاع غزة التي طهرت من بقايا الاستيطان اليهودي في أيلول 2005 .
فيا أهل فلسطين البررة .. أفشوا السلام بينكم ، وأطعموا الطعام وصلوا والناس نيام لتدخلوا الجنة بسلام ، وطيبوا أنفسكم بطيب الكلام ، وأدفعوا بالتي هي أحسن خير لكم ، وللأجيال الفلسطينية الحالية واللاحقة ، وبروا أمكم فلسطين ، بالتقوى والحب والمودة ولا تعثوا في الأرض مفسدين ، رحمكم الله وغفر لكم خطاياكم .

سنوات عجاف من الفرقة والإنقسام

رغم الوحدة الشاملة على أرض المعركة ، إبان إنتفاضة الأقصى المجيدة ، منذ 28 أيلول 2000 ، ومقارعة الاحتلال الصهيوني وقطعان المستوطنين اليهود ، الغرباء الطارئين على فلسطين ، إنتشرت رائحة الفتنة وأزكمت الأنوف الطويلة والمتوسطة والقصيرة على السواء ، فخلال هذه الفترة القصيرة الممتدة على مدار أربع سنوات عجاف ( 2006 – 2010 ) ، ما بين الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية حتى الآن ، في حياة الشعب الفلسطيني ، في أرض الآباء والأجداد ، المكلوم والمعذب منذ نكبة فلسطين الكبرى عام 1948 ، جرت محاولات لتوحيد الصفوف والمصالحة بين الأشقاء الفلسطينيين ، إخوة ورفاق الثورة والانتفاضة والدرب الواحد والتاريخ الواحد ، والمصير الواحد ، والنبع الواحد ، والمستقبل الواحد ، والأخطار المحدقة الواحدة ، فكانت مبادرات قطرية سعودية ومصرية ويمنية وتركية وخلالها ، ولكن غياب الأمل والتفاؤل طال انتظاره ، ليهبط طائر الوفاق والتوافق الوطني الفلسطيني ، الأسود والأبيض كطائر الصرد ، على مطار فلسطيني خفي ، ولكن ليس على مطار غزة الدولي الذي هدمته آلة الاحتلال الصهيونية القمعية ، فإلى متى الانتظار لنزع فتيل الأزمة المستفحلة المتصاعدة يوميا ، بوصول بريق لم الشمل والوحدة الوطنية الفلسطينية على قلب تيار واحد وحكومة فلسطينية واحدة موحدة لجناحي الوطن الجريح الذي يئن تحت وطأة الاحتلال الصهيوني البغيض . فلنأمر جميعا بالمعروف وننهى عن المنكر ليسود السلام والوئام بين الجميع ، جميع أهل فلسطين الأصليين الطيبين .



التعددية السياسية .. والنظر للآخرين بعينين لا بعين واحدة

جاء بصحيح البخاري - (ج 8 / ص 489) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ " .
على العموم ، من المفترض أن يتم النظر للأمور العامة بفلسطين المكلومة ، بعمق وروية وتأن بعيدا عن التعصب والعصبية والقبلية والحزبية المقيتة ، التي تورد الناس إلى المهالك ، وتحرمهم من المنافع بأرض الوطن ، إن كان هناك منافع . فالجميع تحت سيف آلة الاحتلال العسكرية المدمرة ، التي لا ترحم أحدا ولا تميز بين هذا وذاك ، فالكل متهم بالإرهاب من الجانب الصهيوني والأمريكي والغربي ، رغم أنه يدافع عن نفسه وليس إرهابيا .
وأسفي الشديد ، على المتطرفين والماكرين والخبثاء في هذه البلاد المباركة من رب العالمين ، الذين ينبشون الفتن ، ويرددون القول الداعي لإثارة النعرات السياسية وبعث الفتن من مكامنها ، فلا توقظوا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وتوقفوا عن عزف الموسيقى لها وعليها بالمجن واللحن ، فيكفينا ما نحن فيه ، من مصائب وفواجع ومحن . فبالله عليكم ابتعدوا عن الهمز والغمز واللمز والنظر للآخرين بعين واحدة ، وأنظروا لهما بعينين اثنتين ، فهما نعمة ربانية ، أنعم بهما الله علينا جميعا . وآمنوا بالتعددية السياسية والحزبية ، فالاختلاف لا يفسد للود قضية .. فكونوا مواطنين صالحين بحق وحقيق بعيدا عن التطرف والمغالاة والعصبية القبلية . وتوقفوا عن إلغاء الآخر ، وعيشوا إخوة متحابين ، فآمنوا بالوحدة والتعددية ، وليقل كل منا رأيه ، دون لف أو دوران أو خوف أو وجل ، إلا من الله عز وجل ..

إنهاء حرب المساجد في فلسطين .. وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا

يقول الله عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال عز وجل : { وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (17) وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24) قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (25) عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (26) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (27) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا (28) }( القرآن المجيد - الجن ) .

كونوا عباد الله إخوانا ، واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ، ودافعوا عن المسجد الأقصى المبارك من هجمات الاحتلال الصهيوني وقطعان المستوطنين اليهود ، بكل ما أوتيم من قوة ، وصلوا في المساجد بصفوف مؤتلفة لا مختلفة ، فلتكن الصفوف متراصة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ، وفقككم الله العظيم الحليم . ومما لا ريب فيه ، إنه لا بد من إنهاء حرب المساجد بين الأخوة الأشقاء في فلسطين ( الضفة الغربية وقطاع غزة ) ، ونبذ وإلغاء الحرب الكلامية المستعرة القبيحة قبحها الله من فعلة ، ويفترض النأي عن الردح التخويني ، ضد هذا أو ذاك ، والإعلام الهابط المستند للفتنة النتنة ، فبيوت الله الواحد القهار ، هي للعبادة وليس للمناطحات أو المناكفات السياسية الحزبية الفئوية الضيقة . وليأخذ كل ذي حق حقه ، دون زيادة أو نقصان أو فلتان ، أو زلات لسان أو احتقان . فحرب المساجد ليست في صالح أحد ، من أي كان ، ويفتت الجهود ويجعل الناس تبتعد عن المساجد لدرء الفتن وتجنبها ما استطاعت إلى ذلك سبيلا ، فلا تساهموا في خواء المساجد وتقليل عمارها .. ولا تنسوا اعتداءات المستوطنين اليهود على المساجد الإسلامية بالضفة الغربية المحتلة ، بالحرق والهدم وكتابة الكلمات النابية ضد الإسلام والمصطفى رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، فهؤلاء الأنجاس لا يفرقون بين مسلم وآخر ، وبين مواطن فلسطيني وآخر ، من هذا التيار السياسي أو ذاك .. فنرجو تصحيح الأمور من جديد بالتوافق والوفاق قبل فوات الأوان ، وخراب العلاقة بين الإنسان والإنسان .. فدعونا من المبررات المتعددة والذرائع الزائفة الواهنة التي هي أوهن من بيت العنكبوت .. واتركوا المنافع المصطنعة لهذه الفئة أو تلك .. فالمسجد للجميع ، فهو بيت الله الآمن ، فإذا لم يشعر المواطن الفلسطيني بالمسجد بالأمن والأمان فأين يا ترى سيشعر به ؟؟! فلا وبليون لا للمناكفات والمشاجرات في أحضان وعلى أبواب المساجد وإغلاقها .. وأسألو الله حسن الختام . يقول الله السميع العليم جل في علاه : { إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18)}( القرآن المبين – التوبة ) .

الخطوط العريضة إلى لم الشمل والمصالحة الفلسطينية .. وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى

يقول الله الحي القيوم جل شأنه : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) }( القرآ، المجيد – المائدة ) .

برأينا ، ونحن نمر بصعوبة بالغة ، في هذه المرحلة الخطيرة ، من مراحل التحرر والتحرير الوطني الفلسطيني ، في أرض فلسطين المباركة ، لا بد من وضع النقاط على الحروف ونتجنب الشقاق والنفاق وسوء الأخلاق ، كالآتي :
أولا : الوحدة الفلسطينية هي صمام الأمان للجميع كسياسة عامة . ولا يمكن بغيرها أن تتحرر فلسطين ، بأي حال من الأحوال سلما أم حربا ، فبقاء الإنقسام يبقى في صالح الأعداء لا الأشقاء أو الأصدقاء . وينبغي التوقيع على ورقة المصالحة المصرية لرأب الصدع مع تفاهمات وطنية – إسلامية فلسطينية شاملة ، لا تستثني أحدا من الحركات أو الفصائل السياسية والعسكرية القديمة والجديدة ، بحيث تكون تفاهمات واتفاقات مكتوبة ، سابقة وملزمة للجميع ، على قاعدة لا غالب ولا مغلوب ولا خاسر أو رابح ، ففي استمرار الإنقسام خسارة للجميع خسرانا مبينا .
ثانيا : الإتفاق والوفاق على تعيين قانون انتخابي مناسب ومقبول للجميع ، وتعيين موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية الفلسطينية القادمة ، بفترة لا تتجاوز 6 شهور ، مع الحاجة لإعادة تشكيل لجنة الانتخابات المركزية بفلسطين ، للإشراف على الانتخابات الجديدة ، وتحديد موعد جديد لإجراء هذه الانتخابات دون تأجيلها أو تأخيرها عبر الإعداد الجيد لها .
ثالثا : إخراج جميع المعتقلين السياسيين والأمنيين في السجون الفلسطينية بالضفة الغربية وقطاع غزة على السواء دون قيد أو شرط . إذ كيف يمكننا المطالبة بتحرير حوالي 8 آلاف أسير فلسطيني في سجون الاحتلال الصهيوني ولا زالت السجون الفلسطينية في قطاع غزة والضفة الغربية تمتلئ بالمعتقلين المعذبين نفسيا أو جسديا أو كليهما من أبناء جلدتنا . ولتتوقف سياسة الاستدعاءات العادية والطارئة والاعتقالات الفردية والجماعية والتعذيب النفسي والجسدي في غياهب المعتقلات والسجون والزنازين اللعينة ، ولتتوقف المطاردات الفلسطينية الساخنة والباردة لأبناء فلسطين البررة ، لإختلاف الرؤى السياسية ، فنحن شعب واحد بفلسطين الكبرى ، ولنغلب التناقض الرئيسي على التناقض الثانوي ولنعذر بعضنا بعضا .
رابعا : إعادة جميع الموظفين المدنيين المفصولين لأسباب سياسية ، والدعوة لعودة جميع الموظفين المستنكفين عن العمل لعملهم في الوزارات والمؤسسات الفلسطينية ، في الضفة الغربية وقطاع غزة ، بل والعمل على تعويض المفصولين باستحقاقاتهم المالية كاملة طيلة السنوات العجاف السابقة ، وفتح صفحة جديدة ، بين الجميع وللجميع من أجل الجميع ، ولا بد من تحريم سياسة الإقصاء الوظيفي المدني والعسكري لأسباب حزبية وسياسية مقيتة . فأبناء الشعب العربي المسلم في فلسطين ، هم وحدة واحدة ، ويكفينا ما نعانيه وعانيناه من الوحشية والصلف والعنجيهة والتكبر والاستعلاء والطرد والتسفيه الصهيوني بحقنا وبحق أبناءنا .
خامسا : إعادة تشكيل مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ، بالتوافق والاتفاق الوطني الشامل ، لإرضاء الجميع بالحد الأدنى . وينبغي إعادة الاعتبار لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وتفعيل مؤسساتها كافة بلا استثناء ، وفق ضوابط قانونية وسياسية وأخلاقية ملزمة للجميع ، فيجب إدخال حركة حماس والجهاد الإسلامي والفعاليات السياسية والعسكرية الجديدة ، لمؤسسات المنظمة الأم ، بصورة عاجلة وعدم التأخير أو المماطلة في ذلك .
سادسا : التفرغ الفلسطيني الرسمي والشعبي التام ، للبناء والتنمية والتقدم والإزدهار ، والتحرر والتحرير والاستقلال الوطني ، وفق استراتيجية فلسطينية شاملة توزع فيها الأدوار بدقة ، في عدة مجالات سواء أكانت سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو اجتماعية أو إعلامية فردية أو متعددة الأشكال والصور ويجب أن تقوم على استراتيجية واحدة .
سابعا : تشكيل حكومة انتقالية فلسطينية موحدة بعيدا عن الحصص والمحاصصة الزائفة ، وذلك لإدارة الفترة الانتقالية لفترة زمنية لا تتجاوز 6 شهور ، لإعادة اللحمة الوطنية ، والوئام بدل الخصام ، وتهيئة الشعب للانتخابات الثلاثية المقبلة : الرئاسية والتشريعية والمحلية المتلازمة أو المتباعدة حسب ما يتفق عليه الجميع .
ثامنا : تعويض المتضررين من الأوضاع العسكرية في حزيران 2007 وتبعاتها ، في قطاع غزة ، من الجرحى والثكالى والأرامل والأيتام ، وتكون عملية التعويص معنويا وماليا بصورة مناسبة . وتخصيص رواتب شهرية لهم طيلة حياتهم مع الرعاية الطبية والتعليمية والاجتماعية .
تاسعا : توقيع اتفاق الصلح والمصالح الفلسطينية ، برعاية عربية موسعة تضم من بينها أصحاب المبادرات العربية من القادة المصريين والسعوديين والقطريين واليمنيين وسواهم .
عاشرا : تحريم سفك الدم الفلسطيني بين أبناء الوطن الواحد والهوية الواحدة والجغرافية الواحدة والتاريخ المشترك الواحد واللغة الواحدة والثقافة الواحدة والحضارة الواحدة . وليعود الجميع لإنسانيتهم وطيبتهم وتحقيق سبل العزة والكرامة الشخصية والوطنية والعامة ، كما هي بعيدا عن الزيغ والباطل والعزة بالإثم .
وكما يقول الله الغفور الرحيم عز وجل ، في إصلاح ذات البين : { وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (128)}( القرآن المجيد – النساء ) .

المتضررون من الإنقسام في فلسطين .. وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

وبخطي هذه الخطوط العريضة لمقومات الصلح والمصالحة الفلسطينية ، في أرض الإسراء والمعراج المقدسة ، أرى ورأيت أنها فريضة وواجبة علي كمواطن فلسطيني ، وأستاذا للعلوم السياسية والإعلام ، ابتغي وجه الله العزيز الحكيم سبحانه وتعالى ، حيث تحضرني هذه الآيات القرآنية المجيدة : { إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197) وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ (198) خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199) وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200) إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ (201)}( القرآن الحكيم – الأعراف ) .

في أتون الحرب المستعرة ، بين الكثير من أهل فلسطين الطيبين ، من التيارات السياسية المختلفة ، من حركتي فتح وحماس والجهاد الإسلامي والسلفيين والمستقلين والمواطنين العاديين ، أقول لهم طالبوا بحقوقكم بالوسائل السلمية والمدنية ، ولا تستخدموا العنف فيما بينكم ، وأذكركم بقول الله الحنان المنان ، ذو الجلال والإكرام جل جلاله : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)}( القرآن المجيد – آل عمران ) .

أياكم والإفلاس يوم القيامة

يقول الله الواحد القهار ، منزل الكتاب سريع الحساب جل جلاله : { الْقَارِعَةُ (1) مَا الْقَارِعَةُ (2) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ (3) يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ (4) وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ (5) فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ (6) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (7) وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ (8) فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ (9) وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ (10) نَارٌ حَامِيَةٌ (11)} ( القرآن المجيد – القارعة ) .

وبناء على ما سبق ، نقول وعلى الله الإتكال ، إن الصلح والمصالحة الوطنية بين أهل فلسطين الأصليين ، وحركاتها وتنظيماتها وأحزابها المبعثرة والمشتتة في كل مكان ، أمر حتمي لا بد منه عاجلا أو آجلا ، فالمصالحة ولم شمل البلاد والعباد ، هي سيدة الأحكام ، ووقف الظلم خير من التمادي فيه ، وزيادة عدد المعذبين في الأرض ، والعقلانية خير من الإستعراض اللفظي الكلامي ، ولا تنسوا الصفح والمغفرة للمذنبين ، وكظم الغيظ وأطلبوا الحق العادل من رب العالمين فهو العدل ، أعدل العادلين والحكم أحكم الحاكمين . ويا أيها الذين ظلموا بني جلدتهم وأبناء شعبهم ، في جهات فلسطين الأربع ، ردوا المظالم إلى أصحابها ، ولا تغرنكم الدنيا الغرور ، وتوبوا إلى الله توبة نصوحا ، وأحسنوا وأكثروا من الحسنات ، لئلا تأتوا مفلسين بيوم القيامة عند رب العالمين ، يوم يقوم الناس لرب العالمين وقد خاب من حمل ظلما . فبادروا للتوبة اليوم قبل الغد أو بعد الغد فلا تكونوا جبناء أو كسالى أو عاجزين ، وتذكروا ربما يردكم الله إلى أرذل العمر فتتعذبون بحياتكم قبل مماتكم ، استعداد لحياة البرزخ ويوم البعث العظيم ..
فأقروأ إن شئتم ما جاء في صحيح مسلم - (ج 12 / ص 459) أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ فَقَالَ إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ " .

فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ

يقول الله العلي العظيم تبارك وتعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (1) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (4)}( القرآن العظيم – الأنفال ) .
أيها المتناحرون والمتجادلون الفلسطينيون بفلسطين ، ومن أهل فلسطين بخارجها لجمع الغنائم والأنفال بالحرب الإعلامية والسياسية بين أهلكم وشعبكم وأمتكم ، عربيا وإقليميا وعالميا ، لوجه الله تعالى ثم من أجل حرمة الإسلام ثم من أجل فلسطين ، عودوا لأصلكم الطيب وفلسطينكم الجريحة ، يجب أن يتمتع النواب المنتخبون بفلسطين بالحصانة الدبلوماسية والبرلمانية ، وأن ينتهي التنسيق الأمني الزائف ، وأن يتمكن الجميع من حرية الرأي والتعبير ، سواء أكان من حركة فتح أو من حركة حماس أو الجهاد الإسلامي أو غيرها من الفصائل المناضلة من أجل تحرير فلسطين ، فالوحدة الوحدة يا أبناء فلسطين الطيبة .
ووحدوا الصفوف تحت راية واحدة ، فالأيام القادمة خطيرة والأعداء من الضالين والمغضوب عليهم ، كثيرون يتربصون بهذا الشعب المجاهد دوائر السوء عليهم دائرة السوء وسيرد الله مكرهم إلى نحورهم بوحدة الصف الفلسطيني ، ولا توالوا غير المسلمين .

فرق تسد .. لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ

يحرم على المسلمين ، في فلسطين وخارجها ، موالاة الأعداء من الكفار بأي صورة من الصور أو بأي شكل من الأشكال ، مهما كانت التضحيات الجسام ، فلا ثقة بالأعداء مطلقا الذين اعتدوا على العباد ونهبوا البلاد ولا زالوا ينهبونها بشتى الطرق والأساليب الخبيثة ، ويوقعون الكراهية والبغضاء بين أبناء فلسطين الواحدة . فتارة يستخدمون الدعايات المضللة وطورا يلجأون لبث الفتن والدعاية السوداء أو الصفراء أو كليهما لتأجيج الخلاف بين أبناء فلسطين البررة من أبناء الحركات والفصائل الفلسطينية التي تنادي بالحرية والتحرير الوطني من الاحتلال الأجنبي ، فلتكونوا واعين مقدرين لظروف المرحلة الحرجة ، وتفوتوا الفرص الخبيثة الماكرة وعدم السماح باختراق الصفوف الفلسطينية تحت مسميات شتى ، وفق سياسة ( فرق تسد ) لتجنب الفشل وذهاب ريحكم الطيبة .
يقول الله عزيز ذو انتقام عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52) وَيَقُولُ الَّذِينَ آَمَنُوا أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ (53) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (54) إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (57) }( القرآن المجيد - المائدة ) .

كلمة أخيرة .. فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ


يقول الله الواسع الحكيم جل ثناؤه : { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (10) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) }( القرآن العظيم – الحجرات ) .
وبناء على ما سبق من قول آنفا ، فينبغي أن لا نستسلم للواقع المرير الذي نعيشه في ثنايا الانقسام والشرذمة ، ويجب قول الحق ، ولو أن كلمة الحق مرة بل علقما ، على مسامع البعض ، ولا يحب النقد والمعارضة بل يحب الثناء الزائف المنافق ، فنقول الحق ولا نخاف في الله لومة لائم ، بعيدا عن الفراق والفسق والنفاق ، فقد أزفت ساعة الوفاق ، ولتكن الجبهة الداخلية الفلسطينية صعبة المراس بعيدة عن الاختراق ، ولنبدأ صفحة جديدة بيضاء ناصعة ، بقلوب صادقة ، تقوم على لم الشمل الفلسطيني الكامل ولو باتفاق سري من تحت الأنفاق ، والابتعاد عن الطائفية والفتن ، وإعطاء الحرية الكافية لوسائل الإعلام في المراقبة والتصحيح والنقد البناء البعيد عن السطحية والغوغاء والردح الدفاق ، وتطهير النفوس من الغل والحقد والكراهية وبث روح التعاون والإخاء والصداقة العامة والوفاق ونزع فتيل الاحتراق . فلا مناص من الإتحاد الفلسطيني ، فيا أهل فلسطين تعاونوا واتحدوا ولا تتجافوا أبدا ، وليدلي كل حزب وفصيل وحركة وتيار سياسي وطني وإسلامي ومستقل برأيه بعيدا عن غابة البنادق ، وتمترسوا بالخنادق ولا تغتروا بإغراءات الفنادق .
والله نسأل أن يوفق الجميع لما فيه خير المصلحة الفلسطينية العليا ، والسلام الداخلي الفلسطيني ، في أرض المحبة والسلام ، والمحافظة على الثوابت الوطنية المتمثلة بإقامة دولة فلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف ، والحرية والاستقلال الوطني الناجز ، وحق عودة اللاجئين الفلسطينيين لمواطنهم الأصلية ، وجلاء المستوطنات اليهودية عن الأرض الفلسطينية ، وإخراج جميع الأسرى من سجون الاحتلال الصهيوني .
وليعلم الجميع أن كل سنة تأخير في الوفاق والاتفاق بالاعتصام بحبل الله المتين والاستمساك بالعروة الوثقى ، والتمترس خلف الإنقسام البغيض ، هو تيه فلسطيني شامل ، يؤخرنا عشر سنوات عن الاستقلال والتحرير الوطني للأرض المقدسة . ونردد قائلين : نعم للوئام لا للخصام ، وصبر جميل والله المستعان على هذا البلاء والابتلاء والامتحان .
وندعو ونقول والله المستعان ، كما قال نبي الله شعيب عليه السلام ، كما نطقت الآيات القرآنية الكريمة : { قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88)}( القرآن المجيد – هود ) .
والله ولي التوفيق . سلام قولا من رب رحيم . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

ليست هناك تعليقات: